أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

الكاتب: ثائر زكي الزعزوع-الإمارات العربية المتحدة

       
       
       
       
       

 

رحلة زاعم-رواية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

روائي وقاص وشاعر من سوريا مواليد 1970

ليسانس في اللغة العربية

عضو اتحاد الكتاب العرب

عضو مشارك في اتحاد الصحفيين

 

صدر له:

شعر 1994

لأنه الوقت لأنك امرأة 

رواية 1997

رحلة زاعم

رواية 1999

السلطان يوسف

شعر 2000

المسافر

 

قيد الطبع

الليلة الثانية من شباط  قصص

 

العمل:

المحرر الثقافي في جريدة الاتجاه الاخر 

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

قصص قصيرة جدا

حلم

الفائز الأعظم

الرجل الذي صار لونه أحمر 

أول المعرفة

 

 

 الرجل الذي صار لونه أحمر

 

-1-

 

حين عاد الشيخ فتحي الراضي إلى بيته ، كانت الشمس قد بدأت ترسل أشعتها الأولى لتغير المدينة التي تجللها عباءة سوداء منذ يومين تقريباً .

فبعد ظهر الثلاثاء الماضي هبت عاصفة قوية لم يرَ أحدٌ مثلها ولم يسمع أحدٌ عن مثلها . وغابت الشمس مباشرة واختفت خلف جبل كبير صخوره بازلتية .

وبما أن الجميع مستغرقون في النوم . فلم يستطع أحد سوى الشيخ فتحي ، أن يلاحظ بأن هذه الأشعة القرمزية التي تبثها الشمس ليست هي الأشعة نفسها التي اعتاد الناس رؤيتها في كل مكان .

دخل غرفة المؤونة وأخرج كتاب الظواهر المدهشة الذي كان قد استعاره من الأستاذ عبد الله مدرس الفيزياء في الثانوية وجلس قرب شجرة الزيزفون العتيقة التي زرعها جده الحاج  فياض الراضي يوم ولادته ، وهو يرى في هذه الشجرة أختاً له . لأنها ولدت في اليوم نفسه الذي ولد فيه .

كان عليه قبل أن يبدأ القراءة أن يوقظ الناس الذين لن يعرفوا بأن الشمس عادت إليه بعد يومين من الغياب، لأنهم ينامون في غرفهم يملأ قلوبهم الرعب من قيام الساعة ، لكنه فضّل ألا يثير فزعهم حين يشاهدون ما يحدث .

كان يقلّب صفحات الكتاب بهدوء ، واضعاً السواك بين شفتيه ، حين رفع عينيه إلى الجدار المقابل له . كان لون الجدار أحمر مثل لون الدم ، جال ببصره على كل الأشياء . فشعر بالخوف . للمرة الأولى في حياته .

 كان اللون الأحمر يغطي كل شيء ، وكانت شجرة الزيزفون - أخته ، تقطر أوراقها دماً .

نهض من مكانه فزعاً . وفتح الباب وخرج من البيت . كانت الطرقات تمتدّ أمامه حمراء اللون . وقد رأى لها أذرعاً تعانق قرص الشمس الأحمر الملتهب .

 كانت حركته صعبة بسبب الدماء التي ملأت الشوارع وتجلطت بسرعة . دخل المسجد ، واندفع إلى المئذنة . لكنه ارتطم بأحد الأعمدة الأسطوانية المزخرفة بخطوط حمراء . شعر بالغثيان وودّ لو أنه يتقيأ لكنه لم يفعل حفاظاً على طهارة المكان .

كان  اللون الأحمر في كل مكان  على السجاد الصيني الفاخر الذي تبرع به أبو محمود الخليل تاجر الأقمشة . وعلى مكبرات الصوت الحديثة ماركة ( فيليبس ) التي أحضروها من الشام ، وبين الكتب الكثيرة الموجودة على الرفوف مرتبة ترتيباً عشوائياً .

 وهناك قرب الباب ، في الخزانة المخصصة لوضع أحذية المصلين . بذل جهداً كبيراً حتى استطاع الخروج من المسجد ، تلمس طريقه واتجه إلى منزل الأستاذ عبد الله الذي يقرأ كثيراً . والذي ربمّا يجد عنده تفسيراً لما يحدث .

 دفع الباب الخشبي القديم ، ودخل ، فرأى الأستاذ نائماً في زاويته المعتادة ، وقد تحول إلى قطعة دمٍ كبيرة متجلطة .

هزّه هزّة قوية فلم يتحرك . وإنما اندفعت رائحة الدم نفاذة فلم يستطع ، بعدها ، مشاهدة شيء سوى ذلك اللون الأحمر .... غادر منزل الأستاذ وسار ببطء حتى وصل إلى بيته، فتح  الباب واتجه مباشرة إلى غرفته التي ينام فيها . كانت الغرفة الهادئة المطلية بالكلس الأبيض قد تحول لونها هي أيضاً إلى اللون الأحمر ، فلم يستغرب الشيخ فتحي الأمر واعتبره عادياً. فخلع جبته وعمامته . وارتدى كلابية النوم ( الحمراء ) واستلقى على فراشه ذي اللون الدموي الأحمر .

لقد كان متعباً ، وعليه أن ينام قليلاً ليرتاح . وحين يستيقظ لابدّ أن حلّ هذه الأمور كلها سيكون في رأسه .

 

-2-

تأخر الشيخ فتحي الراضي عن موعد صلاة الظهر . وقد استغرب جميع الناس هذا . فالرجل الذي كان إمامهم مدة تزيد على عشرين سنة . والذي لم يتخلف عن الصلاة أبداً منذ أن كان طفلاً . يغيب اليوم عن الصلاة . أجمع المتواجدون على رأي واحد ، وهو أن يذهبوا لزيارته والإطمئنان عليه بعد انتهاء الصلاة .

 بعد أن صافحوا بعضهم البعض بعد الصلاة . ووضع كل واحد حذاءه في قدميه خرج الجميع من المسجد وتوجهوا إلى بيت الشيخ فتحي.

كان صوت طرقهم على باب البيت يترافق مع هبوب ريح قوية جداً ومع تلون السماء باللون الأحمر القانئ الذي يشبه لون الدم تماماً .

حين لم يُفتح البابُ . دفعه مروان الصالح ذو الكتفين العريضتين فانفتح ، ودخل الجميع . كان الخوف من أن مكروها قد حلّ بالشيخ مسيطراً عليهم . فلم يعرفوا ماذا يفعلون .

دخلوا غرفته فوجدوه مستلقياً على فراشه نائماً ، كان وجهه أحمر مثل قطعة من الدم المتجلطة . هزوه وحاولوا إيقاظه ، لكنه كان قد فارق الحياة .

 وبعد أن غسلوا جسده الأحمر بالماء الساخن والصابون ، كفنوه ثلاث مرات ، وكان الكفن الأبيض الذي يضعونه عليه لا يلبث أن يتحول إلى اللون الأحمر . وقد نصحهم الحاج مهدي بأن يتركوا الكفن على حاله فقد تكون هذه رغبة المرحوم . ساروا به إلى المسجد وصلوا عليه ، ثم حملوه على أكتافهم إلى المقبرة ، حيث كانت حفرته بانتظاره ، فوضعوه فيها وطمروه بتراب لونه أحمر .

 

-3-

بعد مرور عشر سنوات على وفاة الشيخ فتحي الراضي إمام مسجد الصحابي الجليل ، أنس بن مالك / صار لون البيت الذي كان يسكنه أحمر تماماً وتحول الشارع الذي يقع فيه البيت إلى منطقة مهجورة لايدخلها أحدٌ، وقد نشط رؤوساء البلدية المختلفون الذين جاؤوا إلى المدينة في تحسين أحوالها وكان كل واحد منهم يصرف نصف الميزانية في استيراد أفضل أنواع الطلاء من مختلف دول العالم لطلاء بيت المرحوم الشيخ فتحي الراضي ذي اللون الأحمر ولكنّ أيّاً منهم لم يستطع إخفاء ذلك اللون الواضح وضوح الشمس . وعند هبوب ريح العجاج القادمة ، صيفاً ، من الغرب محملة بالأتربة . كان لون المدينة كلها يتحول إلى اللون الأحمر ، ويقال بأن بعض سكانها قد هجروها لهذا السبب .

 

 

 الفائز الأعظم

 

 

كان يريد القيام بعمل ما ، قبل دخوله المشفى للعلاج من آثار الحروق التي أصابته حين انفجرت عليه تلك الآلة اللعينة التي كان يصلحها في مصفاة النفط .

 الأطباء فقدوا الأمل ، حتى من نقله إلى المشفى ، كان يستمع إليهم ويضحك . لا يعلمون  بأنه يستطيع الآن القفز مثل الأرنب .

وحتى أنه يستطيع إصلاح تلك الآلة اللعينة . بكل سهولة . زوجته كانت تلطم وجهها وتصيح ، وأمّه كذلك ، أما أبوه فقد ظل صامتاً متشنجاً، إنه يراقب ولا يعلّق على شيء .

" هؤلاء الأغبياء ، سأجعلهم يذهلون حين أقفز أمامهم ، وأصعد السلم ، وأقف لأخطب فيهم ، ربّما سأقول كلمتين فقط ، أوثلاث كلمات ، وربما سأجعلها خطبة عصماء  لم يسمع أحدٌ مثلها ".

 كبير الأطباء تحدّث مع مدير المصفاة ومع كبير ضباط الشرطة الذين كانوا يملؤون المكان ، وكان هو مازال يفكر بمعجزته التي ستجعلهم مثل "المساطيل".

وبعد قليل وصلت سيارة المشفى، وضعوه على نقاله وساروا . وكانت زوجته تصرخ وتبكي وتنتف شعرها .

فتح أحد الممرضين باب السيارة الخلفي ، وأدخلوه ، كانت  غرفة السيارة باردة جداً. وكان هو أيضاً يشعر بان جسده باردٌ ومتجمدٌ أيضاً . لم يشعر بهذه البرودة من قبل ، حتى حين كان يدخل عنابر أنابيب الغاز المبّردة . بعد مسير طويل توقفت السيارة ، أنزلوه وكان كل شيء مظلماً ، أدخلوه بيته" لماذا لم يأخذوني إلى المشفى ؟" وصل أقاربه جميعاً . وكان الحزن بادياً عليهم ، جسده بأكمله مشوّهٌ وبارد .

 ألبسوه ثوباً لونه أبيض ، وأخذوه مرة أخرى . وصلوا إلى مكان تجمع فيه الكثيرون كانوا يقفون بخشوع في حضرته . ويرددون عبارات لم يفهمها ، أخرجوه من ذلك المكان الذي لم يدخله قبلاً . وساروا خلفه ، كان في المقدمة موضوعاً على الأكتاف " يبدو أنهم اعتبروني بطلاً . لا أعرف كم من الوقت مضى وأنا على هذه الحالة البطولية ؟" أنزلوه أخيراً إلى مكان عميق ، وبدأوا يهيلون عليه التراب .

 

 

 حُلُمْ

 

جميع خلاياه كانت مركزة على الشجرة . دوران جسده توقّف وجهه شحب حتى صار لونه مثل لون الليمونه ، نبض قلبه ارتبك كان جسده يرتجف بشكل ملحوظ

أحسّ للحظة بأن العالم قد تغير ، وأن هذه المسافة التي تفصله عن الشجرة هي المسافة نفسها التي تبعده عن وعيه للأشياء .

 حرّك قدميه بصعوبة وحاول أن يخطو ، لكنه كان ثابتاً في موضعه. كان الطين يمزج خلايا جسده بالأرض ، صار قطعة واحدة مع طين الأرض ، وأحس بأن قدميه تتحولان بشكل سريع إلى طين لزجٍ لا  يلبث حتى يتجمّد ، لوّح بيديه وصرخ بشدة . لكن صوته لم يخرج من جوفه . جال ببصره على الأشياء المحيطة به . كأنه يريد أن يوّدعها .

 شيئاً . فشيئاً ، كان يتحوّل إلى كتلةٍ من الطين منتصبةٍ لم يبق منه سوى رأسه . كان يقاوم هذا ( التطين ) المفزع من خلال تنفسه .

 تنفّس . تنفسّ بعمق ، وكان يضغط رئتيه بشدة محاولاً التهام الهواء  فجأة . سمع صوت انفجار شديداً ، فتح عينيه بسرعة ، فرأى وجه زوجته باسماً أمامه . حاول أن ينهض من سريره لكنه لم يستطع . كان جسده متصلباً وقدماه لا ينبض فيهما الدم . صرخ مخاطباً زوجته :

- قدماي متخشبتان . لا أستطيع أن أتحرك .

قبلت زوجته جبينه ، ثم قالت وهي تفتح نافذة الغرفة المطلة على الشارع:

- وما الجديد في الأمر ، ؟ منذ عشر سنوات وأنت مشلول  

 

 

قصص قصيرة جدّاً

 

 

مرثية

 

لم يكن أول الميتين ، لن يكون آخرهم ، غير أننا حزناً عليه حزناً عظيماً وبكينا كثيراً حتى جفت دموعنا .

كان يجلب معه الهدايا والحلوى من المدينة ، يوزعها علينا بالتساوي.

وحين استيقظنا ، ذلك الصباح ، ووجدناه مستلقياً على سريره لايتحرك فتشنا جيوبه جيداً ، وأخرجنا قطع الحلوى منها ، وبعد أن التهمناها ، بدأنا بالنواح .

 

العصفور

 

 فتح النافذة ، وأطلق العصافير كلها ، وحينما جاءت أمّه ضربته لهذا العمل الشنيع ...

استلقى على السرير، وحلم بأنه عصفور صغير ، وعندما فتح صاحبه النافذة له حلق عالياً . ثم حط على الشجرة وبدأ يغني .

جاء الصياد ، أطلق عليه النار ، فقتله .

 

الظّل

 

كانت تسير على الرصيف وحيدة ، لا ترى أحداً في الشارع سوى ظلها الذي يلاحقها .

نظرت إلى أسعار الملبوسات في المحلات المنتشرة على جانبي الطريق وتحسّرت ..

 زمّت شفتيها ، وتابعت مسيرها . تطلعت إلى الوراء .. فلم تجد ظلّها .

 

الطفل والملك

 

هدم الملك المعبد ، ونظر إلى الناس بتحدّ ، ثم خطب فيهم خطبة ، نهى فيها عبادة سواه . هزّ الجميع رؤوسهم موافقين ، إلا طفل صغير كان يحمل الصليب ، ويرفعه إلى السماء .

 

حكاية رجل

 

سار الرجل على الرصيف ، بمحاذاة النهر ، بين الجموع الكثيرة ، وقت الظهيرة ، أواخر شهر نيسان الغائب ، وكان جائعاً ، لأنه مفلس ، لأنه يفكر....

 

العيد

 

كانت المدينة تحتفل ، وكان الخطباء يكبرون في الجوامع . كل الناس كانوا فرحين ، يرقصون . ويجهزون الحلويات والألبسة . وكان الحاكم يجهزّ الجيش . سراً - لحربٍ جديدة .

 

 يسقط

 

 وقف الرجل في المقهى وصرخ " يسقط " رددّ الجميع " يسقط " في اليوم الثاني ، وقف الرجل نفسه وصرخ " يسقط " ردّد الجميع " يسقط " في اليوم الثالث . سقط الصرصور ، الذي كان معلقا‍ً بشبكة عنكبوت على السقف .

 

الحالم

 

 بعد أن دفنوه ، وبكوا عليه كثيراً ، عادت زوجته إلى البيت ، ونامت مع الأولاد بعمق ، لقد كان يضحك بصوت عالٍ ، وكانت أحلامه صاخبة ضاحكة ، لذلك كان البيت كله لا ينام .

 

المطر

 

قال العاشق لحبيبته : المطر يبلل أرواحنا ، ويجعلنا أقرب إلى الطهر. قال الفلاح لزوجته: المطر يروي الأرض ويزيد المحصول .

 قال الفقير : صلوا لربنا كي يتوقف المطر ، إنه يجعل سقف الغرفة يرشح فوق رؤوسنا بشدة .

 

مناضل

 

قال المحقق : تعترف بأنك توزع المنشورات ، وبأنك أنت الذي تكتبها وتقول بأنك رئيس خلية ودبّور فحل ، وبأن الأوراق التي وجدت مع باقي المتهمين قمت أنت بكتابتها ، ومع هذا تقول بأنك أمي ، لا تقرأ ولا تكتب .

 

 تقليد أعمى

 

كان أبو مهند حكيماً . لقد مات فجأة دون مقدمات . هكذا قال المعلم لتلاميذه .. بعد  يومين . قالوا بأن المعلم مات فجأة دون مقدمات .

 

 التابوت

 

حين كنت صغيراً ، كنت أركض خلف الجنازات وأراقب التوابيت بدهشة . بعد أن كبرت قليلاً . قال أبي : كل الناس حين يموتون يحملون بهذه الطريقة . فصرت أخاف مراقبة التابوت .

ومرة - وقد صرت رجلاً . جاءني في الحلم تابوت يضحك .

 

قرار

 

 " الراتب لا يكفي يا امرأة . الأطفال يكبرون ولا أعرف ماذا ينبغي أن نفعل " قال الرجل لزوجته ثم أردف ، قررت أن نتوقف عن الإنجاب " ثم عصر نهديها بقبضته ، حتى أختفى صوتاهما ولم يبق مسموعا غير صوت لهاثهما المحموم .

 

الأصدقاء

 

بينما كنت أجتاز النفق ، سمعت فحيحاً مخيفاً ، ورأيت قرني تنين يندفعان باتجاهي . تراجعت بسرعة وكاد قلبي أن يتوقف . استمر تراجعي وتقدمه . بعد هذا انطلق الضحك من كل مكان : ياخواف

أضيفت 30/03/2005/ * خاص القصة السورية

 

 

 

 

أول المعرفة

 

 

(إن أي حدث تاريخي هو حدث استثنائي، ولا بد من الاتفاق على هذه الفكرة كي نستطيع مواصلة دروسنا بانتظام، وسوف يكون منهاجنا في هذا الفصل الدراسي مكثفاً، وعليكم أن تعدوا أنفسكم جيداً لأنكم ستكونون خاضعين لاختبارات مفاجئة، إذا لمست عندكم أي تقصير أو إخلال بالشروط التي ستكون قاعدة التعامل فيما بيننا، انتبهوا أنا هنا أشغل منصب الأستاذ وأنتم تشغلون مقاعد الدراسة، إذن فأنا أدرسكم، وأرجو أن تكونوا راغبين في التعلم، شروطي تتلخص بالآتي:

أولاً: لا اريد لأحدكم أن يكون مستهتراً بالتاريخ، لأن الشعوب التي تستهتر بالتاريخ تفقد كل شيء.

ثانياً: ابحثوا عن المعلومة التي تخدم المادة أينما تجدونها، ولا تعتمدوا على ما ستجدونه في كتبكم المقررة فقط.

ثالثاً: وهو الأهم، كونوا آذاناً مصغية، وألسنة باحثة عن الحقيقة، ومجادلة في سبيل الوصول إليها، والتزموا فإني أحب الالتزام).

أتمنى لكم التوفيق في سعيكم

أستاذ مادة التاريخ القديم

قرأنا جميعاً الخطبة المؤثرة التي كان أستاذ مادة التاريخ القديم قد كتبها على السبورة قبل دخولنا، وانتشر بيننا الهرج والمرج. البعض كان متحمساً لكلام الأستاذ وكنت منهم، والبعض الآخر لم يكلف نفسه حتى عناء متابعة قراءة الخطبة المؤثرة حتى نهايتها.

وكي نثبت، نحن المتحمسين، التزامنا، فقد احتللنا، فيما يشبه معركة، المقاعد الأولى.

وأخرجنا دفاترنا، التي كنا أعددناها مسبقاً لتدوين ما سيقوله الأستاذ ثم استل كل واحد منا قلمه وشرع يكتب، وعلى الصفحة الأولى، تلك الخطبة التي تبشر معانيها ومفرداتها بالكثير، وانتظرنا دخول الأستاذ.

مر الوقت ثقيلاً جداً علينا، نحن المتحمسين، بينما كنا نسمع أصوات غير المتحمسين وهم يعلنون تأخر الأستاذ عن موعد المحاضرة وقد أعلن أحدهم صراحة، بأن أصحاب الخطب الرنانة، لم يلتزموا أبداً بأقوالهم، والأستاذ واحد منهم.

يقسم طلاب السنة الأولى إلى قسمين: القسم الأول يتصف بالسذاجة واللا معرفة ويكون أفراده، على الأغلب، من سكان الأرياف أو المناطق النائية مثلي أنا والقسم الآخر هو قسم المتأستذين المتفلسفين، كثيري المعرفة، وهم دائماً من سكان المدن الكبيرة الذي ينفقون جزء كبيراً من أوقاتهم يتقافزون مثل ذكور النحل حول الفتيات.

طبعاً نحن، القسم الأول، نأخذ الأمور بجدية ونكون حماسيين للأفكار الجديدة بالنسبة لنا حتى وإن اكتشفناها في كتاب يتحدث عن القرن الثامن عشر، أنا مثلاً مع اثنين آخرين تجادلنا طويلاً وتناقشنا بإسهاب، وقررنا تأييد حركة مالكوم إكس في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب خطأ مطبعي فبدل 1961 كتب 1991 ثم تبين لنا في كتاب آخر الصواب فلوينا أعناقنا خجلاً، أما المتأستذون فإن السخرية من كل ما نتعلمه هي الخاصية الأكثر تمييزاً لهم وعلى سبيل المثال فقد اعتبروا، وبالإجماع، ثورة فلاديمير إيليتش لينين مجرد نزوة استمرت سبعين عاماً ثم سقطت، وقد أدى رأيهم المشترك هذا، والذي أدلى به أحدهم علانية إلى حرب كلامية وشتائم وسباب علني وسري استوجب تدخل أعضاء الهيئة الإدارية وبعض الأساتذة للتفريق بيننا.

بدأت الفوضى الآن تعم المدرج، فقد قرر المتأستذون أن أستاذ المادة لن يأتي وأعلنوا، كعادتهم دائماً، البدء باحتفالية خاصة بغياب الأستاذ فبدؤوا، أولاً، بالتحرك صعوداً ونزولاً، مع صخب حاد، على درجات المدرج. ثم اجتمعوا في الأعلى وصاروا يغنون، وكأن كل واحد منهم كان يجرّب حنجرته لأجل درس في الصراخ، هذه المظاهر هي المظاهر التي تخلق الأزمات بيننا وبينهم. كنا، القسم الأول، ما زلنا نكظم غيظنا في صدورنا شاحنين أنفسنا بالطاقة الكاملة قبل البدء بالهجوم.

بدأنا بالتحفز في أماكننا فقد أغلقنا دفاترنا التي فتحناها بانتظار الأستاذ، وأعدناها إلى حقائبنا، ثم أغمدنا أقلامنا وصرنا ننفخ ونغلي، سوف تأتي اللحظة الحاسمة بعد قليل، وسوف ينهض أحدنا ويصرخ نافخاً أوداجه مظهراً الغضب مثل ذئب طالباً بل آمراً إياهم بالتزام الهدوء وسوف يصغون إليه لثوان معدودات ثم سينفجرون ضاحكين، وسيعودون إلى ما كانوا عليه، بل وسيتضاعف صخبهم لنهم يعلمون أن هذا ا لأمر يستفزنا، بعد ذلك سوف ننهض كلنا، دون استثناء، وسوف نبدأ بالصراخ عليهم كي يكفوا عن إثارة الصخب، وسوف تختلط أصوات صراخنا اليائس بأصوات ضحكهم الساخر وهنا وقبل أن نشمر عن سواعدنا لشن المعركة سوف يدخل شاب يرتدي اللباس الجامعي، ويقف أمام السبورة ثم سيهوي بقبضته على الطاولة، وسيصرخ:

أنتم لستم طلاباً في جامعة، أنتم أولاد!!..

وسيتوقف، وبقدرة قادر، كل ذلك الصخب، وذلك الهرج والمرج، ويجلس الجميع في أماكنهم بهدوء شديد وهم يرمقون، خلسة، عضو الهيئة الإدارية الذي دخل، وفجأة، لينشر الهدوء والسكينة، قبل أن يغادر عضو الهيئة الإدارية المدرج ليعود إلى مكتبه سوف يعلن أن أي صوت سوف يصدر عن مدرجنا فإن الهيئة الإدارية ستصدر قراراً إدارياً برسوب كافة من سيكونون في المدرج، ثم سيغادر. بعد خروجه سوف تنتشر بعض الأحاديث الجانبية، القسم الأول يعتبر دخول عضو الهيئة الإدارية انتصاراً، لأن الهدوء الذي فرضه دخول العضو هو مطلبنا أولاً وأخيراً.

قبل أن تتطور الأحداث على النحو الذي ذكرته فوجئنا جميعاً، وكانت أبصارنا نحن الجالسين في المقاعد الأولى، منشغلة بمراقبة ما يفعله المتأستذون والذين كانوا منشغلين، أصلاً، بما يفعلونه، فوجئنا جميعاً بصوت إنساني له فعل انفجار قنبلة، فاتجهت حواسنا بفعل الصدمة إلى مصدر الصوت، كان واقفاً هناك قرب السبورة يغطي بجسده الضخم الشبيه بأجساد مصارعي السومو جزء من خطبة أستاذ التاريخ القديم المكتوبة على السبورة.

شلت الحركة تماماً في المدرج، وانقطع الصخب كأنه لم يكن موجوداً أبداً، وتهاوى الذين كانوا واقفين في مقاعدهم كأن يداً قوية هبطت على رؤوسهم. كنا نحن، القسم الأول، أول الموجودين خضوعاً لموجة ذلك الصوت وانصياعاً لحدتها، لأننا كنا الأقرب إلى مصدرها، أما الآخرون المتأستذون، فإن الصدمة التي أصابتهم لم تكن قوية بما فيه الكفاية لأنهم استغرقوا ثواني إضافية حتى خضعوا تماماً.

سحب مصدر الصوت نفساً عميقاً، ثم أرخى يده الضخمة على بطنه الدائرية، وتقدم بضع خطوات حتى لامست بطنه الدائرية حافة الطاولة، طاف بعينيه الغائرتين على أرجاء المدرج محركاً عنقه الغليظة وماسحاً براحة يده صلعته اللامعة، كان يتفحص وجوهنا وجهاً وجها، وعند كل وجه تتوقف حركة عنقه الغليظة وتتقلص كمية الشحوم المحيطة بعينيه ويزمّ كتلتي شفتيه ثم يهز رأسه هزتين اثنتين وتعود عنقه الغليظة إلى الحركة.

استغرقت عملية التفحص التي قام بها قرابة الخمس دقائق، وكان كل واحد منا قادراً وبسهولة، على إحصاء عدد دقات قلبه، ولم يكن أي منا قادراً على السيطرة على تلك الرعشة الغريبة التي اعترت ركبتيه.

عاد مصدر الصوت وسحب نفساً آخر أعمق من سابقه ثم تهالك بكل ثقله جالساً على كرسي الخيزران الذي اختفى تماماً تحت وطأة ما انسفح عليه من كتل شحمية ولحمية هائلة، وهوى بذراعيه على الطاولة مستنداً ثم فتح شدقيه كأنما يستعد لالتهام فخذ عجل، ونطق:

سوف نبدأ دروس مادة التاريخ القديم الآن، وستفهمون الدرس الأول ابدؤوا الكتابة..

 

أضيفت في 20/11/2004/ خاص القصة السورية/ المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية