الحصار
أخرجتُ رأسي من السيارة ، وناديت على ابني الصغير استحثه على الإسراع في
المجيء . أطلت زوجتي من نافذة البيت باسمة الثغر وقالت :
’’ سيأتي حالاً ‘‘ .
طبع محمد قبلةً سريعةً على خد أمه ، ثم ودعها بيده وركض نحو السيارة .كان
يوماً مشرقاً ، صافياً ، مؤاتياً للقيام بجولة في السيارة . كثيراً ما
يطالبني ابني ، الذي لا يتجاوز الخامسة من عمره ، أن أخرج به للتنزه،
ولكثرة مشاغلي فقد أرجأت هذه الفسحة إلى يوم عطلة مناسب . زوجتي فضّلت
المكوث في البيت ، فهي تخاف كثيراً من ركوب السيارة ، ولكنها أعدت لنا
الكثير من الشطائر والحلوى كأنما سنرتاد صحراء بعيدة . شعرتُ براحة عميقة
وأنا أرى محمداً جذلاً ، يكاد يرقص من فرط سروره .قلت له :
’’ سأريك جبلاً عظيماً يقع في نهايات المدينة‘‘.
قال بغبطة :
’’ وهل سنتسلق هذا الجبل ؟ ‘‘ .
أومأت له بالإيجاب ، وأخذت ألفق قصصاً كثيرة عن أيام طفولتي ، وكيف تسلقتُ
الجبل بنفسي، وتهت فيه عدة أيام ، ثم خرجت سالماً وعدت إلى البيت . رأيت
الدهشة تغمر وجهه وهو يستمع إلى قصصي الملفقة، ولم يهنأ باله إلا بعد أن
أجبته عن عشرات الأسئلة : عن الأشياء التي رأيتها داخل الجبل، وعن الطريقة
التي وصلت بها إلى البيت ، وأدق التفاصيل الأخرى . صاح فرحاً :
’’ ها هو الجبل ‘‘ .
وصلنا إلى الطريق المؤدي إلى الجبل . انعطفتُ وسرت مسافةً قصيرة ، إذ
بدورية الشرطة تتجه نحونا ، فأوقفت السيارة لأستطلع الأمر .
’’ - ماذا حدث ؟ ! ‘‘ .
ترجل أحد أفراد الدورية وتقدم بخطواتٍ واسعة نحونا . ارتبكت قليلاً . قال
الشرطي :
’’ ممنوع دخول هذه المنطقة ‘‘ .
تجرأت وسألته عن السبب ، فأوضح لي أن جريمة قتل قد وقعت بعد ظهر اليوم عند
منحدر الجبل ، وأن رجال الشرطة يقومون بتفتيش المنطقة . رجعتُ إلى الشارع
العام ، وأوقفت السيارة شارداً بفكري في الجريمة التي وقعت . من القاتل ومن
المقتول ؟ .
قال محمد :
’’ أين سنذهب الآن ؟ ‘‘ .
قلت له وأنا أحرك السيارة في اتجاهٍ أمامي :
’’ سنذهب إلى مكانٍ جميل عند شاطئ البحر‘‘.
وأقنعته بقصص ملفقة أيضاً عن السمكة الكبيرة التي تغني في البحر وتلعب مع
الأطفال . وعندما ألقى عليّ بأسئلته الفضولية لم أستطع أن أجيب لأنني كنت
أسأل نفسي : كيف يمكن أن يقتل الإنسان إنساناً آخر؟ .
’’ - أين شاطئ البحر ؟ ‘‘ .
’’ - سندخل الآن عبر بساتين النخيل ، ثم نصل إلى الشاطئ ، كثيراً ما جئت
إلى هنا وأنا صبي صغير ‘‘ .
وما أن سمع ذلك حتى ألقى عليّ بأسئلته المتلاحقة. انحرفت عن الشارع العام ،
ودخلت في شارع فرعي يؤدي ، حسب علمي ، إلى شاطئ البحر ، لكنني أوقفت
السيارة حائراً حين رأيت شارعين أحدهما يتجه إلى اليمين والآخر إلى اليسار
. لا أذكر أنني رأيت هذين الشارعين من قبل . ترددت في اختيار أحدهما. قال
محمد :
’’ لنذهب من هنا ‘‘ .
وافقته على عجل ، ودخلت في الشارع الذي يتجه إلى اليمين. وجدت نفسي في
طريقٍ ضيق لا يسع إلا لعبور سيارة واحدة ، وعلى طرفي الشارع نخيل كثيرة،
واقفة ، ميتة ، والأرض تبدو ، لكثرة ما استنجدت بالماء ، متشققة ، ومتصلبة
. كل شيء يوحي بالخراب في هذا المكان . واصلت السير مرتجياً الوصول إلى
الشاطئ ، أو إلى طريق آخر أقل وحشة وكآبة .
’’ - متى نصل إلى الشاطئ ؟ ‘‘ .
لم أحر جواباً لأنني لاحظت أن مجموعة هائلة من النخيل الميتة تقف في منتصف
الطريق وتمنعنا من المرور . شعرت بغيظ شديد . ما الذي دفعني للوقوع في هذا
المأزق.
’’ - متى نصل إلى الشاطئ ؟ ‘‘ .
’’ - سنعود من حيث أتينا ، من المحتم أنني أخطأت المكان ؟ ‘‘ .
وحتى أسلك طريق العودة فلا بد أن أرجع بالسيارة إلى الخلف مسافة ثم أعدل من
وضعها . شعرت بألم في رقبتي من جراء الالتفات إلى الخلف . عند المنفذ الضيق
أدرت السيارة وأصلحت من وضعها لنندفع إلى الأمام عبر الطريق الذي جئنا منه
.
’’ - أين سنذهب الآن ؟ ‘‘ .
’’ - سنعود إلى الشارع الذي يتجه إلى اليسار ، وهو الطريق الذي سيصل بنا
إلى الشاطئ‘‘.
قطعت مسافة في الطريق ولم نصل إلى الشارع العام ، ثم بغتة وجدت النخيل
الميتة واقفة في طريقنا . مستحيل ، كيف جئت إلى هنا ثانية ؟! .
’’ - متى سنصل إلى الشاطئ ؟ ‘‘ .
’’ - اصمت ودعني أفكر قليلاً ‘‘ .
لا مجال للتفكير ، يجب العودة إلى الوراء والإصلاح من وضع السيارة والخروج
من هنا بسرعة. بعد لأي وصلتُ إلى المنفذ الضيق ، وانطلقت بسرعة إلى الأمام.
قطعنا مسافة في الطريق ، ثم رأيت أمامي النخيل الميتة من جديد . يلج الخوف
قلبي فاضحك ضحكة باهتة.
’’ - لنعد إلى البيت ، لا أريد أن أرى السمكة الكبيرة‘‘.
قلت له والقلق يستبد بي :
’’ أنا أيضاً أريد العودة إلى البيت ‘‘ .
نزلت من السيارة لاستكشف الأمر . تبعني محمد. مشينا معاً في الطريق الموحش
الكئيب . وقفتُ أنظر إلى الطريق الذي جئنا منه. المفترض أن يُرجعنا إلى
الشارع العام ، فكيف إذن نعود في كل مرة إلى هذه المنطقة ؟ !. سحبت يد محمد
وعدتُ مسرعاً إلى السيارة . أرجعت السيارة إلى الوراء . كنت مضطرباً جداً ،
ولم أعرف إن العجلة الخلفية تنحرف لتنغرز في حفرة طينية . حاولت مراراً
إخراج العجلة من الحفرة ولكن دون جدوى .
’’ - أريد أن أعود إلى البيت ‘‘ .
غضبت وصرخت في وجهه :
’’ أنا أيضاً أريد العودة إلى البيت ‘‘ .
لم يحتمل غضبي فبكى . انتابني شعور بالندم فقرّبته من صدري ، وطلبت منه
السكوت والسكون ريثما أجد حلاً ، لكنه أصر على بكائه . قلت له :
’’ امكث هنا وسأحاول إخراج العجلة من الحفرة ‘‘ .
توقف عن البكاء ، وتبعني ثم وقف يراقب ما أفعله . أجهدت نفسي وجربت كل
الوسائل ، كان واضحاً أنني أحتاج إلى مساعدة شخص آخر ، وهذا الصغير ليس
بوسعه أن يأتي عملاً . تمنيت لو أن سيارة تمر من هنا ، أو يأتي أحد لنجدتنا
. كانت الشمس تنحدر نحو المغيب ، وهذا ما زاد من قلقي . رفست العجلة ولعنت
اللحظة التي فكرت فيها أن أخرج من البيت . كان محمد خائفاً ، يلتفت حواليه
كثيراً، ويلتصق بي كأن شيئاً ما سيخطفه مني . عدت للمحاولة مرة أخرى ولكن
ذهبت محاولتي سدى ، والظلام بدأ يرخي أسجافه ، ويزيد من الوحشة والكآبة .
توقفت بعد أن دهمني الإنهاك والتعب .
’’ - ألن نعود إلى البيت ؟ ‘‘ .
’’ - سنبقى هنا الليلة ، وفي الصباح الباكر سنعود إلى البيت ‘‘ .
لكنه بدا غير راضٍ عن فكرتي . أدخلته في السيارة وجلسنا ننتظر .
’’ - أريد أن أذهب إلى أمي ‘‘ .
سألت نفسي : هل سأجد حلاً لهذه الورطة ؟ .
طلبت منه أن يحكم إقفال باب السيارة ويرفع زجاج النافذة تحسباً من تسرب
الزواحف إلى الداخل. أخرجت له بعض الشطائر . تناولها ، وحكيت له بعض
الحكايات المسلية فاسترد بعض هدوئه . فكرت في أن أخرج وأمشي إلى نهاية
الطريق ، فقد اهتدي إلى الشارع العام ، ولكن حلكة المكان ووحشته جعلاني
أستعيض هذه الفكرة بالانتظار . نام محمد ، بينما بقيت أصيخ لأية حركة تصدر
في الخارج ، وبين الفينة والأخرى التفت إلى الوراء للتأكد من عدم وجود أي
شيء .
قلت لنفسي : لماذا يورط الإنسان نفسه هكذا ؟.
فجأة تجمدت في مكاني ، وارتعدت فرائصي. في البدء خلت نفسي أتوهم ، ولكن
تأكد لي أن شيئاً يتحرك في الظلام . وضعت يدي على مفتاح التشغيل ثم تذكرت
أن السيارة لن تتحرك بسهولة ، فخفضت رأسي حتى صرت تحت المقود . كان الظلام
كثيفاً ، والنجوم منطفئة ، والقمر شحيح الضوء ، ولكنني استطعت أن أرى فتاة
تقف أمام السيارة . يبدو أنها عرفت أنني في الداخل فأخذت تشير إليّ أن أذهب
إليها . رفعت رأسي وأمعنت النظر فرأيتها تذهب ثم تعود وتشير إليّ . أشعلت
فجأة المصابيح الكاشفة فاختفت الفتاة وبقيت النخيل الميتة الواقفة . أطفأت
المصابيح حتى لا يسبب اشتعالها في موت البطارية ، وأخذت أرقب بتوجس ما يدور
في الظلام الكثيف .
حدثت نفسي : سأنام ولن أصحو حتى يبزغ الفجر. ولكن عيني أبتا أن تركنا للنوم
في مثل هذا الوضع ، فبقيت ساهراً . أخافتني حركة محمد وهو يهب من نومه .
كان يريد أن يتبول . أخرجته بهدوء من السيارة ، وطلبت منه أن يتبول بسرعة
بينما قمت بفتح الصندوق الخلفي وأخرجت منه آلة حادة يمكن أن ندافع بها عن
أنفسنا . أنهى تبوله فأدخلته السيارة ، وأحكمت إغلاق الباب من الداخل .
أمسكت الآلة الحادة بيد ثابتة ورجعت للمراقبة. رأيت الفتاة ثانية . أشعلت
الضوء . اختفت. نظرت إلى الساعة ، كانت تشير إلى الحادية عشرة. أمامي خمس
ساعات على الأقل لينبلج الصباح. كيف ستمر هذه الساعات الطويلة ؟
أغمضت عيني محاولاً النوم ، ويبدو أنني نمت بالفعل ، فحين استيقظت فجأة ،
اعتقاداً مني بأن شخصاً ما يسترق النظر إلينا، كانت الساعة تشير إلى
الثانية بعد منتصف الليل . تابعت النظر في الظلام الذي بدأت عيناي تتعودانه
. رأيت الفتاة الصغيرة تتقافز وترقص وتدور حول النخيل الواقفة ثم تقف وتنظر
إلي طالبة أن أذهب إليها . رأيت أنها في هذه المرة تدنو الهوينى نحوي .
أشعلت الضوء . اختفت . خشيت أن أصاب بمكروه من جراء هذا التوتر والضيق الذي
أنا فيه ، ولكنني تماسكت، وأخذت أفكر في طريقة أخرج بها العجلة من الحفرة
في الصباح الباكر . انتفضتُ من رقادي مفزوعاً ، كان محمد يهزني ويطلب مني
أن أتحرك . نظرت إلى الساعة . كانت الساعة السادسة صباحاً . قمت على عجل
لأنفذ الفكرة التي ومضت في رأسي .
أخذت أبحث عن بعض الألواح الخشبية القوية ، ثم رفعت السيارة بالرافعة ،
ووضعت الألواح على الحفرة الطينية ، وأسرعت لإبعاد السيارة قبل أن تتكسر
الألواح . نجحت الفكرة ، فصفق محمد وصاح مبتهجاً . ركبنا السيارة وعدت إلى
الوراء . أصلحت من وضع السيارة ، واندفعت إلى الأمام بسرعة جنونية محاولاً
الخروج من هذا المكان. قطعت مسافة قصيرة وجسدي كله يرتعش خوفاً من أن تظهر
أمامي النخيل الميتة ، ولكنني أطلقت صيحة فرح عندما رأيت الشارع العام الذي
دخلنا منه أول مرة . قال محمد مغتبطاً :
’’ لنعد بسرعة إلى البيت ‘‘ .
قلت له :
’’ بأقصى سرعة ‘‘ .
على جانب الشارع العام رأيت صبية تلوّح بيدها طالبةً أن أتوقف . وصلت إليها
وتوقفت . لم تكن تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها ، تلبس ثوباً ضيقاً مشدوداً
على جسدها النحيل . شعرها قصير جداً ، ومسحة من الشر الغامض تكسو وجهها
الصغير . حدجتني بنظرة ماكرة ، وتقدمت نحونا . تذكرتُ وجه الفتاة التي كانت
تظهر أمامي ليلة البارحة ، فحركت السيارة مبتعداً عنها قبل أن تصل إلينا .
نظرت في المرآة الخلفية فرأيتها واقفة تنظر إلينا وتطلق ضحكات ساخرة جداً .
ليت عندي
الشوكران / وهل أجرؤ؟
هذا هو اليوم الرابع منذ أن أبحرنا .
هذا هو اليوم الرابع وأنا في جوف السفينة ، ملقىً بإهمال على فراش من الخيش
.. رفيق الجرذان السمينة التي تتراكض بشغب من حولي ، والصراصير الدهنية
التي تتحرك بحرية على جسدي وتتساقط بغباء على رأسي .
هذا هو اليوم الرابع ، والألم الرهيب يمزق جسدي . لحمي تساقط . عظامي برزت.
جلدي به فتحات غائرة، صوتي اخشوشن ، وعدت لا أقدر على التنفس . أسناني
تساقطت ، وفقدت حاسة التذوق . قدماي تقرحتا ، وعدت لا أقوى على السير . يدي
التوت ، وأصبحت كالمخلب الصلب . وجهي تغيرت ملامحه ومعالمه . شعري تساقط .
لقد تعفنت تماماً ، وليس بوسعي أن أحيا .
هذا هو اليوم الرابع ، وأنا أتآلف مع صرير السفينة ، وأصوات ضخّ الماء إلى
البحر، ورائحة الماء الآسن في قاع السفينة ، وأبخرة السمن الرديء ، وعفونة
سمك القرش المجفف، وصوت الربان وهو يقرأ متباطئاً ، كعادته ، سورة ياسين
بصوت جهوري مثير للضحك ، إذ كان يلفظ السين ثاءً .
يطلّ علي وجه الطباخ العريض بشاربيه السميكين ، وحاجبيه الكثيفين ، وهو
يأكل التمر ويلفظ النوى ، وبيده حصتي من الطعام . يضع الأكل في زنبيل
وينزله بالحبل خشية أن يصاب بالعدوى . يسحب عود سواك من عمامته الصفراء
الباهتة ، وينظف أسنانه ثم يختفي .
قلت له : أريد مرآة .
لكن بدا لي أنه لم يفهم ما قلت .
* * *
كان الرجل يقطع درباً نحو الفرسخين بخطوات بطيئة جداً . يتوقف لحظات ،
يلتفت حواليه ، ويلتقط أنفاسه ، ثم يواصل مسيره . يصل إلى جبل صعب المرتقى
، تحوطه أشجار كثيرة أغلبها البندق والصنوبر . على قمة الجبل تتراكم الثلوج
في أشكال آدمية.
يقف الرجل عند فتحة الجبل ، فتصدر عنه آهة ألم موجع . يبلل وجهه بالماء
الذي يترشح من سقف الجبل . يرى دهليزاً طويلاً ، فيعبر الدهليز منحنياً حتى
يصل إلى عين ينبع منها ماء قراح .
جلس قرب النبع حتى أتاه المخاض ، فنزل الجنين إلى فخذه ، وبدأ فخذه في
الانتفاخ ، فأطلق صيحة استنجاد تردد صداها في جنبات الجبل ، ثم أخرج سكيناً
وشق فخذه ، فازداد صراخه ، وأزرقّ لونه ، حتى كاد يغشى عليه من شده الألم .
مدّ يده داخل فخذه وأخرجني ، ثم سد الشق برباط وخرج تاركاً إياي في الجبل
وعيني تذرف الدموع معلناً قدومي إلى هذا العالم .
* * *
افتح عيني على صوت انفتاح باب القمرة فأرى رجلاً لونه مثل لون التمر . مكحل
العينين ، عظيم الأنف ، لحيته مخضبة ، عليه ثوب أبيض ينغلق عند العنق بزرين
من الذهب ، يداعب حبات سبحته المصنوعة من الكهرمان .
كان يقلص عينيه الضيقتين ويحدجني بفضول واضح .
قلت له : أريد مرآة .
لكنه هدر كالرعد:
كم هي نتنة رائحتك .
ثم سعل سعالاً جافاً وبصق ما في فمه ومضى .
* * *
أرى نفسي أمام بحر متلاطم الأمواج . في البحر صندوق خشبي يطلّ منه رأس طفل
صغير .. أخضر العينين ، منتصب الأذنين ، يستنجد بيده الصغيرة . حاولت دخول
البحر لكنني خشيت الغرق . ثم رأيت حوتاً عظيماً يبتلع الصندوق والطفل في
جوفه . ورأيت نفسي ماشياً على رمال صحراء محرقة ، وغيمة منيرة تسير فوق
رأسي أينما سرت .
عيون في الرمال تطلق ، كالتنانين ، ناراً هائلة ، فتحوّل الليل نهاراً ،
وتبعث بأدخنة غليظة تتراكم في السماء .
أرى جثث جنود منتشرة ، بإهمال ، على مد البصر . هياكل عظمية داخل بزات
عسكرية رثة . أقنعة غريبة الشكل . دبابات مدفونة . حطام طائرات . بقايا
ذخائر .
أي بلاءٍ ، وأي خراب حلّ بهذا المكان ؟ .
وصلت إلى باب مغروز في الرمال . دفعت الباب فانفتح . فرأيتُ اني وسط مرايا
كثيرة تحوط بي من كل صوب . جلست على الرمل الحارق أرى كيف تلتفت المرايا
إليّ وأنا في حضرتها .
سمعت طرقاً يهتف بي . فتحت الباب ، ورأيت جمعاً من الناس يرتدون ثياباً
بيضاء يبتغون الدخول ، فأدخلتهم . قام من بينهم كبيرهم ووضع تاجاً مرصعاً
بالعقيق والزمرد على رأسي وعاد إلى جماعته . ثم سمعتهم يقولون لي بصوت واحد
:
- أنت أفضلنا ، وأشرفنا ، وأكبرنا ، وليس في العصر من يوازيك ، فرد أمرنا
إليك ، وكن منقذ الأمة ، والقائم بالحق ، فإنا تحت سمعك ، وطاعتك ،
والقائلون بما تراه ، يا أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم
الناس ، واسخي الناس .
ثم سقطوا مكبوبين على وجوههم . طلبتُ منهم أن يقوموا ، فأعطوني عمامةً
بيضاء ، موشاة بالذهب ، وثوباً مبطناً باللون القرمزي ، وسيفاً مرصعاً
بالأحجار الكريمة ، وفرساً شقراء بسرج ولجام مزخرفين بالذهب ومرصعين
باللآلئ .
نظرتُ إلى نفسي في المرايا فأصابتني الغاشية من شدة جمالي .
* * *
شعرتُ بأن صرصاراً كبيراً أخذ يتحرك على شفتي . فزعت وصرخت وحركت يدي لأبعد
الصرصار ، فتساقط بعضٌ من لحم يدي . لم أستطع التحمل فبكيت بحرقة . أية
نهاية بائسة أعيشها ؟.
يطلّ عليّ وجه الطباخ العريض . لابد انه سمع صرختي . تطلع إلىّ متسائلاً .
وبدا كأنه يريد التحدث معي فشجعته بأن ملتُ ناحيته . لكنه لم يتكلم
قلت له : أريد مرآة .
قال : نعم ، نحن في طريقنا إلى مستعمرة المجذومين ، أنت لم تزرها من قبل ،
أليس كذلك؟ . انها جزيرة واغلة في البحر ، لا يقترب منها أحد ، فالبحارة
يتطيرون منها ويتشاءمون .
توقف عن الكلام ، وفتح عمامته الصفراء الباهتة وأعاد ترتيبها من جديد على
رأسه الضخم. لاحظتُ أنه لا ينظر إليّ وهو يحادثني . كان يعبث بأي شيء أمامه
، وكثيراً ما يحكّ شعر رأسه ، ويميل برقبته ، أو يفرك يديه بحركة عجلى ، أو
يعرك عينيه .
- معنا ثلاثة وسبعون شخصاً بينهم خمس نساء وطفل رضيع . هل تعرف ان في
المستعمرة جبالاً تتوقد منها بالليل نار عظيمة ، أما المجذومون فمآكلهم
هناك من ثمار أشجار الموز والنارجيل وقصب السكر . نعم . وبالمستعمرة الكثير
من الأغنام الجبلية ، ويقال ان بها حيواناً هائلاً له قرن واحد معقف يغرزه
في بطن من يقف أمامه .
ابتلع ريقه وقام كأنه تذكر شيئاً ما ، وأغلق باب القمرة وراءه .
* * *
رأيتُ نفسي ماشياً في زقاق ضيق طويل لا نهاية له . على طرفي الزقاق جداران
لا يلتقيان . توقفت . استدرت . عدت . لكنني وجدت نفسي في طريق لا نهاية له
. توقفت . واصلت التقدم في الاتجاه الآخر لكنني لم أصل إلى أي مكان.
جلست محدقاً في الجدار العالي . ماذا يكمن وراءه ؟ . وضعتُ أذني على الجدار
فسمعت ما يشبه غناء الماء .
قلت لنفسي : هل النهر وراء الجدار ؟ . كيف لي أن أصل إلى النهر ، وكيف لي
أن أخترق الجدار ؟ .
رأيت نفسي واقفاً أمام الجدار الأسود الكالح . كنت أفكر في وسيلة أتسلق بها
الجدار .
التفت ورائي ورأيت مئات البشر المجذومين المشوهين وهو يزحفون نحوي . كانوا
أشبه بالموتى وهم يتحركون . اقترب مني أحدهم ، وكان قبيحاً إلى حد لا يوصف
. وقال : أين هو ؟ إلى متى هو لا يسمع ولا يجيء ، أهو خفي أم ظاهر ؟ . لقد
انتظرناه طويلاً ولم يأت ، قالوا انه سيملأ الأرض عدلاً ، ويشفي جميع
السقام والمجانين والمصروعين والمفلوجين ، لماذا إذن خذلنا وهجرنا . قل له
ليأت مع السحاب ، وليأخذ أسقامنا ويحمل أمراضنا وينجنا فإنا ها هنا هالكون
‘‘ .
* * *
هذا هو اليوم السابع منذ أن أبحرنا .
وهذا هو اليوم الثاني ولم يطلّ عليّ وجه الطباخ العريض ، ولم يحضر لي
طعاماً ، ولم أسمع أية أصوات . حتى الربان توقف عن قراءة سورة ياسين .لا
شيء سوى صوت تمايل الصارية ، وارتطام الموج بالسفينة . صرخت منادياً عدة
مرات . استولى عليّ الذهول والانسحاق فثمة ما يقلق في الأمر .
انتظرت ثم تحركت بصعوبة وتسلقت السلم العمودي ، وصعدت إلى سطح السفينة.
كانت السماء ملبدة بدخان أسود كثيف كريه الرائحة . ماذا حدث هنا ؟ . داخلني
رعب شديد وأنا أشاهد جثث الركاب متكوّمة في كل مكان . أحركهم واحداً واحداً
، لكن لا أحد يتحرك . عيونهم الجاحظة تنبئ بأنهم لن يعودوا إلى الحياة .
ماذا حدث هنا ؟ . كيف لم أسمع استغاثاتهم ؟ . كيف ماتوا جميعاً ؟ .
جلستُ خائفاً في ركن . ماذا أفعل الآن ؟ . هل سأموت مثلهم ؟ . ماذا أفعل
بكل هذه الجثث ؟ . ماذا أفعل بالسفينة ؟ . كيف أديرها ؟ . إلى أين أتجه بها
؟ . أية نهاية بائسة تنتظرني .
* * *
رأيت نفسي طفلاً أنظر عبر الفتحات الصغيرة في الباب . وراء الباب كانت أختي
مشعثة الرأس ، منكفئة على وجهها تبكي بحرقة شديدة ، كانت ترفع وجهها المخضل
بالدموع بين الحين والآخر وهي تعض على أطراف أصابعها . كانت أمي واقفة وهي
في أشد حالات الغضب تقول كلاماً لم أفهمه .
رأيت طفلاً رضيعاً لا أدرى من هو من أين جاء . كان ملفوفاً في قماط أبيض .
بدأ في البكاء فأخذت أمي قطناً كثيراً ودسته في فمه حتى صمت تماماً ، في
حين كانت أختي تخفي رأسها بين ركبتيها .
رأيت نفسي نائماً بين مئات الجثث على سطح السفينة . شعرت بيدٍ تهزني هزاً
خفيفاً . فتحتُ عيني ورأيتُ الموتى يسحبونني من رجليّ بقوة ويقذفونني في
البحر في مواجهة مجموعة من أسماك القرش المفترسة .
أجاهد في الوصول إلى السفينة ، وقبل أن أمسك بالحبال شعرت بأن نصفي الأسفل
قد انشطر عن جسمي..
* * *
بشق النفس أخذت أجرّ الجثث ، جثة تلو جثة ، وألقيها في البحر . بدأت
بالرجال ثم جاء دور النساء الخمس . كنت أتجنب النظر إلى الوجوه خشية أن
أتردد في قراري .
أنهكني التعب حين وصلت إلى جثة امرأة كانت في ركن بعيد . كانت تخفي شيئاً
تحت ثيابها السوداء ، كأنما تريد أن تصدّ الموت عن الوصول إليه . سحبتها
فسقطت على الأرض وفي حضنها طفل رضيع ميت.
انتبهت إلى أصوات وحركات غريبة في البحر . ألقيت نظرة فإذا بي أرى عشرات من
أسماك القرش تحيط بالسفينة وهي تفترس الجثث ، فأحسست بدوار وغثيان .
عدتُ إلى المرأة والطفل الرضيع . جلست أتأملهما في صمتهما الأبدي . كان
طفلاً جميلاً . عيناه كستنائيتان واسعتان ، مفتوحتان ، شاخصتان إلى السماء
، كأنما مسهما الرعب من مشهد الموت . كان ملفوفاً في قماط أبيض ممزق . من
رقبته تدلى مصحف صغير مذهب.
لماذا يموت طفل مثله ؟ . أي ذنب جناه ليلقى هذا العقاب ؟ . تذكرتُ طفلاً
جميلاً مثله تركته أمه ميتاً عند باب المسجد بعد أن وضعت الكثير من القطن
في فمه .
نظرت إلى عينيّ المرأة الحولاوين . كانت في وجهها مسحة صبوية تمسّ الروح
رغم بروز وجنتيها وشحوب جبينها .
سوّغت لنفسي رفع ثوبها والكشف عن ساقيها . كيف لم ألمس جسد امرأة من قبل؟.
مددت يدي وأخذت أتحسس فمها الواسع ، وشفتيها الباردتين . أخرجت نهدها
الكبير من فتحة الثوب فرأيت دائرة سوداء كبيرة تتوسطها حلمة يابسة . كدت
أضع شفتي على الحلمة إلا انني شعرت بانسحاق بالغ وبغيظ مهين ، فلم أكُ في
حياتي شنيعاً إلى هذا الحد .
انسحبت إلى ركنٍ تاركاً المرأة والطفل الرضيع . وقررت أن لا أقذف بهما إلى
البحر ليكونا فريسة لأسماك القرش .
* * *
فتحت عينيّ فداهمتني رعدة هزّت بدني . رأيت قدامي أبي وأمي جالسين عند رأسي
. كانت أمي في ملابس بيضاء كالثلج . تبتسم لي وهي تمسح بيدٍ على رأسي ،
وبالأخرى تحرر شعرها الجميل الذي كان منوّطاً بشريط أبيض .
سألتها : أأنتِ أمي ؟ .
لم تجبني بل أخذت تهدهدني بصوتها الرخيم ، ثم تمددت بالقرب مني واحتضنتني
بقوة خشيت معها أن تتساقط بقية أعضائي .
رفعتُ بصري فرأيت أبي يبتسم وبيده مروحة من القش يهزها برفق علينا.
قلت له : أبي ، أنت هنا ؟ .
قال : نعم ، وسنأخذك معنا ، لن ندعك تموت هنا وحيداً .
قلت له : ولِمَ لا أعيش إلى الأبد ، لِمَ أنا بكل هذا القبح ، لِمَ كل هذا
العقاب ؟
أخرجت أمي من تحت ثوبها مرآة وقالت :
- انظر ، كم أنت جميل .
شعرتُ بغصة في حلقي ، واختلجت الدموع في عيني ، وأخذ صدري يعلو ويهبط في
اضطراب واضح .
بدأت أنشج عالياً : لا أريد أن أموت ، لا تتخليا عني .
* * *
هذا هو اليوم التاسع منذ أن أبحرنا .
جلست أنظر إلى جثة المرأة التي بدأت تتعفن . خيّل إليّ لوهلة انها فتحت
عينيها . وضعت رأسي على صدرها لعلي أسمع شيئاً ولكن دون جدوى
كانت أسماك القرش قد ابتعدت عن السفينة منذ يوم أمس . وهذا ما دفعني لأن
ألقى بجثتها في البحر . أما الطفل فقد وجدت له صندوقاً خشبياً قديماً .
مددته فيه وأنزلته إلى البحر برفق .
كنت حزيناً ، يائساً من حياتي . لا أعرف ماذا أفعل أو أين أذهب . فجأة بدأت
السماء تمطر مطراً أسود كالقار ففزعت واختبأت في ركن أحمي نفسي من الموت .
* * *
رأيتُ نفسي في مواجهة الجدار الأسود الكالح . أخذت أفكر في وسيلة أتسلق بها
الجدار .
قلت مستجيراً بما وراء الجدار :
أنت أملنا الباقي ، فلا تخذلنا ، خذنا من هذا الأسر ، كفانا عذاباً
وانتظاراً .
وضعتُ أذني على الجدار علني أسمع رداً ، لكنني لم أسمع سوى غناء الماء .
رأيت انني أضرب الجدار ضربات قوية برأسي ، فينشدخ رأسي ولا أخترقه.
* * *
فتحت عيني على دويّ عنيف رجّ السفينة رجاً عظيماً . وكدت أتراجع إلى
المؤخرة لولا انني تشبثت بعارضٍ خشبي . رفعت رأسي ببطء ، ورأيت ان السفينة
قد جنحت على شاطئ مجهول .
ثمة جثة رجل طافية على الماء بالقرب من السفينة .. كان ممدود اليدين ،
ووجهه إلى أسفل ، محاطاً بمئات الأسماك الصغيرة . قررت مغادرة السفينة
والنزول على الشاطئ، لكنها كانت مهمة شاقة وعسيرة ، إذ شعرت بأنني سأموت
قبل أن أنزل دون مساعدة من أحد .
كان الشاطئ هادئاً ، خالياً من أية حركة . مشيت كثيراً دون أن ألمح شيئاً
سوى تكوّم الدخان الأسود الكريه في السماء ، والغيوم السوداء التي تحجب
الشمس ، ورائحة حديد محترق . لعل هذا الموت قد حلّ في هذه الأرض أيضاً ؟ .
فجأة لاحت لي من بعيد أبراج مدينة ما . كانت الحرائق تستعر في كل مكان . كل
شيء يحترق . اقتربت بوجلٍ فأبصرت ما روعني . كانت المباني مهدمة يتصاعد
منها الدخان الأسود ، والجثث الآدمية متكدسة في الطرقات في أكوام رهيبة .
رأيت عيونهم قد سُملت ، ورؤوسهم هشمت ، وحناجرهم قطعت ، وجلودهم سلخت ،
وأوصالهم مزقت . ثمة رجل مسن منزوع الأحشاء ، ومصاب بطلق ناري في صدغه .
قنبلة يدوية لم تنفجر كانت موضوعة تحت جثة طفلة شقراء . علم أبيض مثقوب من
كل الاتجاهات ، وتحته جثة امرأة مسنة بترت رجلها .
كانت الشوارع ملجومة بالصمت . لا حياة هنا . لا شيء سوى الحرائق والدخان
والموت . أي بلاءٍ ، وأي خراب حلّ بهذا المكان ؟ .
أرهقني المشي . وبدأت أشعر بالآم مبرحة في جسدي كله . ماذا أفعل الآن ؟ .
هل أعود إلى البحر ؟ . هل انتظر هنا كي أموت مثلهم ؟ . هل أتابع سيري
فلربما ألقاه فينجيني من الهلاك ويشفيني من السقم ؟ .
بصعوبة عدت إلى الشاطئ ، وجلست مستنداً إلى صخرة مغطاة بسائل لزج أسود .
اليأس يسحقني وهذا السكون الثقيل أوهمني بأنني أصبت بالصمم .
رأيت ريشة حمامة بيضاء طافية فوق الماء . تأملتها . مددت يدي ورفعتها . هل
هذا كل ما تبقى من حمامة مسالمة ؟ .
تناهى إليّ صوت أنين آدمي متقطع . من أين يأتيني هذا الصوت ؟ . استندت إلى
الصخرة الملساء كي أنهض ، إلا أن يدي انزلقت بسرعة فارتطم رأسي بقوة
بالصخرة . صرخت من شدة الألم ، وانتصبت ببطء ، ووقفت مترنحاً ، واختلاج حار
يسري في رأسي.
مشيتُ باتجاه الصوت ، فرأيت صليباً مرفوعاً باتجاه الشرق . دنوت من الصليب،
فرأيت رجلاً مرفوعاً على خشبة الصليب مقطوع اليدين والرجلين مخضباً بدمائه
. ارتعشتُ وتفرست في الوجه المصفر . إنه من أريد . لكن كيف يموت من هو مثله
؟ .
قلت مستدراً شفقته :
- لا تتخل عني ، أشفني ، أنقذني ، نجني من الهلاك . انزل من على الصليب
وطهر هذه الدنيا وامنحها عدلاً .
لكنني لم أسمع أنينه فقد صمت إلى الأبد .
صرخت وأنا أعفر رأسي :
- لا تتركني هنا ، ستزهق روحي ، لا أريد أن أموت .
* * *
أخرجت الريشة البيضاء ، وغمستها في دمي ، وقذفتها عليه مودعاً .
* * *
رأيتُ انني وسط مرايا كثيرة تحيط بي من كل صوب . جلست على الرمل الحارق أرى
كيف تلتفت المرايا إليّ وأنا في حضرتها .
سمعت المرايا تقول :
- أنت أفضلنا ، وأشرفنا ، وأكبرنا ، وليس في العصر من يوازيك ، فردّ أمرنا
إليك ، وكن منقذ الأمة ، والقائم بالحق ، فإنا تحت سمعك ، وطاعتك ،
والقائلون بما تراه ، يا أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم
الناس ، واسخي الناس .
نظرتُ إلى نفسي في المرايا فوجدتني مخلوقاً لم تر مثله عيناي . كان وجهي
كالقمر الدري ، عليّ جلابيب من نور ، شعري حالك الظلمة يسيل على منكبي ،
عيناي براقتان بلون العسل ، وشفتاي عقيق ريّان ، وخدي كالرمان ، وحاجبي
كالهلال ، وجبهتي غرّة البدر ، كتفي بديعة ، وعنقي كالمرمر ، وقوامي مائس ،
أحرك يدي فأنثر مسكاً ، وأحركها مرة أخرى فأنثر دنانير .
قمتُ ونكحتُ المرايا كلها ، فما بقى منها مرآة إلا ونكحتها بلذة عظيمة .
|