البحر المرجوم
.......عقرب
الساعة يلدغ الواحدة ليلاً، ثمة شابٌ يرجم بالحجر جسد البحر، ويقذف بالشتائم كل
موجةٍ تصل إلى قدميه الحافيتين، يحاول بشتى الطرق إيصال صوته الغاضب إلى مسامع
طغاة المدينة، التي تقبع خلفه تماماً.
.......توقف
عن قذف الحجارة قليلا، ثم رمق المكان الذي حوله بعينيه الهزيلتين، لقف حجرا
متوسط الحجم، ثم عاود رجم جسد البحر
.
.......وبعد
سويعات من ليل الصيف القصير، تطل الشمس برأسها من خلف البحر المرجوم، بالحجارة،
والشتائم من ذاك الفتى، وقبل أن تشارف على المدينة، كان هناك جسدٌ مُلقى على
سجادة الشاطئ، فتىً في الثلاثينات من عمره، غَطَّتهُ شراشف النوم والإرهاق عن
إكمال العَبَثِ بمشاعر البحر ليلة البارحة.
زجاج النوم
كعادتي كل صباح أنهض شبه متكاسل، أهش ببديَّ على خفافيش النوم حتى تبتعد عن
سمائي، أُزعج المكان بتثاؤبي الثقيل، وأسمع زجاج النوم قد تحطَّم من حول جسدي،
أحدِّق في سقف غرفتي، وكأنني أشاهده للوهلة الأولى، أراقب زخارفه الملونة بنهم،
أغازل خطوط الجبس الملصقة عليه بتمعن شديد، تكاد هذه العادة لا تفارقني كل صباح.
أدفع ببطانيتي سورية الصنع عن جسدي النحيل، وكأني أدفع كيساً كبيراً من القمح،
أتجه إلى حمام غرفتي ببطء شديد، كالماشي على البيض خشية أن يتكسر.
أقف عن باب الحمام قليلاً، وكأنني أتلصص عليه، أدلفه، وأدخل بهدوء حتى لا
تستيقظ زوجتي
.
أفتح صنبور الماء فترحب بي قطراته الأولى، فأدرج كفيَّ تحته حتى تغرقا بللاً.
أغسل وجهي ثم أدعكه بالصابون المحبب إليّ، ثم أرفع رأسي لأشاهد وجهي المعجون
بالماء والصابون، وكأنه يقول لي:
-ما
أحمقك.
فتتسع عيناي دهشةَ، وأحسبني صَدَّقت نفسي!!.
أخرج من ملابسي، وأشتُمُهَا عَلَناً، بعد أن أعلن دفنها في سلة الملابس المخصصة
للغسيل.
أدخل بعدها في حوض الماء الفائح برائحة الصابون المغربي لأغرق فيه بِضعَ دقائق.
بعد نصف ساعة أكون مُتَّجِهاً إلى عملي اليومي.
المدخن
جَلَسَ القرفصاء، أمام إحدى المقاهي المتناثرة على شريط الطريق الساحلي، أخرج
من جيبه عُلبة التبغ، وألقم فاه طرف إحدى تلك السجائر النتنةِ، وأخذت عيناه
تحلق في المارين أمامه، أخذ نَفَسَاً من الدخان، وزفره في كبد الهواء، تخشَّبت
عيناه في المقهى المقابل له، سيجارة تلو أخرى، تلو أخرى، وأخذت أسئلة المارين
تتدحرج أمامه بلا استحياء:
.....
ما أحمق هذا الرجل!!....... ما أعجب شأنه!!
وهو ما زال يقتل سجائرة بلا ملل، فوقف أمامه صبيٌّ في عقده الأول، وقذف في
وجهه قائلاً:
-
ألا يوجد لديك بيت، حتى تنشر عفنك أمام المارين في هذا الشارع؟!
فغصَّ الرجل بدخانه، وارتفع صوت سعاله، ثم تنهد وقال:
-
ما أغباك من صبي، ما أنا إلا هاربٌ من البيت إلى الشارع.
فاستدار الصبيُّ، وأكمل سيره، وعلامات التعجب تتقافز فوق راسه.
|