ذات القلب الأخضر
الجو جميل اليوم يا زهرتي الليلكية وروحي بعد فراقك بدأت تتماثل
للشفاء... أصبحت أحس بكلام الناس من حولي، أفهمهم وأراهم وبدأت أسعى إلى
لقائهم كي أسمعك في أحاديثهم وأراك في ابتساماتهم و هم يتذكرون كيف كانت
حياتك و إياهم... الكل هنا يا زوجتي الحبيبة يتحدث عنك: بناتك، أحفادك و
تلاميذك بالمدرسة وناس المدينة والقرية و ناس كل مكان زرته بل وحتى أهل
السماء يتحدثون عنك، أجل يا زهرتي، رأيت ذلك بعين قلبي في حلم الليلة
الماضية !!!
كان بجانبك شخص نبتت فوق جسده أوراق رمان و توج رأسه طائر من
نور وعلى يمينه يتدفق نهر من حناء، كان يغرف منها كميات قليلة في إناء من
فضة ثم يصبها على جسدك العاري البلوري وكنت تبدين في حضرته و كأنك حورية
لم تتجاوز الثالثة و الثلاثين من عمرها و كان الرجل الأخضر كلما مرر يده
على جسدك كي يمدد الحناء المصبوبة فوقه إلا و كرر الكلمات التالية: "خضراء
ستكونين يا ذات القلب الأخضر، و رحيمة ستكونين هنا في السماء كما كنت في
الأرض. "، كلمات ما إن أنهاها حتى أدخل يده إلى حيث قلبه و أخرج منه حبيبات
ياقوت بدت عن بعد و كأنها حبيبات سقطت من فاكهة الرمان التي كانت نابتة فوق
جسده، ثم بدأ يرصها الواحدة تلو الأخرى فوق جبينك و هو يقول:"مغفورة ذنوب
من أساء إليك في الأرض يا سيدتي، مغفورة، لأنك أردت هذا يا ذات القلب
الأخضر" و عندما أنهى أحرفه هذه، قمتِ و الأشعة الياقوتية اللون المنعكسة
من جبينك تنير خطاك و بقيت أنا دهشا أنظر إليك و إلى هذا البهاء الذي يكسو
محياك و جسدك الذي خيل إلي من شدة شفافيته و كأني رأيت بداخله حتى النخاع
الذي كان بعظام ساقيك و يديك.
قمت من نومي و كانت الساعة تشير إلى الثالثة و النصف صباحا، توضأت
و صليت بخشوع كما لم أصل من قبل و بعد قراءة ما تيسر من القرآن جلست أتدبر
في تلك الرؤيا الغريبة و ذاك الرجل وطائره النوراني الأغرب ووجدتني بعد ذلك
ألبس ثيابي و أتناول وجبة الإفطار ثم أخرج لزيارتك في المقبرة، خاصة و أن
اليوم يوم جمعة و جوه رطب و ندي في هذا الشهر الصيفي الذي أعلن عن
نفسه حارا منذ البداية.
حييت كل القبور و أجداثها و بدأت أخطو قاصدا قبرك كي أتبادل و إياك
حديث و مشاعر كل يوم جمعة و كم شعرت بسعادة كبيرة حينما تراءى لي عن بعد،
طفل صغير رث الملابس و أشعت الشعر و بيده الصغيرة إناء من ماء كان يسقي
به تربة قبرك و إلى جانبه والده الكفيف و قد غطى رأسه بمنديل أبيض،
طويل و عريض و جلس أرضا مفترشا جلبابه الصوفي المتآكل وهو يردد:
"وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا
نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب
والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في
ذلكم لآيات لقوم يؤمنون". اقتربت من الطفل و حييت والده بتحية الإسلام ثم
شكرت صنيعه وأخرجت بعضا من النقود علني أفرح بها قلب هذا الطفل المسكين
الذي و لا شك يتواجد هنا كي يسقي قبور الناس علّ البعض من زوارها يجود عليه
ببعض المال أو الهبات كي يساعد بها والده و لكني ما إن هممت بوضع المال في
يده الصغيرة التي كانت تحمل سابقا إناء الماء حتى رأيت في يده الأخرى رمانة
كبيرة ! ألجمتني المفاجأة و لم أعرف كيف أني وجدت نفسي أتأمل هذا الطفل
بتركيز شديد لم تخرجني منه سوى كلماته التي نطقها بلهجته الطفولية البريئة:
"ما ذا؟ هل تريد الرمانة؟ إنها لي، وجدتها هنا على هذا القبر، ربما سقطت
لشخص ما زار هذه السيدة يوم أمس."
لم أنبس ببنت شفة و لم ينقذني من دهشتي سوى أباه الكفيف الذي أزاح
الغطاء عن رأسه و قال له: "هيا افتحها يا إدريس و لنأكلها نحن الثلاثة".
التفتُّ إلى الأب بعد أن سمعت كلماته هذه و إذا به يشبه الرجل الأخضر، الذي
رأيته أمس يغرف الحناء من ذاك النهر المتدفق، حاولت ألا أخلط الحلم بالواقع
و أن أعتبر كل ما حدث مجرد صدفة ثم قررت أن آكل معهما الرمانة و أعود إلى
البيت و ذاك ما كان: أعطيت ما تيسر من النقود إلى الطفل الذي انفرجت
أساريره و لمعت عيناه الجميلتان من شدة الفرح أما الأب فعبر عن امتنانه
بكلمات قالها لابنه و ما زلت أذكرها حتى الآن و ما أظنني إلا و حاملها معي
إلى الرمس: "اشكر يا إدريس السيد، ألم تتعرف عليه بعد؟ إنه زوج السيدة ذات
القلب الأخضر و الياقوت المرصوص فوق الجبين" !!!
رحلة إلى اليابان
اليابان، بلد يثير دهشتي، لغته غريبة و أناسه بالنسبة لي أغرب لدرجة
أنه كنت إذا ما صادفت بمدينة إقامتي الصقلية الجميلة شخصا يابانيا إلا و
تجدني و قد أطلت فيه التحديق مأخوذة بكل قسمات وجهه سواء أكان هذا الشخص
امرأة أم رجلا. تفاصيل قسمات الناس بها تثير غرابتي و عيونهم الضيقة
اللوزية الشكل تذكرني بأولئك اليابانيين الذين كانوا يحطون رحالهم بمرفأ
المدينة المغربية التي رأيت فيها النور. أسنانهم بيضاء و مصطفة بشكل بديع و
رباني جميل، شعرهم أسود و ناعم، وطريقة مشيهم أيضا تثير فضولي و
الأجمل و الأرقى من هذا كله تواضع حركاتهم الشديد والذي أعتبره رمزا لنبل
عرقهم و رقيه، لأجل كل هذه الصفات كنت دائما أحلم بالسفر في يوم من الأيام
إلى اليابان و شاء الله وحقق لي هذا الطلب الذي كنت أهمسه له في قلبه عند
كل صلاة... كنت قد بلغت آنذاك السبعين من عمري وكان أصدقاء الجامعة
الإيطالية التي كنت أدرّس بها أثناء تلك الفترة علوم اللغة العربية و
آدابها قد قرروا تنظيم رحلة إلى اليابان من أجل الاحتفال بعيد ميلادي هناك،
وبالذات بمدينة طوكيو !!!
ما إن وصلنا إلى هناك حتى اكتشفت كم هي جميلة جدا مدينة أحلام الصبا
و الطفولة، إنها أجمل مما كنت أتصور و أتخيل شوارعها مضيئة و رياحها قوية و
رطبة و الناس بها من كل الجنسيات و الأديان و نظرات أهلها مليئة بالمحبة و
السلام، الكنائس تقرع بها الأجراس و المؤذنون يصدحون بأصواتهم عند حلول وقت
كل صلاة و لكن ثمة شوارع غريبة شدت ناظري أكثر من أي شوارع أخرى، إنها
شوارع شينجوكو الكبيرة و بيوتها الأنيقة التي تروي الحكايات القديمة عنها
أنها كانت كلها في فترة من الزمان عبارة عن ناطحات سحاب و أن الأشياء بهذا
الحي كما بطوكيو كاملة قد تغيرت كثيرا، لأن الناس اكتشفوا أبعادا و أسرارا
زمنية و مكانية أخرى للعيش و لعل أشهر هذه الأسرار كانت صناديق
الأسفار و الرحلات الضوئية التي كانت تصطف على شوارع هذا الحي
بالذات.
دخلت رفقة صديقتي الإيطالية كيارا إلى إحدى هذه الصناديق بدافع من
الفضول، حاولنا فهم شيء ما عن كيفية الاستخدام و إذا بنا نفاجئ بالصندوق
يشبه تماما صندوق أخذ الصور الأوتوماتيكية و التي يستغنى فيها عن المصور
أو غيره. جلست بجنون طفولي على المقعد الدائري أمام شاشة الكمبيوتر
الموجودة هناك و عبر كيبورد مزود بأحرف لاتينية بدأت في إدخال بياناتي وفق
ما طلبه مني الجهاز: اسمي، لقبي، سني، بلد الانطلاق و البلد الذي أود
الاتجاه إليه ثم تاريخ الذهاب و الإياب. طبعا مدينة انطلاقي كانت طوكيو و
تاريخ الرحلة كان بيوم الثلاثاء في الرابع من آذار لسنة 2042 و أما عن
المدينة التي كنت أرغب في الذهاب إليها فكانت شيكاغو، كنت أدخل هذه
البيانات كلها على سبيل التجربة و المزاح مع صديقتي كيارا ولكن ما إن
ضغطت على زر الموافقة حتى ظهرت لي على شاشة الكمبيوتر السداسي الأبعاد
مدينة شيكاغو و على الجانب الأيسر من الشاشة ظهرت كل المعلومات الخاصة
بحالة الطقس هناك .على تلك الشاشة كانت المدينة تبدو ماطرة و بها رياح
قوية إلا أن الغريب في كل هذا هو أن الكمبيوتر كان يمنح للزائر إمكانية
تغيير حالة الطقس المرغوب فيها و عليه كتبت في الخانة المناسبة: "أريد أن
أجد هناك طقسا ربيعيا معتدلا"، فأجابني الحاسوب من خلال خطاب رقمي سريع بأن
أقرب الأماكن موافقة لطلبي في تلك اللحظة و بنفس المدينة المطلوبة هو بحيرة
ميتشغان و ما إن ضغطت على زر الموافقة حتى وجدتني داخل شحنة سريعة و
غريبة من الضوء، أهتز لها كل جسدي و قذفتني بعنف و سرعة هائلة إلى الوجهة
المقصودة. أجل وصلت إلى بحيرة ميتشغان، بدت رائعة، هادئة و ساحرة و لكني لم
أستطع أن أنعم بكل هذا الجمال لأنني كنت مرعوبة و كل فرائصي كانت ترتعد من
غرابة التجربة و كان همي الأكبر في تلك اللحظة هو كيفية العودة إلى
طوكيو، حيث ينتظرني هناك أصدقاء الرحلة الجامعية، بدأت أبحث و أبحث وألفّ
يمينا و شمالا علني أجد صندوقا يشبه ذاك الذي رمى بي إلى هنا و لكن
عبثا، لم يكن ثمة أي شخص في تلك الساعة من الزمن على البحيرة، يبدو أنني
وصلت إلى المكان فجرا و أن الناس ما زالت نائمة هنا و الواضح أنه قبل
انطلاقي من طوكيو ومن شدة الفرح و الرغبة في اكتشاف هذا الصندوق نسيت
تحديد وقت الوصول إلى شبه جزيرة ميتشغان !!!
دمى زوجتي دوت كوم
كنت أنظر إليها بعمق ويدي الحزينة فوق جبيها البارد جدا وكأنه
قطعة من رخام.. أنظر إلى جدائلها التي تساقطت معظمها من أثر العلاج
الكيماوي الذي مارسه عليها الأطباء قبل وفاتها علها تشفى من ذاك السرطان
الخبيث الذي هاجم جسدها الوديع على حين غرة. بدا لي ثغرها باسما وبدت لي
وكأنها حورية شفافة فتمنيت اللحاق بها ... كنت أحاول أن أحبس الدمع في
مقلتي ولكن عبثا، وكي أجففه حاولت أن أخرج منديلي من جيبي وإذا بي أخرج
منديلا آخر كانت زوجتي قد خاطته وطرزته قبل وفاتها، ابتسمت في حزن وشقاء
وتذكرت كلماتها الأخيرة لي حينما أشارت لي بإصبعها طالبة مني أن أحمل لها
ذاك الصندوق الذي كان قد وضع منذ سنين مضت فوق خزانة ملابسنا والذي لم أعره
يوما اهتماما، نظرا لقدمه وإهمال الجميع له.
ـ أرجوك أبيل... أعطني ذاك الصندوق البني. قالت بصوت خفيض.
ـ أي صندوق؟ سألتها
ـ ذاك الذي فوق الخزانة.
ـ ولمَ؟ مالذي يوجد بداخله؟
ـ أعطني إياه وسأخبرك... لا تتعبني... عمري كله قضيته وأنا أنتظر
هذا اليوم كي أقدم لك ما به.
حملت الصندوق مستغربا ثم جلست إلى جانبها أراقب حركاتها. فتحته وإذا
بها تخرج منه ثلاث دمى في غاية الروعة والجمال ومنديلا طرزت فوقه الحروف
الأولى من أسمائنا ووردتين جميلتين.
قلت لها دهشا:
ـ وهذه الدمى؟ منذ متى وأنت تحبين الدمى يا آسية؟
ـ منذ أن تزوجنا، منذ خمس وعشرين سنة يا حبيبي.
ـ خمس وعشرون سنة ... كل هذا العمر وأنا لا أعلم شيئا عن هوايتك
المفضلة !!!
ـ لم تكن هوايتي يا أبيل، ولكنها كانت وصية جدتي ليلة زفافي
إليك....أجل يا حبيبي مازلت اذكر ابتسامتها وهي تمرر أناملها الدافئة على
شعري الأشقر الغزير آنذاك وهي تقول لي هامسة:
ـ "أوصيك يا حفيدتي الحبيبة كل خير بزوجك حتى وإن أغضبك."
نظرت إليها في استغراب وأنا أكرر الطرف الأخير من جملتها وأقول
لها:
ـ "حتى وإن أغضبني !! كيف يا جدتي ؟"
ـ "هم هكذا الرجال، يغضبون من لاشيء ولكل شيء، إنهم كإبريق من
الحليب يفيض ثم يعود إلى حالة هدوءه وصفاءه وبياضه، إذا ما عرفت المرأة
طبعا كيف تحافظ على هذا التوازن وكيف تدرس نفسية زوجها وأولا وقبل كل
شيء كيف تتقي الله فيه."
ـ "وإن لم يكن هو من المتقين لله يا جدتي؟ ما الذي سأفعله أنا؟"
ـ "كوني أنت من المتقيات وسيجعل لك الله مخرجا من حيث لا
تحتسبين."
ثم مدت لي بعد كلماتها هذه، هذا الصندوق الذي تراه الآن وبه ثلاث
دمى وقالت لي: "كلما شعرت بغضب شديد من زوجك، بحسرة أو بألم وكلما
أحسست يا قرة عيني بأن المناقشة والحديث معه لن يأتي بنفع، فاذهبي إلى أحد
الأركان المفضلة لديك بالبيت وقومي بخياطة دمى كهذه..."
نظرت إليها والدموع تملأ عيني ثم سألتها:
ـ "إنها الدمى التي كنت أراك تخيطين في صمت وبكل حب عندما كنت طفلة
ولكني يا جدتي لا افهم، ما عساي أفعله بهذه الدمى؟"
ـ "نفسي بها عن غضبك، ألا تحبين الدمى مثلي يا آسية، أم أنك نسيت
عشقك لكل الدمى التي كنت أخيط ولا ترغبين في اللعب بسواها؟ !!"
ـ "سآخذها يا جدتي ولكني لا أعتقد أنني سأحتاجها يوما، أو سأحتاج
أن أخيط مثلها لأنني على يقين بأن عمري مع أبيل سيكون كله حب ونعيم، نحن
تزوجنا بعد قصة حب رائعة وشديدة الرومانسية يا جدتي."
استمعت إلى قصة هذه الدمى بشغف وما إن أنهت آسية حكايتها عن جدتها
حتى بادرتها بالسؤال:
ـ هي إذن دمى الجدة أسماء؟
ـ لا يا حبيبي، دمى جدتي كنت قد أهديتها لبناتنا الثلاث، لعبن بها
واشتريت لهن غيرها دمى أخرى كثيرة. هذه الدمى من صنعي يا أبيل.
ابتسمت في ارتياح ورضا وقلت في نفسي، الحمد لله أنهن ثلاث دمى،
هذا يعني أنني لم أغضب زوجتي ولم أقهر نفسها سوى ثلاث مرات طيلة كل هذه
الخمس وعشرين سنة وبينما كنت هكذا في تفكيري إذا بي أراها تمد إلي كيسا
صغيرا من ثوب ناعم فسألتها:
ـ وما أمر هذا الكيس يا ترى؟
ـ إنه كان مع الدمى، افتحه وستعرف ما بداخله.
فتحته وإذا به مليء بأوراق نقدية كثيرة.
ـ عدّها يا أبيل قالت في صبر وهدوء
ـ إنها عشرون ألف درهم يا آسية
ـ أجل، عشرون ألف درهم، أتعرف ما هذه النقود يا أبيل؟
إنها ثمن كل الدمى التي بعت خلال سنوات زواجنا.
نزلت علي كلماتها كالصاعقة وإذا بذاك الكمال و الشعور الجميل
بالراحة الذي انتابني قبل قليل يتحول إلى نقصان وندم ولم أفق منه إلا على
كلماتها وهي تضيف قائلة:
ـ إنها كلها لك يا حبيبي، كنت دائما أحلم بأن أصرفها في القيام معك
برحلة شهر عسل ثانية إلى أرض لا ضجيج فيها ولا تكنولوجيا ولا سياسة ولا
أي شيء من هذه التفاهات التي تشغل بال الناس اليوم ولكن لم يكن ليخلد
ببالي يوما بأن الله كان قد اختارني في غيبه كي يمتحن حبي له وتقواي بهذا
المرض الذي قادني الآن إلى هذه اللحظات العصيبة من الاحتضار بين يديك... لا
تهتم للدمى حبيبي... أنا كنت أصنعها ليس فقط كي أنفس عن لحظات غضبي منك
ولكن كنت بالأساس أتعلم من خلالها كيف أحول الغضب إلى حب وكيف أتفهمك
وأشاركك لحظات مخاض الحياة خارج البيت، في العمل وفي الشارع، لذا فإني
سأكون سعيدة إذا ما استعملت هذه النقود في أعمال خيرية أ وفي مشروع بسيط
يصل روحك بروحي وأنا هناك.
بكيت كثيرا ولم أشأ النهوض من جانبها وقررت أن أنام قربها الليلة
حتى أخزن لحظاتها الأخيرة معي بكل تفاصيلها وذاك ما كان بالفعل... نمت
بجانبها حتى الصباح، استيقظت أنا ولم تستيقظ هي... كان نومها أبديا.
رفعت يدي من على جبينها ثم خرجت بعد ذلك وراء النعش وقد رافقنا حشد
غفير من الناس والأهل... مرت أيام عصيبة علي بعدها لم أفق منها حتى نفذت
وصية زوجتي الحبيبة، فتحت بنقود الدمى ناديا لهاويات ومحبات خياطة الدمى
التقليدية وأسميته "الوجود، إبرة تخيط" وهو ما زال مفتوحا حتى اليوم
وتزوره نساء من كل الأعمار والجديد فيه أن محبيه هم في تزايد كل يوم
وليسوا بالأساس نساء بل منهم أيضا الرجال: أولئك الذين يحبون أن يتعلموا
كيف أن الصبر في الحياة فن ومهارة سامية وراقية بل وليس كل هذا فقط، فقد
فتحت له مؤخرا موقعا على الشبكة وأسميته "دمى زوجتي دوت كوم"، يمكن لكل من
يحب تعلم فن الحياة أن يتصفحه ويتصل من خلاله بنا.
|