أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

نصوص للكاتب: خير الدين عبيد

حكايات شعبية

إلى صفحة الكاتب

لقراءة الحكايات

 

 

الحكايات

النساج الذكي

البنت الصغيرة

 الكذاب

المنديل السحري 

مقتل اللبوة

حديدان

البيضة

الفأرة

قطرة عسل

شرحبيل

قشقوش

ثلاث ليال وليلة

 

 

حكاية المنديل السحري

 

كان يا مكان...‏

فلاَّح ميسور يعيش في حقله مع زوجته وأولاده الخمسة. وذات موسم انحبس المطر فحزن الفلاَّح، وكان قد بذر الحب، فتوجَّه إلى حقله العطشان، ناظراً إلى الغيم، منشداً:‏

تعال يا مطر تعالْ‏

كي تكبر البذورْ‏

ونقطفَ الغلالْ‏

تعال لتضحكَ الحقولْ‏

وننشدَ الموّالْ‏

مضت الغيوم.. غير آبهة بنداء الفلاّح، فزاد حزنه، واعتكف في بيته مهموماً حزيناً.‏

اقتربت منه زوجته مواسية:‏

-صلِّ على النَّبي يا رجل، هوّن عليك، مالك تصنع من الحبّة قبّة؟‏

-دعيني يا أمّ العيال –الله يرضى عليكِ- ولا تزيدي همّي.‏

-طيّب.. إلى متى ستبقى جالساً هكذا، تسند الحيطان، قم.. اخرج، اسعَ في مناكبها.‏

-أسعى!؟ ألا ترين أنّ الأرض قد تشقّقت لكثرة العطش، والحَبَّ الذي بذرته أكلته العصافير، دعيني بالله عليكِ فأنا لم أعد أحتمل.‏

-لكنّك إذا بقيت جالساً فسنموت جوعاً، لم يبقَ لدينا حفنة طحين، قم.. واقصد الكريم، فبلاد الله واسعة.‏

اقتنع الرّجل بكلام زوجته، فحمل زاده، وودّع أهله، ثمّ مضى.‏

كانت هذه الرّحلة هي الأولى لـه، لذا كابد مشقات وأهوالاً، فأحياناً يظهر لـه وحش فيهجم عليه بعصاه الغليظة ويطرحه أرضاً، وأحياناً يعترضه جبل عال فيصعده، وهكذا.. إلى أن وصل إلى قصر فخم تحيط به الأشجار وتعرّش على جدرانه الورود.‏

وما إن اقترب الفلاَّح من باب القصر، حتّى صاح به الحارس:‏

-هيه.. أنت، إلى أين؟‏

-أريد أن أجتمع بصاحب القصر.‏

-ماذا..؟! تريد أن تجتمع بالسلطان؟‏

وسمع السلطان الجالس على الشرفة حوارهما، فأشار للحارس أن يُدخل الرجل، وفور مثوله أمامه قال:‏

-السَّلام على جناب السّلطان.‏

-وعليك السلام.. ماذا تريد؟‏

-أريد أن أعمل.‏

-وما هي مهنتك؟‏

-فلاَّح.. أفهم بالزراعة. ثمّ سرد له قصّته.‏

-إيه.. طيّب، اسمع ما سأقوله، أمّا العمل بالزراعة فهذا مالا أحتاجه، عندي مزارعون، لكن إذا رغبت في تكسير الصخور، فلا مانع، الأرض مليئة بالصّخور، وأنا أفكر باقتلاعها والاستفادة من مكانها.‏

-موافق.‏

-إذاً اتفقنا على الأمر الأوّل، بقي الأمر الثاني.‏

-ما هو؟‏

-الأجر، أنا أدفع للعامل ديناراً ذهبياً كل أسبوع، فهل يوافقك هذا المبلغ؟‏

-حكّ الفلاّح رأسه مفكراً، قال:‏

-عندي اقتراح، ما رأيك أن تزن لي هذا المنديل في نهاية الأسبوع، وتعطيني وزنه ذهباً.‏

وأخرج الفلاّح من جيبه منديلاً صغيراً مطرزاً بخيوط خضراء.‏

وفور مشاهدة السلطان المنديل، شرع يضحك، حتّى كاد ينقلب من فوق كرسيّه الوثير. ثمّ قال:‏

-منـ.. منديل، يا لك من رجل أبله، وكم سيبلغ وزن هذه الخرقة؟ أكيد أنّ وزنها لن يتجاوز وزن قرش من الفضّة، ها.. ها.. ها.. أحمق.. مؤكد أنك أحمق.‏

بلع الفلاّح ريقه وقال:‏

-يا سيّدي ما دام الرّبح سيكون في صالحك فلا تمانع، أنا موافق.. حتّى لو كان وزنه وزنَ نصف قرش.‏

لمس السّلطان جدّية كلام الفلاّح، فاستوى في جلسته، وقال:‏

-توكَّلنا على الله، هاك المطرقة، وتلك الصّخور، شمّر عن زنديك وابدأ العمل، وبعد أسبوع لكل حادث حديث.‏

أمسك الفلاّح الفأس بزندين فولاذيين، مشى باتجاه الصّخور بخطا واثقة. نظر إليها نظرة المتحدِّي. ثمّ.. وببسالة الباشق هوى عليها بمطرقته فتفتّتت تحت تأثير ضرباته العنيفة، متحوّلة إلى حجارة صغيرة، وكلّما نزَّ من جبينه عرق الجهد والتعب، أخرج منديله الصّغير.. ومسحه.‏

عَمِلَ الفلاّح بجدّ وتفانٍ، حتّى إنّه في تمام الأسبوع أتى على آخر صخرة، صحيح أنّ العرق تصبّب من جبينه كحبّات المطر، لكن ذلك لم يمنعه من المثابرة والعمل.‏

انقضى أسبوع العمل، وحان موعد الحساب.‏

-عافاك الله أيُّها الفلاّح، لقد عملت بإخلاص، هاتِ منديلك كي أزنه لك.‏

ناولـه الفلاّح منديله الرّطب، وضعه في كفّة، ووضع قرشاً فضيَّاً في الكفّة الأخرى، فرجحت كفّة المنديل. أمسك السلطان عدّة قروش، وأضافها، فبقيت كفّة المنديل راجحة.‏

امتعض ، أزاح القروش الفضيّة، ووضع ديناراً ذهبياً فبقيت النتيجة كما هي.‏

احتار ، طلب من الحاجب منديلاً، غمسه في الماء ووضعه مكان منديل الفلاّح، فرجحت‏

كفّة الدّينار.‏

زَفَرَ ، نظر إلى الفلاّح غاضباً، قال:‏

-أفّ.. ما سرّ منديلك.. أهو مسحور؟ ظننت أن الميزان خَرب، لكن وزنه لمنديل الماء صحيح.‏

ابتسم الفلاّح.‏

وشرع السلطان يزن المنديل من جديد، فوضع دينارين ذهبيين.. ثلاثة.. أربعة.. حتى وصل إلى العشرة حينها توازنت الكفّتان.‏

كاد السلطان يجن، ماذا يحدث؟ أيعقل هذا؟ عشرة.. عشرة دنانير، نهض محموماً، أمسك بياقة الفلاّح وقال:‏

-تكلّم أيُّها المعتوه.. اعترف، من سحر لك هذا المنديل.‏

وبهدوء شديد، أجابه الفلاّح:‏

-أصلح الله مولاي السلطان، القصّة ليست قصّة سحر، فأنا لا أؤمن به، القصّة باختصار هي أنّ الرّجل عندما يعمل عملاً شريفاً يهدف من ورائه إلى اللقمة الطّاهرة، ينزّ جبينه عرقاً.. هذا العرق يكون ثقيلاً.. أثقل من الماء بكثير.‏

هزَّ السلطان رأسه وابتسم راضياً، قال:‏

-سلّم الله فمك، وبارك لك بمالك وجهدك وعرقك، تفضل خذ دنانيرك العشرة، واقصد أهلك غانماً.‏

قصد الفلاّح أهله مسروراً، وأخبرهم بما جرى، ففرحوا وهللوا وتبدلت معيشتهم فنعموا ورفلوا.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية الكذَّاب

 

في قديم الزّمان، عاش سلطان يحبّ الكذب حبَّاً جمَّاً، فكان لا ينطق بأية كلمة إلاَّ إذا تأكد من كذبها حتّى إنّه كان لا ينطق بحرف الصاد كي لا يذكّره بكلمة صدْق.‏

باختصار.. كان الكذب يسري في عروقه.‏

مرّة.. أحسّ أن أكاذيبه أصبحت مكرّرة، لذا أعلن عن مسابقة للكذب ليرفع من سويّة كذبه، وجعل جائزة أكبر كذبة صندوقاً كبيراً مطعّماً بالصدف غير أنه لم يكشف عن محتوياته.‏

وحان موعد المسابقة، وتجمهر النّاس وأشار السّلطان للمتسابق الأوّل بالكلام، فقال:‏

-كنّا.. يا سلطان الزّمان.. ثلاثة، هاجَمَنَا المَحْلُ صرنا ستة، عاش من عاش ومات من مات، أصبحنا اثني عشر. ذات يوم ذهبنا إلى حمَّام السوق فانزلقنا في سواقيها، رجعنا ثلاثة، الأول أطرش.. الثاني أعور.. الثالث أعرج.‏

قال الأطرش: أنا أسمع صوت بعوضة في أعلى سمائها.‏

قال الأعور: صحيح.. فعيني تراها.‏

قال الأعرج: هيَّا لنركض وراءها.‏

ركضنا.. فوجدنا برغوثاً يسلخ جملاً، وقفنا عنده، قلنا: ألا تعطينا فخذاً؟ قال حصّلوها وخذوها.‏

المهم.. حصّلنا الفخذ، وقصدنا عجوزاً مشطها في جيبها زيّن الله شيبها، قلنا لها: ألا تطهين لنا هذه الفخذ؟ قالت عندي طنجرة (شرقه.. مرقه) تأكل اللحم وتترك المرق، أعطيناها الفخذ، جئنا بالخبز، فتتناه في صينيّة كبيرة، دلقنا فوقه المرق، ورحنا نأكل بالمغارف، حتّى إننا لم نترك فيها لقمة واحدة.‏

ضحك السلطان فور انتهاء المتسابق من سرد كذبته، قال: أين الكذب؟ إنّك لم تذكر حتى كذبة ضئيلة بحجم رأس الدبّوس، هيا اذهب وافسح المجال للمتسابق الثاني.‏

ويتقدم رجل أحمر الشّعر، يرتدي ثياباً ريفيّة، يحيّي السّلطان ويقول:‏

-يا سلطان السلاطين، ذهبتُ البارحة إلى البيدر، فرأيت الفلاَّحين يحصدون البيض، يكوّمونه ويدرسونه قلت لحالي: لماذا لا آتي بالجحش وأملأ خرجه بالبيض؟ أي والله.. ركضتُ مثل الريح، جئت بالجحش وملأت عِدْلَي الخرج بالبيض، ولحسن الحظ كان عِدْلاً الخرج مثقوبين، والبيض يقع على الأرض، ينكسر.. يتحول إلى دجاج ويركض ورائي، حتّى إنني عندما وصلت إلى البيت وجدت خلفي دجاجاً كثيراً، فتحت له الباب (ادخل.. بيت.. بيت) دخل الدّجاج، نظرت إلى الخرج، وإذا ببيضة كبيرة، مددت يدي لأمسكها، وقعت وفقست جملاً، أنخت الجمل.. وضعت عليه حملاً ثقيلاً.. فانعقر سنامه، أخذته إلى البيطار، قال: ضع له قشرة جوز مكان العقر، وضعت له القشرة، وإذا بشجرة جوز كبيرة تنبت فوق سنامه، فجأة.. أزهرت الشجرة وأثمرت، قطفتها فجمعت قنطاراً، لكن بقيت حبة جوز في رأسها، أمسكت طينة وضربتها، وإذا بالطينة تتحوّل فور ملامستها حبّة الجوز إلى أرض (حمرا نفرا ما فيها حشيشة خضرا) قلت: سأحرث الأرض. أحضرت مقلاعاً، وضعت فيه الثور ورميته، وضعت عُدّة الحراثة ورميتها، ثمّ وضعت نفسي ورميتها.‏

حرثت الأرض وزرعتها بالسمسم، مرّ أحدهم.. قال: أخطأت، المفترض أن تزرعها بالبطّيخ. قلت: بسيطة: سأزرعها بطيخاً، ناديت أولاد الجيران ورحنا نلمّ السمسم المبذور، وفور انتهائنا وجدته ناقصاً حبة، بحثنا عنها، هنا.. هناك، أخيراً.. وجدناها في فم نملة، أمسكنا الحبّة، شدّت شددنا، انعفست الحبّة فغرق أولاد الجيران كلّهم في بحر السّيرج، تركتهم وجئت إلى هنا.‏

قطّب السّلطان جبينه، نظر إلى الرجل بقسوة، قال:‏

-يا لك من رجل أحمق، الظّاهر أنّك لا تفهم الكلام، أنا أقول لك أريد سماع كذبة كبيرة، وأنت تسرد عليّ حكايات لا تحوي حرفاً كاذباً، هيا.. استدر واغرب عن وجهي.‏

استدار الرّجل مكسور الخاطر، ومَثَلَ أمامه رجل لمّاع العينين.‏

-أيُّها السّلطان المبجّل.. عندي كذبة مُتَبّلة.‏

نظر السلطان إليه، قال: هاتِ أسمعني.‏

-احم.. احم، منذ ثلاثين سنة استدان والدكم السلطان الأعظم جرة مليئة بالذهب الخالص من والدي.‏

فتح السلطان فمه دهشاً، قال:‏

-ماذا تقول يا مجنون! والدي أنا يستدين من والدك جرّة مليئة بالذهب؟‏

-مولاي.. إن كنت كاذباً، فقد فزت وأصبح الصندوق من حقّي، وإن كنت صادقاً.. ردّ لي مال أبي.‏

حكّ السلطان جبينه، قال لنفسه: فِعلاً إنه لكذَّاب محترف، لكنه أبداً لن يكون أكذب من السلطان.‏

ثم صاح:‏

-هيه.. أنت، لقد فزتَ بالمسابقة، واستحققت لقب أكبر كذَّاب في البلاد، هيا.. تقدم وخذ الجائزة.‏

نظر الرّجل إلى الصندوق بعين حالمة، تراءت أمام عينيه صور اللؤلؤ والمرجان والفيروز والذهب والفضة و...‏

ركض نحوه فرحاً، نزع القفل، فتح الغطاء. و... شهق مذعوراً.‏

هرع الناس إليه مستفسرين، نظروا داخل الصّندوق، وقعت عيونهم على الحجارة والحصى، فشهقوا واجمين.‏

أمَّا السلطان.. فكان الوحيد الذي يقهقه، وكأن أحداً يدغدغ خاصرتيه.‏

((وتوته توته.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية البنت الصّغيرة

 

في قديم الزمان.. عاشت بنت صغيرة، بيتها صغير، سريرها صغير، وصحنها أيضاً صغير.‏

ذات صباح.. أمسكت مكنستها، وراحت تكنس باحة الدار.‏

فجأة... وجدت فلساً، ركضت فرحة إلى الحانوت واشترت به دبساً، ثم رجعت إلى المطبخ ووضعته على الرف.‏

بغتة... حطَّت ذبابة عليه ولحسته.‏

نظرت البنت إلى الذبابة غاضبة، قالت: والله سأشكوك إلى القاضي.‏

بدّلت ثيابها، وانطلقت إلى القاضي، فلما دخلت مجلسه، وجدته يلعب مع قطّ جميل.‏

قالت الصغيرة: أيُّها القاضي، قال: تكلمي، قالت: جئت لأسمع حكمك العادل، قال: أنا في الحق لا أجادل، قالت: أنا أميرة، البنت الصغيرة، قال: اسمك على كسمك، قالت: كنست باحة الدار، قال: نظَّفتِ، قالت: فوجدتُ فلساً، قال: رُزقتِ، قالت: اشتريت به دبساً، قال: تحلّيتِ، قالت: فوضعته على الرف، قال: علوتِ، قالت باكية: ثم جاءت الذبابة ولحسته، قال: شراً فعلت، قالت: أريد حقّي، داعب القاضي أذنيَ القط، قال: العوض على الله.‏

خرجت البنت من عند القاضي غاضبة، فرأت بائع زبيب، أمسكت حفنة وركضت.‏

صاح بائع الزّبيب: هيه.. أين ثمنه؟ قالت: العوض على الله.‏

طار عقل البائع، هرول إلى القاضي وشكاها. أحضر القاضي المتهمة، سألها: لماذا لم تعطِ البائع ثمن الزبيب؟ أجابت: لقد أعطيته، قال: وماذا أعطيته؟ قالت: ما أخذته منك، قال: وماذا أخذت مني؟!‏

قالت ساخرة: العوض على الله.‏

خجل القاضي من نفسه، أزاح قطّه المدلّل من حضنه، أخرج نقوداً من جيبه وأعطاها للرجل ثمن الزّبيب، ثم التفت إلى البنت، وقال مبتسماً: لقد أصبحت الآن تمتلكين الزّبيب بدل الدبس فكليه هنيئاً وابلعيه مريئاً.‏

فرحت الصغيرة، ورمت للقط بضعَ زبيبات، ناسية أن القطط لا تحب الزبيب.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

  

 

 

حكاية النسّاج الذكي

 

في قديم الزّمان.. عاش نسّاج طيّب القلب، يكسب رزقه من عرق جبينه، ويأكل لقمته حلالاً.‏

كان يفتح باب دكّانه الخشبي صباحاً، يبسمل.. يتّجه صوب نوله الخشبي الكبير، يشدّ على طرفيه خيوط السّدى الطّوليّة، يتوجّه إلى حفرته قبالة النّول، ينزلها محرّكاً تلك الخيوط، ويبدأ برمي المكوك يميناً وشمالاً، بادئاً بنسج البساط أو السّجادة بخيوط اللُّحمة العرضيّة الملوّنة، صانعاً ((حيطان من خيطان)).‏

مرّة.. وبينما هو يرمي مكّوكه يمنة ويسرة، غنّى:‏

رُح مكّوك.. تعال مكّوك * * * عندي مال.. يكفي ملوك‏

وصادف أن مرّ أحد اللصوص من أمام دكّانه، سمع غناءه، فلعب الفأر في عبّه، كما يقولون في الأمثال، وأضمر سرقة المال.‏

وفعلاً.. ما إن نامت الأعين، حتّى تسلّل إلى الدّكان، كسر القفل.. دخل.. نَبَشَ طابات الصّوف والمخدّات فلم يجد شيئاً، تلفّت حوله.. لمح الحفرة التي تُحرَّك خيطان النّول منها، نزلها.. أزاح طرف البساط الصّغير.. و.. كاد يطير من الفرح، حتّى إنّه نسي نفسه، فصاح بهتاً:‏

-أووه.. جرّة مليئة بالليرات الذّهبيّة، يا لطيـ..ف!!‏

صراحةً.. لم تكن الجرّة كبيرة، ولم تكن مليئة بالكامل، بل كانت الليرات الذهبيّة تشغل نصفها.‏

أخفى اللص الجرّة تحت عباءته، وأطلق ساقيه للريح.‏

بعد عدّة أيّام.. خطر للص المرور من أمام النّسّاج، كي يشمت به، إذ تخيّله جالساً أمام دكانه، لاطماً وجهه بكفّيه.. منتحباً كالنساء.‏

لكنّه.. وفور اقترابه من المحل، دهش وتحيّر، فالنسّاج يحرّك رأسه مبسوطاً، يعمل ويغنّي:‏

((لو خلاَّها.. كمّلناها * * * لو خلاّها كمّلناها))‏

ضرب اللص جبينه، قائلاً:‏

-ما أغباني.. لقد تسرّعت، كان من المفترض أن أصبر قليلاً حتّى تمتلئ الجرّة، ويطفح المال منها.‏

لم يطق اللص صبراً حتّى يهبط الظّلام، فما إن أغلق النّسّاج محلّه وغاب عن النّظر حتّى كسر القفل الجديد مرجعاً المال إلى مكانه.‏

عند الصّباح.. وبعد أن دبّت الحركة في السّوق، مرّ اللص من أمام دكّان النّسّاج نظر إليه بطرف عينه أصغى لغنائه، سمع:‏

يا طمّاع.. يا صعلوك * * * رجع المال.. قل مبروك‏

رُح مكّوك.. تعال مكّوك * * * عندي مال.. يكفي ملوك‏

شهق اللص، صفع خدّيه.. انتحب كالنساء، ومضى خائباً متعثّراً بقدميه.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية مقتل اللبوة

 

كان يا مكان.. في قديم الزّمان.. وسالف العصر والأوان.‏

كان هناك مملكتان، مملكة الغابة.. يتزعّمها الأسد، ومملكة البحيرة.. يتزعّمها الجاموس.‏

وكانت المملكتان الجارتان تعيشان بوفاق وسلام.‏

وذات ليلة.. خطر لملك الغابة أن يسهر وحده على ضوء القمر، فخرج من مملكته قاصداً البحيرة.‏

عندما وصل الأسد إلى البحيرة، سحره جمالها، فقال لنفسه:‏

-أقسم بأن أضمّها إلى مملكتي قبل أن يصبح الصّباح.‏

تسلّل الأسد إلى الرّابية المطلّة على البحيرة، حيث يجلس الجاموس كعادته هانئاً آمناً، يريد افتراسه، لكنّه.. وفور اقترابه منه، عاجله الجاموس بنطحة قوية، فَزَأرَ متدحرجاً من فوق الرّابية، وسقط في الماء، فغرق.. ومات.‏

وصل خبر موت الأسد إلى زوجته اللبوة، فهاجت وماجت، وأقسمت أن تنتقم لزوجها، وراحت تفكّر بخطّة تستطيع بها غزو مملكة البحيرة، فقد علمت أنّ الجاموس فتّح عيون جنده، واستعدّ لأيّة غارة محتملة.‏

ومضى الزّمن.. وبعثت اللبوة إلى الجاموس رسولاً يخبره أنّها لم تستطع تحمل مشاق الحكم، وأنّها ترغب في أن يزورها الجاموس ليوحّد المملكتين، ويصير ملكاً عليهما.‏

سُرّ الجاموس بهذا العرض، وجمع مستشاريه ممن يعترف لهم بحسن المشورة ويأخذ آراءهم في حل المشكلات وأطلعهم على رغبة الملكة، وسألهم الرأي في هذا الأمر، فأشاروا عليه بالاستجابة لطلبها والإسراع في تحقيقه.‏

وكان النسناس من بين المستشارين –وكان ذكيَّاً حاذقاً يحبه الملك- فخالفهم فيما أشاروا به، وقال: يا ملك الزّمان.. إني أشم رائحة الغدر تفوح من الغابة، وأنا أرى أن تخبرها بموافقتك، شريطة أن تأتي هي إليك، لا أن تذهب إليها فهي تعدّك قاتل زوجها، ولا تعدّك مدافعاً عن أرضك ونفسك.‏

لم يوافق الجاموس على ما أشار به النسناس، واستدعى التمساح، وكان من أعزّ أصحابه، ثمّ قال: أعطني رأيك.. فأنا أحبّ المشورة.‏

حرك التمساح ذيله.. قال:‏

-تصوّر.. أيّها الملك المبجّل.. أنك زعيم البحيرة والغابة معاً، إن هذا الأمر يفرح النّفس، توكّل على الله.. اذهب إليها، وثق بأن لي أصحاباً كثيرين في الغابة، ولو رَأوْكَ صاروا معك.‏

أحب الجاموس ما قاله التمساح، وعصى النسناس، فقال النسناس:‏

-لا يطاع لنسناس أمر.‏

استخلف الجاموس التمساح على ملكه وسلطانه، وسار مع أصحابه نحو الغابة، فلما جلس للاستراحة دعا النسناسَ، وقال لـه: ما الرأي يا نسناس؟ قال: لقد قلت رأيي عند البحيرة وكفى. قال: ما ظنّك باللبوة؟ قال: سترى غدرها بعينيك.‏

فلمّا دنا من الغابة، استقبلته اللبوة ومعها سباع كثيرة وذئاب وبنات آوى وثعالب وفهود ونمور. فقال الجاموس للنسناس: كيف ترى؟ قال: أرى أنّهم سيحيطون بك ولا ينجيك إلا أن تحتال لنفسك، فتهرب.. قبل أن يتمكّنوا منك.‏

أصمّ الجاموس أذنيه، فوقع في الفخ، وتمكّن النسناس من الهرب.‏

وأمرت اللبوة سباعها أن تفترس الجاموس أمام عينيها، فيأكلوا اللحم ويفصّصوا العظم.. ففعلوا.‏

وقَدِمَ النسناس على التمساح، فقال لـه: خبّرني ماذا ستفعل؟ قال التمساح: أريد الانتقام لملكنا لكن.. ما الطريقة والغابة منيعة، ولا علم لنا باقتحام العُرُن والكهوف؟‏

قال: إذاً.. دعني أفعل ما أراه، قال: افعل ما تريد.‏

ولمّا فرغت اللبوة من الجاموس، سألت بومة الغابة الحكيمة عن هلاكها، فقالت: أرى هلاكك يا سيدتي بسبب تمساح، سيجبرك على الموت.‏

حذرت اللبوة من التمساح، وأمرت بحفر نَفَق يوصل بين الرّابية التي تجلس فوقها وبين عرينها المحصّن كي لا يتمكّن أحد منها، ودعت الهدهد.. وكان رسّاماً ماهراً، وقالت: طِرْ.. حتى تصل إلى التمساح وارسمه زاحفاً ونائماً وسابحاً، فإذا انتهيت.. ارجع إليّ.‏

انطلق الهدهد ونفّذ ما أوصته به الملكة، فتعرّفت على التمساح بوساطة الرسم وحذرته.‏

أمّا النسناس.. فقد جدع أنفه، ونتف شعره، فقال سكان البحيرة: لأمر ما جدع نسناس أنفه.‏

ثمّ خرج النسناس من البحيرة كأنّه هارب، فلمّا وصل أطراف الغابة، جعل يئن ويهمس حتّى رأته السّباع وسمعته يئن، فأخبرت ملكتها بذلك فقصدته سائلة: بماذا أذنبت حتّى فعلوا بك هكذا؟ قال: عندما استشارني الجاموس بموضوع توحيد المملكتين، قلت له: أسرع بالتّوحيد، واقبل عَرْضَ الملكة، لهذا عدّني التمساح سبب هلاك الجاموس، فأمر بجدع أنفي ونتف شعري.‏

أعجبت الملكة بالنسناس، وأمرت أن يؤخذ إلى منازل السباع فيكرم ويستوصى به خيراً.‏

ثمّ إنّ النسناس قال للملكة يوماً، وقد مكر الحيلة: أيتها الملكة.. قد علمتِ ما جرى عليّ من التمساح وجنده، وأنّه لا يستريح قلبي إلاَّ إذا جلبت أموالي المخبّأة عند البحيرة وأهديتها لكِ.‏

ارتاحت الملكة إلى صدق النسناس، وسألته: أهي كثيرة؟ قال: أوّاه.. إنّها أصداف عظيمة الحجم، ملأى بالياقوت والفيروز والزبرجد والعقيق، فأذني لي بجلبها، كي تتباهي بها أمام الملوك، ليطقّ التمساح ويموت غيظاً.‏

قالت: ألا تخاف منه؟ قال: الجبان وحده من يخاف، قالت: كيف تستطيع جلبها وأنت ضعيف الجسد؟ قال: لا تنظري إلى صغري وضعفي، وإنّما إلى عقلي وحيلتي. قالت: وبماذا يشير عليك عقلك؟ قال النسناس: سأطلب من أصدقائي الفيلة أن تجرّها ليلاً، فننعم جميعاً.‏

بعثت اللبوة النسناس بعد أن صلحت حاله، وكان قد عرف كل شيء عن عدد السباع وقوّتها، واطلع على أمر النّفق، فلما وصل إلى البحيرة، دخل على ملكها التمساح، وأطلعه على كلّ صغيرة وكبيرة، ووصف لـه مكان النّفق، وقال: قد خبرت الغابة وكشفت أسرارها، فتبيّن لي أن نباغت السّباع في عقر دارها وستقف –أيّها الملك- عند باب النّفق، ليذوق فكّك المفترس طراوة لحم الملكة.‏

ثمّ طلب من الفيلة سحب الأصداف العظيمة وكانت التماسيح قد اختبأت داخلها، ثم قصدت الغابة.‏

فلما دنت من أطراف الغابة، سبقها النسناس إلى اللبوة فبشّرها، وأعلمها بما جاء به من اللؤلؤ والياقوت وطلب إليها أن تخرج وتنظر بنفسها.‏

دهشت اللبوة لمنظر الغنائم، وأشارت إلى السباع أن تفسح للفيلة الطريق لتدخل الغابة.‏

ودخلت الفيلة الغابة، فلّما جاورت التّلة خرجت التماسيح من الأصداف، وأعملت فكوكها نهشاً في السّباع، فأهلكتها جميعاً. ودلّ النسناس الملك على باب النفق الذي كانت اللبوة تدخله، فوقف على بابه فاتحاً فكّيه، وأقبلت اللبوة تريد الدخول، فأبصرت ملك التماسيح وعرفته، فأكلت ورقة سامة كانت معها، وقالت: سأميت نفسي ولن أسمح لأحد أن يميتني، فقال ملك البحيرة: بل أنا من سيميتك أيتها الغادرة، فهجم عليها، وأعمل فكّه المفترس فيها، فسقطت اللبوة جثّة هامدة.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية حديدان

 

كان يا مكان.. في قديم الزّمان.‏

جدّة طيّبة تعيش مع حفيدها الوحيد واسمه حديدان، في قرية خضراء جميلة، وكانت تلك الجدّة تحبّ حفيدها حبَّاً جمَّاً، تدلّله.. وترعاه.. و..‏

ذات صباح.. قدّمت الجدّة إلى حديدان كوباً من الحليب وقطعتين من الجبن ورغيفاً كبيراً خبزته لتوّها على التنّور.‏

نظر حديدان إلى الرّغيف، وجده ممطوطاً، قلب شفتيه وقال:‏

-ما هذا يا جدّتي!؟ الأرغفة الّتي تصنعينها عادة دائرية، أمّا هذا فشكله بشع. ثمّ دفعه باشمئزاز.‏

انحنت الجدّة على الرّغيف، أمسكت به، قبّلته، قالت:‏

-بشع!؟ أَبَعد تعبي أسمع منك هذه الكلمة؟ كنت أتوقّع منك –على الأقل- كلمة ((شكراً))، لقد أفقتُ قبل بزوغ الشّمس، أوقدت التّنور، عجنت، رققت العجين ثمّ خبزت وبعد كل هذا التّعب تقلب شفتيك مستاءً، وترمي بالنّعمة على الأرض؟‏

-أف.. وماذا حصل؟ هل خربت الدّنيا؟‏

-نعم خربت، لأنّك لا تعلم أنّ الرّغيف الذي رميته كلّف جهداً وتعباً كبيرين.‏

-جهد.. تعب!! أنا أستطيع –على الرّغم من صغري- صنع رغيف أفضل من رغيفك بكثير.‏

رَكَزَتِ الجدّة نظّارتها على أرنبة أنفها، وبعد تفكير عميق.. قالت:‏

-طيّب.. أنا زعلانة منك، ولن أرضى حتّى تصنع الخبز بنفسك، هيّا.. أرني شطارتك.‏

نهض حديدان مصمِّماً، توجه إلى التّنور المطلي بهباب الفحم، وقف أمامه، قال:‏

-((يا تنّور يا حزين.. يا خبّاز العجين))، أعطني رغيفاً مدوَّراً، كي أريه لجدّتي، فترضى عنّي.‏

فتح التّنور فمه الكبير ضاحكاً، وقال بصوت لا يخلو من صدى:‏

-وكيف أعطيك الرّغيف وأنا بحاجة إلى الحطب؟‏

-ومن أين آتيك بالحطب؟‏

-بسيطة.. الحطب موجود في الجبل.‏

صعد حديدان الجبل، وقف على رأسه، صائحاً:‏

-((يا جبل يا كبير.. يا مخبأ العصافير))، أعطني حزمة حطب.‏

قهقه الجبل، فتدحرج بعض الحصى، قال:‏

-كيف أعطيك الحطب وأنا بحاجة إلى فأس؟‏

-فأس!! وكيف أحصل عليها؟‏

-الفأس عند الحدّاد.‏

هبط حديدان الجبل، توجه إلى الحدّاد، رأى رجلاً قويّ البنية، مفتول الزّند، يضع الفحم في بيت النار ثم ينفخه بالكير.‏

-((يا حدّاد يا خبير.. يا نافخ الكير)) أعطني فأساً.‏

وقف الحدّاد، مسح عرقه بقفا كفّه، قال:‏

-أمعك نقود؟‏

أدخل حديدان كفّيه في جيبيه، وأخرجهما فارغتين.‏

-لا.. أنا لا أملك نقوداً.‏

-إذاً.. كيف سأعطيك الفأس؟!‏

دمعت عينا حديدان، واستدار راجعاً، فنَاداه الحدّاد:‏

-هيه، أنت.. تعال يا عين عمّك، احكِ لي ماهي قصّتك.. ولماذا تريد الفأس؟‏

مسح حديدان دموعه بطرف كمّه، ونشق قائلاً:‏

-جدّتي زعلت منّي، ولن تكلّمني إلاَّ إذا صنعت لها رغيفاً مدوَّراً، ذهبت إلى التّنور فطلب حطباً، والحطب في الجبل، والجبل بحاجة إلى فأس، والفأس موجودة عندك.‏

ابتسم الحدّاد، اقترب من حديدان مربّتاً على كتفيه، قائلاً:‏

-ما دمت تريد إرضاء جدّتك، فأنا سأعطيك الفأس، لكن.. بشرط.‏

-ما هو؟‏

-أن تساعدني بصنعه.‏

-موافق.‏

شمّر حديدان عن ساعديه، أمسك مطرقة، وراح يطرق الحديد المحمّى، فصار وجهه أحمر كشوندرة.‏

وعندما انتهيا من صنع الفأس، حملها حديدان شاكراً، ركض إلى الجبل، احتطب.. وضع حزمة الحطب والفأس على ظهره، ومشى صوب التّنور.‏

أوقد حديدان التّنور، عجن العجين، رقه، و..‏

عبثاً حاول صنع رغيف، فمرّة.. يصنعه ممطوطاً، ومرّة.. مثقوباً، وأحياناً كثيرة يحرقه، فيصبح أشبه بقفا طنجرة.‏

وقف حديدان مستسلماً، مسح عرقه، تذكّر دفعه للرغيف، قال:‏

-ما أغباني.. حسبت الأمر سهلاً، ما العمل.. كيف سأرضي جدّتي؟‏

شعر بيد تمسح على شعره، التفت.. رأى جدّته، مبتسمة، تقول:‏

-أظنّك قد تعلّمت درساً مفيداً، لقد رضيت عنك، تعال ساعدني، لأخبز لك رغيفاً مدوَّراً يشبه القمر.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية البيضة

 

كان يا مكان.. في قديم الزّمان.‏

كان يعيش فلاّح وزوجته في مزرعة صغيرة، وكان عندهما حمارٌ وكبشٌ وديكٌ ودجاجة.‏

ذات صباح.. وقبل أن يقصد الفلاّح سوق المدينة ملأ الخُرج بالبطيخ الأحمر، ووضعه على ظهر الحمار المربوط إلى جانب باب الكوخ، ثمّ توجّه إلى الطّرف الغربي من المزرعة حيث الجبّ، ليملأ القربة بالماء.‏

وخرج الدّيك والدجاجة من الخُمّ، وراحا يسرحان، ينبشان ويلتقطان الحبّ، وبينما كانت الدّجاجة تسرح وتمرح بعيداً عن الخم، أحسّت أنّها ستبيض، ركضت باتجاه خُمّها لترقد فوق القش، لكنّها.. وبعد منتصف الطّريق شعرت بأنّ البيضة ستخرج منها، فحاصت في مكانها.. وباضت.. وللأسف.. اصطدمت البيضة الطّريّة بحصاة مدبّبة، فانكسرت.‏

طار عقل الدجاجة، وراحت تنتف ريشها، نتف.. نتف.. نتف، وحين أتت على آخر ريشة.. صاحت:‏

-يا ويلي البيضة طقّت وفقشت.‏

انتبه الدّيك إلى صوت دجاجته، فركض نحوها مستفسراً:‏

-خيراً إن شاء الله، ما بك.. خبّريني؟!‏

-الحقني يا ديكي الحقني، أنا حصت وبضت، والبيضة طقّت وفقشت.‏

نظر الدّيك إلى البيضة المكسورة بحزن وراح يصيح وينوح:‏

-كوكوكي.. كو كو كي، قلبي كُسِرَ.. مَ.. عَ.. كِ.‏

ثمّ ركض إلى الكبش الذي يرعى في مكان قريب ضارباً رأسه برجليه وجناحيه، فما كاد الكبش يرى الدّم يسيل من عرفه الأحمر الطّويل، حتّى ثغا قائلاً:‏

-يا لطيف يا لطيف، ما بكَ تصيح وتنوح.‏

-واخ.. واخ، أنا صحت ونحت، والدّجاجة حاصت وباضت، والبيضة طقّت وفقشت.‏

وقبل أن يتمّ الدّيك كلامه، ركض الكبش ذو القرنين الكبيرين إلى صخرة قريبة ونطحها فانبطح أرضاً مغمى عليه، وما إن صحا ورأى أمامه قرنيه المكسورين، حتّى ركض مذعوراً إلى الحمار المربوط قرب الباب.‏

-يا حمار.. تعال.. انظر.‏

-خيراً.. خيراً إن شاء الله.‏

-ومن أين يأتي الخير، وأنا نطحت وانبطحت والدّيك صاح وناح والدّجاجة حاصت وباضت والبيضة طقّت وفقشت؟‏

-سبحانك يا رب، كلّ هذا حصل وأنا مربوط هنا؟‏

فشهق ونهق، وشد الرسن فانقطع، ثم قفز موقعاً الخرج، وراح يعفس البطّيخ بقوائمه.‏

سمعت زوجة الفلاح الجلبة، فمدّت رأسها من باب الكوخ صائحة:‏

-هش.. العمى يضربك، صرعتنا.. ماذا حصل؟‍‏

-مصيبة.. كارثة.. تصوري، أنا شهقت ونهقت، والكبش نطح وانبطح، والديك صاح وناح، والدجاجة حاصت وباضت، والبيضة طقت وفقشت.‏

وما إن سمعت المرأة القصة، حتى ولولت وصوتت، وشكت وبكت، ونتفت شعرها ومزقت ثوبها، ثم دخلت المطبخ وراحت تكسر الجرار الفخارية وتدلق على الأرض الزيت والسمن.‏

وأخيراً.. حضر الفلاح، حاملاً قربته المملوءة بالماء، وما إن رأى البطيخ المعفوس والزيت المدلوق حتى طار صوابه، وصاح:‏

-يخرب بيتك.. ماذا فعلتِ؟‍‍!!‏

-وتسألني ماذا فعلت! ألا تعرف بأنني ولولت وصوّتُّ والحمار شهق ونهق والكبش نطح وانبطح والديك صاح وناح والدجاجة حاصت وباضت والبيضة.. طقت وفقشت؟‏

فتح الفلاح فمه دهشاً، ثم قطب جبينه، قائلاً:‏

-أَكُلّ هذا الذي فعلتموه من أجل بيضة؟! إنّها بيضة يا مجانين!! والله العظيم سألقنكم درساً لن تنسوه طيلة حياتكم.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية الفأرة

 

كان يا مكان، في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان.‏

فأرة صغيرة، بالاختباء خبيرة، نحيلة الجسم، قليلة اللحم والشحم، قصيرة الذيل مهدودة الحيل.‏

وكانت تعيش في دكان إسكافي، يصنع حذاءً للحافي.‏

ومرة.. عندما عتم الليل وظهر نجم سهيل، خرجت الفأرة من الدكان على حذر، لتغيّر ما بنفسها من كدر.‏

وفجأة.. التقت فأرة سمينة، تمشي بطمأنينة، ذيلها طويل وجفنها كحيل.‏

وبعد السلام والكلام، سألت الفأرة السمينة صديقتها النحيلة: ما لي أراك هزيلة وبإطعام نفسك بخيلة؟‏

فردّت الفأرة النحيلة بحسرة: دعيني بهمي، ولا تزيدي غمّي، قالت: افتحي لي قلبك وسأقف بصفك، هيا تكلّمي وعن أسرارك أعلمي. تنهّدت النحيلة بيأس، وقالت: لا بأس، سأحكي حكايتي، وأشكو شكايتي. أنا يا صديقة، أحيا بلا رفيقة، هناك في الدكان، أسرح في أمان، أعيش على الرف، وأقفز فوق الدف، لا أرى سوى السّندان، وأربعة حيطان، أستيقظ على صوت المطارق، وأنام بعد أن يغلق الإسكافي الباب ويفارق، طعامي زيت المِسَن، ومن طعمه أكاد أجن.‏

ضحكت السّمينة من هذا الكلام، وقالت بلهجة خالية من الاحترام، أنت يا فأرة جاهلة وبأمور الحياة متساهلة، كيف ترضين بهذا العيش، وترغبين بأن يصبح لك كُريش؟ هيا اهجري الدكان، انسيه وقولي: كان. ولنمضِ إلى الحلواني، لنأكل ما نشتهي من الصواني، ستفطرين الجوز، وتتغدّين اللوز، وعند المساء، سيحضر العشاء، رقائق بالفستق الحلبي، وأخرى بالقيمق واللبي، تعالي يا صغيرة.. تعالي يا أميرة.‏

دخلت الفأرتان حانوت الحلواني، وارتسمت في عيني الصغيرة الأماني، اليوم.. ستصبح سمينة وسيكون الكرش لها أحلى زينة.‏

ستنسى لحس الزيت، ولن تتذكره حتى بكلمة –يا ليت- ماذا ستأكل الآن ووقت الفطور قد حان؟ هل تبدأ بالجوز أم باللوز، بالفستق أم بالبندق؟!‏

التفتت حائرة، فلمحت في زاوية الحانوت جوزة، كانت أشهى من موزة.‏

قالت الصغيرة لنفسها: سأبدأ الآن بأكلها، وركضت المسكينة إليها، وقد أعمى الجوع عينيها، وما إن قربت رأسها منها، حتى سمعت صوت طخ.. وإذ بها في الفخ.‏

فنطت وحطت وصاحت وناحت.‏

سمعت السمينة الصوت، فأيقنت بأنه الموت. ركضت تستطلع الخبر، فوجدت حديد المصيدة قد دخل في الوبر.‏

قالت الصغيرة بصوت مخنوق، لماذا لم تنبهيني لوجود المصيدة؟ قالت: كي لا تشعري بأنّك مقيدة.‏

قالت: لقد خدعتني، وبجهلك قتلتني، ذكرت الجوز واللوز، والفستق والبندق، ونسيت أن الخطر محدق بنا وأن المصائد من حولنا.‏

آه.. يا طعم الزيت، ليتني قنعت بك.. يا ليت.‏

كنت في أمان، أعيش باطمئنان، في ذلك الدكان.‏

صدق من قال: القناعة كنز لا يفنى.‏

وماتت المسكينة جوعانة حزينة.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية قطرة العسل

كان يا مكان.. في قديم الزمان‏

صياد يصطاد في غابة، وكلبه معه، يركض أمامه، يدله على أثر الأرانب.‏

وصادف أن لمح الصياد خلية نحل تَعْسِلُ في أصل إحدى الأشجار. لحس شفتيه، قال: سآتي غداً بزقٍ وأملؤه عسلاً، ولا بأس بأن أُقْرَص عدة قرصات. وقبل أن ينهي قوله نبح الكلب معلناً موافقته على الفكرة.‏

غابت شمس ذلك اليوم، وأشرقت شمس الغد، وقطف الصياد العسل مالئاً به الزق بعد أن لسعه النحل عدة لسعات في أرنبة أنفه، فورم.. وصار أشبه بإجاصة.‏

حمل الصياد زقه، ومشى أمامه كلبه متوجهاً إلى البلدة، كي يبيع العسل في أحد الحوانيت.‏

وفعلاً.. دخل على صاحب حانوت، سلّم عليه، وعرض عليه العسل ليشتريه.‏

أمسك صاحب الحانوت الزّق، غمس إصبعه في العسل ليتذوقه، فقطرت منه قطرة على الأرض.‏

فجأة.. خرج زنبور أحمر من نُخروبه، وراح يطير محوّماً حول القطرة، ثم حطّ بجانبها وراح يأكل منها، وكان لصاحب الحانوت قطّ أسود، فوثب القط على الزّنبور، وضربه بقائمته. داخ الزنبور وراح يغزل في مكانه مصدراً طنيناً عالياً.‏

غضب كلب الصياد من فعل القط، احمرت عيناه، همر.. ونبح، ثم وثب على القط، وعضّه عضّة قوية جعلته يموء مواءً عالياً ممطوطاً، ويقفز هارباً، بعد أن تقنفذ وبره.‏

كاد عقل صاحب الحانوت يطير من رأسه، عندما سمع مواء قطه المدلل، ركض إلى إحدى زوايا حانوته أمسك عصاً غليظة، وهوى بها على رأس الكلب، فنبح بالمقلوب، وفرّ هارباً، مدخلاً ذيله بين رجليه.‏

جنّ جنون الصياد عندما رأى كلبه ورفيق صيده قد تعرّض لضربة مؤلمة، ركض إلى صاحب الحانوت شدّه من قميصه بقوة، فانقطعت الأزرار وبانت كرشه الكبيرة، ثم لكمه لكمة قوية، جعلته يقع بجانب الزنبور مغمى عليه.‏

صعق جيران صاحب الحانوت فور مشاهدتهم جارهم مغمى عليه، ركضوا نحو الصياد، وانهالوا عليه ضرباً، فشج رأسه وفتق سرواله.‏

طار خبر الشجار إلى قرية الصياد، فتأثّر أهلها أشدّ التأثر، ونقموا أشدّ النقمة، ثم جمعوا أنفسهم وحملوا سلاحهم، وتوجهوا إلى البلدة، كي يثأروا لصيادهم.‏

واشتعلت الحرب، وتعالت الأصوات، وغطّى الغبار البلدة، فبانت كأنها تلّة بعيدة.‏

وكان في البلدة رجل حكيم أعمى، فلما سمع الأصوات والاستغاثات، سأل عن السبب فأخبروه القصة.‏

هزّ الحكيم رأسه أسفاً، قال: يا للحمقى.. كل هذا من أجل قطرة عسل!!، ثم صرّ رغيفين وعلّقهما في رأس عكّازه، وسار مهاجراً من تلك البلدة، مدندناً أغنية حزينة.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية الملك شرحبيل والنعامة

 

يحكى أن الملك شرحبيل كان يعرف لغات الطيور كلّها.‏

ومرة.. أرقت زوجته ليلتين متتاليتين، ولم تذق طعم النوم، فلمّا لمح علامات الشحوب بادية على وجهها سألها:‏

-ما بك يا زوجتي العزيزة؟ أراك شاحبة الوجه!‏

-آه.. آه. منذ يومين لم يغمض لي جفن، أرجوك.. ابحث لي عن علاج.‏

استدعى الملك كبير الأطباء، فحص الزوجة، أطرق قليلاً، توجّه إلى الفراش، ضغط بيده على المخدة وقال:‏

-المخدّة هي سبب الأرق.‏

تمتمت الزوجة دهشة:‏

-المخدّة؟!‏

-أجل يا سيدتي، حبَّذا لو استبدلت بها واحدةً طرية، ويفضّل أن تكون محشوّة بريش الطير.‏

-المسألة بسيطة زيادة على اللزوم، فزوجي الملك يعرف لغات الطيور، سأحثه على أن يكلمها، ويطلب من كل واحد منها ثلاث ريشات ناعمة، وبهذه الطريقة أصنع مخدة وثيرة، أضع رأسي فوقها وأغطّ في نوم عميق.‏

سمع الملك حديثها مع الطبيب، فراقته الفكرة، ووعد زوجته خيراً، ثم توجه إلى قاعة العرش واستدعى البومة الحكيمة، فحضرت.‏

-بومة.. أصغي إليّ جيداً، منذ قليل حدثتني زوجتي عن أرق داهمها –وسرد لها الموضوع- لهذا.. أريد أن أكلّفك بمهمة جمع الريش، وبالمقابل.. فأنا لن أنسى لك هذا المعروف.‏

فتحت البومة عينيها على آخرهما، قالت:‏

-أنا في الخدمة، أرح فكرك، ودع الأمر لي.‏

ثم رفرفت بجناحيها.. وطارت نحو الغابة.‏

بصراحة.. لم ترق للبومة فكرة نزع الرّيشات الثلاث من كل طائر، فكل واحد منها يحب ريشه وهو غالٍ عنده وانتزاعها للريش يسبب عداوة بينها وبين الطيور.. لذا.. وبعد تفكير عميق، توصّلت إلى أن تأخذ الريش من طائر واحد فقط، فتكون بذلك –قد أصابت عصفورين بحجر واحد- كما يقول المثل، أي إنّها كسبت صداقة طيور الغابة كلّها ما عدا واحداً، و.. نفّذت وعدها للملك شرحبيل، لكن.. من هو ذاك الطائر؟ وما هي الوسيلة لإقناعه بالاستغناء عن ريشه كلّه؟‏

ومرّت ليلتان.. والبومة تفكر وتفكر، حتى لمع في ذهنها الحل:‏

-النّعامة.. أجل، هي وليس سواها، طائر كبير.. ناعم الريش، آه.. كيف لم يخطر ذلك ببالي؟‏

هكذا قالت البومة لنفسها، ثم طارت متوجهة إلى النعامة الجالسة في فيء إحدى أشجار الصنوبر الكبيرة قرب ساقية الماء.‏

-مرحباً يا أحلى نعامة، كيف حالك.. وما هي أخبارك؟‏

-أهلاً بومة، أنا بخير.. هاتي أسمعيني بعض الحكايات، فأنت –كما هو معروف- حكيمة الغابة، تعرفين الظّاهر والمستور، وتحفظين الكثير من الأشعار والحكايات.‏

-شكراً على إطرائك، لكنني للأسف مضطربة الفكر، مشغولة البال.‏

-خيراً إن شاء الله، ما بك؟‏

-صراحة.. نحن –جماعة الطيور- نعيش في الغابة منذ زمن طويل، لكننا في كثير من الأحيان لا نجتمع على رأي واحد، وسبب ذلك عدم وجود ملك لنا، لذلك.. وبما أنني أمتلك الحكمة –كما يقال- فقد ارتأيت أن ترشّحي نفسك للانتخاب الذي سنجريه في الربيع القادم، كي ننصّبك ملكة علينا، فأنت ولا شك أكبر الطيور على وجه الأرض، إضافة إلى ما تتمتعين به من رشاقة ووسامة.. و..‏

-لا تبالغي أرجوك.. فأنا خجولة جداً.‏

-أبالغ!! سامحك الله.. أقسم بمن خلق لنا الجناح أنك تمتلكين من الصفات الحميدة أكثر بكثير مما ذكرته لك لكن..‏

-ماذا؟ هل هناك شيء؟‏

-أجل.. شيء صعب إلى حد ما، لكنه مقدور عليه.‏

-ما هو؟‏

-الملوك.. يمتازون بالعطاء والجود، وأنت.. لكي تكسبي موافقة الطيور، يجب أن يتحدث بسخائك الطير الذي يطير والوحش الذي يسير.‏

-كلامك صحيح لا غبار عليه، لكن.. ماذا أمتلك أنا حتى أعطي؟‏

-تمتلكين الكثير.. وهل يوجد في هذه الغابة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، من يمتلك ريشاً أنعم وأطرى من ريشك.‏

-ريشي!؟ أعيدي كلمتك الأخيرة لو سمحت. أعتقد أنك قلت ريشي.‏

-أجل.. قلت ريشك.‏

-عجيب.. وهل أنا مجنونة حتى أعطيك ريشي وأبقى عارية، إنه أمر مخجل، تخيلي.. تخيلي أنني بلا ريش.‏

-ولماذا لا تتخيلين أنت.. أنك تضعين تاجاً ذهبياً فوق رأسك الجميل، وآلاف الطيور من حولك تنحني لك معبّرة عن ولائها ووفائها، ثمّ.. أنت تتكلمين على ريشك وكأنك ستبقين عارية طوال عمرك، أنت مخطئة فالريش أيتها الملكة المبجلة بضاعة مردودة، أقصد أنه سينبت لك ريش جديد، أنظف وأطرى من الريش المنتوف.‏

وفكّرت النعامة بالأمر، وزيّنت لها البومة الفكرة، وبعد طول عناء وافقت النعامة على نتف ريشها وشرعت البومة تنتفه، فنطّت النعامة، وصاحت متوجّعة:‏

-آخ.. أي.. أوو..‏

برقت عينا البومة وقالت:‏

-تحمّلي أيتها الملكة الكريمة، من صبر ظفر، احلمي بالتاج ريثما أنتهي من نزع الريش.‏

انتهت البومة من نزع آخر ريشة، فشكرت النعامة على صبرها، وطارت إلى الملك، بينما التجأت النعامة إلى أجمة كي تداري عريها.‏

-السلام على الملك شرحبيل.‏

-وعليك السلام، بشّري.‏

-لك البشرى، الريش مكوّم تحت شجرة الصنوبر الكبيرة، قرب ساقية الماء، أسرع –لو سمحت- بجمعه قبل أن تهب الريح فتذهب به.‏

توجه الملك شرحبيل مع حراسه إلى المكان، وفور مشاهدته الريش، قال:‏

-ما هذا؟! إنه ريش طائر النعام، أين ريش بقية الطيور؟‏

-سامح الله مولاي الملك، وهل من العقل نزع ريش عصفور أو سنونوة؟ إنَّ ريشها صغير الحجم وهو –إضافة إلى ذلك- لا يملك من الطراوة والنّعومة مثل ما يمتلك ريش النعام.‏

أمر الملك شرحبيل حرّاسه بجمع الريش، وسار إلى زوجته.‏

نرجع إلى النعامة، فبعد ذهاب الملك شرحبيل بالريش، صاحت للبومة قائلة:‏

-هيه.. بومة، هل أذعت خبر سخائي وكرمي في أطراف الغابة؟‏

ضحكت البومة قائلة:‏

-أجل.. لقد أدهش كرمك طيور الغابة كلّها، لكنها قالت: ((صحيح أن جسم النعامة كبير، وهو أكبر جسم بين طيور الأرض قاطبة، لكن هذا لا يكفي، فنحن نريد لملكتنا أن تكون صاحبة عقل كبير راجح قادر على معالجة الأمور بتفهم وحكمة)).‏

خجلت النعامة من غبائها، ولم تعد قادرة على رؤية أحد، فما كان منها إلا أن طمرت رأسها بالتراب.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية قشقوش

 

كان يا مكان.. في قديم الزمان.. وسالف العصر والأوان.‏

فتًى خواف، يعيش في قرية أغلب بيوتها من الطين. وقد أطلق عليه أهلها اسم قشقوش.‏

ولهذا الاسم قصة:‏

مرّة.. أراد ابن عم قشقوش أن يمازحه، فأتى بدودة أرض كبيرة، وركض إليه، حيث كان نائماً تحت شجرة الرمان، وفور وصوله إليه، قرّبها من وجهه، ولكزه.‏

فتح قشقوش عينيه، وما إن لمح الدودة تتلوى أمامه، حتى قفز مذعوراً، وركض صائحاً:‏

- الحقوني.. أفعى.. ثعبان، يا ناس.. يا عالم.. يا..‏

سمع أهل القرية الصراخ، خرجوا يستطلعون الخبر، فلم يجدوا أحداً، وحده صوت قشقوش كان مسموعاً، بحثوا.. هنا.. وهناك، أخيراً.. قادهم الصوت إلى تلة قش، نبشوا القش، فرأوا الفتى أصفر الوجه يرتجف ويصيح: اقتلوا الثعبان.. إنه هناك.‏

وقبل أن يتوجهوا إلى المكان الذي أشار إليه قشقوش، شاهدوا ابن عمه يهرول نحوهم، حاملاً دودة الأرض، وما إن أعلمهم بالقصة، حتى انفجروا ضاحكين، وأطلقوا على الفتى الجبان المختبئ في كومة القش اسم ((قشقوش)).‏

مضى شهر، وما زال أهل القرية يسخرون من قشقوش، ولم يعد أحد يناديه باسمه.‏

ذات ليلة أرق قشقوش، فضحكات أهل القرية وسخرياتهم تجلجل في أذنيه، وبعد تفكير طويل قال لنفسه:‏

-لا بد من الرحيل، لقد اكتشف أهل القرية كلهم أنني جبان، آه.. كم حاولت ألاّ يعرف أحد هذه الحقيقة، كم حاولت أن أصبح شجاعاً، لكن.. بلا فائدة، فكيف أصبح شجاعاً وأنا أخاف من خيالي؟ سأرحل.. أو سيضحك مني أهل القرية كلهم قائلين: قشقوش الطويل العريض يخاف من دودة!‏

أشرقت الشمس، وغادر قشقوش قريته متّجهاً نحو الجبل، مشى يوماً بكامله، وكلما لمح ضبَّاً أو حرذوناً يقف على إحدى الصخور، نطّ مرتجفاً.. وركض إلى إحدى الأشجار، ليضم جذعها وقد أغمض عينيه.‏

غابت الشّمس.. ازداد خوف قشقوش، حتى كاد الدم ينشف في عروقه، فجأة.. لمح ضوءاً ينبعث من أحد الكهوف، ركض إليه، دخله، فوجد أرضه مفروشة بالسّجاجيد المخططة وجلود الخراف والمخدّات وقد عُلّق على حيطانه أطباق من القش الملون، والسيوف المتصالبة والتّروس المرصّعة بالنحاس، فما كان منه إلا أن استلقى ليستريح، فغطّ في نوم عميق.‏

انتبه قشقوش على صوت جرس، فتح عينيه، فركهما، وإذا به يرى رجلاً نحيل الجسم قصير القامة يدخل الكهف، وما إن رأى الرجلُ الفتى حتى صاح:‏

-هيه.. من أنت، وكيف دخلت كهفي؟!‏

وقف قشقوش، فكاد رأسه يلامس السقف.‏

-احم.. احم، وما شأنك أنت؟ أهو كهفك؟!‏

-اسكت يا صعلوك ألا تعرف من أنا؟‏

-ومن تكون؟‏

-أنا أبو الليل.‏

-أبو.. الـ.. الليـ.. ليل..‏

ووقع قشقوش فاقد الوعي.‏

ركض أبو الليل إليه، أمسك قربة الماء، دلقها على وجهه، فأفاق قشقوش لاهثاً.‏

-ما بك؟! منذ قليل كنت رجلاً.‏

رد قشقوش متلعثماً:‏

-سامحني يا سيدي أرجوك، لن أغلط وأدخل كهفك مرة أخرى. أقسم بالله.‏

-طيّب لا تخف، اجلس.. واحك حكايتك.‏

-.......‏

-ما بك لا تتكلم، كأن لسانك أكله القط؟!‏

-.......‏

-أمرك عجيب، قلت لك تكلم.. ولا تخف.‏

-تعني أنّك لن تخطفني وتعذبني؟‏

-أخطفك.. أعذبك!! ومن قال لك بأنني أخطف الناس وأعذبهم؟‏

-أمي.‏

-أمك قالت ذلك؟!‏

-أجل، فأنا عندما ألعب في البيت، تقول: اجلس في الزاوية وإلا حبستك في جب الفئران، وإذا أردت الخروج تقول: إيّاك.. وإلا سيخطفك أبو الليل ويعذبك.‏

هزَّ أبو الليل رأسه، ابتسم، قال:‏

-هاها.. الآن فهمت سبب خوفك وإغمائك لحظة سمعت اسمي، لكن.. لماذا أتيت إلى هنا؟‏

-صراحة.. أتيت لأنني جبان.‏

-جبان!! ألا تخجل من هذه الكلمة؟‏

-أخجل.. لكنها الحقيقة، فمنذ شهر عندما كنت نائماً تحت شجرة الرمان، جاء ابن عمي و...‏

انتهى قشقوش من سرد قصته، فانفجر أبو الليل ضاحكاً، حتى إنه استلقى على ظهره.‏

-تخاف من دودة.. دودة!! يا عيب الشؤم، فتًى بطول النخلة يخاف من دودة، وأنا.. على الرغم من قصري ونحافتي، أُخيف قرًى بأكملها.‏

-أعلم.. لكن قل لي أرجوك، كيف تخيفها؟‏

-اسمع، عندما كنت صغيراً، حكى لي والدي حكاية، قال:‏

في أحد الأيام، خرج فلاّح ليرعى بقرته، ولما ابتعد عن القرية، التقاه فارس قوي البنية يحمل سلاحاً ويركب حصاناً مطهّماً، فاعترض طريق الفلاّح وسلبه بقرته.‏

لم يستطع الفلاح المسكين أن يتفوّه بكلمة، فهو قصير نحيف، مثلي تماماً، لكنه صار يتبع أثر الفارس والبقرة من بعيد.‏

توقف الفارس عند بئر ماء، تعلوها صخرة كبيرة، حُفِرَ فيها جرن لسقي الدواب.‏

اقترب الفلاح متلصّصاً، وكم كانت دهشته كبيرة، عندما رأى الفارس يمسك الصخرة الكبيرة الموجودة على فم البئر، يرفعها.. ويشرب من الجرن، تاركاً الدلو.‏

فتح قشقوش فمه، قائلاً:‏

-يا لطيف، رفع الصّخرة وشرب من جرنها، إيه.. وبعد. أكمل.‏

-وبعد أن أرجعها، قال: ((الحمد لله، قوة ثور.. قلب يوق)).‏

وما إن سمع الفلاح هذه العبارة، حتى نطّ نحوه رافعاً عصاه الغليظة، صارخاً: ارمِ سلاحك وانزل عن حصانك.‏

تصوّر.. لقد ترك الفارس سلاحه وجواده، وفرّ كأرنب.‏

حكّ قشقوش رأسه، قال:‏

-وكيف تجرّأ الفلاّح على الظهور أمامه؟‏

-سألت والدي السؤال نفسه، فأجاب: اسمع يا صغيري، يوق.. كلمة تركية تعني لا شيء، أي إن جسمه قوي كجسم الثور، لكن قلبه فارغ ضعيف، والقوة تكمن في القلب.‏

منذ ذلك اليوم، صرت لا أخاف من أحد، أصعد مع ماعزي إلى الجبال، أقتل الحيّات، أدخل إلى أوجرة الضباع في الليل، حتى إنّ الكثيرين سمعوا بجرأتي وصاروا يخافونني، لمجرد سماعهم الجرس المعلّق في رقبة حصاني أو لرؤيتهم ثوبي المخطط هذا.‏

أخذ قشقوش نفساً عميقاً وقال:‏

-أنا أحسدك على جرأتك يا أبا الليل، وأتمنى أن أصبح جريئاً ومخيفاً.‏

ضحك أبو الليل وقال:‏

-بسيطة، لا توجد مشكلة، سنقضي معاً أسبوعاً في الجبال.‏

رافق قشقوش أبا الليل، ففي اليوم الأول.. وبعد مسير شاق، استلقى قشقوش تحت شجرة صنوبر ونام.‏

بغتة.. أحسّ بشيء يمشي على صدره، فتح عينيه، وإذا بسلحفاة تمطّ رأسها كأنها تريد تقبيله.‏

زعق قشقوش، دفع السّلحفاة ونهض راكضاً يولول.‏

كان أبو الليل يضحك، فهو من وضعها على صدره، وجلس يتفرّج.‏

بعد انقضاء الأسبوع، صار قشقوش أكثر جرأة، لكنه كان يجفل كلّما ذكّره أبو الليل بجبّ الفئران إلى أن قال له أبو الليل في اليوم السابع:‏

-قشقوش.. يعلم الله أنني أحببتك، لذلك سأساعدك، سأعيرك قميصي وحصاني شريطة أن تذهب إلى جبّ الفئران، وتكتشفه بنفسك.‏

-أنا؟!!‏

-أجل، وإلاَّ..‏

زرّ قشقوش قميص أبي الليل بصعوبة، ركب الحصان، و..‏

شعر بخوفه يتلاشى تماماً، فالناس يهربون من أمامه، يصيحون متوسّلين، حتى أبناء قريته اختبؤوا في بيوتهم كالفئران، وابن عمه.. ابن عمه بالذّات، تعثّر مرتين بثوبه الطّويل عندما ركض إلى حظيرة الماعز ليختبئ.‏

-غريب!! ((قال قشقوش لنفسه)) ألم يخطر ببال أحدهم أن يدقّق النظر إليّ؟ أنا لا أشبه أبا الليل، محال أن أشبهه!.‏

ربط قشقوش الحصان في شبّاك بيته، دقّ الباب، فردّت أمه من خلف الباب:‏

-من الطارق؟‏

-أبو الليل.‏

-يا ويلي.‏

فتح قشقوش الباب، فرأى أمه قد جلّلت رأسها بالملاءة قائلة:‏

-كرمى لله.. دعني يا أبا الليل، خذ ما تشاء، لا تقترب مني.‏

قال قشقوش مغيّراً نبرة صوته:‏

-أريدك أن تنزلي إلى جبّ الفئران.‏

نزلت الأم إلى جبّ الفئران، تبعها قشقوش، وما إن فتحت الباب، حتى شهق قشقوش متعجّباً، لقد رأى مرطبانات المربى والجبن والزيتون مصفوفة على الطرفين.‏

أخذ قشقوش مرطباناً كبيراً مليئاً بالمربى، وركب الحصان قاصداً الكهف، وهناك.. رأى أبا الليل بانتظاره.‏

-هيه.. ما هذا المرطبان.. أهو مليء بالفئران؟‏

ضحك قشقوش، قال:‏

-بل بالمربى اللذيذ، إنّه لك.‏

قدّم قشقوش المرطبان إلى أبي الليل، وقال:‏

-شكراً يا أبا الليل، لقد جعلتني رجلاً.‏

-كنت متأكداً من أنّك ستصبح رجلاً، لكنني لست متأكداً من أنك ستستطيع إلغاء ذلك الاسم ((قشقوش)).‏

في اليوم التالي.. عاد قشقوش إلى قريته، رافع الرأس.. نافخ الصدر.‏

علم أهل القرية بحضوره، فجاؤوا ليطمئنوا عليه، إذ إنه لم يغادر القرية في حياته.‏

وعندما وصل ابن عمه ليسلّم عليه، مدّ قشقوش يده إلى جيبه، أخرج أفعى صغيرة، وقال:‏

-تفضّل.. هذه هديّتك.‏

زعق ابن العم، ونطّ من الشباك، راكضاً صوب قطيع الخراف البعيد، بينما انفجر أهل القرية ضاحكين.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

 

حكاية ثلاث ليال.. وليلة

 

كان يا مكان.. في قديم الزمان.. وسالف العصر والأوان.‏

جد وحفيده، يعيشان معاً في قرية جميلة، وقبل أن يناما يحكي الجد لحفيده حكاية شائقة.‏

ومرة.. سأل الحفيد جدّه: جدّي.. من أين تأتي بحكاياتك الجميلة؟‏

مسَّدَ الجد لحيته البيضاء، قال: لقد سمعتها من فم الحكواتي، ورأيتها في صندوق الدنيا، ومسرح خيال الظل.‏

قال الحفيد دهشاً: لم أفهم، ماذا تقصد؟‏

ابتسم الجد قال: اسمع.. سأحكي لك هذه الليلة حكاية من حكايات الحكواتي، وليلة الغد حكاية من صندوق الدنيا، وبعد غد.. ستكون الحكاية من مسرح خيال الظل.‏

صفّق الحفيد. اندسّ في الفراش، لفّ جده.. مصغياً للحكاية.‏

 

حكاية الليلة الأولى:‏

جلس الحكواتي على كرسي القش في صدر المقهى، واضعاً طرطوراً أحمر على رأسه، ونظّارة مدوّرة على عينيه، ممسكاً بيديه كتاباً سميكاً أصفر الورق.‏

وبعد أن مسح جبينه وذقنه بمنديله القماشي المطرّز، قال:‏

- قال الرّاوي: يا سادة يا كرام: جاء رجل إلى أبي الفوارس عنترة، يشكو إليه سرقة أمواله وجماله في ليلة مقمرة، فار الدم في وجهه، وقبض على السيف بكفه، وذهب ليرجعها في الحال، بعد أن ركب على حصانه الأبجر الذي يشق الرمال.‏

فلما انتصف النهار، كان رأس اللص قد طار، فساق الجمال وحمل الأموال، وأعطاها إلى الرجل الذي شكره على حسن الفعال، ودعا لأبي الفوارس، أن يبقى للفضيلة خير حارس.‏

 

حكاية الليلة الثانية:‏

حمل العم حمدان صندوق الدنيا الخشبي، ذا الفتحات الأربع على ظهره، وسار إلى ساحة القرية مغنيّاً:‏

تعال تفرج يا سلام * * * على الدنيا يا سلام‏

عـلى أمّ الـحكايا * * * وما فيها من خبايا‏

خرج الأولاد من البيوت الطينية حاملين لـه نقوداً، أوتيناً يابساً، أو حفنة من الزّبيب.‏

أجلس العم حمدان أربعة أطفال أمام الصندوق، وبعد أن وضعوا رؤوسهم مقابل الفتحات، قال:‏

كان هناك بنت اسمها ليلى، هل ظهرت أمامكم؟ طيّب. أرادت أن تذهب يوماً لزيارة جدتها في القرية المجاورة، فطلبت منها أمها أن تسلك الطريق الطويل، لكن ليلى لم تسمع كلمة أمها، وسارت مع قطتها في الطريق الذي يمر في الغابة، فجأة.. توقفت وراحت تقطف الزهور الملوّنة قائلة لقطتها.. ستفرح جدتي بهذه الزهور، سمع الذئب حديث ليلى – لا تبعدوا رؤوسكم يا أولاد.. انظروا ولا تخافوا، سأكمل القصة- فركض إلى بيت الجدة وأكلها، ثم استلقى في سريرها، بعد أن وضع نظارتها وغطاء رأسها الملوّن.‏

وصلت ليلى.. وجدت الباب موارباً، دخلت.. وضعت الزهور على الطاولة، اقتربت من السرير فوجدت أذنين طويلتين، قالت: لماذا أذناك طويلتان يا جدتي؟ قال الذئب: كي أسمعك جيداً، ولماذا عيناك كبيرتان؟ قال: كي أراك جيداً، طيّب وفمك.. لماذا هو كبير إلى هذا الحد؟ نطّ الذئب قائلاً: لآكلك وأتذوّق لحمك الغض.‏

وقف أحد الأولاد، قال: ارجع لي حبّات الزّبيب يا عم حمدان، فهذه القصة حزينة.‏

اِجلس يا ولد، فالقصّة لم تنتهِ بعد، اسمعوا.. هربت القطة وأعلمت الصياد بما حدث، فركض صوب الذئب، وكان نائماً، فشق بطنه، وأخرج ليلى وجدتها واضعاً حجارة مكانهما، ثم خاط بطنه بالإبرة والخيط وعندما استيقظ من نومه، أحسّ بالعطش، فنهض إلى البركة، ولما انحنى ليشرب سقط فيها ومات.‏

 

حكاية الليلة الثالثة:‏

دخل الكركوزاتي إلى المقهى، وضع ستارة من قماش تتوسّطها قطعة مدوّرة من الخام الأبيض، في أسفلها رفّ من خشب وضع عليه سراجاً من فخار وأناره بالزيت، ثم وقف خلف السّتارة ممسكاً بيده عصاً رفيعة محرّكاً بها رسوم الأشخاص المصنوعين من الجلد، حيث ظهر خيالها مجسّماً لانعكاس النور عليها من الخلف.‏

بدأ الكركوزاتي يتكلّم ويحرّك الخيال، ليبدو أن الخيال يتكلم، وكان يبدل صوته حسب أصوات الرّسوم وهم: كركوز، عيواظ، معّوظة ابنة عيواظ، العفريت فادوس أبو السبع رؤوس، وابنهُ مرّوسي.‏

صفّق الجمهور الجالس على كراسي الخيزران عندما ظهر كركوز وعيواظ.‏

كركوز : أهلاً.. أهلاً وسهلاً ومئة مرحباً بالحاج عيواظ.‏

عيواظ : الحقني يا صديقي، كرمى للنبي.‏

كركوز : خيراً.. خيراً إن شاء الله.‏

عيواظ : ومن أين يأتي الخير، ومرّوسي بن فادوس أبو السبع رؤوس عفريت السواحل، خطف ابنتي معّوظة.‏

كركوز : ماذا تحكي؟! العمى يضربه، خطفها! والله العظيم سألحقه وأكسِر رقبته، يالله.. الموضوع لا يحتمل الوقوف.‏

اختفى كركوز.. اختفى كركوز.. (صفّق الجمهور بحماسة بعد قليل ظهر كركوز حاملاً معّوظة وهو يجر مرّوسي من شعره).‏

معّوظة : بابا.. لقد عدت.‏

عيواظ : "باكياً".. هيء.. هيء.. هيء.‏

كركوز : لا تبكِ يا حاج عيواظ، لقد قطعت رؤوس فادوس السبعة، وكسرت رقبة ابنه مرّوسي. انظر.‏

عيواظ : (يعانق كركوز ويقبله). عِشت يا أبا الشّرف والشّهامة والعفّة. فعلاً.. الصّديق وقت الضّيق.‏

 

حكاية الليلة الرابعة:‏

وفي الليلة الرابعة، طلب الحفيد من جدّه أن يسمح لـه بسرد حكاية، فابتسم الجد وقال: هاتِ أسمعني. قال الحفيد:‏

كان يا مكان.. في قديم الزمان.. وسالف العصر والأوان.‏

حفيد وجده، يعيشان معاً في قرية جميلة، وقبل أن يناما، يحكي الحفيد لجده حكاية، يقول فيها:‏

خرجت ليلى ومعّوظة إلى الغابة، لتقطفا بعضاً من زهور الأقحوان الحمراء، وفجأة.. ظهر لهما الذئب وأكل معّوظة، بينما هربت ليلى إلى القرية، وفور وصولها، اتجهت إلى المقهى وسألت الحكواتي عن عنترة بن شدّاد، فقال لها: لقد ذهب مع العم حمدان إلى ساحة القرية ليتفرّج على صندوق الدنيا، ركضت ليلى إلى الساحة، فوجدت عنترة قد ربط حصانه إلى جانب دكان الإسكافي وجلس يتفرج، فصاحت: عمّي عنترة.. الحقني، لقد هاجمنا الذئب في الغابة وأكل معّوظة.‏

وقف عنترة كالأسد، نطّ على حصانه مجرّداً سيفه من غمده، وانطلق يسابق الريح.‏

في الطريق.. صادف عنترة العفريت فادوس أبا السّبعة رؤوس وابنه مرّوسي، فقطع بضربة واحدة رؤوس فادوس السبعة، وربط ابنه مرّوسي بذيل الحصان، ثم سار حتى وصل إلى الذئب.‏

كان الذئب نائماً تحت شجرة صنوبر، شقّ عنترة بطنه أخرج معّوظة، ووضع مروسي ابن العفريت مكانها.‏

أركب عنترة بن شداد ليلى ومعّوظة على حصانه وركض هو أمامهما حتى وصلوا إلى المقهى.‏

هناك.. طلب عنترة فنجاناً من القهوة، وكوبين من الحليب وجلسوا يتفرّجون على كركوز وعيواظ وبعد أن انتهى الحفيد من سرد حكايته، التفت إلى جدّه، فوجده نائماً.. والابتسامة ما تزال مرسومة على شفتيه.‏

((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))‏

 

أضيفت في 15/05/2005/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية