اللغة العربية
- الماضي والحاضر
دراسة وبحث وتقديم:
يحيى الصوفي
من يطلع على تاريخ العرب أو تاريخ لغتهم، يدرك مباشرة خصائص هذه
الأمة، امة العرب.
فهي لا تختلف لا من بعيد ولا من قريب عن أي من الأمم السامية
الأخرى، كيف لا والجزيرة العربية كانت منذ الأزل حاضنة بشكل رائع
لهذه الأمم، سواء تلك التي قدمت من
الجنوب بعد تفرق القبائل اليمنية بانهدام سد مأرب، أو تلك التي
جاءت من
الشمال بحكم التجارة والسياحة والحج.
ولا أظن بأن التاريخ ذكر أقوماً تمتعت بالمرونة وسهولة الاندماج
والتأقلم مع الأخر والتفاعل معه، مثل شعوب وأقوام الجزيرة العربية
رغم شدة البائس الذي عرفوا به.
كيف لا وهم يمثلون بطريقة أو بأخرى ضمير وخلاصة هذا التمازج الرائع
والاختلاط بين الشعوب والحضارات السامية، تشبه حالة المد والجذر
وكما تقتضي به أحوال العصر وظروفه، دون أي شعور بعقدة النقص اتجاه الآخر، خاصة في المجال الاقتصادي
والاجتماعي والثقافي، يتأثرون به ويؤثرون فيه، بالقدر الذي نجدهم فيه يتمددون شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً بحسب
الظرف أو الحاجة أو العادة (البحث عن الكلأ والمرعى، أو التجارة أو
الاتصال بالحضارات المجاورة) لولعهم الشديد في اكتشاف الآخر
(العالم الذي يحيط بهم والشعوب التي تجاورهم) والتعلم منه ونقل
معرفتهم وثقافتهم إليه.
يهدون ما أخذوه من الغير بعد إن يضيفوا
خلاصة تجربتهم (لمستهم السحرية) عليه ليبدو أكثر إثارة ورونقاً
وتقبلاً مما كان عليه، خاصة إذا ما عرفنا عنهم (بحكم بداوتهم
وتنقلهم) توزعهم في الأمصار، ابتداءً من الشرق باتجاه بلاد فارس
والهند، عبوراً إلى الشمال باتجاه بلاد الشام، وانتهاءً في الجنوب
باتجاه شمال إفريقيا (مصر) والجنوب الغربي باتجاه إفريقيا
(الحبشة)، حيث لا زالت أثارهم عميقة وواضحة إلى اليوم.
فكانوا يشبهون الرحم الذي يتلقى خلاصة
التزاوج بين الأقوى والأفضل، ليقدموا جنيناً كامل المواصفات، من حيث
الأصالة والقوة والذكاء والجمال.
(نظرة
بسيطة نحو البلاد والحضارات التي اختلطت أنسابهم بها كشمال الهند
والصين وبلاد فارس في الشرق، والأنضول في الشمال، وإفريقيا في
الغرب وبلاد الأندلس وشواطئ المتوسط، نجد هذا الأثر الملفت للنظر،
للسحنة العربية الميزة في وجوههم وقاماتهم والتي تختلف بشكل غريب
عن أصولهم العرقية)
فهم يحتضنون الآخر بمنتهى الكرم والشهامة والفخر ليظهروا مدى
إخلاصهم لما تعلموه منهم، وطوروه عنهم، وأبدعوا وتفوقوا فيه عليهم.
شاهرين تميزهم بشعرهم وفصاحة لسانهم وقوة فراستهم وإخلاصهم
لدياناتهم.
ولهذا فلا عجب أن تتمتع الجزيرة العربية باحتضانها لمواسم خاصة
أقيمت للحج والتجارة والثقافة (بما يشبه المعارض الحديثة اليوم،
والتي تقام في كافة المجالات والاختصاصات) فلقد كانت بحق أول معارض
وأسواق تجارية ودينية وثقافية يتفق على إقامتها في وقت محدد كل عام
في تاريخ البشرية قاطبة.
مما أعطاها تلك القوة والمصداقية الأخلاقية في التحكيم والفصل في
الخلافات بين القبائل والشعوب هو تقاطر كبار القوم وملوكهم
وأعيانهم للاجتماع في تلك المظاهرات السنوية (بما يشبه الأمم
المتحدة اليوم) بحيث يصبح أي قرار أو حكم يصدر -بعد التشاور فيما
بينهم- نافذاً.
يقول الباحث والعلامة احمد الهاشمي في كتابه
جواهر الأدب (لغة
العرب من أغنى اللغات كماً، وأعرقها قدماً، وأوسعها لكل ما يقع تحت
الحس، أو يجول في الخاطر: من تحقيق علوم، وسن قوانين وتصوير خيال،
وتعيين مرافق: وهي على هندمة وضعها، وتناسق أجزائها لغة قوم أميين،
ولا عجب أن بلغت تلك المنزلة، من بسطة الثروة، وسعة المدى إذا كان
لها من عوامل النمو، ودواعي البقاء والرقي، ما قلما يتهيأ لغيرها
وما رواه لنا منها أئمة اللغة وجاء به القرآن الكريم والحديث
النبوي هو نتيجة امتزاج لغات الشعوب التي سكنت جزيرة العرب ولا شك
في أن من أسباب امتزاج هذه اللغات ما يأتي:
1-هجرة
القحطانين إلى جزيرة العرب ومخالطتهم فيها
العرب البائدة باليمن ثم تمزقهم في بقاع الجزيرة كل ممزق
بظلمهم وتخرب بلادهم بسيل العرم.
2 -هجرة
إسماعيل عليه السلام إلى جزيرة العرب واختلاطه وبين
القحطانين بالمصاهرة والمجاورة والمحاربة والمتاجرة: وأظهر
مواطن هذا الامتزاج مشاعر الحج والأسواق التي كانت تقيمها العرب في
أنحاء بلادها، ومن هذه الأسواق عكاظ ومجنة وذو المجاز.
وأهمها سوق عكاظ: وكانت تقام من أول ذي العقدة إلى اليوم العشرين
منه. وأقيمت تلك السوق بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة وبقيت إلى ما
بعد الإسلام حتى سنة تسع وعشرين ومائة. وكان يجتمع بهذه السوق أكثر
أشراف العرب للمتاجرة، ومفاداة الأسرى والتحكيم في الخصومات
وللمفاخرة بالشعر والخطب في الحسب والنسب والكرم والفصاحة والجمال
والشجاعة وما شاكل ذلك. وكان من أشهر المحكمين بها في الشعر
النابغة الذبياني. ومن أشهر خطبائها قس بن ساعدة الإيادي. وقد لهج
الشعراء بذكرها في شعرهم. وحضرها منهم الرجال والنساء.)
ولهذا فلقد عرفت الجزيرة العربية والأمم العربية في شبه الجزيرة
العربية، ثقافات شتى وديانات متعددة (كاليهودية والمسيحية
والوثنية) لا تبتعد كثيراً عن ديانات وثقافات الشعوب التي تنتمي
إليها (السامية)
وكانت كما كانت هي حالها دائماً، الوسيط الذي يحتضن ثم ينقل وينشر
تلك الديانات والحضارات سواء عن إيمان بها أو بقصد التجارة وجذب
الاهتمام.
حتى جاء الإسلام، فوحد الإله الذي يعبد، وأنهى الرق، وسن
الشرائع والقوانين، وأسس لبناء دولة إنسانية متحضرة قوامها العلم
والعمل، مستمدة من غنى وتنوع وقوة اللغة العربية وفصاحتها (وهي تلك
اللغة الغنية بغنى الشعوب التي تشكلت منها) بعد إن كانت شعوب
وقبائل الجزيرة العربية تتكلم العديد من اللغات واللهجات المحلية
لدرجة إن بعضهم كان يتعذر عليه فهم الآخر (كما هي حال اللغات
واللهجات الصينية والهندية).
فأعادت الوحدة لأمة باعدتها الأنانية وشردتها الحروب، وثبتت دعائم
أول حضارة بشرية ذات صبغة إنسانية لا تعرف العنصرية في تاريخ
البشرية قاطبة، وهو ما أعطاها الديمومة والقوة وحسن القبول
والانتشار إلى يومنا هذا.
ولهذا فإن فضل الإسلام ونزول القرآن وتدوينه بها، كان كبيراً جداً
في توحيد هذه اللغة، وعلى قدر من المساواة -إن لم تتجاوزه بقليل-
من فضل اللغة العربية عليه، في حمل رسالة فصيحة تضاهي وتتحدى العرب
جميعا.
ولا أظن بأن الإسلام لو تقدم ببعض سنين عن تطور واكتمال اللغة
العربية، وصقلها بالطريقة التي عرفت بها (وهو حال العرب) من فصاحة
وقوة حجة وسعة أفق، قد يجد النجاح والقبول وسرعة الانتشار الذي
لاقاه (وهو غير ما لاقته الديانات الأخرى من فشل على مر العصور)
واعني به كونه دين انتشر بقوة الحجة والعلم والتسامح (وهي حال
اللغة العربية التي وصلت إلى أوج تقدمها ورقيها الإنساني) وليس
بالاستعمار والفرض بقوة السلاح.
وهو ما يفسر بقاء واستمرارية وانتعاش الديانات الأخرى في عصر
الحضارة العربية الإسلامية حيث لا إكراه في الدين، ووجود علماء
ومفكرين غير مسلمين احتضنتهم الحضارة العربية الإسلامية واعترفت
بفضلهم ولم تضطهدهم.
وأتصور بان أميّة العرب، أي تأخرهم في كتابة لغتهم، كانت خيراً لهم،
وساعدتهم على توارث وحفظ اللغة شفهيا ورفدها بكل جديد، مما استدعى تطور الذاكرة لديهم بشكل مذهل ومثير للإعجاب، باستفزازها
وتحفيزها على الدوام للاستذكار والحفظ، وبالتالي ولدت لديهم حس البديهة وقوة الملاحظة
والفراسة في قراءة ومعرفة ما تريد قوله حتى قبل أن تبدأ بالكلام.
بحيث أصبحت اللغة ومفرداتها وتراكيب جملها تشبه المعادلات الرياضية
لديهم تعتمد على المنطق وحسن الأداء والاستنتاج.
ولهذا فهم أسياد العالم بالفصاحة والبلاغة وقوة الحجة وسعة الخيال،
وأكثرهم تقبلاً للعلوم ونجاحهم فيه، لأن الذهن الرياضي والرياضيات
هي بلا شك أساس لكل علم مهما تنوع.
هذه المقالة الموجزة، هي مختصر لوجهة نظر بسيطة حول الموضوع، لا أسعى
لتطويرها كدراسة أو بحث علمي برفدها بالشواهد لتأكيد ما ذكرت، حيث
سبقني من هو أكثر اختصاصاً في هذا الشأن مني، إلى الكتابة حوله
بتوسع وشمولية وتفصيل.
يبقى أن نعرف بأن اللغة العربية إذا وصلت إلى ما وصلت إليه من
ازدهار مع الإسلام، فبفضل انفتاحها على محيطها وليس انغلاقها على
نفسها، وبأن أكثر المشتغلين بها وفي جمعها وتطويرها هم علماء
ومفكرين ومثقفين عرب (بغض النظر عن ديانتهم) حرصوا على الحفاظ
عليها بذهن منفتح ومتحضر وإنساني بعيد عن التعصب والانغلاق.
وقد عملت -كعادتي عندما أقوم
بتقديم أي من الأعمال الجديدة في الموقع- على جمع وترتيب وتصنيف
أكبر عدد ممكن من البحوث والدراسات والكتب التي تتحدث عن اللغة
العربية، وبشكل متسلسل ومنطقي يسهل على القارئ والمهتم من الحصول
على مبتغاه بلمح البصر.
فبدأت بذكر وشرح
أصول العرب ومساكنهم القديمة،
عبوراً بعلاقتهم
بالحضارات
والشعوب السامية، وانتهاءً بعصر تبلور واستقلالية اللغة العربية عن
اللغات واللهجات السامية الأخرى
بظهور الإسلام، ثم أنهيت
بحالة اللغة العربية وأدباءها منذ عصر النهضة العربية في أوائل القرنين
الماضيين (القرن الثامن والقرن التاسع عشر) حتى يومنا هذا.
كما أنني نحيت منحى الإيجاز والاختصار في
ضم الدراسات والكتب التي تتحدث عن نفس الموضوع ولكن بطرق مختلفة،
لأن الهدف الأساسي من هذا التقديم والعرض هو حمل الفائدة دون
الضياع في دهاليز التكرار، وقمت بنقل فصول كاملة من بعض الكتب
لأسهل للقارئ والباحث مهمة نسخ المعلومات التي يحتاجها، وهذا ما لم
يمكن توفيره من خلال نظام القراءة (pdf).
أرجو أن أكون قد وفقت في هذا الجمع والعرض، متمنياً مطالعة موفقة
واستفادة مأمولة، وتفضلوا مني أجمل التحيات.
يحيى الصوفي جنيف في 11/06/2008
دراسات ومقالات في أصول العرب
اللغة العربية
دراسات ومقالات حول اللغة العربي1
دراسات ومقالات حول اللغة العربي2
دراسات ومقالات حول اللغة العربي3
اللغات
والآداب السامية
دراسات ومقالات في الخط العربي
الثقافة العربية - العروبة
كتب حول اللغة العربية
|