قطار الساعة الواحدة
رجل و امرأة يفترقان
ينفضان الورد عن قلبيهما ،
ينكسران .
يخرج الظلّ من الظلّ
يصيران ثلاثة :
رجلا
وامرأة
والوقت ...
لا يأتي القطار
فيعودان إلى المقهى
يقولان كلاما آخرا ،
ينسجمان
ويحبّان بزوغ الفجر من أوتار جيتار
ولا يفترقان ...
.. وتلفت أجيل الطرف في ساحات هذا القلب .
ناداني زقاق ورفاق يدخلون القبو والنسيان في مدريد .
لا أنسى من المرأة إلّا وجهها أو فرحي ...
أنساك أنساك وأنساك كثيرا
لو تأخّرنا قليلا
عن قطار الواحدة .
لو جلسنا ساعة في المطعم الصيني ،
لو مرّت طيور عائدة .
لو قرأنا صحف الليل
لكنّا
رجلا و امرأة يلتقيان ...
يوم أحد أزرق
تجلس المرأة في أغنيتي
تغزل الصوف ،
تصبّ الشاي ،
والشبّاك مفتوح على الأيّام
والبحر بعيد ...
ترتدي الأزرق في يوم الأحد ،
تتسلّى بالمجلات وعادات الشعوب ،
تقرأ الشعر الرومنتيكي ،
تستلقي على الكرسي ،
والشبّاك مفتوح على الأيّام ،
والبحر بعيد .
تسمع الصوت الذي لا تنتظر .
تفتح الباب ،
ترى خطوة إنسان يسافر .
تغلق الباب ،
ترى صورته . تسألها : هل أنتحر ؟
تنتقي موزات ،
ترتاح مع الأرض السماويّة ،
والشبّاك مفتوح على الأيّام
والبحر بعيد .
...والتقينا ،
ووضعت البحر في صحن خزف ،
واختفت أغنيتي
أنت ، لا أغنيتي
والقلب مفتوح على الأيّام ،
والبحر سعيد ....
الصهيل الأخير
وأصبّ الأغنية
مثلما ينتحر النهر على ركبتها .
هذه كل خلاياي
وهذا عسلي ،
وتنام الأمنية .
في دروبي الضيقة
ساحة خالية ،
نسر مريض ،
وردة محترفة
حلمي كان بسيطا
واضحا كالمشنقه :
أن أقول الأغنية .
أين أنت الآن ؟
من أي جبل
تأخذين القمر الفضي ّ
من أيّ انتظار ؟
سيّدي الحبّ ! خطانا ابتعدت
عن بدايات الجبل
وجمال الانتحار
وعرفنا الأوديه
أسبق الموت إلى قلبي
قليلا
فتكونين السفر
وتكونين الهواء
أين أنت الآن
من أيّ مطر
تستردين السماء ؟
وأنا أذهب نحو الساحة المنزويه
هذه كل خلاياي ،
حروبي ،
سبلي .
هذه شهوتي الكبرى
وهذا عسلي ،
هذه أغنيتي الأولى
أغنّي دائما
أغنية أولى ،
ولكن
لن أقول الأغنية .
عن إنسان
وضعوا على فمه السلاسل
ربطوا يديه بصخرة الموتى ،
وقالوا : أنت قاتل !
***
أخذوا طعامه والملابس والبيارق
ورموه في زنزانة الموتى ،
وقالوا : أنت سارق !
طردوه من كل المرافيء
أخذوا حبيبته الصغيرة ،
ثم قالوا : أنت لاجيء !
***
يا دامي العينين والكفين !
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل !
نيرون مات ، ولم تمت روما ...
بعينيها تقاتل !
وحبوب سنبلة تموت
ستملأ الوادي سنابل ..!
وعاد في كفن
-1-
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن
*
كان اسمه...
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا...
لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء، كالرماد...
خلوه جرحا راعفا... لا يعرف الضماد
طريقه إليه...
أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام ...
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء
أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!
أخاف أن تنام في قلوبنا
جراحنا ...
أخاف أن تنام !!
كان الفتى صغيرا ...
فغاب عن طريقها
ولم يفكر بالهوى كثيرا ...!
-3-
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن
ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب
لأمه : الوداع !
ما قال للأحباب... للأصحاب :
موعدنا غدا !
ولم يضع رسالة ...كعادة المسافرين
تقول إني عائد... وتسكت الظنون
ولم يخط كلمة...
تخاطب السماء والأشياء ،
تقول : يا وسادة السرير!
يا حقيبة الثياب!
يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! :
أما رأيتم شاردا... عيناه نجمتان ؟
يداه سلتان من ريحان
وصدره و سادة النجوم والقمر
وشعره أرجوحة للريح و الزهر !
أما رأيتم شاردا
مسافرا لا يحسن السفر!
راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى
إن جاع في طريقه ؟
من يرحم الغريب ؟
قلبي عليه من غوائل الدروب !
قلبي عليك يا فتى... يا ولداه!
قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم !
يا دروب ! يا سحاب !
قولوا لها : لن تحملي الجواب
فالجرح فوق الدمع ...فوق الحزن والعذاب !لن تحملي... لن تصبري كثيرا
لأنه ...
لأنه مات ، ولم يزل صغيرا !
-4-
يا أمه!
لا تقلعي الدموع من جذورها !
للدمع يا والدتي جذور ،
تخاطب المساء كل يوم...
تقول : يا قافلة المساء !
من أين تعبرين ؟
غضت دروب الموت... حين سدها المسافرون
سدت دروب الحزن... لو وقفت لحظتين
لحظتين !
لتمسحي الجبين والعينين
وتحملي من دمعنا تذكار
لمن قضوا من قبلنا ... أحبابنا المهاجرين
لا تشرحوا الأمور!
أنا رأيتا جرحه
حدقّت في أبعاده كثيرا...
" قلبي على أطفالنا "
وكل أم تحضن السريرا !
يا أصدقاء الراحل البعيد
لا تسألوا : متى يعود
لا تسألوا كثيرا
بل اسألوا : متى
يستيقظ الرجال !
لتمسحي الجبين والعينين
وتحملي من دمعنا تذكار
لمن قضوا من قبلنا ... أحبابنا المهاجرين
يا أمه !
لا تقلعي الدموع من جذورها
خلي ببئر القلب دمعتين !
فقد يموت في غد أبوه... أو أخوه
أو صديقه أنا
خلي لنا ...
للميتين في غد لو دمعتين... دمعتين !
-5-
يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا
حرائق الرصاص في وجناته
وصدره... ووجهه...
لا تشرحوا الأمور!
أنا رأيتا جرحه
حدقّت في أبعاده كثيرا...
" قلبي على أطفالنا "
وكل أم تحضن السريرا !
يا أصدقاء الراحل البعيد
لا تسألوا : متى يعود
لا تسألوا كثيرا
بل اسألوا : متى
يستيقظ الرجال !
رسالة من المنفى
-1-
تحيّة
... وقبلة
وليس
عندي ما أقول بعد
من أين
أبتدي ؟ .. وأين أنتهي ؟
ودورة
الزمان دون حد
وكل ما
في غربتي
زوادة ،
فيها رغيف يابس ، ووجد
ودفتر
يحمل عني بعض ما حملت
بصقت في
صفحاته ما ضاق بي من حقد
من أين
أبتدي ؟
وكل ما
قيل وما يقال بعد غد
لا ينتهي
بضمة.. أو لمسة من يد
لا يرجع
الغريب للديار
لا ينزل
الأمطار
لا ينبت
الريش على
جناح طير
ضائع .. منهد
من أين
أبتدي
تحيّة ..
وقبلة.. وبعد ..
أقول
للمذياع ... قل لها أنا بخير
أقول
للعصفور
إن
صادفتها يا طير
لا تنسني
، وقل : بخير
أنا بخير
أنا بخير
ما زال
في عيني بصر !
ما زال
في السما قمر !
وثوبي
العتيق ، حتى الآن ، ما اندثر
تمزقت
أطرافه
لكنني
رتقته... ولم يزل بخير
وصرت
شابا جاور العشرين
تصوّريني
... صرت في العشرين
وصرت
كالشباب يا أماه
أواجه
الحياه
وأحمل
العبء كما الرجال يحملون
وأشتغل
في مطعم
... وأغسل الصحون
وأصنع
القهوة للزبون
وألصق
البسمات فوق وجهي الحزين
ليفرح
الزبون
-3-
قد صرت
في العشرين
وصرت
كالشباب يا أماه
أدخن
التبغ ، وأتكي على الجدار
أقول
للحلوة : آه
كما يقول
الآخرون
" يا
أخوتي ؛ ما أطيب البنات ،
بدونهن
... مرة هي الحياة " .
وقال
صاحبي : "هل عندكم رغيف ؟
يا إخوتي
؛ ما قيمة الإنسان
إن نام
كل ليلة ... جوعان ؟ "
أنا بخير
أنا بخير
عندي
رغيف أسمر
وسلة
صغيرة من الخضار
-4-
سمعت في
المذياع
قال
الجميع : كلنا بخير
لا أحد
حزين ؛
فكيف حال
والدي
ألم يزل
كعهده ، يحب ذكر الله
والأبناء
.. والتراب .. والزيتون ؟
وكيف حال
إخوتي
هل
أصبحوا موظفين ؟
سمعت
يوما والدي يقول :
سيصبحون
كلهم معلمين ...
سمعته
يقول
( أجوع
حتى أشتري لهم كتاب )
لا أحد
في قريتي يفك حرفا في خطاب
وكيف حال
أختنا
هل كبرت
.. وجاءها خطّاب ؟
وكيف حال
جدّتي
ألم تزل
كعهدها تقعد عند الباب ؟
تدعو لنا
بالخير
... والشباب ... والثواب !
وكيف حال
بيتنا
والعتبة
الملساء ... والوجاق ... والأبواب !
سمعت في
المذياع
رسائل
المشردين ... للمشردين
جميعهم
بخير !
لكنني
حزين ...
تكاد أن
تأكلني الظنون
لم يحمل
المذياع عنكم خبرا ...
ولو حزين
ولو حزين
-5-
الليل -
يا أمّاه - ذئب جائع سفاح
يطارد
الغريب أينما مضى ..
ماذا
جنينا نحن يا أماه ؟
حتى نموت
مرتين
فمرة
نموت في الحياة
ومرة
نموت عند الموت!
هل
تعلمين ما الذي يملأني بكاء ؟
هبي مرضت
ليلة ... وهد جسمي الداء !
هل يذكر
المساء
مهاجرا
أتى هنا... ولم يعد إلى الوطن ؟
هل يذكر
المساء
معاجرا
مات بلا كفن ؟
يا غابة
الصفصاف ! هل ستذكرين
أن الذي
رموه تحت ظلك الحزين
- كأي
شيء ميت - إنسان ؟
هل
تذكرين أنني إنسان
وتحفظين
جثتني من سطوه الغربان ؟
أماه يا
أماه
لمن كتبت
هذه الأوراق
أي بريد
ذاهب يحملها ؟
سدّت
طريق البر والبحار والآفاق ...
وأنت يا
أماه
ووالدي ،
وإخوتي ، والأهل ، والرفاق ...
لعلّكم
أحياء
لعلّكم
أموات
لعلّكم
مثلي بلا عنوان
ما قيمة
الإنسان
بلا وطن
بلا علم
ودونما
عنوان
ما قيمة
الإنسان
ما قيمة
الإنسان
بلا وطن
بلا علم
ودونما
عنوان
ما قيمة
الإنسان
الحزن والغضب
الصوت في
شفتيك لا يطرب
والنار
في رئتيك لا تغلب
وأبو
أبيك على حذاء مهاجر يصلب وشفاهها تعطي سواك ونهدها يحلب
فعلام لا
تغضب
-1-
أمس
التقينا في طريق الليل من حان لحان
شفتاك
حاملتان
كل أنين
غاب السنديان
ورويت لي
للمرة الخمسين
حب فلانه
وهوى فلان
وزجاجة
الكونياك
والخيام
والسيف اليماني
عبثا
تخدر جرحك المفتوح
عربدة
القناني
عبثا
تطوع يا كنار الليل جامحة الأماني
الريح في
شفتيك تهدم ما بنيت من الأغاني
فعلام لا
تغضب
-2-
قالوا
إبتسم لتعيش
فابتسمت
عيونك للطريق
وتبرأت
عيناك من قلب يرمده الحريق
وحلفت لي
إني سعيد يا رفيق
وقرأت
فلسفة ابتسامات الرقيق
الخمر و
الخضراء والجسد الرشيق
فإذا
رأيت دمي بخمرك
كيف تشرب
يا رفيق
-3-
القرية
الأطلال
والناطور
والأرض واليباب
وجذوع
زيتوناتكم
أعشاش
بوم أو غراب
من هيأ
المحراث هذا العام
من ربي
التراب
يا أنت
أين أخوك أين أبوك
إنهما
سراب
من أين
جئت أمن جدار
أم هبطت
من السحاب
أترى
تصون كرامة الموتى
وتطرق في
ختام الليل باب
وعلام لا
تغضب
-4-
أتحبها
أحببت
قبلك
وارتجفت
على جدائلها الظليلة
كانت
جميله
لكنها
رقصت على قبري وأيامي القليلة
وتحاصرت
والآخرين بحلبة الرقص الطويلة
وأنا
وأنت نعاتب التاريخ
والعلم
الذي فقد الرجوله
من نحن
دع نزق
الشوارع
يرتوي من
ذل رايتنا القتيلة
فعلام لا
تغضب
-5-
إنا
حملنا الحزن أعواما وما طلع الصباح
والحزن
نار تخمد الأيام شهوتنا
وتوقظها
الرياح
والريح
عندك كيف تلجمها
وما لك
من سلاح
إلا لقاء
الريح والنيران
في وطن مباح
|