الكرسي المتحرك
:- موافق .
:- ...........
لم تكن الكلمة التي نطق بها الان - وبالضبط في هذه اللحظة - (اقصد
لحظة نطقي لتلك الكلمة) سوى السحر نفسه ...اذ جعلت شقيقتي (شقيقتي التي
تصغرني بعامين) طائرا يحلق في الفضاء الذي ينقسم الى نصفين مضطربين بالفرح
، احدهما الذي ما زال (هو، وكذلك انا بالتأكيد) يقبع فيه ، وهو يجلس على
الكرسي ذي العجلتين ، والاخر ، الذي ضاق بـ عفاف ، (عفاف شقيقتي) ،فأمتلأ
بها ، او هي ملأتهبساعديها المفروشين كجناحي طائر راح يرقص فرحا ، في فضاء
هادئ جميل .
: موافق ...
قالها (هو ، اقصد انا بالضبط) الجالس على الكرسي بمضض ، (كنت انا
ادفع به دفعا لينطق تلك الكلمة التي كثيرا ما كنت ارغب فب امرارها على
حباله الصوتية التي يملكها هو دون سواي) بعد تفكير طويل ... اذ لم يكن (هو
وليس انا ، وبتأثير مني) يرغب بأن يطول به (اي انا بالضبط) التفكير اكثر
مما يجب ، وهو يجلس على كرسيه المتحرك امام النافذة الزجاجية لغرفته (هي
غرفتي نفسها) المطلة على الحديقة الخلفية لبيـتـ (نا) . نعم ، قالها (وانا
كذلك) بهدوء ، اقصد همسـ (نا) معا : موافق ...
عندها امتلأ جو الغرفة بعطر فواح لذيذ ، تعرفت (انا وليس هو الذي
نسيه) عليه مباشرة (وعلى استحياء منه) بعد ان انفتحت ظلفتا باب الغرفة ،
وانطلق نورها هادئا شفيفا من بين ثناياها محملا بأريج انفاسها ، مترنما
(هكذا سمعت) بموسيقى دقات قلبها التي اخذت تتسارع وهي تتجاوب مع دقات قلبي
الفرحة ( هي نفسها دقات قلبه المضطربة حياء والذي لم يستطع السيطرة عليه)
فتصاعد النبض لقلبـ (نا) .
امتلات الغرفة بالفرح ... ابتسمت ... هكذا احسست (بعد ان تركته هو
وحياءه وخوفه واضطرابه) ، بكل اثاثها البسيط ، حتى الكرسي المتحرك راح هو
الاخر يهتز متراقصا .
: موافق...
لم نكن انا (وهو وقتذاك) وهي - بعد - قد اتفقنا على شيء ما (يتذكر
هو وكذلك انا كل ذلك) ... كل الذي جرى بيننا عبارة عن عهد اقمناه معا فيما
بيننا .
وقتذاك (قبل ان يجلس هو على الكرسي ، او ان اجعله انا يجلس هكذا على
الكرسي) قلت لها ان زواجنا سيتم بعد حصولها على الشهادة ، اي بعد عام واحد
... اما غير ذلك ، فليس الا اشياء تافهة لا يمكن ان نعيرها اهتماما ...
وهكذا سارت حياتنا كما خططنا لها عند اول لقاء لي معها .
أذكر حينها .. انني اخبرتها بحبي لها .. لم ار على وجهها اية علامة
تنبيء عن شيء ما .. الا انني (كما اتذكر الان) رايتها تنظر نحوي .. اطالت
النظر ، كأنها تراني للمرة لاولى ، عندها قلت لها ، وكأني لا اريد ان استفز
مشاعرها :-
:- لا اريد منك الاجابة الان .. فكري بالامر .
لم ترفع عينيها عن عيني ...
احسست (وقتذاك كما اذكر) بنظراتها تخترقني ، فيما قلبي ، كان قد ركب
امواج بحر هائج .. اضطربت دقاته وهو يدفع بالدم الى خلايا جسدي .. همست من
بين شفتين ورديتين (كان هذا هو اللون الطبيعي لشفيتها) :-
:- ومن قال لك ان ذلك يحتاج الى تفكير طويل ؟
تركتني واقفاً – كان ذلك اللقاء في احد ممرات الكلية – في جو من
الحيرة والاضطراب .. احسست بساقي يخذلانني ودون ان اقول شيئا لها ، كانت هي
قد وصلت الى قاعة الدرس .
:- موافق ...
اكثر من مرة طلب منه ابي ان يسمح لــ (سناء) (هذا هو اسم حبيبتي
التي حاول ان يجعلها تتركني) برؤيته (ورؤيتي انا خاصة) .. اما امي ، فقد
كانت قاسية معه ، قالت له :-
:- انك تقتلها . كيف اصبحت قاسياً هكذا الى هذه الدرجة (كنت دائماً
الومه على هذه القسوة) .
اما (عفاف) فقد اعادت الى مسامعه (مسامعي) نفس اسطوانتها التي ملَ
(لم أمل انا) سماعها .. وهي تعرف جيداً كرهه (هو وليس انا) لتلك الاسطوانه
التي ادارتها ..
قالت :- الا تحبها ؟
وقبل ان يجب بكلمة ما ، راحت تلك الاسطوانه تقول :- اذا كان حبك لها
قد تحول الان – الى كراهية ، فاخبرها انت بنفسك (قررت ان اقتله ان اخبرها
بذلك ) .. قل لها انك لا تريدها (انها مجنونه هذه الاخت) .
لم يقل شيئاً ، سوى ان عجلات الكرسي الذي يجلس (وانا كذلك) عليه ظلت
ثابتة في مكانها ، حتى انها لم تدر .
واستمرت الاسطوانة تقذت بحممها البركانية في اذنية :- ولكن قل لي ،
لماذا تعطي لنفسك (نفسي انا بالضبط) الحق في رؤيتها خلسة من خلل فتحة الباب
الغرفة ، او من خلف درفة الشباك الذي اصبحت مدمناً على الجلوس بالقرب منه
.. ها .. لماذا ؟
لم يجرؤ (هكذا رددت مع نفسي) احد منهم ان يقول الحقيقة .. اعرف انهم
لا يريدون قولها امامه (انا مستعد ان سمعها برحابة صدر) .. الا ان جدي (جده
كذلك) وبعد نقاش طويل معهم ، دفع باب غرفته ودخل مهتاجاً .. ولاول مرة اراه
هكذا مضطربا (كنت انا سعيداً بهذا لاهتياج) صاح به :- هل تستحي ايها
المقاتل الشجاع من اوسمة البطولة التي تزين بها يدك (كانت يدي في السابق)
وساقيك (كان ساقي في السابق) .. قل .. هل تستحي منهما ؟
امتلأ جو البيت بصوت نشيج انثوي .. اعرفه (و يعرفه هو كذلك) جيداً
.. كان النشيج متقطعاً .. كانت امي الوحيدة من بين النساء اللائي اعرفهن
تبكي هكذا .. هل كان كلام جدي موجها لها ، ام له ؟
ومن بين ذلك النشيج الحنون ، قالت له بعد ان تركه (وتركني) واوسمته
(الاوسمة الت حصلت عليها انا) التي راح يذكره بان يفخر بها (انا فخورة بها)
.. او كما اعتقد هو يستحي منها :-
:- حجي ، ماذا تقول ، لماذا تقسو عليه هكذا ؟
اسكتها صوت ابي .
:- دعية يخبره بالحقيقة (كنت فرحاً بهذا القول) .. الحقيقة التي لم
نستطع نحن قولها امامه .
هذه هي الحقيقة التي ظلت مختبئة تحت السنة ابيك وامك وشقيقتك (ابي
وامي وشقيقتي) متوارية في حياء داخل تلافيف ذاكرتهم .. وقد احنوا ظهورهم
عليها خوفاً من ان تنطلق امامك (امامي) على شكل كلمات . الحقيقة التي ازال
جدي الصديد منها ..
نغزها هذه اللحظة .. لقد فجرها .. قطعة زجاج تهشمت مرة واحدة ،
فراحت قطعها الصغيره تنكأ الجروح التي سببتها اصابتك (اصاباتي) في المعارك
.. راحت تصرخ بصوت واحد ، انها الحقيقة التي كنت تخفي وجهك (ليس وجهي) عنها
بحياء.. تلوذ (انت الذي تلوذ اما انا فكنت احاول الا افعل ذلك) بصمتك في
ظلام الغرفه الدامس .. كنت تقفل (نعم انت الذي تقفل) بابها و شبابيكها
عندما ياتيك (وكنت انا اكتم غيضي) عطرها ... صوتها (كلامها ، ضحكتها) وهي
تدخل باحه الدار .. او وهي تسأل عنك (لم تات مره دون ان تسال عني) .. تذرف
دموعها (اسمع نشيج بكائها) امام والدتك واختك .. كانت تتوسل بشقيقتك (كنت
انا اسمع كلمات التوسل وكذلك انت ،وكنت انا اغلي فيما كنت انت تغلي .. انا
من غيظي منك ، وانت من حياتك) .. تطلب منها ان تتحدث معك (ياليتها كانت
تعرف ما تكنه لها من مشاعر حب لم تزل كما هي) .. تدفع بشقيقتك الى باب
غرفتك علك تقبل (وكنت انا اتحرق شوقاً لان تقبل سماع كلمة منها .. وكنت لا
اريد كلمات التوسل ، كنت اريد فقط اسمع صوتها) بلقائها .. كل ذلك لم يفد
معك .. لقد جعلك هذا الشلل اللعين تنسى سنوات الحب (حبي انا) التي كانت
لافتة بيضاء – وما زالت - امامك (انت وانا) .. تخوض (اقصد انا الذي كنت
اخوض) ما خضناه من معارك .. من سيف سعد حتى المحمرة .. في الهور ، او على
قمم الجبال .. عندما كنت ( انا وليس انت) اخرج منها سالماً كنت احدث اصحابي
واهلي ، واخبرها هي بالذات ، ان سلامتي كانت بسبب تلك اللافتة البيضاء التي
ارتسمت عليها سنوات حبي .. كل ذلك حدث .. نعم .. الا انه لم يفد معك بشيء
.. (نعم .. الا انه ليس هو الحقيقة) ولم يخرجك من عنادك (ليس عنادي انا) ..
ومن هذا الموقف الذي اتخذته (وانا ارفضه) حيالها .. لماذا ، لماذا تفعل
بها (بي) كل هذا (مجبر انا على ذلك) ؟ . هل تستحق هي منك (ليس مني) كل هذا
الجفاء ؟ (رغما عني) .. لماذا .. لماذا؟
:- موافق .
وانفتح باب الغرفة .. امتلأ فضاؤها بضوء عطري .. كان شبحها ، لا ..
كيانها .. ذاتها ، بل هي نفسها ، بروحها المرحة ، بأبتسامتها الوردية (كما
هي دائماً) بغمازتي خديها .. بظراتها الــ .. آه .. هاهي امامي .. هل ...
بماذا اقابلها : بهتين الساقين العاجزتين .. (سأقتلك ان فكرت بذلك) ...
اللذين اكلتهما نار البارود فشوهتهما تماماً ..(قلت سأقتلك ان عدت لذلك)
.. يا الهي .. النار .. النار .. اشتعل القلب مني .. فيما راحت احشائي
تستعر .. الحر .. البرد .. لم اعد اتنفس ، قطرة ماء .. الهواء .. الهواء ..
ماء .. الهواء .. (كان صراخاً محموماً) .
في المستشفى رفض (الم اقل ان تتركنا انا وهي) استقبالها .. جاءت
ثانية دون جدوى (لماذا تغيضني) .. توسلت اليها شقيقتي الا تتعب نفسها
بالمجيء .. قالت لها بتودد :- ارجوك اعذريه ( هو لانه يستحي وانا لانني لا
اقدر عليه ) .. لقد صدم ( كلانا صدم ، اما انا فقد اجتزت الصدمة) .. علينا
ان نخرجه (هو فقط) من محنته هذه (ومحنتي انا معه) ثقي انه سيعود (نعم
سأعود) اليك .. سيرجع (هذا اكيد ، سأجبره) حتماً .. انني على ثقة من انه
(وهو كذلك رغم كرسيه الدوار) يحبك كثيراً (وهل ما فعلته ليس بحب !؟) .
لم يكن المستشفى هو المكان الوحيد الذي رفضت (انت الذي رفض رغماً
عني) رؤيتها لك .. رفضت ان تراك (تراني انا) ممدداً على السرير .. شراشف
بيضاء (كانت لافتة حبها لي هي الاخرى بيضاء) وقناني المغذي والدم (كان
حبها هو غذائي الوحيد عند احتدام المعارك) تمد اذرعها البلاستيكية الى جسدك
(فيما جسدي ما زال يتغذى على حبها) .
لم تكن هي قد انقطعت عن المجيء لرؤيته (ولم يكن خاليها قد ابتعد عن
روحي) .. كانت تاتي مع أهلي ، تبقى واقفة خارج الغرفة (فيما كانت روحها
تدخل معهم ، تطوف حولي على السرير ، او تجلس على احد الكراسي التي يجلس
عليها اهلي بالقرب من السرير) .
مرة فتحت الباب بقوة .. كانت هي نفسها ، هي نفسها .. هي نفسها
(لماذا تسرع الى غطائك الابيض ، سحبته .. دثرت جسدك وجهك) .. (كنت ترغمني
على ان ادس وجهي تحت الغطاء) ... سمعتها تصرخ .. واقدامها .. حذاءها الجلدي
يصرخ على بلاط ممر المستشفى والباب يغلق بشدة كم اشفقت عليها (حقاً كنت
قاسياً عليها وعلي انا بالذات) خفت عليها (انا وليس انت .. وانت كذلك) ..
بكيت عليها ..
:- موافق :-
ها هي الان امامي .. (قلت لاشأن لك بها ، .. اتركني معها ..)
:- موافق ..
قلتها هامساً :- موافق .
ها هو حبي واقف خلفي ، مجسد بهذا الكيان الجميل .. فيما كانت حديقة
دارنا امام ناظري .. وها انا اختلس النظر اليها من خلال انطباع صورتها على
زجاج النافذة امامي .. هل ادير الكرسي (استلمت قياده رغماً عنك) .. هل ..
كانت هي المبادرة .. بيدين احسست بهما ترتعشان فرحاً ، راحت تدير
اتجاه الكرسي .. فالتهبت النار .. الحب .. الحنين .. الشوق .. في حضني
(حضني انا وليس حضنك انت) .. كان شعرها الاسود الفاحم الناعم قد ملأه
(سأقتلك ان دفعت برأسها خارج حضني) .. تكوم مرة واحدة ، وراح ينشج ..
كان صوت بكائها قد ملأ الغرفة ، فيما تساقطت قطرات الدمع على الشرشف
الذي يغطي ساقي .. كانت حرارة دمعها قد تسللت الى عظام ساقي .. احسست بهما
(عظام ساقي) ترتديانه .. تتحدان .. تنتعشان .. وبأن الاف القطع الزجاجية
الصغيرة في لحم الساقين ، تتجمع على شكل كرة صغيرة تنقذف خارج كياني ..
عندها وضعت شفتي على شعرها الفاحم الذي ما زال مفترشاً حضني .. وقبلته .
10 /4/1990
نشرت في مجلة الموقف الثقافي - ع 43/ ك2- شباط/ 2003 .
نشرت بتاريخ 29-12-2007في موقع وكالة اخبار العراق -
الصفحة الادبية 0
حكاية قصة
عندما جلس أمام الأوراق التي سطر عليها مسودة قصته التي كتبها
وتركها لتنضج – كما اكد اكثر من مرة – افكارها جيداً في ذهنه ، كان همه
الرئيس ، هو الخاتمة .. خاتمة أحداثها ... اذ لكل بداية نهاية .. وقد تعلم
من قراءاته لأساسيات فن القص ، ان القصة القصيرة ، ما هي الا بداية ، ووسط
، ونهاية .. او بداية ، وازمة ، وحلاً لتلك الأزمة ... أي بعد البداية ،
تتشابك الخيوط ، ومن ثم يحل ذلك التشابك .
نعم .. كانت اجواء الحرب هي الطاغية على الجو العام للأحداث ،
وبالضبط ، الأ يام الاخيرة من تلك الحرب ... وكان مكان احداثها يعبق برائحة
البارود ، فيما الأصوات التي يسمع قارئها ، ضجيجها - وهذا سر اعجابه بها
- هي اصوات انفجار القنابل وازيز الرصاص ، وهدير محركات الدبابات ... وفي
مثل هذا الجو ، برزت شجاعة وقدرة شخوصها .
كانت أحداثها تتصاعد شيئاً فشيئاً للوصول الى الذروة ، الذروة –
النهاية التي عندها تسكت المدافع ... هكذا اراد لها ان تنتهي .
ان القصة القصيرة - كما اخبر احد زملائه – هي قطعة من الحياة ...
لحظة مستلة منها ، وها هي الحياة يراها – او لحظة منها – تنبض بكل شيء ..
بالحرب و السلام .
في تلك الفترة الزمنية التي مضت ، وقد تميزت بهدوئها وصفائها ،
وامتدت بين كتابتها لاول مرة ، وبين هذه اللحظة التي اخرج فيها اوراقها ،
كان بين وقت وأخر ، يخرجها من الدرج الذي احتضنها طيلة تلك الفترة ليعيد
قراءتها ويشذب فيها ، يحذف ويضيف ... كان توقيت زمن النهاية موفقاً ،
وأسلوب طرح الفكرة جيداً ، الا ان ما كان يقلقله كثيراً – كما اخبر زوجته
التي طلبت منه اكثر من مرة ان يرسلها كما هي للنشر – هو هذه النهاية ...
وفي الحقيقة – كما قال لها – لم تكن النهاية بحد ذاتها ، بقدر ما كان
يقلقله مما سيأتي من تفسيرات او سوء فهم سيقع فيه بعض القراء الذين لا
يرتاحون كثيراً لنهايات قصصه .
مرة قال له ابنه الكبير : سأساق الى الخدمة العسكرية ، وأنت لم تنته
بعد من امر هذه القصة ، هل تنتظر شيئاً غير هذه النهاية الجميلة ؟
كان خبر سوق ولده الكبير الى الخدمة العسكرية قد اعاده الى ذكرياته
عن الحرب وخدمته الطويلة في القوات المسلحة ، ومن ثم أحالته بعد تلك الخدمة
الى التقاعد بعد ان سكتت المدافع وعاد كل شخص الى اهله ... قال له وبقلق
فضحته ارتجاف شفتيه :- آمل ان تنتهي خدمتك العسكرية في فترتها المحددة .
قبل اشهر ، أنهى ولده الكبير دراسته الجامعية ، وكان أمله ان ينهي
الخدمة العسكرية ليعين في وظيفة لها علاقة بأختصاص دراسته .. وهذا ما كان
هو ووالدته يحلمان به .. الا ان ما زاد من قلقه اكثر هو تساؤله عما ينتظره
من نهاية غير هذه النهاية .
عندما وضع الاوراق امامه في تلك الليلة ، شاهد ابتسامة صغيرة مرتسمة
على شفتي زوجته ، فهم ما كانت تفكر فيه دون ان تقول شيئاً ... الا ان ولده
قال له برجاء :-
: ارجو ان تنتهي من هذه القصة .. لقد عذبتك كثيراً .. اتمنى ان
اراها منشورة قبل ان ارتدي ملابس الخاكي .
أجابه والقلق ما زال معرشاً في كل خلايا جسده :- ان شاء الله ،
سأنتهي منها هذه الليلة .
رغم انشغال زوجته بترتيب لوازم المطبخ قبل ان تذهب الى سرير النوم ،
الا انها سألته با متعاض :- هذا يعني ، انك ستسهر هذه الليلة ؟
وعندما اجابها بنعم ، سألته : اما زلت تخاف من نهايتها ؟
:- نعم ... من بعض القراء سيئي النيات او المدفوعين للتهجم ضد ما
اكتب .
اكدت له :- الا ان نهايتها جميلة وقوية .
:- سأعيد قراءتها أكثر من مرة .. وعندما اطمئن لها ، سأتركها كما هي
.
بعد ان غادرته زوجته وولده ليناموا ، كان الوقت قد تأخر كثيراً .
الوقت يقترب من فجر اليوم التالي ، وهو لم ينته بعد .
كان القلق هو ما يحتويه كلياً .. حتى هذا الوقت ، وهو لم يتخذ قراره
النهائي بشأنها .. كان اكثر ما يخيفه - وهذا ما يفكر فيه الان – هو سوء
فهم بعض القراء المعادين لكتاباته .
اعاد للمرة العاشرة قراءة النهاية فقط ... وبالضبط من اخر قنبلة
مدفع أطلقها الأعداء على بعض مواقع أبطال القصة ... اذ بعد هذه القنبلة ،
كانت القصة قد بدأت تنهي نفسها مع احد شخوصها وهو يستمع الى البيان النهائي
لأيام الحرب .
اطمأن لهذه النهاية رغم القلق الذي ما زال يتنفس من كل مسامات جسده
الذي انكه التعب والسهر ... الا انه لم يكن مسروراً لها على الرغم من ان
عبئاً ثقيلاً قد ازيح عن نفسه كما اعتقد .
هيأ أوراقا جديدة ، وراح يعيد كتابة القصة مؤكداً مع نفسه القلقة
انه سيرسلها صباح الغد بالبريد الى أحدى الصحف اليومية لنشرها .. وبدأ يخط
على الورق احداثها سطراً سطراً .
كان القلم ينساب على الورق الابيض الصقيل بهدوء فيما السكون يلف
البيت وغرف النوم .. الا ان القلق كان يتصاعد في نفسه كالبركان .. تساءل :-
هل هو قلق الابداع ، ام انه قلق من نوع اخر لا يعرف عنه شيئاً ؟
وضع القلم على الورقه ، بعد ان وصل الى سطور النهاية .. اشعل
سيكارة له ، سحب منها نفساً عميقاً ، ثم مد يده ليكتب ... عندها اهتزت
جدران بيته وأثاثه ... كان صوت زوجته وابنائه قد ملأ الدار ، وازيز
الطائرات يملأ فضاء المدينة ، وقلمه راح يسطر اخر كلمتين في القصة بعد ان
سمعها من فم ابنه الصغير :- عاد القصف .
العيد
(اعترافات
رجل غلبه الوقت)
عندما عدت ليلة التاسع على العاشر من شهر ذي الحجة ... اقصد ...
عندما عدت الى بيتي في ساعة متأخرة من ليلة البارحة ... او لنقل : ها انا
اعود هذه الليلة الى بيتي ... حيث الوقت متأخرا جدا ... وكعادتها ، كانت
زوجتي في انتظاري .
نعم ...
كعادتها في كل ليلة ، ها هي الان بأنتظاري ، وعلى الرغم من انني
احمل النسخة الاصلية من مفاتيح الابواب ، الا انني ضغطت على زر الجرس
الكهربائي ... نعم ما زال اصبعي يضغط على على مفتاح الجرس ، مرة واخرى حتى
انفتح الباب الحديدي امامي .
كانت زوجتي قد فتحت الباب مثل كل مرة ، اذ بعد ان اضغط على مفتاح
الجرس ، يفتح الباب فيلتقي وجهي بوجهها .
عندما فتحت زوجتي لي الباب ليلة البارحة في ساعة متأخرة من الليل ،
دخلت ... لم تسألني سبب تأخري ، ربما سألتني ، اذ كنت مشغولا بالامر الذي
قد تداولته من كل جوانه منذ يومين ... انا افكر به ... تدارسته ... وناقشته
مع نفسي ... عندها اتخذت قراري النهائي ، لهذا فأنا لا اذكر ان كانت سألتني
زوجتي عن سبب تأخري ام ... المهم ها انا جالس اتناول طعام العشاء ، رغم
الوقت المتأخر .
قلت لزوجتي ... اقصد فيما كان الطعام امامي ، طلبت منها قائلا :
: ارجو ان توقضيني صباح غد في وقت مبكر .
هكذا بدأت تطبيق خطوات القرارالذي اتخذته مع نفسي مساء هذا اليوم .
كنت في سابق الايام لا انهض من فراشي الا في ساعة متأخرة ، لذا ،
وبعد يومين من التفكير الحا في ذلك الامر ، وتداول فكرته في ذهني ، قررت ان
انهض مبكرا صباح يوم غد .
اذكر : لما سألتها مطلبي هذا ، اقصد عندما قلت لها جملتي الطلبية
تلك ... كانت ابتسامة خفيفة ماكرة ترتسم على شفتيها .
وانا امضغ طعامي ، تساءلت لحظتها ، بالضبط تساءلت ، سألت نفسي
قائلا: هل فَهمت قصدي ؟
هكذا سألت نفسي وانا اتناول طعام العشاء في تلك الساعة المتأخرة
ليلة البارحة .
كانت زوجتي تجلس امامي وكأنها تنتظر امرا مني لعمل شيئا ما ... على
الرغم من ان كل شيء امامي في (الصينية) ، حتى قدح الماء البارد ... وما تزل
الابتسامة مرسومة على شفتيها ، كما هي ، ابتسامة ماكرة ، لا اقصد ابتسامة
إمرأة ماكرة ، انما كانت الابتسامة هي بالضبط ما وصفتها تلك اللحظة بالمكر
... هذا ما فهمته من تلك الاشارة التي بعثتها ، او لنقل التي ارتسمت على
الشفتين ... او كما يقول (البنيويون) ، ولكي اكون دقيقا في تعبيري ، (السيميائيون)
... كانت دلالات ابتسامتها ، اقصد الشفرة التي بعثت بها تلك الشفاه (وهذا
من حقي ، فأنا بعد ان طلبت منها مطلبي ذاك ، كان من حقي ان اقرأ ما اصبح
ناتجا امامي) ذلك لان الابتسامة تلك وجدت فيها نصا (محتملا) لاكثر من قراءة
، ولما كنت اعرف ما طلبته منها ، وكذلك اعرف مسبقا ، انها كانت تعرف جيدا
ما كان يشغلني خلال اليومين الماضيين ، ان كان ذلك بحدسها ، او كان بسبب
احتفاظها بمرجعيات ذلك الامر منذ ثلاث سنوات ... اقصد انها كانت تعرف ما
كنت اعانيه صبيحة اول ايام كل عيد عندما يطرق الباب .
اعود الى القول ، انني كقاريء – ها انا اضع نفسي كقاريء لنص امامي –
لخطاب مرتسم على الشفاه ، لي الحق في ان افهمه حسب مرجعياتي الخاصة ،او
لنقل : ان اقوم بتأويله حسبما ارغب . وهكذا ، كانت الشماتة هي الرسالة التي
بعثت بها تلك الشفاه .
كانت ، وهي تجلس امامي ( مرسلا ) ، فيما كنت انا الجالس امامها
وصينية الطعام بيننا (مرسلا له) ، اما الشماته ، فقد كانت (الرسالة) التي
بيننا ... وكان الحق معها في ذلك ... لهذا لم اسألها السبب ... افصد لم
اسألها لماذا ابتسمتِ؟! او لنقل : لم اقل لها لماذا تبتسمين يا زوجتي
العزيزة ، هل في كلامي ما يضحك ؟
ولكنها ، ولسبب اعرفه جيدا ، اذ انها كزوجة محبة ومحترمة ، كانت لا
تخفي شيء عني ، اجابت هي بنفسها عن سؤالي غير المعلن ، اقصد سؤالي المغيب
خلف نظراتي الاندهاشية ، او ربما فهمت هي - كما فهمت انا دلالات ابتسامتها
– دلالات نظرتي ، عندما ابتسمت هي ، أي ان التي كانت تقوم بدور الوسيط
بيننا هي الاشارات (كودات ) ، (شفرات) تنتجها العيون والشفاه ، لهذا سمعتها
تقول ، اقصد وانا اتناول طعام العشاء ، قالت : وان لم استطع- هكذا اكدت لي
بأستخدام ضمير المتكلم بكل وضوح - النهوض في الوقت المناسب ، ماذا ستفعل
انت ؟
وعندما لم اجبها ، او انها قد وجدتني انظر الاى وجهها وكأنني انظر
في متاهة لا نهاية لها ، تابعت القول : اقصد ، كيف يمكنك النهوض مبكرا ؟
كان سؤالا وجيها ... ما سألتني اياه كان وجيها ... قلت مع نفسي ،
لاسيما ان هذه الليلة هي الليلة التي تسبق يوم العيد ... وان فترة البث
التلفزيوني ستستمر الى وقت متأخر ... ولما كان عليّ ان انهض مبكرا ، فأن
لسؤالها وجاهة لاحد لها ، خاصة وان الوقت الذي يفصل بين هذه اللحظة وبين
الضغط على زر جرس الباب الخارجي صباح غد – اقصد صباح يوم العيد – تعد
بالساعات ، والوقت هذا يتآكل بسرعة كما ان الطعام الذي امامي هو الاخر
يتآكل شيئا فشيئا من قبل فمي ، اذ لم يكن امامي متسع من الوقت لضبطه .
سألتها كغريق يبحث عن قشة في لجة البحر : اين ساعة التوقيت المنضدية
؟
سحبت صينية الاكل من امامي ، بعد ان تأكدت من انني قد لنتهيت من
تناول طعام العشاء ، وببرودة ، وكأن الامر لا يعنيها بشيء ، نعم ، اكدت مع
نفسي ، ان الامر لا يعنيها بشيء ، قالت : انها عاطلة .
اذن ، فالاعتماد على النفس في هذه الحالة فضيلة ، واي فضيلة ، هكذا
قلت ، او لنقل ، سمعت صوتا داخليا يهتف بمثل هذه الكلمات .
عندما عدت من غسل يدي ، سمعتها تقول : لا تنسى ان تحلق ذقنك .
صحيح انني نظرت اليها لاشكرها على هذه الملاحظة المهمة جدا ، الا
انني لم اقل لها شيئا على الرغم من معرفتي انها قد فهمت دلالات نظراتي تلك
، لاسيما ان (الموسى) لم يجد طريقه الى شعر وجهي منذ ثلاثة ايام بالضبط ،
وتأكيدا لقولها ... اقصد تأكيدا على تلك الملاحظة الهامة التي نبهتني اليها
، قلت لها : وعليّ ان استحم ايضا .
تركتها والابتسامة ما زالت تتجدد على شفتيها (الماكرة) بين لحظة
واخرى .
غدا – قلت مع نفس وانا اضع جسدي على الفراش – لن اسمع جرس الباب ...
او قلت : سوف لا اسمح لجرس الباب ان يسبقني في النهوض . عندها امتلأت نفسي
بالراحة ... انتعشت روحي بيقين لم اعرف منشأه .
هكذا اويت الى فراشي في ساعة متأخرة من هذه الليلة ... اقصد قبل
دقائق بالضبط ، وضعت جسدي على الفراش لانام ، فيما كانت زوجتي والاولاد
يشاهدون برامج خاصة بفرحة قدوم العيد في التلفزيون ، هل كان ذلك نكاية بي ،
لان الامر لا يعنيها ؟ او لكي تؤكد لي – لا من خلال حوار يدور بيننا – ان
الامر هو بيدي ... لم يقلقني ذلك ، لان الحق معها ، او لنقل ان مثل هذا
الموقف هو حق لها ، لانها لم تكن معنية بالامر الذي شغلني طيلة هذين
اليومين .
اذكر انني سألتها قبل ان ادخل غرفة النوم ... اقصد قلت لها وانا في
طريقي الى غرفة النوم : هل جارنا ابا عماد في بيته ؟
لكي يكون جوابها لي دقيقا ، اعدت السؤال بصيغة اخرى ، فقلت :
: هل سيكون في بيته صبيحة يوم غد ؟
لم اتنظر الجواب منها لانني اعرف مسبقا ان لا اجابة لديها ... وعلى
الرغم من ذلك ، تجددت تلك الابتسامة (الماكرة الساخرة) على شفتيها ...
عندها ، وانا اضع جسمي المتعب على الفراش ، احسست ان الابتسامة تلك قد
ارسلت سكاكينها الحادة داخل بطني وراحت تجوس احشاءها وكأنها تبحث عن شيء ما
.
كنت انتظر اغفاءة عينيّ ، وكما قلت قبل قليل سوف لا اسمح لجرس الباب
ان يسبقني ... لهذا ارتاحت نفسي ، عندها انتظرت الاغفاءة المبكرة كي تكتمل
الحكمة التي تعلمناها منذ الصغر ( نم مبكرا لتستيقض مبكرا ) او ( نم مبكرا
لتنهض مبكرا) .
كان الفراش بركانا يغلي بالنار ... على الرغم من ان جهاز التكييف
يعمل بكفاءة عالية الا انني احسست – وربما كان ذلك احساسا لا اراديا – بأن
الفراش يشع حرارة ... وان قماشه القطني يلتهب ، جمرا متقدا ... او لنقل انه
صفيحة معدنية ساخنة .
كانت الحرارة تنفذ من خلال دشداشتي الى جلدي ، ومن خلال جلدي كانت
عظامي تلتهب ... عندها رحت اتقلب على الفراش ، فيما جهاز التلفزيون يبث
اغانيه احتفاءا بمقدم العيد ، وزوجتي ما زالت جالسة بين الاطفال ، وكأن
الامر لا يعنيها ، حقيقة ان الامر لا يعنيها ، اكدت مع نفسي .
كان الوقت يمر سريعا ، لم انظر الى ساعتي ، الا انني من خلال ستارة
الشباك رأيت لون الفضاء الخارجي يتحول شيئا فشيئا الى اللون الفضي ، فيما
كانت عيناي منفتحتين على وسعهما لتريا هدا التحول.
لاول مرة وبعد سنوات عديدة ارى مثل هدا التحول ، كم هو جميل ان
يتبدل اللون الاسود ... اقصد ان يتلاشى شيئا فشيئا ليحل محله اللون الفضي ،
لكن جفون عيني كانت – بعد لحظات من التحديق في تلك التحولات التي تحدث
امامي في الفضاء ، أي تبدد لون وتكون لون آخر– كانت بالكاد تنفتحان ، فيما
الحرارة ، او لنقل احساسي بسخونة الفراش ، قد تلاشت شيئا فشيئا مع تلاشي
لون الفضاء ... وراح جسدي يهدأ ليستكين على فراشه .
لا اعرف كم كانت الساعة عندما انتبهت على صوت زوجتي وهي تقول : انهض
... جرس الباب يرن ...
انها الجملة نفسها التي تعودت سماعها من قبل ، عند اول يوم من ايام
كل عيد ،وقتها - أي في تلك الاوقات التي اسمع فيها تلك الجملة – وكدلك الان
، كنت انهض مسرعا ، كانت زوجتي تقول لي : انهض جرس الباب يرن ...
كنت انهض مسرعا ، وكالعادة ، اعني كما في كل مرة ، أي في الساعات
الاولى من اول ايام العيد ، كل عيد ، كنت بالكاد ابلل وجهي بقطرات من الماء
، وكنت في كل مرة ، أي وانا في طريقي الى الباب في الساعات الاولى من اول
يوم كل عيد ، كنت امسح وجهي بالمنشفة ، وفي كل مرة ، عندما يرن الجرس في
اول ساعات اليوم الاول من العيد ، مند ان سكنت وعائلتي هده الدار قبل اكثر
من ثلاث سنوات ، كنت افتح الباب الحديدي للدار ، وكنت ... وها انا قد
فعلتها قبل لحظات عندما فتحت الباب ... وجدته واقفا امامي ، تراءى لي كأنه
طاووسا ينشر جناحيه الملونتين ، اقصد كما كنت في اول مرة اجده امامي ...
امامي بالضبط ... بزيه العربي المعهود ، ملامح وجهه نفسها ، والرائحة
الزكية تنبعث منه ، وقد حلق دقنه ، وبنفس الابتسامة ،، .و ...:
- ايامك سعيدة... كل عام وانت بخير ...
ومثل كل مرة ، كنت – كما فعلت قبل لحظات – ارد عليه بأرتباك :
وايامك سعيدة . وبين القبلات المتبادلة ، كنت اقول له – ان شاء الله
استقبلك حاجا ...
ومثل كل مرة – وكما رد علي قبل لحظات – كان يرد علي و ابتسامة شماتة
على شفتيه ، وحس بالانتصار ...او هكدا كنت استقبل تلك الابتسامة ،
الابتسامة التي رأيتها قبل لحظات على شفتيه ، ابتسامة شماتة ، ومن بين
الشفتين الشامتتين وبتلك الابتسامة سمعته – مثل كل مرة – يقول : ان شاء
الله معا ...
وكنت اطلب منه – اقصد قد طلبت منه قبل لحظات وكما في كل مرة – ان
(يشرفنا) بالدخول الى البيت ... كان يعتدر ، يعتدر لانه سيزور الاخرين –
اقصد الجيران - في بيوتهم ليقدم لهم كلمات التهنئة بمناسبة العيد السعيد ،
تلك التهاني المشفوعة بتلك الابتسامة ، وقتها سألت نفسي : هل يعاني الاخرون
– اقصد الجيران – من تلك الابتسامة ؟
لم اجد لسؤالي جوابا ، لانني عندما اغلقت الباب – اقصد مثل كل مرة
عندما اغلق الباب – كانت ادناي قد تشربتا بضحكته العالية ... تساءلت : هل
يضحك لانه ... ربما ؟
وعندما كنت اعود الى غرفتي – وها انا اضع جسدي مرة اخرى على الفراش
– كانت زوجتي هي الاخرى تضحك . هل تضحك لانها كانت فرحة بالعيد ام انها
تضحك من ....؟
لم اسألها السبب ، لكنها قالت – وكما كانت تقول لي في كل مرة ، اقصد
عندما اعود من ضحكته العالية تلك صبيحة كل اول يوم عيد – اسمعها تقول: غلبك
هده المرة .
وتابعت ضحكتها ، فيما انا اتمدد على فراشي ، خائبا ، منكسرا ،
متوعدا اياه في العيد القادم ، سمعتها تقول : هل كان عليك مثل كل مرة ان
تستقبل تهانيه بالعيد بملابس النوم دون ان تفاجأه مرة لتسمعه انت التهاني
امام باب داره؟
كانت ضحكتها العالية ... عالية ... عالية ...
ناصرية 21 / 5 / 1994
|