فنجان قهوة
جلست مع زوجتي في الشرفة المطلة على حديقة الحب نحتسي قدحا من
القهوة ونتبادل اطراف الحديث تارة نتحدث فيها عن الماضي عن فترة الخطوبة وكيف
قضيناها معا بكل وسعادة وشوق إلى لقاء بعضنا البعض ، فترة عرسنا فيها كل مفاهيم
الحب والاحترام ومهدنا الطريق الذي لا زلنا نمشيه معا بكل سعادة فترة إنصهرنا
فيها معا و أصبحنا لا نستطيع البعد عن بعضنا البعض ، فترة ضربنا فيها أروع
الأمثال في نقاوة الحب وصفاء الروح فترة لا زالت تضئ طريق حياتنا الزوجية
وتمدنا بكل مقومات البقاء في قمة هرم الحب .
وتارة أخرى نتحدث فيها عن فترة وجودنا في سويسرا بلد الجمال
والطبيعة الخلابة والمناظر الساحرة والبحيرات الغناءة وكيف قضينا مع طفلتينا في
مدينة سانت جالن الواقعة في شمال سويسرا في الجزء الألماني اجمل ايام العمر في
سعادة واشتياق ووئام ، فترة زرنا فيها معظم مدن سويسرا زيورخ ، لوزان ، جنيف ،
لوتانوا .
أما قرية فلمز بيرق الواقعة على إحدى قمم جبال الألب فلنا فيها أجمل
الذكريات ، وذكريات لا يزال شذاها يعبق حاضرنا الذهبي ، حاضرنا الوردي ويمدنا
بالراحة والاستقرار .
التفتت نحوي زوجتي وقالت : نحن نبالغ ؟ ابتسمت وقلت لها : كيف نبالغ
ونحن بعد لم نقطع سوى أميال قليلة من مشوار حياتنا الزوجية الطويل فكيف اليوم؟
ماذا تقصد اليوم ؟
اقصد كل شيء يولد صغير ثم يكبر مع الأيام إلا حبي لك ولد كبير
وسيبقى كبير إنشاء الله مادام قلبي ينبض بالحياة ؟
حقا تحبني كل هذا الحب ؟
نعم حبي لك يفوق حب البشر للهواء … عشق الصحراء للمطر . . . حب
السجين للحرية … حب المريض للشفاء … حب كل حبيب لحبيبته . . . حب الطفل لا أمه
… حب الظمآن للماء .
ابتسمت وقالت : لم استغرب منك كل هذا الحب لكن أين يذهب حين …
لا تكملي حبك منقوش في حواسي … صورتك صوتك لا يفارقاني حيث ذهبت .
في هذه الأثناء جاءت ابنتي الصغيرة وقالت : بابا خذني للملاهي .
أجبتها : غداً إنشاء الله .
غداً يعنى باكر .
غداً يعني باكر .
أعتقد حان الآن موعد نشرة الأخبار أود أن ادخل إلى الداخل هل ترغبين
الدخول معي طبعاً بعد كل سمعت ولا تريدني البقاء بقربك والذهاب معك إلى أي مكان
تذهب اليه ،
أنت شمعتي التي تضئ طريق حياتي … أنت وردتي التي استنشق رحيقها . .
. أنت الحياة . . أنت مصدر قوتي . . أنت سندي . . أنت أنا ونحن معا باقة ورد
تعبق برائحتها كل المحبين
ما هذا الكلام الحلو ؟
هذا هو الواقع ، هذه هي حياتي معك أتمنى أن ينعكس هذا على فلذات
أكبادنا إنشاء الله .
هل تودين الذهاب للنوم .
نعم إنها الحادية عشر ليلاً .
قبل أن نغرق في النوم التفت نحو زوجتي وقلت لها . . ما أجمل موقف
مربك ؟ ابتسمت وقالت : حياتي كلها مواقف جميلة معك ، لا أستطيع أن حدد موقف
واحد .
لا تجاملي .
لماذا أجامل .
هل تخافي من المستقبل
لا . . . المستقبل بيد الله والأعمار مكتوبة لكن حياتي معك هي
مستقبلي .
الآن جاء دوري سوف أسألك نفس الأسئلة ما هو أجمل موقف مر بك ؟
كل ثانية تمرمن حياتي ونحن معا لها موقف جميل
هل تخاف من المستقبل ؟
أكذب إذا قلت لا أخاف ، نعم أخاف من المستقبل
لماذا?
لا أدري لكن كلما خلوت بنفسي تركت لها العنان تسبح في دنيا الخيال .
قاطعتني وقالت : تعوذ من الشيطان واستعن بالله .
دائماً أتعوذ من الشيطان واردد قوله تعالي ( لن يصيبنا إلا ما كتب
الله لنا ) .
بدأت تتثاوب ابتسمت وقالت : تصبح على خير
تصبحي على خير .
عبير
كل شيء أعد بعناية فائقة ، باقات الزهور اللوحات الزيتية التي زينت
بها جدران الصالة ، الإضاءة الجانبية الخافتة ، تحركات الخدم داخل الصالة رسمت
وخطط لها ، اكتظت الصالة بالمدعوات من معارف عبير اللاتي أخذن يتبادلن أطراف
الحديث ، والضحكات المرتفعة التي تنم عن الفرحة مع شربهن ما لذ وطاب من
المشروبات المنتقاة بأيدي مهرة .
دقائق معدودة مضت حتى أصبحت عبير وسط المدعوات اللاتي أخذن ينظرن
لها نظرة غبطة وفرح وإعجاب بمظهرها الرائع الجميل وملابسها الأنيقة ورائحة
العطر الباريسي الذي اعبق أرجاء الصالة .
أخذت مكانها وسط المدعوات اللاتي أخذن يصافحنها بكل حرارة ، التفت
حولها حواء التي تصغرها بعامين وقالت لها : أين الوالدة ؟ إني لا أرها .
أنها جالسة مع أماني .
نهضت من مكانها وتوجهت نحو أمها وقبلت رأسها وطلبت منها السماح
بإعلان مناسبة هذه الدعوة الخاصة أذنت لها ابتعدت خطوات عن مكان أمها وسط
المدعوات قال بصوت عال : اليوم فرحتي لا توصف وسعادتي لا تقدر بثمن اليوم أعلن
على أسماعكم نبأ خطوبتي من ابن عمي سامر ، ثم عادت مكانها أخذت بعض المدعوات
يتهامسن عن سر هذه المفاجأة التي سر لها البعض وساء لها البعض الآخر،أعلنت
الساعة الحائطية موعد انتصاف الليل حيث دقت أثنى عشرة دقة ، عندما التفتت عبير
نحو صديقتها ملاك وقالت لها : لا أردى أماني ؟ أين ذهبت .
أماني يا حبيبتي تغير وجهها واهتزت أعصابها عند إعلانك نبأ خطوبتك
من سامر .
ماذا تقولين ؟ هل تقصدين أن أماني لها …؟
الله أعلم على كل حال خرجت مسرعة .
استأذنت عبير المدعوات وصعدت للدور الثاني ودخلت غرفتها ومسكت
التلفون أدارت قرص جهاز التلفون بصورة لا إرادية واتصلت بصديقتها أماني .
مرحبا … أماني خير إنشاء الله خرجت ولم أراك هل هناك ما أزعجك ؟
ران صمت قليل بعدها أجابت بصوت حزين ؟ لقد خدعك يا عبير .
ما هذا الكلام ؟ ومن الذي خدعني .
سامر خدعك لأنه لا يحبك ، ولم يعرف الحب في حياته أنه يجب نفسه .
هل أنت متأكدة مما تقولين يا أماني .
نعم وكيف أخدعك وأنت صديقتي الوحيدة ولدي الدليل على صدق كلامي
وخداعه لك.
أي دليل .
سأكون عندك بعد قليل في أمان الله .
حسناً في أمان الله .
وما هي إلا دقائق معدودة لتقوم لها الدليل وهي عبارة عن رزمة
الرسائل المرسلة من سامر إلى أماني والتي بها حبة لها وتعلقه بها إلى الأبد .
انبهرت عبير وفزع قلبها الذي ازدادت دقاته لم تنبس بكلمة ، وقفت وسط
المدعوات اللاتي تأهبن للانصراف قالت عبير : الآن أعلن لكم فسخ خطوبتي من سامر
من طرف واحد ثم ارتمت على
الأرض أخذت تزرف الدموع .
رحلة عذاب
حرارة الجو ملتهبة … موعد القطار الساعة الثانية تأخر … الكل منهك
متعب من عناء يوم شاق … التفت من حولي أبحث عن مقعد خالي أستريح عليه لم أجد ،
فالمقاعد الخشبية القديمة قليلة … الركاب تغص بهم صالة الانتظار البسيطة .
وقفت مع الواقفين في انتظار المنقذ من حرارة الجو الملتهبة … دقائق
مضت كأنها ساعات ، صوت القطار يقترب .
الكل ابتسم ، دلف الركاب إلى داخل القطار بسرعة كالخائفين من أنياب
أسد جائع ، عربات القطار مزدحمة بالركاب الذين يحملون حقائبهم بأيديهم ، عادة
سيئة ، حرارة الجو داخل القطار لا تطاق ، الروائح النتنة تزكم أنفي … … …
التفت من حولي أبحث عن مقعد خالي ، لم أجد وقعت عيني على مقعد يكفي
لجلوسي بين راكبين اقتربت واستأذنت بالجلوس ابتسموا وقال أحدهم : المقعد محجوز،
ابتسمت وقلت لنفسي إني متعبة لا أستطيع الوقوف حتى نهاية الرحلة، أدرت ظهري،
انصرفت، سمعت أحدهم ينادي التفت للوراء اتجهت نحو مصدر الصوت وقفت وقال لي :
اجلسي أراك متعبة وهو يحاول أن يفسح لي عن مكان ، جلست ، المكان ضيق ، لكني
متعبة .
صوت القطار يدوي كالبر كان الثائر … كثير التوقف … وجوه جديده تركب
وأخرى تنزل، استرحت في مكاني، في هذا الوقت بدأت تكثر المقاعد الخالية .
الساعة الثالثة والنصف موعد وصول القطار إلى محطة قريتنا الصغيرة
العطشى الى لمسات حضارية من وجهها الذي أخذت تجاعيد الزمن تلعب به توقف القطار
، ارتاحت نفسي هدأت وقفت ، شرعت بالنزول ، ألقيت نظره من خلال النافذة القذرة
المؤصدة بإحكام يا إلهي لم نصل ؟ لماذا توقف القطار . الكل يتساءل يبحث عن جواب
… دخل علينا مفتش التذاكر وهو في حالة تعب شديد والعرق يتصبب ورائحة جسمه تزكم
وقال بصوت جهوري : القطار تعطل على الجميع النزول والركوب بالباص هيا أسرعوا ،
أدار ظهره وانصرف.
نظرت إلى ساعة يدي أنها الرابعة ، تأخرت سيقلق زوجي ، ألقيت نفسي
على المقعد الممزق القذر لكن الجو بدء يتحسن فنسيم المساء بدء يهب وبدأت أشعر
بشيء من الراحة وأخذت حبات العرق تجف من على صفحات وجهي ، وصلت باب منزلي …
زوجي بانتظار قلق ، متعب ما أن رآني
حتى قال : الحمد لله على السلامة.
جبروت امرأة
أخذ يعزف على الناي ألحان حزينة تنم عن شعور دفين يخفيه عن ماضي
أليم ماضي حافل بالمآسي والأحزان … توفيت أمه وهو طفل صغير . ترعرع وتربى بين
أحضان زوجة أب قاسية ، عنيدة لا تعرف للرحمة طريق ، توقف عن العزف حينما دخلت
عليه زوجه أبيه فجأة رمقته بعينها اللتان تشعان بالشر وقالت ألا تكف عن عزف هذه
الألحان الحزينة التي تذكرني بموت أمك ، أنك والله إنسان مجنون ابتلع ريقه
الجاف وتنفس الصعداء وقال : آسف أن كنت قد أزعجتك ، إني والله مظلوم ببينكم وسر
ظلمي والدي والذي سلبتيه كرامته ورجولته … اشتدت غضباً وازدادت عيونها بريقاً
وقالت ساخرة : والدك كم هو من إنسان بليد ، أنا الذي جعلته رجلاً بين الرجال
،وعلمته كيف يتعامل معي بخضوع ولا يرفض لي طلباً ، أدارت ظهرها وانصرفت بعدما
خلفت وراءها إنسان محطم الأعصاب ، لا يستطيع أن يفعل شيء أمام قوة وجبروت زوجة
أبيه سوى ذرف الدموع التي أدمت مآقيه .
وفي المساء عاد أبوه يجر وراءه أذيال الكبرياء المحطمة والرجولة
المقتولة وكعادته جلس بجوار زوجته كالطفل الصغير الذي يسأل أمه قطعة حلوى يروي
لها ما حدث أثناء غيابه خارج البيت .
ما أن سمع صوت أبيه أسرع إلى مكان جلوسه المعهود ألقى بتحية المساء
وقال بصوت شجي : أبي أريد أن أذهب إلى بيت عمي لو سمحت ، لا أريد أن أبقى هنا
أني أتألم .
كعادته حدقت بوجهه بعينيها الشرستين وقالت : ومتا علاقة أبيك ،
الأجدى أن تستأذن مني ، مني أنا ، إن أباك لم يعتني بك ، ولم يسهر على راحتك
قاطعها حديثها وقال والخوف مرسوم على وجهه : متى كانت الأفعى السامة تحافظ على
صغار الأرانب البريئة ، صرخ بوجه أبنه وقال : ما هذا الكلام يالك من إنسان جرئ
رغم صغر سنك ، انتصبت واقفه كالجلاد رفعت يدها المثقلة بالحلي وصفقته على خده
فخر على الأرض ساقطاً كالميت رفع أبيه نظره نحو زوجته وقال : ما هذا فردت عليه
: أصمت أنت هذا كله يرجع إلى دلعك له وسوء تصرفك الأحمق جمع قواه المتعبة
محاولا النهوض من مكانه نظر إلى أبيه يطلب العون والمساعدة مدت له يدها التي
صفقته بها ، رفعته من على الأرض بقوة ، أدار ظهره وانصرف .. ارتمى على سريره
والدموع تذرف من عينيه .
أخذ يسأل ربه الخلاص والحرية مما هو فيه من جور وظلم … قرر أن يهرب
إلى عمه ليلاً والناس نيام ففعل ، فأستقبله عمه بالترحيب والقبلات الحارة وأقسم
أن لا يعود إل أ[يه طالما الأفعى السامة في ذمته ، بكى كثيراً وحينما سأله عمه
عن سر بكائه قال : أبي … أبي أنها تعذبه ، تحقره،
فمتى يملك أبي الجرأة ويصرخ بوجهها العابس ويطردها من حياته وببيته
إلى الأبد.
|