أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

أعلى التالي

التعديل الأخير: 04/09/2022

مسرحيات / الكاتب الكبير: توفيق الحكيم

مسرحية شمس النهار

إلى صفحة الكاتب

لقراءة المسرحية

 

 

المسرحية

الفصل الثالث م 1

الفصل الثاني

الفصل الأول

مقدمة 

الفصل الثالث م 2

 

مسرحية شمس النهار

 

مقدمة

هذه مسرحية تعليمية . . . والأعمال التعليمية في الأدب والفن ، من " كليلة ودمنة " إلى " حكايات لافونتين " إلى مسرحيات " بريخت " وغيرها من آثار هذا النوع ، إنما تهدف إلى توجيه السلوك الفردي أو الاجتماعي . . وهي في أحيان كثيرة لا تخفي مقاصدها . . وتتخير من العبارات ما يصل توا إلى النفوس ويرسخه في الأذهان . . وتنتقي من وسائل التعبير أوضحها وأبسطها . . وتتخذ أحيانا من وضع الحكمة والمغزى في صورة مباشرة سلاحا من أسلحتها . . وهي على خلاف الفن الآخر الذي يخفي وجهه ويدعك تكتشف ما خلفه، تكشف هي القناع وتقول لك:

" نعم أريد أن أعظك فاستمع إليّ ! "

وإزاء هذه الصراحة منها نصغي إليها راضين . . وهكذا أصغينا ولا نزال نصغي إلى حكم " كليلة ودمنة " وعظات " لافونتين " ومسرحية " بادن " التعليمية لبريخت . . دون أن نضجر مما نسمع . . ذلك أن الوعظ في ذاته فن ، ما دام قد قدم إلينا في شكل جميل. كل ما أرجو إذن لهذه المسرحية ؛ هو أن يكون مضمونها قد قدم في شكل غير ثقيل على النفس ، وأن تحقق ، ولو بقدر ضئيل ، ما تهدف إليه من مقاصد.

 

 

الفصل الأول

 

 

المنظر الأول

 

 

القاعة الكبرى في قصر سلطان نعمان . . وهو يحادث وزيره . .

السلطان : قلت دبرني ياوزيري ! . .

الوزير : التدابير لله يا مولانا السلطان ! . .

السلطان : سمعتها منك عشرين مرة ! طبعا التدابير لله ! . . لكنك أنت وزيري . . وهذه وظيفتك : تفكر معي وتدبر لي . . هل تريد أن تقبض أنت المرتب ، وتترك العمل يتولاه عنك الله ! . .

الوزير : وهل سبق لي أن تخليت عن عملي ! . .

السلطان : كثيرا . . العمل السهل تقوم به . . والعمل الصعب تتخلى عنه لله تعالى ! . .

الوزير : أي بأس أن أسأل الله المعونة ؟. .

السلطان : ولماذا لا أسأله مباشرة ، وأوفر المرتب ؟ . .

الوزير : مرتبي على كل حال ليس بالمبلغ الباهظ !

السلطان : أعرف ذلك . . ولكني لا أتكلم عن المرتب الرسمي ! . .

الوزير : لست أنا وحدي يا مولاي . .

السلطان : أعرف ذلك أيضا . . الجميع . .

الوزير : المملكة كلها . . من كبار وصغار . . وأنت يا مولاي أردت ذلك . .

السلطان : أردت ماذا ؟ . .

الوزير : قلت: هذه هي المرتبات الرسمية . . وبعد ذلك كل واحد وشطارته . .

السلطان : كل واحد وشطارته ليس معناها . . ومع ذلك الشطارة زادت كثيرا ! . .

الوزير : الكل اليوم يريد الحياة الممتعة .

السلطان: حقا . . إلا ابنتي المغفلة ! . . وأنت يا وزيري لا تريد أن تفكر في حل هذه المشكلة ! . .

الوزير : أنت تعرف يا مولاي طباع الأميرة . . ما من شيء يقف ضد إرادتها . .

السلطان : وهل من الصواب أن نلبي لها مثل هذه الإرادة الغريبة ؟ . .

الوزير : وماذا في يدنا يا مولاي ؟ . . لقد تمسكنا بموقفنا فازدادت هي تمسكا بموقفها ! . .

السلطان: في أي ليلة نحس ولدت هذه البنت ؟ . . الأعوام تمر وهي لا تريد أن تتزوج . . لقد تزوجت أختاها كما تتزوج بنات الملوك . . من خيرة الأمراء وأغنى السلاطين . . إلا هي . . لا يغريها مال ولا جاه . . ولست أدري ما الذي يغريها إذن في الحياة ؟ . .

الوزير : منذ الصغر والأميرة شمس النهار هكذا يا مولاي ! . . عجيبة فريدة من نوعها . . برعت في ركوب الخيل واللعب بالسيف وقراءة الكتب وإطالة التأمل والزهد فيما يعجب ويبهر . .

السلطان : كل هذا محتمل إلا إرادتها تلك. إلا ذلك الشرط الذي وضعته للزواج . .

الوزير : عندي فكرة يا مولاي ! . .

السلطان : أخيرا ! . . قل وأسرع ! . .

الوزير : نقبل الشرط . .

السلطان : أهذه هي الفكرة ! . .

الوزير : نقبل الشرط مع التعديل . .

السلطان : أي تعديل؟ إن الشرط هو أن يمر الناس كلهم تحت شباكها وهي تختار من بينهم بدون تمييز ! . .

الوزير : نلبي ذلك . . مع تحفظ بسيط : هو أن تسمح لنا بإجراء فرز مبدئي . . وبذلك نستعبد كل من ليس جديرا بها .

السلطان : أصبت . . نعم . . وربما استطعنا التحايل ، فدسسنا بعض الأمراء ، وحصرنا الاختيار فيهم . .

الوزير : هذا هو غرضي . .

السلطان : لا بأس بالفكرة . . فلنستدع إذن شمس النهار ونقنعها بهذا التحفظ البسيط . .

الوزير : البسيط جداً . .

( يتجه الوزير نحو الباب ويسر كلاما لإحدى الوصيفات، ثم يعود إلى السلطان )

الوزير : الأميرة آتية .. لكن .. هل يحسن بي أن أبقي ؟..

السلطان : بالطبع . . إن الفكرة فكرتك . . وعليك أنت أن تتولى عرضها. .

الوزير : أنا ؟ . . إني . .

السلطان : أتريد أن تتخلى عن عملك مرة أخرى . . إن فكرتك لن يكون لها قيمة إلا إذا اقتنعت هي بها . .

الوزير : أمرك يا مولاي ! . .

السلطان : ها هي ذي شمس النهار وقد أقبلت . .

شمس : ( ظاهرة من الباب ) طلبتني يا أبي ؟ . .

السلطان : نعم . . . هل أنت مصرة على شرطك ؟ . .

شمس : بالطبع مصرة . .

السلطان : ونحن قد قبلنا الشرط . . لكن . .

شمس : لكن ؟ . .

السلطان : لا .. لا شيء يذكر . . . إنما مجرد إجراء بسيط اقترحه الوزير . . تكلم يا وزيري ! . .

الوزير : ( يتنحنح ) الفكرة . . الموضوع . . هو مجرد . . إجراء بسيط . . بسيط . .

شمس : بسيط جدا؟ . .

الوزير : جدا . . مجرد شكليات . .

شمس : المهم تنفيذ الشرط . . . وبكل دقة . .

الوزير : سينفذ . . . سينفذ . . . وبكل دقة . . فقط . . مسألة دعوة جميع الأهالى . .

شمس : هذا لابد منه . .

الوزير : طبعا . . طبعا . . هذا لابد منه . . فقط . . منعا من مجيء كل من هب ودب . .

شمس : ما هذا الذي نقول أيها الوزير . . إني أريد بالفعل مجيء كل من هب ودب . .

الوزير : مفهوم . . مفهوم . . فقط تجنبنا للزحام تحت الشباك . .

شمس : وما الذي يضايقك أنت من الزحام ؟ . .

الوزير : لا . . لا شيء يضايقني أنا بالذات . . فقط . .

شمس : فقط ماذا ؟ ! . . ما الذي تريد أن تصل إليه بالضبط ؟ . .

الوزير : لا . . لا الإخلال بالشرط . . فقط . .

شمس : ما دام هذا هو القصد فلا داعي إلى الكلام إذن . .

الوزير : طبعا لا داعي مطلقا . . فقط . .

شمس : كفاية كلمة فقط . . في الموضوع، أرجوك ! . . إذا كان عندك كلام . .

السلطان : لها حق . .

الوزير : الموضوع باختصار ، أيتها الأميرة ، هو : إنه . . لابد من عملية تنظيم . .

شمس : تنظيم ؟ . . لماذا . .

الوزير : تنظيم للاختبار . . مجرد تنظيم . .

شمس : وكيف يكون هذا التنظيم ؟ . .

الوزير : الأمر بسيط جدا : نحدد المتقدمين بعدد معين وصفات معينة . .

شمس : ومن الذي يحدد ذلك ؟ . . أنت ؟ . . .

الوزير : إذا سمحت وفوضتني . . .

شمس : أفوضك؟ . . إذن أنت الذي سيختار لي الزوج! . .

الوزير : أنت صاحبة الاختيار في النهاية . . .

شمس : بعد أن تكون أنت قد حددت لي صفات زوجي! . .

الوزير : لا يا أميرتي . . . الصفات تحددينها حسب رغبتك . . وما علينا نحن إلا التنفيذ . .

شمس: ومن قال إني أستطيع تحديد هذه الصفات ؟ . . .

الوزير : لا تستطيعين تحديدها ؟ . .

شمس : لا أستطيع تحديدها مقدما . . . لأني لا أعرفها . . .

الوزير : لا تعرفين الصفات التي تريدينها في زوجك ؟ . .

شمس : لا . . . كل ما أعرف هي الصفات التي لا أريدها فيه . . .

الوزير : وما هي الصفات التي لا تريدينها فيه ؟ . .

شمس : لا أريده من الأمراء الكسالى الأغبياء . .

السلطان : حاذري يا شمس النهار أن يكون في كلامك تلميح مقصود! . . .

شمس : لا أقصد بكلامي أي تلميح . . ما دامت شقيقتاي راضيتين سعيدتين فلا شأن لأحد بهما . . إنما أنا أتكلم عن نفسي . .

الوزير : مغزى الكلام إذن أنك تريدين زوجا من الفقراء ؟ . .

شمس : قلت لك إني لم أحدد الصفات بعد . .

الوزير : وكيف ستختارين إذن ؟ . .

شمس : إني لم أختار إلا بعد أن أكتشف . .

الوزير : تكتشفين ؟ . .

شمس : ولهذا صممت وأصمم على أن يفتح الباب لجميع الناس على السواء . . سأقابل كل من يتقدم ليطلب يدي . . وأحاول أن أكتشف معدنه . . .

السلطان : وتقابلين كل الناس ؟ . .

شمس : نعم . . . وهنا في هذه القاعة . . . بحضورك يا أبي . . . وحضور الوزير . .

الوزير : المسألة أعقد مما كنا نظن . .

السلطان : حقا . . . كان الظن أنها ستنظر من خلف الشباك، وتختار من يعجبها من بين المارين . .

شمس : أختار من خلف الشباك ؟ . . أختار ماذا ؟ . . أختار أجساما ؟ . .

السلطان : إذن تريدين أن توجهي وتحادثي كل الناس ؟ . .

شمس : كل من يتقدم لطلبي . . .

السلطان : كل الناس سيتقدمون لطلبك . . . ما دام الباب مفتوحا على مصراعيه . . .

شمس : يجب أن تتاح الفرصة لكل الناس . . .

الوزير : ولكن هذا عمل مرهق لك أيتها الأميرة ! . . . تصوري أهل البلد كلهم . .

السلطان : الجاد منهم والهازل ! . .

شمس : لي شرط واحد صغير . . .

الوزير : وهو ؟ . . .

شمس : كل من يتقدم ويفشل يجلد ثلاث جلدات . . .

الوزير : شرط معقول لصد سبيل العابثين . . .

شمس : ولكي لا يتقدم إلا الواثق من نفسه . .

الوزير : هذا نوع من التأمين ضروري . . .

شمس : اتفقنا إذن . . .

الوزير : أمرك أيتها الأميرة . . .

السلطان : أمرها ؟ . . . إذن أنت معترف بفشلك أيها الوزير ! . .

الوزير : الواقع أني يا مولاي . . .

السلطان : الواقع أنك لم تستطع إقناعها . . . هذا ما كنت أتوقعه . . . من أول كلمة نطقت بها . . . لقد أضعنا الوقت سدى . . . والنتيجة هي النتيجة منذ شهور طوال . . اسمعي يا بنتي . . سأنزل على إرادتك . . . وأمري إلى الله . . كل ما قصدت إليه هو خيرك . . ، مصلحتك كلها أريدها وأنشدها . . . لكن . . ما دمت تصرين على رأيك فأنت وشأنك . . واعلمي أنك منذ الآن المسئولة وحدك عن مصيرك . .

شمس : وهذا هو كل ما أريد يا أبي . . أن أكون أنا وحدي الصانعة لمصيري . . .

السلطان : أصارحك . . أني غير مطمئن . .

شمس : أعرف ذلك . . .

السلطان : كنت تريد لك حياة رغدة مضمونة الرخاء والنعمة . . .

شمس : نعم . . . كذلك الحياة التي صنعتها لشقيقتي . . .

السلطان : سنرى ماذا ستصنعين أنت لنفسك ! . .

شمس : يكفي أن أصنعها بنفسي . . .

السلطان : نفذ لها طلبها أيها الوزير! . . .

الوزير : فورا . . . سأطلق المنادين في البلد ينادون : كل من يتقدم لطلب يدي الأميرة شمس النهار ويفشل يجلد ثلاث جلدات ! . . .

شمس : بل يجب أن ينادوا قبل ذلك : إن أهل البلد جميعا بغير تمييز لهم الحق أن يتقدموا ويطبلوا يد شمس النهار ! . . . (ستار)

 

 

 

المنظر الثاني

 

 

عين القاعة الكبرى في قصر السلطان نعمان . . . ولكن بها جنودا مصطفين والسلطان جالس في مقعده ، وعلى مقربة منه شمس النهار . بينما الوزير ينظر من شباك . . . .

الوزير : لا أحد . .

السلطان : في الأيام الأخيرة بدأ العدد فعلا يتناقص . . .

الوزير : اليوم لا أحد على الإطلاق . . . ما من ظل لأحد المارة يقترب من القصر . . .

السلطان : أين ذلك مما حدث في الأسبوع الأول . . عندما احتشد أهل البلد . . . كل يسابق الآخر . . .

الوزير : الآن الكل يهرب . . .

السلطان : نعم . . خوفا من الجلد . . .

الوزير : ( عائد من الشباك ) لا فائدة . . . لن يتقدم أحد اليوم . . .

السلطان : لا اليوم ولا غدا . . . ما دام أكثر رجال البلد قد جلدوا . .

الوزير : سقطوا في الامتحان ! . .

السلطان : كان من بينهم مع ذلك رجال لا بأس بهم ! . . .

الوزير : في نظرة الأميرة استحقوا صفرا . .

السلطان : إنك تتشددين يا شمس النهار ! . . .

شمس : أليست مسألة مصير ؟ . . .

السلطان : نعم . . . ولكن . . . خيل إلى أحيانا أنك لست جادة في الاختبار..

الوزير : يبدو أن هذا أيضا شعور الناس . . فقد بلغني أنهم أخذوا يتهامسون بأن الأميرة شمس النهار لا تنوي حقا الزواج . . وإنما هي تريد العبث بالرجال وجلدهم . .

السلطان : إذا كان هذا حقا هو غرضك فيحسن أن تصارحينا . . .

شمس : أهذا ظنك بي يا أبي ؟ . . . أتعرف عني شيئا غير الصراحة ؟ . .

السلطان : فعلا . . أنت صريحة . .

شمس : ثق أني لا أعبث ولا أتعنت ولا أخاتل ولا أماطل . . إنما أنا أبحث وأكتشف . .

السلطان : ولكنك لم تكتشفي شيئا بعد . .

شمس : هذا ليس في يدي . . .

السلطان : يظهر أن الأمر سيطول ! . . .

شمس : وسيحتاج إلى صبر . .

السلطان : صبري نفذ . .

( أحد الجنود يدخل ويسر كلاما في أذن الوزير )

الوزير : رجل بالباب يريد التقدم . .

السلطان : يتفضل طبعا . .

الوزير : ( للجندي ) أدخله ! . .

السلطان : ( لشمس النهار ) لعل وعسى ! . .

شمس : سنرى ! . .

الرجل : ( يدخل ) السلام عليكم يا مولانا السلطان ، ويا مولاتي الأميرة . .

السلطان : وعليك السلام . . .

الرجل : جئت من بلاد بعيدة ساعيا إلى المطلب الأسمى ، وهو يد الأميرة شمس النهار . .

السلطان : وهل تعرف ما ينتظرك ؟ . .

الرجل : أعرف . . . وأنا على استعداد . . .

السلطان : أواثق إلى هذا الحد من نفسك ؟ . .

الرجل : جدا . . .

السلطان : أمرك بين يدي الأميرة . .

الرجل : إني رهن إشارتها . . .

شمس : أريد منك شيئا واحدا : أن تخبرني ماذا أنت صانع بي إذا صرت زوجتك ؟ . . .

الرجل : سأجعلك سعيدة . . سألبي لك كل طلب . . ولو كان ما تطلبين في كبد طير الرخ لاقتنصته لك . . .

السلطان : أو تستطيع ؟ . .

الرجل : أستطيع . . وستعرفون أني أملك الكثير . . .

شمس : وماذا غير طير الرخ . . .

الرجل : سأعبدك . . . سأشيد لك قصرا . . . على سبعة أعمدة من المرجان . . . في جزيرة واق الواق . . .

شمس : واق الواق ؟ . . . أيضا ؟ . .

الرجل : إنها جزيرة أملكها بهذا الاسم . . فيها من الفاكهة ما تشتهيه الشفة وللسان ! . .

السلطان : هذا عظيم . . .

الوزير : عظيم جدا . .

شمس : وماذا أعمل في يومي ؟ . .

الرجل : تأمرين ونحن نطيع، وتطلبين ونحن نلبي . .

السلطان : ما شاء الله ! . .

الوزير : ما شاء الله! . .

شمس : فعلا ما شاء الله ! . . هذا جميل جدا ! . . . آمر فأطاع وأطلب فيلبي طلبي . . .

الرجل : مهما يكن الطلب . . . ذهبي كثير . . . وسيفرش كله تحت قدميك . . وسأجعل السعادة كالوسادة تحت رأسك . . والنعيم يهف عليك كمروحة من ريش النعام . .

شمس : يا سلام ! . . .

السلطان : حقا . . هذا رائع . . .

الوزير : رائع جدا . .

السلطان : والآن . . . ماذا هو قرارك ؟ . . .

شمس : اجلدوه ! . .

السلطان : ماذا تقولين ؟ . .

شمس : قلت اجلدوه ! . . .

الوزير : لا حول ولا قوة إلا بالله ! . .

السلطان : راجعي نفسك قليلا يا شمس النهار ! . . .

شمس : لا حاجة إلى ذلك . . . نفذ أيها الوزير ! . .

الوزير : ( ناظرا إلى السلطان ) تنفيذ ؟ . .

السلطان : أمرنا إلى الله ! . .

الوزير : ( للرجل ) تفضل . . . مع الأسف ! . .

الرجل : أقلت شيئا أستحق عليه الجلد ؟ . .

الوزير : أتسألني أنا ؟ . .

الرجل : لكن . . .

الوزير : أمتثل للحكم أرجوك . . . كان هذا هو الشرط . . . ( يسلمه إلى أحد الجنود فيخرج به. ويعود الوزير إلى قرب السلطان . . ).

السلطان : ( لابنته ) وآخرتها يا شمس النهار ؟ . .

شمس : وما ذنبي يا أبي ؟ . . أيعجبك هذا الطراز من الرجال ؟ . .

السلطان : ما هو عيبه ؟ . . رجل يعبدك ويريد أن يوفر لك السعادة . . . ويلبي لك كل طلب ! . .

شمس : أتريد أن أعيش في جزيرة واق الواق ؟ . .

السلطان : مادام سيبني لك فيها قصرا على أعمدة من المرجان ! . . .

شمس : أرجوك يا أبي . . لا تضحكني ! . .

السلطان : أهذا شيء يضحك ؟ . . هذا شيء يدعو إلى الفرح والفخر أن يتقدم إليك من يحيطك بكل هذا الترف والنعيم . .

شمس : ما من أحد يريد أن يفهمني . . .

السلطان : حقا . . . إني معترف بعجزي عن فهمك ! . .

شمس : إذن دعوني وشأني! . . .

السلطان : هذا ما وعدتك به . . . وأنا عند وعدي دائما . . . إنما هي بعض ملاحظات . . . أعرف أنها لن تقدم ولن تؤخر ! . .

الوزير : بماذا تأمر مولاتي الأميرة ؟ . . نحن لم نظفر بأي نتيجة . . . هل نستمر ؟ . . .

شمس : بالطبع نستمر . . مادام هناك من يتقدم ، فلا بد من استقباله. . . الباب مفتوح دائما . .

السلطان : أي باب ؟

شمس : باب الاجتهاد . . .

الوزير : وباب الجلد . .

شمس : ماذا تقول ؟ . . .

الوزير : أقول باب الاجتهاد . . . يجب أن يستمر مفتوحا أمام كل من . . .

السلطان : من يجازف . . .

( أحد الجنود يدخل ويسر كلاما في أذن الوزير . . . . . )

الوزير : مجازف آخر . .

السلطان : طبعا يدخل . . هو حظه ! . .

الوزير : ( للجندي ) أدخله ! . . .

السلطان : لعل . .

الوزير : وعسى . . .

الرجل الثاني : يدخل السلام على السلطان نعمان ، وعلى الأميرة شمس النهار . . .

السلطان : وعليك السلام ! . .

الرجل الثاني : جئت إليك مادا يدي بالدعاء ، سائلا أن تعطيني يد شمس من كبد السماء . . . وهو مطلب لو تعلمون عسير ! . .

السلطان : نعلم . .

الرجل الثاني : إني في انتظار ما تأمرون به . .

السلطان : الأميرة هي صاحبة الشأن . . .

الرجل الثاني : أمر الأميرة ؟ . . .

شمس : اسمع يا هذا . تريدني زوجة لك ؟

الرجل الثاني : هذا حلم العمر ومنية الفؤاد . .

شمس : أفرض إني صرت لك زوجة ، ماذا أنت صانع بي ؟ . .

الرجل الثاني : أضعك في عيني وأحميك بالرموش ! . .

شمس : أتظن عينك تتسع لي ، وتصلح لي مسكنا ؟ . . أنظر جيدا إلى . . إني لست حبة رمل أو تراب يمكن أن تستقر في عينيك ! . . .

الرجل الثاني : إنما أقصد . .

شمس : كلمني كلاما محددا . . . ماذا ستكون حياتي معك ؟ . .

الرجل الثاني : الحب . . سعادة الحب . . في عش جميل مريح . . لا هو بالباذخ ولا هو بالصغير . . لدينا ما يكفي لرغد العيش وأكثر . . . حقل واسع وحديقة غناء وجداول ماء . . . وبعض الخدم حولك موكلون بخدمتك وراحتك . . وستنجبين مني الشاطر حسن ، شعرة منه ذهب . . وست الحسن والجمال ، إذا ضحكت طلعت الشمس ، وإذا بكت هطل المطر . . .

السلطان : جميل ! . . .

الرجل الثاني : نعم يا مولاي . . حفيدك مني سيكون الشاطر حسن ، وحفيدتك ست الحسن والجمال! . .

السلطان : سامعة يا ابنتي ؟ . . .

شمس : هذا جميل جدا ! . . .

السلطان : أليس كذلك ؟ . . . هذا خير ما يتمناه جد! . .

شمس : ولكن . . كيف يمكن التأكد من ذلك ؟ . . .

الرجل الثاني : إن هذا مؤكد . . .

شمس : كيف تحكم من الآن ؟ ! . .

الرجل الثاني : رأيت ذلك في المنام . . . وأحلامي لا تخيب . .

شمس : سنرى . . .

السلطان : تصوروا أني سأكون جدا للشاطر حسن وست الحسن والجمال . . أليس هذا رائعا ؟

الوزير : منتهى الروعة يا مولاي ! . . .

الوزير : إذا ضحكت صفا الجو ، وإذا بكت غام وأمطر ! . . .

السلطان : نعم . . . نعم . . . يا لسعادتي بذلك ! . . . أنا الجد ! .

الوزير : وسعادة الأميرة الأم أيضا ! . .

السلطان : بدون شك . . . بدون شك ! . . . الآن يا ابنتي قرارك ؟ . .

شمس : اجلدوه ! . . .

السلطان : ماذا قلت ؟ . . .

الوزير : لم أسمع جيدا . .

شمس : قلت اجلدوه ! . سمعت الآن ؟ . . .

السلطان : لا فائدة . . . لا فائدة . . .

الوزير : نعم . . لا فائدة . . .

السلطان : قرارك هذا نهائي طبعا . . .

شمس : طبعا . . .

الوزير : ( للرجل الثاني ) تفضل ! . . .

الرجل الثاني : سأجلد ؟ ! . .

الوزير : ألم تسمع بأذنيك ؟ . .

الرجل الثاني : ( مستنجدا ) يا مولاي السلطان . . يا جد أولادي ! . .

الوزير : كيف رأيت في المنام أنك ستنجب ولم تر أنك ستجلد ؟ . .

شمس : قل له ! . .

الوزير : هيا بنا . . . لا تضيع وقتك وتقبل حظك ! . . . كان الله في عونك ، وعون أمثالك ، السابقين واللاحقين ! ( يسلمه لجندي يخرج به . . )

السلطان : حتى هذا الرجل مرفوض . . .

شمس : نعم . . .

السلطان : إنك تبالغين يا ابنتي أكثر من اللازم . . . حتى الأمومة لا تغريك ؟ . . . شمس : قبل أن أكون أما يجب أن أكون شيئا . . .

السلطان : هذا كلام لا أستطيع فهمه . . .

شمس : أعرف . . .

الوزير : ألا يحسن التفكير مرة أخرى في إقفال لهذا الباب . . . إن نتائج هذه الامتحانات أصبحت معروفة مقدما !. . .

السلطان: سبق أن قلت لك إنها ستقابل كل من يتقدم . . .

الوزير : المجنون من يتقدم بعد ذلك ! . .

( جندي يدخل ويسر كلاما في أذن الوزير . . . )

السلطان : يظهر أن . .

الوزير : نعم . . . هو بعينه . .

السلطان : من هو ؟ . .

الوزير : المجنون . . .

السلطان : يدخل طبعا . .

الوزير : طبعا . . ما دام لا يزال في البلد هواة للجلد ، فما الذي يهمنا ؟

الرجل الثالث : ( يدخل ) السلام عليكم جميعا ! . . .

السلطان : وعليك السلام !

الرجل الثالث : أين تلك التي تسمى شمس النهار ؟ . .

شمس : أنا . . بالطبع ! . . أتوجد امرأة أخرى غيري في هذه القاعة ؟ . .

الرجل الثالث : لابد من التأكد . .

شمس : الآن تأكدت ؟ ! . .

الرجل : إذن هذه أنت شمس النهار ؟ . . كنت أتصورك شيئا غير هذا !. . شمس : كيف كنت تتصورني ؟ . .

الرجل الثالث : شيئا آخر غير هذا والسلام ! . . ما علينا . . . المهم : هاأنذا قد جئت . . ماذا تريدون مني ؟ . . .

الوزير : عجيبة ! . . . أنحن قد دعوناك ؟ . . .

الرجل الثالث : ومن غيركم ؟ . . . هذا المنادي من أطلقه في البلد ؟ . .

السلطان : صدق . .

الرجل الثالث : كل من البلد بدون تمييز له الحق في التقدم ليد الأميرة شمس النهار . . . أليس هذا نص الإعلان ؟ بدون تمييز . . . هذه الكلمة أعجبتني . . . وأنت لنفسي : لماذا لا أستخدم حقي ؟ . . .

شمس : إذن أنت جئت لاستخدام حقك ليس إلا ؟ . . .

الرجل الثالث : بدون شك . . . تأخرت قليلا . . لأنه كان يجب أن أجمع ثمن هذا الرداء المناسب ! . .

السلطان : ( في سخرية مريرة ) ما شاء الله !

الوزير : ما شاء الله حقا! . . إذن حتى هذا الرداء البسيط لم تكن تملكه؟ . .

الرجل الثالث : إني لا أملك غير نفسي ! . . .

الوزير : تشرفنا ! . . .

السلطان : وتجرؤ أيها الرجل . . .

شمس : دعه يا أبي . . هذا ليس ذنبه . . لقد قلنا حقا بدون قيد أو تمييز . .

السلطان : وهذه هي النتيجة ! . . .

الرجل : نتيجة سارة ! . . .

السلطان : ( لابنته ) وما هو قرارك ؟ . .

الوزير : الجلد طبعا . . .

السلطان : طبعا . . .

الوزير : وفي هذه المرة عن جدارة واستحقاق .

شمس : أصبر حتى أناقشه ! . . .

السلطان : أسرعي إذن . . . لقد نفذ صبرنا . .

شمس : ( للرجل ) اسمع يا هذا ! . . .

الرجل الثالث : يا هذا ؟ ! . . . أولا أنا اسمي قمر الزمان ، ولك أن تناديني بيا قمر! . .

الوزير : شيء جميل جدا . .

السلطان : حقا ! . . .

شمس : هذا اسمك الحقيقي ؟ . .

الرجل الثالث : وأنت ؟ شمس النهار؟ . . هل هذا اسمك الحقيقي ؟ ما دمت أنت شمس النهار فأنا إذن قمر الزمان ! . . .

الوزير : أنسكت عليه ؟ . .

السلطان :الواقع أنه . .

شمس : لحظة واحدة أرجوكم . . اسمع يا قمر الزمان ! . . افرض أني أصبحت زوجة لك، ماذا ستصنع بي ؟ . .

قمر : ماذا سأصنع بك ؟ . . لن أصنع بك شيئا . . أنت التي تصنعين بنفسك ولنفسك . . . ماذا تحسنين؟ . . .

شمس : ماذا أحسن ؟ . . .

قمر : نعم . . ماذا تحسنين من الأعمال ؟ . . . هل تحسنين الطبخ مثلا ؟! . . .

شمس : الطبخ ؟ . .

قمر : تفصيل الثياب ؟ . . رتق الخروق ؟ . . إزالة البقع ؟ . . . خصف النعال ؟ . . . صنع السلاسل ؟ . . نشر الغسيل ، عجن العجين ، خبز الرغيف ، غرف الغريف ، تربية الدجاج ، مسح الزجاج ، ملء الجرار من الآبار وصبها في الأزيار ، وكنس الغبار ، وتخليل الخيار . . إلى آخر هذه الأشغال والأعمال . .

شمس : أنا ؟ . . بنت السلطان نعمان ؟ . .

قمر : ولكنك ستصبحين زوجة قمر الزمان ! . .

شمس : هذا إذن ما ينتظرني معك ؟ . .

قمر : على أحسن الفروض . .

شمس : أهناك ما هو أسوأ ؟ . . .

قمر : أحيانا . . فقد لا يوجد ثياب لتفصيلها ، ولا عجين لتعجينه ولا دجاج لتربيته ! . . . ولا حتى غبار لتكنسيه ! . . .

شمس : وفي مثل هذه الحالة كيف نعيش ! . .

قمر : لا أحب التنبؤ ! . .

شمس : وأنت ماذا تحسن في الحياة ؟ . .

قمر : لا شيء . . . وكل شيء . . .

شمس : لست أفهم ما تقول . . .

قمر : إذا عشت معي فإنك ستفهمين ؟ ! . .

شمس : وهل تتصور أني يمكن أن أعيش معك ؟ . . .

قمر : أتريدين الحقيقة ؟ . هم . . إني لم أتصور ذلك . ولا يمكن أن أتصوره ! . .

شمس : ولما جئت إذن وتقدمت؟..

قمر : استخدم حقي . . لم أستطع مقاومة هذا الإغراء . . أن أستخدم حقا لي .. ما دام دخولي في المباراة مباحا فلماذا لا أدخل ! . .

شمس : ولكنك عند الفشل ستجلد! . .

قمر : الجلد؟! . . هذا أبسط شيء!..

شمس : وإذا فرض ونجحت؟.

قمر : تكون كارثة !..

شمس : كارثة ! إذا نلتني تعتبر ذلك كارثة ..

قمر : مؤكد ..

الوزير : وقاحة هذا الرجل زادت .. اسمحي لنا بجلده يا مولاتي .. وفي الحال !..

شمس : انتظر !..

السلطان : ننتظر إلى متى يا ابنتي ؟ . . أهذا كلام نسمعه من مثل هذا الصعلوك ؟ . . .

شمس : لحظة أخرى . . اسمع يا قمر الزمان! . .

ألم يخطر لك أنك إذا فزت بي سأكون لك بمالى وجاهي؟..

قمر : وماذا تصنعين أنت بي عندئذ؟

شمس : هذا شأني ...

قمر : ولكنه شأني أيضا...

شمس : ستكون زوجي... ولن يطالبك أحد بأن تصنع شيئا..

قمر : إني لم أتعود أن أعيش دون أصنع شيئا..

شمس : ستصنع شيئا ... سندربك لتصبح يوما حاكما...

قمر : حاكما‍...‍‍‍‍‍‍

شمس : نعم . حاكما مثل أبي..

قمر : ومن قال إني أريد أن أكون مثل أبيك...

السلطان : هذا فوق الاحتمال...

الوزير : نخرسه في الحال ...

شمس : الصبر... الصبر... أرجوكم لماذا ياقمر الزمان لا تريد أن تكون حاكما مثل أبي؟..

قمر : إن أباك لم يكن في يوم ما محكوما..

شمس : بالطبع لا ...

قمر : الحاكم يجب أن يخرج من المحكوم..

الوزير : إن هذا الرجل خطر...

السلطان : حقا..

شمس : (لقمر) هذا إذن ينطبق عليك

قمر : لا ... المحكوم الجيد هو إلى يصنع الحاكم الجيد.. وأنا لم أتدرب بعد ولم أتكون التكوين الكافي للمحكوم الجيد..

شمس : قل لي.. أفهمني: ما الذي تريده بالضبط؟..

قمر : أنت التي تريدين؟... ما الذي تريدينه أنت مني بالضبط؟..

شمس : الحق أني معك لم أعرف لي راس من قدم...

الوزير : نجلده ونخلص..

شمس : مع مثل هذا لا أهمية للجلد..

السلطان : يجب أن ننتهي من هذا الموضوع..

شمس : يجب أولا أن أنتهي على موقف.. قل لي يا قمر الزمان.. لو فرض وصرت زوجتك الا تستطيع أن تصنع بي شيئا آخر غير العجين والخبيز والغريف..

قمر : لماذا تتحدثين دائما عمن يصنع بك شيئا.. لماذا لا تصنعين أنت شيئا بالآخرين؟..

شمس : ماذا تقول؟..

قمر : أريد أنا بدوري أن أسألك: لو فرض وتزوجتك فماذا أنت صانعة بي؟..

شمس : الواقع أنى..

قمر : إنك لم تفكري في ذلك.. ولكني أنا الآن أريد أن أعرف ماذا سيكون مصيري معك؟..

شمس : مصيرك معي؟.

قمر : أنا الآن لا أحسن شيئا.. حفنة من تراب ... ولكني في يد صانع جيد يمكن أن أصير إبريقا.. إنك لم يسبق لك أن وضعت يدك في التراب... حاولي... وربما استطعت أن تصنعيني...

شمس : أصنعك؟...

قمر : لم لا ؟.. حتى أنت يمكن أن تنجحي

شمس : حتى أنا.. هل أنا في نظرك...

قمر : نعم.. مع الأسف...

شمس : أنت مخطئ وسأتحداك

قمر : وأنا قبلت التحدي...

شمس : سأثبت لك أني أستطيع أن أصنع منك، لا مجرد إبريق.. بل شيئا أهم وأعظم..

قمر : ماهو؟.. بلاص؟ ... ماعون؟...

شمس :إنسان...

قمر : إنسان؟.. مني أنا؟.. أرجو لك التوفيق..

‍‍شمس : (للسلطان والوزير) إليكم قراري!.

الوزير : الجلد...

شمس : الزواج..

السلطان : ما هذا الهراء يا شمس النهار؟.. تتزوجين هذا المخلوق؟.

شمس : لقد نجح..

الوزير : سبحان الله!..

السلطان: تسمين هذه الوقاحة وهذه البجاحة نجاحا!..

شمس : نعم هذه الحفنة من الوقاحة والبجاحة سأصنع منها شيئا!..

السلطان : ولكن الثمن باهظ!..

الوزير : حقا يا مولاتي... نستطيع بغير مشقة أن نحصل لك على إنسان جاهز!..

قمر : المهم هو ما تصنعه هي بيدها..

شمس : هذا صحيح..

السلطان : أنا غير راض عن هذا الزواج..

شمس : لقد ارتضيت الشرط: بدون قيد أو تمييز..

السلطان : وافقت مضطرا..

شمس : لابد إذن من الوفاء بما التزمنا به...

السلطان : إنك تحطمين حياتك..

قمر : وربما كانت تبنيها!..

السلطان : اسكت يا صعلوك!...

الوزير : أخرس يا وغد...

قمر : (لشمس) أتعجبك هذه الإهانات للمادة التي ستصنعين منها تحفتك الرائعة؟...

شمس : أرجوكم!... أتركوه وشأنه!...

السلطان : تركناه وشأنه... وتركناك وشأنك.. أفعلى ما شئت.. أنا منك براء..

شمس : (لقمر) متى تريد عقد الزواج؟...

قمر : الزواج؟.... ومن قال لك إني أريد أن أتزوج؟...

شمس : عجبا.. أكنت تظن كل هذا مزاحا يا هذا؟..

قمر : ولكني ليس معي نقود...

شمس : نقرضك مؤقتا..

قمر : لا أحب الزواج بالدين..

شمس : وبعد؟.. إنك تضعني في موقف غريب!..

السلطان : إنه رغم كل شيء رجل صريح.. أيصح إرغامة على ما لا يريد؟...

الوزير : الموقف حلة بسيط: يجلد ويذهب إلى حال سبيله مثل الآخرين!...

شمس : ولماذا يجلد؟...

الوزير : يذهب بدون جلد...

شمس : ولكنه نجح ..

السلطان : إنه يرفض الجائزة...

شمس : إنها ليست جائزة... ولم أقدم نفسي جائزة.. إنما هو شرطي للزواج.. وهو الذي أخل بالشرط من ناحيته..

السلطان : وما الذي نستطيعه في هذه الحالة؟..

الوزير : (لقمر مهددا) اسمع يارجل.. تجلد أو تتزوج؟

شمس : ما هذا الحمق؟... سيقول لك الجلد!...

قمر : طبعا.. هذا لا يكلف درهما!...

شمس : تعال يا قمر!... لنتفاهم بالمنطق.. هل أنت مستعد للنزول على حكم المنطق؟...

قمر : مستعد...

شمس : أجبني إذن: الم تقل لي اصنعيني؟..

قمر : حصل..

شمس : لكي أصنعك ألا ينبغي أن تكون في متناول يدي؟..

قمر : ضروري.

شمس : كيف يمكن أن تكون في متناول يدي بدون أن أتزوجك؟..

قمر : اسمحي لي أرد عليك بالمنطق.. هل أنت مستعدة للنزول على حكم المنطق؟..

شمس : مستعدة..

قمر : ألم توافقي على أني حفنة من تراب؟..

شمس : حصل ..

قمر : لكي يصلح لك هذا التراب ألا ينبغي أن تصنعي منه إنسانا؟

شمس : ضروري.

قمر : كيف يمكنك إذن أن تتزوجي من الآن حفنة من تراب؟..

شمس : ما هذا الكلام؟..

قمر : المنطق..

السلطان : الواقع أنه يتكلم كلاما معقولا..

الوزير : معقول جدا... كيف يمكن الزواج من حفنة تراب.. قاذورات..

قمر : لا من فضلك.. تراب فقط..

شمس : إذن بالاختصار.. الموضوع كله قد أنهار...

قمر : لا .. فكرة الزواج فقط. مؤجلة إلى أن تصنعي مني إنسانا.. هذا إذا استطعت أن تنجحي!..

شمس : سأنجح...

قمر : إلى هذا الحد تتوسمين في الخير؟

شمس : بل أتوسم في نفسي المقدرة والإرادة...

قمر : هلمي إذن على بركة الله !..

شمس : إلى أين ؟..

قمر : إلى الحياة...

شمس : تريد مني أن أذهب معك؟..

قمر : بالطبع.. يجب أن تذهبي إلى حيث يوجد التراب...

شمس : كيف ذلك؟..

قمر : كيف كنت تتصورين الأمور إذن؟.. أن تجلسي في قصرك بين نعيمك وترفك، وتأمري فيحضروا إليك التراب لتلعبي فيه بأناملك؟...

شمس : معنى ذلك أني يجب أن أترك قصري، وأهيم معك في الخلاء..

قمر : الهواء الطلق...

شمس : الواقع أني...

قمر : فكري جيدا.. هذا هو السبيل. ولا سبيل سواه.

السلطان : أي سبيل هذا يارجل؟!.. تأخذ بنتا وتذهب بها هكذا بدون رباط شرعي؟..

الوزير : هذه هي الطامة الكبرى!...

السلطان : وأنت ياشمس؟؟. أتقبلين هذه المهانة؟. تقبلين رجلا غريبا؟...

الوزير : صعلوكا..

السلطان : يأتي وينتزعك من قصرك ويمضى بك دون أن يتزوجك؟

شمس : حقا.. هذا..

السلطان : هذا فظيع!.. أين كرامة المرأة فيك؟..

الوزير : وماذا سنقول للناس؟..

قمر : امرأة؟..

شمس : بالطبع.. الا ترى ذلك!...

قمر : أعترف أني لا أرى...

شمس : ما الذي تراه أمامك إذن؟...

قمر : المباراة.. الامتحان ... التحدي..

شمس : أنت حر في نظرك... ولكني في نظر الناس... لم أزل... امرأة؟..

قمر : أنا آسف... لقد أخطأت التقدير!..

شمس : وماذا كان تقديرك لوصف الرابطة بيننا.. بين رجل وامرأة يسيران معا في الحياة هكذا؟!..

قمر : قلت لك لم أفكر في اختلاف النوع بيننا!..

شمس : ظننت أنا رجلان.. أو امرأتان!...

قمر : رجلان.. على الأصح.. لأني لا أتصور نفسي امرأة!..

شمس : واستطعت أن تتصورني أنا رجلا؟..

قمر : أليس هذا أحسن؟..

شمس : ليس يهمني ذوقك!.. نحن الآن في الأوضاع التي يجب أن تواجهها.. أترى من المقبول أن تأخذني هكذا؟... قمر : الوضع الحقيقي للمسألة هو أنك أنت التي تأخذيني.. إلى حيث لا أدري... كي تصنعيني!... أنسيت ذلك!..

شمس : هذا لا يغير من الأمر شيئا.. في نظر الجميع أنا وأنت اثنان يسيران معا في الحياة بغير رباط مقبول.. أحدنا امرأة، والآخر رجل.. ولكن الرجل هو أنا... ما دمت ترى ذلك!...

قمر : ما دمت أنت الرجل فالمسألة حلت. لأن الآخر وهو أنا سيكون المرأة.. ومن المغفل الذي ينظر إلى ويقول عني امرأة؟..

شمس : يوجد مغفل آخر نظر إلى وقال إني رجل!...

قمر : لن يكون هذا المغفل وحده.. ثقي من ذلك!..

شمس : ماذا تعني؟..

قمر : لا تغضبي!... الفكرة الآن اختمرت في رأسي!..

شمس : أي فكرة؟..

قمر : أخبريني أولا... هل كنت تتصورين أننا سنسير معا، أنا هكذا وأنت هكذا، بشعرك وحليك، تجرين ذيل ثوبك!..

شمس : تقصد...

قمر : أقصد أنه لا بد أن ترتدي ثياب رجل...

شمس : ثياب رجل؟... نعم... حقا... ألبس ثياب رجل!...

قمر : هذا يسهل كل الأمور... أولا يقطع الألسنة... وثانيا يوفر على متاعب حراسة عفتك!...

شمس : حراسة عفتي... ممن !...

قمر : ليس مني طبعا ... من الآخرين...

شمس : عفتي يا هذا أنا التي أحرسها بنفسي... ويجب أن تعلم من الآن أني منذ الصغر وأنا أجيد الضرب بالسيف!...

قمر : السيف؟..

شمس : نعم.. وعند أي بادرة لغدر أو سوء أدب، فإن نصلي سيسبق لساني!..

قمر : أنعم وأكرم!... ويقال إنك أنت التي يخشى عليها من السير معي؟...

شمس : ليس هنا وجه المسألة...

قمر : مفهوم... كلام الناس !..

شمس : يجب إيجاد تبرير مقبول لعلاقتنا.. لمسلكنا ...

قمر : قولوا ... قولوا مثلا إنه قد عقدت بيننا الخطبة...

شمس : الخطبة؟... نعم ... هذا أضعف الإيمان.. ولكن لا بأس..

قمر : خطبة طويلة... تختبرين فيها هذا الرجل المجهول...

شمس : والذهاب معا؟.. ماذا تقول فيه؟...

قمر : قولي إنك أردت الخروج مع هذا الرجل في رحلة... رحلة في الخلاء... رحلة صيد لتمتحني شجاعته في قنص السباع والنمور..

شمس : هلا كلام يقنع... ما رأيك يا ابي؟...

السلطان : خروجك للصيد والقنص يجب أن يصحبك فيه الأتباع والجنود...

الوزير : ويعلن في البلد، وتدق له الطبول...

قمر : إذا كان كل من شئونك سيصحبه الطبل والزمر، فيحسن أن تجلسي في قصرك وتصرفي النظر عن الموضوع كله!...

شمس : اصرف النظر؟.. تريد الهرب من يدي!...

قمر : أنا لا أهرب أبدا... إني اعتدت مواجهة جميع المكاره!...

شمس : المكاره؟..

قمر : أنا رجل شجاع... أنا حقا لا أحمل مثلك سيفا... ولكني شجاع!... إذا كنت شجاعة حقا فأقدمي!... أقدمي مادمت مقتنعة بالفكرة!... أجعلى قصرك خلف ظهرك!... وسيري... سيري!...

شمس : نعم يجب أن أسير ....

السلطان : بنتي .. بنتي... لا تجعلى هذا الأفاق يخدعك بهذا الكلام...

شمس : سأذهب معه ....

السلطان : وتتركينني يا بنتي؟... تتركينني ياشمس النهار؟...

شمس : إنك يا أبي كنت تعرف أني سأتركك يوما...

السلطان : نعم... ولكن ليس على هذا لنحو.

شمس : هذا النحو هو الذي أرتضيه لنفسي!...

السلطان : بئس ما أرتضيت لنفسك!...

شمس : إنك يا أبي قد وعدتني أن تترك لي مصيري أصنعه بنفسي... تذكر وعدك!...

السلطان : نعم... ولكني ماكنت أظن الأمر بهذا السوء!...

شمس : انفض يدك عني إذن.. وأجعل كأني لا أنتمي إليك..

السلطان : أنت فعلا لا يمكن أن تنتمي إلي!...

شمس : دعني إذن أذهب يا أبي!...

السلطان : إذهبي!

الوزير : أتترك بنتك يا مولاي تذهب هكذا!..

السلطان : وما نستطيع أن نفعل؟..

الوزير : إذا كان لابد من ذهابها، فلا أقل من أن نرسل معها من يحميها من هذا المحتال!..

شمس : إني أرفض...

السلطان : ها هي ذي قد رفضت ... إن الفكرة هي أن يذهبا معا وحدهما!..

الوزير : يا لها من مصيبة!...

السلطان : إنها فعلا مصيبة نزلت على رأسنا ولا نستطيع لها دفعا..

الوزير : ويذهبان وحدهما إلى أين؟..

السلطان : أسألهما!...

الوزير : ما هي وجهة السفر يا مولاتي؟

شمس : لست أدري بعد...

الوزير : وأنت أيها المتشرد؟..

قمر : ولا أنا أدري...

الوزير : يا للعجب!... لا تعرفان أين تذهبان !... تهيمان هكذا: بلا وجهة ولاهدف؟

شمس : الهدف أولا هو أن نترك الآن هذا القصر... وبعد ذلك نكتشف طريقنا...

الوزير : مادمت يا مولاتي مصرة هذا الإصرار، فلا أقل من أن تحملي معك بعض المال يعينك على السفر...

قمر : إني أرفض...

الوزير : وأنت ما دخلك أيها السمج؟...

قمر : إني لا أخاطبك... إني أخاطبها هي.... الشرط هو أن نذهب معا مجردين... لا تحملي معك من قصرك هذا مالا ولا حليا ولأثيابا... حتى سيفك يجب أن يكون سيفا عاديا زهيدا... غير ثمين ولا مرصع يجب أن تكوني مجردة، كما أنا مجرد....

شمس : نعم....

قمر : حبذا لو أخذت سيف جندي بسيط كهذا الجندي، وارتيدت ثيابه؟...

شمس : فكرة!... أيها الوزير، أحضر لي ...(تشير إلى زي جندي من الجنود المصطفة... فينظر الوزير إلى السلطان)

الوزير : مولاي!...

السلطان : نفذ لها كل ما تريد!... ولتبتعد عني!...

الوزير : أمرك يا مولاتي!... (تخرج شمس وخلفها الوزير...)

السلطان : اسمع ياقمر الزمان!... لقد نفضت يدي من أمر بنتي وانتهى الأمر... فأنا أعرف إرادتها وقوة عزمها... ولا سبيل إلى الوقوف في وجه ما صممت عليه... إن أفكارها غريبة... وقد استعصى على فهمها... وقد أعيتني الحيل في أمرها.... فلتذهب حيث شاءت... ولكني رغم كل شيء أب... لذلك أرجوك أن تحرص عليها حرصك على أخت لك!...

قمر : اطمئن يا مولاي!...

السلطان : إني لا أعرف عنك شيئا.. وأصارحك أني ما كنت أختار لابنتي رجلا مثلك... وأني لست راضيا على الإطلاق عن كل هذا الذي حدث... ولا عن هذه الأوضاع التي لا يقبلها أحد.. ولكني على الرغم من كل ذلك أشعر بشيء داخل قلبي يجعلني أطمئن إليك...

قمر : كن دائما مطمئنا يا مولاي!... (تظهر شمس النهار في زي جندي بسيط حاملة سيفا عاديا.. خلفها الوزير....)

شمس : أنا على استعداد!....

قمر : قبلي والدك.

الوزير : (لقمر) وما شأنك أنت يا مجرد!... هل أنت فرد من الأسرة!...

قمر : أنا فرد مهذب!...

شمس : (تقبل والدها) لا تكن غاضبا على يا أبي!

السلطان : أذهبي عني!... إني خائف عليك!...

شمس : وداعا يا أبي!... هيا بنا يا قمر الزمان!...

قمر : نعم... هيا ولنبدأ من الصفر !.. (يتجهان نحو الذهاب...)

(ستار)

 

 

الفصل الثاني

 

 

في الخلاء على مقربة من نهر وأشجار ... قمر الزمان وشمس النهار جالسان في ظل شجرة....

شمس : (تدلك قدميها) آه....

قمر : تعبت أيها الجندي الهمام؟... يظهر أن قدميك الرقيقتين لم تتعود المشي في الطريق الوعر!.... أصابهما الورم فيما أرى....

شمس : اسكت أرجوك...

قمر : كان بودي أن أحملك بعض الطريق... لولا خوفي أن يلمحنا أحد ويقول: ما هذا الجندي المسلح الذي يحمل هكذا على الظهر، كالحمل الرضيع!...

شمس : سخرية سخيفة!....

قمر : جائز.....

شمس : بدلا من كلامك الفارغ اصنع شيئا مفيدا!...

قمر : مثل ؟....

شمس : الطعام ... ألا تشعر بالجوع؟...

قمر : وأنت؟...

شمس : أكاد أموت جوعا...

قمر : وماذا تنتظرين؟... قومي ابحثي عن شيء لتأكليه!

شمس : أنا التي أقوم وأبحث؟...

قمر : ومن غيرك؟....

شمس : أنت مثلا...

قمر : أنا أقوم وأبحث عن الطعام؟... العفو!... لقد تركت قصرك وراء ظهرك.. هناك كل شيء يقدم إليك وأنت جالسة في فراشك!... أما هنا فكل شيء يجب أن تصنعيه بنفسك!...

 

شمس : ولكني الآن متعبة...

قمر : وأنا مثلك متعب... أنسيت أنك رجل مثلي؟... بل وتمتازين عني بأنك جندي مدجج بالسلاح!؟...

شمس : (تنهض متحاملة) وهو كذلك...

قمر : (ينهض) أيضا سأبحث عن طعامي بنفسي... حتى لا أكون عالة عليك!...

شمس : ولماذا لا نتعاون؟... ونقسم العمل بيننا؟...

قمر : خير وبركة!...

شمس : إذن فلنبحث أولا ماذا يمكن أن يؤكل في هذا المكان؟...

قمر : لنبدأ قبل كل شيء باكتشاف ما حولنا...

شمس : (تنظر) ها هنا شجرة تفاح!

قمر : إذن سنأكل تفاحا...

شمس : وهاهو النهر فيه السمك...

قمر : إذن نتناول السمك في البداية ثم نحلي بالتفاح..

شمس : ومن الذي يقطف التفاح، ومن الذي يصطاد السمك؟..

قمر : ما هو العمل الأسهل؟...

شمس : جني التفاح طبعا... لأنه لن يكلف أكثر من هز الأغصان...

قمر : إذن أنا أجني التفاح!...

شمس : وتترك لي أنا العمل الأصعب؟...

قمر : تكريما لك...

شمس : تكريما لي؟...

قمر : بالطبع.. العمل الأصعب لا يقوم به إلا الإنسان الأعظم!...

شمس : ولماذا لا تكون أنت ذلك الإنسان الأعظم؟...

قمر : لأني لم أصل بعد إلى درجة إنسان!...

شمس : وماذا أنت إذن؟...

قمر : مجرد مادة... خامة... تراب... أنت التي ستصنعين منه إنسانا أنسيت مهمتك وتحديك؟...

شمس: حقا... حقا...

قمر : هيا إذن ... اشتغلي!... اشتغلي!...

شمس : أصيد السمك؟...

قمر : وها هو ذا النهر أمامك!...

شمس : وكيف اصطاد هذا السمك؟...

قمر : تصرفي !...

شمس : ليس معي سنارة ولا شبكة!...

قمر : معك سيف...

شمس : سيف؟ وهل يصطاد السمك بالسيف؟...

قمر : حاولي!...

شمس : كيف أحاول شيئا كهذا؟

قمر : وكيف حاول أجدادنا الأوائل اصطياد السمك بدون سنارات أو شبك؟...

شمس : كيف؟...

قمر : كانوا يتربصون بالسمكة وهي تمر، ثم يرشقونها بشيء حاد...

شمس : وهل أفلح هذا؟....

قمر : أفلح طبعا... لأنهم لم يموتوا جوعا!...

شمس : (تشرع سيفها) سأحاول!... (تتجه إلى النهر بسيفها)

قمر : (أمام الشجرة) لي تفاحة ولك تفاحة... لا ... هذا قليل... لك تفاحتان ... ولي تفاحتان... نعم... هذا معقول!... سأجني إذن اربع تفاحات.. لا أكثر ولا أقل... هز الأغصان طريقة مفسدة... فقد يتساقط أكثر مما نحتاج إليه... إذن لابد أن أجنيها واحدة واحدة... بكل حرص ودقة... هكذا.. هكذا... (يجمع تفاحات أربع من الأغصان المدلاة بكل عناية وحرص... وعندئذ يسمع صوت شمس النهار تصيح وتظهر حاملة سمكة كبيرة مغروزة في سيفها...)

شمس : قمر!.. قمر.. اصطدت سمكة!.. انظر!... انظر!... سمكة كبيرة!...

قمر : ألم أقل لك!

شمس : حقا.. حقا.. ما كنت أظن السيف يصنع هذا!...

قمر : كنت تظنين السيف فقط لقطع الرؤوس...

شمس : (تتأمل السمكة) هذا مدهش!...

قمر : كفاية التأمل في محاسنها!... عليك بعد ذلك تنظيفها... وإزالة القشر والزعايف... السيف يساعدك أيضا في ذلك.. هلمي!...

شمس : هذا عمل لم أقم به قط....

قمر : ستقومين به الآن!....

شمس : أحاول....

قمر : في هذه الأثناء أكون قد جمعت لك بعض الحطب... لتشعلى نارا... (يجمع بعض الأغصان الجافة من هنا وهناك.. بينما هي منهمكة في تنظيف السمكة...)

شمس : وهل إشعال النار في اختصاصي أيضا؟..

قمر : إنها كانت دائما من اختصاصك!...

شمس : أنا؟...

قمر : طبعا أنت... ألم تشعلى النار في القلوب؟...

شمس : في قلب من ... مثلا؟...

قمر : في قلوب الآخرين...

شمس : آه... الآخرين ؟...

قمر : (آتيا بالحطب) أظن هذا القدر من الحطب يكفي؟!.

شمس : لست أدري بعد...

قمر : (يجلس) إني على كل حال انتهيت من أعمالي.. على خير وجه ... ولي الحق الآن في الراحة.. آه.. ما ألذ الراحة بعد العمل!...

شمس : أتسمي ما قمت به أنت عملا؟!..

قمر : على قدر طاقتي...

شمس : الن أنتظر منك معاونة أخرى؟...

قمر : بالطبع...

شمس : متى؟...

قمر : عندما يحين موعد الأكل... سأعاونك في التهام الطعام!...

شمس : شكراً!...

قمر : أسرعي قليلا من فضلك.. أنا جعت...

شمس : انتهيت من تنظيف السمكة.. وبقيت مسألة النار...

قمر : الحطب أمامك!...

شمس : أعرف... لست عمياء ... ولكن النار... كيف أوقدها في الحطب؟...

قمر : ألم تسمعي بالنار التي تخرج من بين حجرين؟....

شمس : سمعت شيئا كهذا... ولكن....

قمر : ها هي الأحجار أمامك كثيرة!...

شمس : (ساخرة متبرمة) أنت مفيد جدا!...

قمر : على قدر علمي!...

شمس : العلم وحدة لا يكفي...

قمر : حولية إلى عمل !...

شمس : هذا ما أريد... ولن يجب أن تعاونني... أرني كيف يحدث هذا... أرجوك!...

قمر : (ناهضا) سأريك هذه المرة... ولكنه لن تتكرر! انظري جيدا!... (يأتي بحجرين ويقدح الشرر في الحطب) هكذا... عرفت الآن؟

شمس : نعم... نعم... يجب أن نمارس الأشياء بأيدينا لنعرف...

قمر : (وهو يعود فيجلس تحت الشجرة) والآن اطبخي!...

شمس : بالطبع السمكة ستكون مشوية!...

قمر : ومن قال لك إني انتظرها مقلية بالزيت، محاطة بالأرز والجنبري...

شمس : أردت فقط أن أنبهك... لأن طلباتك مني آخذه في الازدياد...

قمر : بالمناسبة... تنسيق المائدة من اختصاصك!...

شمس : المائدة؟!..

قمر : طبعا.. وما دام هناك طعام فهناك مائدة... ما دامت مائدة فلابد أن تكون منسقة... إني أحب العمل المتقن!... الإنسان الكامل هو الذي يصنع العمل الكامل...

شمس : وكيف تنسق المائدة هنا؟....

قمر : فكري!..

شمس : أريد أن أعرف تفكيرك أولا!

قمر : ألم يسبق لك أن رأيت مائدة منسقة ؟!..

شمس : أهذا سؤال يوجه إلى مثلي؟... طبعا رأيت...

قمر : في قصرك.. مفهوم ... كل الموائد منسقة.. ترينها منسقة جاهزة.. كل شيء يقدم إليك هناك جاهز... ولكن الحال هنا يختلف...

شمس : أعرف...

قمر : كنت ترين على موائدك هناك أزهاراً...

شمس : ضروري..

قمر : انظري إلى شط النهر... ما رأيك في هذه الأزهار البرية الجميلة؟!...

شمس : وهو كذلك... هل تستطيع أن تراقب السمكة قليلا إلى أن أعود؟...

قمر : أظنني أستطيع...

شمس : (وهي ذاهبة) إياك أن تحرقها!...

قمر : لا تخافي!...

شمس : (قرب الشط) الواقع أنها أزهار جميلة... بديعة الألوان حقا....

قمر : (صائحا بها) أقطعي على قدر الحاجة .. لا أكثر ولا أقل...

شمس : (عند الشط) لماذا تقول ذلك؟... الزهور هنا تملأ الشط...

قمر : أعرف أن الزهور تملأ الشط، بل تملأ الدنيا كلها ... لكن حاذري أن تأتي بزهرة واحدة لا لزوم لها!...

شمس : (تظهر حاملة الأزهار) انظر!....

قمر : (ناظرا إلى زهرة) هذه الزهرة مكررة .... ووجودها في الباقة يفسد التناسق... شمس : مسألة بسيطة... نلقي بها... (تطرحها على الأرض)...

قمر : تلقين؟!... إذن لقد قتلتها في غير شيء....

شمس : قتلتها؟!...

قمر : بالطبع... لقد كانت فوق عودها تستمتع بالشمس.. فجئت أنت وقطفت حياتها دون أن تؤدي أية رسالة...

شمس : رسالة؟!...

قمر : بدون شك... ألا تعلمين أن الأزهار تفرح بمنح حياتها لإمتاعنا وإسعادنا... وتفجع إذا ذهبت حياتها في غير شيء!...

شمس : تفجع؟!....

قمر : نعم... لأن هذا هو الموت...الموت الحقيقي... لأن كل ما يؤدي رسالته فهو حي!...

شمس : (تتناول الزهرة من الأرض) لن أدعها تموت.. ستعيش في صدري.. وحدها... (تضعها في صدرها)....

قمر : أحسنت صنعا... تعالى الآن واستلمي مطبخك!....

شمس : لحظة واحدة حتى أعد المائدة... جئت معي بهذه الأعشاب الخضراء لأفرشها هكذا... ثم ننثر الزهور في الوسط هكذا.... وفيما بينها يوصنع الطعام .... (تعد المائدة)

قمر : جميل جدا....

شمس : (قرب النار) والآن فلننظر ماذا تم.. رائحة الأكل شهية.. إنه قد نضج... أتشم؟...

قمر : (يشم)، الله!... أسرعي!... أسرعي!.

شمس : (تحمل السمكة على عودين من الحطب وتضعها فوق مائدة العشب) السفرة جاهزة... تفضل!...

قمر : (يقبل على الطعام وهو ينشد) سواء علينا قدموا أو تأخروا نوافي مع الطباخ ساعة يغرف... (يأكلان معا)

شمس : هه! ما رأيك؟...

قمر : تسلم يداك يا شمس النهار!... يخيل إلى أني لم أذق السمك قبل اليوم؟...

شمس : أتسخر؟...

قمر : بل أقولها من أعماق قلبي.. وحلقي!... إني أكاد ألتهم أصابعي...

شمس : وأنا أيضا... أتصدق - إذا قلت لك - إنها ألذ أكلة ذقتها في حياتي؟

قمر : أتعرفين لماذا؟...

شمس : لماذا!....

قمر : لأنك صنعتها بيديك.. ما نصنعه بيدنا هو جزء من حياتنا يتكشف لنا....

شمس : نعم ... أشياء كثيرة تتكشف لي الآن...

قمر : أنقدم صنف الحلو؟....

شمس : قطفت الفتاح؟...

قمر : طبعا... هناك تحت الشجرة...

شمس : (تذهب وتأتي به) أربع تفاحات فقط؟

قمر : ألا تكفي تفاحتان لكل منا؟...

شمس : ولماذا هذا التحديد؟.. انظر ... التفاح على الشجر غير محدود!...

قمر : أعرف.. ولكن المتعة محدودة...

شمس : أتظن أني لا استطيع أن آكل ثلاث تفاحات بمفردي؟...

قمر : ومن قال إنك لا تستطيعين.. هذا في إمكان أي شخص.. لكن ثقي أن أكثر اللذة في التفاحة الأولى... وبعضها في الثانية أما الثالثة فهي جسد بلا روح

شمس : بلا روح!...

قمر : الشراهة تقتل روح المتعة....

شمس : إني لست شرهة...

قمر : مسرفة... مبددة..

شمس : كل هذا من أجل تفاحة زيادة ؟!....

قمر : زيادة!... ها أنت ذي قد نطقت بها!... الزيادة معناها الإسراف... تبديد.. تبديد المتعة... وتبديد الطاقة... تبديد جزء من إنسانيتنا....

شمس : إنسانيتنا؟!....

قمر : بالطبع.. الإنسان الكامل، ككل شيء اكتمل.. لا يحتمل الزيادة ولا النقصان...

شمس : لا... اسمح لي... أنا متنازلة عن التفاحة الثانية.. سأكتفي بواحدة... مبسوط؟...

قمر : لا... الآن لا تستطيعين!...

شمس : حيرتني!... لماذا لا استطيع ؟... أليس من حقي أن أكتفي بتفاحة واحدة؟....

قمر : والثانية؟!... ماذا يكون مصيرها؟....

شمس : وما شأني أيضا بمصيرها؟...

قمر : والآن وقد قطفت لابد أن يكون لها فائدة...

شمس : كلها أنت!...

قمر : إنها من نصيبك أنت... أنت المسئولة عنها... احتفظي بها كما احتفظت بالزهرة.. وكليها في وجبة أخرى!...

شمس : فليكن.. استرحت الآن؟...

قمر : نعم...

(يقضمان في صمت.....)

شمس : أنت تتعب قليلا ياصديقي!... ألا ترى ذلك؟...

قمر : فعلا أنا متعب....

شمس : لنفسك... وللآخرين...

قمر : وخصوصا للآخرين.. ليس من السهل على كل الناس كبح جماح رباتهم المفرطة...

شمس : وما الضرر في الرغبات المفرطة؟...

قمر : ألا ترين الضرر؟... إنها طاقات مبددة يجب الاحتفاظ بها لما هو أنفع...

شمس : وما شأنك أنت بالناس وطاقتهم؟!....

قمر : أنا جزء منهم...

شمس : كيف يمكن أن يكون هذا الشعور بأنك جزء من ناس لا تعرفهم؟...

قمر : (يحرك أصبعة) هذه الأصبع... لا تعرف بقية اليد... ولكنها تتألم بألمها... هذا شيء طبيعي...

شمس : ولكني أنا...

قمر : أنت أصبع مخدرة.. داخل قفاز حريري.. مخدرة بما حولها من خواتم الذهب والماس والفيروز...

شمس : إني الآن لست مخدرة!...

قمر : ستشعرين إذن!...

شمس : إني أشعر اليوم حقا أني.. سعيدة!... وأنت يا قمر؟...

قمر : دعك مني أنا أخبريني أنت...ما الذي يسعدك...

شمس : يسعدني أني.. أن كل هذا الذي أراه حولي شيء جميل وجديد... كأني أرى الماء والشجر لأول مرة... كل شيء الآن له معنى آخر....

قمر : (يستند إلى جذع الشجرة) تكلمي!....

شمس : ماذا تصنع؟.. تستعد للنوم؟...

قمر : لا... لا... أريح ظهري فقط.. بعد هذه الأكلة الشهية... تكلمي ... تكلمي!...

شمس : ماذا كنت أقول؟..

قمر : كنت تقولين... آه... كنت تقولين إن الماء والشجر... كنت تقولين شيئا عن الماء والشجر...

شمس : كنت إذن شارد الذهن...

قمر : لا...لا... فقط لم أسمع جيدا بقية الكلام...

شمس : كنت أقول إن كل شيء من حولي الآن له معنى جديد...

قمر : (وهو يغالب النعاس) أكيد...

شمس : (مستأنفة) بدون شك... تلك الحياة على نفس الوتيرة.. في نفس الإطار ... لا أرى ولا أعرف إلا ما يقدمونه لي... مغلفا بالترف... إنها الحياة تقدم لي جاهزة على مائدة من الذهب ... أسامع؟!....

قمر : (من خلال النوم) نعم...

شمس : (مستمرة) كان يخالجني دائما الشعور بتفاهة مثل تلك الحياة لأنها عقيمة.. كاذبة... لا تتيح لنا أن نكتشف شيئا...وهي فعلا كما تقول ياقمر: مخدرة لمشاعرنا العميقة... ومداركنا... وقدرتنا ... اليس هذا قصدك؟.... قمر!...

قمر : (مستيقظا) نعم... نعم.... فعلا.

شمس : لا تنم أرجوك!... إني الآن أتكلم كلاما مهما جدا...

قمر : أعرف...

شمس : ومع ذلك أنت الذي قلت منذ قليل هذه الكلمة المهمة... إنها حقا مهمة.. أتعرف ما هي؟...

قمر : ما هي؟..

شمس : إن كل جزء من حياتنا يجب أن نصنعه نحن بأيدينا... أما الحياة التي تقدم لنا جاهزة فإننا لا يمكن أن نفهمها أو نغير منها شيئا.. إننا نقبلها بكسل ... وبعيون مغمضة...

قمر : (مغمض العينين تماما)؟...

شمس : (تنظر إليه) لقد أغمضت عينيك ونمت.. وتركتني أتكلم في الهواء ... أسامع؟... قمر؟...

قمر : نعم... تكلمي!...

شمس : لا...لا فائدة من الكلام مع شخص مثلك!...

قمر : ألا تستريحين؟... نامي!... نامي قليلا... وارجئي الكلام إلى ...الوقت المناسب!...

شمس : لا رغبة لي في النوم الآن.. لقد تيقظت في نفسي الرغبة في هذا الكلام المهم.. لكن مع الأسف.. عندما أجد الكلام المفيد أجد في ينام من حولي!...

قمر : (يغط في النوم)!...

شمس : غطيط منغم.. موسيقى!...

قمر : (يستيقظ فجأة) موسيقى؟ أين؟...

شمس : نم مرة أخرى وأنت تسمعها...

قمر : إني حقا سمعت غناء عذبا...

شمس : لا... أرجوك... ليس عذبا على الإطلاق... ربما كان كلامك أحيانا عذبا... لكن غطيطك....

قمر : غطيطي؟... إني لا أغط في النوم أبدا...

شمس :أبدا؟...

قمر : أبدا... وهذه مزية من مزاياي...

شمس : سبحان الله !... (يسمع صهيل خيل عن بعد....)

قمر : ما هذا؟...

شمس : صهيل خيل فيما أعتقد!....

قمر : أخشي أن يكون أحد جاء في طلبنا... حتى نرى من القادم فلنختبيء خلف هذا الأشجار!.... أسرعي ! اسرعي!.... (يسرعان بالاختفاء خلف الشجر... وعندئذ يظهر رجلان.. يحمل أحدهما صرة... هما الملاحظ ومساعدة...)

الملاحظ : (لمساعدة) أظن هذا المكان يناسبنا...

المساعد : وهذه الشجرة تصلح...

الملاحظ : نعم... شجرة تفاح... هي الوحيدة هنا... وبذلك لا يمكن أن نضل أو نخطيء...

المساعد : نحفر تحتها إذن ونخفي الصرة...

الملاحظ : نعم.. وأسرع!

المساعد : (مترددا) ألا يحسن أن نقتسم الآن...

الملاحظ : الآن مستحيل!... ربما يكون قد خرج في أثرنا بعض جنود الأمير..

المساعد : لم يرنا أحد ونحن خارجان من المدينة...

الملاحظ : من يدريك؟!...

المساعد : لم أشتبه في شيء مريب...

الملاحظ :الحساد كثيرون... وكل واحد واقف للآخر بالمرصاد...

المساعد : صحيح... ويكفي بلاغ واحد في حقنا...

الملاحظ : لذلك يجب أ لا تطول غيبتنا، حتى لا نثير الشبهات... وبعدها نعود لنجري الحساب على مهل... هيا أسرع أسرع!... (المساعد يأخذ في الحفر تحت الشجرة... بينما قمر وشمس يراقبان من مخبئهما....)

شمس : (هامسة لقمر) أهما لصان ؟!..

قمر : (هامسا لها) يبدو ذلك...

شمس : ونحن؟... أنسكت؟!...

قمر : لا... لا يحسن بنا السكوت...

شمس : وماذا نعمل؟...

قمر : أسمعي أنت في ثياب جندي.. أظهري وأرفعي سيفك... وأنا خلفك...

شمس : (تظهر فجأة بالسيف) اضبط...

الملاحظ : الجنود!...

قمر : (صائحا) لا تتحركا!... جنود الأمير خلفنا...

الملاحظ : نحن لم نفعل شيئا...

المساعد : نحن أبرياء...

قمر : وهذه الصرة؟...

الملاحظ : أموالنا الخاصة....

قمر : ولماذا تخبئونها هكذا...

الملاحظ : نحن أحرار.. نخبئها حيث شئنا...

قمر : ومن أين لكم هذه الأموال؟...

الملاحظ : من مرتباتنا...

المساعد : نعم ... من كدنا وعرقنا...

قمر : وما هي أعمالكم!... (للملاحظ) ماذا تعمل أنت؟...

الملاحظ : أنا ملاحظ الخزانة...

قمر : خزانة الأمير؟...

الملاحظ : نعم...

قمر : (للمساعد) وأنت؟...

المساعد : مساعده...

قمر : عظيم جدا... ملاحظ الخزانة ومساعدة سرقا الخزانة...

الملاحظ : لسانك يارجل!... نحن لسنا لصوصا!... حاشا لله ! قلنا لك هذه أموالنا من مرتباتنا...

المساعد : ومن إدخارنا طول حياتنا....

شمس : هذه الصرة فيها من الذهب فيما يبدو ما يكفي مدينة!...

قمر : لابد أن تكون مرتباتكم في هذه المدينة مثل مرتب الأمير!...

الملاحظ : وما شأنك أنت آيها الرجل؟! وبأي حق تناقشنا؟!...

قمر : فعلا ليس لنا هذا الحق... كل ما لنا أن نفعل هو أن نسلمكم إلى أميركم وهو يتولى أمركم!...

الملاحظ : تسلمنا!...

قمر : ومعكم الصرة!...

الملاحظ : اسمعوا!.. إليكم ما هو أنفع لكم... دعونا نخبيء الصرة واستروا علينا... ونحن نشرككم فيها بنصيب...

شمس : نصيب؟!..

الملاحظ : نعم... لكم فيه الربع... ما قولكم؟!...

قمر : الربع؟....

الملاحظ : نعم الربع... لك أنت وهذا الجندي الذي معك...

قمر : ما هذا الكلام أيها الملاحظ؟...

الملاحظ : أتستقل الربع؟...

المساعد: دون أن يفعلوا شيئا...

الملاحظ : لمجرد التستر...! الربع!... ربع الصرة...

شمس : ما هذا الذي يقولونه؟....

قمر : كيف تجرؤون على هذا القول؟...

الملاحظ : إذن فليكن الثلث...

قمر : أي ثلث يار رجل؟!...

الملاحظ : لا... أكثر من هذا هو الطمع بعينة...

المساعد : وما الذي يبقي لنا ونحن الذين تعبنا فيه...

الملاحظ : هذا منا منتهى السخاء!...

شمس : أيخطر في بالك أننا نقبل مالا مسروقا؟...

الملاحظ : إنه ليس بمال مسروق...

قمر : دعكم من حكاية المرتبات والمدخرات... أخبرونا عن مصدر هذا لمال أولا...

الملاحظ : تريدون الحقيقة؟...

شمس : نعم... نريد الحقيقة بكل صراحة...

الملاحظ : بكل صراحة هذه أرباح تجارة استوردناها وبيعت في المدينة...

قمر : وثمن هذه التجارة المستوردة؟.

الملاحظ : اقترضناه..

قمر : من خزانة الأمير طبعا!...

الملاحظ : طبعا...

قمر : بعلمه؟...

الملاحظ : بعلم الله..

قمر : ما شاء الله!...

المساعد : وما في ذلك؟...

قمر : لا شيء... ما دام الأمير لا يعلم بهذا القرض من خزانته... والله وحده هو العالم... فإن الله عز وجل يسمى هذه القروض باسم آخر هو: اختلاسات!...

الملاحظ : وما أهمية اختلاف الأسماء؟...

المساعد : حقا... مجرد اختلاف أسماء!... ماذا في ذلك؟...

قمر : لا شيء!... قرض... اختلاس... كله واد...

الملاحظ : أتريد الحقيقة؟... نحن لسنا وحدنا.

قمر : أيوجد مثلكم كثير؟...

الملاحظ : المدينة كلها؟...

شمس : كيف ذلك؟...

المساعد : هذا هو الحاصل...

الملاحظ : قروض.. اختلاسات رشاوي.. كله واحد...

المساعد : نعم.. كله واحد...

الملاحظ : كل واحد يده في جيب الآخر.. جيبك في يدي... ويدي في جيبك.. وجيوبنا كلها في يد الأمير... وجيب الأمير في أيدينا.. والحركة ماشية!...

قمر : الحركة ماشية؟..

الملاحظ : لابد من التحايل على المعيشة..

شمس : لكن لابد أن تكون هناك قيم...

قمر : قيم ومثل...

الملاحظ : ما معنى ذلك؟...

شمس : ما هدف الناس؟... ما إيمانهم!...

الملاحظ : المعيشة... رغد المعيشة... الترف...التنعم...

شمس : ولكن هذا فقط لا يصنع إنسانا!...

الملاحظ : لست أفهم ما يقول هذا الجندي!...

المساعد : ولا أنا...

الملاحظ : خلاصة الكلام؟... اتفقنا؟...

شمس : وما اسم أميركم هذا؟...

الملاحظ : الأمير حمدان..

قمر : أعرف بلده...

الملاحظ : خلصونا قبل أن يأتي أحد...

قمر : ما قولكم في أن نذهب كلنا معا إلى المدينة ... ونعيد الصرة إلى الخزانة... ولكم منا عهد الله وميثاقه أن نكتم ما حصل، ونستر عليكم هذه الزلة مدى العمر؟...

الملاحظ : نعيد الصرة إلى الخزانة؟...

شمس : ولا من رأى ولا من سمع!....

المساعد : وتعبنا يذهب في الهواء؟....

الملاحظ : (لمساعده) لاتصدقهم! نحن وقعنا في ايدي لئام.. إنهم يساومون..

المساعد : وماذا ندفع لهم أكثر من ذلك؟.

الملاحظ : أسألهم... ماذا يرضيهم!...

المساعد : كم يرضيكم؟....

قمر : أتريد أن تعرف ما الذي يرضينا؟.

المساعد : نعم... بكل صراحة...

قمر : نعم... صراحة: تسليمكم للعدالة...

الملاحظ : (للمساعد) ارأيت اللؤم؟...

المساعد : وإذا تركنا لكم نصف الصرة؟...

شمس : ولا حتى الصرة كهلا...

الملاحظ : لم يبق إلا إن يجردونا من ثيبابنا...

شمس : ولا حتى هذا...

الملاحظ : إذن ما هي طلباتكم بالضبط؟...

قمر : سبق أن قلنا لكم: رد المال إلى الخزانة... وإذا رفضتم سلمناكم أنتم والصرة إلى العدالة...

الملاحظ : وما حظكم أنتم من ذلك؟...

شمس : لا شيء...

الملاحظ : دعكم من هذا الهراء... لابد أنكم تطمعون في ما هو أكثر...

المساعد : لعلهم يطمعون في مكافأة الأمير...

الملاحظ : إذن خاب أملهم... كل ما يمكن أن يصنع لكم الأمير هو أن ينفح كلا منكما مائة دينار..

المساعد : في حين أن نصيبهما في الصرة أكثر من ألف لكل منهما...

شمس : نحن لانطمع في مال.

الملاحظ : إذن ما هي المصلحة؟....

قمر : ليس لنا مصلحة...

الملاحظ : أهذا يدخل العقل؟... تريدون رد الصرة إلى الخزانة، دون أن يكون لكم من وراء ذلك مصلحة؟...

قمر : تستطيع أن تقول إن لنا هدفا...

الملاحظ : ما هو؟...

قمر : الواجب...

الملاحظ : ماذا؟... الواجب؟... ومن كلفكم بهذا الواجب؟....

شمس : لا أحد...

المساعد : ما هذا الذي نسمع به؟...

الملاحظ : حقا هذا شيء عجيب!....

قمر : هذا شيء طبيعي...

الملاحظ : اسمعوا من فضلكم.. كلمونا كلاما يفهم.. ما دام لم يكلفكم أحد برد الصرة ولا بتسليمنا... فما الداعي إلى التبرع بعمل لن يعود عليكم بأي فائدة... بل على العكس... سيحرمكم من منفعه لا شك فيها، ومغنم يغنيكم العمر!...

المساعد : وليس فيه عليهم غرم ولا ضرر... فالمال موجود جاهز.. ولم يتعرضوا هم لمخاطر جمعه...

الملاحظ : وسيأخذونه الآن ويمضون دون رقيب لا حسيب...

المساعد : ولا من رأي ولا من سمع!...

الملاحظ : هذا هو الرأي المعقول والكلام المفهوم...

الملاحظ : ماذا تصنعون؟!... الا تعرفون ماتصنعون به؟....

قمر : لن يكون له طعم عندنا... لأننا لم نحصل عليه بكدنا...

المساعد : لن يكون له طعم؟...

الملاحظ : اسمع وتعجب!...

قمر : وأنتم؟... أتجدون لمثل هذا المال طعما؟....

الملاحظ : أهذا سؤال يسأل...

شمس : بالطبع لم تسألوا أنفسكم من قبل مثل هذا السؤال!...

الملاحظ : طبعا لا.. لأننا لسنا مجانين!...

المساعد : طعم النقود؟... أهذا كلام يناقش فيه...؟

الملاحظ : يظهر أننا وقعنا في ايدي مخلوقات.. الله أعلم بها...

المساعد : ما دام طعم هذا المال لا يعجبكم فاتركون لنا... إنه يعجبنا نحن...

الملاحظ : هذا هو الكلام المعقول!...

قمر : نترك لكم مالا اختلستموه... بعد أن عرفنا الجريمة؟...

الملاحظ : وما شأنكم أنتم...

شمس‎‎ : لا يمكن أن نتستر على جريمة ...

الملاحظ : ومن الذي طالبكم أنتم بفضحها؟...

شمس : الواجب..

المساعد : عدنا إلى هذا الشيء الملعون!..

الملاحظ : وهذا الواجب ما وزنه؟... عشرة قراريط؟... عشرون قيراطا؟... كم يساوي في السوق؟!...

شمس : ليس في سوق أمثالكم!...

الملاحظ : أريد أن أعرف ثمن هذا الشيء الذي تضحون من أجله بكل هذه الأموال!...

شمس : إنه لا يقدر بثمن!...

الملاحظ : كل شيء وله ثمنة!...

شمس : إنه من الأشياء التي لا تعرض للبيع...

الملاحظ : أدخلوا لي هذا الكلام في عقلي ياناس!... صرة ذهب... وصعلوكان... ولا يقم بيننا التفاهم؟...

قمر : ليس لديكم العملة التي نتفاهم بها!...

المساعد : (مشيرا إلى الصرة) أكل هذه اليست عملة؟...

قمر : نحن لا نتعامل إلا بالجواهر!...

الملاحظ : الجواهر!.. آه.. قولوا هذا ...الآن فهمنا!..

شمس : لا أنت لم تفهم...

الملاحظ : كيف لم أفهم؟.... الجواهر شيء مفهوم!... مثلي لا يفهم ما هي الجواهر؟!...

شمس‎‎ : ليست الجواهر التي يتحلى بها من الخارج!...

الملاحظ : ماذا تقول؟...

شمس : الجواهر التي نحملها في الداخل!...

الملاحظ : في الداخل؟!...

المساعد : أيوجد جواهر تلبس من الداخل؟...

الملاحظ : اسألهم يا أخي!...

المساعد : هذا شيء لم يسمع به أحد...

الملاحظ : وما فائدة هذه الجواهر التي تلبس من الداخل ولا يراها أحد؟...

شمس : يراها صاحبها وتضيء نفسه...

الملاحظ : فقط؟..

شمس : ويراها المقدرون لها، وتضيء نفوسهم!...

المساعد : كل هذا من الداخل؟..

شمس : نعم...

الملاحظ : إني أريد شراء جوهرة من هذه الجواهر!..

قمر : كم تدفع فيها؟...

الملاحظ : قل لي أنت كم!...

قمر : هذه الصرة بأكملها!...

المساعد : بأكملها؟..

قمر : نعم... بأكملها...

الملاحظ : (للمساعد) ما رأيك؟... قد يكون قدرها أعظم... ونتخلص من هذه الصرة الثقيلة التي تفضحنا... ونحمل شيئا خف وزنه وغلا ثمنة..

المساعد : فكرة ونبيعها بثمن أكبر!...

الملاحظ : (لقمر) قبلنا...

قمر : مبروك!... على خيرة الله!..ز هاتوا الصرة...

الملاحظ : والجوهرة؟...

قمر : سآخذ الصرة أولا وأردها إلى بيت المال...

الملاحظ : تردها إلى بيت المال؟..

قمر : طبعا... أنا حر...

الملاحظ : نعم... حر تفعل بالمال ما تشاء... ترده أو تحفظه... لكن الجوهرة...

قمر : بمجرد أن تستقر هذه الأموال في مكانها من بيت المال ستجدون الجوهرة... الملاحظ : أين؟...

قمر : في صدوركم....

المساعد : ومن الذي سيضعها ؟...

قمر : لا أحد سيضعها..

شمس : إنها موجودة فعلا في داخلكم...

الملاحظ : في داخلنا؟....

شمس : ولكن الصدأ والقذر والغبار متراكم عليها... فهي كبيرة خابية لا تضئ....

قمر : وما أن تردوا هذا المال إلى مكانه، حتى تشعروا بالضوء قد شع في داخلكم!....

الملاحظ : (لمساعدة) أيعجبك هذا؟...

المساعد : الوقت ضاع مع هؤلاء المجانين!...

الملاحظ : والعمل الآن؟....

المساعد : ماذا في يدنا عمله؟...

الملاحظ : (لقمر وشمس) وأخيرا؟... الا توجد طريقة للتفاهم كما يتفاهم خلق الله؟....

قمر : قلنا لكم عن الطريقة برد الصرة إلى الخزانة...

الملاحظ : غير هذه ....

شمس : لا يوجد غير هذه....

الملاحظ : لابد أنكم تجدون متعة في إحداث الضرر بنا...

شمس : نحن فعلا نجد متعة... ولكن ليس في إحداث الضرر بكم ولا بأحد....

الملاحظ : المتعة في ماذا إذن؟...

قمر : في أداء الواجب....

شمس : في العدالة....

قمر : في وضع كل شيء في محله...

الملاحظ : عجبا وأي عجب أن تجدوا أنتم المتعة في مثل هذه الأشياء ؟!...

المساعد : لسوء طالعنا وحظنا الأسود!....

الملاحظ : اصطبحنا بوجه من اليوم ياربي؟...

المساعد : هذا والله رأيته في منامي البارحة؟...

الملاحظ : ماذا رايت؟....

المساعد : رأيتني أحمل فوق رأسي طبق أرز بلبن، وإذا بصقر وحداة قد هبطا وأطاحا بالطبق، وطارا... فللاهما أكلا منه ولا هما تركانا نأكل...

قمر : صقر وحدأة؟...

المساعد : أي والله!...

الملاحظ : ها هو حلمك صدق!...

المساعد : حلمي لا يقع في الأرض!...

الملاحظ : الذي وقع في الأرض أنا وأنت !...

شمس : مادام الحلم صدق إلى هذا الحد...

قمر : وصرة ...الأرز واللبن..

الملاحظ : (لمساعدة) لعنة الله عليك وعلى حلمك!...

المساعد : وأنا ما ذنبي؟...

الملاحظ : أما كان في إمكانك أن تهش عن رأسك الصقر والحدأة؟...

المساعد : (يشير إلى قمر وشمس) ها هما أمامك، هش أنت كما تريد!...

الملاحظ : هذان مدججان بالسلاح...

قمر : هيا... هيا... إذا لم تستمعا إلى صوت الضمير، فاستمعا على الأقل إلى صوت العقل!...

الملاحظ : ما دام لا فائدة.. أمرنا إلى الله.. إليكم الصرة واتركونا نذهب إلى حال سبيلنا...

قمر : نحن نطمع في أكثر من ذلك...

المساعد : ماذا أيضاً؟...

شمس : أن تذهبا معنا إلى الأمير...

الملاحظ : ليقطع رأسنا؟....

شمس : لتعترفا بالذنب وتطلبا الصفح، وتقسما على الاستقامة!

الملاحظ : أما هذا فمستحيل....

المساعد : نذهب إلى الموت برجلينا؟....

شمس : سندافع عنكما...

المساعد : تدافعون عنا...

الملاحظ : أنتم؟ ... ننتظر منكم خيرا بعد الذي حدث منكم؟!

قمر : ثقا أننا سنظفر لكما بالبراءة...

الملاحظ : ومن يضمن لنا؟...

قمر : لا أحد يضمن الحياة أو الموت!...

المساعد : أدخلتم في قلبنا الاطمئنان!

شمس : لا إنقاذ لكما إلا بشيء واحد...

الملاحظ : ما هو؟...

شمس : إخلاص النية والطوية؟ ثم مواجهة المصير بشجاعة!....

الملاحظ : (لمساعدة) سامع الدرر؟...

المساعد : الجواهر!...

الملاحظ : من الداخل!

شمس : نعم... هذا وقتها... قليل من شجاعة النفس وتكتب لكما النجاة...

الملاحظ : الشجاعة؟...

المساعد : أنا جبان...

الملاحظ : وأنا مثلك..

قمر : إذن هلكتما...

الملاحظ : أنقذونا.. نرجوكم...

المساعد : نتوسل إليكم...

الملاحظ : أمامكم.. هاهو.. خذوه!... خذوه ولكن اتركونا نهرب....

شمس : إلى أين تهربان؟!... لا مفر...

قمر : لن تستطيعوا الفرار من أنفسكم...

شمس : الجريمة داخل نفوسكم...

الملاحظ : والعمل؟...

شمس : أذهبوا معنا إلى الأمير... واعترفوا... وتطهروا...

الملاحظ : وإذا رفضنا هذا الحل؟

المساعد : نعم... نحن نرفض هذا الحل بتاتا...

قمر : بتاتا؟... إذن نرغمكم...

الملاحظ : ترغموننا؟...

قمر : نعم... أتريدون أن تعرفوا كيف؟

المساعد : كيف؟...

قمر : حل حزامك أيها الجندي... وأنا سأحل حزامي...

الملاحظ : ستضربوننا؟...

قمر : سنقيد أيديكم... ونسحبكم سحبا مقيدين إلى أميركم...

الملاحظ : إذن على الحالين لابد من ذهابنا معكم!... رضينا أم كرهنا؟!...

قمر : بالضبط...

الملاحظ : نذهب إذن بالرضا...

المساعد : بغير قيد...

شمس : هذا أكرم...

الملاحظ : لا تخلعوا الأحزمة... ودعونا أحرارا!...

قمر : سنترككم أحرار!...

الملاحظ : عن إذنكم أشاور زميلي!...

قمر : تفضل!...

الملاحظ : (هامسا لمساعدة) نوافقهم ونتحين فرصة للهرب..

المساعد : (همسا) ابن حلال ... هذا نفس ما خطر لي...

الملاحظ : (يهمس له) إليك إذن الخطة... (يتهامسان معا)....

شمس : (هامسة لقمر) يبدو أنهما يتشاوران في أمر غير مشروع...

قمر : (هامسا) في الهرب طبعا...

شمس : فعلا... وإلا لما احتاجا إلى هذا التشاور...

قمر : يجب أن نفتح أعيننا..

الملاحظ : (بصوت مرتفع) أتفقت مع زميلي على أن نكون لكم أطوع من البنان!...

قمر : تشكر!... أنت وزميلك!...

شمس : نسينا أن نسألكم شيئا...

الملاحظ : تفضلوا!...

شمس : الآن أنتم أحرار بغير قيود... من يضمن لنا عدم هربكم؟...

الملاحظ : هربنا؟

شمس : ولم لا؟... كل شيء جائز... ما هو الضمان؟...

الملاحظ : نقسم لكن بشرفنا...

المساعد : نعم وشرفنا أننا ابدا.. أبدا...

شمس : شرفكم؟ لنا نحن تقسمون بشرفكم؟...

الملاحظ : شرفنا غير مصدق؟... إذن نقسم بشرفكم أنتم!

شمس : اقسم لنا بشيء تقدسونه.. ماذا تقدسون في الحياة؟

قمر : لا داعي للسؤال.. إنهم لا يقدسون شيئا خلاف هذه الصرة...

الملاحظ : (بأسف) وأين هي الصرة الآن؟..

المساعد : (بمرارة) في خبر كان!...

شمس : إذن ما الذي بقي منكم كآدميين؟...

الملاحظ : لم يبق شيء...

المساعد : عدمنا أحسن!...

شمس : كان يجب أن يبقي فيكم شيء...

الملاحظ : يبقي ماذا؟...

المساعد : نعم... ماذا؟...

شمس : الأجود.. الأخلد...

قمر : لن يفهما مثل هذا لكلام...

الملاحظ : صدقت.. والله لم نفهم...

المساعد : أي والله..

شمس : مع الأسف!...

قمر : (لهما) جعتم؟...

الملاحظ : (لمساعدة) جعت؟...

المساعد : طبعا... بعد هذه المناكفة كلها!...

الملاحظ : وأنا أيضا...

قمر : (مشير إلى الشجرة) إليكم الشجرة!... لكل واحد منكما تفاحتان!...

الملاحظ : تفاحتان؟!..

المساعد : تفاحتان فقط؟!...

قمر : فقط.. هذا هو القدر المعقول للمعدة.. إن المعدة ترتاح للقدر المناسب...

المساعد : ولكني أنا لا أرتاح...

قمر : معدتك أعقل منك...

الملاحظ : التفاح في الشجرة كثير...

شمس : كل شيء يجب أن يوضع في محلة...

الملاحظ : كوضع الصرة في الخزانة...

المساعد : وكوضعنا في الحبس...

شمس : بالضبط...

المساعد : أمرنا إلى الله!...

الملاحظ : (لمساعدة) أقطف لي تفاحة!...

قمر : كل واحد هنا يخدم نفسه بنفسه...

المساعد : هذه لا بأس بها!

الملاحظ : اتسمع كلامهم؟...

المساعد : ألم تقل إننا هنا الآن أطوع لهم من البنان؟...

الملاحظ : وهو كذلك... سأخدم نفسي بنفسي...

شمس : وستجد في ذلك متعة...

الملاحظ : دعونا من متعكم!...

المساعد : (وقد قطف تفاحة وأخذ في التهامها) لذيذة جدا... أفعل مثلي!...

الملاحظ : (وهو يقطف تفاحة) أليست تفاحة مثل كل التفاح؟

المساعد : لا... هذه لها طعم آخر!...

الملاحظ : طول عمرنا نأكل تفاحا...

المساعد : نعم... يقدم إلينا على الصواني... أما هذه فأنا الذي قطفتها بيدي...

الملاحظ : (يلتهم تفاحته) نعم...

المساعد : كيف وجدتها؟

الملاحظ : سأقطف تفاحتي الأخرى...

المساعد : وأنا أيضا...

الملاحظ : (لقمر وشمس) هل نطقت لكم معدتي

وقالت أنها تريد اثنتين فقط؟.,. وإذا كانت نطقت فكيف تسمعونها أنتم ولا أسمعها أنا؟

المساعد : ابن حلال والله!... أنا أيضا خطر لي هذا السؤال.. معدتي معي ولم أسمعها تقول شيئا..

قمر : أنت لن تسمعها إلا إذا صرخت..

شمس : وهي لا تصرخ إلا إذا تعبت..

الملاحظ : والآن وقد أكلنا القدر المناسب.. أنترك خيولنا بجوعها؟

المساعد : حقا.. خيولنا هناك مربوطة... وليس أمامها علف...

قمر : وماذا تنتظران؟... هاهي الأعشاب والحشائش وفيرة.. فليجمع كل منكما بنفسه ما يكفي لجواده..

الملاحظ : (للمساعد) هيا بنا...

قمر : لاتبتعدا عنا أكثر من خطوتين!...

شمس : وإلا... القيد!...

المساعد : لا... لا لزوم للقيد!...

قمر : نريد دائما أن نسمع أصواتكما... وأنتما تعملان... تكلما...

الملاحظ : (وهو يقتلع بيديه الحشائش) تكلم يا مساعديي!..

المساعد : تكلم أنت أولا يا ملاحظ الخزانة!...

الملاحظ : لا تذكرني بالخزانة!...

المساعد : صدقت !.... راحت علينا!...

الملاحظ : أيدينا تسلخت من هذه الشغلة!...

المساعد : يداي ما لمست عمرها غير الدنانير الذهب!...

الملاحظ : تقوم الآن بعمل السايس...

المساعد : لأول مرة تأكل جيادنا من أيدينا...

قمر : ولذلك ستأكل اليوم بشهية!...

شمس : وستشعر نحوكم بالحب لأول مرة!...

الملاحظ : هذا أقل ما يجب...

شمس : أولا يساوي هذا شيئا؟... أن تقوموا بعمل نافع، وأن تكونوا محبوبين؟...

المساعد : من البهائم؟...

شمس : هذا أدعي وأجمل!... لأنها لا تنطق.. ولا تنافق... إنها تشعر... وتقدر في صمت...

المساعد : الواقع أننا اليوم في أشد الحاجة إلى حبها وعونها...

الملاحظ : (لمساعدة) كفي ثرثرة!...

المساعد : أنا قلت شيئا؟... نحن نتكلم عن الحب والتقدير.. عموما.. عموما...

الملاحظ : لقد جمعنا أكثر مما يلزم... هيا بنا!...

المساعد : هيا... كل منا يحمل نصيبه...

الملاحظ : طبعا.. كل منا يحمل عمله الذي تعب فيه...

المساعد : على كل حال.. كان العمل لذيذا..

الملاحظ : لذيذا؟... من أي جهة؟...

المساعد : لست أدري تماما... لكن... التعب نفسه...

الملاحظ : فلنتحدث عن مشاعرنا فيما بعد... أما الآن فإلى الجياد الجائعة.. هيا بنا... هيا...

قمر : إلى أين؟...

الملاحظ : نطعم الخيول طبعا... بهذا الذي تعبنا في جمعه...

قمر : تذهبان معا هكذا؟...

المساعد : كل واحد منا يذهب إلى حصانة...

قمر : ويقفز عليه ويسابق الريح!...

الملاحظ : ايصح هذا منا؟...

المساعد : أنحن أهل لذلك؟...

قمر : لا.. العفو!...

شمس : أحيانا.. وليس دائما.. سوء الظن من حسن الفطن؟...

قمر : اسمعوا!... واحد منكما يبقي هنا... والآخر يذهب... في حراسة الجندي شاهراً سلاحة!...

الملاحظ : من منا يذهب أولا؟!..

قمر : اختارا فيما بينكما!...

المساعد : أنا أو هو .. المسالة اصحبت واحدة!...

شمس : أخبرونا.. هل المدينة بعيدة من هنا؟...

الملاحظ : إنها خلف هذه الجبال...

المساعد : على مسيرة ربع نهار...

قمر : إذن لو قمنا من هنا بعد إطعام الجياد، فإننا نصل إليها قبيل دخول الظلام...

المساعد : ربما بعد ذلك بقليل...

قمر : (لشمس) هذا خير من مبيتنا هنا... واضطرارنا إلى مناوبة الحراسة لهما طول الليل.

شمس : حقا.. هذا هو الرأي...

قمر : فلنقم إذن الآن ونذهب كلنا إلى الخيول، نطعمها معا ونمضي...

الملاحظ : تمضون راكبين خيولنا؟...

قمر : أنت وزميلك على جواد... أما الجواد الآخر فلزميلي الجندي...

شمس : وأنت؟...

قمر : ساربط الجوادين وأقودهما معا مشيا على الأقدام...

شمس : تمشي على قدميك؟...

قمر : ولم لا؟...

الملاحظ : ولماذا لا تركب مع زميلك؟...

قمر : هذا شأني..

المساعد : صدق.. هذا شأنه.. يريد أن يتعب قدميه... هو حر.. المهم هو أننا نحن سنركب...

شمس : (لقمر) إذا مشيت سأمشي أنا أيضا...

قمر : ونترك الحصان بلا راكب؟...

الملاحظ : ولماذا بلا راكب؟... أنا موجود...

المساعد : حقا... كل منا يركب حصانه وينتهي الإشكال!

قمر : ونجري نحن خلفكما..

المساعد : مادمتم من هواة المشي على الأقدام!...

شمس : اسمع يا قمر! أنت ستركب معي على الحصان.

قمر : ما هذا الكلام؟.. كيف يمكن أن ...

الملاحظ : كما سنركب أنا وزميلي!...

قمر : لا.... لا يمكن...

المساعد : ما كل هذا الأدب الجم بينهما!..

شمس : لا تكن عنيدا يا قمر.. سنركب معا على الحصان. وسأكون أنا خلفك..

قمر : خلفي...

شمس : نعم.. هذا ما أريد، هيا!... لا تضيع وقتنا.. اتبعوني جميعكم!... إلى الجياد!...

(منصرفة والجميع في أثرها...)

(ستار)

 

 

الفصل الثالث

 

 

المنظر الأول

 

 

قصر الأمير حمدان.. الأمير جالس يحادث تابعا له....

التابع : بماذا يأمر مولاي اليوم؟...

الأمير : اليوم ككل يوم... ماذا يمكن أن تقدم اليوم من جديد؟...

التابع : ألا يطلب مولاي اليوم - مثلا- لونا خاصا من ألوان الطعام؟...

الأمير : ايوجد شيء غير اللحوم، والطيور، والأسماك، والخضر، والبقول، والفاكهة، والفطائر، والحلوى... خلاف المملحات، والمخللات، والمثلجات... إلى آخره... إلى آخره...

التابع : طبعا لا يوجد يا مولاي.. هذه أشياء لا تتغير... ولكن يمكننا تغيير الطباخ...

الأمير : غيرنا الطباخ أكثر من مائة مرة.. وأنت تعرف ذلك...

التابع : حقا.. يا مولاي!..

الأمير : كل طباخ كان يتقن ويبتكر في يومه الأول.. ثم يفتر حماسه... ويتهاون... ويصبح كل شيء على نفس الوتيرة...

التابع : مع أننا زدنا لهم في المرتبات...

الأمير : وماذا نفعل أكثر من ذلك؟...

التابع : حقا... لا نستطيع أن نغرس حب الإجادة فيمن لا يحبها...

الأمير : وكيف تريدني إذن أن استمتع بطعام لم يستمتع صانعه بصنعة؟...

التابع : الواقع يا مولاي أنها مسألة...

الأمير : مسألة أصبحت عامة.. حتى الترفيه الذي تقدمونه لي اصبح لا يبهجني ولا يسليني..

التابع : لقد جئنا يا مولاي بخير الراقصات والمغنين والمضحكين..

الأمير : نفس الحركات والنغمات والنكات!...

التابع : ومع ذلك أعطيناهم كل ماطلبوا من مال...

الأمير : نعم .. المال.. المال.. المال..

التابع : الحياة أصبحت قاسية...

الأمير : المال يملأ خزانتي.. والحياة قاسية بالنسبة إلى أيضا!...

التابع : لماذا يا مولاي؟...

الأمير : لست أدري.. إني أشعر بشعور غريب.. أشعر كأني برتقالة موضوعة في سلة واسعة!...

التابع : اتسمح لي برأي؟...

الأمير : قل!..

التابع : تزوج يامولاي!...

الأمير أتزوج؟!...

التابع : لمنع البرتقالة من القلق في فراغ السلة الواسعة، توضع معه برتقالة أخرى.. تصبح بعد قليل عدة برتقالات..

الأمير : أهذا هو الحل؟..

التابع : هذا مجرد رأي...

الأمير : وهل أنت سعيد في سلتك المحشوة بالبرتقال؟...

التابع : لا أقول أني سعيد... ولكني لا أجد فراغا أتقلقل فيه!..

الأمير : كم برتقالة في سلتك بالضبط؟...

التابع : مولاي يعرف: زوجتي، وبناتي الخمس، وصبياني الثلاثة.. ومايستجد...

الأمير : أنت محشور حشرا جيدا!...

التابع : أحيانا أكاد أختنق!...

الأمير : منهم؟..

التابع : ومن طلباتهم!...

الأمير : أتشكو من ذلك؟...

التابع : وأي شكوى؟... تصور يا مولاي أن لكل واحد من هؤلاء طلباته الخاصة، يريدها وكأنه ليس على الأرض غيره... ويصر عليها ولا يهمه من أين تجيء ولا كم تتكلف!...

الأمير : ومع ذلك، فأنت تتقاضي مرتبا حسنا... خلاف... أنت فاهم وأنا فاهم!... التابع أي مبلغ من المال يا مولاي، مهما يكبر، فإنه يذوب كقطعة السكر في أعماق هذه السلة!...

الأمير : عقلك إذن مشغول في هذا باستمرار؟...

التابع : بالصراحة.. نعم!...

الأمير : هذا شيء مؤسف!... ولماذا أنت بالذات؟!..

التابع : لست أنا بالذات.. كثيرون مثلي!... الحياة أصبحت قاسية...

الأمير : لأن الطلب عليها ازداد فيما يبدو...

التابع : وعلى مباهجها بالأخص.. ليس الطعام وحده هو ما يبهجني الآن...

الأمير : وأي ضرر؟ أعمل واقبض المرتب وأنفق...

التابع : الطلبات تسبق المرتبات!...

الأمير : نعم... هذا السباق هو الذي...

التابع : هو الذي لا يعطي وقتا...

الأمير : لإتقان شيء..

التابع : ما كنت أود أن أثقل على مولاي بمشاكلي!...

الأمير : العجيب أنك تريد أن تحل لي المشكلة بمشكلة!...

التابع : لا يامولاي.. زواجك لن يحدث لك بالطبع مشكلات من هذا النوع!...

الأمير : ربما من نوع آخر!....

التابع : وربما لا يحدث إلا كل خير...

الأمير : ومن تلك التي تراها تصلح زوجة لي؟....

التابع : نبحث...

الأمير : وكم من الوقت سيستغرق بحثك وعقلك مشغول في أشياء أخرى؟...

التابع : أنا لا اشغل عنك يامولاي...

الأمير : لا داعي إلى البحث... من أريدها موجودة...

التابع : موجودة ؟...

الأمير : نعم... في بلد آخر!...

التابع : ما عليك إذن يامولاي إلا أن تأمر..

الأمير : لا يمكن الحصول عليها بالأمر... وهذا هو ماخذلني عنها.. وما صرفني عن التفكير في الزواج إطلاقا...

التابع : ومن هي يامولاي؟...

الأمير : شمس النهار...

التابع : بنت السلطان نعمان؟...

الأمير : نعم...

التابع : تلك التي تجلد الرجال؟...

الأمير : الذين يفشلون...

التابع : وكلهم فشلوا..

الأمير : نعم.. يبدو أنه لم ينجح أحد حتى الآن...

التابع : لكن يامولاي.. مسالة الجلد....

الأمير : هذا ما أفكر فيه...

التابع : يجب أن نجد طريقة...

الأمير : فكر معي، وإن كنت أعرف أنك لا تحب التفكير...

التابع : من أجلك يا مولاي أفعل كل شيء...

الأمير : أعرف... أنت تابعي الأمين...عليك استطيع أن ألقي أفكاري كما تلقي الكرة على الحائط، كي ترتد إلى فاتلقفها في يدي.

التابع : المهم يامولاي أن تتلقفها في يديك!...

الأمير : الكرة؟...

التابع : الزوجة...

الأمير : آه ... أنت تفكر في الزوجة...

التابع : ألم تقل فكر معي؟...

الأمير : حقا.. إسمع.. فلنفكر معا خطوة خطوة... أخبرني أولا حسب تقديرك: ما الذي يمكن أن يغري المرأة؟...

التابع : بالنسبة إليك أنت يا مولاي؟...

الأمير : عموماً!...

التابع : عموما.. عموما...؟

الأمير : نعم... بالنسبة إلى أي شخص.. بالنسبة إليك أنت مثلا...

التابع : إلى أنا؟...

الأمير : نعم أنت.. ما الذي أغرى امرأتك؟... ما الذي أعجبها فيك مثلا...

التابع : إلى أنا...؟

الأمير : نعم أنت.. ما الذي أغرى امرأتك...؟ ما الذي أعجبها فيك مثلا...؟

التابع : أعجبها شكلي...

الأمير : شكلك...؟؟ أعوذ بالله!...

التابع : مسألة أذواق يامولاي!.

الأمير : صدقت ... وهنا الصعوبة...

التابع : بالنسبة إليك أنت يا مولاي الأمر أسهل بكثير...

الأمير : كيف...؟

التابع : ما من امرأة تقاوم إغراء ثرائك...

الأمير : ثرائي..؟

التابع : خزائنك المملوءة بالذهب يا مولاي... وقصرك العامر بالتحف والجواهر...

الأمير : أو تظن الأميرة شمس النهار لم يتقدم إليها أفواج من الأمراء وأصحاب الثراء؟..

التابع : لابد أنه حصل...

الأمير : إذن أبحث عن ميزة أخرى!...

التابع : شبابك يا مولاي...

الأمير : شبابي؟...

التابع : إنه لميزة كبرى...

الأمير : أو تظن أيها الأحمق أن من تقدموا لتلك الأميرة كانوا شيوخا؟!...

التابع : حقا... هذا لا يمكن..

الأمير : ابحث عن ميزة أنفرد بها...

التابع : مزاياك كثيرة يا مولاي، ويصعب الاختيار...

الأمير : أريد أن أتقدم بشيء لم يتقدم به غيري....

التابع : المال.. الجاه... الشباب .. ماذا تريد امرأة أكثر من ذلك ياربي؟...

الأمير : شمس النهار ليست ككل امرأة!...

التابع : ماذا فيها أكثر من الأخرىات؟...

الأمير : فيها أنها تطلب شيئا في الرجال لاندري بعد ما هو!...

التابع : هذا شيء محير!...

الأمير : وأي حيرة!... (حاجب يدخل معلنا....)

الحاجب : بالباب يامولاي رجلان يطلبان المثول بين يديك...

الأمير : من هما؟...

الحاجب : إنهما غريبان.. ويحملان صرة...

الأمير : ربما كانت هدية من أحد الأمراء أو الملوك.. أدخلهما.. (يخرج الحاجب ويعود بقمر وشمس النهار وهما حاملان الصرة....)

قمر : السلام عليكم أيها الأمير...

شمس : (تحيي بيديها الأمير وتابعه)...

الأمير : وعليكما السلام...

قمر : لقد جئنا أيها الأمير لنحمل إليك هذه الصرة المملوءة بالذهب...

الأمير : شكرا... وممن الهدية؟...

قمر : إنها ليست هدية... إنها مالك رد إليك...

الأمير : مالي؟...

قمر : نعم... مال مختلس من خزائنك...

الأمير : ومن المختلس؟...

قمر : ملاحظ الخزانة ومساعدة...

الأمير : ليس عندي علم بهذا...

التابع : وأنا لم يبلغني شيء..

الأمير : علينا بخازن بيت المال!... (التابع يشير إلى الحاجب ويهمس إليه بطلب الأمير).

شمس : وقد قبضنا على المختلسين..

الأمير : أيضا؟...

شمس : لكن مع الأسف.. غافلانا في الطريق وهربا عند معطف الجبل.. واختفيا في الشعاب والكهوف..

الأمير : لقد قمتما على أي حال بالواجب وأكثر... (خازن بيت المال يدخل...)

الخازن : مولاي يطلبني؟...

الأمير : نعم .. أخبرني أيها الخازن: هل سرق شيء من الخزانة؟..

الخازن : لا يامولاي.. مطلقا..

الأمير : هل أنت متأكد؟...

الخازن : كل التأكد...

الأمير : كل ما في الخزائن موجود؟..

الخازن : لم ينقص دينار...

الأمير : عجبا.. وهذه الصرة إذن لمن؟...

الخازن : هذه الصرة؟!

الأمير : يظهر أنك لا تعرف شيئا مما تحت يدك من أموال...

الخازن : كل شيء مرصود في الدفاتر يا مولاي...

الأمير : والدفاتر في يد من؟...

الخازن : في يد الملاحظ...

الأمير : وأين الملاحظ؟...

الخازن : قام في إجازة...

الأمير : ومن يحل محله؟...

الخازن : مساعده...

الأمير : وأين مساعده؟...

الخازن : لابد أنه موجود

الأمير : إنه غير موجود...

الخازن : علم ذلك عند الملاحظ...

الأمير : ومتى تعلم ذلك؟...

الخازن : نسأل الملاحظ عندما يعود...

الأمير : إنه لن يعود؟...

الخازن : لن يعود؟...

الأمير : لا هو ولا مساعده... لأنهما هما اللذان سرقا الخزانة!..

الخازن : ماذا أسمع يا مولاي؟...

الأمير : تسمع الحقيقة التي لا تعرف عنها شيئا... وربما كنت تعرف أنت كذلك... من أدراني بما يجري خلف ظهري!...

الخازن : سأجري حالا تحقيقا في الأمر!...

الأمير : أنا أتولى التحقيق بنفسي.. أحضر لي الدفاتر وكاتبها وحارسها...

الخازن : سمعا وطاعة!... (يخرج سريعا...)

التابع : لماذا تتعب نفسك يا مولاي في هذه الأمور؟... ما وجه الخطورة في شيء كهذا... كل هذا المال سواء خرج من الخزانة مسروقات أم مرتبات أم نفقات... كله عائد إليك مرة أخرى...

الأمير : ماذا تقول؟...

التابع : هذا المال المسروق أين سيذهب؟... سينفق بالطبع.. ستشتري به بضاعة، وتجارة أنت صاحبها.. وبعد ذلك يدفع عن الجميع المكوس الواجبة.. فما ذهب من تلك الجهة عاد إليك من الجهة الأخرى...

الأمير : هذا صحيح..

التابع : وأنت نفسك القائل ذات مرة.. ما من درهم يخرج من الخزانة إلا ويعود إليها بصورة أو بأخرى...

الأمير : حقا...

التابع : إنها طاحونة.. دع يا مولاي الطاحونة تتحرك... وفي الحركة بركة...

الأمير : وفي الواقع ... خزانتي لن تخسر شيئا في آخر الأمر.. إنهم فعلا لن يأكلوا الدنانير... ومادام لا أحد يأكل الدنانير... ومادامت كلها ستنفق...

التابع : فكلها إذن ستدخل جيبك..

الأمير : هذا مؤكد...

التابع : لا خسارة إذن في شيء...

شمس : في الأخلاق...

الأمير : ماذا يقول هذا الجندي؟...

شمس : أقول يا مولاي إن خزائنك حقا قد لا تخسر، ولكن رعاياك..هل ترضى لهم هذا الانحلال؟...

الأمير : من أنت؟...

شمس : جندي بسيط كما ترى...

الأمير : لكنك تقول كلاما كبيرا...

شمس : إنما هو كلام بسيط لرجل بسيط.. لقد أعدنا إليك الصرة، لا لأنك في حاجة إلى المال.. ولكن لأن هناك دائما حاجة إلى العدالة والنزاهة والنظافة...

الأمير : (لتابع) أسامع؟.

التابع : بلدنا بخير.. بلدنا أحسن بلد في الدنيا....

الأمير : ترى ذلك ؟...

التابع : مؤكد... ولا داعي أبدا للشوشرة علينا... وعلى سمعة بلدنا...

الأمير : من رأيك إذن أن نسكت ونداري ....

التابع : هذا من حسن الرأي....

الأمير : إذن..

شمس : إذن.. إذا كان من حسن الرأي عندكم التستر على الفساد، فهذا شأنكم... أما نحن فقد قمنا بواجبنا على كل حال، فاسمحوا لنا الآن بالانصراف...

الأمير : فعلا... لقد أديتما الواجب نحوي..

شمس : ليس نحوك.. نحن لا نعرفك.. الواجب نحو ما ينبغي أن يكون...

الأمير : مهما يكن من أمر فأنا مدين لكما بمكافأة...

شمس : مكافأتنا قد استوفيناها...

الأمير : ممن؟...

شمس : من أنفسنا...

الأمير : كيف؟...

شمس : قيامنا بما ينبغي أعطانا داخل أنفسنا شعورا لا يقدر بثمن...

الأمير : (لتابعة) أسمعت مثل هذا عندنا؟... (الخازن يدخل وخلفه أحد الكتبة يحمل الدفاتر وبعض الحراس...)

الخازن : ها هي الدفاتر يا مولاي.. وكلها مضبوطة...

الأمير : مضبوطة؟....

الخازن : نعم يا مولاي...

الأمير : وهذه الصرة المضبوطة؟....

الخازن : لا ندري.. ولكن أرقام الدفاتر صحيحة.. وكل المبالغ مسددة...

الأمير : على الورق نعم.. ولكن الخزائن؟...

الخازن : الخزائن سليمة... ومفاتيحها معي...

الأمير : معك؟

الخازن : معي شخصيا...

الأمير : وكيف خرجت هذه الصرة؟...

الخازن : لا أدري.. يسأل حارس...

الأمير : (للحارس) تعال أيها الحارس.. قل لي ماذا تحرس؟..

الحارس : الباب يا مولاي..

الأمير : أي باب؟..

الحارس : باب الخزانة..

الأمير : الباب فقط؟..

الحارس : الباب...

الأمير : أي لا شأن لك بما وراء الباب؟!..

الحارس : نعم.. الباب فقط.. وهو عليه أقفال...

الأمير : وهذه الأقفال متينة؟...

الحارس : كانت مخلعة.. وجئنا بصانغ أقفال لإصلاحها..

الأمير : وأصلحها؟...

الحارس : قال إنه أصلحها وقبض أجره وانصرف...

الأمير : وبعد ذلك؟...

الحارس : الله أعلم...

الأمير : تقصد أنه لم يصلحها جيدا...

الحارس هذا يا مولاي ليس من اختصاصي...

الأمير : الخالصة أنه يمكن فتح الباب وغلقه وهو بهذه الأقفال الفاسدة..

الحارس : ممكن...

الأمير : وكنت تعرف أن هذا ممكن؟...

الحارس : طبعا...

الأمير : ولم تبلغ؟...

الحارس : وما شأني إبلغ؟... اختصاصي حراسة الباب، أما الأقفال فهي ليست من عملي...

الأمير : شيء جميل... وأنت أيها الخازن.. من الذي استلم من صانع الأقفال عمله الناقص؟...

الخازن : لا أدري.. لابد أنه أحد الموظفين.. لا أعرف من يكون... هذا ليس من اختصاصي...

الأمير : بديع... وما في الخزائن أليس من أحد يقوم بانتظام بعملية جرد؟!

الخازن : المفروض أن يقوم أحد بهذا...

الأمير : إذن هذا أيضا لا يقوم به أحد...

الخازن : يسأل المختصون...

الأمير : ومن هم هؤلاء المختصون؟..

الخازن : كثيرون.. لا أعرفهم شخصيا..

الأمير : أنت فقط معك المفاتيح.. شخصيا؟...

الخازن : نعم...

الأمير : ولا يهمك بعد ذلك ما يجري؟!...

الخازن : إني يا مولاي أعلم على قدر...

الأمير : على قدر المرتب...

الخازن : على قدر جهدي...

الأمير : جهد مشكور!... ما ترى في كل هذا أيها الجندي البسيط!؟.. أنت يامن كلفت نفسك مع زميلك جهدا غير مطلوب منك، دون ابتغاء أجر أو مكافأة!... بماذا تحكم على هؤلاء؟!.. أصدر أنت حكمك، وأنا المنفذ...

الخازن : إذا كان الحكم بالإعدام، فإني أحب أن أنبه مولاي أن يكون الإعدام بغير الشنق...

الأمير : ولماذا لا يكون بالشنق؟...

الخازن : لأنه لا توجد حبال...

الأمير : وأين ذهبت حبال المشانق؟...

الخازن : سرقت يا مولاي!...

الأمير : سرقت؟.

الخازن : وتباع خفية عند بعض التجار...

الأمير : ومن الذي يسرق مثل هذه الحبال؟...

الخازن : كثيرون.. كل من تصل يده إلى شيء يخطفه!...

الأمير : (التابع) أكنت تعرف ذلك؟...

التابع : وأكثر يا مولاي.. مصابيع الشوارع.. قلما نجد مصباحا سليما من عبث الأيدي...

الأمير : يا للعجب!..

التابع : حدوات الخيل.. تنتزع منها وهي واقفة... على الرغم من احتياط أصحابها، وتجريدها من البردعة، ومن كل ما له ثمن.. لكن من يخطر بباله أن الحدوة الحديد أيضا لا تنجو!...

الأمير : هذا وباء...

التابع : هذا خراب ذمة وفراغ عين.. أصبح عاديا...

الأمير : عاديا؟...

التابع : نعم يا مولاي... شيء عادي.. ولا داعي لشغل البال مادام كل شيء سائرا على ما يرام...

الأمير : على ما يرام؟...

التابع : نحن نسير على كل حال.. المهم السير...

شمس : والسلوك؟..

الأمير : ماذا تقول أيها الجندي؟...

شمس : لا شيء .. يظهر أنه هنا يمكن السير بدون سلوك!...

الأمير : هذا شيء لا يدعو إلى الاطمئنان...

التابع : بل اطمئن يا مولاي...

الأمير : ما رأيك أيها الجندي؟...

شمس : ما دام هؤلاء الذين من حولك مطمئنين إلى السير فوق الأرض الموحلة، فماذا أقول أنا؟..

الأمير : (للتابع) سامع؟.... إذا كنت لم تسمع فأنا سامع... وإذا كنت لم تفهم فأنا فاهم.. ولا يمكنني السكوت مهما يكن الأمر... هذا شيء لا يمكن السكوت عليه... لابد من محاكمة عاجلة... ما قولك الآن أيها الشاب الصريح؟...

شمس : المحاكمة والعقاب لن يصلحا شيئا كثيراً...

الأمير : الم تقل الآن إن العدالة والنزاهة والنظافة واجبة؟...

شمس : نعم واجبة... ولكنها وحدها لم تعد كافية.. إن المسألة أعمق من ذلك... إنها شيء في الداخل...

الأمير : في الداخل؟...

شمس : (تشير إلى القلب) نعم... هنا...

(الحاجب يدخل معلنا...)

الحاجب : ملاحظ الخزانة ومساعدة يلتمسان المثول...

الأمير : اللصان!... قبضوا عليهما؟...

الحاجب : ليسا مقبوضا عليهما يا مولاي... إنهما وحدهما....

الأمير : أدخلهما!... (الحاجب يدخل الرجلين...)

الملاحظ : (جاثيا) مولاي.. جئنا من تلقاء أنفسنا...

المساعد : (يجثو أيضا) مولاي ...جئنا نطلب...

الأمير : تطلبان الصفح طبعا؟..

الملاحظ : بل جئنا نطلب العقاب...

الأمير : العقاب؟...

الملاحظ : الذي تراه فينا.

المساعد : وسنكون به راضين مسرورين!...

الأمير : ولماذا هربتما؟...

الملاحظ : حركة غريزية...

المساعد : حلاوة الروح...

الملاحظ : أركبونا على حصان بمفردنا.. ربطوه خلف حصانه، فلما دخل الليل، وحانت الفرصة، قفزنا من فوق الحصان وتدحرجنا أسفل الجبل... ونجونا وصرنا وحدنا...

المساعد : وجعلنا نفكر في المصير... نعم نجونا... ولكن نجونا من ماذا؟...

الملاحظ : الجريمة داخل أنفسنا...

المساعد : أينما نذهب فنحن مجرمان، على الأقل في نظر أنفسنا.

الملاحظ : وشعرنا كأننا في سجن...

المساعد : سجن متحرك...

الملاحظ : يلازمنا في كل خطوة..

المساعد : صرنا السجن والسجان والمسجون في جسم واحد...

الملاحظ : وأخيرا رأينا خلاصنا في العقاب...

المساعد : في تسليم أنفسنا للعدالة...

الأمير : (لشمس) وهذان أيضا ما حكمك فيهما؟..

شمس : هذان الحكم فيهما سهل.. ماداما قد شعرا بأن السجن قائم في داخلهما، فلا حاجة بهما إذن إلى سجن آخر من حجارة.. سجنهما الداخلي الذاتي أمتن وأقصى!...

الأمير :ماذا ترى إذن...

شمس : العفو... على أن لا يعودا إلى عملهما

المساعد: ونحن لا نريد عملنا السابق..

الملاحظ : نريد عملا يسلخ أيدينا ويطهر نفوسنا...

المساعد : اجعلونا سياسا للخيل...

الملاحظ : نعم.. هذا عمل عرفناه وأعجبنا...

الأمير : أعجبكم حقا؟...

شمس : ذكرناه بعد ذلك بالخير...

الملاحظ : وطعم التفاحتين مازال في حلوقنا...

الأمير : أين كان كل هذا؟...

شمس : عندما قبضنا عليهما في الخلاء...

المساعد : كان الطعام شهيا على الرغم من قلته...

الملاحظ : وكان العمل بأيدينا ممتعا على الرغم من خشونته

الأمير : خشونته...إذن ستعملان في الاسطبلات...

المساعد: في أي شيء إلا الهرب في الجبال!... شكراً

الملاحظ : يا مولاي!...من أعماق قلوبنا!... كل هذا خير من التشرد بلا نقود!...

الأمير : (ناظرا إلى الخازن والحارس والكاتب) : أما هؤلاء.. فماذا نصنع بهم؟... هل نضعهم في سجن من الحجارة..

التابع: أعطهم فرصة يا مولاي... نطلق المختلس، نحبس المهمل!...

الأمير : إنك لم تفهم شيئا مما حدث أمامك!...

التابع : إني أفهم أنك رحيم القلب...

الأمير : نعم... ولكن يجب أن نعطي المثل للناس ... ألم تسمع هذا الجندي الآن يتحدث عن الأخلاق؟...

التابع : ولكنه لم يشر بحبس هؤلاء!...

الأمير : وما الذي تراه لهم غير ذلك؟...

التابع : أعطهم عملا آخر هم أيضا...

الأمير : عمل آخر؟... أين؟...

المساعد : (صائحا) في الاسطبلات

التابع : مولاي!... ونحن نمرنهم!...

الأمير : فكرة!...

شمس : فعلا يا مولاي.. من تعلم يعلم الآخرين!...

الأمير : اذهبوا إذن جميعا إلى عملكم الجديد...

الملاحظ : فليحيى العدل!...

المساعد : فلتحيى العدالة!...

الأمير : (الجميع يخرجون...)

قمر : ونحن أيضا يا مولاي اسمح لنا بالانصراف!...

الأمير : انتظر لحظة!.. أريد أن أعرف بالضبط من أنتما؟... من أي البلاد؟...

قمر : نحن من بلاد بعيدة...

الأمير : وهذا الجندي...

شمس : مثل زميلي يا مولاي...

الأمير : ولكن جندي... عند أمير أو سلطان دون شك...

شمس : نعم... أنا جندي عند السلطان نعمان...

الأمير : السلطان نعمان؟.. والد الأميرة شمس النهار؟..

شمس : نعم يا مولاي..

الأمير : يا للحظ السعيد.. أو أبصرت الأميرة شمس النهار؟..

شمس : إني أعمل في قصرها..

الأمير : إذن رايتها بعينيك؟...

شمس : طبعا...

الأمير : وكيف هي؟.. صفها لي!...

شمس : إنها امرأة عادية...

الأمير : عادية؟!... أنت إذن أعمى لا تبصر...

شمس : وكيف تريدها أن تكون؟..

الأمير : لابد أن تكون أعجبوة زمانها!...

شمس : أنا لم أبصر فيها أي أعجوبة!...

الأمير : ومن تكون أنت أيها الفتى الغرير؟...

شمس : أنا لا شيء طبعا.. ولكني أتكلم صراحة عن رأيي الخاص...

الأمير : رأيك الخاص؟... وأنا الذي أجد في آرائك حتى الآن حكمة وصوابا!...

التابع : ربما كان مصيبا يا مولاي.. ألم اقل منذ قليل إنها ربما كانت امرأة مثل الأخرىات!...

الأمير : اسكت أنت!...

شمس : إن الآرء تختلف على كل حال...

الأمير : وزميلك هذا من نفس الرأي؟...

قمر : لا... رأيي أن شمس النهار ليست بالمرأة العادية...

الأمير : أرأيت أيها الجندي؟... زميلك هذا رجل يفهم!...

شمس : إنه يعتقد يا مولاي أنها ليست امرأة على الإطلاق!..

الأمير : ماذا يقصد بهذا؟...

شمس : لست أدري ... سله !...

الأمير : (لقمر) أفصح!...

قمر : زميلي هذا يريد احراجي يا مولاي!...

شمس : إني أردت فقط أن يظهر حقيقة شعوره نحوها!...

قمر : شعوري نحوها؟...

شمس : نعم.. أساله يا مولاي.. لو أن شمس النهار عرضت عليه هل كان يحبها؟...

الأمير : ماذا السؤال ؟... أيوجد من يتردد؟...

شمس : إنه هو متردد..

الأمير : لا أصدق.. كل ما في الأمر أنه ربما لا يريد أن يبني على فروض وأوهام... لكنه متى رآها واقترب منها وجالسها وحادثها، فإنه لا يمكن أن يتمالك شعوره...

شمس : هذا رأيك أنت يا مولاي... لكنه ليس رايه هو...

الأمير : (لقمر) أحقا هذا؟!... ألست من رأيي؟..

قمر : رأيك محترم يا مولاي!...

شمس : أرايت يا مولاي كيف يتهرب من الجواب الصريح؟...

الأمير : هذا عجيب!.. زميلك هذا عجيب!... وأنت أعجب!... أهذا رأيكما في شمس النهار التي يسعى إليها في كل يوم الأمراء والكبراء من كل الأقطار وهي لا تجيب أحدا ولا ترضي عن أحد..

شمس : وفيم تحمسك هذا كله يا مولاي لشمس النهار؟...

الأمير : أنا كغيري... كم من الأمراء ذهب إليها رغم التهديد بالجلد...

التابع : وجلدوا فعلا.. ويجلدون كل يوم...

الأمير: نعم... ويجلدون كل يوم!...

التابع : ومع ذلك يا مولاي...

الأمير: أسكت..

التابع : اطمئن يا مولاي .. إني..

الأمير: وأي بأس في الكلام الآن.. فلنتكلم صراحة!...

التابع : نتكلم؟...

الأمير : نعم.. فليبسط الأمر أمام هذا الجندي... ربما فادنا بمعلوماته.. إني.. تكلم أنت أولا...

التابع : حقا.. مادام كان بجوار شمس النهار فلابد أنه يعرف الكثير عن أحوالها...

الأمير : أدخل في الموضوع...

التابع : الموضوع أنه.. أن مولانا الأمير آن له الأوان أن يتزوج.. وقد اتجه التفكير إلى الأميرة شمس النهار..

شمس : (بدهشة) شمس النهار ؟...

التابع : مولانا لا يريد غيرها...

قمر : (صائحا) لكن.. لكن هذا...

شمس : (لقمر بسرعة) اسكت الآن!...

الأمير : نعم.. لا أريد غيرها.. ولكن أمامي تلك العقبة..

التابع : مسألة الجلد!...

الأمير : ليس الجلد نفسه.. ولكنه الفشل...

التابع : أحدهما يؤدي إلى الآخر.. الفشل يؤدي إلى الجلد، والجلد يؤدي إلى الفشل!...

الأمير : لكني قد استقر قراري، وعولت على التقدم مهما يكن الثمن...

قمر : ولكن المسألة يا مولاي.. إنه ...

شمس : (لقمر) انظر أرجوك.

الأمير : كان قد بلغنا أنه لم يكتب الفوز لأحد حتى الآن..

قمر : لكن الآن يا مولاي حدث...

شمس : (تغمز لقمر بشدة) أسكت.. اسكت..

الأمير : كل ما أطلب الآن هو أن أهتدي إلى الطريقة التي أستطيع بها أن أفوز..

التابع : هل يمكنك أيها الجندي أن تنير لنا السبيل قليلاً؟....

شمس : الواقع أن طريق الفوز مملوء بالصخور..

الأمير : أعرف.. أعرف أن الأمر ليس سهلا... لكن ما أريد معرفته هو ما تطلبة شمس النهار.. إذا أرادت أن أسير إليها على طريق مفروش بالورد أو بالذهب فإني أفعل...

شمس : لا أظن أن الورد أو الذهب يغريها أو يكفيها...

الأمير : أعرف ذلك أيضا.. إنها تريد شيئا أهم من كل هذا ولا شك.. شيئا أضخم وأعظم...

شمس : حقا...

الأمير : ماهو؟.. الديك فكرة؟...

شمس : يخيل إلى أنها تفضل السير على طريق...

الأمير : مفروش بماذا؟..

شمس : غير مفروش على الإطلاق.. طريق عادي...

التابع : عادي؟.. اذن تريد أن يكون الموكب...

شمس : ولا مواكب أيضا على الإطلاق..

التابع : لا مواكب؟! وكيف يسير إليها الأمير إذن؟...

شمس : بمفرده..

التابع : على جواده المطهم؟

شمس : على قدميه...

التابع : ما هذا؟... أهي تريد إذلاله إذن؟

شمس : ربما تريد أن ترى فيه مجرد إنسان!...

الأمير : لقد بدأت افهم...

التابع : وأنا على العكس يا مولاي بدأت الأمور تتعقد أمامي..

الأمير : يكفي أن افهم أنا.. يبدو أن هذا الجندي يعرفها جيداً... وسيعينني هذا أكبر العون.. اسمع أيها لجندي... ما أسمك أولا؟.

شمس : (مباغته) اسمي.. اسمي.. اسم زميلي قمر...

الأمير : إني أسألك عن اسمك أنت لا اسم زميلك!..

شمس : اسمي... بدر.. نعم.. هو قمر، وأنا بدر...

ألأمير : بدر؟... اسمع يا بدر.. إن حديثك عن ميول شمس النهار حديث شخص قريب إلى نفسها... كيف عرفت ذلك؟...

شمس : ألم أقل إني كنت حارسا في القصر..

الأمير : حارسا لها؟...

شمس : نعم...

الأمير : نعم .. اختارتك إذن لتكون بقربها... شبابك هذا النضر.. وسامتك.. كأنك من الغمان المرد!.. اختيار موفق!...

شمس : لا .. إنها ما اختارتني قط... وما حادثتني قط بكلمة.. ولعلها ما شعرت لي بوجود.. ما أنا إلا حارس مثل بقية الحراس...

الأمير : أواثق أنت أنك لم تستلفت نظرها؟...

شمس : كل الثقة... إنها لا تعجب بمثل نوعي من الرجال!...

الأمير : وأي نوع من الرجال يعجبها؟

شمس : ليس من السهل القول...

الأمير : طبعا... طبعا.. على كل حال يا بدر نتكلم في كل هذا تفصيلا فيما بيننا... الآن أحب أن أخبرك أني عينتك منذ هذه اللحظة حارسا ملحقا بشخصي مكلفا بأمر حجرتي وملابسي وحمامي..

قمر : (يفجر في همس) يا للمصيبة!...

شمس : (هامسة له) ماذا دهاك؟...

قمر : (هامسا) حمامة؟...

شمس : (تهمس) اسكت.. اسكت!...

قمر : (يناضل همسا) كيف اسكت على هذا؟... حمامه؟... مستحيل!... مستحيل!...

الأمير : ما الخبر يا بدر؟...

شمس : لا.. لا شيء يا مولاي..

الأمير : يبدو أن زميلك غير مبتهج...

قمر: (بصوت منخفض) أبتهج؟...

الأمير : ماذا يقول؟...

شمس : لا شيء.. إنه فقط كان ينتظر أن يعين هو أيضا في عمل...

الأمير : أمر هذا سهل.. ما عليه إلا أن يختار العمل الذي يحسنه...

شمس : (لقمر) أسمعت؟... ما عليك إلا أن تختار لنفسك العمل المناسب...

قمر : أختار إذن أن أقوم أنا بحمام الأمير...

الأمير : حمامي؟... ولكني أنا قد اخترت أن يقوم بدر بهذا العمل...

قمر : هذا ما أريد القيام به أنا...

الأمير : ولكني أنا الذي أختار من يحميني، وليس من يحمي هو الذي يختارني!..

قمر : لا أصلح إلا لهذا...

الأمير : إذا أردت أن تحمي أحدا فإليك تابعي!...

التابع : (محتجا) يحميني؟... وما حاجتي به؟...عندي زوجتي..

الأمير : المهم هو أن تبحث له عما يرضيه...

التابع : نبحث له...

قمر : ما يرضيني هو احترام زميلي، وإبعاده عن مثل هذا العمل المهين!..

الأمير : المهين؟.. ما هذا الذي يقوله هذا الرجل؟... اتسمي عمله إلى جواري عملا مهينا؟...

التابع : إنه التشريف.. وأي تشريف..

الأمير : (لشمس) أيعجبك يا بدر هذا الذي يتفوه به زميلك؟..

شمس : بالطبع لا يا مولاي.. ولكنها الغيرة...

قمر :الغيرة؟...

شمس : لفوزي أنا بهذا الشرف يا مولاي!..

الأمير : حقا... هذا شيء طبيعي بين الزملاء!..

شمس : (لقمر) اسمع يا قمر!.. كف عن هذا السلوك الصبياني ودعني أنا أتصرف بنفسي!...

قمر : وإذا ساءت النتيجة؟...

الأمير : أي نتيجة التي تسوء؟..

شمس : لا تصغ إلى كلامه يا مولاي... إنه أحيانا يقول كلاما لا معنى له...

قمر : لا معنى له؟...

شمس : ولا جدوى منه...

قمر : أتخلى إذن عن كل شيء؟...

الأمير : زميلك هذا يا بدر يعطي لنفسه عليك حقوقاأكثر مما ينبغي...

شمس : بحكم الزمالة والصداقة... لا أكثر ولا أقل...

قمر : لا أكثر ولا أقل؟...

شمس : طبعا... مجرد زمالة عادية... لا تربط أحدنا بالآخر...

قمر : لا رباط إطلاقا؟...

شمس : إطلاقا...

قمر : ولكن هذا ليس رأيي أنا...

شمس : منذ متى؟...

قمر : منذ اللحظة...

شمس : هذا شيء جديد إذن!...

قمر : جديد أو قديم... لا يهم!...

شمس : أنت حر في آرائك ومشاعرك منذ اللحظة...

قمر : هكذا؟...

شمس : نعم... هكذا...

قمر : لكن... ألا يحسن التفكير قليلا...

الأمير : (صائحا) وأخيرا؟...

شمس : معذرة يا مولاي!...

الأمير : هذه المناجاة بينكما قد طالت بعض الشيء...

شمس : إني رهن الإشارة!....

الأمير : هلم بنا يا بدري!...

شمس : إلى أين؟...

الأمير : إلى حجراتي.. نتكلم بتفصيل في أمر الذهاب والتقدم إلى شمس النهار... أما زميلك هذا فسيتكفل تابعي بكل ما يريحه...

شمس : سمعا وطاعة!...

الأمير : (ينهض ويشير إلى عباءته الموضوعة فوق مقعد بجواره) أحمل عباءتي يا بدر وابتعني!

شمس : احملها بنفسك يا مولاي!

الأمير : (مندهشا) ماذا تقول؟...

شمس: أقول أحمل عباءتك بنفسك!...

الأمير : أتقول لي أنا هذا يا بدر؟...

التابع : أقال هذا لمولانا الأمير؟...

شمس : نعم... لأني أريد للأمير أن يكون رجلا كاملا...

الأمير : كيف ذلك؟... ما هذا الكلام؟

شمس : الذي يقوم بنفسه هو الأكمل، والذي يحتاج إلى أن يقوم له غيره بما يستطيع هو الأنقص...

الأمير : كلام معقول... لكن ...

شمس : ما دام معقولا فلماذا لا تقم به؟...

الأمير : أحمل عباءتي بنفسي؟...

شمس : ولم لا؟!...

الأمير : هذا شيء لم أتعوده...

شمس : تعود!...

الأمير : (وهو يحمل العباءة) العباءة خفيفة على كل حال... لكن هل سيتعدى الأمر غيرها؟...

شمس : طبعا... إذا قلت لي أسقني!...

الأمير : ستقول لي: قم واشرب بنفسك!...

شمس : بالضبط...

الأمير : وإذا قلت لك: ألبسني ثيابي؟...

شمس : سأقول لك البسها بنفسك!...

الأمير : وحمامي أيضا بالطبع...

شمس : بدون شك...

الأمير : فيم استخدمتك إذن؟...

شمس : لأكمل نقصك.. لكن مادمت أنت إنسانا كاملا فلن تحتاج إلى ...

الأمير : إني على كل حال محتاج إليك، في أمر لابد له منك: الوصول إلى شمس النهار!...

شمس : شمس النهار لا تريد الإنسان الناقص...

الأمير : أنت أدري بها... ولذلك أطيعك... من أجلها...

شمس : لا أريد أن تطيعني مرغما... على مضض!...

الأمير : سأنفذ لك كل ما تشير به... وكفى!...

شمس : وفي دخيلة نفسك؟...

الأمير : وما شأنك أيضا بدخيلة نفسي؟..

شمس : يجب أن يكون هناك إقتناع من الداخل...

الأمير : أوامرك زادت يا بدر!...

شمس : من يطلب الصعب فليتحمل!...

الأمير : إني متحمل... كما ترى...

التابع : ولم يسبق لمولانا الأمير أن تحمل أحدا كما يتحملك يا هذا...

الأمير : (لتابعه) لعله يشهد يوما أمام شمس النهار بما تحملت في سبيلها!...

شمس : إنك لم تتحمل بعد شيئا... إنك لم تزل في بداية الطريق...

الأمير : فليكن.. لقد صممت على السير إلى النهاية...

شمس : دون تخاذل أو تذمر!...

الأمير : اطمئن!... ما عليك إلا أن ترشدني إلى ما ينبغي...

شمس : سيكون الأمر قاسيا عليك...

الأمير : إني مستعد...

شمس : فلنبدأ إذن من الآن...

الأمير : فلنبدأ... وهلم بنا إلى حجرتي نعد التفاصيل!...

شمس : إلى حجرتك؟...

الأمير : طبعا.. لا يمكن أن أمكث هنا طول الوقت وحديثنا ربما طال...

شمس : ولكن...

الأمير : فيم ترددك؟..

شمس : لا... لاشيء... هلم بنا يا مولاي!...

قمر : (صائحا) إلى حجرته؟.. إلى حجرته؟.. هذا لا يمكن أن يكون... لا يمكن أن يكون..

الأمير : ما هذا المجنون؟... زميلك هذا لابد قد فقد صوابه!...

شمس : لا تهتم يا مولاي!...

قمر : لا يمكن... لا يمكن...

التابع : (يمسك به ويمنعه من الحركة) قف مكانك!...

الأمير : هلم بنا يا بدر!...

شمس : (تنظر خلفها إلى قمر وهم يمسكون به وتبتسم ثم تمضي خلف الأمير) في أثرك يا مولاي!...

(ستار)

 

 

المنظر الثاني

 

 

طريق في الخلاء بجوار تل صغير أو مرتفع من الأرض... المكان خال... ثم تظهر شمس النهار وخلفها الأمير وقمر

شمس : (للأمير) إذا أردت الراحة قليلا، فها هنا : مكان مناسب!...

الأمير : (يتهالك جالسا) حقا.. أف...!

شمس : إنك غير معتاد السير على الأقدام!...

قمر : إنه كان يعرج في الطريق ويخفي ذلك...

الأمير : اسكت أنت!...

قمر : لا تخاطبني بلهجة الأمر.. أنت هنا لست : بالأمير ونحن لسنا من رعاياك... كان هذا هو الشرط... كلنا متساوون.. ورفقاء سفر...

الأمير : أعرف ذلك... ولم أخاطبك باعتباري : أميرا، ولا باعتبارك رعية... بل باعتبارك رفيق سفر!.. رفيق سوء كتب على احتماله!...

قمر : لم يكتب ذلك عليك وحدك!....

شمس : وأخيرا؟... أنظل طول الوقت على هذا الحال؟ ألا يمكن أن يحتمل أحدكما الآخر لحظة من الوقت!

الأمير : أنت يا بدر إنسان لطيف! ومن أجلك : أحتمل أي مصيبة!...

قمر : مصيبة؟...

شمس : صبرا يا قمر!... صبرا أرجوك!...

قمر : صبرت..

شمس : وأنت يا حمدان تمالك نفسك... لا من أجلي... بل من أجل الهدف الذي تسعى إليه...

الأمير : نعم ... شمس النهار... لو تعلم ما يجري على من أجلها!...

شمس : على كل حال ربما كنا في نهاية الرحلة... وكانت مدينتها خلف هذا التل. قم يا حمدان واكتشف أنت.

الأمير : (ناهضا) نعم في الحال...

شمس : يعجبني منك يا حمدان أنك لم تتذمر من أي عمل طول الطريق....

الأمير : ولماذا أتذمر؟ كل ما كلفتني به يا بدر كان مفيدا لي ونافعا...

شمس : أحقا تشعر بذلك!...

الأمير : ثق أني أتكلم من أعماق قلبي...

قمر : أعماق قلبه!...

الأمير : إني ذاهب... (يتجه نحو التل)...

شمس : ستصعد في التل طبعا؟

الأمير : طبعا... (يرفع بصره) لكن... ما هذا الذي فوق التل؟... يبدو أنها قرية... نعم هي قرية... لكنها قرية ميتة.. لا حراك بها.. انظروا ... أمامها أشباح جامدة... كالأصنام.. كأنها مدينة النحاس المسحورة!...

شمس : (تنظر) نعم.. قرية مسحورة كمدينة النحاس المسحورة!...

الأمير :لكن ... أحقا هي مسحورة؟

شمس : ويمكن فك سحرها إذا أردت...

الأمير : كيف؟...

شمس : إصعد إلى هذه الأشباح، وأنا أقول لك بعد ذلك ماذا تفعل!...

الأمير : سأصعد... (يصعد المرتفع)

شمس : ماذا وجدت؟...

الأمير : إنها فعلا ميتة... ولكنها قائمة في مكانها.. أشباح صامدة.. أعينها مفتوحة... ولكنه أهدابها لا تتحرك.. وأيديها ممدودة... ولكنها كالمتجمدة....

شمس : هل بقي في جرابك شيء من الخبز؟....

الأمير : (يفتش في جرابه) نعم...

شمس : أخرجه وضعه في تلك الأيدي...

الأمير : لكن...

شمس : نفذ ما أقول لك...

 

الأمير : (ينفذ) ها أنذا أفعل...

شمس : انظر الآن ما سيكون!...

الأمير : عجبا... عجبا... بدأوا يتحركون... الأيدي أخذت تضع الخبز في الأفواه.. إنهم يأكلون.. إنهم يأكلون.. إنهم يسيرون... لقد فك السحر فعلا... فك السحر عن القرية...

شمس : أرأيت؟...

الأمير : حقا... هذا عجيب!...

شمس : أسال الآن أحدهم عن الطريق إلى مدينة السلطان نعمان والد الأميرة شمس النهار!...

الأمير : (يسأل أحد الاشباح التي تحركت وجعلت تأكل الخبز) قل لي ياعم... أين مدينة السلطان نعمان والد الأميرة شمس النهار(الشبح هو رجل عجوز يشير له بيده إلى ما وراء التل في صمت، وهو منهمك في الأكل....)

شمس : ماذا قال؟...

الأمير : إنه أشار إلى ما وراء التل... في الجهة الأخرى... سأنظر... (يلتفت ويصيح) حقا... هذه مدينة... مدينة كبيرة.... بقباب ذهبية.. إنها قريبة من هنا ولاندري... يحجبها التل عنها...

شمس : تعال إذن نتباحث فيما يجب عمله..

الأمير : (يهبط التل) القرية المسحورة!... حقا... لقد تعلمت شيئا...

شمس : استرح الآن قليلا!... إن الصعود على التل على قدميك لا شك متعب...

الأمير : فليكن... ولكنه مثمر...

شمس : أدركت ذلك؟

الأمير : نعم.. السائر على قدميه يرى أشياء، والراكب لا يرى شيئا...

شمس : اسمع يا حمدان!... الهدف اقترب... والمدينة كما رأيت.. خلف التل على مرمى البصر... الرأي عندي أن تذهب بمفردك.

الأمير : بمفردي؟...

شمس : نعم... يجب أن تواجه شمس النهار بمفردك!..

الأمير : وأنت يا بدر ؟..

شمس : أنا سأبقي ها هنا مع زميلنا قمر، في انتظار عودتك.

الأمير : عودتي؟..

شمس : أو إشارة منك تنبئنا بالنتيجة... وكل أملناأن تكون سارة، وأن يكلل جهدك بالنجاح، ونراك من الفائزين...

الأمير : نعم ... حان وقت الذهاب... لكن...

شمس : لا تتردد. كن واثقا من نفسك!

الأمير : نعم، وسأعمل بما أوصيتني به...

شمس : هلم وأسرع!...

الأمير : دعني أعانقك يا بدر!...

شمس : ليس الآن.. عندما تعود إلينا ظافرا!...

الأمير : إلى اللقاء إذن...

شمس : إلى اللقاء.

(الأمير ينصرف نحو المدينة، وتبقي شمس النهار ومعها قمر...)

قمر : أف! الآن أستطيع أن أتنفس!... كان كابوسا وانزاح!

شمس : أنا لست أراه ثقيلا على أي حال....

قمر : كان يريد أن يعانقك!... لو أنه فعل لما نجا من يدي...

شمس : وما شأنك أنت للتدخل؟!...

قمر : تقولين ما شأني؟!

شمس : أنت تكرهه بلا مبرر...

قمر : أنا واثق أنه شم فيك رائحة الأنثى...

شمس : وما الضرر؟!.. إن له على الأقل أنفا يشم!...

قمر : أخبريني ماذا حدث تلك الليلة... عندما انصرفت مع هذا الرجل إلى حجرته... وتركتني أتخبط بين أيدي تابعيه!...

شمس : ماذا تظنه قد حدث؟...

قمر : الم يحاول؟...

شمس : كيف تخطر في بالك مثل هذه الأفكار الدنئية؟...

قمر : الدنيئة؟...

شمس : يظهر أنك نسيت من أنا؟...

قمر : أنت امرأة...

شمس : الآن فقط عرفت ذلك؟...

قمر : امرأة سمحت لنفسها أن تنفرد برجل...

شمس : أهذا شيء غريب عليك؟! ولماذا لم تتحدث عن انفرادي بك ؟!...

قمر : أنا شيء آخر...

شمس : لست أرى أي فرق... ما أنت إلا رجل مثل الآخرين...

قمر : أنا لا أعرف الآخرين... أنا أعرف نفسي... أعرف أخلاقي... ولا أعرف أخلاق غيري...

شمس : إن ما يحميني ليست أخلاقك أنت أو غيرك.. إن ما يحميني هي أخلاقي أنا...

قمر : صدقت... وهذا ما يطمئنني...

شمس : يطمئنك؟... وما هي علاقتك بي؟...

قمر : عجبا!... ألا توجد بيننا علاقة؟...

شمس : من أي نوع؟...

قمر : الست على الأقل خطيبتي؟..

شمس : على الأقل؟..

قمر : مثلا..

شمس : لا ياسيدي... لا على الأقل ولا على الأكثر...

قمر : ألم تخرجي من قصر والدك على هذا الأساس؟..

شمس : نعم.. على هذا الأساس الواهي.. أو الوهمي.. لأنك أنت لم تلجأ إليه إلا لكي ندرأ كلام الناس!... أما في الحقيقة فأنت غير متمسك به...

قمر : من قال ذلك؟...

شمس : ترددك الطويل في الارتباط بي...

قمر : يا للنساء!... أنسيت السبب في ذلك؟ إن ترددي في الارتباط لم يكن من أجلي أنا ... بل من أجلك أنت.. من أجل الاحتفاظ لك بحريتك.. من أجل حقك في الاختيار الحر... عندما أصبح أنا أهلا لذلك... بعد أن تصنعي مني إنسانا... أنسيت كل هذا؟...

شمس : (تضحك) أصنع منك إنسانا؟...

قمر : لماذا تضحكين؟ أليس من أجل هذا خرجنا معا. نسير في الأرض الواسعة...

شمس : كي أصنعك؟..

قمر : نعم..

شمس : (صارمة) أيها الماكر! أيها المخادع!... من منا الذي صنع الآخر؟... تكلم!...

قمر : ماذا تقصدين؟...

شمس : أنت الذي صنعتني.. وكنت تعلم ذلك ... ولكنك تظاهرت وموهت.. ولن أغتفر لك هذا أبدا..

قمر : لن تغتفري لي...

شمس : هذه خديعة...

قمر : ثقي أني لم أفكر في خديعتك.. كل شيء سار سيرا طبيعيا.. لقد خرجنا معا إلى الحياة.. وأنت امرأة ذكية..

شمس : ولكنك تعمدت أن تعلمني.. وقد علمتني.. لماذا؟... ما هو هدفك؟... ولعلك جئت القصر بهذه النية المبيته... لماذا؟.. ها أنت ذا قد وصلت إلى غرضك... أو بعضه.. ماذا تريد مني الآن؟.

قمر : أنا لا أريد.. الإرادة لك أنت...

شمس : لا تريد!...

قمر : لست أجرؤ...

شمس (تنظر إليه مليا) أنا لا أعرفك...

قمر : لا تعرفينني؟...

شمس : أعرف أنك صانعي.. ولكني لا أعرف حقيقتك. لا أعرف ما بداخلك... لا أرى قلبك..

قمر : قلبي...

شمس : نعم... هناك رجل آخر... أنا الذي صنعته ... أعرفه.. أعرف ما بداخله... وأستطيع أن أرى قلبه...

قمر : من هو؟... الأمير حمدان؟..

شمس : نعم.. حمدان...

قمر : أتحبينه؟..

شمس : لا أتكلم بعد عن الحب...

قمر : أرايت؟.. إذن لقد كنت أنا على حق عندما تركتك طليقة الإرادة.. ها قد جاءت ساعة الاختيار.. واتجه قلبك بالفعل إلى الشخص الذي...

شمس : لم يتجه إلى أحد..

قمر : ولكنه بدأ على كل حال يشعر بمن هو أقرب إليه..

شمس : ربما ...

قمر : نعم.. الأميرة والأمير... ها هي الأوضاع قد عادت إلى أصلها!...

شمس : لا تكن سخيفا!...

قمر : لا تظني أني معترض.. على العكس... إني مرحب...

شمس : لا داعي إلى اعتراضك أو ترحيبك.. إني لم أقرر بعد شيئا...

قمر : تقصدين أن أمامي بعض الأمل؟...

شمس : ومن نصحك باليأس؟... (تتناول جرابها لتنصرف به...)

قمر : إلى أين؟...

شمس : هنا... على بعد خطوة منك...

قمر : ماذا ستفعلين؟...

شمس : ستعرف بعد قليل.... (تختفي....)

قمر : آه ياربي!... من أين طلع لي هذا الرجل؟... إذا كنت حقا تحبينه، فما هو مصيري؟... هل أستطيع البعد عنك؟... هل تسمعين؟... أفضل أن تكوني الآن بعيدة قليلا، وألا تسمعي ما أقول، حتى لا تؤثر عواطفي في اتجاهك... أهذا صحيح؟... أم أنها كبريائي تأبي إظهار عذابي أمامك؟... (ينادي) شمس... شمس... إنها الآن بعيدة لا تسمع... نعم هذا أفضل، لكن من يدري؟... ربما كنت تسمعين وتتظاهرين بعد السماع! فليكن.. مادمت لا أوجه إليك الكلام مباشرة!... قولي لي الآن بصراحة ما الذي يرجح عندك حمدان هذا؟!... ستجيبين: لأنك صنعته ووضعت فيه جزءا من نفسك!... وهنا الكارثة!... نحن فعلا نحب مخلوقاتنا ولا نحمل لخالقينا إلا التقدير!... إذن لا أمل لي في حبك!... وأنا الذي انتظرت طويلا هذه اللحظة. لست أنا إذن الذي سينال هذا... ويحس بذراعيك حول عنقه... (قمر يصمت ويطرق... وتظهر شمس وقد خلعت ملابس الجندي. وارتدت ثوب امرأة...)

شمس : ما رأيك؟...

قمر : (ناظرا إليها مأخوذا) ما هذا؟

شمس : طلبت هذا الثوب من إحدى الجواري في قصر حمدان. أليس بديعا؟. ها أنا ذي قد عدت امرأة...

قمر : (وقد عاد إلى إطراقه) نعم...

شمس : ولماذا تقولها بحزن؟..

قمر : (دون أن ينظر إليها) لأنك جميلة...

شمس : لأول مرة اسمع منك هذا الوصف لي!...

قمر : أمن أجل عودته تلبسين هذا؟

شمس : من ؟..

قمر : حمدان.. إنه لاشك عائد بعد قليل...

شمس : طبعا لابد عائد.. بعد أن يعرف في المدينة ما حدث من أمر شمس النهار...

قمر : نعم ...

شمس : وسيدهش عندما يعلم أن شمس النهار كانت معه طول الوقت، وهو لا يدري...

قمر : (مطرقا) نعم...

شمس : قد تسألني لماذا أرسلته إلى المدينة، ولم أخبره أنا بما حدث...

قمر : لن أسأل...

شمس :(مستمرة) الأسباب كثيرة.. ولعل ما يهمنا الآن منها هو أني أردت تصفية الموقف في غيبته.. في جو هادئ.. حتى لا يقوم بينكما شجار...

قمر : (ينهض) الموقف لا يحتاج إلى تصفية.. سأختصر الطريق...

شمس : أجلس يا قمر!... إني في حاجة إلى رايك..

قمر : أنت ما عدت في حاجة إلى أحد...

شمس : ستعرف الآن...

قمر : لست أريد. كل هذا وقت ضائع...

شمس : اين رزانتك يا قمر؟.. قليلا من الرزانة، أرجوك!... اسمتع إلى لحظة.. قبل أن يعود...

قمر : تكلمي!...

شمس : إني في حيرة.. حيرة شديدة...

قمر : أعرف...

شمس : نعم.. لقد أدركت ذلك أنت.. وقلته بوضوح.. وأنت تخاطبني عن بعد...

قمر : اسمعت إذن؟...

شمس : بالطبع...

قمر : العلاج بسيط لكل هذا.. تزوجي الأمير حمدان، ترضي قلبك وترضي والدك!...

شمس : أرضي قلبي؟ لا.. ليس تماما... أكذب عليك إذا قلت لك إنك لا تحتل جزءا منه...

قمر : جزء !...

شمس : وأكذب عليك أيضا إذا قلت لك إني لن أفكر في حمدان إذا تزوجتك...

قمر : تفكرين في حمدان؟

شمس : أيمكن أن تقبل ذلك؟... أن أتزوجك ثم أظل أفكر في ذلك الذي صنعته بيدي، كي يصنع بدوره بلده ويغير شعبه.. إني أعلق عليه آمالا كبارا...

قمر : كوني إذن بجانبه.. وجاهدا معا....

شمس : وأنت؟...

قمر : أعود من حيث أتيت...

شمس : من أين؟... تصور أني لم أسألك حتى الآن من أنت... ولا من أين أتيت... شخصك وحده هو الذي همني...

قمر : لم يعد هناك محل الآن للسؤال...

(ينهض ويحمل جرابة لينصرف...)

شمس : انتظر يا قمر!...

قمر : (ليتفت إليها بعنف) أولا اسمي ليس بقمر... ولا قمر الزمان!... ولست بأمير... ولا بشيء على الإطلاق... ولا أعرف من هو أبي، ولا من هي أمي. نشأت بين الناس في حي بسيط وعملت راعي غنم.. ثم حطابا.. ثم نجارا.. ثم مؤذنا بمسجد.. ثم مرتل قرآن.. ثم معلم صبيان.. ثم هائما على وجهي أقوم بأي شيء، وبكل شيء... وأعاون من في حاجة إلى معاونة على قدر علمي وطاقتي.. ويناديني الناس باسم لا أعرفه ولا يعرفون من أين جاءني.. لكنه على كل حال هو اسمي.. اسمي الحقيقي... أتريدين أن تعرفي ما هو هذا الاسم: هو دندان!...

شمس : دندان؟.. (تضحك)

قمر : نعم.. اسم مضحك كما ترين!... ماذا تريدين أن تعرفي عني أيضا؟...

شمس : اسمع يا ... دندان!... (تستغرق في الضحك)

قمر : اضحكي كما تشائين!... ما أنا إلا دندان!... هذا هو الشخص الذي تجرأ وتقدم إليك...

شمس : وتردد في الزواج مني، ورضي مرغما أن يكون خطيبي!... أما زلت متمسكا برباط الخطبة يا .. دندان؟

قمر : بالطبع لا ... خصوصا الآن...

شمس : وما قولك في أني أنا المتمسكة بهذا الرباط الآن؟..

قمر : أهذا وقت المزاح؟

شمس : إني جادة كل الجد...

قمر : والأمير حمدان؟

شمس : حمدان؟... لا .. اسم دندان يعجبني!. (تضحك)

قمر : لأنه سيجعلك تضحكين طول الوقت...

شمس : وما الضرر؟

قمر : اعتقد أن أمامك أعمالا أخرى أهم من الضحك علي... (يحمل متاعة للإنصراف...)

شمس : (جادة وصارمة) انتظر.. أتظن في استطاعتك أن تنصرف وحدك؟... إنك حيثما تذهب تجدني معك. ابق في مكان ولا تكن أحمق!... كنت أحسبك اذكى من ذلك!... كيف لم تفطن إلى ما أشعر به نحوك، وإلى ما يربطني بك؟...

قمر : (ساخرا) من متى؟...

شمس : (جادة) منذ أول يوم... وأنت في أعماق نفسك لابد أنك كنت تحس...

قمر : ربما ... إلى أن التقينا بذلك الأمير...

شمس : حمدان؟... ستجعلني أضحك مرة أخرى.. ما اشد غباء الرجال!... رجل في مثل فطنتك أمكن استثارة غيرته بأبسط الوسائل!...

قمر : ألا يحتل جزءا من قلبك؟...

شمس : إني فخورة به.. وأعتقد أنه تغير فعلا... وأنه سيصلح بلدة حقا.. لكن الحب شيء آخر... وكان يجب أن تفهم ذلك أيها الغبي!... دندان!...

قمر : استطيع إذن أن....

شمس : أن تقبلني إذا شئت... وهي أول قبلة أعطيها لرجل... وهذا الرجل هو خطيبي وزوجي!...

قمر : زوجك ؟... أنا؟...

شمس : ولن أحب غيرك... ولن أتزوج سواك!...

قمر : أنا ؟...

شمس : ها هوذا يتردد مرة أخرى!...

قمر : اسمعي ياشمس!...

شمس : لا.. أرجوك!... لقد أضعنا وقتا طويلا... هيا.. هيا بنا...

قمر : إلى أين؟...

شمس : نتزوج..

قمر : نتزوج؟!... الآن؟

شمس : طبعا الآن.. أتظن أني خلعت ملابس الجندي ولبست هذا الثوب لمجرد اللهو؟..

قمر : اولبسته الآن لهذا الغرض؟...

شمس : بدون شك!... أكان من الممكن أن تتزوج جنديا؟...

قمر : كل هذا إذن كان مدبرا؟

شمس : بكل دقة وعناية...

قمر : أتزوجك؟... أأنا في حلم.. وأضمك إلى صدري؟

شمس : نعم ... إذا سكت من الكلام واسرعت في الخطى.. هيا بنا.. هلم.. إلى الزواج...

قمر : وأين يكون الزواج؟

شمس : في المدينة طبعا.. لا يمكن أن يكون في الخلاء!...

قمر : في مدينة أبيك؟

شمس : إنها الأقرب...

قمر : وبعد الزواج؟...

شمس : أتفكر الآن فيما بعد الزواج؟...

قمر : أين نقيم؟... في القصر؟...

شمس : إذا أردت...

قمر : إني طبعا لا أريد.. أنا لا استطيع الحياة في القصور!...

شمس : إذا فضلت الكوخ.. فثق أني أفضله...

قمر : وأنت معي؟...

شمس : أو لم نعش معا في العراء؟...

قمر : نعم... ولكن ليس من حقي أن أرغمك على التشرد طول حياتي.. ليس من أجل هذا تكونت كل هذا التكوين!... إنه من أجل أن تصنعي شيئا مفيدا.. إنك تنتظرين من حمدان أن يصلح بلده... وبلدك فيما أعتقد ليست خيرا من بلده...

شمس : معنى ذلك...

قمر : نعم. معنى ذلك أن تسلكي نفس طريق حمدان.. وأن تعودي إلى بلدك، وتعملي على إصلاحة...

شمس : بمفردي؟...

قمر : نعم.. بمفردك... شعبك محتاج إليك... ولن يقبل تغييرا وإصلاحا إلا منك وحدك، النابتة منه، الناشئة فيه...

شمس : وأنت؟..

قمر : أعود إلى حياتي.. حياتي التي يجب أن أعيشها.. مع أولئك الذين نشأت بينهم...

شمس : وسعادتنا؟...

قمر : فلنفكر في سعادة الآخرين...

شمس : أي حياة مرهقة تلك التي تنتظرني!...

قمر : أصحاب الرسالات لا يستريحون...

شمس : أما من حل آخر؟...

قمر : توجد حلول كثيرة.. ولكنني اخترت الأصعب..

شمس : نعم .. والأقصى!...

قمر : ولكنه الأجدر بشخصيتك...

شمس : هل تظن أيها الحبيب أني سأستطيع الصمود..

قمر : تستطيعين أكثر مني... وليس من المناسب الآن أن أكشف لك عن فداحة ما أتحمل.. ولكن لابد لنا من الشجاعة!....

شمس : مادمت تريد ذلك... فهو إذن الأصوب..

قمر : وداعا ياشمس النهار!..

شمس : وداعا ياقمر الزمان! يادندان!...(مرددة بحزن) دندان!...

شمس : قوليها بابتسامتك!... لنفترق على ابتسامة...

شمس : (بابتسامة حزينة) نعم.. ابتسامة!...

(يحمل كل منهما متاعة وينصرف في صمت، كل من طريق غير الطريق... ولكنهما قبل أن يختفي ها يقفان... ويستديران فجأة.. وينظر أحدهما إلى الآخر.. ثم ينطلقان تلقائيا أحدهما نحو الآخر ويتعانقان بشدة...)

شمس : لا أستطيع... لا أستطيع.. التضحية أكبر مما أستطيع...

قمر : نعم... أكبر مما نستطيع...

شمس : لا أتصور أن في إمكاننا أن نفترق...

قمر : لن نفترق بالروح أبدا..

شمس : حبنا أقوى من كل شيء...

قمر : نعم ولكن... ولكن رسالتك أقوى...

شمس : رسالتي؟... نعم

قمر : نعم ياشمس النهار... لاتنسي ذلك...

شمس : نعم.. نعم.. ولكن لن أنساك أيضا أبدا...

قمر : ولا أنا!...

شمس : سنلتقي أيها الحبيب.. سنلتقي.. وستفخر بي وبعملي.. إني واثقة...

قمر : وأنا واثق.

(تتركه في صمت دون أن تنظرغليه.. ويقف هو يشيعها بنظره حتى تختفي).

 

(ستار)

 

أضيفت في 23/01/2005/ خاص القصة السورية

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية