لنرسو على شاطئ الحلم
تلجين المنزل.. تأكلين بسرعة .. تتحدثين بسرعة.. تبتسمين أيضا بسرعة..
تأخذين مكانك المعتاد على السرير.. تستلقين.. تغمرك النشوة من رأسك إلى
قدميك.. تفتحين الجريدة.. تقرئين بنهم.. يأخذك الحنين إلى سنوات مضت.. إلى
لحظات حلم سومري.. تتنشقين عبق الشرق حتى الثمالة.. ينتصب أمامك عمالقة
الشعر والنثر.. تسمعين أصواتهم/صرخاتهم/آهاتهم.. تبتسمين .. توشكين على
التصفيق بحرارة.. تتأملين الصور.. لست فضولية، إنما تتأملين و تتأملين.. ثم
تصرين على "ترك" بعض النشوة للغد، للحظات ستأتي حتما.. لحظات تحتاجين
خلالها الكلمة مثلما تحتاجين الماء والهواء.. تتجاوزين الصفحات راضية
ومكرهة في آن.. تصلين إلى آخر صفحة.. تقرئين إعلانا عن مسابقة أدبية تلفت
انتباهك الجائزة بآلاف الدولارات..
تفكرين طويلا.. تبحثين لأول مرة عن العلاقة بين الدولار والدرهم، تكتشفين،
لأول مرة أيضا، انك أمية في المجال المالي، إنما يسيل لعابك بغزارة..
تتقاطر أفكارك بغزارة.. ويسيل مداد قلمك بغزارة أيضا..
تقلبين الدفاتر القديمة والجديدة.. تنفضين الغبار عن مسودات نجت بأعجوبة من
نيران الغضب المشتعلة بفؤادك.. تبتسمين لأنك تشعرين بمعنى الحياة من جديد..
يذوب الفرح فوق شفتيك وأنت تتذكرين هجرانك الكتابة ذات زمن، إذ إن الظروف
في بلادك كما يعلم الله وحده...
تبدئين في عد العناوين.. تستشيرين الأقارب.. يستفسرونك عن حماسك الزائد، عن
الفوضى التي أحدثتها فجأة .. تجيبينهم بسخرية مرة، بأنك ستفوزين،
وستسافرين، وستلتقين عمالقة الأدب..
يسخر منك البعض، ويشفق البعض الآخر..
تشرعين في ترتيب الأوراق.. تمزقين.. تغيرين.. تراجعين النحو والإملاء بحب
فريد..
تعودين إلى الأوراق.. توجهينها إلى الحاسوب.. تتعبين، ولكنك تعجزين عن
التراجع.. النشوة أسكرتك حقا.. تحرصين على تجنب الأخطاء.. تتوسلين إلى
الكاتب.. أنت ! تتوسلين!
تكتبين باعتزاز الاسم والعنوان وتاريخ الازدياد، ولا تنسين رقم الهاتف..
تفكرين في برنامج "الكتاب"، عدد الصفحات، الهوامش، الفهرس..
تبحثين
عن عنوان.. تتقاطر أفكارك من جديد.. تمر أمام عينيك عناوين عديدة لمجموعات
شعرية ونثرية كتبتها في زمن ما.. نشرتها بالوهم، ووزعتها بالوهم أيضا..
وقبل هذا وذاك ، دونت بالصفحة الأولى إهداءات تفننت في بنائها، وحرصت فيها
على ذكر أغلى الناس.. تقررين ساعتها أن تضيفي أناسا طيبين..
تأخذين الأوراق.. تعدين من جديد.. يبدو أمامك السفر.. الكتاب.. الشعراء..
الشباب الذي يفيض حيوية وحماسا وحبا.. الأمل...
تواصلين العد والترتيب.. تدونين العنوان.. ترقمين الصفحات.. تفعلين كل شيء
بحب كبير.. تعيشين ملء الفؤاد، وتكتبين ..لحظات الحلم الجميل..
ثلاث مراحل
أحبيه إذا شئت.. لا تخافي.. أنظري إليه.. عيناه تقولان إنه يهواك، أقصد
يشتهيك.. لا تبحثي كثيرا عن الفرق.. عيناه الزائغتان أهم.. أنظري إذا و
قولي مع القائل كل الطرق تؤدي إلى ما قبل "المدونة"*..!
لا تنسي أن تبتسمي.. تذكري كيف يبتسمن و ابتسمي.. بل قهقهي بأعلى صوتك .. و
لا تكثرتي بما يخيل إليك أنه جاثم على صدرك، فما ذلك إلا وهم زرعه فيك ذلك
الشاعر المجنون.. وما زرعه إلا لأنك أنت مكنته من دواخلك..
قولي مع القائل إنني سعيدة، وسعيدة، وسعيدة! كي تقتنعي بأنك سعيدة.. قهقهي
إذا وحرري قلبك – لقلبك عليك حق- من جباله وحاراته.. حرريه و غنّيه لحنا
فيروزيا أو اسمهانيا أو "حداثيا"، وقولي مع القائل: الأذواق لا تناقش. ثم
أضيفي.. كل النغمات تؤدي إلى "مدونة
".
تحولي
بأقصى ما تستطيعين إلى ضفدعة (أو استفيدي من منطق السلحفاة، و في هذه
الحالة، سيكون للقصة شأن آخر**) بيضي دون حساب، وافتخري، وهللي، وضمي، صوتك
إلى القائل بجدوى التعاقد..
إذا ما زارك طيف شاعرك مساء، لا تخافي.. لا ترتعبي.. تذكري أنك في مرحلة
نقاهة وأنك أدمنته أعمارا، و أن الإدمان يشفى بالوصفة السحرية: النسيان..
لا تندمي على أعمارك لأن السعداء لا يندمون، و لأن الندم لم يستدل على
طريقهم بعد، بل اغتبطي لأنك انتصرت.. أنت طردت الطيف وانتصرت..!
حافظي على انتصارك إذا.. واحرسي منجزاتك الضفدعية الهائلة و لا تفكري أبدا
فيما يصطلحون عليه "ما بعد المدونة".
*إشارة
إلى مدونة الأسرة المغربية التي يعتقد أن من شأنها تطوير الحياة الأسرية.
**إشارة
إلى إهمال السلحفاة صغارها منذ وقت مبكر.
ألوان
رأيته منذ لحظات مثلما كنت أراه دائما متلونا بلونه الخاص..
كان يتلون تارة بألوان قوس قزح،فيمنحني قوةخارقة ،تجعلني أتصدى
لكل الغاضبين وغيرهم ممن قدر لي أن أكون ضحيتهم،بل تجعلني أتخطى
المحن وفي نفسي شموخ ،بل غرور،وفرح غامر بالنصر القريب..
وتارة أخرى يتلون بلون الرماد،فيمنحني مزيجا من الغضب والحيرة
والخوف ،وغيرها من المصطلحات التي كنت أخطها يوما ما ،كنوع
من التطهير ،هروبا من أشياء كثيرة بدايتها ونهايتها أيضا ،التردي...
رأيته ،كانت لحظة خاصة تلك التي مرت منذ قليل..كان يسبح في مكان
ما،لنقل
إنه صار نجمة فعلا،فقد كان يلمع،يسطع،ويبتعد رويدا رويدا
عن
الأرض..
حدث ذلك لما سبحت روحي في بحر الشعر..اتحدنا بلغنا قمة الانسجام
أنا
وقلبي .شكرته على ما منحني من صفاء وسحر وضوء،وشكرني
هو الآخر على ما جدت به عليه من تفهم واستجابة بلغا الذروة
..
ولأن الغيورين في كل مكان وزمان،فسرعان ما تسرب الخبر إلى
الأعين الساهرة..تأججت المشاعر فانسابت كلمات من قبيل:دين،سلف
،زمن صعب...ثم تسللت الكلمات...وصلت إلى قلبي الوفي
..الوديع..سرقت
منه ألوان قوس قزح،ربما كي توصلها إلى المتكلمين
وألبسته اللون الكريه، الذي يفرز من ضمن ما يفرزه ،فرقة خفض
الضغط/رفعه،وفروع الفرقة المسماة أعضاء الصداع المزمن والدوار
وضعف الشهية والاكتئاب وما جاورها..
لم ننفصل مع ذلك،فقد تفهمت أن كاهله مثقل جدا،بل عجبت لحاله وأنا
أراه يقاوم هذا الجيش وحده ..ابتسمت له..خنقتني الدموع..تزايدت
دقاته..كان
يخاف علي جدا..أرخيت العنان لدموعي وأنا أتوقع ردة
فعله.رأيته عاديا ..عاديا جدا ..شعرت بالأسى والخذلان..واصلت البكاء
حتى
جفت مدامعي..حينها نظر إلي باسما مطمئنا ،وأخبرني أن ما يعجبه
في صراحة في شيء واحد لا غير،طبعي الغريب الذي لم يتغير...
وجهان
أواسط شهر مارس
تغرق ناظريها هناك في الغابة الممتدة حد النظر شرقا وغربا ،شمالا
وجنوبا..واحة طروب..بساط رائع،فوقه صففت أزهار
حمراء،وردية،صفراء،بيضاء ،بنفسجية،في نظام بديع..تستمتع بأحلى
نغم وتروي أجمل قصيد،تحاور الأطيار والفراشات،وتتلذذ بالرحيق
الذي يمتصه النحل هنا وهناك ’يسيل لعابهاعندما يقع بصرها على
ثمار أشجار الأركان المنتصبة بشموخ وسط الروض الغناء..
يدللها النسيم هاتفا اجري واركضي وارقصي وحلقي ..أنت
ساحرة،أجمل من الجمال أنت..
أواخرشهر شتنبر،
ما إن تطأ قدماها أرض الغابة زوالا ، حتى تشعر بوحشة
لا تطاق..الجو حانق،حانق هو الجو..حرارة الأرض تكاد تلسع
قدميها رغم الحذاء ذي الكعب العالي..الظل..لا ظل هنا ولا هناك..
ما إن تستقر تحت شجرة حتى تطل أشعة الشمس من جانب ما تلفح
وجهها ،تكوي جسمها من الثياب الناصعة البياض..تدمع عينيها...
الريح غاضبة،مزمجرة تدفعها بكل قوة أماما،وراء ،يمينا ،يسارا،دون
توقف.تقذفها بمئات القطع من الحصى..تصرخ في وجهها أن ارحلي
الآن ..من أين لك بهذا الظل الثقيل؟
على الهامش،
ما بين مارس وشتنبر ،كسرت المرآة التي أتعبتها مثلما أتعبها
السؤال:أين
تكمن الحقيقة؟وأي الشهرين كان صريحا ،لا جارحا ولا
مجاملا؟
كاريكاتور
1-
كانوا ثلاثة رجال:شيخ وشابان..يحملون جميعا صواريخ أشكالها
عجيبة،متطورة..لا أحد يشبه أحدا..لا صاروخ يشبه آخر..
الشابان يبدوان رائعين وهما يرددان بصوت تغلب عليه نبرة
الحماس:ارحل الآن يا ابن الجيفة..يا نتن الرائحة..تأخرت
كثيرا..استحملناك كثيرا..
الشيخ هوالآخر..يتعثر في ثيابه ،جلبابه يسبقه ..يرغب في الجري
مثلما يفعل الشابان ولكن العمر يمنعه ..فيكتفي بإشهار سلاحه
هناك..في الجهة المقابلة حيث يقبع الجندي الإسرائيلي محتميا بأحدث
الأقنعة،مزودا بالمدفع الرشاش..
المدفع يتضاءل شيئا فشيئا ثم يختفي تماما..
الجندي تبدو عليه علامات الخوف من رأسه إلى قدميه وحتى رموش
عينيه..
يصيح..يطلب الإغاثة..وما من مغيث:أنقذوني..أنقذوني..النجدة..
رجله
اليمنى انزلقت على الرمل..فقد وصل إلى البحر ولم يع،إذ إن
وجهه مصوب نحو الرجال الثلاثة...
البحر غاضب ،مزمجر..تصّاعد موجاته معلنة صياحه
واحتجاجه..صوته كان مرعبا..وهو يهتف في وجه الجندي:
-البحر
للأسماك ..للنبات..للبشر..وليس للجيف..البحر يلفظ النتانة..
يبقى الجندي معلقا بين البحر والبر..
الهواء المتدافع الغاضب يحاصره من الجهات الأربع،فينكمش حول
نفسه،كفأر أصيب بالرعب..
2-
نظرتْ إليه ..في عينيه ما زال هناك المزيد:حكايات عن
السحاب،التراب،النبات..،الزهر ،الرمال..
ما تزال اللوحة ناقصة،شيء أكيد ،ولكن حصة الرسم انتهت.وحلم
الطفل ذي الربيع الثامن يواصل الصعود في منأى عن الزمان،في
منأى عن المكان..
|