اللغة العربية ومكانتها بين اللغات
الجزء
الأول
بقلم
الكاتب:
د. فرحان السليم
أهمية اللغة:
اللغة فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة. واللغة هي معجزة الفكر الكبرى.
إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار،
وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها
يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم. إن القوالب اللغوية التي توضع فيها
الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقاً
عن مضمونها الفكري والعاطفي .
إن اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها. وقد قال
فيلسوف الألمان فيخته : ((اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً
خاضعاً لقوانين . إنها الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان ))
.
ويقول الراهب الفرنسي غريغوار : (( إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة
يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى
أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج
ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة - والحالة
هذه - أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية،
ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين )) .
ويقول فوسلر : (( إن اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حُرِمَ وطنَه على
الأرض )) .
ويقول مصطفى صادق الرافعي : (( إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ
صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة - من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال
الأمة بها - وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ
الأمة من تاريخها .))
وقد صدر بيان من مجلس الثورة الفرنسية يقول : (( أيها المواطنون : ليدفع
كلاً منكم تسابق مقدس للقضاء على اللهجات في جميع أقطار فرنسا لأن تلك
اللهجات رواسب من بقايا عهود الإقطاع والاستعباد .))
اللغة - عند العرب - معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد.
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت
شعوب غرب آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة
القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا
لغة إلى أخرى .
لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها
للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها الثلاثة : المعاني ،
والبيان ، والبديع .
وقد غبر دهر طويل كانت اللغة العربية هي اللغة الحضارية الأولى في العالم .
واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب
وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة.
ونظراً لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو فإنها تعد أمّ مجموعة من
اللغات تعرف باللغات الأعرابية أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب ، أو
العربيات من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية، أو الساميات في
الاصطلاح الغربي وهو مصطلح عنصري يعود إلى أبناء نوح الثلاثة : سام وحام
ويافث. فكيف ينشأ ثلاثة أخوة في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات ؟
إن اللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض،
وهي ثابتة في أصولها وجذورها، متجددة بفضل ميزاتها وخصائصها .
إن الأمة العربية أمة بيان، والعمل فيها مقترن بالتعبير والقول، فللغة في
حياتها شأن كبير وقيمة أعظم من قيمتها في حياة أي أمة من الأمم. إن اللغة
العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها
وبوساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد جيل في عصور طويلة، وهي التي
حملت الإسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحد العرب قديماً
وبها يتوحدون اليوم ويؤلفون في هذا العالم رقعة من الأرض تتحدث بلسان واحد
وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة على تنائي الديار واختلاف
الأقطار وتعدد الدول. واللغة العربية هي أداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين
العرب وشعوب كثيرة في هذه الأرض أخذت عن العرب جزءاً كبيراً من ثقافتهم
واشتركت معهم - قبل أن تكون ( الأونيسكو ) والمؤسسات الدولية - في الكثير
من مفاهيمهم وأفكارهم ومثلهم، وجعلت الكتاب العربي المبين ركناً أساسياً من
ثقافتها، وعنصراً جوهرياً في تربيتها الفكرية والخلقية .
إن الجانب اللغوي جانب أساسي من جوانب حياتنا، واللغة مقوم من أهم مقومات
حياتنا وكياننا، وهي الحاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا
والمكون لبنية تفكيرنا، والصلة بين أجيالنا، والصلة كذلك بيننا وبين كثير
من الأمم .
إن اللغة من أفضل السبل لمعرفة شخصية أمتنا وخصائصها، وهي الأداة التي سجلت
منذ أبعد العهود أفكارنا وأحاسيسنا. وهي البيئة الفكرية التي نعيش فيها،
وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. إنها تمثل خصائص الأمة،
وقد كانت عبر التاريخ مسايرة لشخصية الأمة العربية، تقوى إذا قويت، وتضعف
إذا ضعفت .
لقد غدت العربية لغة تحمل رسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها، واستطاعت أن
تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها
الأساسية والموجهين لسفينتها، اعتبروها جميعاً لغة حضارتهم وثقافتهم
فاستطاعت أن تكون لغة العلم والسياسة والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة
والمنطق والتصوف والأدب والفن .
واللغة من الأمة أساس وحدتها، ومرآة حضارتها، ولغة قرآنها الذي تبوأ الذروة
فكان مظهر إعجاز لغتها القومية .
إن القرآن بالنسبة إلى العرب جميعاً كتاب لبست فيه لغتهم ثوب الإعجاز، وهو
كتاب يشد إلى لغتهم مئات الملايين من أجناس وأقوام يقدسون لغة العرب،
ويفخرون بأن يكون لهم منها نصيب .
وأورد هنا بعض الأقوال لبعض العلماء الأجانب قبل العرب في أهمية اللغة
العربية . يقول الفرنسي إرنست رينان : (( اللغة العربية بدأت فجأة على غاية
الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة .))
ويقول الألماني فريتاغ : (( اللغة العربية أغنى لغات العالم )) .
ويقول وليم ورك : (( إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً
لمقتضيات العصر. ))
ويقول الدكتور عبد الوهاب عزام : (( العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد
تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى
معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب
ونبرات الحياة . ))
ويقول مصطفى صادق الرافعي : (( إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة
إلى العربية، فلا يزال أهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو
حكماً .))
ويقول الدكتور طه حسين : (( إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا
ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً.))
خصائص اللغة
العربية:
للعربية خصائص كثيرة يضيق المجال عن حصرها في هذه المحاضرة، لذا سأقتصر على
بعضها تاركاً، لمن أراد التوسع، الرجوع إلى أمهات الكتب في هذا المجال .
1 – الخصائص الصوتيـة :
إن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج
الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروف
أكثر عدداً ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة
متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة
الغنة ( الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق .
وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن
والانسجام بين الأصوات. ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة
وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي. فمثلاً لا
تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف
والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين،
ولا الخاء قبل الهاء ، ولا النون قبل الراء ، ولا اللام قبل الشين .
وأصوات العربية ثابتة على مدى العصور والأجيال منذ أربعة عشر قرناً. ولم
يُعرف مثل هذا الثبات في لغة من لغات العالم في مثل هذا اليقين والجزم. إن
التشويه الذي طرأ على لفظ الحروف العربية في اللهجات العامية قليل محدود،
وهذه التغيرات مفرقة في البلاد العربية لا تجتمع كلها في بلد واحد. وهذا
الثبات، على عكس اللغات الأجنبية، يعود إلى أمرين : القرآن، ونزعة المحافظة
عند العرب .
وللأصوات في اللغة العربية وظيفة بيانية وقيمة تعبيرية، فالغين تفيد معنى
الاستتار والغَيْبة والخفاء كما نلاحظ في : غاب ، غار ، غاص ، غال ، غام.
والجيم تفيد معنى الجمع : جمع ، جمل، جمد ، جمر. وهكذا .
وليست هذه الوظيفة إلا في اللغة العربية ، فاللغات اللاتينية مثلاً ليس بين
أنواع حروفها مثل هذه الفروق، فلو أن كلمتين اشتركتا في جميع الحروف لما
كان ذلك دليلاً على أي اشتراك في المعنى. فعندنا الكلمات التالية في
الفرنسية مشتركة في أغلب حروفها وأصواتها ولكن ليس بينها أي اشتراك في
المعنى
Ivre
سكران
oeuvre
أثر أو تأليف
ouvre
يفتح
livre
كتاب
lèvre
شفة .
2 – الاشـتـقـاق :
الكلمات في اللغة العربية لا تعيش فرادى منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما
يعيش العرب في أسر وقبائل. وللكلمة جسم وروح، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها
في مادتها ومعناها : كتب - كاتب - مكتوب - كتابة - كتاب.. فتشترك هذه
الكلمات في مقدار من حروفها وجزء من أصواتها .
وتشترك الألفاظ المنتسبة إلى أصل واحد في قدر من المعنى وهو معنى المادة
الأصلية العام. أما اللغات الأخرى كالأوروبية مثلاً فتغلب عليها الفردية .
فمادة ( ب ن و ) في العربية يقابلها في الإنكليزية :
son
ابن و
daughter
بنت. أما في الفرنسية فتأتي مادة ( ك ت ب ) على الشكل
التالي : كتاب
livre
مكتبة عامة
bibliothèque
محل بيع الكتب
librairie
يكتب
ècrire
مكتب
bureau
.
وثبات أصول الألفاظ ومحافظتها على روابطها الاشتقاقية يقابل استمرار
الشخصية العربية خلال العصور، فالحفاظ على الأصل واتصال الشخصية واستمرارها
صفة يتصف بها العرب كما تتصف بها لغتهم، إذ تمكن الخاصة الاشتقاقية من
تمييز الدخيل الغريب من الأصيل .
إن اشتراك الألفاظ ، المنتمية إلى أصل واحد في أصل المعنى وفي قدر عام منه
يسري في جميع مشتقات الأصل الواحد مهما اختلف العصر أو البيئة، يقابله
توارث العرب لمكارم الأخلاق والمثل الخلقية والقيم المعنوية جيلاً بعد جيل.
إن وسيلة الارتباط بين أجيال العرب هي الحروف الثابتة والمعنى العام .
والروابط الاشتقاقية نوع من التصنيف للمعاني في كلياتها وعمومياتها، وهي
تعلم المنطق وتربط أسماء الأشياء المرتبطة في أصلها وطبيعتها برباط واحد،
وهذا يحفظ جهد المتعلم ويوفر وقته .
إن خاصة الروابط الاشتقاقية في اللغة العربية تهدينا إلى معرفة كثير من
مفاهيم العرب ونظراتهم إلى الوجود وعاداتهم القديمة، وتوحي بفكرة الجماعة
وتعاونها وتضامنها في النفوس عن طريق اللغة.
3 – خصائص الكلمة العربية ( الشكل والهيئة أو البناء والصيغة أو الوزن ) :
إن صيغ الكلمات في العربية هي اتحاد قوالب للمعاني تُصبُّ فيها الألفاظ
فتختلف في الوظيفة التي تؤديها. فالناظر والمنظور والمنظر تختلف في مدلولها
مع اتفاقها في أصل المفهوم العام الذي هو النظر. الكلمة الأولى فيها معنى
الفاعلية والثانية المفعولية والثالثة المكانية .
وللأبنية والقوالب وظيفة فكرية منطقية عقلية. لقد اتخذ العرب في لغتهم
للمعاني العامة أو المقولات المنطقية قوالب أو أبنية خاصة : الفاعلية -
المفعولية - المكان - الزمان - السببية - الحرفة - الأصوات - المشاركة -
الآلة - التفضيل - الحدث .
إن الأبنية في العربية تعلم تصنيف المعاني وربط المتشابه منها برباط واحد،
ويتعلم أبناء العربية المنطق والتفكير المنطقي مع لغتهم بطريقة ضمنية
طبيعية فطرية .
وللأبنية وظيفة فنية، فقوالب الألفاظ وصيغ الكلمات في العربية أوزان
موسيقية، أي أن كل قالب من هذه القوالب وكل بناء من هذه الأبنية ذو نغمة
موسيقية ثابتة. فالقالب الدال على الفاعلية من الأفعال الثلاثية مثلاً هو
دوماً على وزن فاعل والدال على المفعولية من هذه الأفعال على وزن مفعول .
وإن بين أوزان الألفاظ في العربية ودلالاتها تناسباً وتوافقاً، فصيغة (
فعّال) لمبالغة اسم الفاعل تدل بما فيها من تشديد الحرف الثاني على الشدة
أو الكثرة، وبألف المد التي فيها على الامتداد والفاعلية الخارجية .
وتتميز اللغة العربية بالموسيقية فجميع ألفاظها ترجع إلى نماذج من الأوزان
الموسيقية، والكلام العربي نثراً كان أم شعراً هو مجموع من الأوزان ولا
يخرج عن أن يكون تركيباً معيناً لنماذج موسيقية .
وقد استثمر الشعراء والكتاب العرب هذه الخاصة الموسيقية فقابلوا بين نغمة
الكلام وموضوعه مقابلة لها أثر من الوجهة الفنية. فمثلاً يقول النابغة
الذبياني :
ميلــــوا إلى الــدار مـن ليلى نحييـهـــا نـعــم
ونســـألهـا عن بعــض أهليـهــــا
حيث ينقلك إلى جو عاشق يهيم ويتأمل وتهفو نفسه برقة وحنان إلى آثار الحبيب
بما في البيت من نعومة الحروف وكثرة المدود وحسن توزعها وجمال تركيب
الألفاظ .
ويقول البحتري متحدثاً عن الذئب :
عوى ثـــم أقـعــى فارتجــزت فهجتـــــه
فأقـبــــل مثــــل البـرق يتبعه الرعد
فينقل تتابع حركات الذئب السريع في ألفاظ قصيرة الأوزان متوالية الحركات .
وقد بلغت هذه الخاصة الموسيقية ذروتها في التركيب القرآني، فأنت تحس، مثلاً
في سورة العاديات ، عدو الخيل : (( والعاديات ضبحاً. فالموريات قدحاً.
فالمغيرات صبحاً. فأثرن به نقعاً. فوسطن به جمعاً )).
وكان لأوزان الألفاظ أثر في جمال الكتابة العربية، فالكلمات التي على وزن
واحد تتشابه ألفاظها الكتابية مثل الكلمات على وزن فاعل أو على وزن مفعول.
إن هذه الكلمات في التركيب يكون منها ما يشبه الزخارف العربية .
وتتأرجح الصيغ بين الثبات والتطور، والثبات غالب ولا يسبب هذا جمود
العربية، فإن لها على حالتها الحاضرة من الصيغ والأبنية غنى لا تضارعها فيه
لغة أخرى من اللغات الراقية التي تفي بحاجات الإنسان في مثل هذا العصر .
إن الإخلال بهذه الأبنية وإفسادها إفساد لنظام اللغة، فلذلك كان العرب إذا
أدخلوا كلمة أعجمية احتاجوا إليها صاغوها على نماذج ألفاظهم وبنوها على أحد
أبنيتهم وجعلوها على أحد أوزانهم .
وبين العربية والطبيعة صلة وثقى، فالأجسام في الطبيعة على كثرتها ترجع إلى
عناصر بسيطة محدودة العدد تتشابه وتختلف بحسب تشابه تركيب مادتها واختلافه.
وكذلك اللغة العربية ترجع كلماتها التي لا تكاد تحصى إلى عناصر محدودة
ثابتة هي الحروف. وفي الطبيعة تشابه ونمطية وتكرر، فللشجرة مهما كان نوعها
أوراق وأغصان جذع وثمر. وفي اللغة أيضاً تشابه بين أبنية الفاعلين
والمفعولين والمكان والزمان. ولكل فرد من أفراد الجنس الواحد في الطبيعة
ذاتيته مع مشابهته لسائر أفراد الجنس. وكذلك للفظ ذاتيته مع مشابهته لسائر
الألفاظ المشتركة معه في الأصل أو البناء والصيغة. وفي الطبيعة تسلسل
وتوارث يقابله تسلسل وتوارث في اللغة. وفي الطبيعة محافظة وتجديد، وكذلك في
اللغة محافظة وتجديد أيضاً .
4 – التعـريـب :
يتشابه نظام العربية مع نظام المجتمع العربي. فكما يرتبط أفراد المجتمع
العربي وقبائله بصلات القربى والنسب والتضامن والتعاون، ترتبط ألفاظها في
نسق خاص في حروفها وأصواتها، ومادتها وتركيبها ، وهيئتها وبنائها .
وحين يدخل غريب على المجتمع فلا بد لـه لكي يصبح عضواً فيه من أن يلتزم
بأخلاقه وعاداته، فكذلك اللفظة الأعجمية إذا دخلت يجب أن تسير على أوزان
العربية وهيئاتها وصيغها لكي تصبح عضواً كامل العضوية في الأسرة اللغوية .
ويُستعمل في العربية مصطلح التعريب بينما في اللغة الأجنبية استعارة
emprunt.
والتعريب أحد مظاهر التقاء العربية بغيرها من اللغات على مستوى المفردات.
وكانت الألفاظ الدخيلة في العصر الجاهلي قليلة محدودة تتصل بالأشياء التي
لم يعرفها العرب في حياتهم. وهي محصورة في ألفاظ تدل على أشياء مادية لا
معنوية مثل : كوب - مسك - مرجان - درهم.. وتعود قلة الدخيل إلى سببين :
انغلاقهم على أنفسهم واعتدادهم بأنفسهم وبلغتهم .
أما بعد الإسلام فقد اتصلت العربية باللغات الأخرى فانتقلت إليها ألفاظ
جديدة تتعلق كلها بالمحسوسات والماديات مثل أسماء الألبسة والأطعمة
والنباتات والحيوان وشؤون المعيشة أو الإدارة. وقد انعدم التأثير في
الأصوات والصيغ والتراكيب .
إن هذا الداخل على الغالب لم يبق على حاله بل صيغ في قالب عربي، ولذلك كانت
المغالاة والإكثار من الغريب وفسح المجال من غير قيد مظهراً من مظاهر
النـزعة الشعوبية في الميدان اللغوي قديماً وحديثاً .
وكانت طريقة العرب في نقل الألفاظ الأجنبية أو التعريب تقوم على أمرين :
أ – تغيير حروف اللفظ الدخيل، وذلك بنقص بعض الحروف أو زيادتها مثل :
برنامه برنامج - بنفشه بنفسج
أو إبدال حرف عربي بالحرف الأعجمي :
بالوده فالوذج - برادايس فردوس
ب – تغيير الوزن والبناء حتى يوافق أوزان العربية ويناسب أبنيتها فيزيدون
في حروفه أو ينقصون، ويغيرون مدوده وحركاته، ويراعون بذلك سنن العربية
الصوتية كمنع الابتداء بساكن، ومنع الوقوف على متحرك ، ومنع توالي ساكنين
...
وأكثر ما بقي على وزنه وأصله من الألفاظ هو من الأعلام :
سجستان – رامهرمز..
أما دليلهم إلى معرفة الدخيل فهو إحدى ثلاث طرق :
أ – فقدان الصلة بينه وبين إحدى مواد الألفاظ العربية :
بستان : ليس في العربية مادة بست .
ب – أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في الكلمة العربية :
ج ق جوسق – ج ص جَِصّ – ج ط طازج ...
ج – أن أن تكون على وزن ليس في العربية :
إِبْرَيْسَم إفعيلل – آجر فاعُلّ ..
(أحسن الحرير )
5 – خصائص معانـي الألفـاظ العربيـة :
تقوم طريقة العربية في وضع الألفاظ وتسمية المسميات على الأمور التالية :
أ - اختيار صفة من صفات الشيء الذي يراد تسميته أو بعض أجزائه أو نواحيه أو
تحديد وظيفته وعمله واشتقاق لفظ يدل عليه .
ب - تحتفظ العربية بالمعاني الأصلية الدالة على أمثال هذه المسميات ،
فألفاظها معللة على عكس غيرها من اللغات التي لا تحتفظ بهذه المعاني .
ج - الإشارة إلى أخص صفات المسمى وأبرزها أو إلى عمله الأساسي ووظيفته، على
عكس اللغات الأجنبية التي تشير إلى ظاهره وشكله الخارجي أو تركيبه وأجزائه.
فمثلاً تسمية الدراجة في العربية تشير إلى وظيفتها وعملها وحركتها. أما في
الفرنسية فإن
bicyclette
(ذات الدولابين) تشير إلى أجزائها وتركيبها وحالتها الساكنة. ومثل ذلك
السيارة التي تشير تسميتها إلى عملها بينما في الفرنسية كلمة
automobile
تعني المتحرك بنفسه.
ويظهر تفكير العرب وحياتهم واضحين جليين في مفردات لغتهم، فكلمة العامل،
مثلاً بعد الإسلام، أخذت معنى الوالي والحاكم، وهذا يدل على أن الولاية عمل
من الأعمال وليست استبداداً، وأن الحكم تكليف وليس تشريفاً. ولفظ ( المرأ )
للمذكر و (المرأة) للمؤنث يدل على تساوي الرجل والمرأة عندهم في الأصل.
والمروءة هي الصفات المستحسنة المأخوذة من أخلاق الإنسان ذكراً كان أو أنثى
.
وللغة العربية طريقة في تصنيف الموجودات، فمفرداتها تدل على أن العرب صنفوا
الوجود تصنيفاً شاملاً دقيقاً منطقياً يدعو إلى الدهشة والتعجب، ويدل على
مستوى فكري قلما وصلت إليه الأمم في مثل هذا الطور المبكر من تاريخ حياتها
.
وهناك ألفاظ تدل على الموجودات بمجموعها مثل ( العالَم) و (العالَمين ) فهي
تشتمل على الخلق كله. وكذلك الشهادة ( الحس) وعكسه الغيب .
وتظهر في الألفاظ العربية أنواع الموجودات كالنبات والحيوان. ويتضمن
الحيوانُ الإنسانَ والوحوش والطير والسباع والهوامَّ والسوائم والحشراتِ
والجوارحَ والبغاث .
وتظهر أيضاً الأخلاق والمشاعر كالمكارم والمثالب، والمحاسن والمساوئ ،
والفرح والحزن، والحسيات والمجردات .
ولم تقتصر العربية على الحسيات كما تقتصر كل لغة في طورها الابتدائي.
فبالإضافة إلى ما فيها مما لا يكاد يحصى من الألفاظ الدالة على الحسيات لم
تهمل المعنويات والمجردات. إننا نجد في العربية سعة وغزارة في التعبير عن
أنواع العواطف والمشاعر الإنسانية. كما أنهها اشتملت على الكلمات الدالة
على الطباع والأفعال والمفاهيم الخلقية. واشتملت كذلك على المفاهيم الكلية
والمعاني المجردة. لقد جمع العرب في لغتهم بين الواقعية الحسية والمثالية
المعنوية ، فالمادية دليل الاتصال بالواقع ، والتجريد دليل ارتقاء العقل .
ولها باع في الدقة والخصوص والعموم، إذ تمتاز برقة تعبيرها والقدرة على
تمييز الأنواع المتباينة، والأفراد المتفاوتة، والأحوال المختلفة سواء في
ذلك الأمور الحسية والمعنوية. فإذا رجعنا إلى معاجم المعاني وجدنا أموراً
عجباً. فتحت المشي الذي هو المعنى العام أنواع عديدة من المشي :
درج حبا حجل خطر دلف هدج رسف
اختال تبختر تخلج
أهطع هرول تهادى تأود...
والأمثلة كثيرة في كتب معاجم المعاني كفقه اللغة للثعالبي وهو مجلد صغير،
والمخصص لابن سيده الذي يقع في 17 جزءاً .
ومن ضروب الدقة ما يظهر في اقتران الألفاظ بعضها ببعض، فقد خصص العرب
ألفاظاً لألفاظ ، وقرنوا كلمات بأخرى ولم يقرنوها بغيرها ولو كان المعنى
واحداً.
فقد قالوا في وصف شدة الشيء :
ريح عاصف - برد قارس - حر لافح .
وفي وصف اللين :
فراش وثير - ثوب لين - بشرة ناعمة - غصن لدن .
وكذلك في الوصف بالامتلاء، والوصف بالجدة، والوصف بالمهارة في الكتابة
والخطابة والطب والصنعة ووصف الشيء بالارتفاع الحقيقي أو المجازي وغيرها
وغيرها .
لا شك أن هذا التخصص في تراكيب العربية في النعت والإضافة والإسناد نوع من
الدقة في التعبير، لأن هذه الألفاظ المخصصة ببعض المعاني والأحوال توحي إلى
السامع الصورة الخاصة التي تقترن معها. فلفظ باسق يوحي إلى الذهن معنى
الارتفاع وصورة الشجرة معاً، كما توحي كلمة وثير معنى اللين وصورة الفراش.
وكثيراً ما يحتاج المتكلم إلى أن ينقل إلى مخاطبه هذه المعاني والصور
متلازمة مقترنة ليكون أصدق تصويراً وأدق تعبيراً وأقدر على حصر الصورة
المنقولة وتحديدها .
وفي العربية منـزلة للتخصيص والدقة والتعميم، فلا ينطبق عليها وصف
الابتدائية لكثرة ما فيها من الألفاظ الدالة على الكليات والمفاهيم
والمعاني العامة والمجردة . وما فيها من الدقة والتخصيص قرينة على أن
أصحابها بلغوا درجة عالية في دقة التفكير ومزية وضوح الذهن وتحديد المقصود
والدلالة. والمستعرض للشعر الجاهلي يجد نماذج من الوصف تتضمن الجزئيات
والتفصيلات في الألوان والأشكال والحركات والمشاعر إلى جانب شعر الحكم الذي
يتضمن قواعد عامة في الحياة ومعاني عالية من التعميم والتجريد .
إن دقة التعبير والتخصيص سبيل من سبل تكوين الفكر العلمي الواضح المحدد .
والتخصيص اللغوي والدقة في التعبير أداة لا بد منها للأديب لتصوير دقائق
الأشياء وللتعبير عن الانفعالات والمشاعر والعواطف .
لقد ألف اللغويون العرب مؤلفات خاصة بإبراز الفروق بين الألفاظ مثل :
الفروق لأبي هلال العسكري، وأدب الكاتب لابن قتيبة ، وفقه اللغة وأسرار
العربية للثعالبي. ونجد مثل هذه الدقة في الوصف عند كثير من كتاب العربية
في مختلف العصور ولا سيما في القرون الأربعة الأولى بعد الإسلام .
وفي العربية عموم وألفاظ عامة إذ يحتاج الإنسان في مراحل ارتقائه الفكري
إلى ألفاظ دالة على معان عامة سواء في عالم المادة أو في عالم المعنويات.
وسدت اللغة العربية هذه الحاجة، وأمدت المتكلم بما يحتاج إليه وبذلك
استطاعت أن تكون لغة الفلسفة كما كانت لغة العلم والفن والشعر .
6 – الإيجــاز :
الإيجاز صفة واضحة في اللغة العربية . يقول الرسول
: (( أوتيت جوامع الكلم )). ويقول العرب (( البلاغة الإيجاز )) و (( خير
الكلام ما قلّ ودلّ )). وفي علم المعاني إيجاز قصر وإيجاز حذف .
الإيجاز في الحرف :
والإيجاز في العربية على أنواع ، فمنها الإيجاز في الحرف، حيث تكتب الحركات
في العربية عند اللبس فوق الحرف أو تحته بينما في اللغات الأجنبية تأخذ
حجماً يساوي حجم الحرف أو يزيد عليه. وقد نحتاج في اللغة الأجنبية إلى
حرفين مقابل حرف واحد في العربية لأداء صوت معين كالخاء (KH)
مثلاً ولا نكتب من الحروف العربية إلا ما نحتاج إليه، أي ما نتلفظ به، وقد
نحذف في الكتابة بعض ما نلفظ : لكن - هكذا - أولئك. بينما في الفرنسية نكتب
علامة الجمع ولا نلفظها، وأحياناً لا تلفظ نصف حروف الكلمة. ونكتب في
الإنكليزية حروفاً لا يمر اللسان عليها في النطق ، كما في كلمة (right)
مثلاً التي نسقط عند النطق بها حرفين من حروفها (gh)
نثبتهما في كتابتها .
وفي العربية إشارة نسميها ( الشدة )، نضعها فوق الحرف لندل على أن الحرف
مكرر أو مشدد، أي أنه في النطق حرفان، وبذلك نستغني عن كتابته مكرراً، على
حين أن الحرف المكرر في النطق في اللغة الأجنبية مكرر أيضاً في الكتابة على
نحو (frapper)
و (recommondation)
.
ونحن في العربية قد نستغني كذلك بالإدغام عن كتابة حروف بكاملها، وقد نلجأ
إلى حذف حروف. فنقول ونكتب ( عَمَّ ) عوضاً عن ( عن ما ) و ( مِمَّ ) عوضاً
عن ( من ما ) و (بِمَ) عوضاً عن ( بما ) ومثلها ( لِمَ ) عوضاً عن ( لِما )
.
الإيجاز في الكلمات :
وبمقارنة كتابة بعض الكلمات بين العربية والفرنسية والإنكليزية نجد الفرق
واضحاً :
العربية وحروفها الفرنسية وحروفها الإنكليزية وحروفها
أم 2
mère 4
mother 6
أب 2
père 4
father 6
أخ 2
frère 5
brother 7
وليست العربية كاللغات التي تهمل حالة التثنية لتنتقل من المفرد إلى الجمع،
وهي ثانياً لا تحتاج للدلالة على هذه الحالة إلى أكثر من إضافة حرفين إلى
المفرد ليصبح مثنى، على حين أنه لا بد في الفرنسية من ذكر العدد مع ذكر
الكلمة وذكر علامة الجمع بعد الكلمة :
الباب البابان - البابين
les deux portes
the two doors
الإيجاز في التراكيب :
والإيجاز أيضاً في التراكيب ، فالجملة والتركيب في العربية قائمان أصلاً
على الدمج أو الإيجاز . ففي الإضافة يكفي أن تضيف الضمير إلى الكلمة وكأنه
جزء منها :
كتابه
son livre
كتابهم
leur livre
وأما إضافة الشيء إلى غيره فيكفي في العربية أن نضيف حركة إعرابية أي صوتاً
بسيطاً إلى آخر المضاف إليه فنقول كتاب التلميذ ومدرسة التلاميذ، على حين
نستعمل في الفرنسية أدوات خاصة لذلك فنقول :
le livre de l’élève
،
l’école des élèves
.
وأما في الإسناد فيكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه وتترك
لعلاقة الإسناد العقلية المنطقية أن تصل بينهما بلا رابطة ملفوظة أو
مكتوبة، فنقول مثلاً ( أنا سعيد ) على حين أن ذلك لا يتحقق في اللغة
الفرنسية أو الإنكليزية ، ولا بد لك فيهما مما يساعد على الربط فتقول :
(
je suis heureux )
،
( I am happy
) .
وتستعمل هاتان اللغتـان لذلك طائفـة من الأفعـال المساعدة مثل (avoir
, étre)
في الفرنسـية و (to
have , to be)
في الإنكليزية .
كما أن الفعل نفسه يمتاز في العربية باستتار الفاعل فيه أحياناً، فنقول
(أكتب) مقدرين الفاعل المستتر، بينما نحتاج إلى البدء به منفصلاً دوماً
مقدماً على الفعل كما هو الأمر في الفرنسية (je-tu…)
وفي الإنكليزية (I
, you
...). وكذلك عند بناء الفعل للمجهول يكفي في العربية أن تغير حركة بعض
حروفه فتقول : كُتب على حين نقول بالفرنسية (
il a été écrit
) وفي الإنكليزية (
it was written
) .
وفي العربية إيجاز يجعل الجملة قائمة على حرف :
فِ ( وفى يفي )، و (ع) من وعى يعي، و ( ق ) من وفى يفي،
فكل من هذه الحروف إنما يشكل في الحقيقة جملة تامة لأنه فعل وقد استتر فيه
فاعله وجوباً .
وفي العربية ألفاظ يصعب التعبير عن معانيها في لغة أخر
ى بمثل عددها من الألفاظ كأسماء الأفعال .
نقول في العربية :
( هيهات ) ونقول في الإنكليزية (
it is too far
)
( شتان ) (
there is a great difference
)
وحرف الاستقبال مثل :
( سأذهب ) (
I shall go
)
والنفي أسلوب في العربية يدل على الإيجاز :
العربية :
( لم أقابله ) ، الإنكليزية : (
I did not meet him
)
الفرنسية : (
Je ne l’ai pas rencontré
)
العربية :
( لن أقابله ) ، الإنكليزية : (
I will never meet him
)
الفرنسية :
(
Je ne le rencontrerai jamais
)
الإيجاز في اللغـة المكتوبـة :
فمثلاً سورة ( الفاتحة ) المؤلفة في القرآن من 31 كلمة استغرقت ترجمتها إلى
الإنكليزية 70 كلمة .
ويقول الدكتور يعقوب بكر في كتاب ( العربية لغة عالمية : نشر الأمانة
العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة 1966 ) : (( إذا ترجمنا إلى العربية
كلاماً مكتوباًُ بإحدى اللغات الأوروبية كانت الترجمة العربية أقل من الأصل
بنحو الخمس أو أكثر .))
لقراءة موضوع آخر للكاتب:
الثقافة العربية بين الأصالة
والمعاصرة
أضيفت في 01/05/2009/
خاص القصة السورية
اللغة العربية ومكانتها بين اللغات
الجزء
الثاني
بقلم
الكاتب:
د. فرحان السليم
أثر اللغة العربية في اللغات الأخرى:
إن الكلمات العربية في اللغات الإسلامية : الفارسية والتركية والأوردية
والمالاوية والسنغالية أكثر من أن تحصى. والكلمات العربية في الإسبانية
والبرتغالية ثم في الألمانية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية ليست قليلة
أيضاً .
لقد التقت العربية بالفارسية والسريانية والقبطية والبربرية. وكان عندها
أسباب القوة، فهي لغة القرآن، وتتميز ببناء قوي محكم، وتملك مادة غزيرة .
لقد حملت رسالة الإسلام فغنيت بألفاظ كثيرة جديدة للتعبير عما جاء به
الإسلام من مفاهيم وأفكار ونظم وقواعد سلوك. وأصبحت لغة الدين والثقافة
والحضارة والحكم في آن واحد .
غزت العربية اللغات الأخرى كالفارسية والتركية والأوردية والسواحلية فأدخلت
إليها حروف الكتابة وكثيراً من الألفاظ. وكان تأثيرها في اللغات الأخرى عن
طريق الأصوات والحروف والمفردات والمعاني والتراكيب .
وأدى اصطدام العربية باللغات الأخرى إلى انقراض بعض اللغات وحلول العربية
محلها كما حصل في العراق والشام ومصر, وإلى انزواء بعضها كالبربرية وانحسار
بعضها الآخر كالفارسية .
لقد أصبحت لغات الترك والفرس والملايو والأوردو تكتب جميعها بالحروف
العربية . وكان للعربية الحظ الأوفر في الانبثاث في اللهجات الصومالية
والزنجبارية لرجوع الصلة بين شرق إفريقيا وجزيرة العرب إلى أقدم عصور
التاريخ .
التحديات أمام اللغة
العربية:
سأل طالب في بيروت أستاذه عن المعنى العربي لمصطلح أجنبي, فقال لـه الأستاذ
: وهل العربية لغة ؟!
لقد اتخذت محاولات الطعن في العربية أشكالاً ومظاهر شتى, فهي تلبس تارة ثوب
الطعن في الأدب القديم وصحته, وتظهر تارة بمظهر تشجيع اللهجات المحلية
لتفتيت اللغة الواحدة وتمزيق الناطقين بها, وتارة تلبس ثوب الثورة على
القديم والدعوة إلى التجديد. فمن مناد بالتمرد على الأسلوب العربي القديم,
وهو لا يتمرد في حقيقته على قِدَم الأسلوب وإنما يتمرد على صحة اللغة
وسلامتها, ومن قائل بضيق العربية وقصر باعها عن مواكبة الحضارة, ومن مصرح
بهجر الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني, ومن داع إلى تغيير القواعد.. ومن
داعٍ للاعتراف بالعلمية وما فيها من أدب وفن .! ويلبس كل ذلك ثوب الإصلاح
اللغوي .
وبلغ الأمر بأحدهم أنه لا يرى سبباً لهزيمة العرب إلا لغتهم الفصحى, أو
يراها من أسباب هزيمتهم. وثان نظر إلى تخلف العرب العلمي في عصر الذرة
فأعلن أنه لا يرى لهذا سبباً غير تمسك العرب بلغتهم في مراحل التعليم عامة
والتعليم العالي منها خاصة. وثالث لم يجد داء عند العرب أخطر من بقاء
الحروف العربية في أيدي أصحابها, فدعا إلى نبذها وإحلال الحروف اللاتينية
محلها.
ودعا آخرون إلى اللهجات المحلية وتشجيع دراسة تلك اللهجات باسم البحث
العلمي في علم اللغة وفقهها, كما دعوا إلى العامية ودراستها. وما هذا إلا
دعوةٌ مفرقة ممزقة بطريقة علمية في عصر تبحث فيه الأمة عن وحدتها وترفع فيه
شعار قوميتها. ولقد تأسى كثير من أصحاب هذه الدعوات بما فعله مصطفى كمال
أتاتورك في تركية حين نبذ الحروف العربية وكتب اللغة التركية بالحروف
اللاتينية فقطع بذلك كل صلة للشعب التركي بمحيطه الشرقي والعربي والإسلامي
ظناً منه أن ذلك يجعل تركية في صدارة العالم المتقدم .
ويقول الإنكليزي ( ويلكوكس ) : (( إن العامل الأكبر في فقد قوة الاختراع
لدى المصريين هو استخدامهم اللغة العربية الفصحى في القراءة والكتابة )).
وما يزال أحد الشوارع في حي (الزمالك) بالقاهرة يحمل اسمه .
ودفعت هذه الاتهامات أحد المفكرين إلى أن يصرخ من المرارة : (( من حق
إسرائيل أن تحيي العبرية الميْتة, ومن واجبنا أن نميت العربية الحية )).
ويقول الدكتور عمر فروخ في هذا المعنى : (( أعجب من الذين يدرسون اللغات
الميْتة, ثم يريدون أن يميتوا لغة حية كالعربية .))
إن من يراجع الوثائق التي بدأت بها عملية الاحتلال البريطاني لمصر يكتشف أن
أول أعمال الاحتلال هو وضع الخطة لحطم اللغة، يبدو ذلك واضحاً في تقرير
لورد دوفرين عام 1882 حين قال : إن أمل التقدم ضعيف ( في مصر) ما دامت
العامة تتعلم اللغة العربية الفصيحة .
وقد توالت هذه الحرب ليس في مصر وحدها بل في الشام والمغرب بأقطاره كلها في
محاولات قدمها كرومر وبلنت من ناحية ولويس ماسينيون وكولان في المغرب. ثم
تقدم رجال يحملون أسماء عربية للعمل بعد أن مهد لهم الطريق ويلكوكس والقاضي
ديلمور، وحيل بين اللغة العربية وبين أحكام المحاكم المختلطة والأجنبية .
وكان التعليم في البلاد العربية المحتلة يتم كله باللغات الأجنبية (
الإنجليزية في مصر والسودان والعراق ) والفرنسية في (سورية وتونس والجزائر
والمغرب)، فقد كانت لحظة النفوذ الأجنبي ترمي إلى :
أولاً :
تحويل أبجدية اللغات الإقليمية إلى اللاتينية وكانت تكتب أساساً بالحروف
العربية ، كما حدث في إندونيسيا وبعض بلاد إفريقية وآسية .
ثانياً :
تقديم اللغات الأجنبية في الأقطار الإسلامية على اللغة العربية .
ثالثاً : تقديم اللهجات واللغات المحلية وتشجيعها والدعوة إلى كتابة اللغة
العربية بالحروف اللاتينية.
رابعاً :
ابتعاث الطلاب إلى الغرب لدراسة لغاته، وكان ذلك إيماناً بأن اللغة هي
الوجه الثاني للفكر، وأن من يجيد لغة لا بد أن يعجب بتاريخها وفكرها ويصير
له انتماء من نوع ما إلى هذه الأمة .
وكانت الحملة على اللغة العربية الفصحى من خلال حجج ضعيفة واهية منها :
صعوبة اللغة، ومنها التفاوت بينها وبين العامية .
وكان فرض اللغات الأجنبية في مختلف أقطار الأمة الإسلامية عاملاً هاماً في
فرض ثقافاتها ووجهة نظر أهلها وفي الوقوف موقف الإعجاب بالغاصب والعجز عن
مواجهته. ومن يدرس تجارب التعليم الغربي في البلاد العربية يجد الولاء
الواضح للنفوذ الغربي .
وفي البلاد الإسلامية غير العربية فعل الأجنبي فعله في إفريقية وآسيا خاصة
ففي إفريقية عمد الإنجليز في نيجيريا إلى نقل حروف اللغات المحلية من
العربية إلى الحروف اللاتينية فضلاً عن عملية القضاء على كتب التراث
الإسلامي التي تعرضت للحريق للقضاء على كل أثر علمي عربي بعد قطع التيار
الحضاري العربي القادم من شمال إفريقية ومصر .
وفي غرب إفريقية عمد الاستعمار الفرنسي إلى القضاء على العربية بعد معركة
مع اللغة العربية في الجزائر خلال مائة عام كاملة .
وقد جاء هذا كله بعد أن بلغت اللغة العربية كل وصف حتى أصبحت لغة التخاطب
بين قبائل نصف القارة كما أشار إلى ذلك ( توماس أرنولد) في كتابه (( الدعوة
إلى الإسلام ))، وبعد أن كانت بعوث إفريقية ترسل إلى مكة المكرمة والأزهر
أصبحت ترسل إلى الغرب .
وبعد أن كانت اللغة العربية قد شاركت بحروفها وألفاظها في كل اللغات
الأساسية في إفريقية وهي الهوسا والماندنجو والوولوف والسواحلية والصومالية
ولغات النيجر والدناكل في إثيوبيا وإرتيريا، عمد النفوذ الأجنبي إلى إيقاف
كل ذلك وإحياء الثقافات الإفريقية القديمة وصبغها بصبغة إقليمية تساعد على
إثارة التعصب وإقامة القوميات المحدودة المحلية في نطاق قبلي ليستغلوا هذه
الروح في إقامة سد مرتفع في وجه انتشار اللغة العربية مع نشر الثقافة
الإنجليزية والفرنسية من خلال اللغتين ليتحقق الاستعمار الثقافي الكامل .
وهكذا أصبحت اللغتان الإنجليزية والفرنسية - كل في منطقة سيطرتها - لغة
أساسية في مراحل التعليم المختلفة، وغلبت اللهجات القومية ولغة المستعمر
ليس على مناهج التعليم فحسب بل على أعمال المصارف والمحاكم والدواوين .
أما في آسيا فقد استطاعت اللغات الأجنبية في جنوب شرق آسيا ( الملايو -
إندونيسيا - تايلاند ) السيطرة ، وتراجعت اللغة العربية ثم تراجعت الحروف
العربية أيضاً في تركيا وإندونيسيا.
وفي إندونيسيا وأرخبيل الملايو نجد الصورة قاتمة، فقد تعرضت إندونيسيا بعد
الاستقلال للتحديات في مجال اللغة فكتبت اللغة الأندونيسية بالخط الروماني
(اللاتيني) بدلاً من الخط العربي المحلي، وأصبحت العربية لغة أجنبية لا
يقرؤون ولا يكتبون بها، وأصبح العدد الأكبر قادراً على أن يقرأ اللغات
الغربية وخاصة الإنجليزية .
وإذا أردنا حصر التحديات التي واجهتها اللغة العربية فإننا نلخصها بالتالي
:
-استبدال
العامية بالفصحى .
-تطوير الفصحى حتى تقترب من العامية .
-الهجوم على الحروف العربية والدعوة إلى استعمال الحروف اللاتينية .
-إسقاط الإعراب في الكتابة والنطق .
-الدعوة إلى إغراق العربية في سيل من الألفاظ الأجنبية .
محاولة تطبيق مناهج اللغات الأوروبية على اللغة العربية ودراسة اللهجات
والعامية .
المواجهة:
وقبل الدخول في المواجهة علينا أن نشخص الأمراض التي نعاني منها على
المستوى اللغوي فالتشخيص نصف العلاج .
إن التردي في عصور الانحطاط كان عاملاً من عوامل ضعفنا اللغوي، وهذا التردي
لم يكن مقصوراً على العامة من الناس بل شمل العلماء والفقهاء حتى كان يعجز
الكثير منهم عن كتابة رسالة خالية من العجمة، بريئة من الركاكة أو العامية،
سليمة من الخطأ. وكانت دروس الفقه والدين بل دروس النحو والبلاغة تلقى بلغة
مشوبة بالعامية منحطة عن الفصحى. أما أساليب العرب الفصيحة والكلام البليغ
فقد كانوا بعيدين عنه كل البعد، وكل ما تصبو إليه النفوس وترتفع إليه
المطامح أن يقلد الكاتب أسلوب الحريري في مقاماته أو القاضي الفاضل في
رسائله ومكاتباته .
لقد اختفت الفروق اللغوية وأصبحت الألفاظ المتقاربة مترادفة. ولم يبق
الترادف مزية من مزايا العربية بل مرضاً من أمراضها الوافدة المنتشرة، وغلب
على الناس استعمال الألفاظ في معانيها العامة فضاعت من اللغة بل من التفكير
مزية الدقة التي عرفت بها العربية في عصورها السالفة، وأدى ذلك إلى تداخل
معاني الألفاظ حين فَقَدت الدقة واتصفت بالعموم، وفقد الفكر العربي الوضوح
حين فقدته اللغة نفسها، واتصفت بالغموض ، وانفصلت الألفاظ عن معانيها في
الحياة وأصبحت عالماً مستقلاً يعيش الناس في جوه بدلاً من أن يعيشوا في
الحياة ومعانيها .
إن الموقف يلقي أمامنا مشكلة النهوض باللغة العربية وقدرتها على الوفاء
بحاجات أهلها في هذه الحياة الجديدة سواء في ميدان العلوم أو الفن أو الأدب
بأغراضه وآفاقه الحديثة، أو في ميدان الحياة العملية بما فيها من مستحدثات
لا ينقطع سيلها. كما يدفعنا باتجاه التحرر من آثار عصور الانحطاط من جهة
ومن التقليد الأجنبي والعجمة الجديدة التي أورثنا إياها عصر الاستعمار
والنفوذ الأجنبي من جهة أخرى .
إن المطلوب تكوين وعي لغوي صحيح يساير وعينا السياسي والفكري بل هو الأساس
لتكوين تفكيرنا تكويناً صحيحاً، والأخذ بأيدينا نحو الوحدة اللغوية والتحرر
اللغوي والقضاء على التجزئة والشعوبية أو النفوذ الأجنبي في ميدان اللغة
والفكر .
إن التعليم الجامعي العلمي خاصة في كثير من أقطار العروبة ما زال باللغات
الأجنبية : فهو إنكليزي في أقطار ، فرنسي في أقطار، روسي في أقطار، ولا
توجد صيدلة عربية ولا طب عربي .
وما زال هناك إلى الآن من يجادل لإبقاء تدريس العلوم باللغات الأجنبية .
لقد انقسم العرب إبان عهد الاستعمار إلى مجموعتين : الأولى هي الدول التي
حافظت على اللغة العربية طوال فترات الاحتلال، ولكن العجب أن تتصاعد فيها
آراء تشكك في صلاحية اللغة العربية لاحتواء العلوم الحديثة، والثانية هي
مجموعة الدول التي استطاع المستعمر فرض لغته عليها، وهي على العكس بذلت
جهوداً مضنية لاستعادة مكانة اللغة العربية. ومنذ سنوات ظهرت حلقة من
برنامج الاتجاه المعاكس في محطة الجزيرة القطرية الفضائية كان موضوعها عن
صلاحية اللغة العربية في تدريس العلوم، وكان النقاش بين أستاذين جامعيين
عربيين : الأول يدعو إلى تدريس العلوم باللغة الإنكليزية وهو سوري، والثاني
يدعو إلى تعريب التعليم وهو جزائري .
إن كثيراً من دعاة العروبة لا يحسنون لغتهم. وهذا ما دفع أحد المفكرين إلى
القول بأن هناك إهانة توجه إلى العربية؛ تتجلى هذه الإهانة في ثلاثة أمور :
1 – السيل من الأفلام والمسلسلات والتمثيليات والمسرحيات والأغاني باللغة
العامية .
2 – بعض الزعماء يخلط العربية بالعامية، وهم مولعون بخفض المرفوع وجر
المنصوب .
3 – تقليد المنتصر .
وإذا نظرنا إلى ما يفعل أصحاب اللغات الأخرى لخدمة لغاتهم لوجدنا أنفسنا
مقصرين كثيراً. فالإنكليز مثلاً يفعلون العجب في تعميم لغتهم، ويبتكرون
الحيل الطريفة لتحبيبها إلى النفوس حتى أصبحت الإنكليزية لغة العالم، ولغة
العلم معاً .
وقد حفظ لنا تاريخنا جهود رواد بذلوا ما بوسعهم لخدمة هذه اللغة . فمثلاً
لما تولى سعد زغلول وزارة المعارف في مصر كان التعليم في المراحل الأولى
باللغة الإنكليزية ؛ كان كتاب الحساب المقرر على الصف الابتدائي تأليف ((
مستر تويدي )) وكذلك سائر العلوم، فألغى سعد هذا كله، وأمر أن تدرس
المقررات كلها باللغة العربية، وأن توضع مؤلفات جديدة باللغة القومية.
وبذلك المسلك الناضج حفظ على مصر عروبتها. وهذا الصنيع دفع أحد المفكرين
المصريين إلى القول : (( إن سعداً أحسن إلى جيلنا كله بجعلنا عرباً )) فكم
سعداً نحتاج إليه ؟
ويسرني أن أختم بأبيات من قصيدة للدكتور عبد المعطي الدالاتي من وحي هذه
المقالة :
لغتي عليا اللغاتِ
قد سمتْ كالكوكبِ
جرسها بين اللغاتِ
كرنين الذهبِ
قد غدت أخت الخلودِ بالكلام
الطيّبِ
وفي كل آخر يحسن الحمد لله رب العالمين.
لقراءة موضوع آخر للكاتب:
الثقافة العربية بين الأصالة
والمعاصرة
أضيفت في 01/05/2009/
خاص القصة السورية
اللُّغة العربيّة وهُويّة
المجتمع
بقلم
الكاتب:
د. سمر روحي الفيصل
ليس من المفيد أن يتجاهل
أحدٌ الحقيقة المعروفة التي تربط الفكر بالهويّة واللّغة. فالهويّة تُعبِّر
عن الفكر، واللّغة تُعبِّر عن الهويّة. ومن ثَمَّ فإن أيَّ تأثير سلبيّ في
طرف من هذه الأطراف الثّلاثة يُؤثِّر تأثيراً سلبيّاً في الطَّرفيْن
الآخرين؛ أي أن توهين الفكر يجعل الهُويّة ضعيفة واللّغة المعبِّرة عن هذه
الهويّة أكثر ضعفاً. ومن المفيد ألا نتجاهل أيضاً صلة الإنسان الطَّوعيّة
بهذه الأطراف الثّلاثة؛ أي أن الإنسان يجب أن يكون حرّاً واعياً ثابت
العقيدة ليتمكَّن من الاختيار طواعيةً. ولا أثر كبيراً هنا للجانب
الفِطريِّ العاطفيّ؛ لأنّ هناك ثلاثةَ أمورٍ مسؤولةً عن تربية الحريّة
والوعي والثّبات العَقَديّ في الإنسان، هي العقيدة بقيمها الروحيّة
والماديّة، والتربية المكتسبة التي (تُعزِّز) صلة الإنسان بفكر أمّته
وهويّتها ولغتها، والتّراث الثّقافيّ الذي يربط الإنسان بعادات أمته
وتقاليدها وآدابها وفنونها.
أقول، استناداً إلى التّحديد
السّابق، إنّ اختيار الفكر العربيّ نابع من أن العروبة منفتحة، مرنة، قادرة
على التفاعل مع المتغيِّرات، تقبل الآخر بينها فلا ترفضه، وتحاوره دون أن
تستبعده؛ لأنها كما نصَّ عصام نعمان: تتصف بتركيزها على المشتركات
السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة القائمة بين الأقوام والإثنيّات
والطوائف والمذاهب والثقافات التي تتوافر في البلاد العربيّة، فضلاً عن
أنها (ديمقراطيّة) تستند إلى حكم القانون والعدالة(1)، وترفض الجمود
والتَّحوُّل إلى عقيدة ثابتة لا تتبدَّل ولا تتغيَّر. ولا شكَّ في أنّ
الهويّة العربيّة هي المعبِّرة عن الفكر العربيّ، وأنّ اللّغة العربيّة هي
المعبِّرة عن الهويّة العربيّة التي اعتدنا اختزالها بمصطلح (العروبة).
أعتقد بأنّني خائف، في الوقت
الرّاهن، على الفكر العربيّ وعلى هويّة المجتمع العربيّ التي تُجسِّده. وقد
أشرع أخاف على اللّغة العربيّة في العِقد القابل. أمّا مسوّغ الخوف الرّاهن
على المجتمع العربيّ فهو غزو الحياة الحديثة والعولمة. أما الحياة الحديثة
فقد دخلت المجتمع العربيّ في النِّصف الثاني من القرن العشرين دون أن يكون
مُعَدَّاً للاندماج فيها. فالسيَّارة، على سبيل التّمثيل لا الحصر، آلة لم
تأتِ إلينا جامدةً، بل جاءتنا وهي تحمل معها فكر صانعيها الحديث، بما
يضمُّه هذا الفكر من حاجة إلى سلوكات وعادات جديدة، وإلى نبذ السلوكات
والعادات القديمة، ولكننا ركبنا الآلة الجامدة ولم نتحلّ بالفكر العلميّ
الذي صنعها، أو مهَّد لصناعتها وبناء حضارتها الحديثة. وما إنْ شرع المجتمع
العربيّ يتكيّف مع الأشكال الأولى البسيطة للحياة الحديثة في ثمانينيّات
القرن العشرين وتسعينيّاته حتى عصفت به رياح العولمة، بفضائيّاتها
واقتصادها وأفكارها الغربيّة المسيطرة، المناهضة للفكر العربيّ، النابذة
للمجتمع القديم الآمن والحديث الآخذ بالتَّشكُّل، الرّاغبة في أن تجعل
الإنسان تابعاً ذليلاً لها. وهانحن الآن نترنَّح، فنعي قليلاً، وليس
كثيراً، القيود التي فُرضَتْ على مجتمعنا في الاقتصاد وغيره، دون أن نكون
قادرين على الاعتراض عليها، أو على تجلّياتها التي تبثُّها الفضائيّات،
وتسعى من خلالها إلى غرس القيم الغربيّة في مجتمعنا العربيّ.
أمّا اللُّغة العربيّة
فموقفها أكثر قوّةً في مواجهة الحياة الحديثة؛ لأنها أثبتت، طَوَال القرن
العشرين، قدرتها على ابتداع المصطلحات في العلوم والفنون والآداب كلِّها،
ونجاحها في تدريسها وغَرْس مهاراتها والتّأليف فيها. وقد أثبتت الدِّراسات
غنى اللّغة العربيّة ومرونتها وطَواعيّتها في العصر الحديث(2). ولا أظنُّ
بأنّ شيئاً من ذلك كلّه يمكن أن يتغيَّر في أثناء مواجهتها رياح العولمة.
بيد أنّ ذلك لا يعني الاطمئنان، بل يعني القلق؛ تبعاً لتوافر الارتباط بين
هوية المجتمع العربي واللغة العربيّة. ويمكنني القول، بتعبير آخر، إن الخطر
اللُّغويّ نابع من أن العولمة تُهدِّد هُويّة المجتمع العربيّ. فإذا كانت
العولمة تشير إلى بداية تشكُّل الحضارة العالميّة(3) فإن المجتمع العربيّ،
بتعدُّد دُوَله وتباينها، غير قادر على الاختيار بين الانغماس في العولمة
أو عدم الانغماس فيها؛ لأن الدُّول الصغيرة مُجبرة غير مخيَّرة على مجاراة
العولمة، ولكنها قد تجاريها فتبقى حيَّةً فاعلة، وقد تنتظر ما ستفعله بها
فتدعسها وتجعلها تابعة ذليلة إنْ لم تمحقها. والفيصل في ذلك، كما نصَّ سعيد
حارب، هو (صوغ الإنسان الجديد)(4).
فالإنسان العربيّ في هذه
الأيام بدأ يتصف، كلّيّاً أو جزئيّاً، بالصفات الآتية:
1- الإحساس بعدم المسؤوليّة
عمّا يجري في المجتمع.
2- الانغماس في متع العصر
الاستهلاكيّة في المأكل والملبس والسّلوك، أو التّطرُّف والابتعاد عن العصر
بإيجابيّاته وسلبيّاته.
3- التَّرجُّح بين قيم
العروبة الرّوحيّة والماديّة النابعة من العقيدة والثقافة، والقيم المادية
النابعة من العولمة الاقتصاديّة.
4- الاعتقاد بأن المجتمع
المثاليّ هو المجتمع الغربيّ بعاداته وتقاليده وديمقراطيّته، وأن المجتمع
العربيّ متخلِّف لا يمكن إصلاحه ولا حفزه إلى اللَّحاق بالغرب المتقدِّم.
5- الإيمان بأن اللّغة
الانكليزيّة هي لغة التقنية الحديثة، وأن العربية صعبة لا علاقة لها بهذه
التقنية، ولا صلة تربطها بالحداثة، ولا أمل لها باللَّحاق بركب صانعي
الحضارة العالميّة الجديدة.
هذه الصفات الخمس بدأت
تُبْعِدُ الجيل الجديد عن لغته، وتُشْعِره بالخواء الدَّاخليّ، وبضعف
المواطنة، وبالتَّطلُّع إلى الهجرة من الوطن الصغير والكبير. ولهذا السبب
ترى هذا الإنسان مستهيناً بلغته، لا يرغب في إتقان مهاراتها، ولا يهتمُّ
بتاريخها ورجالاتها، وكأنّه ينتقم من مجتمعه حين يهمل اللغة العربيّة. فإذا
حدّثتَه عن مرونة العربية وجمالها وتراثها هزَّ رأسه استهزاءً، وقدَّم لكَ
من صُنْع يدكَ دليلاً معاكساً لما تطلبه منه، هو أنكَ تتشبَّث بالتعليم
باللغة الأجنبيّة، فإذا كانت لغتكَ على هذا النَّحو من الأهميّة، كما
تدَّعي، فاهجر التعليم باللّغة الأجنبيّة، وعلِّمني باللّغة العربيّة
وحدَها. هذا المناخ الاجتماعيّ اللّغويّ السلبيّ تُعزِّزه القنوات
الفضائيّة العربيّة بمسلسلاتها الأجنبيّة التي تنهال على رأس هذا الإنسان
ليل نهار، فتزيد خواءه خواءً، ونفوره من المجتمع العربيّ نفوراً. ومن
البديهيّ أن نعتقد بأن هذه الصفات السابقة أثرت تأثيراً سلبيّاً في هويّة
المجتمع العربيّ، أو أنها ستؤثِّر في هذه الهويّة، في العِقد القابل، حين
يتسنّم مقاليدَ الأمورِ الجيلُ الذي أشرتُ إلى صفاته الخمس، الجيلُ الذي
رُبي في أحضان العولمة، ما لم تبادر التربية، بالمفهوم الواسع لها، إلى صوغ
هذا الإنسان العربيّ صوغاً يجعله إنساناً جديداً قادراً على التخلُّص من
الصفات الخمس السلبيّة، مبادراً إلى الحفاظ على هويّة مجتمعه العربيّ، كما
هي حال صِنوه اليابانيّ والكوريّ والصِّينيّ والماليزيّ.
إنكَ لتعجب من أن الدُّوَل
التي حافظت على هوية مجتمعها الآن وليس غداً، ربَّت الإنسان في مجتمعها على
احترام لغته قبل أن تربيه على إتقان العلوم والمعارف. ربته على أن لغته هي
كيانه مهما تكن بسيطة أو صعبة أو ضعيفة أو مرنة أو غير ذلك، وعلَّمته أن
لغته هي هويّته ووطنه وأمّته وحياته كلّها، قبل أن تربيه على تذوُّق الفنون
والآداب، فلا شيء عندها يعلو على اللغة مهما يكن جليلاً في سلَّم القيم
المعنويّة. لا شيء في نظرها أكثر أهميّة من إتقان مهارات الحديث والقراءة
والكتابة والاستماع؛ لأنها تعلم علم اليقين أن لغتها عنوان هويّة مجتمعها،
فإذا ضعفت اللغة ضعفت الهويّة، والعكس صحيح أيضاً.
هل نحاكي هذه الدُّول، فنجعل
التربية اللُّغويّة عنوان إعادة بناء الإنسان العربيّ؟. هل نعي جيِّداً،
ونحن نسعى إلى إعادة تربية إنساننا العربيّ، أنّ قرآننا، وهو دستور
عقيدتنا، نزل بلسان عربيّ مبين، وما زال حافظاً لهذه اللغة، وأن جيلنا لم
ينفصل عن عقيدته، ولم ييأس اليأس الذي يجرفه بعيداً عن وطنه وأمّته. أكاد
أقول: بلى، وأنا أعلم بأننا لا نحترم لغتنا، ونتغنَّى بحبّها لفظياً.
والدّليل على ذلك أننا نُعلي من شأن اللّغة الأجنبيّة في عُقر دارنا، ونغضّ
الطَّرْف عن حال اللغة العربيّة في مدارسنا ومؤسساتنا وحياتنا ومنازلنا.
ونحن لا نعلي من شأن اللغة الأجنبيّة فحسب، بل نسعى جاهدين إلى إتقانها،
وإلى حفز أبنائنا إلى تلقي العلم في مدارسها وجامعاتها، وننفق، كثيراً وليس
قليلاً، على المؤتمرات واللقاءات الخاصّة بالتحبيب بها وإتقان أساليب
تعليمها كتابةً وقراءةً. ولا نحترم، في الوقت نفسه، لغتنا العربية، لغة
القرآن والحديث والتراث، فنبخل إذا طُلِب منا الإنفاق على المؤسسات التي
تخدمها، ونتردَّد إذا دُعينا إلى احترامها وخدمتها. نرفض أن نجعلها كياننا
وهويّتنا، فلا نُقرِّبها من الجيل الجديد، بل نخيفه منها، وننفره من
مهاراتها، ونبعده عن نصوصها الجميلة في تراثها القديم والحديث، ونيسِّر له
أمر النجاح في امتحاناتها دون عناء، ونسامحه على تهاونه بها وبمعلِّميها
وأدبائها والعاملين على صوغ وجدانات الناس بوساطتها. كما نهمل تنمية رصيده
اللغويّ، ونستهين بأساليب اعتزازه بها، ومباهاته بجمالها، والفخر بتاريخها
وأعلامها. مثل هذا الإنسان يحتاج إلى تربية لغويّة تعينه على الارتقاء
بهوية مجتمعه، وتزوِّده بالقوّة الدّاخليّة التي تبني كيانه، وتخلق في
المجتمع مناخاً مواتياً للرقي والعزّة، وإن كانت المشكلات تحيط بهذا
المجتمع، وتُضعفه، وتجعله يقترب من الموت في أثناء خوضه معركة العولمة.
إن الحديث عن التربية
اللُّغويّة ذو شجون، فلْننظر إلى بناء الإنسان العربيّ الجديد من نافذة هذه
التربية، ولنربطه بوطنه وأمّته بوساطتها. ولكنْ، هل البناء حُلُم وأمانٍ
عاطفيّة وأضغاث أحلام، أو هو إيمان باللّغة العربية، واستعداد علميّ لجعلها
لغة الحياة والعلم؟. هل البناء اللُّغويّ مهمّة المدرسة وحدَها، أو هي
مهمّة المجتمع كلِّه؟. أليست هناك حاجة إلى (تعريب) المجتمع الذي نعيش فيه؛
لنعيد إلى وسائل إعلامنا واتصالنا وتعبيرنا اللّغة العربية القادرة على ربط
الإنسان الجديد بتراثه وعقيدته وفنونه وآدابه وعلومه؟.
إن البناء اللّغويّ للإنسان
العربيّ الجديد مهمّة حضاريّة، يعمل على تجسيدها الأفراد والمؤسسات
والحكومات، بغية قيادة المجتمع إلى هدف واحد، هو (تجديد الهويّة
الثقافية)(5)، على أن يُصبح هذا التجديد قضية تمس وجود الأمة، وتكشف
الأخطار التي تهددها في عصر العولمة(6). ولا شكَّ في أن تعريب المجتمع هدف
آخرُ سامٍ؛ لأنه يُسهم في تمين العلاقة بين اللغة العربية وهوية المجتمع،
وفي تطوُّر الثقافة العربية و(تقدُّمها، وتطوُّر الحياة العلميّة في الوطن
العربيّ، وفي إثراء اللغة العربية نفسها)(7). فإذا تحقَّق تعريب الحياة
العربية سهل القول إن اللغة العربية أصبحت عنوان هوية المجتمع العربيّ
وفكره واتصاله بحضارته وعقيدته.
الإحالات:
1- د. عصام
نعمان: (تجديد الفكر القومي أم الفكر العربي)، صحيفة الخليج، الشارقة، ع
10562، السبت 19/4/2008 (بتصرف)
2- انظر، على
سبيل التمثيل لا الحصر، الكتب الآتية التي حلَّلت علاقة اللغة العربية
بالقضايا والمشكلات التي طرحها القرن العشرون:
- د. بنت
الشاطىء ( عائشة عبد الرحمن): لغتنا والحياة (1971)
- د. سمر
روحي الفيصل: المشكلة اللغوية العربية (1992)
- د. سمر
روحي الفيصل: اللغة العربية الفصيحة في العصر الحديث (1993)
- د. بن عيسى
باطاهر: الدور الحضاري للعربية في عصر العولمة ( 2001)
- د. رضوان
الدبسي: أثر وسائل التقنية في تطوير تعليم العربية (2002)
- د. سمر
روحي الفيصل: قضايا اللّغة العربية في العصر الحديث (2007)
3- مركز زايد
للتنسيق والمتابعة: العقل العربي بين مقدمات التنوير وإشكاليات تعريب قيم
العولمة، أبو ظبي، 2001، ص 30
4- د. سعيد
حارب: الثقافة والعولمة، دار الكتاب الجامعي، العين، 2000، ص 15
5- بن عيسى
باطاهر: الدور الحضاري للعربيّة في عصر العولمة، جمعية حماية اللغة
العربية، الشارقة، 2001، ص 58
6- المرجع
السابق نفسه (بتصرف)
7- د. سعيد
حارب: التعريب والتعليم العالي، جمعية حماية اللغة العربية، الشارقة، 2000،
ص 44
أضيفت
في 01/06/2008/ خاص القصة السورية / جمعت من مصادر مختلفة
نظام اللّغة
ونظام الرّواية
بقلم
الكاتب:
د. سمر روحي الفيصل
ليس من المفيد أن أُكرِّر
القول إن الخطاب الإبداعيّ ينهض استناداً إلى مفهوم الأجناس الأدبيّة؛ أي
أن نظام اللغة محكوم بالجنس الروائيّ. فاللغة الوصفيّة ضروريّة؛ لأن
الرواية تحتاج إلى الوصف لتحقيق أغراض فنيّة معيَّنة. كذلك الأمر بالنسبة
إلى اللغة السردية. فنظام اللغة يؤدّي بوساطتها غرضاً فنياً روائياً، ولهذا
السبب كانت علاقة نظام اللغة بحاجات بناء الرواية علاقة وثيقة لا يمكن
فصلها لغير أغراض الدرس والتحليل. أما المتلقي القارىء للرواية فيرى أمامه
اللغة وحدَها، ويتواصل مع الحوادث والشخصيات والزمان والمكان، وما إلى ذلك
من مكوِّنات البناء الروائيّ بوساطة مكوِّنات اللغة من مفردات وتراكيب
ودلالة. ولعلّ اهتمامي بالدلالة الأسلوبيّة، هنا، يدفعني إلى ملاحظة دلالة
العلاقة بين مكوِّنين لغويين، هما: (المفردات والتراكيب) ونصّ الرواية،
انطلاقاً من أن نظام اللغة لا يعمل منفصلاً؛ لأنه نظام يربط سننه اللغويّة
الخاصّة بسنن الرواية، ويُعرَف، تبعاً لذلك، بلغة الرواية.
أعتقد، استناداً إلى التوضيح
السّابق، بأن الدلالات الأسلوبيّة هي تجسيد العلاقة بين نظام اللغة
بمستوييه السابقين: المفردات والتراكيب، ونظام الرواية. وسأحلِّل هذه
العلاقة ودلالاتها في رواية صدرت حديثاً (2007)، هي: (صمت الفراشات)
للروائية الكويتية ليلى العثمان، وسأنصرف في هذا التحليل إلى الأمور
الآتية:
أ- دلالة الصُّوَر:
اعتمد البناء اللغويّ لرواية
(صمت الفراشات) اعتماداً واضحاً على نوعين من الصُّوَر، نوعٍ سرديٍّ وآخر
وصفيّ. أما النوع السّرديّ فغزير جداً، ينافس السّرد المباشر للحوادث
الروائيّة، ويكاد يفوقه عدداً وجمالاً. فإذا كان وجود نادية في (القصر) هو
الكتلة السرديّة الأولى في (صمت الفراشات)، وهي الكتلة الأكثر جمالاً
وتأثيراً وإقناعاً في الرواية، فإن تلخيص الحدث الروائيّ الخاصّ بها يسير
جداً لو لجأت ليلى العثمان إلى السرد المباشر. التلخيص في هذه الحال هو: ما
حدث لنادية ليلة زفافها، داخل غرفتها في قصر نايف، ووضوح صفات نايف
الأخلاقيّة من خلال حبسه نادية في القصر وإبعادها عن الاتصال بالعالم
الخارجي بما في ذلك أهلها. لكنّ ليلى العثمان لم تلجأ إلى السرد المباشر
الذي يغطّي هذا الحدث في خمس صفحات إنْ بالغنا في تقدير عدد الصفحات، بل
لجأت إلى تجزيء الحدث، وتقديم الجزئيّات في صور فرعيّة، كصورة العبد ليلة
العرس، وصورته وهو يقتحم سرير نادية، وصورته وهو يلاحقها ليسوطها، وصورة
العجوز وهو يقترب منها، وصورته وهو يضربها... هذه الصور الفرعيّة التي
قدَّمتها ليلى العثمان في خمس صفحات ليس غير من (صمت الفراشات) تدلُّ على
أنها صنعت أسلوبيّتها الخاصّة من خلال الأسلوبيّة العامّة بوساطة الصور
السرديّة التي تتوالى لتغطي الحوادث الروائية في الكتل السرديّة الثلاث في
الرواية. وإذا كانت الصور الفرعيّة التي ذكرتُها مثالاً على ما ورد في
الكتلة السردية الأولى (القصر)، فإنه من اليسير أن نلاحظ قدرتها على تصوير
الحدث تصويراً قادراً على أن يجعل المتلقي ينفعل به، فيتعاطف مع نادية،
وينفر من العجوز والعبد، ويناهض المال وصاحبه، وبَيْع الفتاة باسم تزويجها،
وقَتْل الحياة والقيم في الإنسان بدلاً من إحيائهما، والتناقض بين خارج
القصر (فخامة البناء والحدائق) وداخله (تدني الأخلاق والقيم والسلوك). ولا
تحتاج الرواية لتصبح جميلة مقنعة مؤثِّرة إلى غير هذا الأسلوب القادر على
زجِّ المتلقي في الحدث، وحفزه إلى أن يصبح جزءاً منه وليس مجرّد منفعل به.
أما النوع الثاني من الصور
فهو الصور الوصفيّة، كصورة نايف العجوز في عيني زوجته نادية في بداية ليلة
العرس: (خطا متمهلاً تجاهي. ظهره المحدودب يثني رأسه حتى تكاد ذقنه تلامس
عظمة صدره. توالدت بداخلي المخاوف مثل دبابير سجينة تتقافز، تتراكض، تحاول
بشوكها خرم لحمي لتفر ناجية من عصوف قلبي التي تقرع كطبول إفريقية مجنونة
كلما تقدم خطوة نحوي. انتصب أمامي. ظلت عيناي مسبلتين كارهتين التقاء وجهه.
حرّك كفه تجاه وجهي وبسبابة هشة رفع ذقني فتقابل وجهانا). هذه الصورة
الوصفية، وغيرها، تؤدي مهمة روائيّة معروفة، هي رسم المشاهد في ارتباطها
بالحوادث الروائيّة، سواء أكانت تتعلّق بالإنسان أم الجماد أم الحيوان،
بغية تحديدها في ذهن المتلقي، ومساعدته على تقبُّل الدلالات، وهي، بالنسبة
إلى الصورة التي ذكرتُها، الدلالة على الحال النفسية لنادية في أثناء
اقتراب نايف منها، فضلاً عن التمهيد لتصويرها الجسديّ له: (ظهره المحدودب
يثني رأسه حتى تكاد ذقنه تلامس عظمة صدره). ولكن هذه الدلالة تبقى جزئيّة؛
لأن الصورة الوصفيّة تُبطىء السرد دون أن تلغيه. وهذا واضح من الجمل
السرديّة التي تضمّها الصورة (خطا متمهلاً تجاهي- انتصب أمامي- حرّك كفّه
تجاه وجهي- رفع ذقني)، وكأن دلالة الصورة الوصفية عند ليلى العثمان تتسع
لتؤدي مهمّتين أخريين غير تبطيء السرد ورسم الصورة الخارجية لنايف، هما
ترابط الصور الوصفية وتكاملها. فالتمهيد الذي قدَّمته الصورة لهيئة نايف
الخارجية تليه صورة وصفية أخرى مكَمِّلة له، هي: (انظري إليَّ. تثاقل
جفناي. لكن الأمر الوارد جعلني أنظر. تضاعف ارتجافي حين صدمني الوجه. كتلة
رخوة تستند إلى عظامها. صدغان كحفرتين. أنف كقصبة ذابلة. عينان صغيرتان
غائرتان يموج بؤبؤهما بماء أزرق. شفتان مترهلتان انفرجتا عن ابتسامة فضحت
أسنانه الاصطناعية). هذه الصورة تُكمل الهيئة الخارجيّة في ذهن المتلقي،
وتتابع في الوقت نفسه تَقَدُّمَ الحدث، دون أن تكتفي بذلك؛ لأن فيها إيحاءً
بقسوة نايف في ليلة يُفتَرَض أن يكون رقيقاً فيها. وهذا الإيحاء مهمّ لئلا
يترسّخ في ذهن المتلقي سببٌ واحد لنفور نادية، هو كون نايف هرماً ضعيفاً.
وستكون هذه الصورة الوصفية ذات دلالة جزئيّة أيضاً؛ لأن هناك صوراً أخرى
تليها، وكلّ صورة منها تضمُّ دلالة جزئيّة جديدة، تكتمل بها الهيئة
الخارجيّة والطبيعة الأخلاقيّة، وتزيد معها معرفة المتلقي وقدرته على فهم
العالم الروائيّ.
لقد بُنيت الصور الوصفيّة
والسرديّة من الألفاظ والتراكيب بشكليها الحقيقيّ والمجازيّ، بغية تقديم
دلالات روائيّة جزئيّة، لكنها متكاملة في الدلالة على التناقضات الروائية
التي تتوالى في سياق الرواية بين براءة نادية وعنف نايف، بين فخامة القصر
وانحطاط سلوك صاحبه، ثم بين: حياة الحرية وحياة السجن في القصر، بين الزوجة
الأرمل والمجتمع، بين الحب والعادات الاجتماعية... ومن ثَمَّ كانت الصور
ترجمة أسلوبيّة للتناقضات الفكرية التي تحكم رواية (صمت الفراشات).
ب- دلالة الفقرات:
هناك، في سياق (صمت
الفراشات)، دلالات أخرى تُقدِّمها الفقرات السرديّة والمجازيّة. أما
الفقرات السرديّة فهي الفقرات التي أعانت الصور الوصفية والسردية السابقة
على تقديم العالم الروائي بما فيه من حوادث وشخصيات. وهذا النوع من الفقرات
مألوف في السرد الروائي، بل هو أساسيّ فيه. ولا يختلف أسلوب رواية (صمت
الفراشات) عن أسلوب الرواية العربية في اعتماده الفقرات السرديّة أساساً من
أسس البناء اللغويّ، لكنه يختلف في حرصه على نوعين من هذه الفقرات: نوعٍ
يعتمد الأفعال الماضية، ونوعٍ يعتمد الأفعال المضارعة. من أمثلة النوع
الأول تعليق نادية الساردة على ردّ فِعْل عطية حين سألته كيف يبقى دون
امرأة: (شرق بفتات الكعكة. انتابته موجة سعال متلاحق وشهقات طفرت معها
دموعه ومخاطه. سارعتُ إليه أضرب على ظهره. هدأ. قدَّمتُ إليه كوب الماء.
عبّه بشراهة. استلَّ شهيقاً عالياً. فاجأتني نوبة ضحك. كنتُ فرحة بسلامته،
متأثرة بمنظره المثير). ومن أمثلة النوع الثاني الذي يعتمد الأفعال
المضارعة ما كانت الساردة تحلم به وهي حبيسة القصر: (أن أعود إلى بيتنا
البسيط الآهل بالحركة وضحكات أولاد أخي الذين كانوا يتناثرون حولي، يعبثون
بأشيائي القليلة الغالية عليَّ، يشخبطون على أوراقي وكتبي المدرسية.
يتقاذفون وسادتي، ويرتدون أحذيتي الرخيصة ذات الكعب العالي).
إن الدلالة الفنية للفقرات
السردية ذات الأفعال الماضية والمضارعة، هي الرغبة في تسريع السرد الخاص
بحدث جزئيّ في الرواية. لكن الدلالة الأسلوبيّة التي تهمّنا هنا، هي تنويع
الأسلوب، بحيث يُقدَّم الحاضر الرّاهن في الرواية بصيغة الحدث الماضي،
ويُقدَّم الحدث الماضي بصيغة الحدث الرّاهن. فالرّاهن يُقدَّم بالفعل
الماضي وكأنه حَدَثٌ انتهى ولم يبق له أثر في النفس، والماضي يُقدَّم
بالفعل المضارع على سبيل استعادة الماضي البهيج ليحلَّ محلَّ الحاضر
التَّعِس. وقد لاحظ الروائيّ الذّوّاقة إسماعيل فهد إسماعيل هذا الأمر في
قصص ليلى العثمان، فقال عن (الحضور): (نعني به هنا على وجه التحديد استعادة
الزمن الماضي في سياق زمن القص، مجسداً في حالات التذكر أو الاستدعاء، أو
التداعي، وأحياناً الحلم، مما يحقّق للنص السردي وشيجة زمنية ذات مستويين
متباينين، متفاعلين، يؤثر واحدهما في الآخر). لقد سمّى إسماعيل فهد إسماعيل
استعادة الزمن الماضي حضوراً يجعل الماضي راهناً، ويحقق، بوساطة التّذكُّر
أو الاستدعاء أو التداعي أو الحلم، مستويين لغويين متباينين متفاعلين. وهذا
عين ما لاحظتُه في أسلوب (صمت الفراشات) على سبيل التنويع الأسلوبيّ الذي
يستحضر الماضي البهيج في الحاضر التَّعِس، ويُبْعد الحاضر التَّعِس بدفعه
إلى الماضي، في نوع من (القلب) الدّلاليّ لزمني الفعلين الماضي والمضارع.
سيكون من المفيد أن نلاحظ
ظاهرة أسلوبية أخرى، هي إيراد فقرات مجازيّة صرف، كقول الساردة نادية في
التعبير عن حالها في القصر وقد أصبحت هذه الحال عادةً: (اكتظظتُ بالأوجاع،
تخمّرت رئتاي برائحة القصر الذي لا تتنفّس فيه الجدران إلا عللها، وتتثاءب
فيه أفواه التماثيل الجامدة تنـزُّ صدأ عصورها المنصرمة). هذه الفقرات
الشبيهة بالشِّعْر متناثرة في (صمت الفراشات)، تتكاثر في الكتلة السردية
الأولى (القصر)، تبعاً لوحدة الساردة نادية في هذه الكتلة، وحاجتها إلى
البوح بالآلام التي تعتمل في دخيلتها. ويقلُّ ورودها في الكتلة الثانية
تبعاً لانفتاح الساردة على العالم، وعودة التوازن إليها. وترجع الفقرات
المجازيّة مرة أخرى إلى الكثرة في نهايات الرواية حين يؤذن السرد بإخفاق
العلاقة بين نادية وعطية، ويعلو إيقاع الألم من جديد نتيجة القيود
الاجتماعية. وكأنّ اللجوء إلى الفقرات المجازيّة مقترن بالألم والوحدة في
(صمت الفراشات). فإذا ضحكت الحياة لنادية انطلقت تُعبِّر تعبيراً مباشراً
لا رائحة للمجاز فيه.
أضيفت
في 01/06/2008/ خاص القصة السورية / جمعت من مصادر مختلفة
الأغلاط
الشَّائعة في النُّطق والكتابة
بقلم
الكاتب:
د. سمر روحي الفيصل
الأغلاط الشَّائعة في
النُّطق والكتابة-1
في القائمة الآتية أغلاط
شائعة في النُّطق والكتابة، رتَّبتُها ترتيباً ألفبائيّاً بحسب الحرف الأول
منها، بادئاً بالشَّكل الصّحيح للكلمة، موضِّحاً، بعد ذلك، المعنى المراد
منها إذا تعددت معانيها، وكانت هناك خشية من اللّبس في المعنى المراد. فإذا
لم يكن لها غير معنى واحد معروف أهملتُ الإشارة إليه، مكتفياً بتصويبها.
أما الغلط في الكلمة فقد أخَّرتُه لأبعده عن أن يكون بداية الكلام، وأوّل
ما يقع عليه بصر المتلقي، اعتقاداً مني بأن البدء بالصّواب خير من البدء
بالغلط.
= أثَّر في كذا، أو: بكذا،
بدلاً من: أثّر على كذا.
= أدّى الشَّيءَ، وأدّى إلى
الشَّيء سيّان. تقول: أدّيتُ الصّلاة: قمتُ بها لوقتها. و: أدّيتُ
الدَّيْنَ: قضيتُه. فإذا عدّينا هذا الفعل وجب استعمال حرف الجر (إلى) في
أثناء ذلك. قال تعالى: {إنّ الله يأمركم أن تؤدُّوا الأمانات إلى أهلها}
= إرْباً إرْباً (بمعنى:
عضواً عضواً)، بدلاً من: (إرَباً إرَباً).
= باهر ومُبْهر سيّان. نقول:
قمرٌ باهر أو مبهر، بمعنى: غلَبَ ضَوْءُه ضَوْءَ الكواكب؛ لأن (باهر) اسم
الفاعل من الفعل الثلاثي: بهر( بمعنى: أدهش وحيَّر، أو: غَلَبَ، أو: غَمَر،
أو: غَلَبَ، أو: فاق، أو: برع). و(مبهر) اسم فاعل من الفعل الرباعي: أبهر.
= تحرَّى حقيقة الأمر (بمعنى:
توخَّى وطلب)، بدلاً من: (تحرَّى عن حقيقة الأمر).
= حار في كذا (بمعنى: لم
يهتدِ إلى سبيل، فهو: حائر وحَيْرانُ، وهي: حائرة وحَيْرَى)، بدلاً من:
احتار.
= خاصّة، أو: خصوصاً علمَه
وأخلاقَه، بدلاً من: خصوصاً علمُه وأخلاقُه. ويُقال أيضاً: خاصةً وأن علمَه
غزيرٌ، بدلاً من: وخاصّةً أن علمَه غزيرٌ.
= خُطَّة (بضمّ الخاء بمعنى:
النظام الذي يُوضَع لشأن من شؤون الحياة، أو الأمر، أو الحال) بدلاً من:
خِطّة (بكسر الظاء، بمعنى: الأرض المخطَّطة للعِمارة، يختطّها الرجل لنفسه،
فيضع عليها علامة ليحجزها).
= خِيارات (بكسر الخاء،
بمعنى: طَلَبُ خَيْرِ الأمْريْنِ، أو: فُرَص الاصطفاء والانتقاء)، بدلاً
من: خَيارات (بفتح الخاء).
= ذرفتِ الفتاة الدَّمع
(بمعنى: أسالتْ)، بدلاً من: أذرفت الفتاة الدَّمع.
= ذُهلتُ من كذا، بدلاً من:
(انذهلتُ). ذُهلتُ من هول النبأ.
= رضي عنه، {رضي اللهُ عنهم
ورضوا عنه}، بدلاً من: رضي عليه.
= الشَّجَن والشَّجَى (بمعنى:
الهمّ والحُزْن) سيّان.
= صُلْب (بضمّ الصَّاد،
بمعنى: الشّديد القويّ، أو: كلّ مادة يثبت شكلُها وحجمها في الأحوال
العاديّة، أو: هو من صُلْب فلان؛ أي من ذريّته، أو: صُلْب الموضوع؛ أي
صميمه)، بدلاً من: صَلْب (بفتح الصَّاد، الصَّلْب: القتل بالتعليق على
الصَّليب).
= ضرب خالدٌ برأس أخيه
الحائط، بدلاً من: ضرب خالدٌ رأس أخيه بالحائط. (الحائط ليس أداة الضرب، بل
هو المضروب)
= الظَّرْف (بفتح الظّاء
وتشديدها) بمعنى: الحِذق، أو الكياسة، أو البراعة، أو ذكاء القلب، أو حُسْن
الوجه، أو الوعاء، أو كلّ ما يستقرّ غيره فيه، فضلاً عن ظرفي الزمان
والمكان. بدلاً من: الظُّرف (بضم الظاء وتشديدها).
= العُبَاب (بضمّ العين،
بمعنى: الموج المرتفع المصطخب، أو بمعنى: أوّل الشيء، أو بمعنى: كثرة الماء
والسَّيْل)، بدلاً من: العَبَاب (بفتح العين، بمعنى: العبّ؛ أي: الشُّرْب
بلا تنفُّس).
= عدا الشَّيءَ، بدلاً من:
عدا عن الشّيءِ، لأن (عدا وخلا وحاشا) إذا اقترنت بما المصدرية كانت
أفعالاً ماضية، وكان الاسم بعدها مفعولاً به ليس غير: حضر الأولاد ماعدا
ولداً . وإذا لم تقترن بما المصدرية جاز أن تكون أفعالاً ماضية وأن يكون
الاسم بعدها مفعولاً به (عدا ولداً)، أو تكون حروف جر وما بعدها أسماء
مجرورة بها (عدا ولدٍ).
= عُرْض الحائط (بضمّ العين)
بمعنى صَوْب الحائط، أو ناحيته، أو جانبه. يُقال على سبيل المجاز: ضرب
التلميذ بنصائح أستاذه عُرْض الحائط؛ أي: أهملها ولم يبالِ بها. بدلاً من:
(عَرْض الحائط (بفتح العين)؛ لأن العَرْض: خلاف الطُّول، أو: خلاف
الطَّلَب، أو: المتاع، أو: عَرض الحال، أو: العَرْض العسكري.
= عَلاقة قويّةٌ، بمعنى:
الصَّداقة والحبُّ والرابطة، وما إلى ذلك من أمور معنويّة، و: عِلاقة
قويّةٌ، بمعنى: ما يُعلَّق به الشيء الماديّ كالسيف ونحوه ، بدلاً من:
عُلاقة قويّةٌ.
= العُنْقود (بضمّ العين)
بدلاً من: العَنْقود
= عَهِدَ إليه بالأمر، أو:
عَهِدَ إليه في الأمر (بمعنى: أوصاه به)، بدلاً من: عَهِدَ إليه الأمرَ
= الغَيُّ (بفتح الغين)
بمعنى: الضَّلال والخيبة، بدلاً من: الغِيّ (بكسر الغين).
= كَدِرَ أو كَدُرَ الماء،
أو: تكدَّرَ (بمعنى: صار غير صاف، ومنها: كدَّر عيشَه: نغَّص عليه حياتَه،
وكدَّرَ فلاناً: غمَّه)، بدلاً من: انكدر (بمعنى: تناثر)، ومنه قوله تعالى:
{وإذا النجومُ انكدرتْ}
= مُبَرِّز (بكسر الراء
المشدّدة: المتفوِّق، أو: السابق، أو: المجلّي)، اسم فاعل من: برَّز،
بمعنى: تفوَّق، بدلاً من: مُبرَّز (بفتح الراء المشدّدة).
= مأزِق، بمعنى: المكان
الضيِّق، أو: الموقف الحرج، بدلاً من: مأزَق (بفتح الزّاي).
= مَقَام كذا، بمعنى:
المنـزلة (أنتَ في مَقَام والدي، أو: أنتَ رفيع المقام)، بدلاًَ من: بمثابة
كذا؛ لأن معنى (المثابة) المأوى والمعاد والمرجع. قال تعالى: {وإذ جعلنا
البيت مثابة للناس وأمناً}.
= هَرَاوة بفتح الهاء، بمعنى:
العصا الضخمة)، بدلاً من: هِرَاوة (بكسر الهاء).
= الوارث (بمعنى: مَن انتقل
إليه المال بعد
وفاة المـُوَرِّث)، {أولئك هم
الوارثون}، بدلاً من: الوريث.
= وحده (جاء وَحْدَه، بمعنى:
وحيداً أو منفرداً)، بدلاً من لوَحْدِه؛ لأن هذه الكلمة منصوبة على
الحاليّة (وقيل: منصوبة على المصدريّة)، لا تقترن بحرف جرّ، وتلازم الإضافة
(ماعدا ثلاثة تراكيب: نسيجُ وَحْدِه [تُستعمل في المدح بمعنى: لا ثاني له]-
عُيَيْرُ وَحْدِه- جُحَيْشُ وَحْدِه [يُستعملان في الذمّ بمعنى: أنهما لا
يشاوران أحداً، ولا يخالطان، وفيهما مهانة وضَعْف].
= يُؤاخِذ بكذا (آخَذَ يتعدّى
بالباء وليس بعلى): لا يؤاخِذُ المعلِّمُ طلابَه بأغلاطهم، بدلاً من: لا
يُؤاخِذُ المعلِّمُ طلابَه على أغلاطهم.
= ينبغي لكَ (بمعنى: يجوز
ويصلح، لا بمعنى: يجب)، بدلاً من: ينبغي عليكَ. {لا الشَّمسُ ينبغي لها أن
تدرك القمر}
الأغلاط الشَّائعة في
النُّطق والكتابة-2
في القائمة الآتية أغلاط
شائعة في النُّطق والكتابة، رتَّبتُها ترتيباً ألفبائيّاً بحسب الحرف الأول
منها، بادئاً بالشَّكل الصّحيح للكلمة، موضِّحاً، بعد ذلك، المعنى المراد
منها إذا تعددت معانيها، وكانت هناك خشية من اللّبس في المعنى المراد. فإذا
لم يكن لها غير معنى واحد معروف أهملتُ الإشارة إليه، مكتفياً بتصويبها.
أما الغلط في الكلمة فقد أخَّرتُه لأبعده عن أن يكون بداية الكلام، وأوّل
ما يقع عليه بصر المتلقي، اعتقاداً مني بأن البدء بالصّواب خير من البدء
بالغلط.
= استُشهِد )بمعنى: مات في
سبيل الله أو المُثُل العليا(، بدلاً من: استَشهَد )بمعنى: طَلَبَ شاهداً،
أو: أتى بشاهد.)..
= أسدى إليه معروفاً، بمعنى:
اتّخذه عنده، بدلاً من: أسداه معروفاً. فالفعل أسدى) يتعدّى بالحرف (إلى)
إذا أردنا الدلالة على هذا المعنى، ولا يتعدّى بنفسه. ومثله: أسدى إليه
نصيحة: وَعَظه. فإذا تعدّى بنفسه دلَّ على معنى آخر، من نحو: أسدى
الثَّوبَ: مدَّ سداه؛ والسَّدى ما يُمدُّ طُولاً في النسيج، الواحدة: سداة.
و: أسدى بين القوم: أصلح.
= أعلنَ النبأَ في نهاية
الأسبوع، وأعلن الرئيس أن السلام لا بدَّ منه، بدلاً من: أعلن عن النبأ في
نهاية الأسبوع، أو: أعلن الرئيس بأن السلام لا بدَّ منه. فالفعل )أعلن
(يتعدّى بنفسه، ولا يتعدّى بحرف الجر )عن(، وإذا اقترن بالحرف المشبَّه
بالفعل خلا هذا الحرف المشبَّه بالفعل من حرف الجر.
= بكى الميت، و:بكى على
الميت، و: بكى للميت، سيّان، بمعنى دمعت عيناه حزناً عليه. و: بكى الميت:
رثاه، و: بكت السحابة: أمطرت.
= بِنية وبُنية )بكسر الباء
وضمّها(سيّان، والجمع: بِنى وبُنى. المنهج البِنيويّ، أو: البُنيويّ. ومنه:
صحيح البنية؛ أي: سليم. و: بنية الكلمة؛ أي: صِيغتها.
= تطيَّر بالغراب، و: تطيَّر
من الغراب، سيّان، بمعنى: تشاءم.
= الجِدُّ )بكسر الجيم( لها
معان، منها: الاجتهاد، و: ضدّ الهَزْل، ). بدلاً من: الجَدّ (بفتح الجيم
التي تعني أبا الأب أو الأم، و: الحظّ، و: العَظَمَة ..وبدلاً من: الجُدّ
(بضم الجيم)التي تعني جانب الشيء، و: شاطىء النهر.
= الحماسة (بمعنى:
الشَّجاعة)، بدلاً من: الحماس. من ذلك: حماسة أبي تمّام، وحماسة ابن
الشَّجري. وقد أُجيز استعمال )الحماس(في العصر الحديث.
= حيويّ: نسبة إلى: حياة،
بدلاً من: حياتيّة. ومثلها: دنيويّ نسبة إلى: دنيا. نقول: الأمور الحيويّة
والدّنيويّة؛ أي: أمور الحياة والدّنيا.
= الدُّستور )بالمعنى العامّ:
القاعدة والأساس، وبالمعنى القانونيّ: الأنظمة والقوانين والمبادىء التي
تُحْكَم الدولة بمقتضاها(، بدلاً من: الدَّستور.
= الرَّضَاع والرِّضاع: )بكسر
الزاي المشدّدة وفتحها( سيّان. والرَّضيع: الرَّاضع.
= رفاهِيَة، بدلاً من:
رفاهِيَّة، من الفعل: رَفُهَ رَفَاهةً ورَفَاهِيَةً، فهو: رفيه ورافه؛ أي
أصاب نعمةً وسعةً من الرزق، ورفُه عيشه: اتسع ولان.
= سها بالي عن الأمر (الفاعل
في الجملة هو: بالي)، بدلاً من: سها الأمر عن بالي
= طالما و: طال ما، سيّان.
إنْ كُتبت )ما( متصلة بـالفعل الماضي (طال)، فهي زائدة كافّةً الفعل (طال)
عن الفاعل: طالما فعلتُ هذا. وقيل إنها اسم موصول، وتعني مع الفعل (طال(
كثيراً ما ؛ أي: كثيراً ما فعلتُ هذا. وإنْ كُتبت منفصلة )طال ما( فهي
مصدريّة مؤوَّلة مع الفعل الذي يليها بمصدر في محل رفع فاعل للفعل (طال)
طال ما فعلتُ هذا )طال فِعْلي هذا)
= مؤيّدو الحربِ ومعارضوها
يقولون شيئاً واحداً )لا يُعطَفُ على المضاف قبل مجيء المضاف إليه( بدلاً
من: مؤيِّدو ومعارضو الحرب يقولون شيئاً واحداً.
= مؤهِّلات )بمعنى: الإمكانات
التي تسمح للإنسان بتولّي أمرٍ ما(، اسم فاعل من: أهَّل، وليست اسم مفعول
)مؤهَّلات).
= المَسُوق: اسم مفعول من
الثلاثي )ساق( ومضارعه )يسوق): (أثنيتُ على المسوق إلى فِعْل الخير، بدلاً
من المُسَاق )أثنيتُ على المُسَاق إلى فِعْل الخير)
= المَيْت و: المَيِّت،
سيّان، بمعنى:الذي فارق الحياة، ومَنْ في حكمه. و: المَيْتة: الحيوان الذي
زالت حياته دون ذبح شرعيّ. و: المِيْتة: هيئة الموت، يُقال: مات مِيتة
الجبناء، أو: الأبطال.
الأغلاط الشَّائعة في
النُّطق والكتابة-3
في القائمة الآتية أغلاط
شائعة في النُّطق والكتابة، رتَّبتُها ترتيباً ألفبائيّاً بحسب الحرف الأول
منها، بادئاً بالشَّكل الصّحيح للكلمة، موضِّحاً، بعد ذلك، المعنى المراد
منها إذا تعددت معانيها، وكانت هناك خشية من اللّبس في المعنى المراد. فإذا
لم يكن لها غير معنى واحد معروف أهملتُ الإشارة إليه، مكتفياً بتصويبها.
أما الغلط في الكلمة فقد أخَّرتُه لأبعده عن أن يكون بداية الكلام، وأوّل
ما يقع عليه بصر المتلقي، اعتقاداً مني بأن البدء بالصّواب خير من البدء
بالغلط.
= الاثنين، يوم من أيّام
الأسبوع، يُكتَب بهمزة وصل بدلاً من همزة القطع، وهو مضاف إليه على تقدير
مضافٍ محذوفٍ، هو: يوم، والأصل: يوم الاثنين. وقد اعتقد بعض الناس أننا
نسمِّي هذا اليوم من الأسبوع، ومن ثَمَّ وجب قطعه للعلميّة. وهذا ليس
دقيقاً؛ لأن الاثنين هو ثاني يوم في الأسبوع، وقبله (الأحد)؛ أي: الواحد أو
الأول، وبعده: الثّلاثاء؛ أي: الثّالث، ثم: الأربعاء؛ أي: الرّابع، وهكذا.
= حَذا خالدٌ حَذْوَ نزارٍ
(بفتح الحاء في: حَذا، بدلاً من ضمّها)، بمعنى: فعل خالدٌ مثلَ ما يفعل
نزارٌ. ويُقال أيضاً: حَذا النَّعْلَ بالنَّعْلِ: المعنى الحقيقيّ، هو:
قدَّر النَّعلَ الأولى بالثّانية وقطعها على قَدْرها. أما المعنى المجازيّ
فهو: المجاراة والمتابعة والتقليد، ويُستَخدَم في الدِّلالة على الشخص الذي
يتبع شخصاً آخر ويُقلِّده في عمله.
= الرِّضا، بمعنى: القَبُول
والقناعة، وضدّ: السَّخَط، يُُكتَب هذا الاسم المقصور بألف ليِّنة ممدودة؛
لأن أصل هذه الألف: واو (رضوان الله عليهم)، ويُقال: راضاني فرضوْتُه؛ أي:
غالبني في الرِّضا فغلبتُه.
= الزِّفاف، بكسر الراء
المشدَّدة (بمعنى: العُرْس)، بدلاً من فتحها. والزِّفاف مصدر الفعل
(زَفَّ)، الذي يدلُّ على معنى: أسرع، كما في قوله تعالى: {فأقبلوا إليه
يَزِفُّون}. ومن هذا المعنى قولهم: زَفَّ الطائرُ: رمى بنفسه وبسط
جَناحيْه. ورجلٌ زَفيفٌ وزَفَّاف: سريع خفيف. كما يدلُّ الفعل (زَفَّ) على
الإهداء. يُقال: زَفَّ إلينا نبأً سارّاً، بمعنى: أهدى إلينا خبراً مفرحاً.
كما يُقال: زَفَّ العروسَ إلى زوجها: أهداها له. وقد استعمل الناس
(الزَّفَّةَ) التي تعني (المَرَّة) بمعنى جديد، هو: الطَّواف بالعروس
تعبيراً عن الفرح.
= السَّموْأَل، تُكتَب الهمزة
المتوسطة على ألف استناداً إلى القاعدة العامة للهمزة المتوسطة (الهمزة
المفتوحة أقوى من الواو الساكنة، والفتحة تناسبها الألف). وتُكتَب الهمزة
على السطر أيضاً: السَّموْءَل، استناداً إلى القاعدة الاستثنائيّة القائلة
إنّ الهمزة المتوسطة المفتوحة إذا سُبقت بواو ساكنة كُتبتْ على السّطر. ولا
حاجة إلى تخطئة شكلٍ من الشكلين السابقين (السّموْأل- السَّموءَل)، فلكلٍّ
منهما مسوّغ إملائي، وإنْ مال أناسٌ إلى إلغاء القاعدة الاستثنائيّة،
واكتفوا بالقاعدة العامة، كما فعل مجمع اللغة العربية الأردني حين كتب همزة
(هيْأَة) على ألف اتباعاً للقاعدة العامة، بدلاً من كتابتها على نَبْرَة
اتباعاً للقاعدة الاستثنائيّة.
= عِلْيَةُ القوم، بكسر العين
وسكون اللام وفتح الياء؛ أي: أشرافهم وأعلاهم مكانة. ذلك أن المشتقات من
الجذر(علي) تدلُّ دائماً على الارتفاع الحقيقيّ أو المجازي، الماديّ أو
المعنويّ. من ذلك: تعالى (ارتفع وتنـزَّه)، العَلِيُّ (المرتفع، والرّفيع
القَدْر)، العُلْيا (مؤنّث الأعلى، أي: التي تعلو غيرها)، العلياء (كلُّ
شيء مرتفع، والشَّرف)، المعالي (الدَّرجات العالية الرفيعة)... ويُطلِقُ
الناسُ في بلاد الشّام على الغرفة المرتفعة لفظة (عِلّيّة)، وهي لفظة فصيحة
شكلاً ومضموناً.
= القِدْحُ المُعلَّى، بكسر
القاف وتسكين الدّال، اسم بمعنى: النّصيب الوافر. و(المُعلَّى) في الأصل:
سابع سِهام الميْسر، و(القِدْح) هو السَّهمُ قبل أن يُنصل ويُراش. وإذا
فتحتَ القاف، فقلتَ: (القَدْح)، صار المصدر بمعنى: العيب والطّعن في الشرف.
القَدْح في العِرْض: الطّعن فيه. وإذا فتحتَ الدّال، فقلتَ: (قَدَح)، صار
الفعل بمعنى: غشَّ.
= لا زال: تفيد الدُّعاء،
فإذا أردتَ الاستمرار فقُلْ: لا يزال، أو: ما زال، أو: ما برح، أو: ما
فتىء، أو: ما انفكَّ. والاستمرار هنا هو: اتصاف الاسم بالخبر حتى زمن
التكلُّم: كما في قوله تعالى في سورة الحج: {ولا يزال الذين كفروا في
مِرْيَةٍ منه}، وقولنا: ما انفكَّ الفرج بعيد المنال.
= اللَّغَمُ، بفتح اللام
والغين، بمعنى: المادّة المتفجِّرة التي تُوضَع في وعاء، ثم تُخفَى في
الأرض أو الماء، حتى إذا داس الإنسان أو الآلة عليها انفجرت، وجمعها:
ألغام. وهذا المعنى حديث للجذر اللغويّ (لَغَمَ). إذ كان يعني: التكلُّم
بكلام خفيّ. ويُقال: تلغَّم بالطِّيب: جعله على ملاغمه؛ أي: على أنفه وفمه
وما حولهما.
= مُعْدِم، بكسر الدّال اسم
فاعل بمعنى: فقير، من: أعدم فهو معدِم، ولا يصحُّ فتح الدّال؛ لأن المعنى
سيتحوّل إلى اسم المفعول. و(العديم) هو الفقير أيضاً، و(العُدْمُ): الفقرُ.
ويُقال على سبيل المجاز: هذا أمر عديم الفائدة؛ أي: لا فائدة تُرْجَى منه.
الأغلاط الشَّائعة في
النُّطق والكتابة-4
في القائمة الآتية أغلاط
شائعة في النُّطق والكتابة، رتَّبتُها ترتيباً ألفبائيّاً بحسب الحرف الأول
منها، بادئاً بالشَّكل الصّحيح للكلمة، موضِّحاً، بعد ذلك، المعنى المراد
منها إذا تعددت معانيها، وكانت هناك خشية من اللّبس في المعنى المراد. فإذا
لم يكن لها غير معنى واحد معروف أهملتُ الإشارة إليه، مكتفياً بتصويبها.
أما الغلط في الكلمة فقد أخَّرتُه لأبعده عن أن يكون بداية الكلام، وأوّل
ما يقع عليه بصر المتلقي، اعتقاداً مني بأن البدء بالصّواب خير من البدء
بالغلط.
= أولى: فعل يتعدى بنفسه إلى
مفعولين. نقول: أولى فلاناً الأمرَ؛ أي: جعله والياً عليه. ومن الخطأ أن
نجعله يتعدى إلى المفعول الثاني باللام. نقول أيضاً: أوليتُ فلاناً
معروفاً: أسديتُه إليه. وأوليتُ فلاناً ثقتي: منحتُها له. ويُقال في
التهديد والوعيد: أولى لكَ؛ أي: وليكَ الشَّرُّ وأوشك أن ينالك، فاحذر
وانتبه.
= بَلْ: حرف عطف، يفيد معنى
الإضراب، كما يفيد معنى الاستدراك والقصر. وهناك مَنْ يخطىء في استعمال
(أو) للإضراب بدلاً من (بل) في حال الإثبات، فيقول: جاءني خمسة عشر أو ستة
عشر رجلاً، والصواب: جاءني خمسة عشر بل ستة عشر رجلاً. والإضراب هنا هو
إلغاء الحكم السابق على بل (خمسة عشر)، وتثبيت الحكم الجديد المذكور بعدها
(ستة عشر).
= جئنا معاً، بدلاً من قولك:
جئنا سوياً. فلفظ (مع) يدلُّ على المصاحبة والاجتماع، ويأتي:
-مضافاً، فيكون ظرفاً يدلُّ
على مكان الاجتماع، من نحو: أقمتُ معكَ. أو: زمان الاجتماع، من نحو: نمتُ
مع العصر.
-غير مضاف، فينوّن على
الظرفية، أو الحال، من نحو: جئنا معاً؛ أي: جئنا في زمان واحد ، أو: جئنا
جميعاً.
-أما قولنا: (جئنا سوياً) فلا
يؤدّي معنى الاجتماع، بل يؤدي معنى: الاستقامة والعدل، من: استوى: استقام
واعتدل. نقول: تساويا في كذا: تعادلا وتماثلا.
= حَسَبَ المال: بفتح السين:
عدَّه وأحصاه. وحَسُبَ الإنسانُ: بضم السين: كان له ولآبائه شرفٌ. وحَسِبَ
الشيءََ كذا: بكسر السين: ظنّه. أما المصدر (حسب) فيأتي بسكون السين،
بمعنى: كفى. حَسْبُك. يُقال: هذا الطالب حسْبكَ من متفوِّقٍ، وهذان
الطالبان حسْبُكَ من متفوِّقيْنِ. والمثل المعروف: حسْبكَ من شرٍّ سماعُهُ؛
أي: يكفيكَ أن تسمعه. وقد تلحق فاء التزيين هذا المصدر فلا يتغيّر في معناه
شيء. وقد يُجَرُّ لفظاً بباء زائدة فلا يتغير في معناه شيء أيضاً. وهو، من
حيث الإعراب، اسم مبني على الضمّ، يُعرب حالاً أو مبتداً بحسب موقعه من
الجملة. كما أنه لفظ مقطوع عن الإضافة؛ لأنه على تقدير مضاف، والمضاف إليه
محذوف؛ أي: حسْبكَ وحسْبي.
= صَفَّارة، بفتح الصاد، اسم
آلة تُحدِثُ صَفيراً؛ أي: صوتاً يشبه الصوت الذي يحدث عندما نغلق الشفتين،
ونحاول إخراج الهواء من فتحة صغيرة فيهما. وهي على وزن: فَعَّالة. نقول:
(صَفَّاراتُ الإنذار) للدلالة على الاتفاق الحديث بين المسؤولين عن أمن
الناس وسكّان المدن بإحداث صوت صفير متقطّع إذا وقع خطر ما. و تُنطَق الصاد
مضمومةً في (الصُّفْر)؛ أي: النحاس، وفي (الصُّفَّاريّة)؛ وهو طائر أصفر
الريش، وفي (الصُّفْرَة)، وهي اللون الأصفر، وفي كلمات أخرى غير كثيرة.
= لا تَهْرِف بما لا تعرف
(بكسر الراء في تهرف، بدلاً من فتحها). هذا المثل يُضرَب: لمَن يتعدَّى في
مدح الشيء قبل تمام معرفته، وكأن المثل يقول: لا تتكلم بشيء لا تعرف كنهه،
وكأنكَ تهذي. فنحن نقول: هَرَف الرجلُ: هذى. و: هَرَف بفلان: مدحه وأطنب في
الثناء عليه عن غير معرفة.
= اللَّحاق (بفتح اللام بدلاً
من كسرها) هو الإدراك والتتابع. نقول: تلاحقتِ الأمور: أدرك بعضها بعضاً.
وتلاحق القوم: تتابعوا. ونلاحقتِ الأخبار: تتابعت.
= مُتْحَف (بضمّ الميم):
المكان الذي تُوْضَع فيه التُّحَف، وهذه الكلمة لا تُنطَق بفتح الميم:
(مَتْحَف). أما التُّحْفَة، أو: التُّحَفَة، فهي: الهديّة، أو: الشيء
الفاخر الثمين، أو: الطُّرْفَة التي تُتْحف بها الآخرين.
= المثابة تعني الملجأ
والمأمن والمكان الذي يُرجَع إليه مرة بعد أخرى. قال تعالى في سورة
البقرة:{وإذ جعلنا البيتَ مثابةً للناس وأمناً}. والليبيون يستخدمون هذا
الاسم استخداماً دقيقاً، فيطلقونه على الموضع الذي يجتمع الإداريون
والموظفون فيه (ما نسميه عادة: غرفة الاجتماعات). ومن غير الصواب أن نستخدم
هذا الفعل بمعنى: مقام، فنقول: هذا الرجل بمثابة والدي؛ أي: في مقامه؛ لأنه
لا يؤدي هذا المعنى.
= مَعْرِض (بكسر الراء)، ولا
نقول: مَعرَض (بفتح الراء). فإذا أردنا بهذا اللفظ معنى (المكان العامّ
الذي تُعرَض فيه الألبسة والأدوات وغيرها للبيع، أو للمشاهدة)، استعملناه
معرفة بأل العهديّة، أو بالإضافة، فقلنا: المعرِض، أو: معرِض المنتجات
الوطنيّة. وإذا أردنا: (مَوْضِع عرض الكلام، أو: الشيء)، استعملنا اللفظ
بالإضافة وحدها، من نحو: قلتُ هذا الكلام في معرِض الثناء عليه.
= من الشيء وإليه. نكتب أو
نقول: اكتفينا بالانتقال من المكتبة وإليها، ولا نقول: اكتفينا بالانتقال
من وإلى المكتبة؛ لأن العطف يرد بعد الإتيان بالاسم المجرور، وليس قبل ذلك.
وشبيه بذلك قولك: يُمنَع في المكتبة ثني بعض صفحات الكتاب أو تمزيقها. ولا
تقول في هذه الحال: يُمنَع في المكتبة ثني أو تمزيق بعض صفحات الكتاب.
= نحا إلى الشيء، بمعنى: مال
إليه وقصَدَه، بدلاً من: نحا للشيء. يُقال أيضاً: نحا نَحْوَ خالدٍ: قصد
قَصْدَه واقتفى أثره. كما يُقال: أنحى في سيره: مال ناحية اليمين أو اليسار
في أثناء سيره. قريب من ذلك: أنحى عليه باللائمة، وأنحى عليه ضرباً.
= هُرِعَ (بضم الهاء وكسر
الراء؛ لأن الفعل مبني للمجهول)، بدلاً من: هَرَع (بفتح الهاء والراء؛
ببناء الفعل للمعلوم). ونحن، في الغالب الأعمّ، نستخدم (هُرِع)بمعنى: أسرع.
نقول: هُرِع إليه: أسرع. بيد أن هذا الفعل يدلُّ على معان أخرى قريبة،
منها: هُرِع الرجل: حُثَّ على السرعة، وهذا ما ورد في القرآن الكريم في
قوله تعالى: {وجاءَهُ قومُهُ يُهْرَعون إليه}، أي: يُسْتَحثَّوْن إليه، أو:
يحثُّ بعضُهم بعضاً. وهناك معنى آخر، هو: خفَّ ومشى في اضطراب وسرعة. فإذا
فتحنا الهاء مع بقاء الراء مكسورة (هَرِع)، اختلفت معاني الفعل. فصار
قولنا: هَرِع الدّمُ: سال، وهَرِع فلانٌ: كان سريع المشي، وهَرِع الصّبيُّ:
كان سريع البكاء.
|