أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 04/09/2022

أعمال مترجمة / الكاتب: علي احمد ناصر

أعمال مترجمة

إلى صفحة الكاتب

لقراءة الأعمال المترجمة

 

 

الأعمال المترجمة

سميرة الصغيرة

الديك والدجاجة والفأر

 الأميرة المتخفية بثياب فقيرة

 

الأميرةُ المُتَخَفِّيةُ بِثيابِ فقيرةٍ

 

كانَتْ هُناكَ أَميرةٌ رائعةُ الجَمالِ. ماتَتْ أمُّهَا عندَ وِلادَتِها. كانَتْ الأَميرةُ لطيفةً جداً. وذاتَ شعرٍ ذهبيٍّ براقٍ.
أرادَ والدُها الملكُ ، في يومٍ منَ الأيامِ ، إجبارها على الزَّواجِ من أميرٍ لا تحبُّهُ، ففكَّرتْ بِخِطَّةٍ لإلغاءِ العُرسِ، وطلبتْ أنْ تُصنعَ لَهَا ثلاثةُ فساتينَ جديدةً، أحدُها يجب أَنْ يكونَ ذهبياً كالشَّمسِ، و ثانيها يجبُ أَنْ يكونَ فِضِّيَّاً كالقَمرِ ، و ثالثُها يجبُ أَنْ يكونَ مُشِعَّاً كالنُّجومِ.
وَطَلبَتْ أيضاً أَنْ يُصنَعَ لها مِعطفاً من الفروِ ، بِقُبَّعَةٍ، و أَنْ يكونَ الفِراءُ مأخوذاً مِنْ جِلدِ أَلْفِ نَوْعٍ مِنَ الحيَوانَاتِ.
ظنَّتْ الأميرةُ أنَّ طلباتِها مُستحِيْلةَ التَّحْقِيْقِ، أَوْ أَنَّ تنفِيْذَها يَستغرِقُ وقتَاً طويلاً يتأخرُ بهِ حفلُ زفافِها المشؤُوْمِ.
لَكِنَّ والدَها الملِكُ الجبَّارُ سخَّرَ أَمْهَرَ الخيَّاطِيْنَ لتَجْهِيْزِ أَثْوابِها الثَّلاثةِ ، و طلبَ من صيَّاديهِ إحضارَ الفروِ مِنْ أَلْفِ نوعٍ منَ الحيواناتِ.
ولمْ يستغرِقْ الأَمرُ طويلاً، حتى صارتْ الفساتينُ و معطفُ الفراءِ جاهزةً، و أصبحَ الزَّواجُ قريباً أكثرَ مِمَّا توقعَتْ الأميرةُ المِسكينةُ.
في اللَّيلِ، أفاقَتْ الأميرةُ سِرَّاً ، و فتحَتْ صندوقَ مُجَوهَرَاتِها و أخذَتْ مِنْهُ خاتَماً ذهبيَّاً، وقِرطاً ذهبياً أيضاً و كذلك عِقدَاً ذهبيَّاً.
ثُمَّ أخذَتْ الثَّوبَ الذَّهبِيَّ الذي يُشبِهُ الشَّمسَ ، والثَّوبَ الفِضيَّ الذي يُشبِهُ ضوءَ القَمرِ، والثَّوبَ المُشعَّ الذي يُشبِهُ ضِياءَ نُجومِ السَّماءِ ، ووضعَتْهُم فوقَ بعضِهِم بعضاً بعدَ أنْ طَوَتْهُم بِإِتقانٍ.
كانوا يسطَعُوْنَ و يَسحرُوْنَ ، حتَّى أَنَّهَا استَطَاعَتْ وضْعَهُم في قِشْرِةِ ثَمَرَةِ جَوْزٍ جَوْفَاءٍ، ثُمَّ ارتَدَت مِعطفَ الفِراءِ، و طَلَتْ وجهَهَا و يدَيْها بِهُبابِ الفَحمِ ، حتَّى لا يستطيعُ أحدٌ التَّعرُّفَ عليها، ثُمَّ تركَتْ قصرَ والدِها الملكِ الجبَّارِ.
سارَتْ الأميرةُ وحيدةً في الغاباتِ حتَّى تعِبَتْ، فنامَتْ في جوفِ شجرةِ دِلْبٍ كبيرةٍ طوالَ اللَّيلِ.
في اليَومِ التَّالي، كانَ الملكُ الشَّابُّ الذي يحكِمُ الغابةَ يصيدُ مع رجالِهِ، فوجدوا الأميرةَ النَّائمةَ، واتَّجهُوْا نحوَها.
عِندَما سمِعَتْ الأميرةُ نُباحَ كِلابِ الصَّيدِ ، ووقْعَ حَوَافرِ الخيلِ، استيقظَتْ خائِفةً ، وقالَتْ لَهُمْ:
- أَنَا فتاةٌ فقيرةٌ ، و يتيمةٌ ، خُذونِي معَكُمْ!"
فأخذَها الصَّيَّادُوْنَ معَهُم إِلى قصرِ الملِكِ ، و أعْطَوْهَا غُرفةً صغِيرةً مُظلِمَةً ، تَقَعُ تحتَ سُلَّمٍ ، بعدَ أنْ ظنُّوْا أَنَّها غُرفةٌ مُنَاسِبةٌ لِفَتَاةٍ ذاتَ وجهٍ و يدينِ مَطلِيَّتَينِ بالشُّحَّار.
كانَتْ تعملُ كثيراً في المطبخِ ، و كانَتْ تجلِبُ الماءَ ، و الحطبَ، و تراقبُ نارَ الموقِدِ ، و تُنظِّفُ الرمادَ حولهُ.
في اللَّيلِ كانَتْ تبكي مُعظَمَ الوقْتِ في غُرفتِهَا الصَّغيرةِ المُظلِمَةِ.

في أَحدِ الأيَّامِ أُقيمَ احتفالٌ كبيرٌ في قصرِ ملِكِ الغابةِ الشَّابِّ،فقالَتْ الأميرةُ لكبيرِ الطبَّاخِينَ:
- هَلْ أَستطيعُ التَّفَرُّجَ على السَّيِّداتِ الجميلاتِ و السَّادةِ في القصرِ؟
قالَ كبيرُ الطبَّاخين:
- اذهبي لِنصفِ ساعةٍ فقطْ، ثُمَّ عُودِي لمُِراقبَةِ نارِ الموقِدِ، و إزاحةِ الرَّمادِ عنْهُ.
ذهبَتْ الفتاةُ المِسكينةُ إلى غُرفتِهَا ، و نظَّفَتْ نفسَهَا جيَّدَاً و أَزالَتْ الشُّحَّارَ عنْ وجهِهَا وَيديْهَا، ثُمَّ فَتحَتْ قِشْرَةَ ثَمَرَةِ الجَوْزِ ، وَسحَبَتْ مِنْهَا الثَّوبَ الذَّهَبِيَّ، وارتدَتْهُ ، وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا الذَّهَبِيَّ علَى كتِفَيْهَا، وانْطَلَقَتْ إِلى قاعَةِ الاحتِفَالِ دونَ أنْ يعرِفَهَا أَحَدٌ.

أُعْجِبَ الملكُ الشَّابُّ بِها كثيراً، لأَنَّهَا كانتْ رائعةَ الجمالِِ، فرقَصَ معَهَا!
بعدَ انتِهاءِ الرَّقصِ تسلَّلَتْ راجِعَةً إِلى غُرفتِهَا الصَّغيرةِ ، و خَلَعَتْ ثَوْبَهَا الذَّهَبِيَّ ، و ارتَدَتْ بدلاً مِنْهُ مِعطَفَ الفراءِ، وسَوَّدَتْ يَدَيْهَا وَ وَجْهَهَا بِالشَّحَّارِ، وَبدَأَتْ تُزِيْلُ الرَّمادَ عَنِ النَّارِ، كَمَا أَمَرَهَا كبيرُ الطبَّاخِين و الطُّهاةِ.
أَرادَ كبيرُ الطبَّاخِينَ الفُرْجَةَ أَيضَاً فأَمَرَهَا بِتَسْخِينِ حِساءِ الملِكِ و حذَّرَها بِشِدَّةٍ قائِلاً:
- سَخِّنِي حِسَاءَ الملِكِ جَيِّدَاً وَ حذَارِ أَنْ تَسْقٌطَ فيْهِ شَعْرَةٌ واحِدَةٌ، وَ إِلاَّ وَقَعْتِ في ورطَةٍ كبيرَةٍ!
وهكذا سَخَّنَتْ الفَتَاةُ حِسَاءَ الملِكِ، وَنزَعَتْ خاتَمَهَا الذَّهَبَيَّ ثُمَّ وضَعَتْهُ فِيْ قَعْرِ صَحْنِ الحِسَاءِ.
احتَسَى الملِكُ الحِساءَ فَأُعْجِبَ بِهِ ، لأَنَّهُ لَمْ يكُنْ قَدْ تذَوَّقَ مِنْ قَبْلُ حِساءً ألذَّ مِنْهُ، فأَنْهَى كُلَّ الحِساءِ ، وَ وَجَدَ في قَعْرِ الإِناءِ خاتَمَاً مِنَ الذَّهبِ الخَالِصِ، جميلَ التَّصْمِيمِ ، بديعَ المَنْظَرِ، فازدادَ إِعجابُهُ و عَجَبُهُ و سألَ:
- مَنْ طَبَخَ الحِساءَ؟
قال الطَّاهِي:
- أَنَا يا سيِّدِي!
قالَ الملِكُ:
- هذا غيرُ صحِيحٍ، فطَعْمُ هذا الحِساءِ ألَذُّ مِنْ طَعْمِ الحساءِ الذي تقومُ أَنتَ بِطَهْيِهِ !
عِندئِذٍ اعترَفَ الطاهي و هو نفسه كبيرُ الطبَّاخين، أَنَّ الفتاةَ المسكينةَ هي التي طَهَتْ الحِساءَ.
فطلبَ الملِكُ الفتاةَ و سأَلَهَا مَنْ تكونُ.
كانَ جوابُ الفتاةِ أَنَّها فقيرةٌ و يتيمةٌ وَ لا تنفَعُ لِشَيءٍ في الطَّبخِ.
ثُمَّ سَأَلَهَا إِنْ كانَتْ تعلمُ شَيْئَاً عَنْ وجودِ الخَاتَمِ الذَّهَبِيِّ في صحنِ الحِساءِ، فَهَزَّتْ كَتِفَيْهَا و لَمْ تُجِبْ.

بعدَ عِدَّةِ أَسابِيْعَ أُقِيمَتْ في القَصْرِ حَفْلَةٌ ثانِيةٌ، فطلبَتْ الفتاةُ ثانيةً من الطَّاهِي، و هوَ كبيرُ الطَّبَّاخِينَ بالطبع، أَنْ تَذْهَبِ للفُرْجَةِ على الحَفْلِ، فقالَ لَهَا:
- حَسَنَاً ، اذهَبِي لِنِصْفِ ساعةٍ فَقَطَ، ثُمَّ عُودي بعدَ ذلِكَ لطهْيِ حِساءَ الملِكِ ، فهو يُحِبُّ الحِساءَ الذي تَطهينَ.
وهكذا رَكَضَتْ الفتاةُ إِلى غُرفتِها الصَّغيرةِ ، و غسلَتْ وجهَهَا و يديهَا جيِّداً ، ثُمَّ فتَحَتْ قِشْرَةَ ثَمَرَةِ الجَوزِ، وَسَحَبَتْ مِنْهَا الثَّوبَ الفِضيَّ و ارتَدَتْهُ.
عِنْدَمَا رَآهَا الملِكُ ثَانِيَةً سُرَّ بِهَا كَثِيرَاً، وَ رَقَصَ معَهَا كَثِيرَاً حتَّى انتَهَى وقتُ الرَّقْصِ. عندَئِذٍ تسلَّلَتْ إِلى غُرفتِهَا الصَّغيرةِ، و خَلَعَتْ الفُسْتانَ الفِضيَّ وَارْتَدَتْ بدَلاً مِنْهُ مِعْطَفَ الفِراءِ المؤَلَّفَ منْ أَلفِ قِطعَةٍ مُختَلِفةٍ منْ فِراءِ حيواناتٍ الغابةِ، ثُمَّ طَلَتْ وجهَهَا و يدَيْهَا بِهُبَابِ الفحمِ كالعادةِ، وَ خرجَتْ إِلى المطبخِ فَأَعدَّتْ الحِساءَ للملِكِ ، وَ وضعَتْ في أَسفَلِ إِناءِ الحِساءِ أَقراطَهَا الذَّهبِيَّةَ.
لمَّا وجدَ الملِكُ أَقراطاً ذهبيَّةً في قعرِ إِناءِ الحساءِ، أَرسلَ يطلبُهَا و سأَلَهَا إِنْ كانَتْ تعلمُ شيئاً عن الذَّهبِ في حِسائِهِ، فأَجابَتْهُ كالسَّابقِ أّنَّهَا فتاةٌ فقيرةٌ يتيمةٌ و لا تنفعُ لشيءٍ في الطَّبْخِ و لا تعلمُ شيئاً عنْ أَقراطِ الذَّهبِ.

بعدَ ذلكَ بِوقتٍ قصيرٍ أَمرَ الملِكُ بإِقامةِ سهرةٍ في قَصرِهِ، فاسْتعدَّتْ الفتاةُ ، ونظَّفَتْ نفْسَهَا جيِّداً وَ فتحَتْ قِشْرَةَ الجوزِ ، وَ سحبَتْ مِنْهَا الفستانَ البرَّاقَ كنُجومِ السَّماءِ، وَ ارتَدَتْهُ، مِمَّا أَثارَ إِعجابَ الملِكِ ، وَ جعلَهُ في غايةِ السَّعادَةِ، فَأَمسَكَ يدَهَا وَ ضغطَ علَيْهَا بقُوَّةٍ و هوَ يقودُهَا للرَّقْصِ.
وعندَمَا لاحَظَتْ أَنَّ أَحَدَاً لا ينْتَبِهُ إِلَيْهَا وضعَتْ خَاتَمَاً ذهبِيَّاً في إِصبَعِهَا.
هذهِ المرَّةُ تأَخَّرَتْ بالعودةِ إِلى غرفتِها، وكانَ الوقتُ ضيِّقَاً جِداً لِنَزعِ فستانِها الرَّائِعِ الجمالِ و ارتداءِ معطفَ الفراءِ، فاضطَرَّتْ لارتداءِ معطفِهَا فوقَ الفستانِ المُشِعِّ كنجومِ السَّماءِ، و لَمْ تدهنْ أيضاً كاملَ وجهِهَا و يديْهَا بِهُبَابِ الفَحْمِ
( الشُّحارِ) فبقيَ أحدُ أصابِعِهَا أَبْيَضَاً كالثَّلْجِ و بقيَ فيهِ الخاتمُ الذَّهبِيُّ الذي نسيَتْ أِنْ تخْلَعَهُ، وَ أَسرعَتْ لإِعدادِ طبقِ الحساءِ كالعادةِ، و هذه المرَّةُ وضعَتْ عِقدَها الذَّهبِيَّ في قعرِ طبقِ الحساءِ.
عندَما انتَهى الملكُ مِنْ تناوُلِ الحساءِ
وَوجدَ العِقْدَ في أسفلِ الإِناءِ ،أرسلَ يطلبُ الفتاةَ فحضرَتْ أمامَهُ ، ولاحظَ بِسُرعةٍ إِصْبَعَهَا الأَبْيَضَ و الخاتمَ الذَّهبيَّ.
وضعَ الملِكُ يدَها بيدِهِ و حاولَ نزعَ الخاتمَ مِنْ إِصبعِهَا فانزاحَ قليلاً مِعطفُ الفِراءِ عن فستانِها المشعِّ الذي ملأَ المكانَ ضياءً ونوراً كالنجومِ. فنَزعَ الملكُ معطفَ الفِراءِ و لاحظَ كَمْ هي جميلةٌ و جذَّابَةٌ بشَعرِها الذَّهبِيِّ ، و ثوبِهَا البرَّاقِ، فوقعَ بحبِّها في الحالِ، عندئذٍ غسَلَتْ وجهَهَا ويَديْهَا ، فبدَتْ أكثرَ جمالاً مِمَّا كانتْ عليهِ منْ قبل.
عندَما رآهَا الجميعُ قالوا أَنَّهَا أميرةٌ حقيقيةٌ ، فحكَتْ قِصَّتَها بالتفصيلِ للملِكِ المُعجَبِ بِهَا .
بعدَ بضعةِ أيَّامٍ أَقامَ الملكُ احتفالاً كبيراً بمناسبةِ زواجِهِ بِها وعاشَا حياةً رغيدةً سعيدةً مليئةً بالرَّغَدِ والحُبِّ.

 

الدِّيكِ و الدُّجاجةِ والفَأْر



سلسلة قصص (سميرة الصغيرة)

في يومٍ مِنَ الأَيَّامِ كانَتْ هناكَ هَضَبَةٌ ، و كانَ فوقَ الهضَبَةِ بيتٌ صغيرٌ جميلٌ جِدَّاً، لَهُ بابٌ صغيرٌ أخضرُ اللَّونِ ، وَ لَهُ أَيضَاً أربعُ نوافِذَ ذات أَبوابٍ خضراءَ.
كانَ يعيشُ في المنزلِ دِيكٌ ودُجاجةٌ و فأْرٌ صغيرٌ.

في الهضبةِ المقابلةِ القريبةِ مِنَ الضِّفَّةِ الثَّانيةِ للنَّهْرِ كانَ هناكَ منزلٌ آخرُ. كانَ منْزِلاً بشِعَاً . بابُهُ لا يُغلَقُ جيِّداً ، ونافِذتَاهُ مكسُوْرتَانِ. وكانَ يعيشُ فيْهِ ثعلبٌ كبيرٌ وسيِّءٌ معَ أَبنائِهِ الثعالبَ الأربعةَ السَّيِّئِيْنَ.

في أَحَدِ الأَيَّامِ ،قالَتِ الثَّعالبُ الصِّغارُ لأَبِيْهِمْ: " نحنُ جائِعُوْنَ جِدَّاً".
قالَ الأَوَّلُ : لَمْ نَأْكُلْ شَيْئَاً البارِحَةَ.
وقالَ الثَّانِي: أَكَلْنَا القَلِيْلَ فَقَطْ ليْلَةَ أَولِ أَمسَ.
قالَ الثَّالِثُ: أَكَلْنَا نِصْفَ دُجاجَةٍ قبلَ ثلاثَةِ أَيَّامٍ.
قالَ الرَّابِعُ: وَ لَمْ نَأْكُلْ سِوَى بطَّتَيْنِ صَغِيْرَتَينِ قبلَ أَربَعَةِ أَيَّامٍ.

بدَأَ الثَّعلبُ الكبِيرُ يُفَكِّرُ بِمَكْرٍ وَدَهَاءٍ وَ هُوَ يَهِزُّ رَأْسَهُ.
بعدَ قَلِيلٍ ، قالَ الثَّعْلَبُ السَّيِّءُ بِصَوتٍ غَلِيظٍ:
-في الهَضَبَةِ المُقَابِلَةِ بيتٌ جَمِيلٌ ، يعيشُ فِيهِ ديكٌ كبيرٌ.
صرَخَ اثْنَانِ مِنَ الثَّعالِبِ الصَّغِيرةِ بصوتٍ عالٍ:
- وَيعيشُ هُناكَ فَأْرٌ كبيرٌ أَيضَاً.
وَصَرَخَ الثَّعْلَبَانِ الآخَرانِ بِفرَحٍ وَ خُبْثٍ:
- وَتَعيشُ هُناكَ دُجَاجَةٌ حمراءٌ أَيضَاً.
عِندَئِذٍ قالَ الثَّعلبُ الكبيرُ السَّيِّءُ:
- إِنَّهُمْ لذِيذُونَ جِدَّاً. سآخذُ الكِيسَ الكبيرَ معِي ،وَ سَأَضَعُ فِيهِ الدِّيكَ وَ الدُّجاجةَ وَ الْفَأْرَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكُمْ لِنَتَنَاولَ جَميعَاً طعامَاً لَذِيذَاً.

خرجَ الثَّعالِبُ الصِّغَارُ وَ رَقَصُوْا بِانْتِظارِ الوَلِيمَةِ ، بَيْنَمَا حمَلَ الثَّعْلَبُ الكَبِيرُ الكِيْسَ الفَارِغَ عَلَى ظَهْرْهِ ، وَتَوَجَّهَ نَحْوَ الهَضَبَةِ الْمُقَابِلَةِ.

خِلالَ هَذِهِ الفَتْرَةِ، ماذا كانَ يَجْرِي بَيْنَ الدِّيْكِ وَالدُّجَاجَةِ وَالْفَأْرِ؟؟!!
يَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَاً جَيِّدَاً بِالنِّسْبَةِ لِلدِّيْكِ وَالفَأْرِ!
اسْتَيْقَظَ الدِّيْكُ في الصَّبَاحِ وَقَالَ:
- يَاْلَهُ مِنْ طَقْسٍ حَاْرٍّ!
وَاسْتَيْقَظَ الفَأْرُ في الصَّبَاحِ وَقَالَ:
- يالهُ مِنْ طَقسٍ بَارِدٍ!
إِذَنْ كانَ مَزَاجُهُمَا مُتَعَكِّرَاً، فَنَزِلا مُنْزَعِجَينِ إِلى المَطْبَخِ، ثُمَّ إِلَى خَارِجِ الْبَيتِ ، حيثُ كانَتْ الدُّجاجةُ تُنظِّفُ بِسعادةٍ وَ نشاطٍ حولَ البيتِ.
سَأَلَتِْ الدَّجاجةُ: مَنْ سيَجمعُ الحَطبَ من أَجلِ الموقدِ؟
أَجابَ الدِّيكُ: لا أَستطيعُ فأَنا مُتْعَبٌ.
وَأَجابَ الفأْرُ: و أَنا لا أَستطيعُ لأَنَّني مُتْعَبٌ أيضاً.
فقالَتْ الدُّجاجةُ: لَمْ تعمَلا اليومَ شيْئَاً كي تَتْعَبَا أَيُّهَا الكَسُولانِ، أَنا سَأَجمَعُ الحطبَ إِذَنْ.
وَذهبَتْ الدُّجاجةُ وَ جمعَتْ الحَطبَ، بينما كانَ الدِّيكُ والفأْرُ جالِسَينِ دونَ عمَلٍ. وَحينَ عادَتْ الدُّجاجةُ بالحطَبِ سأَلَتْهُمَا: وَالآنَ منْ سيذْهَبُ إِلى النَّبْعِ لِيَجْلِبَ لَنَا الْمَاْءَ كَيْ نشرَبَ جميعَاً؟
قالَ الدِّيكُ و الفأْرُ بِصوتٍ واحِدٍ: لا نستطيعُ.
فقالَتْ الدُّجاجةُ: إِذَنْ أَنَا سأَذهَبُ إِلَى النَّبْعِ وأَجْلُبَ الْمَاءَ.
وَذَهبَتْ الدُّجاجةُ الحمراءُ إِلَى النَّبْعِ وَ أَحضرَتْ جَرَّةَ ماءٍ عَذْبٍ، ثُمَّ وضعَتْ قلِيلاً مِنَ الْمَاْءِ لِيَغْلِيَ علَى النَّارِ، وَ سَأَلَتْ:
- وَالآنَ مَنْ سَيُعِدُّ طَعامَ الإفطارِ؟
رَدَّ الدِّيكُ وَالفَأْرُ بِصَوتٍ نَاعِسٍ مَعَاً:
- لا نَسْتَطِيْعُ.
فقالَتْ الدُّجاجةُ النَّشِيطَةُ:
- أَنَا سَأُعِدُّ طعَامَ الإِفْطَارِ لَكُمَا أَيْضَاً.
وَأَعدَّتْ الدُّجاجةُ الصَّبُورَةُ طعامَ الإِفطارِ وَ تَنَاوَلَ الجميعُ طعامَ الإِفطارِ مَعَاً، وَ خِلالَ تَنَاوُلِ الطَّعامِ تَنَاثَرَ بعضُ فُتَاتِ الْخُبْزِ حولَ المَائِدةِ ، فاتَّسَخَتْ الطَّاوِلَةُ وَ الأَرضُ ، وَ سَأَلَتْ الدُّجَاجةُ مِنْ جديدٍ:
- مَنْ سَيُنَظِّفُ الطَّاوِلَةَ وَ الأَرضَ بعدَ الطَّعامِ؟
أَجابَ الكَسُولانِ: لا نَستطيعُ.
قالَتِْ الدَّجاجةُ: أَنَا سأَفْعَلُ كُلَّ شيءٍ!
وَقامَتْ الدُّجاجَةُ بِتَنْظيفِ الطَّاوِلَةِ وَ الأَرضَ وَ حولَ المَوْقِدِ ، ثُمَّ قامَتْ بِتَنْظيفِ الأَطْباقِ وَالْمَطْبَخِ، وَ عادَتْ لِتَسْأَلَ الدِّيكَ وَ الفَأْرَ الكَسُولَيْنِ:
- مَنْ سَيُرَتِّبُ الأَسِرَّةَ الَّتِي نِمْنَا عَلَيْهَا؟
فَأَجَابَ الدَّيْكُ وَ الفَأْرُ بِصَوْتٍ واحِدٍ كَالْعَادَةِ:
- لا نَسْتطِيعُ.
فقالَتْ الدُّجاجةُ : أَنَا سَأُرَتِّبُ جميعَ الأَسِرَّةِ .
صَعدَتْ الدُّجاجَةُ النَّشِيطَةُ إِلَى غُرَفِ النَّوْمِ لِتُرَتِّبَ الأَسِرَّةَ ، بَيْنَمَا جَلَسَ كُلٌ مِنَ الدِّيكِ وَالفَأْرِ عَلَى كُرْسِيِّهِ الْهَزَّازِ ، وَنَامَ مُسٍْتَرْخِيَاً ، بِكَسَلٍ وَ لا مُبَالاةٍ.
فِيْ هَذِهِ اللَّحَظَاتِ كانَ الثَّعْلَبُ الكبيرُ قَدْ وصلَ قِمَّةَ الْهَضَبَةِ، وَدخَلَ حديقَةَ البَيْتِ ، وَنظَرَ مِنَ النَّافِذَةِ، ثُمَّ دَقَّ البَابَ.
فَتَحَ الفَأْرُ عينَيْهِ بِتَكاسُلٍ وَسأَلَ:
- مَنْ سيَأْتِي في وقتٍ كَهَذَا؟!
قالَ الدِّيكُ الكَسٍولُ:
-إِذَا أَرَدْتَ معرِفَةَ الطَّارِقِ، اذْهَبْ إِلَى البَابِ وَ انْظُرْ بِنَفسِكَ!
ظَنَّ الفَأْرُ أَنَّ ساعِي البريدِ بِالبابِ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا يَحمِلُ رِسَالةً لَهُ ، فأَسْرَعَ وَ أَزاحَ الْمِزْلاجَ الذي كانَ يَقْفَلُ البابَ ،قبلَ أَنْ يتَحقَّقَ مِنْ هُوِيَّةِ الطَّارِقِ، وَفَتَحَ البابَ لِيُفَاْجَأَ بِالثَّعلَبِ الْمَاكِرِ الكَبيرِ وَهُوَ يقفِزُ لِلدَّاخِلِ وَقَدْ ارْتَسَمَتْ ابتسامَتُهُ الخبِيثَةُ على وجْهِهِ.
صرَخَ الفَأْرُ:
-"سَاْكْ...سَاْكْ..سَاْكْ.."
وَحاولَ القَفْزَ إِلَى الْمَدخَنَةِ. خافَ الدِّيكُ وصاحَ:
-"كُوْكُوْ...كوكو...كوكو.."
وَقفَزَ إِلَى ظَهْرِ الكُرْسِيِّ، لَكِنَّ الثَّعْلَبَ ضحِكَ بِصوتٍ عالٍ وَماكِرٍ ، وَ هُوَ يُمْسِكُ بِالفأْرِ بِذَنَبِهِ ، وَ يُلْقِيْهِ فِيْ الْكِيسِ ، وَلَمْ يَتْعَبْ بِالإِمْسَاكِ بِالدِّيكِ أَيضَاً، فَوضَعَهُ معَ الفأْرِ فِي الكيسِ.
سَمِعَتْ الدُّجاجةُ الْمِسْكِينَةُ الضَّجَّةَ فَأَسرعَتْ وَ نَزَلَتْ إِلى الصَّالَةِ، لِتَجِدَ نفْسَهَا بَينَ يَدَيْ الثَّعلبِ الذي قَبَضَ عليها وَوضعَهَا معَ الآخَرِينَ في الكيسِ.

أَخرجَ الثَّعلبُ حَبْلاً طويلاً وَ ربَطَ بِهِ الكِيْسَ، ثُمَّ وضعَهُ على ظهْرِهِ، وِ انْطلَقَ إِلى أَسفلِ الهَضبَةِ مُتَّجِهَاً إِلَى مَنزِلِهِ ، حيثُ ما يزالُ الثعالبُ الأَربعَةُ الصِّغارُ يرقِصُونَ بِانتِظارِ الطَّعامِ اللَّذيذِ.

قالَ الدَّيكُ الْمَحْبُوْسُ فِي الكيسِ: يَالَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ كَسُولاً.
وَقالَ الْفَأْرُ الْمَحْبُوسُ في الكيسِ: ياليتني لم أكن كسولاً ،وَ لَيتَنِي كُنْتُ حذِرَاً.
قالَتْ الدُّجاجةُ الذَّكِيَّةُ المحبوسَةُ في الكِيسِ معَهُمَا:
-يُمْكِنُكُمَا الآنَ إِصْلاحَ أَخْطَائِكُمَا، لاتَحْزَنَا،لَمْ يَفُتْ الوقتُ بعدُ، انتَبِهَا لِمَا سَأَقُولُهُ لَكُمَا:" لَدَيَّ الآنَ مِحفَظَتِي الَّتِي أَحْمِلُهَا دومَاً، وَ فِيْهَا مِقَصٌّ وَكُشْتُبَانٌ وَ إِبرَةُ وَخَيْطٌ. بعدَ لَحَظَاتٍ ستَرَوْنَ ماذا سَأَفعَلُ.

بعدَ لحظاتٍ شَعَرَ الثَّعلبُ الكبيرُ بِالْحَرِّ الشَّدِيدِ ،لأَنَّ الشَّمسَ كانَتْ حارَّةً ، فَأَحسَّ بِالتَّعَبِ ،خاصَّةً وَ أَنَّ الكيسَ ثقيلٌ جداً على ظَهرِهِ .فقرَّرَ الاستِراحةَ فِي ظِلِّ الشَّجرَةِ والنَّومَ قلِيلاً. فَوضعَ الكيسَ المربوطَ جانِبَاً وَ غَطَّ في نومٍ عميقٍ.
عندَمَا سمِعَتْ الدُّجاجةُ الحمراءُ شخيرَ الثَّعلبِ أَخذَتْ الْمِقَصَّ وَقصَّتْ ثِقْبَاً صغِيرَاً في الكيسِ وَهَمَسَت بِصوتٍ ناعِمٍ :
-اخْرُجْ أَيُّهَا الفأْرُ بِسُرعَةٍ مِنَ الثِّقْبِ وَ اجْلُبْ حجَرَاً كَبِيرَاً بِحَجْمِكَ وَعُدْ إِلَيَّ.
خَرَجَ الفأْرُ ثُمَّ عادَ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ جِداً سحَبَهُ خَلْفَهُ نَحوَ الكيسِ وَساعدَتْهُ الدُّجاجَةُ وَالدِّيكُ لإِدخَالِهِ إِلى الكيسِ. ثُمَّ قصَّتْ الدُّجاجةُ الثِّقبَ أَكَثَرَ فأصبَحَ بِاسْتِطاعَةِ الدِّيكِ الخروجُ مِنْهُ وَقالَتْ لَهُ :
- اخْرُجْ بِسُرعَةٍ أَيُّهَا الدِّيكُ واجْلُبْ حجَرَاً بِحَجْمِكَ، هَيَّا، هَيَّا.
وَخَرجَ الدِّيكُ مِنَ الكيسِ ثُمَّ أَحْضَرَ حجَرَاً بِمِثلِ حجْمِهِ، وَسَاعَدَتْهُ الدُّجاجةُ وَ الفَأْرُ لإدخَالِ الحَجَرِ إِلى الكيسِ.
ثُمَّ خرَجَتْ الدُّجاجةُ أخيراً وَأَحْضَرَتْ حجَرَاً كَبِيراً بِحَجْمِهَا، وَ وَضَعَتْهُ فِي الكيسِ، وَ أَخرَجَتْ مِنْ مِحْفَظَتِهَا الإِبْرَةَ وَ الخَيْطَ وَ الكُشْتُبَانَ.
أَدخَلَتْ الخيطَ في ثِقبِ الإِبرَةِ وَخَاطَتْ الفُتْحَةَ التي خرجوا منها بِأَسرَعِ ما استطاعَتْ مِن سِرعَةٍ، وَ عِندَمَا انتهَتْ مِنْ خِياطَةِ الكيسِ هَرِبَتْ معَ الدِّيكِ وَ الفَأْرِ بِسِرعَةٍ كبيرةٍ إِلى بيتِهِمْ وَ أَغْلَقَتْ البابَ وَ أَوصدُوهُ بالْمِزْلاجِ.
نامَ الثَّعلبُ طَوِيلاً تحتَ الشَّجرةِ، وَ اسْتَيقَظَ مُتُأَخِّرَاً فقالَ لِنَفسِهِ:
- لابُدَّ أَنَّنِي تَأَخَّرْتُ عَنْ البَيتِ ، يَجِبَ أَنْ أُسرِعَ.
وَحمَلَ الثَّعلبُ الكِيسَ الثَّقِيلَ على ظهرِهِ وَ نزَلَ الهضبَةَ حتَّى وصلَ إِلى النَّهرِ، نزلَ في الماءِ لِيَقطعَ النَّهرَ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ هَناكَ جِسرٌ أَبَدَاً، فغَمَرَ الماءُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ، وَلَمَّا كانَ الكيسُ ثَقِيلاً جِدَّاً على ظهرِ الثَّعلبِ، سقَطَ الثَّعلبُ في الماءِ العميقِ، وَ لَمْ يستطِعْ الخُروجَ مِنَ الماءِ أَبَدَاً. وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بعدَ ذَلِكَ. أَمَّا الثَّعالبُ الأَربعةُ فقدْ نَامُوا دونَ عِشاءٍ.
وَفِي البيتِ الصَّغيرِ الجميلِ على الجبلِ أَصبَحَ الدِّيكُ وَالفَأْرُ نشِيطَينِ مُجْتَهِدَيْنِ ، لا يُحِبَّانِ الكسَلَ، وَ يُساعِدَانِ الدُّجاجةَ الذَّكِيَّةَ بِجَمْعِ الحطبِ وَ جَلْبِ الماءِ مِنَ النَّبْعِ ، وَيُشاركَانِ أَيضَاً في تنظيفِ البيتِ. وَهَكَذَا صارَ بِإِمكانِ الدُّجاجةِ الاستراحةَ أَحيانَاً بِفضْلِ التَّعاوُنِ وَالحُبِّ بينَ الجَمِيْعِ.

 

سميرة الصغيرة



في يومٍ من الأيامِ ، في قديمِ الزمانِ ، كان هناك رجلٌ و زوجتُهُ يعيشانِ في بلدٍ بعيدٍ.
وكان لديهِما أبناءٌ كثيرون جداً، لم يستطيعا توفيرَ الطعامِ الكافي لهم جميعاً فقررا تركَ أصغرَ ثلاثةِ أبناءٍ في الغابة ليتدبروا حياتهَم، بعد أن أعطيا كلاً منهم رغيفَ خبزٍ واحدٍ.
كانوا ثلاثَ فتياتٍ . ذهبن في الغابةِ و هنَّ يأكُلنَ الخبزَ حتى دبَّ الظلامُ، و انتهى الطعامُ، فتعبْنَ و تُهنَ و جِعنَ.
أخيراً وبعد مشيٍّ متواصلٍ لاحَ بين الأغصانِ البعيدةِ نورٌ يشعُّ من نوافذِ بيتٍ كبيرٍ، فأسرعنَ حتى وصلنَ إليهِ ، وقرعنَ جرسَ بابِهِ الكبيرِ جداً، فخرجتْ امرأةٌ وسألت:
- مَنْ أنتُنَّ ،وماذا تُرِدْنَ أيتُها الصغيراتُ؟
قُلنَ بصوتٍ واحدٍ:
- نحنُ تائهاتٌ وجائعاتٌ وتعِباتٌ، دعينا ندخلُ و نرتاحُ ونأكلُ..
قالتُ المرأةُ:
-لا أستطيعُ ، فزوجي ماردٌ كبيرٌ. سيقتلُكُنَّ عندما يعودُ ويراكَنَّ في منزلِهِ.
قُلْنَ معاً:
- دعينا نرتاحُ قليلاً ، وسنرحلُ قبلَ عودتِهِ.
أشفقَتْ المرأةُ عليهِنَّ لكَثْرةِ إلحاحِهنَّ فأدخلتْهُنَّ، ووضعتْ لهُنَّ بعضَ الخبزِ والحليبِ قربَ الموقِدِ. وعندما كُنَّ يأكُلْنَ سمِعْنَ قرْعاً شديداً على الباب وصوتاً أجشاً يزأرُ:
- فرْرْرْ00فرر00فررر00إنني أشمُّ رائحةَ بشرْ00 من هناك يا زوجتي؟؟
قالت الزوجةُ: إنَّهنَّ ثلاثُ فتياتٍ صغيراتٍ، يشعُرنَ بالبردِ و الجوعِ، سيرحلْنَ في الحالِ. لا تؤذِهِنَّ فحِساؤكَ جاهزٌ.
لم يقلْ الماردُ شيئاً، بلْ احتسى حساءَهُ الكبيرَ و طلبَ من الفتياتِ البقاءَ للنَّومِ عندَهُم. لذا أخذتْهُنَّ زوجتُهُ إلى غرفةِ نومِ بناتِهِ الثلاثةِ.
وهكذا نامتْ الفتياتُ السِّتَّةُ في سريرٍ ضخمٍ واحدٍ. ثلاثةٌ منْهُنَّ غريباتٌ ، والثَّلاثةُ الأُخْرَياتُ هنَّ بناتُ الماردِ.

كانت أصغرُ البناتِ الغريباتِ ذكيةً جداً، و اسمها سميرةٌ الصغيرةُ.
قبلَ نومِ الفتياتِ السِّتَّةِ جاءَ الماردُ ، ووضعَ سِلسِلةً مِنَ الذَّهبِ حولَ أعناقِ بناتِهِ ، و حبلاً من القِنَّبِ حولَ أعناقِ الفتياتِ الغريباتِ.

تعجَّبَتْ سميرةٌ منَ هذا الفِعلِ المشبوهِ ، فلمْ تنمْ. و عندما نامَ الجميعُ نهضَتْ و نزعَتْ حبالَ القِنَّبِ عن عُنقِها و أعناقِ أخَواتِها و وضعتها حول رقابِ بناتِ الماردِ بعد أن نزعتْ السَّلاسلَ الذَّهبيةَ عنْ أَعناقِهِنَّ لتضعَها حولَ عُنقِها و أعناقِ أَخواتِها، ثمَّ استلقتْ على السَّريرِ تراقبُ ماذا سيحصلُ بعدَ ذلك.
عندَ مُنتصفِ الليلِ ، كان َ الظلامُ دامساً ، تسللَ الماردُ إلى غرفةِ نومِ البناتِ الستَّةِ. تحسَّسَ رِقابَهُنَّ جميعاً، و أخذَ البناتِ اللاتي أحسَّ بحبلِ القِنَّبِ حولَ أعناقِهنَّ،وخرجَ منَ الغُرفةِ، ثم نزلَ إلى غرفةِ المَؤونةِ، و وضعَهُنَّ هناك ثم أقفلَ البابَ عليهِنَّ، و عاد للنَّومِ. و بعد قليلٍ بدأَ يشْخِرُ بصوتٍ عالٍ.
في هذه اللَّحَظاتِ أيقظتْ سميرةٌ الصغيرةُ أخواتِها، و طلبتْ منهُن الهدوءَ، و هُنَّ يهرَبْنَ من بيتِ الماردِ، و يركُضْنَ في الغابةِ.
ركضتْ الفتياتُ في الغابةِ طويلاً ،حتَّى بدأتْ خيوطُ الفجرِ تظهرُ فوقَ قِممِ الأشجارِ و الطريقِ أمامَهُنَّ، و فجأةً وجدْنَ أنفُسَهُنَّ أمامَ قصرٍ كبيرٍ و جميلٍ.
قالت سميرةٌ الصغيرةُ:
- إنَّهُ قصرُ الملكِ – لا شكَّ – نعمْ، إنَّهُ قصرُ الملكِ. سأدخلُ و أُخبِرُهُ قِصَّةَ الماردِ.
وهكذا دخلتْ سميرةٌ الصغيرةُ قصرَ الملِكِ العظيمِ ، و أخبرتْهُ قِصَّتَها.
هزَّ الملكُ رأسَه و هو يستمِعُ للقِصَّةِ. وعندما انتهت ، قالَ بصوتٍ جهوريٍّ:
- حسناً يا سميرةُ الصغيرةُ، لقد فعلتِ شيئاً حسناً، و ستفعلينَ أمراً أفضلَ إذا عُدتِِ إلى منزلِ الماردِ و أحضرتِ لي سيفَهُ المُعلَّقَ على الجدارِ، فوقَ سريرِهِ. إذا فعلتِ ذلكَ سأُزَوِّجُ أُختَكِ الكُبرى لابني الأَكبر.
وَعَدتْ سميرةٌ الصغيرةُ الملكَ بأنها ستحاولُ، و بعد استراحةٍ قصيرةٍ عادتْ إلى منزلِ الماردِ و اختبأتْ تحتَ سريرهِ.
عادَ الماردُ إلى بيتِهِ و احتسى حساءَه وذهبَ لينامَ كالعادةِ.
بعد قليلٍ بدأ شخيرُهُ يعلو و يعلو، فخرجتْ سميرةٌ الصغيرةُ من تحتِ سريرِهِ و صعدَتْ على صدْرِهِ، و أخذتْ السَّيفَ عن الحائِطِِ، ثمَّ نزلَتْ فارتَطَمَ السَّيفُ بطرفِ السريرِ المعدني و أحدثَ صوتاً أيقظَ الماردَ، فقفزَ عنْ سريرِهِ و حاولَ الإمساكَ بطرفِ ثوبِ سميرةَ ، لكنَّها أفلتَتْ و هربَتْ، و ما يزالُ السَّيفُ بيدِها، و شرعَتْ تركُضُ في الغابةِ ، والماردُ يركضُ خلفَها....هي تركضُ بسرعةٍ و الماردُ يركِضُ خلفَها، حتى وصلَتْ إلى جسرِ الشَّعرةِ الواحدَةِ، فركضتْ بخِفَّة الرِّيشةِ فوقه وتجاوزته بسرعة أما المارد فتوقف حزيناً، لأنَّهُ لا يستطيعُ تجاوزَ الجسرِ لثِقَلِ جسمه فصاح كاليائس:
- سأعاقِبُكِ يا سميرةُ الصغيرةُ ، إذا عُدْتِ إلى بيتي.
- سأعودُ إلى بيتِكَ قريباً لأراكَ أيُّها الماردُ.

أعطتْ سميرةٌ السَّيفَ للملِكِ ، ففرِحَ كثيراً لأنَّ الماردَ كانَ يقتُلُ الناسَ بالسَّيفِ ويفتك بهم. وأوفىالملك بوعدِهِ فزوَّج أخت سميرة الكبرى من ابنه الأكبر.
قال الملكُ لسميرةَ الصغيرةَ:
- حسناً يا سميرةُ الصغيرةُ ، لقد فعلتِ أمراً حسناً، و ستفعلين أمراً أفضلَ إذا عدتِ إلى بيتِ الماردِ وأحضرت لي جوهرتَه التي يُخفيها تحتَ وسادتِهِ. عندئذٍ سأزوِّجُ أُختَكِ الثانيةَ لابني الثاني.
ووعدتْ سميرةٌ الصغيرةُ الملكَ بتنفيذِ رغبَتِهِ.
عادتْ سميرةٌ الصغيرةُ إلى منزلِ الماردِِ،وتسلَّلَتْ إلى غرفتِهِ، واختبأتْ تحتَ سريرِهِ،و انتظرتْ حتى أتى وشرِبَ حساءَهُ الكبيرَ ونام، وبدأَ يشخِرُ بصوتٍ عال ٍو هو نائمٌ.
خرجَتْ سميرةٌ الصغيرةُ من مخبئِهَا ودسَّت يدَهَا تحتَ وِسادتِهِ وأخذَت الجوهرةَ،وفتحَتْ البابَ لتهربَ فأصدرَ البابُ صريراً عالياً أيقظَ الماردَ ، فقفزَ يريدُ الامساكَ بها، لكنَّها استطاعتْ الهرَبَ من البيتِ بالركض السريع في الغابة نحو قصر الملك كانت تركض والماردُ يركُضُ خلفَهاهي تركضُ والماردُ يركضُ خلفَهاحتى وصلَتْ إلى جسرِ الشَّعرةِ الواحدةِ، فهرعتْ و تجاوزَتْهُ بخفَّةِ الرِّيشةِ دونَ أنْ تقعَ في النهرِ، أمَّا الماردُ فلم يستطعْ لثِقَلِ جسمِهِ فصاحَ:
- سأعاقبُكِ يا سميرةُ الصغيرةُ إذا عُدتِ إلى بيتي.
- سأعودُ إلى بيتِكَ مرةً أُخرى لأراكَ أيها الماردُ.
أعطتْ سميرةٌ الصغيرةُ الجوهرةَِ للملكِ ، و تزوجتْ أختُها الثانيةُ من ابن الملكِ الثاني.
وقالَ الملكُ لسميرةَ الصغيرةَ:
- حسناً يا سميرةُ الصغيرةُ ، لقد فعلْتِ أمراً حسناً، و ستفعلين أمراً أفضلَ إذا عدتِ إلى بيتِ الماردِ و أحضرتِ لي خاتَمَهُ الذهبيَّ الذي يضعُهُ في إصبَعِهِ . عندئذٍ سأزوجك من ابني الأصغر.
ووعدت سميرةُ الصغيرةُ الملكَ العظيمَ أنَّها ستحاولُ.
وهكذا عادتْ سميرةٌ الصغيرةُ إلى بيتِ الماردِ و تسلَّلَتْ إلى غرفتِهِ و اختبأتْ تحتَ سريرِهِ، و انتظرَتْ حتىَّ أتى وتناول حساءَهُ الكبيرَ ونامَ... و عندما بدأ يشخرُ بصوتٍ عالٍ وهو نائمٌ، خرجَتْ من مخبئِهَا و صعَدَتْ إلى السَّريرِ ،ولاقّتْ صعوبةً كبيرةً في تحريكِ يدِهِ الضَّخمَةِ كي ترى الخاتَمَ بوضوحٍ، و عندما أبصرت الخاتم يلمعُ في بُنصُرِهِ بدأتْ تشدُّ وتشدُّ بالخاتم، ثم تشدُّ و تشدُّ به، فقد كانَ صعب الإخراج من يد الماردوأخيراً استطاعَتْ سحْبَهُ و العرقُ يتصبَّبُ من جبينِها الصغيرِ ، فوقعَتْ للخلفِ من قوةِ السَّحبِ ، وقعت على بطنِ الماردِفاستيقظَ كالملدوغِ وهو يزأرُ كالأسدِ ،منَ الألمِ، حاولَتْ سميرةُ الوقوفَ و الهربَ لكنَّهُ استطاعَ الإمساكَ بها من يدِها ، فقال لها غاضباً:
- ها...ها... لقد أمسكتُ بِكِ الآنَ يا سميرةُ الصغيرةُ!
هيا أخبريني لو فعلتُ ما فعلتِ لي وسرقتُ سيفَكِ و جوهرتَكِ و خاتمَكِ، ثم أمسكتِ بي، كما أمسكتُ بِكِ الآن ، ماذا كنت ستفعلين بي حينئذ؟
قالت سميرةُ الصغيرةُ الذكيةُ بسرعةٍ:
-في هذه الحالِ سأضَعُكَ في كيسٍ واحدٍ مع كلبٍ و قِطٍّ و إبرةٍ و خيطٍ و مِقَصٍّ. ثم أُعلِّقُ الكيسَ على الجِدارِ، و أذهبُ إلى الغابة و أقتطع عصى غليظة ثم أعودُ إلى البيت و أنزل الكيس و أبدأُ بضربِكَ بقوةٍ و أنتَ في الكيس هذا ما أفعلهُ بك لو حدثَ معي ذلك.
قال الماردُ:
- وهذا ما سأفعَلُه بِكِ أيضاً يا سميرةُ الصغيرةُ.
وهكذا وضع المارد في الكيسِ كلاً من سميرةَالصغيرةَ و الكلبَ و القِطَّ ، ثم وضعَ مِقَصَّاً و إبرةً و خيطاً طويلاً، ثم علّقَ الكيسَ علىالجدارِ،و ذهب ليقتطِعَ من الغابةِ عصىً غليظةً.
في هذه الأثناءِ بدأتْ سميرةٌ الصغيرةُ تغني لزوجةِ الماردِ أُغنيةً اخترعَتْ كلماتِها:
- آه لو تشاهدين ما أشاهد!! آه لو تشاهدين ما أشاهد!!
قالت زوجةُ الماردِ:
- ماذا تشاهدين؟
- قالت سميرةٌ الصغيرةُ:
- آه لو تشاهدين ما أشاهد!
لم تكنْ زوجةُ الماردِ ذكيةً، فألحَّت وتوسَّلتْ لسميرةَ الصغيرةَ كي تُريَها ما ترى. فقصَّتْ سميرةٌ الصغيرةُ بالمقصِّ فتحةً في الكيس ، و أخذت الإبرةَ والخيطَ معها ثم قفزتْ من الكيسِ ، وصعدَتْ بدلاً منها امرأةُ الماردِ كي ترى ما كانت سميرةُ ترى في الكيسِ، عندئذٍ خاطَتْ سميرةٌ الصغيرةُ الفتحةَ بالإبرةِ والخيطِ، وصارَتْ زوجةُ الماردِ في الكيسِ مع الكلبِ و القطِّ!
لم ترَ امرأةُ الماردِ ، بالطبعِ أيَّ شيءٍ ، فبدأَتْ ترجُو سميرةَ الصغيرةَ كي تخرجَهَا منَ الكيسِ. لكنَّ سميرةَ الصغيرةَذهبت لتختبىءَ خلفَ البابِ ، فالماردُ قد وصلَ ومعَهُ العصى الغليظةَ. أخذ الكيسَ ووضعَهُ على الأرضِ و شرعَ يضرِبَهُ بقوةٍو المرأةُ تصرخُ من داخلِهِ:
- أنا زوجتُك لا تضربَني، أنا زوجتُك، أنا زوجتَكَ.
لكنَّ صوتَ نِباحِ الكلبِ و مُواءِ القطِّ كان غالباً على صوتِها فلمْ يسمعْها جيداً، لكنَّه لاحظِ فجأةً سميرةَ الصغيرةُ تخرجُ من خلف الباب تعدو نحو الغابة، فتركَ الكيسَ واتَّجَهَ نحوَها يريدُ الإمساكَ بها، لكنَّها كانت سريعة جداً وهي تركِضُ ، و الماردُ يركضُ خلفَها، هي تركضُ ، و الماردُ يركضُ خلفَها ، حتى وصلَتْ إلى جسرِ الشَّعرةِ الواحدةِ. فركضت بخفةِ الرِّيشةِ فوقَ الجسرِ دونَ أنْ تقعَ في النهرِ، أما الماردُ فلمْ يستطِعْ لأنَّهُ ثقيلٌ جداً فصاحَ:
سأعاقِبُكِ يا سميرةُ الصغيرةُ إذا عُدْتِ إلى بيتي.
فقالت سميرةٌ الصغيرةُ:
- لن أعودَ إلى بيتِك ثانيةً لأراكَ أيها المارد. وداعاً.
وهكذا عادت سميرةٌ الصغيرةُ إلى الملكِ وأعطتْهُ الخاتمَ وأصبحَتْ زوجةَ ابنِهِ الأصغر، ولمْ ترَ الماردَ ثانيةً.

 

أضيفت في 25/03/2005/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية