ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية
الإهداء
إلى زوجتي، وأولادي: أسيل...مهند...سيف...حسام... ذو الفقار...بارق...صارم...رسيل...صمصام...
مقدمة
هذه الدراسات محاولة لدراسة السردية العربية من خلال كتاب ألف ليلة وليلة
طرحت فيها بعض الآراء والأفكار أرغب كثيراً في مناقشتها... فإن كنت مصيبا
فيها فلي حسنات الإصابة وإن أخطأت فلي حسنة البحث والتقصي... والله الموفق.
داود سلمان الشويلي ذي قار/ 5 حزيران 1993
الهيكل
التنظيمي لحكايات الليالي
"دراسة في فنية الشكل"(*)
-1-
لم يشتهر كتاب في أرجاء العالم، مثلما اشتهر كتاب((ألف ليلة
وليلة)).. ولم يؤثر كتاب –شكلاً ومضموناً- في الأدب الإنساني مثلما أثر
وبشكل واسع وعميق هذا الكتاب… ولم يسهر الناس الليالي الطوال لسماع
الحكايات مثلما سهروا مع هذا الكتاب… ورغم هذه الشهرة، وهذا الانتشار
الواسع، وصلت الحال ببعض الفئات الاجتماعية في إحدى الدول العربية إلى حد
تقديمه للمحاكمة خوفاً-كما تزعم- على خدش الأخلاق العامة، وكأن الأخلاق
والقيم العامة لدى الإنسان العربي، قد غابت مئات السنين السابقة، أو أنها
قد أصابها المرض تلك الفترة، ولم تكن بالحالة الصحية والصحيحة إلا في هذه
الأيام وعند تلك الفئة فراحت تتباكى على ما أصابها جراء انتشار هذا الكتاب،
ولكن محاولاتهم باءت بالفشل لأنهم في تهمتهم تلك، قد خدشوا الأخلاق العامة
عند الناس.
-2-
((ألف ليلة وليلة)) سفر من أسفار الأمة العربية- رغم ما فيه من
تأثيرات الحضارات الأخرى. إنه كتاب عربي مئة في المئة… وهو ابن حضارتها
وثقافتها وأدبها. وهو إضافة إلى احتوائه على فن قصصي ذي نفس فني جيد،
كثيراً ما تشدق المعنيون بتاريخ الفن القصصي بعدم احتواء الأدب العربي
القديم على مثل هذا الجنس الأدبي. إن ما يحتويه هذا السفر العظيم هو نفس ما
احتواه الفن القصصي الروائي من خيال خصب لا يبتعد عن الواقع إلا بما تتطلب
منه أساسيات هذا الفن. وهو إضافة لذلك ينطلق من الواقع ليصب فيه.. أما ما
شابه من بعض العيوب فإنها تعود إلى القاص الشعبي الذي كانت الحكايات تنتقل
على شفتيه ومن خلالها إلى السامع، حتى باتت بعض الحكايات عبارة عن صيغ
مختلفة لحكاية معينة.. فكان التكرار أحد العلل الفنية، إضافة إلى وجود بعض
الصيغ الجاهزة في الوصف، خاصة وصف المكان ووصف الجمال البشري، ووصف الحالة
النفسية…. الخ.
-3-
تقوم هذه الدراسة أساساً على تحليل للهيكل الفني لبعض الحكايات التي
احتوتها ((الليالي)) دون الخوض في تاريخية النص أو مقوماته أو أسس جمعه،
وكذلك لما احتوته من عناصر عربية كانت أم أجنبية. و((ألف ليلة وليلة)) كتاب
جمع فيه القاص الشعبي عشرات الحكايات التي اعتمدت أساساً على حكاية واحدة
افتتح بها القاص الشعبي هذا السفر العظيم، فكان بذلك قد أبدع أسلوباً فنياً
جديداً. إن الحكاية التي اعتمدها القاص الشعبي لينشر من خلالها مجموعة من
الحكايات الأخرى، قد بنيت أساساً على فكرة ((أن المرأة هي أساس الخيانة
والمكر)) وبهذا، فإن القاص الشعبي كان معنياً بالدرجة الأولى بتوضيح هذه
الفكرة –سلباً أو إيجاباً- من خلال الفن القصصي. لأن القصة ((الأسطورة،
الأيام، الخرافات.. الخ)) لها تأثيرها الكبير في حياة العرب وهم يتسامرون
ويقضون ليل الخيام، وليل البيوت بعد التعب والعمل الشاق، بسرد مثل هذه
الحكايات، هذا الفن الذي ابتدأ به كتاب الليالي ليؤكد صحة أو خطأ تلك
الفكرة.. لأن القاص الشعبي لم يجد في المقامة أو كتب الأخبار والحوادث
والسير، وكذلك كتب التاريخ، ما هو أصلح في نقل موقفه من تلك الفكرة.. فكانت
الحكايات هي الوعاء الحامل لها.. وهكذا توالدت بين يديه ومن خلال الحكاية
التي افتتح بها لياليه –مجموعة من الحكايات الأخرى التي قامت هي الأخرى
بتوليد حكاية ثانية. بدأ الفن القصصي- أو الفن الحكائي- في((ألف ليلة
وليلة)) بحكاية واحدة هي حكاية ((الملك شهريار)) الذي حكم على نصف المجتمع
(النساء) بالموت بسبب خيانة زوجته له مع أحد عبيده، كما هو الحال مع أخيه
الملك ((شاه زمان)) الذي وجد هو الآخر زوجته تخونه مع أحد عبيده.. وهكذا
كان قراره بقتل كل امرأة بعد الدخول بها.. حتى جاء الدور لابنة وزيره، فما
كان منها إلا أن تحتال عليه- هي الأخرى- بحيلة تجعله يؤجل تنفيذ حكمه بها
إلى الليلة المقبلة...فكانت الوسيلة التي احتالت بها عليه هي " الحكاية"
فراحت تقص على مسامعه الحكاية تلو الأخرى… وكانت لا تنتهي من قصها بسبب أن
الصباح كان مدركاً لها، فتسكت عن الكلام المباح. إن هذه الحكاية، يمكن أن
نطلق عليها اسم حكاية (المفتتح) ذلك لأن السرد القصصي في هذا الكتاب قد
ابتدأ بها، فكانت فاتحة لـه، فجاءت كعنقود العنب في تصميمه، والرابط
لمجموعة من الخيوط السميكة التي كانت هي الأخرى تحوي على مجموعة من الخيوط
الخضراء الرفيعة التي تحمل حبات العنب… وهي بهذا التنظيم الفني الرائع تمثل
في بنائها عنقوداً واحداً أساسه ((حكاية المفتتح)) حيث تتفرع منها، حكايات
أخرى أطلقنا عليها اسم ((حكايات الإطار)) أي الجامعة لنوع آخر من الحكايات،
لا تختلف عنها بشيء، ولكنها تدخل في بنائها ومحتواها، وقد أسمينا هذا النوع
من الحكايات، بحكايات ((التضمين))، أي الحكايات التي جاءت ضمن حكايات
((الإطار)). وقد توالدت حكايات أخرى داخل حكايات ((التضمين)) أسميناها
حكايات ((خارج السياق)). لأن حكايات ((التضمين)) لها ما يعلل سبب ورودها
داخل حكايات ((الإطار)) حيث ترتبط بالمحتوى العام بوشيجة أو أخرى، كأن تكون
بسبب حكمتها، لأنها تحمل دلالاتها الرمزية لحديث ما، أو أن تكون للتسلية،
أو… الخ ولكن حكايات ((خارج السياق)) لا تفيد المحتوى العام لحكايات
((الإطار)) بشيء اللهم إلا إفادة حكايات ((التضمين)) منها.. إذن فالحكايات
التي يتألف منها كتاب الليالي هي
على أنواع أربعة:
1-حكاية المفتتح.
2-حكايات الإطار.
3-حكايات تضمينية.
4-حكايات خارج السياق.
وقد جاء النوعان الأخيران ليقوما بدور:
•التسلية عن أحد شخوص الحكاية.
•للعبرة.
•لدفع مكروه عن أحد الشخوص.
•أسباب أخرى متنوعة.
إن (حكاية المفتتح) قد مهدت فعل القص ((الحكي)) -شكلاً ومضموناً-
ليقوم بدوره في نقل مجموعة من الحكايات الأخرى التي لا علاقة لها بالحكاية
الأولى إلا بما يطيل من زمنها، وليقدم الشواهد للشخصية الرئيسية ((شهريار))
بما يعطل تنفيذه للقرار الذي اتخذه ضد جنس ((الحريم)) مؤكدة –أي الحكايات
هذه- على نفس الفكرة التي بنى عليها القاص الشعبي لياليه. وأيضاً على ما
يعاكسها ويقف بالضد منها في عرضه لأنواع النساء-سلوكياً- مما يدفع بـ((شهريار))
–وهذا ما تهدف إليه الليالي- إلى الرجوع عن قراره، وهكذا أصبحت((شهرزاد))
محامي الدفاع عن بنات جنسها أمام الرجل ((الحاكم = الملك)) ((شهريار)) فكان
نصيبها النجاح، وانتصرت لبنات جنسها ليس أمام ((شهريار)) فحسب بل أمام كل
الرجال الذين يحملون الفكرة نفسها التي كان يحملها ((شهريار)) عن المرأة
وخيانتها ودهائها.
-4-
إن هذه السطور معنية بالدرجة الأولى بدراسة تنظيم البنية الأساسية
لحكايات الليالي، وكذلك فإن المقارنة بين بنية وأخرى تمكننا أن نصل إلى بعض
النتائج التي تفيدنا في دراسة الفن القصصي- الحكائي لليالي. ومن هذه
النتائج:
أ-التشابه الحاصل بين حكاية وأخرى ((التشابه العام، التشابه الجزئي،
التكرار)) كما في حكاية (نعم ونعمه) و(عزيز وعزيزه) وهي من أنواع حكايات
(خارج السياق).
ب-علاقة الشخوص فيما بينها داخل البنية الأساسية للحكاية.
ج-ما أصاب الحكاية من استطرادات متنوعة، وزيادات لم تكن موجودة
أساساً في النص الأصلي للحكاية التي ينقلها القاص الشعبي في الليالي... فمن
خلال مقارنة الهيكل التنظيمي لحكاية ((التاجر والجني))- على سبيل المثال-
مع حكاية (الحمال والبنات) نجد مدى التشابه الكبير بين جزء من الحكاية
الأخيرة، مع حكاية (التاجر والجني) حيث أن مخيلة القاص الشعبي كان لها
الدور الفعال في إغناء هذا الجزء الصغير ليأتي على شكل حكاية أخرى هي حكاية
(التاجر والجني) ولكن بمحتوى آخر.. وكذلك نجد التشابه بين حكايتي (الحسن
البصري والمجوسي) و(جان شاه اليهودي) وبين حكايتي (نور الدين ومريم
الزنارية) و(علاء الدين أبو الشامات).
-5-((الهيكل التنظيمي للحكاية))
((تطبيقات))
أولاً: الهيكل التنظيمي لحكاية المفتتح (حكاية شهريار وشهرزاد)
حكاية (المفتتح) هي الحكاية التي بدأ القاص الشعبي بها كتاب ((ألف
ليلة وليلة)) وقد جاءت على لسان الراوي –بضمير الغائب. ومن خلال المخطط
المرسوم في الشكل(1) نجد أن هذه الحكاية قد بدأت باشتياق الملك ((شهريار))
–الأخ الأكبر- لرؤية أخيه الأصغر الملك ((شاه زمان)) وانتهت بزواج
((شهريار)) من ((شهرزاد)) من خلال المخطط نرى أن هذه الحكاية قد قسمت إلى
قسمين هما:
القسم الأول:
وقد قسم هو الآخر إلى جزأين متساويين ومتشابهين شكلاً ومحتوى حيث
تحدث الجزء الأول عن حكاية ((شاه زمان)) وخيانة زوجته مع أحد عبيده ومن ثم
قتله لهما.
أما الجزء الثاني فقد نقل لنا حكاية ((شهريار)) مع زوجته التي خانته
مع واحد من عبيده.
بعد هذا التقسيم لمحتوى وشكل القسم الأول، يعود الجزءان للاتحاد مرة
أخرى حيث يلتقي (شهريار) و(شاه زمان) بطلا هذا القسم- بالصبية التي تؤكد من
خلال سلوكها (الخياني الماكر) صحة نظرتهما للمرأة.
القسم الثاني:
والذي بدوره يتجزأ إلى جزأين، أحدهما لا نعرف عنه شيئاً بسبب انتهاء
دور (شاه زمان) ونسيان القاص الشعبي له (الراوي).
أما الجزء الثاني، فيحكي لنا عن قرار الملك (شهريار) بالزواج-في كل
ليلة من إحدى فتيات مملكته- ومن ثم قتلها صبيحة اليوم التالي جزاء لما
فعلته زوجته وزوجة أخيه والصبية من خيانة للزوج.. وهكذا يبدأ بتنفيذ قراره
حتى إذا جاء دور ابنة وزيره (شهرزاد) تقرر هي الأخرى قرارها الحكيم بالدفاع
عن بنات جنسها أمام ظلم الرجل، هذا الرجل الذي تملك روحه وحشٌ يلتهم في كل
ليلة واحدة من بنات المملكة (كوحش مدينة طيبة) وقد كان قرارها، ليس بقتل
(شهريار) في ليلة عرسها الأولى، أو دس السم له، وإنما بسلاح آخر، هذا
السلاح يقتل ما في النفس دون أن يؤثر في الجسد. يمضي في الفكر دون لحم
الجسد.. وكان سلاحها في ذلك هو (الحكاية) التي كانت تقصها على مسامعه في كل
ليلة. حتى إذا نضب ما في جعبتها من سهام ((حكايات)) وجدت في (شهريار)
إنساناً آخر فيما وجد هو فيها الزوجة الوفية الذكية، وأم أطفاله الثلاثة
الذين ولدوا مع الحكايات خلال ألف ليلة وليلة.
من قراءة لمخطط الحكاية نرى:
آ-تكرار الحديث مرتين (حكاية شهريار) وحكاية (شاه زمان)
ب-تكرار الفعل ثلاث مرات (فعل الخيانة الزوجية).
ثانياً: ((الهيكل التنظيمي لحكايات الإطار))
آ- ((حكاية التاجر والجني))
هذه حكاية بسيطة التركيب وهي من حكايات ((الإطار)) –الحكاية الأم-
التي تحكي عن التاجر الذي التقاه ((الجني = العفريت)) واتهمه بقتل ابنه
وأصدر عليه قراره بالموت لكن التاجر يطلب أن يمهله حتى العام القادم كي
يودع أهله، ويفي ما بذمته من دين.
بعد انقضاء العام، يعود التاجر إلى حيث مكان ((الجني)) وفي طريقه
يجلس ليرتاح، وهو يبكي حاله، فيراه ثلاثة شيوخ، ويسألونه عن سبب بكائه،
فيقص عليهم حكايته مع ((الجني))، فيذهبون معه، ويطلبون من الجني أن يعفي
عنه مقابل أن يحكي كل شيخ حكايته. وهكذا يبدأ كل شيخ يقص حكايته للجني...
إذن فإن حكاية ((الإطار)) قد ولدت ثلاث حكايات أخرى من نوع حكايات
((التضمين)) وقد جاءت هذه الحكاية كثمن لإخلاء سبيل التاجر.. أي لدفع
مكروه.. وهذه الحكايات: (انظر شكل-2-) هي:
1-الحكاية التضمينية الأولى:
وهي حكاية ((الشيخ الأول والغزالة)) وفيها يخبرهم الشيخ عن سبب وجود
الغزالة معه، والتي هي زوجته التي كانت تخونه، فسحرتها الجن إلى غزالة..
وهي ترافقه دوماً.
2- الحكاية التضمينية الثانية:
وهي حكاية (الشيخ الثاني مع الكلبتين) والتي يخبرهم فيها عن سبب
وجود الكلبتين معه. حيث أنهما أخواه اللذان خاناه فحولتهما الجن إلى كلبتين.
3-الحكاية التضمينية الثالثة:
وهي حكاية ((الشيخ الثالث مع البغلة)) ويخبرهم فيها عن سبب وجود
((البغلة)) معه.. والتي كانت قبل أن تحولها الجن زوجة له.. وبسبب خيانتها
تحولت إلى بغلة. عندما يسمع ((الجني)) حكايات الشيوخ هذه يطلق سراح التاجر.
لو درسنا حكاية (الحمال والبنات) لوجدنا مدى التشابه في جزء منها،
وهو الجزء الخاص بحكايات الصعاليك، والثمن الذي دفعوه للصبية مقابل إخلاء
سبيلهم وذلك الثمن هو ((الحكاية)) حيث يحكي لها كل صعلوك قصته من بدايتها
حتى وصوله إلى باب دارها. مثل هذه ((الموتيفة)) كثيرة الورود في حكايات ألف
ليلة وليلة، حتى أنها تتكرر مرة أخرى في حكاية ((الحمال والبنات)).
الشكل (2)
ب- الهيكل التنظيمي لحكاية ((الحمال والبنات))
هذه الحكاية ذات هيكل عنقودي مركب حيث تتولد فيها الحكاية الواحدة
من الأخرى كتولد وامتداد خيوط عنقود العنب (انظر شكل-3-).
تبدأ حكاية (الإطار) بالتقاء الحمال بالدلالة.. وهي صبية تعيش مع
صبيتين في بيت واحد..
يذهب معها الحمال. لنقل ما تشتريه من السوق من حاجيات.. ويدخل معها
البيت... إذ يشاركهن ليلتهن في المسامرة. يطرق الباب عليهم ((ثلاثة أعجام
ذقونهم محلوقة وهم عور بالعين الشمال وهذا من عجائب الاتفاق)) ص34 وهم
بهيئة صعاليك، وينضمون لمجلسهم بعدها ينضم إليهم الخليفة هارون الرشيد
ووزيره البرمكي وهم بهيئة تجار. تشترط الصبية صاحبة البيت عليهم بعدم
التدخل بما لا يعنيهم.. فيما كانت هي تضرب كلبين كانا معها.. أما الصبية
الأخرى، فإنها عندما تخلع ملابسها أمامهم يرون آثار ضرب على جسدها، عندها
يتساءلون عن سبب ذلك، فتغضب الصبية صاحبة البيت وتقرر قتلهم.. لكنها تقبل
في أن تسمع حكاية كل واحد منهم وكيف وصل إلى بيتها.. لتعفو. عنهم جميعاً.
في اليوم الثاني يرسل الخليفة بطلب الصبيتين ويسألهن عن ضرب الأولى
للكلبين، والثانية عن آثار الضرب.. فتحكي كل صبية حكايتها أمامه.. فيرسل
الخليفة بطلب ((الجنية)) لتعيد الكلبين إلى أصلهما الإنسي ويزوج الصعاليك
من الصبية وأختيها.. وكذلك تخبر ((الجنية)) الخليفة عن آثار الضرب على جسد
الصبية الثانية، حيث تقول له أن ابنه ((المأمون)) هو الذي قام بذلك عندما
كانت الصبية زوجة له.. فيرسل الخليفة بطلب المأمون ويعيد له الصبية، أما
الخليفة فإنه يتزوج من الدلالة. وهكذا تنتهي حكاية ((الحمال والبنات)) ولكن
القاص الشعبي لا يكتفي بذلك فنراه يربط معها حكاية أخرى، بسبب وجود الخليفة
هارون الرشيد وما فعله في أحداث الحكاية. ويكون الربط بين الحكايتين بسبب
رغبة الخليفة بالخروج مع البرمكي مرة أخرى لتفقد الرعية.. حيث يلتقي بصياد
قد اصطاد بشبكته صندوقاً فيشتريه منه الخليفة ويجد فيه صبية مقتولة.. ويطلب
من البرمكي أن يبحث عن قاتلها.. فيلتقي بشاب ورجل عجوز، وكل واحد منهما
يدعي قتلها. لأن الشاب- وهو زوجها- كان يشك بخيانتها له كونه قد شاهد إحدى
التفاحات التي جلبها لها عند واحد من العبيد. فيطلب الخليفة من البرمكي أن
يحضر العبد. وعندما يحضر العبد يسأله الخليفة عن مصدر التفاحة فيخبرهم بأنه
اشتراها من أحد الصبيان الذي رآه يلعب في الشارع. بعد ذلك يروي البرمكي
للخليفة حكاية ((الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه)) وهي من حكايات (خارج
السياق) وقد ورد ذكرها لتؤكد على أن حكاية العبد والشاب وزوجته التي قتلها
ليست بالحكاية الغريبة وإنما الاغرب منها حكاية ((الوزير نور الدين…)).
ومن الجدير بالذكر، أن جزءاً من هذه الحكاية قد استله القاص الشعبي
من حكاية أخرى من نوع حكايات ((الإطار)) وهي حكاية ((الملك قمر الزمان ابن
الملك شهرمان)). ومن خلال دراسة الهيكل التنظيمي لحكاية ((الحمال والبنات))
يتضح لنا أنها تتكون من حكايتين مستقلتين الواحدة عن الأخرى، ولا يجمع
بينهما سوى الخليفة هارون الرشيد.
إن الحكاية الأولى (الحمال والبنات) تحتوي على سبع حكايات تضمينية
هي:
1-حكاية الحمال.
2-حكاية الصعلوك الأول.
3-حكاية الصعلوك الثاني.
4-حكاية الصعلوك الثالث.
5-حكاية الخليفة ووزيره.
6-حكاية الصبية الأولى.
7-حكاية الصبية الثانية.
أما الحكاية الثانية والتي تبدأ عند خروج الخليفة لتفقد أحوال
الرعية فهي تحتوي على حكايتين تضمينيتين هما: ((حكاية نور الدين...)) التي
يرويها البرمكي للخليفة وحكاية ((الصبية المقتولة)).
*** ***
ج- الهيكل التنظيمي لحكاية ((الخياط والأحدب واليهودي والنصراني))
هذه الحكايات من النوع العنقودي، ذات الشكل المعقد، والتي تتوالد
فيها الحكايات الواحدة من الأخرى (انظر الشكل-4-).
ملخص الحكاية:
يأخذ الخياط، الأحدب إلى بيته، فيموت فيحمله بمساعدة زوجته ويرميه
في بيت الطبيب اليهودي، فيراه الطبيب، ويقذف به داخل مدخنة جاره المسلم
مسؤول مطبخ السلطان، فيقوم المسلم بضربه ظناً أنه لص، وعندما يراه ميتاً
يحمله إلى السوق ويتركه إلى جانب أحد جدران السوق.. فيراه سمسار مسيحي وكان
سكراناً فيلطمه ظناً منه أنه يريد أن يسرق عمامته الجديدة فيمسكه الحارس،
ولما قدم إلى المشنقة تقدم مسؤول مطبخ السلطان واعترف، ثم تقدم الطبيب
اليهودي واعترف وهكذا.. ثم ظهر أن الأحدب لم يكن قد مات على كل حال وإنما
كان مختنقاً. ((انظر كتاب دراسات في الأدب المقارن. د. داود سلوم ص78-
نقلت بتصرف)).
وهنا تنتهي حكاية الإطار الأساسية وكان يمكن للقاص الشعبي أن يقف
عند هذا الحد بعد أن تكاملت الحكاية فناً ومحتوى، ولكنه ولإشباع رغبة
مستمعيه يستطرد في القص بحجة واهية هي أن هناك حكايات أعجب من حكاية هؤلاء،
فيدفع بشخوصه إلى قص الحكايات أمام الوالي لغرابتها.. فتنشأ عن ذلك أربع
حكايات من نوع ((حكايات التضمين)) وهي:
1-حكاية الشاب الذي قطعت يده، ويحكيها النصراني.
2-حكاية الشاب مقطوع الإبهام من كل يد ورجل، ويحكيها المباشر.
3-حكاية الشاب الذي امتنع عن الأكل- ويحكيها الخياط.
4-حكاية الشاب مقطوع الكف اليمنى- ويحكيها اليهودي.
ومن الحكاية ((التضمينية)) الرابعة تتولد ست حكايات من نوع حكايات
((خارج السياق)) وهي:
1.حكاية الخياط الأعرج.
2.حكاية أخوة بقبق.
3.حكاية قفه.
4.حكاية الجزار.
5.حكاية مقطوع الأذنين.
6.حكاية مقطوع الشفتين.
وقد وردت هذه الحكايات ليبرهن فيها ((المزين)) إلى الوالي صحة قوله:
أنه أقل أخوته ثرثرة.
*** ***
د. الهيكل التنظيمي لحكاية ((الصياد))
عندما تولدت الحكايات الست السابقة ((وهي حكايات خارج السياق)) من
حكاية تضمينية واحدة، فإن حكاية ((الصياد)) هي الأخرى تعمل في الأسلوب نفسه
في توليد الحكايات؛ حيث نرى أن حكاية تضمينية واحدة تتولد منها ثلاث حكايات
من نوع ((خارج السياق)). تنقسم حكاية ((الصياد)) إلى قسمين انظر (الشكل-5-)
أحدهما القسم الذي يلتقي فيه الصياد بـ((الجني)) والقسم الثاني يأتي بعد
القسم الأول مباشرة، عندما يلتقي الصياد بالخليفة عند إهدائه السمكات
الملونة. في القسم الأول يخرج الصياد إلى النهر ويرمي شبكته وبعد محاولات
فاشلة يصطاد قمقما، يخرج منه ((جني)) يحاول قتل الصياد لأنه قد نذر مع نفسه
أن يقتل كل من يخرجه من القمقم فيحتال عليه الصياد، لأنه كما يقول مع نفسه:
((جني وأنا أنسي وقد أعطاني الله عقلاً كاملاً، وها أنا أدبر أمراً في
هلاكه بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه)) ص15 عندها يسأل الصياد الجني عن
كيفية احتواء القمقم الصغير لجسمه الكبير، ويطلب منه أن يريه ذلك، فتنطلي
الحيلة على ((الجني)) ويدخل في القمقم، ويسرع الصياد ليغلقه عليه لكن الجني
يطلب منه أن يخرجه مرة أخرى، ويتوسل إليه والصياد يرفض خوفاً من أن يقتله
لو أخرجه مرة أخرى، لأنه لا يأمن منه كما كان الحكيم ((روبان)) في حكاية
((الوزير يونان والحكيم روبان)) حيث يرويها الصياد، وهي من الحكايات
((التضمينية)) وقد احتوت على ثلاث حكايات من نوع ((خارج السياق)) وهي:
1-حكاية ندم الملك سندباد على قتل الباز- يحكيها الملك يونان
لوزيره.
2-حكاية الوزير الذي احتال على ابن ملكه- يحكيها الوزير إلى الملك
يونان.
3-حكاية التمساح- وهي حكاية يريد أن يحكيها الوزير ولكنه لا يرويها
كونه كان معتقلاً كما يقول: ((لا يمكنني أن أقولها وأنا في هذا الحال))
هذه الحكايات الثلاث لا علاقة لها بحكاية ((الإطار)) بشيء وقد وردت
لتؤكد على (الحسد) و(الاحتيال). أما الحكاية التضمينية الثانية. فهي حكاية
((أمامه مع عاتكة)) والتي يحاول ((الجني)) أن يحكيها لكنه يمتنع عن ذلك
بسبب وجوده داخل القمقم. يقتنع الصياد بصدق قول ((الجني)) ويخرجه من
القمقم، فيدلـه ((الجني)) على بحيرة أسماكها ذات ألوان متعددة، تحمل قوة
سحرية. هنا ينتهي القسم الأول، ليبدأ القسم الثاني، حيث يصطاد الصياد
سمكتين ملونتين يرسلهما هدية إلى السلطان، وفي المرة الثانية يسأله السلطان
عن مصدرهما فيخبره بسر البحيرة المسحورة. يذهب السلطان للوقوف على سرها،
يدخل البحيرة، ويتعرف إلى شاب مسحور، وهو ابن الملك محمود صاحب الجزائر..
ومنه يقف على سر البحيرة والمدينة المسحورة.. لتنتهي الحكاية بحل السحر
عنهما.
الشكل (5)هـ-الهيكل التنظيمي لحكاية ((قمر الزمان ابن الملك شهرمان))
هذه الحكاية ذات هيكل تنظيمي نادر (انظر شكل-6-) حيث اعتمد القاص
الشعبي فيها أسلوب الهياكل المتناظرة والمتشابهة إن كان ذلك في الشخوص أو
في الأحداث وكما يبين الشكل ((6)) فإننا نجد أن الهيكل التنظيمي لهذه
الحكاية يتألف من ثلاثة أقسام يفصل بينهما حدث يتكرر دائماً وهو: إما أن
يكون حدثاً فيه افتراق بين الشخصيتين الرئيسيتين أو أن يكون حدثاً لاجتماع
شخصين.
في القسم الأول، حيث يروي القاص الشعبي حكاية ((الملك قمر الزمان))
ورفضه لفكرة الزواج ومعارضته لوالده الملك الذي يسجنه في إحدى القلاع..
ويبقى هناك حتى تأتي ((العفريتة)) وتراه نائماً فتعجب بحسنه وجماله.. وفي
طريق عودتها تلتقي بالعفريت الذي كان هو الآخر قد رأى فتاة جميلة.. فيتفق
الاثنان على الجمع بينهما وفي لمح البصر يعود العفريت ويجلب الفتاة
((الملكة بدور)) من مملكتها وهي نائمة ليضعها قرب ((قمر الزمان)) وبحيلة ما
يستيقظ الشاب ليرى إلى جانبه شابة جميلة ويأخذ منها خاتمها ويعود إلى
النوم، لتستيقظ هي الأخرى وترى الشاب وتأخذ خاتمه وتعود إلى النوم؛ ليعيدها
العفريت إلى مكانها بعد ذلك. هكذا ابتدأ القسم الأول باجتماع الشابين
وينتهي بافتراقهما، ليبدأ القسم الثاني، حيث يجتمعان مرة أخرى بمساعدة ابن
عم ((الملكة بدور)) ليتزوجا، ومن ثم يفترقا مرة ثانية حيث ينتبه ((قمر
الزمان)) بعد أن يخطف طائر ما ((الفص)) الذي وجده في ملابس زوجته ((الملكة
بدور)) فيتبعه ويتيه عنها.
تخرج ((الملكة بدور)) متنكرة بزي زوجها للبحث عنه. عندها يبدأ القسم
الثالث الذي يتجزء إلى جزأين.. في الجزء الأول منه، يلتقي ((قمر الزمان))
بزوجته ((الملكة بدور)) وكذلك زواجه من ((حياة النفوس))
شكل رقم (6)
"المخطط التنظيمي لحكاية قمر الزمان"
حيث تلد ابنها ((الأسعد)) وعندما يكبران تقع كل واحدة من زوجتي
((قمر الزمان)) بحب ابن ضرتها… وعندما يرفض الأبناء يشتكيانهما لوالدهما،
فيطلب من عبده قتلهما خارج المدينة، لكن العبد يرأف بحالهما ويتركهما
يهربان… حيث يفترقان، وبهذا يبدأ الجزء الثاني من القسم الثالث حيث يصبح
((الأمجد)) وزيراً .. أما ((الأسعد)) فإنه يقع بيد عبدة النار ليتخلص منهم
بعد أن يلتقي بأخيه. يلتقي الجميع أيضاً لتنتهي الحكاية كلها.
في هذه الحكاية لا نجد أية حكاية ((تضمينية)) أو من نوع ((خارج
السياق))، وإنما نجد إنها قد ركبت ببراعة فنية من عدة أقسام رغم أن شخوص كل
قسم يختلفون عن شخوص القسم الذي قبله.
لو عدنا مرة أخرى لقراءة النص فأننا سنجد:
آ ـ 1/في بداية القسم الأول: ـ نجد قمر الزمان والملكة بدور مفترقان
وفي النهاية يلتقيان.
2/ في بداية القسم الثاني: ـ يفترق الزوجان ليلتقيا مرة أخرى.
3/ هذا القسم يتجزأ إلى جزأين، يبدأ الجزء الأول بميلاد ((الأمجد
والأسعد))، وينتهي بافتراقهما.. فيما يبدأ الجزء الثاني لينتهي بالتقائهما.
ب ـ أن شكل الهيكل التنظيمي للحكاية يبين لنا: ـ
1 ـ على طرفي القسم الأول، يروي القاص الشعبي حكايتين أحدهما عن رفض
((قمر الزمان))، الزواج، والأخرى عن رفض ((الملكة بدور)) للزواج أيضاً.
2 ـ على طرفي القسم الثاني، يروي القاص الشعبي حكايتين، أحدهما عن
خروج ((قمر الزمان))، والأخرى عن خروج ((الملكة بدور)).
3 ـ أما القسم الثالث، فإن القاص الشعبي يوزع أحداث هذا القسم على
أربع محاور،هي: ـ
أ ـ المحور الأول: وهو عن ((الملكة بدور)) بعد ولادة ابنها
((الأمجد)) وعشقها لابن ضرتها ((الأسعد)).
ب ـ المحور الثاني: وهو يقابل المحور الأول، ويتحدث عن الملكة
((حياة النفوس))، بعد أن تلد ابنها ((الأسعد)).وعشقها لابن ضرتها
((الأمجد)).
ج ـ المحور الثالث: هذا المحور يقع في الجزء الثاني من القسم
الثالث، وهو عن خروج ((الأمجد)) بعد افتراقه عن أخيه ((الأسعد)) وتنصيبه
وزيراً.
د ـ المحور الرابع: وهو يقابل المحور الثالث، ويتحدث عن خروج
((الأسعد))، والتقائه بعبدة النار وماجرى له منهم.. ثم التقائه بأخيه
((الأمجد)).
من خلال هذه الإشارات الفنية للهيكل التنظيمي للحكاية، يتضح لنا مدى
قدرة القاص الشعبي من بناء هيكل حكايته وتنظيمها تنظيماً فنياً، إن كان ذلك
بوعي منه، أو من خلال السليقة الأدبية الإبداعية التي يتمتع بها..
***
و ـ الهيكل التنظيمي لحكاية ((الملك النعمان وابنه شركان)):
هذه الحكاية، هي واحدة من الحكايات الطويلة في ألف ليلة وليلة (انظرشكل
ـ 7 ـ )، حيث تمتد من منتصف الليلة ((59)) لتنتهي في الليلة
((174)) وقد احتوت على عدد كثير من الشخوص والأحداث والأماكن التي
دارت عليها تلك الأحداث، وقد أدخلت فيها مجموعة من الحكايات والنصوص
الدينية والتشريعية والعلوم العامة، إضافة لما حملته من وصف معاد ومكرر
للمكان وسير المعارك الحربية حتى باب الهيكل الذي نظم هذه العناصر مثقلاً
بها، ينوء تحت وطأتها، ولتدخل الشخوص فيما بينها وكذلك الأحداث… وتسهيلاً
لدراسة هيكلها التنظيمي رأينا من المفيد تقسيمها إلى أربعة أقسام، حيث يبدأ
القسم الأول بالأحداث العامة المفتتحة للحكاية وينتهي بموت الملك النعمان
على يد ((ذات الدواهي)) وعند ذلك يبدأ القسم الثاني لينتهي بموت الملك
((ضوء المكان)). أما القسم الثالث فينتهي بالتقاء الجميع.. ليبدأ عندها
القسم الرابع حيث نستمع إلى حكايات بعض شخوص الحكاية والتي تصب في المجرى
العام لها
"المخطط التنظيمي لحكاية عمر النعمان"..
((لحكاية الإطار)) لكنها زائدة عن حاجتها بسبب إنها قد وردت مكررة
لما قيل في القسم الأول، هناك مجموعة من الحكايات التي انتظمت فيه، وهي:
1 ـ حكاية عمر النعمان مع ((ابريزة)) واغتصابه لها وهروبها مع عبدها
الذي حاول أن يغتصبها هو الآخر أثناء ولادتها لابنها ((رومزان)) وهي في
طريق هروبها فيقتلها ويهرب.. لنلتقي به آخر الحكاية وهو يقص لنا هذه
الأحداث..
2 ـ حكاية عمر النعمان وأولاده ((ضوء المكان)) و((نزهة الزمان)) من
زوجته ((صفية)).. وفيها نتعرف على قصة سبي صفية على لسان ((أبريزة)) وهي
تحكيها إلى ((شركان)).. وكذلك نتعرف علىخروج أولاده إلى الحج دون علمه.
3 ـ حكاية عمر النعمان مع ابنه ((شركان)) الذي يطلب الابتعاد عن
المملكة، وفيها ترد حكاية زواج ((شركان)) من أخته ((نزهة الزمان)) ومن ثم
طلاقهما.. ليتزوجها الحاجب بعد ولادة ابنتها ((قضى فكان)).
4 ـ حكاية خروج ((ضوء المكان)) و((نزهة الزمان)) وافتراقهما.. حيث
تنقسم هذه الحكاية إلى قسمين يتابع القاص الشعبي في القسم الأول منها أحداث
ضياع ((ضوء المكان)) حتى وصوله إلى مملكة أبيه.. فيما يتابع القسم الثاني
الأحداث التي مرت بها ((نزهة الزمان)) حتى وصولها إلى مملكة أبيها.
5 ـ حكاية النعمان مع ((ذات الدواهي)) وجواريها، ومن ثم مقتله على
يديها بعد أن دست له السم.
أما القسم الثاني من حكاية ((الإطار)) فيبدأ بتنصيب ((ضوء المكان))،
ملكاً بعد موت أبيه، ويشتمل هذا القسم على الحكايات التالية:
1 ـ حكاية المعركة بين جيش المسلمين وجيش الروم ومقتل ((شركان)).
آ ـ حكاية ((تاج الملوك)) وهي من الحكايات التضمينية التي يرويها
الوزير ((دندان)) إلى الملك ((ضوء المكان)) للتسلية.
ب ـ حكاية ((عزيز وعزيزة) وهي من حكايات ((خارج السياق)) حيث ترد
عرضاً داخل حكاية ((تاج الملوك)).
أما القسم الثالث، وبعد موت ((ضوء المكان)) يصبح ابنه ((كان ماكان))
ملكاً…
ويشتمل هذا القسم على الحكايات التالية:
1 ـ حكاية ((كان ما كان)) مع زوج عمته الملك ((ساسان))، وكذلك طرده
من المملكة.
2 ـ حكاية ((كان ماكان)) مع ابنة عمته ((قضى فكان)) وحبهما
المتبادل.
3 ـ التقاء الجميع، حيث نسمع حكاية ((رومزان)) ملك الروم ابن عمر
النعمان من زوجته ((ابريزة)) والتي ترويها الجارية التي رافقت ((ابريزة))
عند هروبها ومقتلها على يد العبد.
4 ـ حكاية الرجل الحشاش، وهي من الحكايات التضمينية.. وترويها
الجارية ((باكون)) للملك ((كان ماكان)) للتسلية.
أما القسم الرابع والأخير.. حيث يلتقي الجميع، ويلقي القبض على
الأعرابي والحمال الذي حمل ((ضوء المكان)) وهو مريض لإرساله إلى المستشفى،
والعبد ((غضبان)) الذي قتل ((ابريزة)).
ويحتوي هذا القسم مجموعة من الحكايات التي تدخل ضمن سياق أحداث
حكاية ((الإطار)) لكنها زائدة عليها لما فيها من تكرار لأحداث سابقة، وهذه
الحكايات هي: ـ
1 ـ حكاية الحمال مع ضوء المكان.
2 ـ حكاية العبد ((غضبان)) وقتله للأميرة ((ابريزة)).
3 ـ أ / حكاية الأعرابي قاطع الطريق مع ((نزهة الزمان)).
ب / حكايته مع أحد الفرسان وقتله.
من خلال دراسة الهيكل التنظيمي لهذه الحكاية الطويلة، نرى : ـ
1 ـ قدرة القاص الشعبي على توزيع الأحداث توزيعاً فنياً دون ضياع
السياق العام لكل حدث رغم تحوله من حدث لآخر وهذه الميزة لا تنفرد بها هذه
الحكاية، وإنما نجدها في أغلب حكايات الليالي.
2 ـ إن القاص الشعبي لم يترك بعض الشخوص ليأكلها النسيان، بل إنه
كان يسحبها مرة أخرى إلى داخل الحكاية لنتعرف على مصائرها، رغم أنها لا
تعتبر من شخوص الحكاية الأساسية وإنما هي شخصيات ثانوية مثل الحمال والعبد
وقاطع الطريق.
3 ـ من الممكن الاستغناء عن الحكايات ((التضمينية)) التي احتوتها
حكاية ((الإطار))، مثل حكاية ((تاج الملوك)) وحكاية ((الرجل الحشاش))، خاصة
وأنها جاءت للتسلية ليس إلا. ذلك لأن السياق العام للأحداث وكذلك البناء
الفني لحكاية ((الإطار)) لا يتحمل أحداثاً من خارج السياق العام.. حيث
أثقلته الحوادث الرئيسية وما فيها من وصف… مما جعل السامع والقارئ ينسى
لليلة أو أكثر أحداث الحكاية الرئيسية لما لطولها من أثر في ذلك.
***
الخلاصـــة
بعد هذه الرحلة ((الهيكلية)) الفنية في بعض حكايات الليالي،
كنماذج، لما احتوته الليالي من حكايات.. يمكننا استخلاص النتائج التالية:
1 ـ إن القاص الشعبي قد أدخل أكثر من حكاية ضمن السياق
العام للحكاية الأصل ((الإطار)).
2 ـ هناك تكرار زائد، وبصيغ جاهزة ((كليشيه)) لبعض الأحداث،
كالوصف مثلاً.
3 ـ إعادة أكثر من حكاية، وقصها بصيغ مختلفة.
4 ـ تكرار لبعض الجزئيات ((ألموتيفات)) في أغلب الحكايات.
5 ـ تطوير بعض أجزاء الحكايات لتكوين حكاية مستقلة بعد
إجراء التحويرات عليها ((الأماكن، الأشخاص….))الخ. أو بالعكس، حيث يقوم
القاص الشعبي بتقليص بعض الحكايات الطويلة لتناسب حكايات أخرى، يدخلها ضمن
سياقها العام.
6 ـ اتباع أسلوب فني في متابعة الأحداث وقطعها بين الفينة
والأخرى، حيث يستعمل دائماً جملة ((أما ماكان من ….)) كجملة ربط بين
الأحداث.
(*) نشرت هذه
الدراسة في العدد الخاص عن ألف ليلة وليلة من مجلة التراث الشعبي ـ العدد
الفصلي الأول ـ شتاء 1989/ بغداد/ العراق.
تقنيات السرد في
ألف ليلة وليلة
دراسة تطبيقية في حكاية ((حاسب كريم الدين))*
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن السرد والسرديات خاصة في الدراسات
النقدية الحديثة لما لهذا الجانب من أهمية كبيرة في دراسة النص الإبداعي
قديمه وحديثه. والسرد في أصل اللغة العربية هو ((التتابع الماضي على سيرة
واحدة وسرد الحديث والقراءة من هذا المنطلق الاشتقاقي، ثم أصبح السرد يطلق
في الأعمال القصصية على كل ماخالف الحوار، ثم لم يلبث أن تطور مفهوم السرد
على أيامنا هذه في الغرب إلى معنى اصطلاحي أهم وأشمل، بحيث أصبح يطلق على
النص الحكائي أو الروائي أو القصصي برمته. فكأنه الطريقة التي يختارها
الروائي أو القاص أو حتى المبدع الشعبي (الحاكي) ليقدم بها الحديث إلى
المتلقي. فكان السرد إذن هو نسيج الكلام ولكن في صورة حكي. وبهذا المفهوم
يعود السرد إلى معناه القديم حيث تميل معظم المعاجم العربية إلى تقديمه
بمعنى النسج أيضاً))(1).
فيما يأخذ السرد طريقه في النقد الحديث الذي يهتم به اهتماماً
كبيراً فيقسمه إلى نوعين هما:
1 ـ السردية الدلالية.
2 ـ السردية اللسانية.
وتنطلق هذه الدراسة اعتماداً على النوع الأول، وهو السردية
الدلالية، ومما يعنيه هذا النوع، هوأنها أي السردية الدلالية: (تعنى بمضمون
الأفعال السردية دونما اهتمام بالسرد الذي يكونها. إنها المنطلق الذي يحكم
تعاقب تلك الأفعال).(2).
***
ـ 2 ـ
في المقال السابق (الهيكل التنظيمي لحكايات الليالي) توصلت إلى أن
((حكايات الليالي)) تقع في أربعة أنواع هي: ـ
1 ـ حكاية المفتتح: وهي حكاية الملك شهريار وماجرى له من أحداث منذ
اكتشافه لخيانة زوجته الأولى وحتى نهاية الليالي.
2 ـ حكايات الإطار: وهي الحكايات التي أخذت شهرزاد تقصها أمام زوجها
الملك شهريار.
3 ـ حكايات تضمينية: وهي الحكايات التي تدخل ضمن حكايات الإطار ولها
دلالاتها الفنية والمضمونية.
4 ـ حكايات خارج السياق: ـ وهي الحكايات التي ترد داخل الحكايات
التضمينية دون أن تفيد شيئاً في مجمل أحداث حكايات الإطار أو الحكايات
التضمينية.
واعتماداً على هذا التقسيم يمكن اختيار حكاية ((حاسب كريم الدين))
التي تبدأ من الليلة ((472)) وتنتهي بالليلة ((560)) كمثال من أمثلة حكايات
الإطار ((3)) التي ترويها شهرزاد مباشرة أمام زوجها.. ودراسة تقنيات السرد
فيها، إن قراءة متأنية لهذه الحكاية أو أية حكاية أخرى في الليالي،
يستوقفنا جانب مهم من جوانب العملية الإبداعية الشعبية ألا وهو جانب السرد
فيها. ويأتي السرد في هذه الحكاية كمثال تطبيقي بصورة متداخلة وهذا ما
ستبينه السطور القادمة.
***
ـ 3 ـ
تداخل السرد:
إن من أهم ماتمتاز به حكايات الليالي من تقنية فنية في مجال السرد
هو هذا التداخل السردي للأحداث، ومن دراسة هذا الجانب الفني المهم والذي
تعتمد عليه تقنية بناء المشهد السردي في الحكايات، يمكن استخلاص نوعين من
تداخل السرد هما.
1 ـ تداخل السرد التضميني: والذي نقصد به تضمين حكاية أو أكثر في
صلب حكاية المفتتح أو حكايات الإطار وكذلك حكايات التضمين.
2 ـ تداخل السرد التراكمي: والذي نقصد به تركيب حكاية واحدة من عدة
طبقات أو من تراكم الأحداث اعتماداً على بعض، أو كل عناصر الحكاية، مثل
دخول //خروج شخصية أو أكثر في// من المشهد الحدثي للحكاية أو تقدم//تراجع
الزمن في الحكاية، أو تغير// تطور الحادث فيها.
إن التداخل السردي التضميني، يقف عند حدود حكايات خارج السياق، ولا
يمكن التداخل فيها. فيما تعتمد كل أنواع الحكايات الأخرى في الليالي
التداخل السردي التراكمي ابتداء من حكاية المفتتح وانتهاء بحكايات خارج
السياق مروراً بحكايات الإطار والحكايات التضمينية.
***
ـ 4 ـ
في حكايتنا هذه يمكن تتبع النوع الأول من تداخل السرد ابتداء من
حكاية الإطار ((حكاية حاسب كريم الدين)) التي تبدأ في الليلة ((472))
وتنتهي في الليلة ((560)) حيث تبدأ شهرزاد بقصها لهذه الحكاية أمام زوجها
شهريار عندما تقول: ((بلغني أنه كان في قديم الزمان….الخ)) ص 794، وتنتهي
بقولها: ((وهذا آخر ما انتهى إلينا من حديث حاسب بن دانيال رحمه الله تعالى
والله أعلم))، ص 875. بعدها تبدأ بقص حكاية أخرى من حكايات الإطار وهي
حكاية السندباد ومن خلال رواية أحداث هذه الحكاية نتعرف على ((حاسب)) ابن
الحكيم دانيال وماجرى له من أحداث منذ ولدته أمه حتى نهاية الحكاية وكيف
أنه تعرف على بعض الحطابين الذين عمل معهم في التحطيب وكيف وصل إلى مملكة
الحيات ومحاولاته العديدة في العودة إلى أهله وكيف أن ملكة الحيات كانت تقص
عليه الحكايات العديدة كي تعيق عودته إلى أهله لأن في عودته موتها. لكنها
تقبل في الأخير بعد أن تعهد أمامها بأن لا يستحم في حمام عمومي.. فيعود إلى
أهله لكنه يجبر على الاستحمام في حمام عمومي، مما يؤدي ذلك إلى فقدان ملكة
الحيات لحياتها لأن في لحمها دواءً شافياً لعلة الملك. هذا ملخص للحكاية
يظهرها على أنها حكاية عادية لكن تضمينها لحكايتين أخريتين تعطي دلالاتها
النفسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية كذلك. إن حكاية ((حاسب كريم
الدين))، تتضمن حكاية أخرى هي حكاية ((بلوقا))، التي هي في الوقت نفسه
تتضمن حكاية ثالثة من نوع حكايات ((خارج السياق)) هي حكاية ((جانشاه)).
إن الحكاية الأولى تنقسم إلى قسمين حيث ينتهي الأول عند وصول
((حاسب)) إلى مملكة الحيات ومحاولاته العديدة العودة إلى أهله ((الخروج من
العالم السفلي))… حيث تبدأ الحكاية التضمينية ((بلوقا)) التي هي الأخرى تقف
عند التقاء ((بلوقا)) بالشاب ((جانشاه)) حيث تبدأ هذه الحكاية وتنتهي
لتعود ملكة الحيات وبصوت ((شهرزاد)) بسرد تكملة حكاية ((بلوقا)) أمام
((حاسب)) وعندما تنتهي حكاية ((بلوقا)) تعود ((شهرزاد)) لتقص أمام الملك
((شهريار))، تكملة حكاية ((حاسب)) حتى النهاية..
إن الترسيمة المبينة في الشكل (1) تبين لنا تداخل هذه الحكايات
الثلاث فيما بينها وحسب قدرة الليالي على استيعاب كل حكاية.
من المفيد أن نذكر أن شهرزاد كانت بين الحين والآخر عندما كانت تحكي
للملك حكايتي ((بلوقا)) و((جانشاه)) بصوت ملكة الحيات كانت تتذكر حكاية
((حاسب)) من خلال قولها أن ((حاسبا))، كان يطلب من ملكة الحيات بين حين
وآخر أن تخرجه من مملكتها إلى أهله كما جاء في الصفحات
(804-814-820-826-865-866).
الحكاية التضمينية
حكاية ((بلوقا)).
عندما كان حاسب يطلب من ملكة الحيات إخراجه من مملكتها إلى الأرض
كانت هي تطلب منه أن يبقى في مملكتها لتقص عليه ماجرى لها من حوادث ص 798…
عند ذلك تقص عليه حكاية الشاب ((بلوقا)) الذي يخرج في سبيل الالتقاء بالنبي
محمد (ص) لكنه لايوفق في ذلك لأن وقت خروجه قد جاء قبل ولادة النبي محمد
(ص) بمئات السنين. في هذه الحكاية الكثير من المفاهيم الفلسفية والدينية
والأخلاقية وكذلك تأثرها برواية ((الإسراء والمعراج))، وبملحمة كلكامش وبعض
القصص الدينية ((4)).
أن تضمين هذه الحكاية داخل حكاية ((حاسب))، أريد منه الوصول إلى
هدفين هما:
1 ـ الهدف الرئيسي: وهو إبقاء ((حاسب)) في مملكة الحيات لفترة
طويلة كي ينسى أهله لأن في خروجه موتاً لملكة الحيات. ((هدف إبطاء)).
2 ـ الهدف الثانوي: والذي من خلاله بيان ماحدث لملكة الحيات من
حوادث مؤلمة على يد ((بلوقا)). ((هدف أخلاقي)).
***
حكاية (الشاب جانشاه).
((من حكايات خارج السياق)).
تبدأ هذه الحكاية في الليلة ((506)) وتنتهي في الليلة ((554))،
(انظر شكل ـ 1 ـ )، حيث يلتقي ((بلوقا)) أثناء رحلته الطويلة بالشاب ((جانشاه))
الذي يجده جالساً بين قبرين وهو يبكي حيث يبدأ كل واحد منهما بقص حكايته
وماجرى له إلى الآخر.
إن مجيء الراوي الشعبي بهذه الحكاية داخل حكاية ((بلوقا)) لا مبرر
له، ذلك لأن هدفه من ذلك غير مبرر أساساً وهو قيام ((بلوقا)) بسؤال ((جانشاه))،
عن الطريق الذي يريد أن يسلكه…وكان على الراوي الشعبي أن يضع في طريق
((بلوقا)) رجلاً مسناً أو حيواناً ما، ليهدي ((بلوقا)) إلى الطريق ويمكن
الاستغناء عن هذه الحكاية التي أخذت أكثر من ربع مساحة الحكاية الأصلية.
***
ـ 7 ـ
وهكذا يجيء التداخل السردي التضميني في حكايات الليالي ليخدم غرضاً
مهماً من أغراض البناء الفني للحكايات.. وكذلك ليعطي دلالاته الاجتماعية
والأخلاقية، ليصبح هذا التداخل إضافة لما فيه من تجويد فني في الشكل وأسلوب
مبتكر لربط الحكايات حاملاً للدلالات التشبيهية والتماثل وإيراد المثل
لخدمة الأغراض الاجتماعية والأخلاقية والنفسية والدينية لدى السامع.
إن ورود حكاية ((بلوقا)) مضمنة داخل حكاية ((حاسب)) قد جاءت لتؤكد
ليس الدلالة الاجتماعية والأخلاقية والدينية التي جاءت من أجلها ـ حسب ما
عناه العنوان الكبير لها، وإنما لتوضح ماجرى لملكة الحيات من حوادث بسبب
التصرف الخاطئ للشاب ((بلوقا)). حيث أن ملكة الحيات عندما روت هذه الحكاية
على مسمع من ((حاسب)) كانت تحذره في الوقت نفسه من الوقوع في نفس الخطأ عند
خروجه من مملكة الحيات.
***
-8-
((تداخل السرد التراكمي)).
يمكن تتبع هذا النوع من التداخل السردي من خلال قراءة القسم الأول
من حكاية الإطار، حكاية ((حاسب كريم الدين)) كمثال على ذلك ابتعاداً عن
الإطالة وهذا لا يعني أن مثل هذا التداخل قد اختصر على هذا القسم فقط بل إن
هذا النوع من التداخل قد اشتملت عليه كل أقسام الحكاية دون استثناء.
إن مثل هذا التداخل السردي يعني فيما يعنيه تقسيم الحكاية الواحدة
إلى مجموعة من الأحداث الصغيرة المكتفية بذاتها معنى ودلالة لكنها لا يمكن
أن تعطي المعنى العام للحكاية الأم مالم تتداخل مع بعضها حيث يتداخل الأول
بالثاني والثاني بالأول والثالث وهكذا يستمر التداخل حتّى تكتمل الحكاية،
أي أن الحدث يركب علىالحدث الذي قبله ويدخل في الحدث الذي يليه.
إن فرز مثل هذا التركيب يدعونا إلى القيام بعملية فحص إجرائي
((تجريبي))، للوصول إلى المقياس ((المعيار))، الذي يتم من خلاله هذا الفرز.
ومن خلال قراءة متأنية للنص يمكن استخراج ذلك المعيار الذي يعتمد
على:
1 ـ اختلاف الحدث الأول عن الذي يليه وبنفس الوقت الاعتماد عليه.
2 ـ دخول عنصر آخر في الحدث الذي يليه مثل دخول شخصية جديدة.
3 ـ تغييرات المكان والزمان.
ومن خلال الفحص الإجرائي هذا يمكن الاقتراب كثيراً من مثالنا لنرى
صحة ما أوردناه.
تبدأ حكاية ((حاسب كريم الدين)) في الليلة ((472)) عندما تقول
شهرزاد ((بلغني أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان حكيم…الخ))، ثم
تبدأ بقص الأحداث:
الحدث الأول:
تبدأ الحكاية عن الحكيم ((دانيال)) موضحة أنه كان غير ذي خلف حيث لم
يرزقه الله بمولود فيدعوه إلى ذلك ويستجيب سبحانه وتعالى إلى دعواه وقبل
الولادة يموت الحكيم مخلفاً لذلك المولود المنتظر ((خمسة أوراق))، تحتوي
على ((العلم والحكمة))، وعندما يولد الطفل ويكبر تزوجه أمه.
الحدث الثاني:
يتعرف ((حاسب)) على مجموعة من الحطابين ويعمل معهم وفي أحد الأيام
يصلون إلى بئر فيه عسل ينزل ((حاسب)) إلى داخل البئر لإخراج العسل فيتركه
أصحابه داخل البئر.
الحدث الثالث:
يعود الحطابون إلى أمه، ويخبروها بأن الذئب قد افترس ابنها
((تأثيرات قصة يوسف))، فتقيم له مأتماً.
الحدث الرابع:
يعود القص أو الخطاب الحكائي إلى ((حاسب))… حيث نراه يخرج من البئر
إلى مكان غير الأرض، من خلال ثقب جانبي ((مدخل إلى العالم الآخر = العالم
السفلي))، ويصل إلى مملكة الحيات.
الحدث الخامس:
الدخول إلى مملكة الحيات والالتقاء بملكتهن… وطلبه المساعدة منها في
الخروج إلى الأرض والعودة إلى أهله. لكنها كانت تطلب منه البقاء وسماع
حكايتها وماجرى لها بسبب مساعدتها للإنسان.. حيث تبدأ بقص حكاية ((بلوقا))
ويمكن الاستمرار في تتبع هذا النوع من السرد في القسم الثاني من هذه
الحكاية والذي يأتي بعد حكاية ((بلوقا)) و((جانشاه)).
إن الحدث الأول يرتبط بالحدث الثاني من خلال شخصية ((حاسب)). فيما
يرتبط الحدث الثالث بالأول دون الثاني من خلال شخصية الأم. ويرتبط الحدث
الرابع بالحدث الثاني والأول سوية من خلال شخصية ((حاسب)).
أما الحدث الخامس فإنه يرتبط بالحدث الرابع لاستمرار وجود ((حاسب))
كشخصية رئيسية، هذا من ناحية الترابط بين الأحداث أما من ناحية تشظية
الحكاية إلى أحداث رغم ترابطها فإن ذلك يتم من خلال:
1 ـ تغير المكان: مثل ذهاب ((حاسب)) مع الحطابين إلى البئر ((الحدث
الثاني))، وانتقاله من العالم الأرضي إلى العالم المجهول ((السفلي))، مملكة
الحيات ((الحدث الرابع)).
2 ـ دخول شخصية جديدة أو فقدان أخرى: مثل انتقال الحدث الأول إلى
الحدث الثاني عند غياب شخصية الأب ((موته)) ودخول الحطابين إلى الحدث.
3 ـ التزامن: أي وقوع حدثين في وقت واحد مما يدفع الراوي الشعبي إلى
سرد كل حدث على حده من خلال استخدام لازمة لغوية محددة يلقيها على سامعيه،
مثل قوله (وأما ماكان من أمر…الخ). ونظرة أولية للمرتسم الثاني (الشكل رقم
ـ2ـ) نرى أن هذه الحكاية وكأغلب، حكايات الليالي، تعمد على حدث مركزي ترتبط
به الأحداث الأخرى، إن كان ذلك الارتباط على شكل تسلسلي، أو على شكل عنقودي
أو شبه عنقودي.
والارتباط التسلسلي هو تحرك السرد الحكائي إلى أمام باطراد دون
العودة إلى ماسبق من أحداث.
أما الارتباط العنقودي فنعني به توزيع الأحداث علىمجاميع ترتبط كلها
في مركز واحد.
فيما يعني الارتباط (شبه العنقودي) والذي يمثله الارتباط الوارد في
حكاية ((حاسب كريم الدين)) كما في الترسيمة السابقة، فهو يعني وجود حدث
مركزي يتشظى إلى شظيتين أو ثلاث فقط دون أن يكون أكثر من ذلك ليتحول إلى
ارتباط عنقودي.
إن المخطط السابق خير مثال على هذا النوع، والذي يعتمد على حدث
مركزي واحد هو الحدث الأول الذي أصبح أساساً لحدثين هما: الثاني والثالث:
ويستمر الحدث الأول بالتراكب مع أحداث أخرى ترتبط به في القسم
الثاني من الحكاية.. أما الحدث الثاني فإنه يستمر في الارتباط مع أحداث
أخرى.
شكل (2) ((مخطط يبين التداخل السردي التراكمي)).
ـ 9 ـ
إن التقنيات التي استخدمها الراوي الشعبي في سرد حكايته هذه تعتبر
من التقنيات المهمة والجديرة بالدرس وإعادة اكتشافها مرة ثانية في أدبنا
السردي الحديث.
إضافة لذلك فإن قراءة متأنية لهذه الحكاية ستكشف لنا الكثير من
الأمور التي حفل السرد القصصي // الحكائي في الليالي، على صعيد الشكل أو
المحتوى… وهذا ماسنعود إليه في دراسات قادمة إن شاء الله.
الهوامش
1-ألف ليلة وليلة –د. عبد الملك مرتاض – دار الشؤون
الثقافية العام ص103
2-آفاق عربية – ع /4/ ألسنة /17/ د. عبد الله إبراهيم
3-لم يطلق ناشر الليالي على هذه الحكاية أي اسم كان وإنما
وجدت من المناسب ان نسميها بهذا الاسم اعتماداً على الشخصية الرئيسة التي
تروى عنها الأحداث وقد وردت هذه الحكاية ضمن حكايات أخرى جاءت تحت عنوان
رئيسي شامل هو "جملة حكايات تتضمن عدم الاغترار بالدنيا والوثوق بها" ص780
(ج/4-5-6)*
ملاحظة: اعتمدنا في هذه الدراسة على طبعة دار التوفيق
للطباعة والنشر والتوزيع- ألف ليلة وليلة- 1980.
4-سنفرد دراسة مستقلة عن ذلك في وقت قابل إن شاء الله.
مورفولوجيا الزمن (*)
في ألف ليلة وليلة
تحليل البنية الزمنية لخطاب الليالي
(قراءة في حكاية غانم بن أيوب)
مدخل(1)
إن أهم عنصر من عناصر السرد التي تجعل من (المتن) (1) الحكائي في
الليالي (مبنى) حكائياً هو الزمن.
وفي دراستنا هذه لتحليل بنية الزمن في المبنى الحكائي، سوف نفرق بين
زمن الملفوظ القصصي، كما هو في (المتن) أي التسلسل الزمني للأحداث كما وقعت
وبين الزمن في (المبنى) الحكائي، والذي يعني بالطريقة التي يرتب فيها
السارد تلك الأحداث.
إن هذا التفريق، سيفيد الدراسة – هذه – كثيراً، وذلك لأن الزمن
الثاني (أي زمن المبنى) يتدخل في ترتيبه الحس الجمالي والفني للسارد نفسه
أثناء السرد، أما الزمن الأول فهو زمن خام يجري دون أي تدخل خارجي إذ يأتي
على خط متتالي واحد.
أي إن هناك فرقاً كبيراً بين التتابع الزمني داخل الملفوظ القصصي
وبين الترتيب الزمني داخل (الخطاب) الحكائي، أي (المبنى الحكائي)، أي داخل
(النص) المسموع أو المقروء من الليالي. والتفريق هذا، رغم إنه يفيد الدراسة
التحليلية فإنه كذلك يفيد السارد أو الروائي الشعبي في الوقت نفسه، ذلك لأن
الضرورة تحتم على السارد اتخاذ موقف معين من زمن الملفوظ القصصي (المتن)
عندما يسرد أحداثه وكذلك لأسباب جمالية- فنية كما ذكرنا مسبقاً، خاصة بما
يتعلق بتزامن الأحداث فبينما تجري مجموعة الأحداث الواقعة خلال زمن واحد
وفي عدة أمكنة، في (المتن) الحكائي، فإن السارد أو الروائي الشعبي لا
يستطيع أثناء السرد وحتى عند التدوين أن يخبرنا بها في آن واحد، وإنما يعمد
على ترتيبها ترتيباً متسلسلاً حسب ما يقتضيه الحس الفني –الجمالي له وما
تحكمه ضرورات السرد، حيث يختار من بين الأحداث المتزامنة إحداهما الذي يضعه
في البداية ليبني عليه (مبناه) الحكائي.
إضافة للتزامن فهناك ما يدفع السارد إلى جعل الزمن –لأسباب فنية-
جمالية- أثناء السرد أو التدوين متذبذباً.. فيقدم أحداث نصه الحكائي بتسلسل
لا يشبه حدوثها في الواقع (في المتن) فيعمد –بعد توقف يختار موقعه بنفسه-
إلى الرجوع للماضي، ذاكراً بعض الأحداث التي تحتم ضرورات السرد ذكرها والتي
تسمى بـ (اللواحق) أو أن يستبق الزمن فيذكر أو (يشير) إلى أحداث ستقع
مستقبلاً والتي تدعى بـ (السوابق).
إن دراستنا هذه تضع نصب عينيها غاية مهمة، هي الوصول إلى معرفة
الكيفية التي استطاع بها السارد، أو الراوي الشعبي – فيما يخص حكايات
الليالي- من تجسيد إحساسه بـ (الديمومة وبالزوال وبتراكم الزمن)(2) مما
ينتج عن ذلك معرفة إيقاع الزمن في كل حكاية من حكايات الليالي، أي بين
الزمن المقاس بالدقائق والساعات والأيام والسنين وبين المساحات المشغولة من
قبل النص مقاسة بالأسطر أو المقاطع أو الصفحات، أو بين ذاك الزمن وزمن النص
نفسه أي داخل (المبنى) الحكائي نفسه.
مدخل (2)
عند دراسة الزمن في (المبنى) الحكائي لليالي، يجب الانتباه إلى بعض
المسائل المهمة، منها:
أ-إن شهرزاد، وهي تروي (تسرد) الحكايات أمام زوجها (شهريار) وأختها
(دنيازاد) قد استخدمت صيغة الماضي، ولم تترك مجالاً للحاضر أن يمسك بزمام
السرد لهذا جاءت كل نصوص الليالي تبدأ بالجملة المعهودة (بلغني أيها الملك
السعيد.. إنه كان هناك. إلخ) حيث تنبي لفظة (بلغني) عما هو سابق الوقوع،
كما أن الفعل الناقص (كان) له عمله الخاص بما مضى.
ب-إن الزمن في نصوص الليالي هو زمن تخييلي، وذلك لأن ما ترويه
(شهرزاد) أمام الملك قد سبق وقت السرد، كما هو أيضاً، سابق لقراءتنا له في
أي وقت نشاء.
جـ- إن صيغ الزمن الثلاث من ماض وحاضر ومستقبل (رغم قلة استخدامه)
تأخذ لها في نصوص الليالي – كما هو شأنها في القصة الحديثة- مساراً خطياً
متذبذباً يجمع بينهما تسلسل غير منتظم.
ت-إن الاختلاف الحاصل في خطية التتابع الزمني يأخذ بعده الجمالي
–الفني من خلال إدراك السارد –الواعي وغير الواعي- لمفهوم الزمن (ترتيب
الأحداث) ويأتي هذا الترتيب المتذبذب لعناصر الزمن في تركيب الجمل والفقرات
وحتى الحكاية التضمينية(3) داخل النص الأصلي.
مدخل (3)
قبل الدخول في دراسة مورفولوجية الزمن في نص "التاجر أيوب وابنه
غانم وابنته فتنه)(4) لا بد من التنويه إلى مسألة غاية في الأهمية، لم
ينتبه لها الدارسون أو على أقل تقدير لم يولوها حقها من الدراسة والبحث.
هذه المسألة هي التفاوت الحاصل في أطوال الليالي.
فعلى الرغم من أن المدون الأول لليالي جزّأ نصوصه على ليال عديدة
إلا أنه لم يجعل من تلك الليالي متساوية الطول كأن يكون ما ترويه "شهرزاد"
في ليلة ما يساوي ما ترويه في ليال آخر، أي اختلاف في المساحة الزمنية
للسرد. وكذلك لم يجعل ذلك "المدون" لياليه متساوية المساحة المكتوبة "عدد
الأسطر أو الصفحات".
مثل هذا الإجراء لم يأت اعتباطاً بل له ما يبرره.. وهذا التبرير
يعود إلى ذكاء ذلك المدون نفسه الذي قام بنقل هذا السفر العظيم من على شفاه
الرواة إلى الورقة.. والسبب في ذلك –كما أرى- هو أن وقت أوبة الملك
(شهريار) إلى غرفة نومه غير معلوم.. فربما عاد الملك قبل انبلاج الفجر بزمن
قصير وهذا يعني أن الفترة الزمنية التي تستغرقها "شهرزاد" في الحكي منذ
عودته حتى استغراقه في النوم سوف تكون قصيرة جداً، أما لو عاد الملك إلى
غرفة نومه قبل انبلاج الفجر بمدة طويلة نسبياً فيكون زمن الحكي طويلاً،
ومما يؤكد ذلك أن اللازمة المعروفة التي كان يستخدمها السارد الشعبي الذي
ينقل عن "شهرزاد" والتي تقول "وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح"
لم ترد في نهايات أغلب الليالي (5) وهذا يعني أن (شهرزاد) لم يدركها الصباح
في كل ليلة من الليالي الألف بسبب أن نوم الملك أثناء سماعه لحكايتها لم
يكن عند انبلاج الفجر أو طلوع الصباح، وإنما يكون الانقطاع عن السرد أو (الحكي)
معتمداً على الفترة الزمنية التي يقضيها "شهريار" مستيقظاً في سريره بعد
أوبته من سهراته الليلية التي كان يقضيها مع ندمائه في الديوان.
ومن الجدير بالذكر أن مدون الليالي لم يذكر أن (شهريار) قد نام مع
(شهرزاد) في سرير واحد إلا في نهاية الليلة الأولى لزواجهما، وكذلك في
نهاية الليلة الرابعة (ص19) وكذلك يذكر المدون في نهاية الليلة الأولى أن
الملك بعد أن انفض (الديوان) دخل قصره.. وهذا يؤكد ما قلناه في أن عودة
الملك إلى قصره غير محددة بوقت معين.
مدخل (4)
في محاولة للبحث عن العلاقة بين زمن النص قبل السرد (المتن الحكائي)
وزمنه أثناء السرد (المبنى الحكائي) مهما طالت أو قصرت الليلة الواحدة-
علينا أن نحدد مسبقاً الطول النسبي لزمن النص أثناء السرد لكل ليلة من
الليالي، ومثل هذا التحديد صعب جداً، لأن مدون الليالي لم يذكر لنا الوقت
الذي تبدأ به "شهرزاد" بالحكي في حضرة الملك، ولكي نتخلص من مثل هذا المأزق
(رغم اختلاف طول الليالي واختلاف الطبعات) علينا أن نضع تحديداً للوقت
المستغرق في الحكي (السرد) أو على الأقل لحكايتنا المدروسة في هذه السطور،
وهذا التحديد يمكن إجرائه بطريقتين:
1-حساب عدد الأسطر
2-حساب الوقت أثناء القراءة بصوت عال ومتأن لكل ما يرد في ليلة
واحدة وذلك من خلال تمثيل دور الراوي (شهرزاد) عندها يمكن استخراج الزمن
التقريبي الذي تستغرقه (شهرزاد) في الحكي.
ومن مزج الطريقتين، يتم تصحيح أخطاء أحدهما بحساب الأخرى. انظر
الشكل (1) بعد ذلك يمكن وضع جدول للنتائج التي يتم التوصل إليها، ومن خلال
هذا الجدول يمكن القول أن (شهرزاد) قد استغرقت في (حكيها) (كذا) ساعة في
الليلة الـ (…) وبـ (كذا) سطر.
إن الغرض من حساب طول النص المحكي في كل ليلة هو للتوصل إلى معرفة
"سرعة النص" بالمقارنة مع الزمن الداخلي للنص الحكائي.
وبتطبيق المعادلة التالية (6) يمكننا التوصل إلى إيقاع الزمن داخل
النص الحكائي المسرود:
زمن الحدث (وحدة زمنية)
طول النص (سطر، مقطع)
الزمن المستغرق في القراءة (دقيقة) عدد الأسطر رقم الليلة
8
7
7
5
18
11
7
6
6 68
58
62
46
146
90
56
54
48 51
52
53
54
55
56
57
58
59
(شكل رقم –1-)
من خلال الجدول السابق يمكن التوصل إلى:
1-إن الزمن الذي تستغرقه (شهرزاد) في سرد الأحداث في ليلة يقاس
بالدقائق، أي أن الفترة التي يقضيها (شهريار) في قصره مع زوجته تقاس في
الدقائق (على الأقل في الليلة) لهذا نجد الليالي تذكر أن زوجته (شهرزاد) قد
ولدت له ثلاث أبناء دون أن يعرف بذلك.
2-أن عملية (الحكي) التي تقوم بها (شهرزاد) تتم بعد عودة الملك من
(ديوانه) والدخول في فراش النوم كما قلنا سابقاً، بعد عناء يوم كامل وما
يتبعه من جلسات السمر مع بعض الندماء والتي تأخذ الجزء الأكبر من الليل، أي
أنها تحكي للملك خلال فترة ما بين (5) إلى (8) دقائق كمعدل عام.
3-أن ما تستغرقه (شهرزاد) في حكي ثمانية أسطر (مدونة) في دقيقة
واحدة.
مدخل (5)
ولكي تكون قراءتنا للزمن قراءة علمية دقيقة سنضطر إلى تقسيم النص
إلى مجموعة من المقاطع النصية ذات الاستقلال النسبي.. ويأتي تحديد تلك
المقاطع (البدء والانتهاء) من خلال:
1-تغير في المكان
2-تغير في الوقت، أو عند مضي فترة زمنية معلومة أو غير معلومة بين
مقطع وآخر.
3-دخول أو خروج شخصية من وإلى المقطع النصي.
والجدول التالي (شكل –2-) يبين عدد المقاطع النصية التي احتوتها
الحكاية
ملاحظة:
تم احتساب الوقت القصير أو الفترة القصيرة بما يعادل ساعة
واحدة.
من الجداول السابقة يمكن استنتاج ما يلي:
1-أن مجموعة المقاطع النصية في النص الأصلي هي (23) مقطعاً.
2-أن المدن التي وقعت فيها الأحداث هي مدينتي (بغداد ودمشق)
إضافة إلى مدينة أخرى لم ينوه عن اسمها.. أما الأماكن فقد توزعت بين السوق،
المقبرة، المسجد، مكان مظلم، بيت غانم، دار الخلافة، بيت والي دمشق، بيت
شيخ السوق.
3-أن زمن الحكاية في (متنها) ما قبل السرد قد توزع بين
الساعة الواحدة تقريباً واليوم الكامل مروراً بـ (الصباح، الليل) إضافة إلى
وجود فترات زمنية طويلة نسبياً غير محددة.
4-تنوعت مساحة المقطع النصي بين (3) أسطر و(163) سطرا، أي
بمساحات (طباعية) متغيرة ومتنوعة.
5-احتوى النص على مجموعة من الشخصيات منها رئيسية (غانم،
قوت القلوب، الخليفة) ومنها ثانوية (العبيد الثلاثة، زبيدة، جعفر البرمكي،
شيخ السوق، أم وأخت غانم، عجوز، والي دمشق"
6-أنّ الحقل الأخير يبين لنا سرعة النّص، بين أن يكون
ملخصاً أو يكون مشهداً وهذا يعني أن إيقاع الزمن قد اعتراه بعض الاضطراب..
وربما يعود هذا الاضطراب إلى شفاهية النص قبل (التدوين) أو إلى ذكاء الراوي
الشعبي في تحديده المقاطع النصية التي تحتاج إلى عرض شامل وغيرها التي لا
تحتاج إلى ذلك.
مورفولوجية الزمن
تحليل البنية الزمنية في خطاب الليالي
1 -صيغ الزمن
صحيح أن حكايات الليالي بصورة عامة تقدم من خلال صيغة الماضي، إن
كان ذلك على لسان السارد الشعبي الذي ينقل لنا ما تحكيه (شهرزاد) أو على
لسانها هي، ولكن النقل هذا بصيغة الماضي ليس معناه العودة من آخر حدث إلى
الحدث الأول (البدئي) وإنما يتم ذلك من بداية الأحداث حتى انتهائها بصورة
تصاعدية استطرادية متقدمة على خط الزمن.
ومن الملفت لدارس الزمن أن أية حكاية من حكايات الليالي والتي تروى
بصيغة الماضي تضم مجموعة من الأحداث الأخرى التي تقطع تسلسل الزمن الماضي
لتعود به إلى زمن ماض آخر، أما أن يكون قد وقع قبل أحداث الحكاية نفسها أو
قبل اللحظة التي تصلها الأحداث المروية، بهذا نرى أن الماضي في حكايات
الليالي يأخذ له صيغ متعددة، فهو ماض بعيد سحيق يتخلله ماض قريب.. وقد
احتوت حكايتنا هذه على الصيغتين في آن واحد.
فبينما أحداث الحكاية نفسها قد وقعت في زمن ماض بعيد (بلغني أيّها
الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان.."ص162) فهي في
نفس الوقت تحتوي على أحداث وقعت في ماض يسبق ماضي الحكاية نفسها مثل حكاية
العبد الأول والعبد الثاني.. وكذلك هناك استخدام للماضي القريب يدخل ضمن
ماضي الحكاية نفسها، أي أنه يأتي بعد بداية الحكاية لكنه يصبح ماضياً نسبة
إلى ما وصلت إليه أحداث الحكاية وسردها.. مثل حكاية (قوت القلوب مع
الخليفة) وكذلك حكايتها مع (زبيدة) حيث يتوقف السرد ليعيدنا إلى زمن ماض
(نسبة إلى وقت السرد وزمن الحدث الذي وقف عنده السارد) ليروي لنا ما وقع من
أحداث إضافة إلى ذلك فإن الراوي الشعبي، ينقل لنا ما حكته (شهرزاد) فيما
سلف من الزمن، إذ يقول: (قالت: بلغني).
أما عن صيغة الحاضر، فإننا لم نقع على أية حكاية تتحدث بهذه الصيغة،
سوى الحوارات التي تأتي على لسان الشخوص، مثل حوارات العبيد الثلاثة.
فيما يندر استخدام صيغة المستقبل، حيث يأتي في حكايتنا هذه من باب
تقديم التعليمات لشخص ما عما يجب فعله، مثل تعليمات العجوز لزبيده عما يجب
فعله عند عودة الخليفة وافتقاده لـ (قوت القلوب) وهكذا تصبح صيغة الماضي هي
الصيغة المهيمنة على زمن الليالي.
2-الافتتاحية
في حكايتنا هذه، هناك عنصران مهمان في الافتتاحية، هما: الماضي
والوصف، فقد بدت الافتتاحية بالحديث عما مضى "بلغني أيها الملك السعيد أنه
كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان تاجر من التجار له .. الخ) ص162
مثل هذه اللازمة تتكرر في أغلب حكايات الليالي تقريباً.. إذ تضعنا مباشرة
في الزمن الماضي، تنقلنا من حاضرنا الذي نعيشه، إلى ذلك الماضي السحيق الذي
جرت به الأحداث وهكذا تعلن الافتتاحية، بل أنها تخبر السامعين أو القراء عن
زمنها، أي عن الوقت الذي وقعت فيه أحداثها، وهذه إحدى مهمات الافتتاحية،
أما المهمة الثانية فهي تقديم (الوصف) أي استخدام عنصر الوصف في تهيئة الجو
العام أمام السامعين والقراء إلى العالم الذي سيعلن عن نفسه بعد حين.
والوصف هنا، متعدد الجوانب، فمن الافتتاحيات من تقدم وصف للمكان
الذي ستنطلق منه أحداث الحكاية ومنها من تقدم وصفاً لشخصياتها الفاعلة.
وافتتاحية حكايتنا من هذا النوع الذي يقدم وصفاً للشخصية والمكان
على السواء. فقد أخبرتنا الافتتاحية عن التاجر وابنه وابنته وما يملك من
مال وبضاعة بعدها انتقلت إلى وصف المكان الذي حل فيه (غانم) إن هذين
العنصرين أعطيا للسامع وللقارئ الخلفية العامة للحكاية إضافة إلى أنهما قد
هيّأا له مدخلاً إلى العالم الذي ستقدمه.
إن من أهم صفات افتتاحيات الليالي هو قصرها النسبي بالرغم من
احتوائها على زمن داخلي لا يتناسب وهذا القصر. ففي هذه الافتتاحية، نتعرف
على أن التاجر أيوب لما يزل حياً يرزق، وهو يستعد للرحيل إلى بغداد في
بضاعة له، ثم يتوفاه الله ليترك ثروته وبضائعه.. وبعد فترة من الزمن (غير
معلومة) يسافر ابنه (غانم) ليتاجر في بغداد مثل هذه الفترة الزمنية لا
تتناسب والأسطر الخمسة عشر التي قدمتها (تدويناً) الحكاية لهذا نجد أن
الافتتاحية في الليالي ذات إيقاع سريع وكذلك فإنها تتسم بما يلي:
1-الكثافة الزمنية
2-الحيز التدويني (أو القول الشفاهي) الصغير
أي أنها تعتبر ملخصاً لزمن ما، ويمكن تمثيلها في المخطط التالي
(الشكل رقم –3-): (7)
ولكن هذا لا يمنع من أن يقدم الحاكي شخوصه الجدد أو الأماكن أو ما
يريد وصفه في افتتاحيات صغيرة نسبياً بين ثنايا النص، وهذا ما نجده في
افتتاحيات حكايات (التضمين) داخل النص، مثل حكايات العبد الأول والعبد
الثاني، ومن المفيد أن نذكر أن أغلب افتتاحيات الليالي لا تعد جزء هاماً من
أجزاء الحكاية حيث أن إلغائها لا يؤثر على مسار السرد الحكائي، وفي حكايتنا
هذه يمكن إلغاء الكثير منها والبدء من وصول (غانم) إلى بغداد، لأن ما
عرفناه عن والده وأخته وأمه لا يفيد الأحداث بشيء.
وعلى العكس من هذه الافتتاحية، نرى أن افتتاحية حكاية (الملك عمر
النعمان) لها أهمية كبيرة في افتتاحية جو السرد الحكائي.
فيما نجد افتتاحية الحكاية الأولى من الليالي (بدون عنوان) والتي
تبدأ بها (شهرزاد) ليلتها الأولى، نجدها أقصر افتتاحية، إذ أنها لا تتجاوز
السطرين (ص8) حيث تقدم معلومات بسيطة عن الشخصية الرئيسية للحكاية.
إن أية افتتاحية من افتتاحيات الليالي هدفها وضع السامع (القارئ) في
أجواء الزمن الذي تجري فيه الأحداث، أي سحبه من حاضره الذي يعيشه "الملك
شهريار أثناء الحكي الأول على لسان شهرزاد" أو السامعين "أثناء نقل الحكي
الأول على لسان الحاكي الشعبي" أو القراء "أثناء القراءة في الكتاب
المطبوع".
3-التزامن
وهو مصطلح يطلق على وقوع حدثين أو أكثر في آن واحد، وفي أماكن
مختلفة، إن وقوع حدثين أو حدوث أشياء ما في وقت واحد يمكن الإقرار به في
الواقع، ولكنه يستحيل الأخبار بهما في وقت واحد إذ لا يمكن للمخبر أياً
كان، الإخبار بهما في آن واحد وبلسان واحد، وإنما يعمد إلى الإخبار بهما
بالتسلسل مع اختيار الخبر أو الحدث الواجب ذكره أولاً.
وإذا عدنا إلى قضية السرد الحكائي والسارد، فمن المستحيل أن يقوم
السارد بسرد حدثين وقعا في زمن واحد، في آن واحد، آن كان ذلك على صعيد
السرد الخارجي (رواية الحكاية) أو على صعيد السرد الداخلي (السرد على لسان
الشخصية)
وفي حكايتنا (التأجر أيوب..) يتجلى التزامن في الكثير من مواقع
السرد الحكائي منها:
أ-تزامن الأحداث التي وقعت للعبدين الأول والثاني. في أماكن مختلفة
منذ الصبا حتى وصولهم إلى المكان الذي يجلسون فيه وقت سرد الأحداث وكذلك
بينها وبين أحداث الحكاية الأصل نفسها.
إن السرد الحكائي لا يمكنه أن ينقل لنا في آن واحد وقائع ما مر
بالعبدين من أحداث، لهذا عمد السارد إلى جعل كل عبد يروي حكايته بعد الآخر،
عدا العبد الثالث الذي يمتنع عن ذلك بحجة أن الوقت ليس بصالحهم (انظر
الشكل –4-): الشكل رقم (4)
تزامن الأحداث بين ما وقع لـ (قوت القلوب) مع (زبيده) والعبيد
الثلاثة و(غانم) وفي نفس الوقت ما وقع لـ (زبيده) وكيف إنها أرسلت على عجوز
لتستشيرها حول ذلك.
ث-انطلاقاً من الهجوم الذي قاده (جعفر البرمكي) بأمر من الرشيد على
دار "غانم" فإن السرد ينقسم إلى قسمين، أحدهما يتبع فيه السارد ما جرى لـ
(قوت القلوب) من أحداث ص176 والآخر يتبع فيه السارد ما وقع لـ (غانم) بعد
هروبه من داره، من أحداث (ص177) ويمكن تمثيل هذين الحدثين في التدوين كما
في الشكل (5):
(بعد هروب غانم)
الحدث الأول: فلما وصل الوزير جعفر إلى ناحية الدار ترجل عن حصانه
ودخل البيت ونظر إلى قوت الحدث الثاني: فإنه (أي غانم) لما سلبت نعمته تحير
في أمره وصار يبكي على نفسه حتى انفطر القلوب وقد تزينت وتبهرجت وملأت
صندوقاً من ذهب ومصاغ وجواهر وتحف مما خف حمله وغلى قلبه وسار ولم يزل
سائراً إلى آخر النهار وقد ازداد به الجوع وأضربه المشي حتى وصل إلى بلد
فدخل ثمنه فلما دخل عليها جعفر قال لها: والله يا سيدتي ما أوصاني إلا
بالقبض على غانم بن أيوب فقالت لـه: مسجدا وجلس على برش وأسند ظهره إلى
حائط المسجد وارتمى وهو في غاية الجوع والتعب ولم يزل أعلم أنه حزم تجاره
وذهب بها إلى.. الخ.مقيماً هناك إلى الصباح وقد.. الخ.
(الشكل –5- يبيّن التزامن أثناء التدوين)
مثل هذا التداخل الطباعي (التدوين) يبين حدثين وقعا في زمن واحد وفي
مكانين مختلفين، لا يمكن للسرد الشفاهي وحتى أثناء القراءة من ذكرهما في
وقت واحد، لذلك يعمد السارد إلى تتبع كل حادثة أو واقعة على حده لينتهي
منها فيبدأ بالأخرى.
وقد استخدم السارد الشعبي عبارة محددة للفصل بين الواقعتين، أو
الانتقال من تتبع شخصية إلى أخرى هذه العبارة تقول (وأما ما كان من أمر..
فإنه) أو (هذا ما كان من أمر. أما ما كان من أمر..).. إن التزامن في حكايات
ألف ليلة وليلة هو واحد من عناصر السرد بما يتصل بزمن الحكاية (المتن) لا
بما يتصل بزمن النص (المبنى الحكائي) ذلك لأن زمن المتن يمكن حدوث التزامن
فيه أما زمن (المبنى) أثناء السرد فلا يمكن ذلك. إلا بالتتابع.
إن الخط الزمني للأحداث في (المبنى الحكائي) يأخذ له مساراً
متسلسلاً، حيث يأتي الحدث الأول قبل الثاني وهكذا.. إذ تمثل الوقائع
والأحداث، الوحدات الزمنية الأساسية التي يتكون منها "المبنى الحكائي" كما
تمثل هذه الأخرى مكونات (المتن الحكائي) لكن الصعوبة التي يجدها السارد
متمثلة بظهور شخصية جديدة، وهذا يستدعيه إلى قطع التسلسل الزمني والعودة
إلى زمن مضى قبل هذا التوقف أو قبل بداية الحكاية نفسها، لتقديم هذه
الشخصية.
ومن هذه النقطة يأخذ زمن السرد مجالاً زمنياً إضافياً، بالعكس من
الزمن الأحداث (المتن الحكائي) الذي يتوقف عند حد معين كما هو موضح في
الشكل(6): (8).التتابع ( الشكل رقم –6- )
4-الاسترجاع
والاسترجاع أو ما يسمى بـ (اللواحق) (9) وهو –كما يقول- (جينات)
(عملية سردية تمثل بالعكس في إيراد حدث سابق للنقطة الزمنية التي بلغها
السرد)(10).
وتقسم الدراسات الحديثة عن الزمن. الاسترجاع إلى ثلاثة أقسام
هي:(11)
أ-استرجاع خارجي: يعود إلى ما قبل بداية الرواية
ب-استرجاع داخلي: يعود إلى ماض لاحق لبداية الرواية قد تأخر تقديمه
في النص
ت-استرجاع مزجي: وهو ما يجمع بين النوعين
الاسترجاع أو ما يسمى (بالارتداد)(12) مصطلح يراد به عودة السارد
إلى سرد بعض الأحداث الماضية بعد أن يوقف السرد عند نقطة معينة أي أن زمن
السرد هنا يتشظى إلى مجموعة من الشظايا الزمنية تفترق في البداية لتجتمع
أخيراً.
وفي حكاية (التاجر أيوب..) نجد أن السارد الشعبي. استخدم الاسترجاع
في أكثر من موقع فورود حكايات العبيد على لسانهم هو من نوع الاسترجاع
الخارجي. إذ من خلال هذا الاسترجاع أمكننا التعرف على أحوال الشخصيات
الجديدة وما حدث لها.
أما النوع الثاني فنجد له أكثر من موقع منها:
أ-ما تخبر به (قوت القلوب) (غانما) عما جرى لها مع الخليفة (ص180)
ب-الحوار الذي دار بين الجاريتين عندما كانتا واقفتين عند رأس
الخليفة، إذ من خلال حوارهن يعرف الخليفة ما جرى لـ (قوت القلوب) من أحداث
في غيابه.
5-الاستباق
وهو –كما يعرفه (جينات) (عملية سردية تتمثل في إيراد حدث آت أو
الإشارة إليه مسبقاً) (13) أي أنه عملية سردية معاكسة لعملية (الاسترجاع)
ومن الأمور المهمة التي يجب الانتباه إليها، هو أن حكايات ألف ليلة تفتقر
إلى مثل هذه العملية السردية، حيث أن الكثير من نصوصها لا تستخدم مثل هذه
العملية بسبب أنها تتحدث عن الماضي، والماضي البعيد خاصة لهذا نرى أن
أغلبها يفتقد لهذه العملية السردية، في حكايتنا، نجد أن السارد الشعبي وهو
يتعامل مع الزمن، يستخدم عملية الاستباق مرة واحدة عندما تستشير (زبيدة)
إحدى العجائز عما يجب أن تفعله عند عودة الخليفة (فدعت بعجوز كانت عندها
وأطلعتها على سرها وقالت لها كيف أفعل وقوت القلوب قد فرط فيها الفرط؟
فقالت لها العجوز لما فهمت الحال، اعلمي يا سيدتي أنه قد قرب مجيء الخليفة
ولكن أرسلي إلى نجار وأمريه أن يعمل (.. ) وأمري جواريك والخدم إذا علموا
أن الخليفة قد أتى من سفره أن يشيعوا الحزن في الدهليز فإذا دخل وسأل عن
الخبر يقولون له أن قوت القلوب ماتت (…) ثم بعد مدة أقبل الخليفة من غيبته
وطلع إلى قصره (..) فأخبروه بموت قوت القلوب..)ص174 وهكذا تكون نصيحة
وتعليمات العجوز، ما هي إلا استباق لما سيقع مستقبلاً.
6-إيقاع الزمن
يسمي (جيرار جينات) العلاقة بين الزمن الروائي (داخل المبنى الحكائي)
والمقاطع النصية التي تغطي هذه الفترة بـ (سرعة النص) (14) أي أن السرعة
هذه هي النسبة بين:
زمن الحدث (ساعة، يوم، سنة)=طول النص (أسطر، مقاطع)
ومن الجدير بالذكر أن أهم معوق أمام دارس الزمن هو أن السارد الشعبي
لا يذكر الوقت الطبيعي لبداية ونهاية وقوع الأحداث ليتمكن من تطبيق
المعادلة أعلاه تطبيقاً صحيحاً بحيث تأتي النتائج صحيحة، لهذا يعمد
الدارسون إلى تقدير الزمن تقديراً نسبياً إن الزمن الذي تستغرقه (شهرزاد)
لرواية أحداث حكايتنا –وكما ورد في بداية الدراسة- هو (75) دقيقة توزعت على
ثمان ليال ونصف الليلة، ولتسهيل عملية حساب الزمن يمكن تقسيم الحكاية إلى
مقاطع شبه متساوية وكما يلي:
أ-المقطع الأول والذي قدره (سنة) كاملة يقضيها (غانم) في بغداد يعمل
في التجارة قبل بدء الحوادث وطوله (8) أسطر (ص162).
ب-المقطع الثاني: ويبدأ من اليوم الأول للسنة الثانية من وجوده في
بغداد وينتهي. بهروبه ويساوي ((أربعة)) أشهر حيث تذكر الحكاية على لسان
إحدى الجاريتين اللتين وقفتا على رأس الخليفة أثناء نومه، أن ((قوت
القلوب)): ((لها عنده –أي عند غانم- أربعة أشهر)) ص175 أما طول هذا المقطع،
إذا استثنينا الأشعار المذكورة فيه، وحكايتي العبد الأول والعبد الثاني
لافتقاد العلاقة بالحدث الرئيسي والذي يمتد على طول ليلتين ((ل52، ل 53))
فإن طوله يساوي
((180)) سطراً.
ويتزامن داخل هذا المقطع حدث آخر، عندما ينتقل السرد من ((غانم))
إلى ما حدث لـ ((زبيدة)) بعد وضع ((قوت القلوب)) في الصندوق حيث يكون طول
هذا المقطع ((55)) سطراً.
جـ- المقطع الثالث، والذي يبدأ من الهجوم على بيت ((غانم)) وينتهي
بالتقاء ((غانم)) بـ ((قوت القلوب)) مرة ثانية والذي يمتد على مساحة
((35)) يوماً.
أما طوله فيساوي ((68)) سطراً وفي نفس الوقت فإنه يتزامن مع الأحداث
التي مرت بـ ((قوت القلوب)) مع الخليفة والتي طولها ((85)) سطراً.
د-المقطع الرابع: والذي يبدأ مع ذهاب ((قوت القلوب)) إلى الخليفة
حتى الزواج… وبطول ((28)) سطراً خلال ((13)) يوماً تقريباً.
إن أحداث الحكاية تمتد على مساحة طباعية مقدارها ((596)) سطراً، وفي
نفس الوقت، فإن الزمن الداخلي للأحداث يساوي ((548)) يوماً تقريباً، إذا
أغفلنا زمن الافتتاحية، وبدأنا من الوقت الذي يسافر فيه ((غانم)) إلى
بغداد. حيث تخبرنا الحكاية أنه قد أمضى سنة واحدة، ثم تبدأ الأحداث
الرئيسية للحكاية، وعندما نضيف لهذه السنة، زمناً آخر قدره ((4)) أشهر التي
ذكرتها إحدى الجارتين، والمساوية للفترة ما بين إرسال الصندوق إلى المقبرة
ومعرفة الخليفة بأمر ((قوت القلوب)) وهو نفس اليوم الذي خرج فيه ((جعفر
البرمكي)) لإلقاء القبض على ((غانم)) عندها يصبح المجموع ((16)) شهراً. أما
الفترة الممتدة ما بين اليوم الذي هرب فيه ((غانم)) حتى التقائه مرة أخرى
بـ ((قوت القلوب)) في بيت ((شيخ السوق)) فقد تباين القول فيها.
وكما أن تزامن الأحداث يتم بين ما جرى لـ ((غانم+ قوت القلوب)) مع
ما جرى لـ ((زبيدة + قوت+الخليفة)) ((انظر المخطط رقم –7-)) كذلك تزامن
الأحداث في هذا القسم بعد هروب ((غانم)).
حيث يمتد زمن الأحداث التي تروى عن ((غانم)) من بعد هروبه ووصوله
إلى بغداد مريضاً والتي تمتد على فترة زمنية قدرها ((شهر +3 أيام+ فترة غير
معلومة)) لكننا نجد أن الأحداث التي تروى عن ((قوت القلوب)) تستغرق ((80
يوماً+ 2 يوماً+ فترة أسبوع= 89 يوماً)).
ولو فرضنا أن ((الفترة غير المعلومة)) وهي الفترة التي قضاها
((الحمال)) في الطريق بين المدينة وبغداد عندما حمل ((غانماً)) أثناء مرضه
تستغرق يومين بالمقارنة مع نفس الفترة التي قضاها ((غانم)) عند هروبه من
بغداد إلى تلك المدينة والتي تنص الحكاية على أنه خرج من بغداد وبعد الصباح
((قبل الظهيرة)) ووصل إلى تلك المدينة في المساء أو بعده.. عندها يكون
القسم الأول من التزامن مساوياً لفترة زمنية قدرها ((13)) يوماً لهذا
فلأننا نرى أن السارد الشعبي قد غالى كثيراً عندما ذكر أن ((قوت القلوب))
قد قضت
((80)) يوماً داخل المكان المظلم ((ص178)) والصحيح يجب أن تكون
الفترة تلك ((26 يوماً)) فيكون زمن هذا القسم ((26+أسبوع+2 يوم= 35 يوماً))
والذي يعادل في نفس الوقت زمن القسم الآخر من التزامن.
ويبقى هنالك زمن ما تبقى من الحكاية، والذي يبدأ من اليوم الذي
تلتقي به ((قوت القلوب)) مع أم وأخت غانم حتى انتهاء الحكاية.
إن مكونات هذا الزمن هي:
أ-اليوم الذي تلتقي به ((قوت القلوب)) مع أم أخت غانم.
ب-اليوم الذي نتعرف به ((قوت القلوب)) بغانم.
ج-ثلاثة أيام يقضيانها سوية ((ص180)).
د-يوم واحد تنتقل فيه ((قوت القلوب)) بين الخليفة وغانم.
هـ-فترة غير معلومة لتهيئة القصر لـ ((غانم)) ومن ثم الزواج، والتي
يمكن تقديرها بأسبوع واحد عندها يكون المجموع ((13)) يوماً.
نستخلص مما سبق أن الزمن الداخلي لكل الحكاية يساوي ((548)) يوماً
موزعاً كما يأتي:
أ-سنة واحدة في بغداد. (360 يوماً)**
ب-أربعة أشهر ((من بداية الأحداث حتى الهروب)).
جـ-خمسة وثلاثون يوماً من الهروب حتى اللقاء بين ((غانم)) و ((قوت
القلوب)).
هـ- ثلاثة عشر يوماً من ذلك اللقاء حتى نهاية الأحداث.
ولما كان طول الحكاية ((طباعياً)) عدا الأشعار يساوي ((596))
سطراً.. عندها يكون الإيقاع الزمني الكلي. أي سرعته هي:
= 584×24ساعة / 596 سطراً= 22 ساعة/ سطر
هذا الإيقاع بطيء جداً، لكنه ليس الإيقاع الحقيقي للأحداث المكونة
للحكاية كلها إذ أن إيقاع كل مقطع من مقاطع الحكاية يختلف عن الثاني وذلك
حسب التصور الجمالي/ الفني للسارد عند نظرته لكل حدث من الأحداث:
أ-إن إيقاع المقطع الأول = 360×24ساعة/ 8سطر= 1080 ساعة/ سطر
وهذا يعني أنه إيقاع سريع جداً وذلك لأن السارد الشعبي لم يكن مهتما
بالأحداث التي مرت خلال هذه الفترة.
ب-إن إيقاع المقطع الثاني (الحدث الأول)= 4×30×24/ 180=16 ساعة/ سطر
إيقاع المقطع الثاني (الحدث الثاني)= 4×30×24/55= 52 ساعة/ سطر
ما الذي يتوضح لنا من خلال النتائج هذه لحدثين متزامنين؟ إن ما
نستخلصه من ذلك: أن إيقاع الزمن في الحدث الثاني هو أسرع منه في الحدث
الأول كون الحدث الثاني يحوي على زمن غير مرئي وهو الوقت الذي ظل فيه
الخليفة جالساً عند قبر ((قوت القلوب)) والذي يساوي شهراً إضافةً إلى الزمن
غير المعلوم الذي قضاه الخليفة خارج القصر حتى عودته، أي أن السارد قد عمد
على طوي الزمن والإسراع به كون الأحداث غير مهمة بقدر أهمية الأحداث
المتزامنة معها.
جـ-إيقاع المقطع الثالث (الحدث الأول)=35×24/ 68=12 ساعة/ سطر
إيقاع المقطع الثالث (الحدث الثاني)= 35× 24/ 84=10ساعة/ سطر
إن سرعة الحدث الأول جاءت بسبب أن الكثير من زمنه غير معلوم أو غير
محدد حيث يذكر السارد أن (غانماً) ظل في المدينة مدة شهر ((ولم يزل على هذه
الحالة شهراً)) ص 177 كذلك عدم محدودية الزمن الذي خرج به الحمال إلى بغداد
((لم يزل سائراً به حتى أنزله على باب المارستان)) ص177 فيما نجد أن الحدث
الثاني بطيء جداً كونه يحوي على مجموعة من الحوادث الدائرة بين الخليفة
وقوت القلوب ونحن نعلم أن زمن الحوار داخل ((المتن الحكائي)) مساوياً
للحوار في ((المبنى الحكائي)).
د-إيقاع الزمن في المقطع الرابع=13×24/28=11 ساعة/ سطر
وهكذا نستخلص مما سبق أن إيقاع الزمن في هذه الحكاية شأنها شأن
الحكايات الأخرى في الليالي متذبذباً، وهذا التذبذب يعود إلى كون الأدب
الشفاهي يطوي الزمن في بعض الأحيان فيما يمدده في أحيان كثيرة، وذلك حسب
أهمية ما يريد ذكره من الأحداث أولاً، وثانياً أن حكايات الليالي والقصص
الشعبية بصورة عامة تمتد على فترة زمنية طويلة لا يتحملها السرد مما يجعل
السارد يعبر فترات زمنية ((شهور، وسنيناً)) بصورة سريعة.
***
7-الوقفة
الوقفة هي ((التوقف الحاصل من جراء المرور من سرد الأحداث إلى
الوصف))15- في الوقفة، نجد أن مساحة النص غير محددة، فيما سرعة الحدث تكون
مساوية للصفر ((مساحة النص=سرعة الحدث= صفر)) كما نرى أن زمن النص غير
محدد، أي الوقت الذي يستغرقه في قراءة النص، فيما زمن الحكاية، يكون
مساوياً للصفر ((ز. ن=س، ز. ح=صفر))
وللوصف دور كبير في فنية الحكاية خاصة عندما تنتقل الأحداث من كونها
((متن حكائي)) إلى كونها ((مبنى حكائي)) عندها يصبح الوصف مقطعاً مستقلاً
بذاته، وليس لـه علاقة بزمن النص، إذ يقف زمن السرد مؤقتا، والوصف نوعان:
وصف ذاتي، ووصف خارجي.
وحكايتنا هذه، لا تستخدم سوى نوع واحد هو الوصف الذاتي، وفي مكان
واحد، وهذا لا يعني خلو حكايات الليالي الأخرى من كلا النوعين..
(إن غانماً بن أيوب وصل إلى داره بالصندوق وفتحه وأخرج الصبية منه
فنظرت، فرأت هذا المكان محلاً مليحاً مفروشاً بالبسط الملونة والألوان
المفرحة وغير ذلك، ورأت قماشاً مخروطاً وأحمالاً وغير ذلك فعلمت أنه تاجر
كبير صاحب أموال، ثم إنها كشفت وجهها ونظرت إليه فإذا هو شاب مليح، فلما
رأته أحبته)) ص170.
***
8-المجمل
أو ما يسمى بالملخص16- حيث تكون فيه مساحة النص أو زمنه أصغر من
سرعة الحدث أو زمن ((المتن)) ((زن> زح)) أو ((مساحة النص < سرعة الحدث))
وهو ((سرد أيام عديدة أو شهور أو سنوات من حياة شخصية بدون تفصيل للأفعال
أو الأقوال وذلك في بضعة أسطر أو فقرات قليلة))17- حيث يتم المرور السريع
على فترات زمنية لا يرى المؤلف إنها جديرة باهتمام القارئ))18-.
وحكايات الليالي يكثر فيها المجمل أو التلخيص وفي حكايتنا نرى أن
السارد الشعبي استخدم المجمل في أكثر من موضوع.
وكمثال على ذلك ما يرويه العبدان لبعضهما عن حياتهما منذ النشأة
الأولى حتى مجيئهما إلى المقبرة، علماً أن الحكايات التي يرويها كل عبد
منهما، تحتوي على مجموعة من الثغرات مما ساعد النص على أن يكون مجملاً
لحكاية طويلة لم يود السارد إيرادها كلها وإنما جاء بما يفيد النص من
الأحداث.
وكذلك فإن ما أوردته ((قوت القلوب)) لـ ((غانم)) عن علاقتها
بالخليفة هارون الرشيد وكيف بدأت حتى حملها العبيد إلى المقبرة داخل
الصندوق، أي أن الفترة الزمنية التي تحدثت عنها أمام ((غانم)) تمتد على
مساحة كبيرة ولفترة زمنية أطول مما روته أمامه تقدر بـ ((أحد عشر)) سطراً.
وعندما تلتقي ((قوت القلوب)) بـ ((غانم)) مرة أخرى بعد الهروب، تروي
له ما حدث لها منذ اللحظة التي هرب فيها وعادت هي إلى الخليفة حتى التقائها
به مرة أخرى وتعادل ثلاثة أسطر (ص180) مع العلم أن السامع يعرف جيداً ما
جرى لها ((ص178)) كما هو الحال مع غانم في نهاية الحكاية عندما تقدم من
الخليفة و ((حدث الخليفة بما جرى له من المبتدأ إلى المنتهى)) ص 182 وما
((من المبتدأ إلى المنتهى)) إلا الحكاية التي بين أيدينا نفسها.
***
9-الإضمار
وهو ((الجزء المسقط من الحكاية أي المقطع المسقط في النص من زمن
الحكاية19- ويسمى كذلك ((الثغرة))20- وهي ((تمثل المقاطع الزمنية في النص
التي يعالجها الكاتب معالجة نصية)).
في الإضمار يكون ((زن=صفر، زح=س)) فيما تكون (مساحة النص=صفر، وسرعة
الحدث =ما لانهاية)).
إن ((الزمن المسقط)) هذا، إما أن ينص عليه السارد فيسمى ((الثغرة
المذكورة)) 21- وذلك بذكر طول الفترة الزمنية المسقطة ((بالأيام، الأسابيع،
الأشهر، السنين)) أو لا يذكره ويسمى بـ ((الثغرة الضمنية)) 22- فتبقى مبهمة
على السامع أو القارئ، ويمكن استنتاجها من سياق النص ذاته. ومن الأمور
اللافتة للنظر في حكايات الليالي والقصص الشعبية بصورة عامة هو استخدام
الثغرة بنوعيها ((المميزة المذكورة)) و ((الضمنية)) ذلك لأن السارد الشعبي
يروي أحداثاً تمتد على فترات زمنية طويلة في زمن قصير، أو يدونها على مساحة
صغيرة.
وفي حكايتنا يكثر وجود الثغرات بنوعيها:
أ-نماذج للثغرة المميزة المذكورة:
أولاً: في حكاية العبد الأول الذي يغتصب بنت سيده، يقول عندما علمت
أمها بالأمر ((أخفت حالها عن أبيها وكتمت وصبرت عليها مدة شهرين)) ص165
ثانياً: عندما يعود الخليفة من السفر، يمكث قرب القبر المموه لـ
((قوت القلوب)) ((ولم يزل قاعداً على قبرها شهراً كاملاً)) ص 175
ثالثاً: عندما يحاول والي دمشق إلقاء القبض على ((غانم)) في بيته
تخبره أم غانم أن غانماً ابنها ((من مدة سنة ما وقعنا له على خبر)) ص 176
إن هذه الثغرات أو الإضمارات بالزمن، والمعروفة قيمتها، تبقى مبهمة
أيضاً على السامع أو القارئ ذلك لأن مصطلح ((مدة)) هو الآخر تعبير عن فترة
زمنية غير معروفة لهذا فإن الـ ((سنة)) عند ارتباطها ((بالمدة)) سوف لا
تعادل سنة كاملة لكنها ربما تكون أقل منها أو أكثر وهذا ما يؤكده الزمن
أثناء السرد حيث لو طبقنا مخطط الزمن العام للحكاية ((الشكل –7-)) مع هذه
الفترة ((مدة سنة)) لوجدنا أن الفترة الزمنية التي مضت على ((غانم)) من
لحظة خروجه من المدينة حتى لحظة الهجوم على بيت والدته، وهي أكثر من سنة.
رابعاً: ((وأقامت عندهم ثلاثة أيام..)) ص180
خامساً: ((ثم جلست عند رأسه ساعة وركبت وطلعت)) ص179.
سادساً: ((فجلست تحادثهم ساعة ثم سألت)).
في المثالين الخامس والسادس. ورغم تحديد الفترة الزمنية، بـ
((ساعة)) إلا أن مثل هذا التحديد يكتنفه الغموض أيضاً حيث أن الدلالة
الزمنية لـ ((الساعة)) غائبة، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما يعنيه مصطلح
((ساعة)) زمنياً في التفكير الشعبي لأن ((الساعة)) هي ليست ساعة حقيقية،
وإنما هي ساعة نفسية، إحساس بزمن غير محدد.
ب-نماذج للثغرة الضمنية:
إذا كان السارد الشعبي في النوع الأول نص بصراحة على طول الفترة
الزمنية للثغرة ((الإضمار)) فإن هذا النوع يجعلها غامضة الدلالة دون تحديد
لها، لأنه لا يعرف بالضبط مقدارها. وكذلك فإن استخدام السارد لمصطلحات تدل
على تحديد ما للزمن لم يكن سوى مدارات لجهله التام أمام السامع والقارئ
بطول الفترة، لهذا فهو كثيراً ما يعمد إلى القول: ((ولم يزل…)).
وكأمثلة لذلك:
أولاً: يقول السارد عن والد غانم ((فلما توفاه الله تعالى ومضت مدة
أخذ ولده…)) ص162.
ثانياً: ((ثم أكلا وشربا إلى أن أقبل الليل وقد أحب بعضهما
بعضاً))ص170
ثالثاً: ((ولم يزالا في عشقهما ومنادمتهما (…) إلى أن دخل الليل
بالظلام)) ص171
رابعاً: (( وسار ولم يزل سائراً إلى آخر النهار… حتى وصل إلى بلدٍ
آخر)) ص177
خامساً: ((وجلسوا يأكلون ويشربون ويتنادمون إلى وقت الظهر)) ص166
سادساً: ((فلما خلا لغانم المكان وعلم أنه اشتعل سره بما في الصندوق
وقال في نفسه يا ترى أي شيء في الصندوق؟ ثم صبر حتى برق الفجر ولاح وبان
ضياؤه)) ص169
سابعاً: ((ولم يزل مقيماً هناك إلى الصباح)) ص 177
ثامناً: ((فلما كان ثاني يوم)) ص 177
تاسعاً: ((فمكث غانم راقداً هناك إلى الصباح)) ص177
عاشراً: ((ولم يزل الناس يتفرجون عليه حتى جاء شيخ السوق)) ص177
أحد عشر: ((وخرج متوكلاً على الله تعالى وكتب له السلامة حتى وصل
بغداد)) ص 162
في الأمثلة السابقة لا نرى أي تحديد مضبوط للزمن وإنما هناك تحديد
مبهم له.. يستخدم فيه السارد مرتكزات زمنية غائمة الحدود مثل ((وقت الظهر))
((آخر النهار)) ((الصباح)) مجيء ((شيخ السوق)) مثل هذه المرتكزات الزمنية
لا تساعد السامع أو القارئ على التحديد الدقيق للزمن، ولكنها تساعد في
تحديد الزمن تحديداً عاماً.
وأخيراً لنتساءل ما الذي يفيدنا من معرفة هذا النوع من الثغرات أو
الزمن المغيب من النص؟
إن ما يفيد دراستنا من ذلك هو أن السارد الشعبي، وهو يتعامل مع
الزمن تعاملاً فنياً جمالياً لا يمكنه أن يقدم كل مجريات الأحداث مرة واحدة
في نص حكائي قصير خاصة وأنه يقدم أحداثاً على مساحة واسعة من الزمن لهذا
فهو يعمد إلى إسقاط الكثير من المساحات الزمنية وكذلك القفز إلى الأمام
زمنياً لإيصال الحدث المعني بإيصاله تاركاً ما لا يفيد النص من أحداث، مثل
هذا الإجراء له مبرراته الفنية السردية الجمالية.
***
10- المشهد
حكايات الليالي، حالها حال السرديات الأخرى –القديمة منها أو
الحديثة- يقوم بناؤها السردي على تقسيم داخلي بين، خاصة بما يتعلق بالزمن،
أي تتداخل فيها مجموعة من ((المشاهد)) ذات المساحة النصية الطويلة المعادلة
للزمن الداخلي.. والتي هي بالعكس من ((التلخيصات)).
والمشهد هو وحدة سردية رئيسية مهمة في السرد الحكائي، يقول ((لوبوك))
((يعطي المشهد للقارئ إحساساً بالمشاركة الحارة في الفعل إذ أنه يسمع عنه
معاصراً وقوعه كما يقع بالضبط وفي نفس لحظة وقوعه، لا يفصل بين الفعل
وسماعه، سوى البرهة التي يستغرقها صوت الراوي في قوله لذلك يستخدم المشهد
للحظات المشحونة.. ويقدم الراوي دائماً ذروة سياق من الأفعال وتأزمها في
مشهد)) 23-.
إن الأحداث والوقائع الهامة، يصاحبها ((تضخم نصي فيقترب حجم النص
القصصي من زمن الحكاية ويطابقه تماماً في بعض الأحيان فيقع استعمال الحوار
وإيراد جزئيات الحركة والخطاب))24-.
وإذ ينطبق هذا القول على السرديات الحديثة، فإنه ينطبق –أيضاً- على
السرديات الشفاهية، والشفاهية المدونة مثل حكايات الليالي، إذ يقترب حجم
الحكاية (المبنى الحكائي) من حجم (القصة) (المتن الحكائي) في المشاهد خاصة.
نصنا هذا يزخر بالكثير من المشاهد التي يكون فيها (ز. ن. = ز ح)
منها المشاهد التي يتتبع فيها السارد شخصيته تتبعاً يصل حد الملل، ومنها
المشاهد التي تكونها الحوارات التي ترد على ألسنة الشخوص فيما بينها.
ومن المشاهد التي تبنى من خلال الحوارات يمكن التعرف عليها في:
أ-حوار العبيد الثلاثة (ص163).
ب-الحوار الدائر بين العبد الثاني وسيده حول الفجيعة ص 167.
ج-الحوار الدائر بين سيد العبد الثاني وزوجته حول الفجيعة ص 167.
د-الحوار الدائر بين الخليفة و (قوت القلوب) بعد سجنها ص 178.
ويمكن ترتيب الحوار الأخير كما يلي:
((أرسل الخادم لها، فلما حضرت بين يديه أطرقت وهي باكية العين حزينة
القلب، فقال: يا قوت القلوب، أراك تتظلمين مني وتنسبينني إلى الظلم وتزعمين
أني أسأت إلى من أحسن إليّ فمن هو الذي حفظ حرمتي وانتهكت حرمته وستر حريمي
وسيبت حريمه؟
فقالت له: غانم بن أيوب، فإنه لم يقربني بفاحشة وحق نعمتك يا أمير
المؤمنين.
فقال الخليفة: -لا حول ولا قوة إلا بالله يا قوت القلوب تمني عليّ
فأنا أبلغك مرادك.
قالت: تمنيت عليك محبوبي غانم بن أيوب.
فلما سمع كلامها قال: -سوف أحضره إن شاء الله مكرماً.
فقالت: يا أمير المؤمنين إن أحضرته تهبني له؟
فقال: إن أحضرته وهبتك له هبة كريم لا يرجع عن عطائه.
فقالت: يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أدور عليه لعل الله يجمعني به.
فقال لها: افعلي ما بدا لك.
ففرحت وخرجت…)) ص 178
نرى أن الزمن الذي استغرقه الحوار كما هو في الواقع في (المتن
الحكائي) يساوي الزمن الذي يمكن أن يستغرقه السارد في سرده له (المبنى
الحكائي).
أما النوع الثاني من أنواع المشهد والذي يتتبع فيه السارد حدثاً ما،
أو شخصية من شخوص حكايته، فكثيرة في النص، ويمكن إيراد أمثلة منها:
أ-المشهد الذي يتبع السارد فيه (غانماً) من خروجه من المأتم حتى
وصوله المقبرة ومجيء العبيد وسرد حكايتهم (ص163-164).
ب-المشهد الذي يأتي ضمن حكاية العبد الثاني حول ما فعله بسيده بعد
أن كذب عليه وعلى عائلته والذي يتتبع فيه السارد ما يفعله هذا العبد من
أفعال من لحظة إرساله من قبل سيده إلى بيته حتى انكشاف كذبته (ص166-168).
ج- المشهد الذي يبدأ من دفن الصندوق من قبل العبيد الثلاثة وينتهي
بما يحكيه غانم (ثم حكى لها جميع ما جرى…) (ص169-170).
وهناك مشاهد كثيرة أخرى يمكن للقارئ والدارس الوقوف عندها. إن
المشهد، يبدأ وينتهي بتلخيص، إذ ينتقل السارد من العام إلى الخاص..
وإن واجب التلخيص هو تقديم مواقف عامة، فلو نظرنا إلى المشهد السابق
لوجدناه يبدأ بعد خروج العبيد: (وغابوا عن عين غانم بن أيوب فلما خلا لغانم
المكان وعلم أنه اشتغل سره بما في الصندوق وقال في نفسه: يا ترى أي شيء في
الصندوق؟ ثم صبر حتى برق الفجر ولاح وبان ضياؤه فنزل من فوق النخلة وأزال
التراب..) ص 169.
وينتهي بالتلخيص التالي: (ثم حكى لها ما جرى وكيف أمسى عليه المساء
حتى كان سبب سلامتها وإلا كانت ماتت بغصتها، ثم سألها…) ص170.
المصادر
1-ألف ليلة وليلة –منشورات دار التوفيق/ 1980-بيروت/ المجلد
الأول.
2-مدخل إلى نظرية القصة-سمير المرزوقي وجميل شاكر- دار
الشؤون الثقافية العامة-1986 بغداد.
3-بناء الرواية- د. سيزا أحمد قاسم- الهيئة المصرية العامة
للكتاب- 1984.
4-الصوت الآخر- فاضل ثامر- دار الشؤون الثقافية العامة-
1992.
*تُلي هذا البحث في الأمسية التي أقامها اتحاد أدباء بابل
مساء يوم 21/10/1993.
الهوامش
1-سأستخدم في هذه الدراسة مصطلحي (المتن) و (المبنى)
واللذين يشابهان مصطلحات (القصة) (الخطاب) (القصة) (الحبكة) انظر فاضل ثامر
ص 152.
2-سيزا- ص26.
3-انظر دراستنا السابقة (الهيكل التنظيمي لحكايات الليالي)
ص3.
4-ألف ليلة وليلة- ص 162.
5-انظر على سبيل المثال نهاية الليالي:
(5)(8)(10)(11)(12)(13)(14)(15)(16)(17)
(21)(22)(23)(27)(28)(29)(30)(31)(32)(33)… الخ.
6-انظر سيزا-ص52.
7-المصدر السابق-ص55
8-المصدر السابق – ص41
9-سمير المرزوقي- ص 76
10-المصدر السابق- ص76
11-سيزا-ص40
12-أو يدعى بلغة النقد الحديث (فلاش باك).
13-سمير المرزوقي- ص76
14-سيزا- ص52
15-سمير المرزوقي-ص86
16-سيزا-ص54
17-سمير المرزوقي- ص 85
18-سيزا-ص 56
19-سمير المرزوقي-ص89
20-سيزا-ص64
21،22-سيزا-ص64.
23-سيزا-ص65
24-المرزوقي-ص89.
**على اعتبار أن الشهر العربي يساوي 30يوماً
القسم الأول
عقدة جودر والتحرر من سيطرة الأم
دراسة تحليلية في أسطورة الصياد ((جودر))*
لم يكن كتاب ((ألف ليلة وليلة)) في يوم ما كتاب تسلية فحسب بل كان
ولم يزل سفراً كبيراً وعظيماً زخراً بالكنوز الأدبية والفكرية والسياسية
والاجتماعية التي لم تصور الإنسان العربي في زمن معين فحسب، بل إنه رسم
النفسية العربية والشخصية العربية بكل خلجاتها النفسية وتطلعاتها الإنسانية
بما احتواه هذا السفر الكبير من حكايات وأساطير.. وقد كان هذا البحث رحلة
استكشافية في واحدة من أساطير هذا السفر… هي أسطورة الصياد ((جودر)) التي
أسست لواحدة من العقد النفسية التي يحتاجها التحليل النفسي على صعيدي الطب
النفسي، والتحليل النفسي الأدبي… والسطور القادمة في هذا البحث ستجلي لنا
كل معميات هذه الأسطورة.
***
1-أسطورة جودر: (النص)
يقول التاجر المغربي لـ ((جودر)):
((اعلم أنني متى عزمت ألقيت البخور نشف الماء من النهر وبان لك باب
من الذهب قدر باب المدينة بحلقتين من المعدن فانزل إلى الباب واطرقه فإنك
تسمع قائلاً يقول: من يطرق باب الكنوز وهو لم يعرف أن يحل الرموز؟ فقل أنا
جودر الصياد ابن عمر فيفتح لك الباب ويخرج لك شخص بيده سيف ويقول لك: إن
كنت ذلك الرجل فمد عنقك حتى ارمي رأسك، فمد له عنقك ولا تخف فإنه متى رفع
يده بالسيف وضربك وقع بين يديك وبعد مدة تراه شخصاً من غير روح وأنت لا
تتألم من الضربة ولا يجري عليك شيء. وأما إذا خالفته فإنه يقتلك. ثم إنك
إذا أبطلت رصده بالامتثال. فادخل حتى ترى باباً آخر فاطرقه يخرج لك فارس
راكب فرس وعلى كتفه رمح فيقول: أي شيء أوصلك إلى هذا المكان الذي لا يدخله
أحد من الأنس ولا من الجان؟ ويهز عليك الرمح، فافتح له صدرك فيضربك ويقع في
الحال فتراه جسماً من غير روح وإن خالفت قتلك، ثم ادخل الباب الثالث يخرج
لك آدمي وفي يده قوس ونشاب ويرميك بالقوس فافتح له صدرك ليضربك ويقع قدامك
جسماً من غير روح وإن خالفت قتلك ثم ادخل الباب الرابع واطرقه يفتح لك،
ويخرج لك سبع عظيم الخلقة ويهجم عليك ويفتح فمه ويريك أنه يقصد أكلك فلا
تخف ولا تهرب منه، فإن وصل إليك فأعطه يدك فمتى عض يدك فإنه يقع في الحال
ولا يصيبك شيء ثم اطرق الباب الخامس يخرج لك عبد أسود ويقول لك من أنت قل
له أنا جودر فيقول لك إن كنت ذلك الرجل فافتح الباب السادس، فتقدم إلى
الباب وقل له: يا عيسى قل لموسى يفتح الباب، فادخل تجد ثعبانين أحدهما على
الشمال والآخر على اليمين، وكل واحد يفتح فاه ويهجمان عليك في الحال، فمد
إليهما يديك فيعض كل واحد منهما في يد وإن خالفت قتلاك ثم ادخل الباب
السابع واطرقه تخرج لك أمك وتقول لك مرحباً يا ابني أقدم حتى أسلم عليك فقل
لها خليك بعيدة، اخلعي ثيابك. فتقول يا ابني أنا أمك ولي عليك حق الرضاعة
والتربية، كيف تعريني؟ فقل لها إن لم تخلعي ثيابك قتلتك. وانظر جهة يمينك
تجد سيفاً معلقاً، فخذه واسحبه عليها وقل لها اخلعي فتصير تخادعك وتتواضع
إليك فلا تشفق عليها حتى تخلع لك ما عليها وتسقط، وحينئذ تكون قد حللت
الرمز وأبطلت الأرصاد، وقد أمنت على نفسك، فأدخل تجد الذهب…))1-.
انتهى هذا القسم من أسطورة ((جودر الصياد ابن عمر وأخويه)) ويعتبر
هذا القسم هو النواة التي دارت حولها الأسطورة، حيث وضعه مُنْشِئُها في
الوسط بعد أن تحدث عن جودر وأمه وأخوته في البداية… أما القسم الثالث
والأخير من هذه الأسطورة، فقد تحدث عن (جودر) بعد أن يغتني بالمال. إن هذا
القسم المهم سيكون ميدان بحثنا هنا.
***
3-تفكيك النص
2-1/ عوالم النص
من خلال قراءة هذا القسم من النص الأصلي، يمكن التعرف إلى عالمين،
أحدهما العالم الأرضي، والآخر العالم السفلي (العالم المجهول) الذي يقع تحت
قاع النهر، ويبدأ من الباب الأول وينتهي عند مكان الكنز، ماراً بالأبواب
الأخرى.
إن الانتقال من العالم الأرضي إلى العالم السفلي ((الآخر=المجهول=
الحلم)) لا يتم إلا بعد جفاف النهر، أي إزالة طبقة مادية –رغم شفافيتها-
وهذا يعني بالمفهوم الشعبي/ الأسطوري، إن الانتقال هذا يتم بكل يسر وسهولة
لما في ذلك التفكير من اعتقاد سائد بحقيقة وجود هذا العالم، وكذلك عدم
مجهوليته. إن العالم المجهول، كما تؤكد الدكتورة نبيلة إبراهيم2- (لا يبتعد
كثيراً عن العالم المعلوم في الحكاية الخرافية، بل هو قريب منه كل القرب،
فإذا رحل البطل إليه فإنما انتقل من مكان لآخر، لا لأن هذا المكان المجهول
قريب منه، وأنه يستطيع أن ينتقل إليه في خفة ورشاقة فحسب، بل لأن هذا
العالم ليس مجهولاً بالنسبة له).
2-2/الشخوص:
هناك نوعان من الشخوص في هذا النص نوع يعيش في العالم الأرضي
(المعلوم)، وهم من لحم ودم: ((التاجر، الخدم، جودر، وآخرون)) أما النوع
الثاني، فهم يعيشون في العالم السفلي ((المجهول)) حيث نجدهم عبارة عن أشباح
رغم صورتهم الإنسانية أو الحيوانية. إنهم يتهاوون الواحد بعد الآخر عند
امتثال ((جودر)) لأوامرهم، ويختفون عن الوجود، انهم: ((أجسام بلا أرواح)).
هذه الشخصيات هي:
*الشخصية الأولى: -شخص بيده سيف=((إنسان)).
*الشخصية الثانية: فارس يمتطي صهوة جواد وعلى كتفه رمح= (إنسان+
حيوان).
*الشخصية الثالثة: آدمي وفي يده قوس ونشاب= (إنسان).
*الشخصية الرابعة: (سبع) عظيم الخلقة= (حيوان).
*الشخصية الخامسة: عبد أسود= (إنسان).
*الشخصية السادسة: ثعبانان= (حيوان).
*الشخصية السابعة: الأم= (إنسان).
إن شخوص العالم السفلي، تتخذ لها صوراً إنسانية أو حيوانية، ولا فرق
بين الصورتين، طالما كل واحد منها يحاول منع (قتل) جودر. أي إنها تحاول
التأثير عليه ومنعه من الوصول إلى الكنز، لا لكي تحافظ على ذلك الكنز منه
وإنما لتختبره. ومن الجدير بالذكر أن (العبد الأسود) لم تكن مهمته منع
(قتل) جودر وإنما كان دوره في ذلك استفزازياً، توجيهياً. فهو يسأل (جودر)
قائلاً: ((إن كنت ذلك الرجل فافتح الباب السادس)).
كذلك فإن الشخصية، وعلى خلاف وظيفتها في أغلب الأساطير والحكايات
والقصص الشعبي نجدها هنا تقف خلف الباب لا أمامه. أي إنها لم تكن شخصيات
((حارسة)) وإنما هي شخصيات ((ممتحنة)) إنها تمتحن قدرة ((جودر)) من خلال
توجيه الأوامر =الأسئلة له.
من المعروف أن شخصيات العالم السفلي= المجهول، هي شخصيات قابلة
للتحول من صورة إلى أخرى. لهذا يمكن قبول صورها السبع المتنوعة في هذا النص
((خمسة شخوص إنسانية واثنتان حيوانية)). أرى أن القاص الشعبي لهذا النص قد
قام بعملية استبدال لهاتين الشخصيتين فجعلهما في صورة حيوانية ((رغم كون
جميع الشخصيات عبارة عن أشباح)) لإعطاء بعض الفاعلية التهويلية// التشويقية
لنصه هذا. لكن تشخيصات (تفسير الأحلام) تسعفنا برد مثل هذه الصورة
الحيوانية إلى صورتها الإنسانية. ذلك لأن التفكير الشعبي يجعل من عوالم
الأحلام امتداداً للعوالم الواقعية، حيث يفسرها، فيتداخل عالم الحلم بعالم
الواقع. في كتاب تعبير الرؤيا لابن سيرين، نجد أن هذا العالم يفسر رؤية
الأسد ((السبع)) على أنه: عدو مسلط ذو سلطان وبأس شديد (ص44) فيما يفسر
رؤية الثعبان (الحية)) على أنه: عدو كاتم العداوة مبالغ فيه (ص45). وهكذا
تستقيم الصورة الإنسانية لشخوص العالم السفلي في هذا النص.
2-3 مشهد العالم السفلي:
يبني واضع الأسطورة، المشهد في العالم السفلي على أساس التكرار، أي
تكرار الفعل سبع مرات. أي أنه يقسم المشهد العام إلى سبع مشاهد صغيرة يفصل
فيما بينها باب يقف خلفه كائن ما. إن تكرار المشهد سبع مرات متأت من أن
التفكير الشعبي مولع بالرقم سبعة، لمرجعية أسطورية// دينية. فطبقات السماء
سبع، والأرض تقع في سبع طبقات، والأيام في الأسبوع هي الأخرى سبعة.. الخ3-
وبتقسيم هذه المشاهد يتكون لدينا الجدول التالي:
سلاح الشخصية الشخصية مكان الشخصية رقم الباب
تسلسل المشهد
سيف إنسان خلف الباب 1 الأول
رمح إنسان+حيوان خلف الباب 2 الثاني
قوس+نشاب إنسان خلف الباب 3 الثالث
لا يوجد حيوان خلف الباب 4 الرابع
سؤال استفزازي إنسان خلف الباب 5 الخامس
لا يوجد حيوان خلف الباب 6 السادس
لا يوجد إنسان خلف الباب 7 السابع
ومن الملاحظ أن أغلب الشخصيات التي تقابل ((جودر)) في محاولاتها
لمنعه// قتله تحمل سلاحها الخاص.. عدا ((السبع)) و ((الثعبان)) فإن سلاحهما
هو ((الأكل، العض)) أما الأم فقد استبدلت الأسطورة مالك السلاح، وجعلت
ملكيته عند ((جودر)) ليهدد به أمه… بالعكس من الشخصيات الست السابقة التي
كانت هي مالكة لسلاحها. بعد هذه القراءة ((التفكيكية)) إن صحت التسمية،
لمغامرة ((جودر)) في العالم السفلي يمكننا الاقتراب إلى ما تشكله عقدة
الأم، أو عقدة ((جودر)) في هذه الأسطورة.
***
3-أسطورة ((جودر)) ودلالاتها النفسية والاجتماعية:
3-1/ تحاول أسطورة ((جودر)) أن تعطي دلالاتها النفسية والاجتماعية
من خلال قراءة العلاقة المهيمنة التي تربط بين ((جودر)) وأمه. واستنطاق
محاولة الخروج من هذه العلاقة للوصول إلى أو ((الدخول في)) مرحلة الرجولة
بعد قتل شبح// وهم الأم في العالم السفلي (عالم اللاشعور) ذلك لأن الطفل
وحتى سن متقدم يظل واقعاً تحت هذه الهيمنة، وربما يبقى هذا المهيمن متسلطاً
لا شعورياً على الابن بعد الزواج.. وإن التحرر من دائرته يتطلب استعداداً
خاصاً، وعملاً شجاعاً. إن ما قام به (جودر) من فعل تجاه الأم ((شبحها)) بعد
تعريته لذلك الشبح بعد الباب السابع، هو الطريق للفوز بالكنز ((=الحياة=
الرجولة=الاستقلال)). لأن القضاء على شبح// وهم الأم داخل النفس البشرية
معناه ((نضج الشخصية السيكولوجية للفرد. فعلى المرء أن يقتل داخلها الصورة
الذهنية المزيفة ليجد الأمان، لأن ذكريات الطفولة والتردد والحيرة عوامل
تعرقل سعادة الإنسان، والتزام الأم بمنعه من التحليق عالياً بجناحيه))4- إن
قتل شبح// وهم الأم، معناه قتل ((المهيمن)) الكبير على الابن//الرجل. وأن
التحرر من هيمنة هذا الشبح// الوهم، أمنية يتمنى تحقيقها شخصان آخران
تربطهما علاقة وثيقة بالابن هما:
3-1-آ/ شخصية المرأة/ الزوجة… حيث إنها تتمنى أن يتحرر زوجها من
هيمنة إرادة الأم على إرادته.. إذا علمنا أن راوي هذه الأسطورة هي المرأة//
الزوجة شهر زاد وهي عندما تروي هذه الأسطورة، فإنها تحاول وضع الأماني موضع
التنفيذ، تنزلها إلى أرض الواقع، أي أن يتحرر الابن// الرجل// الزوج من
هيمنة// سلطة الأم ليتجه إلى هيمنة// سلطة- أو على أقل تقدير إلى كنف
الزوجة لكن المرأة// الزوجة، نسيت إنها ستصبح في يوم ما أماً، مما يجعلها
وهي تبحث عن زوجة لابنها القادم تقف وجهاً لوجه أمام امرأة أخرى تحمل نفس
الأمنية تلك في قتل ذلك الوهم// الشبح الذي ستكونه.
3-1-ب/ شخصية الأب.. الذي هو الآخر، يحمل نفس الأمنية في أن يقتل
الابن شبح// وهم الأم في نفسه. إنه يرغب في أن يجد ابنه رجلاً كامل
الرجولة، متحرراً من هيمنة// سلطة الأم ودلالها ((الزائد)) وأيضاً يرغب في
قرارة نفسه ألا يساعد أمه عليه في أي أمر يقع بينه وبين الأم. إن دور
الرجل// الأب، في العائلة هو دور تسلطي على الأم والأبناء في الوقت نفسه
خاصة في مجتمعاتنا الشرقية منذ مئات السنين لأن مجتمعاتنا هي مجتمعات
أبوية، وأن المرأة// الزوجة فيها مسلوبة الإرادة ومغلوب على أمرها، هي أداة
للمتعة والإنجاب إنها كائن بيتي يعيش في الظلام مما يدفعها إلى احتضان
أبنائها الذكور منهم خاصة أنهم يشكلون عندها الجدار الصلب في حمايتها من
نزوات الرجل// الزوج المشروعة وغير المشروعة، إن كان ذلك في تركها، أو
هجرانها أو طلاقها… (فمنذ وقت سحيق وحدت الأم وأطفالها الجهود ربما دون وعي
وبشكل مبهم للالتفاف حول سلطة الأب الغاشمة بحثاً عن التعويض فإلى جانب ما
يمثله الأطفال من تأمين للاستقرار وللمستقبل، فهم أيضاً بمثابة قرون
للاستشعار بالنسبة للأم، والحياة اليومية غنية بأمثلة المشاركة بين الأم
وأطفالها في تنفيذ مؤامراتهم الصغيرة.. والطفل يعي جيداً أهمية الخدمات
التي يؤديها إلى أمه وعادة ما يكون بارعاً في أدائها.. فهو يعلم مقدماً قدر
العرفان الذي سيلاقيه.. ولكن يظل أبرز ما في الأمر هو شعوره العميق
بالالتفاف من حول سلطة الأب، والثأر منه من خلال تلك المؤامرات الصغيرة
الآمنة نسبياً) 5-.
من هذا نستنتج أن للرجل// الأب دوراً في وضع هذه الأسطورة ضد
المرأة// الأم كي يدفع أبناءه للتحرر من هيمنة إرادة الأم وتسلطها، أي
انفراط علاقة الأم- الابن لتعاد الهيبة إلى علاقة الأب- الابن.. عند ذلك
يعيدهم إلى سلطته بعد سحب البساط من تحت أقدام المرأة// الأم. وبهذا تتجرد
المرأة من سلاح قوي تهدد به الرجل// الزوج// الأب.. وهكذا تقف المرأة//
الزوج في صف واحد مع الرجل// الأب في خلق هذه الأسطورة، لأن هدفهما واحد
وكل واحد منهما يدفع بـ ((جودر)) إلى أن يطلب من أمه أن تتعرى أمامه أي
يكسر الحاجز النفسي الذي يقف أمام الابن في محاولته الخروج من سيطرة الأم..
وعندما تتوسل إليه في أن يتركها بعد أن لم يبق على جسدها سوى ما يستر
عورتها أمامه، يذعن لتوسلاتها ناسياً نصيحة المغربي، عندها تصيح قائلة: (قد
غلط) وتطلب من الآخرين ضربه وطرده خارج الأبواب. لنتساءل هل هذه الصيحة، هي
صيحة الأم أم إنها صيحة المرأة// الزوجة، وكذلك صيحة الرجل// الأب؟
أرى إنها ليست للأم لأنه مهما يكن من حال الابن، فإن الأم لا تقبل
بانفصال ولدها عنها. إنها صيحة المرأة// الزوجة التي وجدت في وقوع زوجها في
الخطأ حالة تتطلب العقاب.. وكذلك هي صيحة الرجل// الأب لنفس الأسباب.. فكان
الضرب والطرد من مكان الكنز، ومن ثم إعادة المحاولة مرة ثانية في العام
القادم. وربما يسأل سائل إن كان الكنز الذي يحصل عليه (جودر) هو للتاجر
المغربي. وهذا صحيح لكن الوصول إليه ومن ثم إخراجه من تحت قاع النهر، كل
ذلك بحد ذاته مغامرة تدفع بالتاجر إلى مكافأتِهِ بالكثير.. إن وصول (جودر)
إلى الكنز ومن ثم إخراجه لـه دلالاته النفسية// الاجتماعية. لما فيه من
دلالة رامزة إلى الرجولة.
3-2/ إذا كان (جودر) قبل أن يتعرف على المغربي قد عاش مع أمه التي
كانت مهيمنة كبيرة عليه، فإنه بعد عودته إلى المدينة عقب حصوله على الكنز
نتعرف عليه وقد أصبح هو الآمر الناهي في قصره الكبير وكذلك فإنه تولى بنفسه
أمر زواجه من ابنة الملك ثم اعتلائه للعرش.. إن صورة الأم أو لنقل صورتها
كقوة مهيمنة على إرادة الابن قد اضمحلت في هذا القسم من الأسطورة. وإذا
كانت أسطورة (أوديب)) قد عاقبت (أوديب) بالعمى فإن أسطورة (جودر) قد عاقبته
بالموت على يدي أخوته (سالم وسليم). ولو تصفحنا ما أنتجه التفكير الشعبي من
أساطير وحكايات نرى أنها تنتهي بنهايات مفرحة لكن هذه الأسطورة نجدها وقد
انتهت بمقتل بطلها لهذا أرى إن هذه النهاية لا تستقيم والتفكير الشعبي الذي
أنتجها، اللهم إلا إذا كان هذا التفكير واعياً إلى ما فعله (جودر) من (فضح)
لحرمة الأم، مما استدعى إيقاع العقاب به.
3-3 وأخيراً يمكن تمثل أسطورة (جودر) ومحاولته التحرر من هيمنة
((سلطة، سيطرة)) الأم بثلاث مراحل هي:
3-3-أ/ المرحلة المشيمية: أي مرحلة ارتباط الابن بأمه كارتباط
الجنين برحم أمه بواسطة (الحبل السري) واعتماده في غذائه على دم أمه الذي
يصله من خلال المشيمة وهذه المرحلة هي مامثله الجزء الأول من الأسطورة.
3-3-ب/ مرحلة المخاض: وهي المرحلة التي تتم فيها محاولات الابن
للخروج من سيطرة ((هيمنة)) الأم.. كمحاولات الجنين ساعة المخاض للخروج من
رحم الأم، ومايصاحب تلك المحاولات من آلام عظيمة للأم والمولود على السواء،
وقد تمثلت هذه المرحلة في الأسطورة في الجزء الذي تحدثنا عنه في السطور
السابقة.
3-3-ج/ مرحلة الانفصال: والانطلاق خارج رحم (سيطرة) الأم بعد قطع
الحبل السري لمجابهة الحياة بعيداً عن الأم.. وقد تمثلت هذه المرحلة في
الأسطورة في الجزء الثالث منها.
3-4-/ من خلال هذه القراءة التي قدمناها في السطور السابقة يمكن فهم
هذه الأسطورة على أنها الوجه المقابل لأسطورة (أوديب) ولا يمكن فهم (جودر)
بطلها على أنه ((أوديب عربي غير مثقل الكاهل بالخطيئة)) كما يقول مؤلف كتاب
((الإسلام والجنس)) ص304. لأن ((أوديب)) يتجه –أو هكذا أراد له القدر- إلى
الأم وسلطتها عليه (الزواج منها) فيما كان (جودر) معني بالخروج من تلك
السلطة.
القسم الثاني:
عقدتي الأب
والأم في الأساطير
1-عقدة ((أوديب)) //عقدة الأَب:
تحكي الأسطورة الإغريقية عن (أوديبوس) الذي رسم له القدر خطواته
المستقبلية حيث قدر له أن يقتل أباه ويتزوج أمه، فكان أن جاء الواقع
مسايراً للقدر6-.
هكذا أفهم أسطورة ((أوديب)) مع تقديري لما قدم من تفاسير سيكولوجية
أو سيسيولوجية –على أنها عملية قتل ((صورة)) الأب في ((لاشعور)) الابن //
الرجل ذلك الأب أو ((صورته)) الذي يبقى كالسيف المسلط على رقاب الأبناء..
وتبقى إرادته هي ((المهيمن)) الكبير على إرادة الأبناء.. ولكي يدخل الابن
طور الرجولة الكاملة، الاستقلال بإرادته عن أية إرادة خارجية عليه أن يقتل
(يتخلص من..) تلك الإرادة المهيمنة التي جسدتها الأسطورة في شخصية الأب.
لكن الأسطورة هذه نسيت أنها عبارة عن رسالة شفاهية عن اللاواقع لتفسر
الواقع.. فأخذت تجسد الشخوص لحماً وعظاماً وأحاسيس هي للواقع اقرب.. لهذا
وإمعاناً في فرض العقاب على الابن الذي كسر صورة الأب ((المهيمن)) في نفسه
(لاشعوره) أي ((الابن العاق)) ومن ثم شب عن الطوق للحصول على رجولته
الكاملة (النفسية والاجتماعية) وجدت هذه الأسطورة أن ترك الابن بلا عقاب هو
الإقرار بفعلته والتصديق عليها، عندها فرضت عليه عقوبة كبيرة هي الزواج من
الأم –قدريا ودون معرفة مسبقة منه وعندما يعرف هو تلك الحقيقة يعاقب نفسه
بنفسه. إنها عقوبة كبيرة جداً وعظيمة حيث ساوى التفكير الشعبي الإغريقي
الذي أوجد هذه الأسطورة بين الخروج من ((هيمنة)) الأب وبين الزواج من
المحارم.. أي أن من يخرج عن إرادة الأب ليبني إرادته الذاتية المستقبلية
يكون العقاب له كمن يتزوج من محارمه وعند ذاك أي بالتحرر من سيطرة إرادة
الأب، يبقى الابن إنساناً تائهاً ((أعمى)). إن أسطورة ((أوديب)) وكما
أسلفنا سابقاً لا تريد للأبناء أن يتحرروا من سيطرة إرادة الآباء..
*** ***
2-عقدة ((أورست)) // عقدة الأم:
بعد أن تعرفنا على أسطورتي ((أوديب)) و((جودر)) وما تمثلانه من
عقدتي (الأب) و(الأم) سنتعرف في السطور القادمة على أسطورة أخرى، فهمت على
أنها تشكل عقدة تقف بالنقيض من عقدة ((أوديب)) كما أراد لها التفكير الشعبي
الإغريقي، وكما فهمها التحليل النفسي.. هذه الأسطورة، هي أسطورة ((أورست))
كما طرحها (أسخيلوس) في ثلاثيته (أجا ممنون) وماطرحته الأسطورة تلك من
عقدة، هي عقدة ((قتل الأم)). بعد موت ((أثريوس))، قسمت المملكة بين ابنيه:
(أجا ممنون) و (مينيلاس) اللذان تزوجا من شقيقتين، هن ((كلايتيمينسترا))،
و((هيلين)) وكان (مينيلاس) قد زاره (بارس) ابن ملك طروادة، الذي أحب ((هيلين))
وهرب معها. وكان ذلك السبب في حروب طروادة. وتجمع اليونانيون في (اوليس)
تحت قيادة (أجا ممنون). إلا أن مغادرة الحملة تأخرت بسبب هبوب عاصفة. وقد
أخبر ((أجا ممنون)) من قبل متنبئه بأن العاصفة لا يمكن تهدئتها إلا
بالتضحية بابنته (أفجينيا). فأرسل بطلبها من أمها بدعوى أنها ستتزوج من (أخيلس)
وقام بذبحها.. عندها أبحرت الحملة إلى طروادة. بعد أن عرفت الأم بذلك، قامت
بإبعاد ابنها((أوريستيس)) وكان صبياً، وتآمرت مع (أجيشوس) ابن ((ثايستيس))
ضد زوجها، وعندما عاد الزوج قتلته بالتواطؤ مع عشيقها (أجيشوس). بعد سنوات
يستلم (أورستيس) من كاشف غيب (أبولو) أمر بالثأر من قاتل أبيه، فيعود سراً
مع صديقه (بيلادس) إلى مدينته ويلتقي بأخته (أيليكترا) وبمساعدتها يقوم
بقتل أمه وعشيقها. تعقد محكمة لمحاكمته.. ويبرأ من التهمة7-.
*** ***
3-مناقشة الأساطير:
إن أسطورة (أوديب) جاءت لتبرهن على أن الإنسان لكي يستقل بإرادته
عليه أن يتحرر من الإرادة المهيمنة.. وهذا جانب مهم من جوانب المأساة
الإنسانية، مأساة الإنسان في صراعه لإثبات وجوده. أما الجانب الآخر من تلك
المأساة هو أن إرادة الأبناء تسيطر عليها إرادة أخرى غير إرادة الأب هي
إرادة الأم وهي تعادلها بالقوة والفعل إن لم تقل تجاوزها في ذلك وقد انتبه
إليها التفكير الشعبي العربي والإغريقي على السواء وبدرجات متفاوتة سنتعرف
عليها في السطور القادمة، حيث سنقف على أي الأسطورتين (العربية أم
الإغريقية) هي الأجدر في الإجابة على مجموعة الأسئلة النفسية والاجتماعية
المتعلقة بمسألة العلاقة بين الأم وابنها.
إن المهتمين بالأدب الشعبي، وبالتحليل النفسي وكذلك المهتمين بالأدب
عامة وبتاريخه، لم ينتبهوا إلى أسطورة (جودر) كما انتبه علم التحليل النفسي
إلى أسطورتي ((أوديب)) و((أورست)) فظلت الأسطورة العربية وماتقدمه من
كشوفات نفسية –اجتماعية، بعيدة عن عالم الأدب وعلم النفس وظلت مختفية بين
سطور ((ألف ليلة وليلة)) نرددها بين الحين والآخر على أنها قصة مسلية ليس
إلا. إن أسطورة (جودر) هي حكاية الابن الأصغر لأحد التجار8- الذي يبقى
باراً محباً لأمه، متعلقاً بها، يعيش معها في بيت واحد، على خلاف أخويه..
وكانت الأم قد عانت الكثير بعد وفاة زوجها –من ولديها((سالم وسليم))..
وكانوا كثيراً مايحتالون عليها ويسلبونها مالها، ويضربونها، حتى إنها كانت
في كثير من الأحيان ((تدعو عليهم بالموت)). لكن ((جودر)) ظل محباً ومقدراً
لها وطائعاً لأمرها، فوجدت فيه الابن البار الذي لا يعاكسها في أي أمر من
الأمور. وكانت هي الأخرى لهذه الأسباب تخاف عليه من عاديات الزمن حتى أنها
حاولت منعه من الذهاب مع المغربي ((فقالت له: ياولدي توحشني وأخاف عليك))
ص945 وهكذا أصبحت هذه الأم قوة مهيمنة ومسيطرة عليه.
عند قيام (جودر) بصيد السمك لإعالة والدته، يلتقيه التاجر المغربي
ويطلب منه أن يرحل معه كي يساعده في الحصول على الكنز الذي لا يمكن الوصول
إليه إلا بواسطته بعد أن يحل رموزه فيرحل معه بعد الاستئذان من والدته هكذا
تفهم أسطورة (جودر) عند القراءة الأولى لها.. إنها حكاية صياد فقير يحصل
على بعض المال والأدوات السحرية من التاجر المغربي بعد حصوله على الكنز،
ويمكن لمن يطبق المنهج المورفولوجي على هذه الأسطورة، أن يجد فيها حكاية
مبنية على وظائف ((بروب)) المورفولوجية.
لكن قراءة متأنية لها يمكن أن تكون القراءة المحتملة للوصول إلى
الدلالات التي تحملها هذه الأسطورة والمعاني المختبئة خلف قشرة هذا النص..
كما قدمناه في القسم الأول. إن الدلالات الاجتماعية –السياسية التي تحملها
أسطورة (أورست) كما قدمتها مسرحية ((أسخيلوس)) كانت هي الدافع لإنشائها حيث
جاءت في وقت كان المجتمع فيه منقسماً بين الأخذ بمبدأ المجتمع الأمومي
السابق، أو بمبدأ المجتمع الأبوي الذكوري الذي يرغب. لهذا نرى أن (الايرينات)
9- يقفن إلى جانب النظام القديم الذي كانت فيه القرابة المنحدرة عن طريق
الأم رباطاً أوثق من الزواج، وكان يعاقب فيه قتل القريب وفوراً وبصورة
قاطعة بحرمان القاتل من الحماية القانونية (…...) ومن جهة أخرى، فإن أبولو
الذي كان الاثينيون يعبدونه بوصفه ((أبويا)) ((باترويوس)) يعلن قدسية
الزواج وأولوية الذكور، وتدور المسألة حول مصير ((أوريستيس)) والمحنة التي
ألقي فيها تعكس صراع الولاءات المنقسمة المميزة للفترة التي كان يجري فيها
تغيير النسب لغرض الخلف والإرث المصاحبين له من جهة الأم إلى جهة الأب
وسيسجل تبرئته ابتداء النظام الجديد الذي سيبلغ أوجه في الديمقراطية))10-.
لهذا فإن أثينا ومحكمتها تبرئ ساحة ((أوريستيس)) لأنها كانت تعطي
صوتها إلى أولوية الذكور على الإناث: ((مامن أم ولدتني وفي جميع الأمور
*عدا الزواج فأنا وليد أبي في الحقيقة.
*أثني على الذكور من كل قلبي. ص381)).
إذن فالأسطورة هي تمجيد لذكورية المجتمع وإعادة المرأة إلى البيت
لتبقى تحت سيطرة الرجل //الزوج.
4-لماذا قتل ((أوريستيس)) أمه؟
من خلال قراءة متأنية للأسطورة يمكننا الوقوف على الدوافع التي تقف
وراء قتل (أوريستيس) لأمه.. وهذه الدوافع هي:
4-أ/قيام الأم بإبعاده (نفيه) وهذا يعني افتقاده لعاطفة الأمومة.
4-ب/ قيامها بقتل أبيه.. ويشكل هذا العمل جريمة (لا مثيل لها في
تاريخ الخبث النسوي) ص358 ولهذا فإن (أبولو) يدعي (بأنه لما كان قتل أغا
ممنون جريمة، فإن إعدام القاتل لم يكن جريمة) ص380.
4-ج/ لما كان (أوريستيس) وحيد أبيه فإن ذلك يعني أنه سيرث العرش بعد
موت والده، لكن الأم بعد قتلها لأبيه (زوجها) سلبت منه هذا الحق.
4-د/ إنها قد قتلت أبيه بالاشتراك مع عشيقها. من خلال هذه الدوافع
نصل إلى نتيجة مفادها أن قتل (أوريستيس) لأمه كان قتلاً مبرراً قانونياً
ودينياً وأخلاقياً واجتماعياً وقتذاك لأن قتلها جاء:-
أولاً: تلبية لنصوص القانون السائد وقتذاك، كما كان قتلها لزوجها
حسب اعتقادها تلبية للقانون أيضاً.
•(إن القانون لا يزال باقياً، مادام زيوس حاكماً).
•(الآثم يجب أن يعاقب –إنه أمر) ص349.
ثانياً: تلبية للأمر الصريح من (أبولو) بأن يثأر لأبيه.. وقد هدده
بأقسى العقوبات إن لم يفعل ذلك. وليس له من خيار غير ذلك.
ثالثاً: إن قتلهما (الأم وعشيقها) هو تطهير للأسرة من الإثم، لهذا
فأنصار (أوريستيس) يعتبرونه (مطهراً أو منقذاً عُيّن بصورة إلهية (….)
وعليه، بتطهيره الأسرة، أن يتولى مسؤولية تلوثها بنفسه) ص352.
•(آه هل يرى بعد أوريستيس نور الحياة).
•(فلعله يعود بمؤاتاة الحظ إلى بيته).
•(ويبرهن على أنه الملك المنفذ حكم الإعدام بكليهما؟) ص350.
5-إن العودة إلى أسطورة (جودر) ترينا أن القتل لم يتم في الواقع،
العالم العلوي، وإنما تم في العالم السفلي، العالم الآخر، عالم اللاشعور،
وكذلك تم ضد شبح الأم، لا الأم كما هي، وما يؤكد ذلك:
5-أ/ أن القتل وقع على الشبح/ الوهم.
5-ب/ أن القتل قد تم في اللاواقع، في العالم السفلي، وهو عالم قريب
من عالم الحلم، حيث كل شيء فيه عبارة عن شبح ووهم.
من كل هذا نصل إلى نتيجة مفادها، أن عقدة ((أوريستيس)) هي عقدة
قاصرة في التحليل النفسي لإعطاء الأجوبة الشافية لمجمل الأسئلة النفسية
–الاجتماعية التي تكونها حوادث قتل الأم، إن كان ذلك في الواقع أو في عالم
الإبداع الأدبي.
لهذا تأتي أرجحية أسطورة ((جودر)) على أسطورة ((أوريستيس)) في حل
جميع الإشكالات النفسية والاجتماعية التي تكونها حادثة قتل، أوالشروع بقتل
الأم.. وإن مايؤكد هذه الأرجحية، هو إخفاق ((جودر)) في قتل شبح الأم في
المرة الأولى، وماعقبه من إجراء عقابي، وإعادة المحاولة مرة أخرى.. كل ذلك
في محاولة للخروج من سيطرة الأم نهائياً، ومن ثم إكمالاًٍ لحدود رجولته،
دون أن يفقد الأم نهائياً، كما فقدها ((أوريستيس)) بالقتل.
إن قتل الأم، حقيقة، يعاقب عليها العرف والقانون والدين أيضاً، مهما
كانت الدوافع والأسباب، خاصة وإن الإسلام، كفكر وفلسفة، والذي يقف وراء
منتج هذه الأسطورة، ينص دستوره القرآن الكريم، وهو مصدر من مصادر ثقافة
التفكير الشعبي على النهي عن التأفف أمام الوالدين ((ولا تقل لهما أف))،
فكيف بالقتل الحقيقي؟
القسم الثالث:
التطبيق
1-بعد أن تعرفنا على عقدة قتل الأم كما طرحها التفكير الشعبي العربي (الأسطوري) في الليالي وقد أطلقنا
عليها تسمية. (عقدة جو در) كان على البحث أن يختار نموذجاً من الأدب العربي
الحديث ليقرأه قراءة تحليلية اعتماداً على ماتقدمه (عقدة جو در) من كشوفات
نفسية –اجتماعية لشخصيات العمل الأدبي، فلم يجد –كبداية أولية- سوى رواية
الكاتب العربي نجيب محفوظ (السراب) رغم ماقدم عنها من دراسات تحليلية11-
وفق منهج التحليل النفسي الفرويدي اعتماداً على عقدتي (أوديب) و (أوريست)
فإنها –أي الرواية- تطرح مجموعة من الأسئلة التي في مقدور التحليل المعتمد
على (عقدة جو در) وضع الأجوبة المقنعة لتلك التساؤلات ومن ثم مد يد العون
لمعرفة سلوك بطلها (كامل رؤبة لاظ).
والجدير بالتنويه ونحن نتحدث عن هذه الرواية، أن نتذكر أن الدكتور
عز الدين اسماعيل، قد قدم دراسة تحليلية نفسية لها اعتماداً على عقدة ((أوريست))،
لكنه –في الوقت نفسه- قد شكك في دراسته تلك بإمكانية هذه العقدة من إعطاء
الأجوبة الشافية لمجموعة التساؤلات المثارة حول سلوك بطلها ((كامل)) فيقول:
((وحين نستعرض أحداث هذه القصة يبدو لنا أنها لا تتفق في ظاهرها مع قصة
بطلنا كامل، فكامل كان يحب أمه، وقد عاش معها طوال حياتها، لكن القصتين
تنتهيان نفس النهاية، فكما أن ((أورست)) قتل أمه فكذلك كان كامل السبب في
وفاة أمه، إنه لم يقتلها بيده كما صنع ((أورست)) لكنه يعرف ويقرر أنه كان
السبب المباشر في وفاتها))12-. إن إدراك هذه الحقيقة من قبل الدكتور
الفاضل، جعله يقرر في مكان آخر ((ص269)) أن شخصية كامل كانت تحمل في
دواخلها تناقضات بين (الأوديبية والأورستية)) فيما يقول في مكان آخر
((ص259)): ((إن شخصية كامل بطل هذه القصة مزيج من ((ديمتري)) و ((هملت))
ومن نفسه))، ليبري نفسه أخيراً مما يقع فيه من سوء فهم أو تقدير في
التحليل. ولو تنبه الدكتور الفاضل، وغيره من دارسي الأدب، إلى أن أدبنا
الشعبي –لو تخلصنا من عقدة الخواجة- يزخر بين ثناياه بما يعيننا على تفهم
أكثر المشكلات النفسية والاجتماعية تعقيداً، لما وقع بمثل هذا الشك. إن
عقدة ((جو در)) ستعيننا –حقاً- على الوصول إلى تفسير مقنع لسلوك بطل
((السراب))، دون الاعتماد على عقدتي ((أوديب و أورست)).
*** ***
2-ملخص الرواية: تبدأ رواية السراب. بالسطور التالية: (إني أعجب لما يدعوني للقلم،
فالكتابة فن لم أعرفه لا بالهواية ولا بالمهنة.. الخ)13- نفهم من هذه
البداية، أن بطل السراب هو الذي يتحدث إلينا من خلال تسجيله لما مر من
حياته، بضمير المتكلم، حيث يعود بنا إلى الوراء، إلى أيام الطفولة، أيام
كان يعيش في بيت جده مع والدته.. وكانت أمه قد تزوجت من أبيه الرجل الذي
كان يعيش ((عالة)) على والده الثري، وما ورثه من إرث عن عمه.. وقد أنجبت
منه ولداً وبنت.. وكان الأب ذاك سكيراً شريراً مما نتج عن سلوكه هذا الكثير
من المشاكل بينه وبين أم كامل، فكانت أمه بين الحين والآخر، تترك بيت زوجها
لتعود إلى بيت والدها.. وفي مرة أعادها والدها إلى بيت زوجها وطفليها، فكان
أن حملت به، وولدته.. لكن المشاكل عادت مرة أخرى، فتم الانفصال النهائي بين
الزوجين، فعاش ((كامل)) مع أمه في بيت جده مدللاً، وقد زاد اهتمام أمه به
للتعويض عن الزوج والأطفال.. حيث نشأ نشأة غير صحيحة، إذ كان ينام مع أمه
في سرير واحد حتى سن متأخرة، وكان يدخل الحمام معها.. فنشأ خجولاً، خائفاً،
غير قادر على عمل شيء بنفسه.. وكان لسلوك أمه هذا، وتربيتها السيئة الأثر
الكبير في زرع الخوف والعجز داخل نفسه، كما فشل في حياته الزوجية. عندما
كان طالباً في الثانوي أحب –من طرف واحد- فتاة كان قد رآها وهي ذاهبة إلى
المدرسة. بعد أن توظف أخبر أمه عن عزمه في الزواج فانتبهت الأم لما حصل له
من تغير وخوفاً منها من انفصاله عنها بالزواج راحت تذكره بزواجها الفاشل
(ص112) وما آل إليه من وضع سيئ يعيشانه سوية. لكن رياح الابن تجري بما لا
تشتهي سفن الأم إذ يخطب بنفسه الفتاة التي يحبها (رباب) من أبيها ويتزوج
منها والأم كارهة لذلك. وفي ليلة العرس الأولى لم يستطع (كامل) من عمل شيء
مع زوجته وتمضي الأيام بهما دونما تقدم. وبمشورة من أم (رباب) يوافق (كامل)
على قيام (صباح) الخادمة بفض بكارة (رباب) عندها يقول في نفسه: ((ولست أخفي
أني شعرت بارتياح إلى اقتراح الأم. فهو يزيل عقبة من سبيلي ويخليني من بعض
المسؤولية ويعفيني من مراقبة الأم) (ص234).
حتى هذا العمل الذي قامت به ((صباح)) لم يساعده على ممارسة حقوقه
الزوجية والقيام بواجباته تجاه زوجته. وتمر الأيام وفي يوم ما يرتاب (كامل)
في سلوك زوجته بسبب خطاب رآها تقرأ فيه (ص267).. ويأخذ بمراقبتها أثناء
ذهابها إلى دائرتها وأثناء ذلك يتعرف على امرأة بدينة تكبره بالسن تدعى (عنايات):
(كانت فوق الأربعين إن صدق نظري –وقل أن يصدق في تقدير الأعمار- وكانت على
رغم تألقها وتزينها أقرب للدمامة منها للحسن، ذات وجه مستدير غليظ، وعينين
بارزتين ثقيلتين الجفنين، وأنف قصير أفطس، وشفتين ممتلئتين، ووجنتين
متكورتين منتفختين.. الخ)) ص284.
وتتوطد العلاقة بينهما.. حيث تستطيع هذه المرأة من ((حل)) عقدته،
فيمارس الجنس معها بكل حرية.. وفي يوم ما، تذهب ((رباب)) إلى بيت والدها،
ولم تعد.. فيذهب للسؤال عنها فيجدها طريحة الفراش.. وذات يوم يزورها،
فيفاجأ بموتها، ويعلم من أهلها أن الدكتور (أمين) قريبها قد أجرى لها عملية
جراحية، فيرتاب في أمر العملية، فيقدم بلاغاً للنيابة حول ذلك.. حيث يكشف
التحقيق أن العملية قد أجريت لإجهاض ((رباب)) لجنين ((سفاح)).. ولكي يبعد
الدكتور عن نفسه فشل العملية، يحدث ثقباً بغشاء ((البريتون)) يؤدي إلى
وفاتها.
يعود ((كامل)) إلى أمه فيجدها مريضة لكنه يخبرها بوفاة زوجته، ويجري
بينهما حوار يتهمها فيه بالتشفي من موت ((رباب)) ويغلظ معها الحديث، ويخرج
من البيت مهموماً بعد أن يقول لها: ((اشمتي ما شاءت لك الشماتة، ولكن إياك
أن تتصوري أننا سنعيش معاً، انتهى الماضي بخيره وبشره ولن أعود إليه ماحييت،
سأنفرد بنفسي انفراداً أبدياً، لن أعيش معك تحت سقف واحد)) ((ص354)).
يفاجأ في اليوم التالي بموتها، حيث يقع طريح فراش المرض، وإذ يبقى
وحيداً، تزوره ((عنايات)). مثل هذا الملخص البسيط لأحداث الرواية، رغم قربه
من الخطوط العامة للأحداث سوف لن يساعدنا على تلمس ما في الرواية من دلالات
نفسية واجتماعية حاول الكاتب الوصول إليها، مالم نتعرف على الشخصية
الرئيسية فيها، وهي شخصية ((كامل رؤبة لاظ)) وسلوكه مع شخصيات الرواية
الأخرى التي كانت السبب في مأساته..
*** ***
3-العلاقات: إن القراءة الفاحصة للرواية وأحداثها، ستقدم لنا مجملاً للعلاقات
التي تربط ((كامل)) بالشخصيات النسائية الثلاث، وتأكيداً لهذه العلاقات،
يرى الكاتب- أو كامل نفسه وهو يكتب مامضى من حياته- لم ينضج لنا أية علاقة
مابين نسائه ورجاله، حيث جاءت مثل تلك العلاقات رغم محدوديتها باهتة.
3-أ/ علاقة كامل مع أمه: تبدأ هذه العلاقة من السطور الأولى، وتنتهي
بانتهاء الرواية.. وتتسم بالسيطرة من قبل الأم على الابن، فيما يكون هو
شخصاً منقاداً.
كان ((كامل)) يحب أمه ويحترمها، وهي تبادله الشعور نفسه، يعيش معها
في بيت واحد، وغرفة واحدة، وينامان في سرير واحد، حتى بلوغه سن السادسة
والعشرين من عمره، عندما أنبه جده على ذلك التصرف السيء.. وكان يدخل معها
الحمام، وعلاوة على ذلك، فقد كان يشبهها بملامح الوجه.. وكانت هي لا تسمح
له باللعب مع أقرانه، ولا الخروج من دونها.. وقد أثرت تلك السيطرة من قبل
الأم، وكذلك التربية السيئة على نفسية ((الطفل// الشاب)) فجعلته:
أولاً: خجولاً (ص45) وعذرياً (ص68).
ثانياً: لا يجرؤ على اللعب مع أقرانه (ص22).
ثالثاً: لا يجرؤ على الحديث مع الآخرين (ص68).
رابعاً: غير قادر على عمل شيء اعتماداً على نفسه (ص60).
خامساً: ليست لـه القدرة على التكيف مع زملائه في المدرسة والدائرة
(ص30).
سادساً: هدفاً لعبث زملائه الطلاب، وإهانة مدرسيه (ص32-38-77).
كل ذلك جلب التعاسة له، والانكفاء داخل البيت، ومن ثم أحضان أمه،
فنفسه.. لكنه كثيراً ما حاول الخروج عن تلك السيطرة، وذلك الانكفاء.. فها
هو يقول: ((إنني لا أستطيع أن أقول أنني استكنت إلى تلك الحياة بلا تململ،
ولعلي ضقت فيها في أحايين كثيرة، وتطلعت إلى الحرية والانطلاق، ولعل ضيقي
ذلك مضى يزداد بتدرجي في مدارج النمو، وأي ذلك أنها أقبلت تخوفني أشياء لا
حصر لها لتردني عما أتطلع إليه من حرية وانطلاق، ولتحتفظ بي في حضنها على
الدوام. ملأت أذني بقصص العفاريت والأشباح والأرواح والجان والقتلة
واللصوص، حتى خلتني أسكن عالماً حافلاً بالشياطين والإرهاب، كل مابه من
كائنات خليق بالحذر والخوف)) ((19)). أما أمه، فقد كانت تعيده إلى سيطرتها،
بأساليبها الخاصة، لكن مثل تلك المحاولات –خروجه من البيت خلسة واللعب مع
أقرانه، وكذلك حبه للفتاة أثناء دراسته في الثانوية وغيرها- كانت تقمع من
قبلها، وبنفس الوقت لم يكن ينساها بسهولة، وإنما.. كان لا شعوره يحتفظ
بها.. فها هو يقول: ((طالما رفت على خاطري الرغبة في هجرها في صورة أحلام
غامضة، ولكن هل يسعني حقاً أن أهجرها؟)). إن رغبته في التحرر من سيطرة الأم
أخذت تزداد عنده شيئاً فشيئاً حتى وصلت ذروتها عندما طلب يد محبوبته بنفسه
ومن ثم الزواج منها ((بمشورة من مجلة استشارها)). رغم هذه السلبية البادية
عليه أمام الأم، كان تفكيره ولا شعوره –في الوقت نفسه- يعمل ضد هذه
السيطرة، محاولاً الانعتاق منها، أي كانت هناك قوتان تصطرعان في داخل لا
شعوره، هما: قوة البقاء تحت تلك السيطرة، وقوة التحرر منها. إن هذا الصراع
يبقى جياشاً في لا شعوره حتى لحظة المواجهة الحاسمة مع أمه، بعد وفاة
زوجته، إذ عندها ينتهي ذلك الصراع إلى جانب قوة التحرر من تلك السيطرة، حيث
بموت الزوجة تموت كل القيم الأخلاقية التي كانت تمثلها الأم وتجسدها الزوجة
كصورة من صور الأم. هنا يتماهى ((كامل)) بـ ((جو در)) والأم بأم جودر،
ولكن، بينما كان قتل ((جودر)) لشبح //وهم الأم نهاية لذلك الصراع، ومن ثم
تحقيق لوجوده كإنسان حر، رجل كامل الرجولة. كان جوهر صراع ((كامل)) ومن ثم
انتهاء ذلك الصراع بقتل الأم رغم كونه قد جاء بصورة غير مباشرة لكنه من جهة
أخرى كان قتلاً مباشراً عند موت الزوجة، وسنتعرف على ذلك في السطور
القادمة. وإذا كانت أم ((جودر)) قد أحكمت –هي الأخرى- سيطرتها على ابنها ((جودر))
بسبب ماعانته من فقد الزوج والسلوك المؤذي لأبنائها، فإن ((أم كامل)) قد
لقيت هي الأخرى الكثير من العذاب بسبب سلوك زوجها ومن ثم هجره لها.. كل ذلك
دفع بهما إلى تعويض مافقدتاه بالتسلط على الأبناء والاستحواذ عليهما، إن
كان ذلك لا شعورياً، بسبب الخوف عليهما، أو من خلال ما كانا يقدمانه لهن من
حب واحترام زائد.. وكانت قوة الجذب بين التسلط والرضوخ قد أخذت مداها
الواسع بصورة طردية. لقد وجد ((جودر)) طريقه إلى التحرر والانطلاق بعد قتله
لشبح // وهم الأم، وهو قتل معنوي حدث في العالم السفلي ((=اللاشعور)) وقد
فعل ((كامل)) مثل فعله في قتل الأم معنوياً، من خلال:
* ممارسة الجنس مع الخادمة الدميمة.
* ممارسة الجنس مع (عنايات)، وما كانت تمثله من صورة التطابق للأم
((في السن خاصة)) وصورة التناقض ((القبح مقابل الجمال الروحي والجسدي)).
** ممارسة العادة السرية، وهذا مناقض للقيم والأخلاق الحميدة التي
زرعتها الأم في داخل نفسه، خاصة إقامته للصلاة في أوقاتها.
* شربه للخمرة.
مثل هذه الأعمال السلوكية، وهي أعمال جنسية محرمة، عدا احتسائه
للخمرة، هي النقيض لما كانت تمثله الأم من قيم وأخلاق حميدة، وهذا يعني قتل
لتلك القيم والأخلاق في نفسية ((كامل)).. أي أنها قتل الأم في الوقت نفسه
في لا شعوره، على أقل تقدير. وهكذا تأتي الأسطورة التي أنشئت في زمن غير
زماننا، وفي واقع حضاري غير واقعنا الحضاري في القرن العشرين، لتحل لنا
قضية حضارية –نفسية- اجتماعية، إنها قضية التحرر من هيمنة الإرادة الخارجية
والتي تجسدت في هيمنة إرادة الأم.
*** ***
3-ب/علاقة ((كامل)) بزوجته:
إن اختيار كامل لـ ((رباب)) زوجة له، جاء اعتماداً على اعتبارين
أساسيين هما:
* أنها تشبه أمه ((خلقاً وجمالاً)).
* لأن علاقته بها، كانت الأولى من نوعها.
ولم تكن علاقته بها، بالعلاقة السوية بعد ليلة الزفاف الأولى، فقد
بدأت حالة القطيعة بينهما –رغم ما يكنه أحدهما للآخر من حب- عندما فشل في
أن يكون رجلاً في فراش الزوجية. ولو بحثنا عن أسباب ذلك، لوجدنا أكثر من
سبب جعل من هذه العلاقة غير مثمرة، لتصل إلى حد الانقطاع.. ومن هذه الأسباب
ماهو موضوعي، ومنها ماهو ذاتي.
أولاً: العوامل والأسباب الذاتية: مثل قدرته على ممارسة الجنس مع
النساء القبيحات (الخادمة الدميمة وعنايات) وكذلك ممارسته للعادة السرية،
وانكفائه داخل حدود عالمه المتخيل.
ثانياً: العوامل والأسباب الموضوعية: وقد جاءت كلها من تأثير أمه
عليه، مثل:
1-تأثير علاقته بأمه في جعله رجلاً ناقص الرجولة أمام زوجته.
2-الاختيار السريع لـ (رباب) زوجة له. حيث جاء هذا الاختيار بدافع
لا شعوري كونها تشبه أمه مع بعض الاختلافات الطفيفة.
فوالدته كما بدت له، في الصورة القديمة (بقامة طويلة وجسم نحيل ووجه
مستطيل وعينين واسعتين خضراوين وأنف دقيق مستقيم) ص8 فيما كانت(رباب) تتصف
بـ (قامة طويلة وقد نحيف رشيق وبشرة قمحية((……)) ووجها مستديراً ((……))
وأنفاً صغيراً دقيقاً) ص85 أي إن رباب هي الصورة المطابقة لأمه من ناحية
الجمال الجسدي بالنسبة له، مع فارق قليل سنتعرف عليه في وجه (عنايات).
فالقامة طويلة، والجسم (القد) نحيل (نحيف)، والأنف دقيق مستقيم (صغير
دقيق).. أي أن (كامل) قد اتجه (( لا شعورياً)) إلى هذه الفتاة عند محاولته
التحرر من سيطرة الأم، فعاد إليها مرة أخرى.
3-إن شعوره بعاطفة الحب تجاه (رباب) من طرف واحد، هو تجربته الأولى
والوحيدة مع النساء، خارج حدود علاقته بأمه.. وهذه المحاولة في التحرر من
سيطرة الأم، قد دفعته مرة أخرى إلى نفس السيطرة، مما يعني أن اختياره لم
يكن موفقاً.
4-كان في صغره، قد شغله سؤال لم يجد إجابة له عند والدته، عندما
حاول معرفة سبب هروب شقيقته مع رجل غريب والزواج منه ومن ثم الإنجاب (ص48)
إن الجواب عن هذا السؤال، قد وجده عند الخادمه (الدميمة) فهاهو يقول:
((فصارحتني مرة بأنها تعلم أمور خليقة بأن تعرف، وانجذبت إليها على قبحها
في اهتمام وسرور، وواجهت التجربة بلذة وسذاجة، على أن العهد بها لم يطل،
فما أسرع أن ظبطتنا أمي متلبسين، ورأيت في عيني أمي نظرة باردة قاسية
فأدركت أني أخطأت خطأ فاحشاً. وقبضت على شعر الفتاة ومضت بها فلم تقع عليها
عيناي بعد ذلك، وانتظرت على خوف وخجل، ثم عادت متجهمة قاسية، ورمت صنيعي
بالمذمة والعار، وحدثتني عما يستوجبه من عقاب في الدنيا وعذاب في الآخرة
ووقع كلامها مني موقع السياط حتى أجهشت باكياً. ولبثت أياماً أتحاشى أن
تلتقي عينانا خزياً وخجلاً)) ص49 هذا المقطع –رغم طوله النسبي يكشف لنا
الأسباب الخفية التي دفعت بـ (كامل) إلى عدم ممارسة الجنس مع زوجته منذ
الليلة الأولى لزواجهما. بتضافر هذه العوامل، وأثرها في اللاشعور، أصبح
(كامل) في وضع سلبي مع زوجته، حيث أصبح الجنس، في لاشعوره –عمل غير مقبول
من قبل الآخرين بدلالة هروب أخته من بيت والدهما مع الرجل الذي سيشترك معها
في جريمة مشابهة لجريمته مع الخادمة. ومثل هذا الفعل //الجرم يستلزم العقاب
في الدنيا والآخرة خاصة إذا كانت هذه المرأة التي يمارس معها الجنس (رباب)
تشبه إلى حد ما أمه. فهو-وطيلة أيام حياته- عاش مع أمه، في البيت، وفي
الحمام، وفي الفراش، لكنه لم يفكر –ولو للحظة واحدة- أن يمارس –حتى لو كان
ذلك في خياله- الجنس معها.
إن العلاقة التي تربط بينهما، هي علاقة الأمومة التي انتقلت بكل
عناصرها إلى العلاقة التي كانت لـه مع زوجته، وهذا يعني أن أي اتصال جنسي
مع الزوجة معناه الفسق بالمحارم. إذن فالزواج، كمشروع أراد منه أن يحرره من
سيطرة الأم وهيمنتها عليه، قد فشل فشلاً ذريعاً، وأصبح مشروعاً لإعادته مرة
أخرى إلى أحضان الأم دون وعي منه.
*** ***
3-ج/علاقة كامل بـ (عنايات):
لم تكن (عنايات) سوى الصورة الثانية للخادمة الدميمة، والصورة
المعكوسة للأم.. بالرغم من أنها مطابقة لها من ناحية السن إلى حد ما، حيث
كانت تداعبه قائلة: -(يا كتكوتي) ص312 كما تداعب الأم طفلها، إن ممارسة
الجنس مع الخادمة الدميمة في فترة الطفولة، لا يمكن عده إلا عملاً محرماً
ومعاقباً عليه، خاصة من قبل الأم، ذلك الشخص المهيمن والمسيطر والموجه..
وأن إعادة مثل تلك الممارسة –حتى لو كان ذلك بعيد عن نظر الأم –مع (عنايات)
يعني هو محاولة للخروج من تلك السيطرة. لذا نراه وقد نجح –ليس في التحرر من
سيطرة الأم نهائياً- وإنما في إعادة الثقة بنفسه، وممارسته لحقوقه الرجولية
مع الجنس الآخر، لهذا نراه يعلن عما شعر به من اطمئنان وثقة بالنفس.
*** ***
4-من كل ماسبق يمكن الوصول إلى: أن العقدة التي كانت تكبل (كامل) وتمنعه من أن يكون رجلاً على فراش
الزوجية، هي خوفه من ممارسة الجنس مع المحارم، بسبب ماكانت تشكله الأم في
لا شعوره، من قوة كبح كبيرة أمام حقوقه الرجولية.. فكان لا شعوره يصور له
الزوجة وكأنها هي أمه، وأن أية ممارسة مع المرأة القبيحة هو محاولة لتحدي
تلك القوة، وكذلك، محاولة للخروج من تلك السيطرة، ولكن كل ذلك لم يغنه
شيئاً فما زالت الأم هي المسيطر والمهيمن القوي عليه. إنما ماوصل إليه من
حالة الخوف والعجز وعدم قيامه بواجباته الزوجية، كان بفعل قوة هيمنة الأم،
وأن هذا (العجز) قد دفع بزوجته إلى أحضان رجل آخر، ومن ثم الموت المخزي ليس
للزوجة فحسب، بل للأم وما تمثله من قيم. أي أن موت الزوجة قد جاء ليمثل موت
الأم، عندها تأتي خاتمة تلك الأم، أي خاتمة للقوة المسيطرة والمهيمنة.
وإذا كان في الأيام الماضية، قد فكر في خياله فقط، في أن يترك أمه،
أي الخروج من سيطرتها، فإنه اليوم قد أصبح في حالة لا يحسد عليها بوجود هذه
الأم، لهذا نراه يهرع إليها، ليسمعها كلاماً جارحاً وقاسياً، عندما تطلب
منه أن يرحمها من هذا القول القاسي.. فيما كان هو يؤكد مع نفسه قائلاً:
(ولكني لم أرحمها) ص353.. وقبل أن يتركها يخبرها بقراره الأخير: (اشمتي
ماشاءت لك الشماتة، ولكن إياك أن تتصوري أننا سنعيش معاً. انتهى الماضي
بخيره وشره ولن أعود إليه ماحييت) ص354.
بهذه الكلمات دفن كامل أمه وهي حية أي أنه قتلها لأنه كان يشعر في
قرارة نفسه أن أمه قد ماتت بموت زوجته، لأن في موت (رباب) والذي كان فيه
(كامل) سبباً غير مباشراً، كان ذلك الموت موت للأم، وإن في ذلك الموت
السبيل إلى الانطلاق والحرية.. وفي اليوم الثاني يسمع بموتها عندها يتهم
نفسه بقتلها وكما قتل (جودر) شبح // وهم أمه فقد قتل (كامل) شبح // أمه،
عندما كان هو السبب في ماوصلت إليه حالة الزوجة، ومن ثم موتها. هناك سؤال
يلح في هذه السطور، هو هل عوقب ((كامل)) على جريمته هذه، أم لا؟ مثل هذا
السؤال، نجد إجابته في القسم الأخير من الرواية، حيث يمرض ويدخل في غيبوبة
تامة يقول ((كامل)): ((لا علم لي بالساعات الطوال التي قضيتها في غيبوبة
تامة، ولكن ثمة أوقات أخريات كنت أتخبط في ظلمات بين الغيبوبة واليقظة،
إنها دنيا غريبة معتمة تتوزعها الأحلام، فكان يداخلني شعور أنني حي، ولكن
حي كميت وهناً وعجزاً… الخ)) ((ص363)) هذه الحالة، يمكن تشبيهها بحالة
النقاهة، النقاهة بين المرض ((الوقوع تحت سيطرة الأم)) والشفاء منه
((والتحرر من تلك السيطرة)) وعودة لما قلناه سابقاً، فإن بداية تململ
((كامل)) وانزعاجه من سيطرة الأم بعد ارتياده الحانات وزياراته الفاشلة
لبيوت الدعارة، وهي أعمال لا يمكن عدها تحدياً جدياً لسيطرة الأم، نقول أن
بداية ذلك التململ قد تجسد في علاقته بـ ((عنايات)) الصورة المضادة لصورة
الأم، أي أنها تجسيد للأم// الوهم، الأم// الشبح، وإن ممارسة الجنس معها،
هو عمل يشبه تعرية ((جودر)) لأمه.
إن الأم في ((السراب)) قد انقسمت في لا شعور ((كامل)) إلى قسمين،
أحدهما: روحي وقد تجسد في ((رباب))، والثاني: جسدي// مادي وقد تجسد في ((عنايات))
فهاهو يقول: ((وزاد من حيرتي أنني شعرت شعوراً عميقاً بأنني لا غنى لي
عنهما معاً بل لم أجد سبيلاً إلى المفاضلة بينهما فهذه روحي وتلك جسدي وما
عذابي إلا عذاب من لا يستطيع أن يزاوج بين روحه وجسده. وماذا تكون قيمة
الدنيا بغير هذا الوجه الجميل المتسم بالطهر والكمال؟ ولكن ماذا يبقى لي من
لذة ورجولة إذا فقدت المرأة الأخرى)) ((ص309-310)).
إن مأساة ((كامل)) قد تمثلت في كيفية الجمع بين الروح والجسد
وكلاهما عند أمه ومايؤكد ذلك مايذكره في أن خياله الذي تراءت فيه كلٌّ من
((رباب)) ((وعنايات)) قد ((ينحرف)): ((بغتة إلى أمي بلا داع فاتخذت مكانتها
في شريط هذه الصورة المتلاصقة)) ((ص310)).
ولكن الكاتب –لا شعور البطل- قد جسدهما في شخصيتين من لحم ودم
وأحاسيس وكان عليه وهو يحاول الخروج من سيطرة الأم أن يقضي على هاتين
الشخصيتين فكان عجزه الجنسي سبباً في موت ((الروح)) =الزوجة وكانت ممارسته
للجنس مع ((عنايات)) موتاً ((للجسد)) الذي كثيراً ما رآه في البيت والحمام
وسرير النوم والذي كان يخاف منه عندما كانت زوجته تتعرى أمامه إذ يقول:
((لقد بت أخاف جسمها بقدر ما أحبها)).
*** ***
الخلاصة:
مما تقدم يمكن الوصول إلى:
1-إن تراثنا الأدبي القديم لو قرئ قراءة متأنية لتوصلنا إلى ما فيه
من كنز ثمين للأفكار والطروحات التي يمكنها الإجابة عن عشرات الأسئلة التي
يمكن أن تطرح في زماننا هذا.
2-إن هذا التراث يزخر، كما التراث العالمي، بالكثير من النظريات
والأفكار التي يمكن تشكيلها بصورة متكاملة تجعل منها ليس نظيراً إلى ماطرح
في التراث العالمي وإنما أكثر عمقاً واستجابة إلى ما تريد أن تقولـه تلك
الأفكار والطروحات العالمية –الإغريقية واليونانية- القديمة. خاصة فيما
يتعلق بالطروحات النفسية والاجتماعية المعروفة كعقدة ((أوديب)) و ((أورست)).
3-إن عقدة ((جودر)) يمكن عدها من العقد المهمة في التحليل النفسي
والتي يمكن من خلالها الوصول إلى نتائج مهمة في تفسير سلوك بعض شخصيات
الأعمال الأدبية.
4-إن عقدة ((جودر)) استطاعت –في السطور السابقة- أن تقدم تحليلاً
نفسياً لسلوك بطل ((السراب)) الذي شككت، بعض الدراسات التحليلية له، في أن
يكون بمقدور التحليل المعتمد على عقدتي ((أوديب)) و ((أو رست)) من تفسير
ذلك السلوك.
المصادر
1.ألف ليلة وليلة –منشورات دار التوفيق –بيروت- الأجزاء (4،
5، 6).
2.قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية –د.نبيلة
إبراهيم- دار العودة- بيروت- 1974.
3.الإسلام والجنس –د.عبد الوهاب بوحديبه- ترجمة: هالة
العوري- مكتبة مدبولي
(ب-ت).
4.اسخيلوس وأثينا –جورج تومس- ترجمة: د.صالح جواد كاظم-
وزارة الإعلام/ بغداد- 1975
5.القصص الشعبي العراقي في ضوء المنهج المورفولوجي –داود
سلمان الشويلي- الموسوعة الصغيرة- وزارة الثقافة والإعلام- 1986.
6.التفسير النفسي للأدب- د.عز الدين اسماعيل- دارة العودة-
بيروت- 1981.
7.السراب- نجيب محفوظ –دار مصر للطباعة- ط/6.
الهوامش:
1.ألف ليلة وليلة- ص957.
2.قصصنا الشعبي –ص121.
3.ربما تفسير ذلك –هو رأي قابل للنقاش- أن الطفل عندما يبلغ
سن السابعة، عليه أن يخرج من نطاق سيطرة الأم ((كنفها)) للدخول في معترك
الحياة.
4.الإسلام والجنس –ص302.
5.المصدر السابق –ص295.
6.هناك نص بابلي يرجعه بعض الباحثين إلى كونه مرجع لأسطورة
((أوديب)) وهذا الرأي يحتاج إلى دراسة معمقة تؤكد صحة أو بطلان هذا الرأي
((انظر كتاب من ألواح سومر إلى التوراة- ص226)).
7.نقلت بتصرف من كتاب ((أسخيلوس وأثينا)) ص325.
8.يعطي التفكير الشعبي للابن الأصغر دور كبير في رسم أحداث
الحكايات. انظر كتابنا ((القصص الشعبي العراقي..)) ص159.
9.الإيرينات –هي أرواح السلف.
10.أسخيلوس وأثينا –ص368 وستكون أرقام الصفحات الواردة في
المتن من نفس المصدر.
11.التفسير النفسي للأدب. ص250.
12.المصدر السابق –ص260 وستكون أرقام الصفحات الواردة في
المتن من نفس المصدر.
13.السراب –وستكون أرقام الصفحات الواردة في المتن من نفس
المصدر.
(*) اشترك هذا البحث في ملتقى السياب الثالث المقام في
جامعة البصرة في 15/5/1993 وكذلك فقد تم إلقاؤه على حدائق اتحاد أدباء ذي
قار –ضمن المنهاج الثقافي للفرع.
( لقراءة فصول من كتاب الف ليلة وليلة )
|