أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 04/09/2022

الكاتب: فكري داود-مصر

       
       
       
       
       

 

 

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

* قاص وروائي وباحث مصري.

* من مواليد السوالم – كفر سعد – دمياط / عام 1956م

* المؤهَّل/ ليسانس الآداب والتربية , قسم اللغة العربية.

* عمل بالسعودية معارا من عام 1995 إلى2000

 

* صدر له:

1ـ الحاجز البشري  ـ قصص ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة 1996م.

2ـ صغير في شبك الغنم ـ قصص ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة  2001م. + دار النشر الإلكتروني2004.

3 ـ سمر والشمس ـ قصص للأطفال ـ دار الإسلام للطباعة والنشر   004 م . + دار النشر الإلكتروني2004.

4ـ نبش في ذاكرة الحصار / قصص / دار النشر الإلكتروني2004.

5ـ طيف صــغير مراوغ / رواية / دار النشر الإلكتروني2004.

 

* له تحت الطبع الورقي:

1ـ طيف صــغير مراوغ / رواية / الهيئة المصرية العامة للكتاب.

2- المتـــــــعاقدون /  رواية / روايات الهلال/ دار الهلال.

3- دهس الطين / قصص  / كتاب الاتحاد / مطبوعات اتحاد كتاب. مصر.

4ـ الخروج الكبـــــير / رواية .

 

المشاركات:

- عضو اتحاد كتاب مصر.

ـ عضو نادي القصة بالقاهرة.

- عضو نادي أدب دمياط ـ مقرراً و عضو  مجلس إدارة لبعض الدورات ـ 

- عضو نادي الأدب المركزي .

- عضو جمعية رواد الأدبية.

- عضو تحرير سلسلة ( إصدارات الرواد) الهيئة العامة لقصور الثقافة/ دمياط:  ( لجنة القراءة ـ مدقق لغوي ـ سكرتير تحرير)

* معتمد كمحاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة.

* كرمته مديرية الشباب والرياضة بدمياط كرمز من رموز الحركة الثقافية بالمحافظة.

* كرمته جامعة المنصورة متمثلة في كلية العلوم بدمياط/ كأحد رواد الحركة الأدبية بلإقليم.

* شـــارك عضوا أو باحثا في معظم مؤتمرات أدباء مصر بالأقاليم ، ومؤتمرات القصة، و شرق الدلتا، ودمياط، وغيرها.

* شارك في العديد  من البرامج الثقافية بالإذاعة،وبالتلفزيون. 

* نوقِشَتْ أعماله في العديد من البرامج الإذاعية والمؤتمرات والندوات.

* ناقشَ أعمالَه العَدِيدُ من النقاد والمبدعين ، نذكر منهم ـ دون أي قَصْد للترتيب ـ الأساتذة : 

علاء الديب/ محمد محمود عبد الرازق/ محمد جبريل/ حزين عمر/ فؤاد قـنديل/ د. يسري العزب/ سيد الوكيل/د.فتحي عبد الفتاح/ محمد مستجاب/ مصطفى الأسمر/ سمير عبد الفتاح/ محمود الورداني/بهاء جاهين/ خيري عبد الجواد/ فؤاد حجازي/فؤاد حجاج/فريد معوض/ ربيع الصبروت/إبراهيم جاد الله/ سمير الفيل/جمال سعد/ د. حسين علي محمد/ صلاح والي / وآخرون..

 

* نُشرتْ أعماله بالعديد من الدوريات:

*  خارج مصر، منها:

1ـ الأسبوع الأدبي السورية.

2ـ اليوم السعودية.

* وداخل مصر منها:

1ـ جريدة الأهرام .

2 ـ أخبار الأدب.

3ـ القاهرة.

4ـ الثقافة الجديدة.

5ـ الأهرام العربي.

6ـ الجمهورية.

7ـ المساء.

8 ـ الأهرام المسائي.       

 9 ـ أوراق ثقافية.

10- المحيط الثقافي.

11- كتاب سامر الأشجان ـ الصادر عن هيئة قصور الثقافة ( آفاق الإبداع في دمياط).

12- كتاب القصة القصيرة في إقليم شرق الدلتا.13ـ جريدة العمال.

ودوريات أخرى.

*نشرت له دار النشر الالكتروني ( كتب عربية) رواية، وثلاث مجموعات قصصية.

* نشرت سيرته وقصصه وبعض الدارسات والقراءات لها على كثير من المواقع الأدبية المتخصصة على شبكة (الإنترنت).

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

 أجيرة

دهس الطين

ترنيمة صغيرة للغربة

طعم الرحيل 

 

طَعْمُ الرَّحِيل

 

كَمَنْ فاجأه التّذَكُّر، دَبَّ الانتفاضُ في بدنه...قبضَتْ كفُّه الصغيرة، على سبَّابتي اليُمنَى, خرج صوتُه متقطعا, قال: أبى.. هيا إلى صلاة الجمعة. يومان فقط مرَّا، على قدومي من البلد الخليجي ـ لأجازة قصيرة ـ، كوب الشاي ـ بعد الفطور ـ لم ينضب بعد، قلت: لم يدخل الوقت بعد يا فارس. عَلَتْ جبهتَه خطوطٌ أقلُّ من سنوات عمره العشر, قال: كثيراً ما يدخل الوقت، وأنت هناك.ارتبكت هزاتُ رأسي, أفرَجَ فمي عن همسة وَاهِنَة: من أجلكم كان الرحيل. حاولَتْ حِيلَةُ أمه، أن تشغله عن مواصلة الحوار، نجحتْ في ذلك للحظة، يحتل حلقها ـ منذ آخر عيد ـ طعم المرارة, يتردد في صدرها ـإلى الآن ـ تساؤله الصعب: إلى متي أذهب، إلى الصلاة وحيدا،ً يا أمي؟! عادت عيوننا لتلتقي، حاولتْ كفْه جذب يدي، بَدا إصراره أقوى من أي شيء. بدأت أقدامي أولى خطوات الاستجابة...أوقفتني كلماته:ليس قبل ارتداء بدلتك الجديدة.

قلت: جلبابي جديد، وغالي، و... قال معترضا: أبو الولد ( فاروق)، يبدو ببدلة جديدة، عند كل صلاة، وفي الأعياد، و...عَضَّتْ أسنانُ أمه شفتَها السفلى، في محاولة لإسْكاتِه....عجزتْ ملامحي، عن خلق تعبير مناسب يسبق الكلام.واصلَ كلماته: في العيد, وأنت بعيد, تضم أحضان الكبار كل الصغار, أما أنا فـ... فاجأني جفاف الحلْق, وانحدرتْ تحت عينيَّ، كراتٌ صغيرة ساخنة.  

 

 

تَرنِيمَةٌ صَغيرَةٌ للغُربَة

 

 

جسدٌ مُلتَفٌّ على نفسه في الركن, فستانٌ قصير، يكشف عن ساقين نحيلتين, أنفاسٌ وَاهِنَةُ، داخل صدر صغير تتردد, عينان تنتقلان بيننا ـ أنا وأمها ـ وبين الأشياء، دون أن تَنِدَّ عن اللسان أيَّةُ كلمة.

تجتهد كلماتنا لإثارة حواسها, تحاول إعادتها إلى سيرتها اللاهية.

أربع شقق, يقطنها أربعة رجال، بجنسيات عربية مختلفة ـ بعد استقدامهم للأُسَرـ, جمعتهم حاجةُ العمل, مكتظٌ هذا القطر العربي الشاسع بالجنسيات, توليفة عجيبة من البشر، تتنفس هواءً واحداً, وتلفحها شمس مُحرقة واحدة.

بُقعة صغيرة خالية، أمام أبواب الشقق, هي ملعب الصغار الوحيد، مخاطرُ لعبهم بالشارع، قد تصل إلى حد الاختطاف ـ هكذا يقول السابقون ـ، مشاجرات طفولية عديدة تجرى, توشك أن تجر أقدام الكبار, يحتفظ الآباء، بِحَدٍّ أدني من الوِد فيما بينهم, يختفي ـ هذا الود ـ عند أيَّة مناقشات، خصوصا تلك التي يسمونها سياسية.   

انحصر ـ لذلك ـ ملعبُ كلِّ طفلٍ، في فضاءات شقَّتِهم, لم يُصِبْ ذلك أولاد أبى خالد ـ الأربعة ـ، بأي ضيقٍ يُذْكَر... 

بالباب تتعلق عيون البنت الوحيدة  ـ إذ تُرك أخوها بمصر لظروف دراسية ـ، بين عيوننا تنحصر حركتُها:

ـ تصنع دراجتها، أزيزاً ( يُضَرِّسُ).

 تُلَوِّحُ العصا ـ فورا ـ  بالعقاب.

ـ تأنس للوحة طفولية بـ (التلفاز).

 يتحول المؤشر ـ دون عمد ـ إلى برامج الكبار.

ـ تبحث في (البلكونه) عن فضاء جديد. تفاجؤها صرخاتنا، محذرة من إمكانية السقوط. ...استولى عليها الدوار، كنحلة  تائهة عن مكان الخلية. ركلتْ قدمُها وسادة صغيرة. مزقت يدها جريدة قديمة. دارت. استقر بها الخطو المرتبك، في ذلك الركن البارد ـ رغم الحر ـ، تقوقع بدنُها، تسلل إليه هُزالٌ عجيب. ... تَنبَّهْنا لذلك المقْتِ الساكن عينيها، لكل قوانين الكبار. فشلَتْ حِيَلُنا ـ المتجددة ـ، في انتزاعها من الركن. تبعثُ كلُّ حركة لها، في نفوسنا الأمل. هل تستجيب؟...ـ تحركَتْ ـ أخيرا ـ في الفراغ المُتاح. تَسَارعَت نبضاتنا، وبلل أطرافنا عرق بارد. صوبَ الباب، توجهت خطواتها. سيطر على أذهاننا، ترقُّبٌ حَذِر. حاولتْ يدُها الوصولَ، إلى مزلاج الباب الموصد. ثكرَّرت المحاولة. ثم... ثم سقطتْ اليد ساكنة، مجاورة للجسد، الذي سبقها إلى الأرض.

 

 

دَهْسُ الطِّين

ـ1ـ

خُيولٌ

 

كانا حصانين هذه المرة .. تلتصقُ بجَبْههَ أحَدِهما غرَّة كالحة، وتكسو بياضَ الآخر بُقَعٌ مُسوَدَّة، .. خلف رباطين من قماش، اختفت عيونُهما ـ منذ القدوم ـ، لمدة طالت.

هل تظل ( الفتوحات ـ في الأرض ـ مكتوبة بدماء الخيول؟!)(1) ...تأتي العرباتُ بالطمي، تنتظم أكوامُه، في بُقع متقاربة، ينساب عليـها الماء، تدور فوقها أقدام الخيول، كعقارب ساعة، فوق (مينا) سوداء، يحيلها الدورانُ، إلى أقراصٍ لزجة. فوق أحد الأقراص، دارتْ أقدامُهما ـ المسكونة بالارتجاف ـ دورتَها الأخيرة، آلافُ الأقراصِ انْدَهَسَتْ، تحت أظلافهما، قبل اليوم.

بين أنامل صاحب الورشة، تجري حبَّاتُ المِسْبَحَةِ، يصيح: (محروق أبو وِرَش الطوب.. الورش بتلهف الفلوس لهف) تَتوجَّه إشارتُه، نحو الحصانين العجوزين، يصيح من جديد: ( شِيلوا العَلَف ده ..  خسارة في جِتِّتْهم ) تنتقل عيونُنا، بين الفُرْنِ المتمدد، كقطار ضخم ـ مرصوصةٌ أحجاره بحِرفية عجيبةـ، وبين هذا الدوران اللانهائيّ. ينصَبّ المخلوط المدهوس، في قوالب خشبية، ينتج طوبا طينيا، يفترش الأرض لأيام، تحت الشمس. رائحة الطين تملأ المكان، مختلطة برائحة الدود، القادمة من حقول الذرة القريبة.. تتسابق الأيدي، في رصِّ الطوب، داخل الفرن الكبير، تُبْدِله النار ثوبَه الأسود الكالح، بآخر أحمر بطِّيخِيّ عجيب. ثم تبدأ دورة جديدة. تمر الشهور، لا يرتفع الرباط القُماشِيِّ، عن عَينَيّ الحصان، قبل أن تتوقف رؤيته بفعل العتمة، تلوح في ذهني مقولة : العضو الذي لا يعمل يموت، واضعا ـ عن عمد ـ كلمة )يموت) بدلا من (لا ينمو) الموجودة في أصل المقولة. يكشف فَمُ صاحبِ الورشة ـ عندئذ ـ، عن ابتسامة باردة، يقول في تَشَفٍّ عجيب: ( خلاص ..) ... يعطي الأمر، برفع القيد عن ساقيه، وعينيه، يتساءل دون انتظار لجواب : ( وفين هيروح ؟) ...حصانين كانا هذه المرة: مرَّتْ معهما المراسِمُ المعتادة، بكل حزم: قدومٌ صبيانيّ متغطرس. رباطٌ طويلُ للعيون. فَقْدٌ مُدَبَّرٌ لنور البصر.  َفَلَّتَتْ سنوات عمرهما ـ كأسلافهما ـ، دون إثارةٍ للدَّهشة. ترتبك ـ منذ مدة ـ سِيقانُهما، يصيب بدنَيهما السُّقوطُ، يَنَْدَبُّ البوزان في الطين. يزداد صدرُ صاحبِ الورشة ضيقا. لم يعد يفيد ضربُ السِّياط. لابد للأيدي الآدَمِيَّةِ أن تساعد البدَنَين  لينتصبا من جديد. يتصبَّبُ العَرَقُ. بين وَقْعِ السِّياط، وحركةِ الأيدي المساعدة، تنتقل العيون: (ماذا تبقى الآن، ماذا، سوى عَرَقٌ يتَصَبَّبُ من تعب ..)(1)  ليس من كَرٍّ وفَرٍّ في ساحات النِّزال، ولا حتى في حلبات المراهنة الدائرية، فلدوائر الطين من عمرهما أيضا نصيب. قدوم العربات مستمر، جحافل من طيور، تشبه (أبو قردان)، تطارد الخنافس الهاربة، من الطمي الجديد.انتحت يد مأمورة بالحيوانين جانبا، كهيكلين خشبيين متَّسِخَين، تلفُّهما الدَّهشةُ؛ ـ ربما ـ لِتوقُّفِهما عن الدَّهْس الآن، وفي عِزِّ النهار، ها هي حُرْقَةُ الشمس، فوق الجلد المسكون بالعلة، تُنْبِئهُما عن التوقيت. عينُ بندقية القنَّاصِ (مفنجلة)، قامةُ تاجر الجُلودِ مشدودة؛ مِشْرَطه متحفِّز، سدَّدتْ يدُه ـ حالاً ـ  ثمن الجِلْدَين... أليس من حق أي مخلوق، أن يحتفظ بجلده، حيا أو ميتا؟! ـ سؤال ربما يلوح لأحد الحاضرين ـ.

 تحتك أنيابُ صاحبَ الورشة، يهمس متحسرا: ( لو حَدّ يشتريٍ اللَحْمِ والعظم؟) تنبَّه الحضور لصَهيلٍ عَفِيٍّ، شَغَلَ الأنظارَ ـ للحظة ـ  قدومٌ جديد، لحصانين أرْعَنَين، تتقافز أقدامُهما الغشيمةُ، قُرب الطين! أرْسلَ صاحب الورشة الأمرَ الأخير... أعَادَتْ البندقيةُ للآذان وَعْيَ اللحظةِ، و لم تستطع العيونُ، الاستمرارَ في متابعة، الدماء المتفجرة، من الرأسين العجوزين.

 

ـ2ـ

أقدَامٌ نَحِيلَةٌ شَائِهَةٌ

 

ها هي الأقدام النحيلة لصغار بني الإنسان، تغوص ـ حتى الركب ـ وسط أقراص الطين العملاقة، توقف الاعتماد ـ منذ فترة ـ على الخيول، ليس من سبب واضح لذلك، سوي التكلفة ربما.

ومَن غيرُه بديلا يكون؟ ذلك الإنسان، الموضوعةٌ كَفُّه فوق خَدِّه، في انتظار الفرصة؛ ليستولى على بعض أشغال بني الحيوان، يظن نفسه يغتنمها ـ الفرصة ـ، لا تتنبه حواسَُه، لاغتنامها هي له، إلاَّ بعد انتهاء الجدوى! تنتهي عادة خدمةُ الحصان، برصاصة في الرأس، تُرى بأيَّةِ رصاصة، تتعلق تلك المصائر الصغيرة؟ مُلتصقٌ وجهي، بزجاج السيارة، من قريتي، التي تحتل بقعة، من شاطئ النيل، إلى المدينة ـ محل العمل ـ، أدمنَتْ عيناي الحملقةَ، تعيد قراءة كل ما يقع، في برواز النظر: البرسيم اليابس الهزيل, القنوات الظمأى للماء, أشجار الكافور المصفوفة العجوز, راكبي الدراجات, والسيارات النصف نقل, والحمير, والمترجلين إلى الحقول وإلى المدارس، و... يبدو كلُّ شيء مفهوما ـ أول الأمر ـ, كما لو كان كتابا، أقرؤه للمرة الألف. عند اللوحة الأثيرة ـ لأطفال الطين ـ  تُعيد حواسِّي القراءةَ, تبـدو (شخابيطها) كلوحة (سريالية)، عويصة الفهم، إلاَّ لذوى الأفهام ـ والذي لَسْتُ منهم على ما يبدو ـ تتراصُّ أبدانُهم الصغيرة، كعربات قطار بطئ, عليل, ينتـقل خَطْوهم كليلاً، فوق دوائر كبيرة من الوحل, أسْمالُهم البالية مُشَمَّرَةٌ, ترتبك فوقها، الخطوط الباهتة, والورود الذابلة، ناشعة العرق, تدور بهم أرجلهم، كما تدور الرحى، وصَرخةُ (الملاحظ) المُحَذِّرة، سَيفٌ على الرقاب، ترتفع عيونُهم المغرورقة، عن الطين, تصطدم بشاربه الغليظ، وسِحْنته المرعبة, والسوط الطويل، في يده.

تتسحب نظراتي ـ عبر زجاج السيارة ـ,تحط عند سيقانهم، النحيلة العارية, إلاَّ من طبقة الوحل, يمس صدري مَسَّاً كهربياً, تمتد أيديهم بأطراف أكمامهم، تمسح جباههم وأنوفهم. ...فاجأني صوتُ جارى ـ الذي أدْهَشتنِي متابعتُه ـ، قال: هذه أول خطوة، في صناعة الطوب.

قلت ـ لا إرادياً ـ: ولكن الصغار...

قاطعني تساؤله : ما لهم الصغار؟! ... في الفراغات الكائنة، بين أقراص الطين, على طول الطريق, تبقى أعداد كبيرة، رَهْنَ الانتظار, مُسَلَّطَةٌ عيونُهم على الحركة، فوق الأقراص.

وفيما بدا مفاجئا، انكفَأ أحَدُ الدائرين على وجهه, أطْلقَتْ ـ عندها ـ، حناجرُ المنتظرين، تهليلةً صاخبة,احتلت رأسي الدهشةُ لذلك التهليل.

قال الجار: لِمَ الدهشة؟!...سيحل أحداهم محلَّه، ويأخذ أجره.

قلت: أليس الأجرُ لِكلِّ الـ ...؟

قاطعني: الأجر لمن يدور فقط....استحضرَتْ آذاني، صوتَ جدي مُحَذِّراً ـ ذات يوم ـ، من لَمْسِ أصابعي، لبراعم اللبلاب النابت, صاح : اللمس يوقف النمو يا ولد. أوشكت الخواطر، أن تتداعى على رأسي ... نبهتْني حلقةُ المنتظرين، التي انضربَتْ حول الملاحظ سريعاً, تفقدَتْ يدُه أبدانَهم, ثم دفعت بأعلاهم كتفا،ً داخل الوحل. كرَّرَ لساني ـ لا إراديا ـ كلماتِ الجد: اللمس يوقف النمو ... رَمَتْ عيناي نظرةً جديدةٌ, أحَاطَتْ بتلك القطعان المُوحلة، من الصغار, وتردَّدَ بداخلي تساؤلٌ غامض: تُرى هل يدركهم النمو؟!

 

 

أجِيرَة

 

صفحة ثوب باهتة، على عودها الممصوص مسدولة.

بقعٌ من ماء متسخ فوق الأقدام. نُدفٌ خضراء من شتلات الأرز، بأظافرها تعلق لا تزال... سروحٌ قبل الشروق. وعودةٌ مع تعامد الشمس، على رؤوس العباد. ها هو رأسها ـ عند آخر عَوْدَةٍ ـ بين كفيها ينام، تحتل ـ متقرفصة ـ بقعة ضئيلة، من السكة الترابية، تحوم حول رأسها كطنين النحل، تساؤلات زميلاتها الأجيرات، دون أن يرد لسانها جوابا. عيناها المغرورقتان تحملقان،...  فيما يا ترى؟ تلقيان نظرة متحسرة ـ ربما ـ، على زمنها الفائت، هل لاحت لها ـ من بعيد ـ يدُ أمها المرتجفة، وهي  تتحسس جبينها الصغير، خوفا من فعل الحمى الغادر؟ أم لمحتْ قفزاتها اللاعبة مع الصغار، في جنبات بيت أبيها المترامي الأركان؟ أم تراها ألقت النظرة من قريب؛ عند بناتها الخمس الصغيرات، والزوج الذي يحمل بين جنباته البلادة، بأجرها يقتات، يدخن، يملأ فمه بكلمات الضجر والسباب؛ كيف نعيش على تلك الجنيهات ـ يصيح ـ ؟! ليت قدميها ما ساقتاها ـ عندما لزم البيت دون مبررـ، لتسرح أول مرة، من يومها ولم تفلح كل المحاولات، لإعادة الهرم المقلوب، إلى وضعه الصحيح.

قالت أمها في حضرة أبيها ـ قبل رحيلهما ـ: (عششي يابنتي)...أجيرةٌ ( لتعشش) إذن ، ومن القطن إلى الأرز، لم تتوقف لها سرحة. على جانبي السكة ذات الحفر، تصطف أشجار النخيل، فوق إحداها، ترقد أنثى غراب على بيضها؛ من أجل فقس المزيد، نقيق متواصل، لذكر ضفضع عجوز، وذكر الغربان، من جانب إلى جانب  ينتقل، عابرا فوق رؤوس الجَمْع المرتاب، والنظرة من عينها لا تُعرف لها وجهة، ترتسم على شفتيها، ابتسامة شفيفة مَرة، وتعلو جبينها ـ المُترَب ـ خطوطُ الحسرة مرات  ..، و(مالك يابت) من أفواههن لا تتوقف... تحاول إحدى يديها، الولوج بين ثدييها، حيث حجاب الحظ، قالت أمها ـ يوم تسليمها إياه ـ : حجاب يابنتي مبروك (حتة من خلاصك، و طرف بُرص أسود، وكف غراب)،... لم تطاوعها نفسها يوما ـ رغم كل شيء ـ، بالتخلي عنه، ترى هل ألبسَتْها أمُّها ـ بالخطأ ـ تعويذة العكس؟ تبادل كلٌّ من الغراب، والضفضع النعيق والنقيق، التصقتْ بُقَعُ الماء فوق ثوبها، بتراب السكة، استحالتْ إلى دوائر طينية. بآذان الأجيرات، لا يزال صدى غنائها يتردد، قالت ـ ويداها تعملان ـ: (رُدُّوا يا نسوان)، ثم تركتْ لسانها، ليغني أغنيةً للفراق. هل يمكن لبصيرة البعض، أن تسترق المعرفة، لما هو آت في الزمان؟! بالأمس أوسعتْ شفتاها بناتها تقبيلا، احتوتهم أحضانُها طويلا، ثم فاضت عيناها بالدمع... هل تلتقط أذناها ـ الآن ـ كلمات زميلات الغيط؟ فشلت يدُها في الوصول، إلى حجاب الحظ، تململت لتنتصب من جديد، حاولت الأيدي أن تأخذ بيدها، انفلتَ بدنُها،أرسلتْ شهقةً واهنة، ممزوجة بحروف كلمة، وحيدة، ممطوطة: البنااااات.   

 

أضيفت في 26/12/2005/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية