بطاقة
تعريف الكاتب: ألف ليلة وليلة
ليس لهذا الكتاب كاتب ....أو لم يعرف لكتاب "ألف ليلة وليلة" كاتب
معين ، ينسب جزماً إليه....فهو في ذلك على نحو ما هي عليه مؤلفات كثيرة في
العالم ، يحار الرأي العلمي في صحة إنسابها ، كما يحار ،جاداً في حقيقة وجود
بعض الذين تنسب إليهم روائع عالمية كهوميروس وشكسبير....
حتى أن المحققين يحارون في تعيين جنسية واضع "ألف ليلة وليلة" وفي
هل يكون واحداً أم أكثر من واحد؟؟؟
فيذهب الشرواني ، مثلاً في مقدمة الطبعة الإيرانية إلى أن واضع
الكتاب سوري ، جعله في لغة مبسطة متوخياً تعليم اللغة العربية إلى الراغبين
فيها أكثر ما توخى الاقتراب من إفهام الناس...
وقد لحقه الرأي ((De
Sacy )) الذي لا يستبعد أن يكون قد زاد على الأصل السوري النقلة
والحكاؤون ، في كل زمان ومكان ، أخباراً وحكايات من عندهم...
ويميل ((Scott )) في مقدمته للطبعة الإنجليزية إلى أن واضع الكتاب أكثر من رجل
واحد ، فلا يعرف البادئ ولا المتأخرون ولا تعرف جنسياتهم...
أما ((
Langlés )) فعلى رأي المسعودي الذي يردّ الكتاب إلى الهند
**(( المسعودي ، مروج الذهب ، طبعة
Barbier De Meynard
، باريس ، 1914 ، الجزء الرابع ، الصفحة 89 + 90 )) في قوله :
" وإن سبيل الأخبار سبيل الكتب المنقولة إلينا والمترجمة لنا من
الفارسية والهندية والرومية ، سبيل تأليفها ما ذكرنا مثل كتاب "هزار افسانه"
وتفسير ذلك من الفارسية إلى العربية ألف خرافة ، والخرافة بالفارسية يقال لها
افسانه ، والناس يسمون هذا الكتاب "ألف ليلة وليلة" وهو خبر الملك والوزير
وابنته وجاريتها وهما شيرازاد ودنيازاد ، ومثل كتاب فرزة وسيماس وما فيها من
أخبار ملوك الهند والوزراء ومثل كتاب السندباد وغيرها من الكتب في هذا
المعنى"..
ويعطي الأب صالحاني في مقدماته السابقة لهذه الطبعة ستة أدلة
ودليلاً على أن واضع هذا الكتاب عربي ، وقد استند في ذلك بنوع خاص ، إلى أن ما
قاله صاحب الفهرست في الجهشياري:
" قال محمد بن
اسحق :
ابتدأ أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري ، صاحب كتاب الوزراء ،
بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم ، كل جزء
قائم بذاته ، لا يعلق بغيره ، واحضر المسامرين فأخذ عنهم أحسن ما يعرفون
ويحسنون واختار من الكتب المصنفة في الأسماء والخرافات ما يحلو لنفسه ، وكان
فاضلاً ، فاجتمع له من ذلك أربعمائة ليلة وثمانون ليلة ، كل ليلة سمر تامة
تحتوي على خمسين ورقة ، وأقل وأكثر ، ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه
من تتميمه ألف سمر ، ورأيت من ذلك عدة أجزاء بخط أبي الطيب أخي الشافعي"
**(( محمد بن اسحق النديم ، في كتاب الفهرست ، طبعة القاهرة ، السنة 1348 هــ ،
الصفحة 422 + 423 )).
ويستنتج ((
Macdonald )) على أن الأصل الأول لهذا الكتاب فارسي بدليل أن أولى لياليه
منقولة إلى العربية عن "هزار افسانه" .
ويزيد ((
Hommer )) أن "ألف ليلة وليلة" إن لم تكن فارسية فهي هندية.
ثم يتفق ((
Schlegel وGildmeister و
Deslongchamps و
Loisleur )) على إعطاء الكتاب إلى الهند ، مع الإفراد للفرس وللعرب ببعض
الفضل فيه...
فمهما يكن من أمر....ومهما تكب النتائج التي بلغ الباحثون في معرفة
حقيقة واضع هذا الكتاب، فما لا مراء فيه أن كتاب "ألف ليلة وليلة" من نتاج
مخيلة الشعوب الشرقية ، والآسيوية منها على الأخص ، فلا يستطيع أن يدعيه كاتب
من كتّابهم ، ولا يستطيع أن يدعيه شعب من شعوبهم ، إن هو مجموعة حكايات شعبية
ولد بعضها في مخيلة الهنود ، وبعضها في مخيلة الفرس ، وبعضها في مخيلة العرب
والمصريين ، وكان ذلك من أقدم العصور إلى أن خطر في بال غاو أو حكّاء من العرب
أن يجمع كل ذلك في كتاب ، راح بعده الغواة والحكّاؤون يزيدون عليه مع الأيام
حتى عرف أخيراً في نص تعددت صيغه بتعدد المخطوطات التي نقلته إلينا....
وهو ما جعل أن يضم إلى "ألف ليلة وليلة" حكايات ليست في الأصل من
"ألف ليلة وليلة" وإنما هي من جمع جامع ، وإدخال دخيل ككتاب السندباد البحري
وأسفار السندباد ، وكتاب الملك وولده والوزراء السبعة والجارية ، وكتاب الملك
جليعاد وابنه وردخان والوزير شمّاس ، وكتاب الجارية تودد ، وكتاب عجيب وغريب
وسهيم الليل ، وكتاب بلوقيا ، وكتاب سيف الملوك وبديعة الجمال ......وغيرها.
وهكذا لا يكون غريباً أن تنسب إلى الهند وفارس حكايات : المرأة
والعفريت - التاجر الذي يفهم لغة الحيوان – التاجر والعفريت – الصياد والمارد –
التفاحات الثلاث – الفرس الأبنوس – حسن البصري ((من أجمل الأبواب في الكتاب)) –
قمر الزمان وبدور – بدور و جوهرة – اردشير وحياة النفوس ، وهي تدور في معظمها
على الأرواح والجنيات ومداخلتها في حياة الناس....
كما ليس غريباً أن تنسب إلى بغداد حكايات : أنس الوجود – نعم ونعيمة
– القماقم السليمانية – هارون الرشيد والخلفاء – الشعراء والمغنين ، وكل ما
يدور على أخبار التجار والجاريات والحب ، وهي تتميز برشاقة السرد ، وخلوها من
السحر وبميلها إلى ترغيب الناس في الدخول في الإسلام.
أما حكايات: عبد الله البحري وعبد الله البري – أبوقير الصباغ وأبو صير المزين
– أحمد الدنف وحسن شومان مع دليلة المحتالة وزينب النصابة ((قصة أكثر من رائعة
بالفعل)) – إبراهيم بن الخصيب صاحب مصر – قمر الزمان – معروف الإسكافي – مسرور
– نور الدين المصري مع مريم الزنّارية – خليفة الصياد مع القرود واليهودي
....الخ ....حيث تغلب أخبار اللصوص والمحتالين والنصابين والجاويشية والموظفين
والنساء الماكرات . وحيث يحتل المقام الأول الأفيون والحيلة والطلاسم . وحيث
تعود الأرواح إلى البروز على غير ما في الأخبار الهندية والفارسية ، إذ هي تخضع
، هنا ، الإنسان إليها بفعل مشاركتها إياه أشياء حياته ويخضعها الإنسان لإرادته
، هناك، بفعل السحر والطلاسم ، وحيث تتبوأ النكتة مركزها الممتاز ، ويتعمد
الرواة أن يعطوا في سياق سردهم ، كل ما يعرفون من الأوصاف المتعلقة بحياة الناس
اليومية وبعاداتهم ، أما هذه الحكايات فيغلب على الرأي فيها أنها وضعت في
القاهرة على عهد الفاطميين....
تبقى النوادر والأخبار التاريخية المتعلقة بالأدباء والشعراء
والمغنيين ، بأبي نواس ، حاتم طي ، والحجاج ، وجعفر البرمكي ، وهارون الرشيد ،
والخلفاء ، فهي مأخوذة عن كتاب الأغاني ، وكتب الأدب العربي ، وقد حشيت تحشية
في "ألف ليلة وليلة" ، إما لزيادة عدد لياليها ، وإما لإثباتها في كتاب كان قد
بدأ يظهر تأثيره في الناس.
وسواء أثبتت الأنساب الهندية ، والفارسية ، والعربية ، والمصرية ،
أم لم تثبت كلها أو بعضها فيخلص من كل هذه الاشارت التي حاولناها أعلاه:
إنه لا واضع معين لحكايات "ألف ليلة وليلة" ، وإن هي إلا مخيلات
الشعوب الشرقية ...الآسيوية – المصرية اشتركت جميعها في وضعها ، ثم انبرى لها
بالجمع والتدوين كتّاب من القاهرة ، وبغداد ، ودمشق ، ومترجمون من حيثما كان ،
فجمعت في سفر واحد كان النواة الأولى لكتاب راحت تطرأ عليه زيادات في كل عصر
ومصر ، حتى تجمّع من كل هذا مؤلف تتشابه حكاياته ، وقصصه ، وأخباره ، وفصوله ،
في كل مخطوطة وطبعة ، على فوارق ليست بذي بال ، هو كتاب "ألف ليلة وليلة"
....ثم إن للهنود ، في هذا الكتاب ، ما للفرس فيه ، وما للعرب والمصريين ،
حكايات وأخباراً لو لم تكن من وضعهم لما قدر واضع الكتاب على وضعها لوفرة ما
تختص بتصوير طباعهم ، وأحوال معيشتهم ، ولكثرة انطباعها بطابعهم الروحي –
الشخصي.
--------------------------------------
من مقدمة الكتاب الصادر عن
المطبعة الكاثوليكية-بيروت-لبنان
لقراءة المزيد حول الكتاب
عن
الكتاب
الكتاب الذي طاف الدنيا بأرجائها، وتمثل فيه سحر الشرق، وترجم إلى
معظم لغات العالم. طبع بالعربية لأول مرة في ألمانيا سنة (1825) بعناية
المستشرق (هايخت) فأنجز منه ثمانية أجزاء، مع ترجمته إلى الألمانية، وتوفي قبل
إتمام الكتاب، فأنجز الباقي تلميذه فليشر المتوفى سنة (1888م) ثم طبع مرات لا
تحصى أهمها: طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1960م. تقول الحكاية الأم التي تبسط
ظلالها على حكايا الكتاب: (أن الملك شهريار لم يكتف بعدما اكتشف خيانة زوجته
بقتلها هي وجواريه وعبيده، بل صار كل يوم يأخذ بنتاً بكراً فيزيل بكارتها
ويقتلها من ليلتها، فضج الناس وهربت بناتهم...فسألت شهرزاد أباها الوزير أن
يقدمها لشهريار قائلة: (فإما أن أعيش، وإما ان أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً
لخلاصهن) وكان الوزير يطلع كل صباح بالكفن تحت إبطه، بينما ابنته شهرزاد تؤجل
ميعاد موتها بالحكاية تلو الحكاية، حتى أنجبت للملك ثلاثة أولاد في ألف ليلة
قضتها في قصره، وجعلته بحلاوة حديثها وطرافة حكاياها خلقاً آخر). ولا شك في
أننا غير قادرين على تلخيص أثر هذا الكتاب منذ شاع ذكره في أوربا، وليس في
وسعنا هنا إلا تقديم نموذج منها بكتاب (غوته وألف ليلة وليلة) للألمانية
كاترينا مومسن، ترجمة د. أحمد الحمو (دمشق: 1980) حيث عاش غوته منذ نعومة
أظفاره مع هذا الكتاب، وكان يحفظ حكاياته إلى درجة أنه كان يلعب دور شهرزاد
عندما تتاح له الفرصة، وكان في صباه وفي شيخوخته يستخدم رموز الحكايات وصورها
في رسائله، وكان بالنسبة له (كتاب عمره). كل ذلك والترجمة الألمانية لم تكن قد
أنجزت بعد، وإنما كان يرجع إلى الترجمة الفرنسية المجتزئة التي قام بها
المستشرق الفرنسي (أنطوان غالان) خلال الفترة (1704 - 1717م) وذلك قبل أ ن تظهر
الترجمة الألمانية عام (1825م) مما جعل غوته يمضي آخر سني حياته مع هذه
الترجمة، وكانت وفاته سنة (1832م). ونشير هنا إلىالطفرة التي اكتسبتها الدراسات
الدائرة حول (ألف ليلة وليلة) نتيجة لتوثيق محسن مهدي للنسخ العربية في عمل صدر
له في ليدن (1984م). وانظر مجموعة الرسومات التي صاحبت الترجمات الغربية لألف
ليلة وليلة في كتاب (ألف ليلة وليلة: مقالات نقدية وببلوغرافية) كامبريدج، دار
مهجر 1985م بالإنجليزية. وانظر بحثاً مطولاً عن الكتاب في الموقع
فصول من الكتاب
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ومولانا محمد
وعلى آله وصحبه صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.
وبعد، فإن سير الأولين صارت عبرة للآخرين لكي يرى الإنسان العبر التي حصلت
لغيره فيعتبر ويطالع حديث الأمم السالفة وما جرى لهم فينزجر. فسبحان من جعل
حديث الأولين عبرة لقوم آخرين فمن تلك العبر والحكايات التي تسمى ألف ليلة
وليلة وما فيها من الغرائب والأمثال.
حكايات
الملك شهريار وأخيه الملك شاه الزمان
حكي والله أعلم أنه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر
والأوان ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان وخدم وحشم له
ولدان أحدهما كبير والآخر صغير وكانا بطلين وكان الكبير أفرس من الصغير وقد ملك
البلاد وحكم بالعدل بين العباد وأحبه أهل بلاده ومملكته وكان اسمه الملك شهريار
وكان أخوه الصغير اسمه الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجم، ولم يزل الأمر
مستقيماً في بلادهما وكل واحد منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين
سنة وهم في غاية البسط والانشراح.
لم يزالا على هذه الحالة إلى أن اشتاق الكبير إلى أخيه الصغير فأمر
وزيره أن يسافر إليه ويحضر به فأجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة
ودخل على أخيه وبلغه السلام وأعلمه أن أخاه مشتاق إليه وقصده أن يزوره فأجابه
بالسمع والطاعة وتجهز وأخرج خيامه وبغاله وخدمه وأعوانه وأقام وزيره حاكماً في
بلاده وخرج طالباً بلاد أخيه.
فلما كان في نصف الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد
زوجته راقدة في فراشه معانقة عبداً أسود من العبيد، فلما رأى هذا اسودت الدنيا
في وجهه وقال في نفسه: إذا كان هذا الأمر قد وقع وأنا ما فارقت المدينة فكيف
حال هذه العاهرة إذا غبت عند أخي مدة، ثم أنه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في
الفراش ورجع من وقته وساعته وسار إلى أن وصل إلى مدينة أخيه ففرح أخيه بقدومه
ثم خرج إليه ولاقاه وسلم عليه ففرح به غاية الفرح وزين له المدينة وجلس معه
يتحدث بانشراح فتذكر الملك شاه زمان ما كان من أمر زوجته فحصل عنده غم زائد
واصفر لونه وضعف جسمه، فلما رآه أخوه على هذه الحالة ظن في نفسه أن ذلك بسبب
مفارقته بلاده وملكه فترك سبيله ولم يسأل عن ذلك.
ثم أنه قال له في بعض الأيام: يا أخي أنا في باطني جرح، ولم يخبره
بما رأى من زوجته، فقال: إني أريد أن تسافر معي إلى الصيد والقنص لعله ينشرح
صدرك فأبى ذلك فسافر أخوه وحده إلى الصيد.
وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان أخيه فنظروا وإذا بباب
القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبداً وامرأة أخيه تمشي بينهم وهي
غاية في الحسن والجمال حتى وصلوا إلى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم،
وإذا بامرأة الملك قالت: يا مسعود، فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها
وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري، ولم يزالوا في بوس وعناق ونحو ذلك حتى ولى
النهار.
فلما رأى أخو الملك فقال: والله إن بليتي أخف من هذه البلية، وقد
هان ما عنده من القهر والغم وقال: هذا أعظم مما جرى لي، ولم يزل في أكل وشرب.
وبعد هذا جاء أخوه من السفر فسلما على بعضهما، ونظر الملك شهريار
إلى أخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه واحمر وجهه وصار يأكل بشهية بعدما كان
قليل الأكل، فتعجب من ذلك وقال: يا أخي، كنت أراك مصفر الوجه والآن قد رد إليك
لونك فأخبرني بحالك، فقال له: أما تغير لوني فأذكره لك واعف عني إخبارك برد
لوني، فقال له: أخبرني أولاً بتغير لونك وضعفك حتى أسمعه.
فقال له: يا أخي، إنك لما أرسلت وزيرك إلي يطلبني للحضور بين يديك
جهزت حالي وقد بررت من مدينتي، ثم أني تذكرت الخرزة التي أعطيتها لك في قصري
فرجعت فوجدت زوجتي معها عبد أسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما وجئت عليك وأنا
متفكر في هذا الأمر، فهذا سبب تغير لوني وضعفي، وأما رد لوني فاعف عني من أن
أذكره لك.
فلما سمع أخوه كلامه قال له: أقسمت عليك بالله أن تخبرني بسبب رد
لونك، فأعاد عليه جميع ما رآه فقال شهريار لأخيه شاه زمان: اجعل أنك مسافر
للصيد والقنص واختف عندي وأنت تشاهد ذلك وتحققه عيناك، فنادى الملك من ساعته
بالسفر فخرجت العساكر والخيام إلى ظاهر المدينة وخرج الملك ثم أنه جلس في
الخيام وقال لغلمانه لا يدخل علي أحد، ثم أنه تنكر وخرج مختفياً إلى القصر الذي
فيه أخوه وجلس في الشباك المطل على البستان ساعة من الزمان وإذا بالجواري
وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال أخوه واستمروا كذلك إلى العصر.
فلما رأى الملك شهريار ذلك الأمر طار عقله من رأسه وقال لأخيه شاه
زمان: قم بنا نسافر إلى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لأحد
مثلنا أو لا فيكون موتنا خير من حياتنا، فأجابه لذلك. ثم أنهما خرجا من باب سري
في القصر ولم يزالا مسافرين أياماً وليالي إلى أن وصلا إلى شجرة في وسط مرج
عندها عين بجانب البحر المالح فشربا من تلك العين وجلسا يستريحان. فلما كان بعد
ساعة مضت من النهار وإذا هم بالبحر قد هاج وطلع منه عمود أسود صاعد إلى السماء
وهو قاصد تلك المرجة. فلما رأيا ذلك خافا وطلعا إلى أعلى الشجرة وكانت عالية
وصارا ينظران ماذا يكون الخبر، وإذا بجني طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر
على رأسه صندوق فطلع إلى البر وأتى الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها وفتح
الصندوق وأخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية بهية كأنها الشمس المضيئة كما
قال الشاعر:
أشرقت في الدجى فلاح النهار
واستنارت بنورها الأسحـار
من سناها الشموس تشرق لما تنبدي وتنجـلـي
الأقـمـار
تسجد الكـائنـات بـين يديهـا حين تبدو وتهتـك
الأسـتـار
وإذا أومضت بروق حمـاهـا هطلت بالمدامع
الأمـطـار
قال: فلما نظر إليها الجني قال: يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتك
ليلة عرسك أريد أن أنام قليلاً، ثم أن الجني وضع رأسه على ركبتيها ونام فرفعت
رأسها إلى أعلى الشجرة فرأت الملكين وهما فوق تلك الشجرة فرفعت رأس الجني من
فوق ركبتيها ووضعته على الأرض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالإشارة انزلا ولا
تخافا من هذا العفريت فقالا لها: بالله عليك أن تسامحينا من هذا الأمر، فقال
لهما بالله عليكما أن تنزلا وإلا نبهت عليكما العفريت فيقتلكما شر قتلة، فخافا
ونزلا إليها فقامت لهما وقالت ارصعا رصعاً عنيفاً وإلا أنبه عليكما العفريت،
فمن خوفهما قال الملك شهريار لأخيه الملك شاه زمان: يا أخي افعل ما أمرتك به
فقال: لا أفعل حتى تفعل أنت قبلي، وأخذا يتغامزان على نكاحها فقالت لهما ما
أراكما تتغامزان فإن لم تتقدما وتفعلا وإلا نبهت عليكما العفريت، فمن خوفهما من
الجني فعلا ما أمرتهما به فلما فرغا قالت لهما أقفا وأخرجت لهما من جيبها كيساً
وأخرجت لهما منه عقداً فيه خمسمائة وسبعون خاتماً، فقالت لهما: أتدرون ما هذه؟
فقالا لها: لا ندري فقالت لهما أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على
غفلة قرن هذا العفريت فأعطياني خاتميكما أنتما الاثنان الأخران فأعطاها من
يديهما خاتمين فقالت لهما أن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم أنه وضعني في
علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع
البحر العجاج المتلاطم بالأمواج، ويعلم أن المرأة منا إذا أرادت أمر لم يغلبها
شيء كما قال بعضهم:
لا تأمنن إلى النـسـاء
ولا تثق بعهـودهـن
فرضاؤهن وسخطهن معلق بفـروجـهـن
بيدين وداً كـاذبـــاً والغدر حشو ثيابهـن
بحديث يوسف فاعتبر متحذراً من كيدهـن
أو ما تـرى إبـلـيس
فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية العجب وقالا لبعضهما: إذا كان
هذا عفريتاً وجرى له أعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا. ثم أنهما انصرفا من
ساعتهما ورجعا إلى مدينة الملك شهريار ودخلا قصره. ثم أنه رمى عنق زوجته وكذلك
أعناق الجواري والعبيد، وصار الملك شهريار كلما يأخذ بنتاً بكراً يزيل بكارتها
ويقتلها من ليلتها، ولم يزل على ذلك مدة ثلاث سنوات فضجت الناس وهربت ببناتها
ولم يبق في تلك المدينة بنت تتحمل الوطء.
ثم أن الملك أمر الوزير أن يأتيه بنت على جري عادته، فخرج الوزير
وفتش فلم يجد بنتاً فتوجه إلى منزله وهو غضبان مقهور خايف على نفسه من الملك.
وكان الوزير له بنتان ذاتا حسن وجمال وبهاء وقد واعتدال الكبيرة اسمها شهرزاد
والصغيرة اسمها دنيازاد، وكانت الكبيرة قد قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك
المتقدمين وأخبار الأمم الماضيين. قيل أنها جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ
المتعلقة بالأمم السالفة والملوك الخالية والشعراء فقالت لأبيها: مالي أراك
متغيراً حامل الهم والأحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعراً: قل لمن يحمل همـاً
إن هـمـاً لا يدوم
مثل ما يفنى السرور هكذا تفنى الهمـوم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول
إلى الآخر مع الملك فقالت له: بالله يا أبت زوجني هذا الملك فإما أن أعيش وإما
أن أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن من بين يديه، فقال لها: بالله عليك
لا تخاطري بنفسك أبداً، فقالت له: لا بد من ذلك فقال: أخشى عليك أن يحصل لكن ما
حصل الحمار والثور مع صاحب الزرع، فقالت له: وما الذي جرى لهما يا أبت؟
حكاية الحمار والثور مع صاحب
الزرع
قال: اعلمي يا ابنتي أنه كان لبعض التجار أموال ومواش وكان له زوجة
وأولاد وكان الله تعالى أعطاه معرفة ألسن الحيوانات والطير وكان مسكن ذلك
التاجر الأرياف وكان عنده في داره حمار وثور فأتى يوماً الثور إلى مكان الحمار
فوجده منكوساً مرشوشاً وفي معلفه شعير مغربل وتبن مغربل وهو راقد مستريح، وفي
بعض الأوقات ركبه صاحبه لحاجة تعرض له ويرجع على حاله، فلما كان في بعض الأيام
سمع التاجر الثور وهو يقول للحمار: هنيئاً لك ذلك، أنا تعبان وأنت مستريح تأكل
الشعير مغربلاً ويخدمونك وفي بعض الأوقات يركبك صاحبك ويرجع وأنا دائماً للحرث.
فقال له الحمار: إذا خرجت إلى الغيط ووضعوا على رقبتك الناف فارقد
ولا تقم ولو ضربوك فإن قمت فارقد ثانياً فإذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا
تأكله كأنك ضعيف وامتنع عن الأكل والشرب يوماً أو يومين أو ثلاثة فإنك تستريح
من التعب والجهد، وكان التاجر يسمع كلامهما، فلما جاء السواق إلى الثور بعلفه
أكل منه شيئاً يسيراً فأصبح السواق يأخذ الثور إلى الحرث فوجده ضعيفاً فقال له
التاجر: خذ الحمار وحرثه مكانه اليوم كله، فلما رجع آخر النهار شكره الثور على
تفضلاته حيه أراحه من التعب في ذلك اليوم فلم يرد عليه الحمار جواباً وندم أشد
الندامة، فلما رجع كان ثاني يوم جاء المزارع وأخذ الحمار وحرثه إلى آخر النهار
فلم يرجع إلا مسلوخ الرقبة شديد الضعف فتأمله الثور وشكره ومجده فقال له
الحمار: أعلم أني لك ناصح وقد سمعت صاحبنا يقول: إن لم يقم الثور من موضعه
فأعطوه للجزار ليذبحه ويعمل جلده قطعاً وأنا خائف عليك ونصحتك والسلام.
فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في غد أسرح معهم، ثم أن الثور
أكل علفه بتمامه حتى لحس المذود بلسانه، كل ذلك وصاحبهما يسمع كلامهما، فلما
طلع النهار وخرج التاجر وزوجه إلى دار البقر وجلسا فجاء السواق وأخذ الثور
وخرج، فلما رأى الثور صاحبه حرك ذنبه وظرط وبرطع، فضحك التاجر حتى استلقى على
قفاه.
فقالت له زوجته: من أي شيء تضحك فقال لها: شيء رأيته وسمعته ولا
أقدر أن أبيح به فأموت، فقالت له: لا بد أن تخبرني بذلك وما سبب ضحكك ولو كنت
تموت، فقال لها: ما أقدر أن أبوح به خوفاً من الموت، فقالت له: أنت لم تضحك إلا
علي. ثم أنها لم تزل تلح عليه وتلح في الكلام إلى أن غلبت عليه، فتحير أحضر
أولاده وأرسل أحضر القاضي والشهود وأراد أن يوصي ثم يبوح لها بالسر ويموت لأنه
كان يحبها محبة عظيمة لأنها بنت عمه وأم أولاده وكان عمر من العمر مائة وعشرين
سنة.
ثم أنه أرسل وأحضر جميع أهلها وأهل جارته وقال لهم حكايته وأنه متى
قال لأحد على سره مات، فقال لها جميع الناس ممن حضر: بالله عليك اتركي هذا
الأمر لئلا يموت زوجك أبو أولادك، فقالت لهم: لا أرجع عنه حتى يقول لي ولو
يموت. فسكتوا عنها. ثم أن التاجر قام من عندهم وتوجه إلى دار الدواب ليتوضأ ثم
يرجع يقول لهم ويموت.
وكان عنده ديك تحته خمسون دجاجة، وكان عنده كلب، فسمع التاجر الكلب
وهو ينادي الديك ويسبه ويقول له: أنت فرحان وصاحبنا رايح يموت، فقال الديك
للكلب: وكيف ذلك الأمر؟ فأعاد الكلب عليه القصة فقال له الديك: والله إن صاحبنا
قليل العقل. أنا لي خمسون زوجة أرضي هذه وأغضب هذه وهو ما له إلا زوجة واحدة
ولا يعرف صلاح أمره معها، فما له لا يأخذ لها بعضاً من عيدان التوت ثم يدخل إلى
حجرتها ويضربها حتى تموت أو تتوب ولا تعود تسأله عن شيء.
قال: فلما سمع التاجر كلام الديك وهو يخاطب الكلب رجع إلى عقله وعزم
على ضربها، ثم قال الوزير لابنته شهرزاد ربما فعل بك مثل ما فعل التاجر بزوجته،
فقالت له: ما فعل؟ قال: دخل عليها الحجرة بعدما قطع لها عيدان التوت وخبأها
داخل الحجرة وقال لها: تعالي داخل الحجرة حتى أقول لك ولا ينظرني أحد ثم أموت،
فدخلت معه، ثم أنه قفل باب الحجرة عليهما ونزل عليها بالضرب إلى أن أغمي عليها،
فقالت له: تبت، ثم أنها قبلت يديه ورجليه وتابت وخرجت وإياه وفرح الجماعة
وأهلها وقعدوا في أسر الأحوال إلى الممات.
فلما سمعت ابنة الوزير مقالة أبيها قالت له: لا بد من ذلك، فجهزها
وطلع إلى الملك شهريار وكانت قد أوصت أختها الصغيرة وقالت لها: إذا توجهت إلى
الملك أرسلت أطلبك فإذا جئت عندي ورأيت الملك قضى حاجته مني قولي يا أختي
حدثينا حديثاً غريباً نقطع به السهر وأنا أحدثك حديثاً يكون فيه الخلاص إن شاء
الله.
ثم أن أباها الوزير طلع بها إلى الملك فلما رآه فرح وقال: أتيت
بحاجتي فقال: نعم، فلما أراد أن يدخل عليها بكت، فقال لها: ما بك؟ فقالت: أيها
الملك إن لي أختاً صغيرة أريد أن أودعها، فأرسلها الملك إليها فجاءت إلى أختها
وعانقتها وجلست تحت السرير فقام الملك وأخذ بكارتها ثم جلسوا يتحدثون، فقالت
لها أختها الصغيرة: بالله عليك يا أختي حدثينا حديثاً نقطع به سهر ليلتنا
فقالت: حباً وكرامة إن أذن الملك المهذب، فلما سمع ذلك الكلام وكان به قلق ففرح
بسماع الحديث.
حكاية التاجر مع العفريت
الليلة الأولى
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان تاجر من التجار، كثير المال
والمعاملات في البلاد قد ركب يوماً وخرج يطالب في بعض البلاد فاشتد عليه الحر
فجلس تحت شجرة وحط يده في خرجه وأكل كسرة كانت معه وتمرة، فلما فرغ من أكل
التمرة رمى النواة وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف، فدنا من ذلك التاجر
وقال له: قم حتى أقتلك مثل ما قتلت ولدي، فقال له التاجر: كيف قتلت ولدك؟ قال
له: لما أكلت التمرة ورميت نواتها جاءت النواة في صدر ولدي فقضي عليه ومات من
ساعته فقال التاجر للعفريت: أعلم أيها العفريت أني على دين ولي مال كثير وأولاد
وزوجة وعندي رهون فدعني أذهب إلى بيتي وأعطي كل ذي حق حقه ثم أعود إليك، ولك
علي عهد وميثاق أني أعود إليك فتفعل بي ما تريد والله على ما أقول وكيل.
فاستوثق منه الجني وأطلقه فرجع إلى بلده وقضى جميع تعلقاته وأوصل الحقوق إلى
أهلها وأعلم زوجته وأولاده بما جرى له فبكوا وكذلك جميع أهله ونساءه وأولاده
وأوصى وقعد عندهم إلى تمام السنة ثم توجه وأخذ كفنه تحت إبطه وودع أهله وجيرانه
وجميع أهله وخرج رغماً عن أنفه وأقيم عليه العياط والصراخ فمشى إلى أن وصل إلى
ذلك البستان وكان ذلك اليوم أول السنة الجديدة فبينما هو جالس يبكي على ما يحصل
له وإذا بشيخ كبير قد أقبل عليه ومعه غزالة مسلسلة فسلم على هذا التاجر وحياه
وقال له: ما سبب جلوسك في هذا المكان وأنت منفرد وهو مأوى الجن؟ فأخبره التاجر
بما جرى له مع ذلك العفريت وبسبب قعوده في هذا المكان فتعجب الشيخ صاحب الغزالة
وقال: والله يا أخي ما دينك إلا دين عظيم وحكايتك حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر
على آفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر ثم أنه جلس بجانبه وقال والله يا أخي لا
أبرح من عندك حتى أنظر ما يجري لك مع ذلك العفريت ثم أنه جلس عنده يتحدث معه
فغشي على ذلك التاجر وحصل له الخوف والفزع والغم الشديد والفكر المزيد وصاحب
الغزالة بجانبه فإذا بشيخ ثان قد أقبل عليهما ومعه كلبتان سلاقيتان من الكلاب
السود. فسألهما بعد السلام عليهما عن سبب جلوسهما في هذا المكان وهو مأوى الجان
فأخبراه بالقصة من أولها إلى آخرها فلم يستقر به الجلوس حتى أقبل عليهم شيخ
ثالث ومعه بغلة زرزورية فسلم عليهم وسألهم عن سبب جلوسهم في هذا المكان فأخبروه
بالقصة من أولها إلى آخرها وبينما كذلك إذا بغبرة هاجت وزوبعة عظيمة قد أقبلت
من وسط تلك البرية فانكشفت الغبرة وإذا بذلك الجني وبيده سيف مسلول وعيونه ترمي
بالشرر فأتاهم وجذب ذلك التاجر من بينهم وقال له: قم أقتلك مثل ما قتلت ولدي
وحشاشة كبدي فانتحب ذلك التاجر وبكى وأعلن الثلاثة شيوخ بالبكاء والعويل
والنحيب فانتبه منهم الشيخ الأول وهو صاحب الغزالة وقبل يد ذلك العفريت وقال
له: يا أيها الجني وتاج ملوك الجان إذا حكيت لك حكايتي مع هذه الغزالة ورأيتها
عجيبة، أتهب لي ثلث دم هذا التاجر؟ قال: نعم. يا أيها الشيخ، إذا أنت حكيت لي
الحكاية ورأيتها عجيبة وهبت لك ثلث دمه فقال ذلك الشيخ الأول: اعلم يا أيها
العفريت أن هذه الغزالة هي بنت عمي ومن لحمي ودمي وكنت تزوجت بها وهي صغيرة
السن وأقمت معها نحو ثلاثين سنة فلم أرزق منها بولد فأخذت لي سرية فرزقت منها
بولد ذكر كأنه البدر إذا بدا بعينين مليحتين وحاجبين مزججين وأعضاء كاملة فكبر
شيئاً فشيئاً إلى أن صار ابن خمس عشرة سنة فطرأت لي سفرة إلى بعض المدائن
فسافرت بمتجر عظيم وكانت بنت عمي هذه الغزالة تعلمت السحر والكهانة من صغرها
فسحرت ذلك الولد عجلاً وسحرت الجارية أمه بقرة وسلمتها إلى الراعي، ثم جئت أنا
بعد مدة طويلة من السفر فسألت عن ولدي وعن أمه فقالت لي جاريتك ماتت وابنك هرب
ولم أعلم أين راح فجلست مدة سنة وأنا حزين القلب باكي العين إلى أن جاء عيد
الضحية فأرسلت إلى الراعي أن يخصني ببقرة سمينة وهي سريتي التي سحرتها تلك
الغزالة فشمرت ثيابي وأخذت السكين بيدي وتهيأت لذبحها فصاحت وبكت بكاء شديداً
فقمت عنها وأمرت ذلك الراعي فذبحها وسلخها فلم يجد فيها شحماً ولا لحماً غير
جلد وعظم فندمت على ذبحها حيث لا ينفعني الندم وأعطيتها للراعي وقلت له:
ائتني بعجل سمين فأتاني بولدي المسحور عجلاً فلما رآني ذلك العجل
قطع حبله وجاءني وتمرغ علي وولول وبكى فأخذتني الرأفة عليه وقلت للراعي ائتني
ببقرة ودع هذا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. فقالت لها أختها:
ما أطيب حديثك وألطفه وألذه وأعذبه فقالت: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة
القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال الملك في نفسه: والله ما أقتلها حتى أسمع
بقية حديثها ثم أنهم باتوا تلك الليلة إلى الصباح متعانقين فخرج الملك إلى محل
حكمه وطلع الوزير بالكفن تحت إبطه ثم حكم الملك وولي وعزل إلى آخر النهار ولم
يخبر الوزير بشيء من ذلك فتعجب الوزير غاية العجب ثم انفض الديوان ودخل الملك
شهريار قصره.
وفي الليلة الثانية
وقالت دنيازاد لأختها شهرزاد: يا أختي أتممي لنا حديثك الذي هو حديث
التاجر والجني. قالت حباً وكرامة إن أذن لي الملك، في ذلك، فقال لها الملك:
احكي، فقالت: بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد أنه لما رأى بكاء العجل
حن قلبه إليه وقال للراعي: ابق هذا العجل بين البهائم. كل ذلك والجني يتعجب من
حكاية ذلك الكلام العجيب ثم قال صاحب الغزالة: يا سيد ملوك الجان كل ذلك جرى
وابنة عمي هذه الغزالة تنظر وترى وتقول اذبح هذا العجل فإنه سمين، فلم يهن علي
أن أذبحه وأمرت الراعي أن يأخذه وتوجه به، ففي ثاني يوم وأنا جالس وإذا بالراعي
أقبل علي وقال: يا سيدي إني أقول شيئاً تسر به ولي البشارة. فقلت: نعم فقال:
أيها التاجر إن لي بنتاً كانت تعلمت السحر في صغرها من امرأة عجوز كانت عندنا،
فلما كنا بالأمس وأعطيتني العجل دخلت به عليها فنظرت إليه ابنتي وغطت وجهها
وبكت ثم إنها ضحكت وقالت: يا أبي قد خس قدري عندك حتى تدخل علي الرجال الأجانب.
فقلت لها: وأين الرجال الأجانب ولماذا بكيت وضحكت؟ فقالت لي أن هذا العجل الذي
معك ابن سيدي التاجر ولكنه مسحور وسحرته زوجة أبيه هو وأمه فهذا سبب ضحكي وأما
سبب بكائي فمن أجل أمه حيث ذبحها أبوه فتعجبت من ذلك غاية العجب وما صدقت بطلوع
الصباح حتى جئت إليك لأعلمك فلما سمعت أيها الجني كلام هذا الراعي خرجت معه
وأنا سكران من غير مدام من كثرة الفرح والسرور والذي حصل لي إلى أن أتيت إلى
داره فرحبت بي ابنة الراعي وقبلت يدي ثم إن العجل جاء إلي وتمرغ علي فقلت لابنة
الراعي: أحق ما تقولينه عن ذلك العجل؟ فقالت: نعم يا سيدي إيه ابنك وحشاشة كبدك
فقلت لها: أيها الصبية إن أنت خلصتيه فلك عندي ما تحت يد أبيك من المواشي
والأموال فتبسمت وقالت: يا سيدي ليس لي رغبة في المال إلا بشرطين: الأول: أن
تزوجني به والثاني: أن أسر من سحرته وأحبسها وإلا فلست آمن مكرها فلما سمعت
أيها الجني كلام بنت الراعي قلت: ولك فوق جميع ما تحت يد أبيك من الأموال زيادة
وأما بنت عمي فدمها لك مباح.
فلما سمعت كلامي أخذت طاسة وملأتها ماء ثم أنها عزمت عليها ورشت بها
العجل وقالت:
إن كان الله خلقك عجلاً فدم على هذه الصفة ولا تتغير وإن كنت
مسحوراً فعد إلى خلقتك الأولى بإذن الله تعالى وإذا به انتفض ثم صار إنساناً
فوقعت عليه وقلت له: بالله عليك احك لي جميع ما صنعت بك وبأمك بنت عمي فحكى لي
جميع ما جرى لهما فقلت: يا ولدي قد قيض الله لك من خلصك وخلص حقك ثم إني أيها
الجني زوجته ابنة الراعي ثم أنها سحرت ابنة عمي هذه الغزالة وجئت إلى هنا فرأيت
هؤلاء الجماعة فسألتهم عن حالهم فأخبروني بما جرى لهذا التاجر فجلست لأنظر ما
يكون وهذا حديثي فقال الجني: هذا حديث عجيب وقد وهبت لك ثلث دمه فعند ذلك تقدم
الشيخ صاحب الكلبتين السلاقيتين وقال له: اعلم يا سيد ملوك الجان أن هاتين
الكلبتين أخوتي وأنا ثالثهم ومات والدي وخلف لنا ثلاثة آلاف دينار ففتحت دكاناً
أبيع فيه وأشتري وسافر أخي بتجارته وغاب عنا مدة سنة مع القوافل ثم أتى وما معه
شيء فقلت له: يا أخي أما أشرت عليك بعدم السفر؟ فبكى وقال: يا أخي قدر الله عز
وجل علي بهذا ولم يبق لهذا الكلام فائدة ولست أملك شيئاً فأخذته وطلعت به إلى
الدكان ثم ذهبت به إلى الحمام وألبسته حلة من الملابس الفاخرة وأكلت أنا وإياه
وقلت له: يا أخي إني أحسب ربح دكاني من السنة إلى السنة ثم أقسمه دون رأس المال
بيني وبينك ثم إني عملت حساب الدكان من بربح مالي فوجدته ألفي دينار فحمدت الله
عز وجل وفرحت غاية الفرح وقسمت الربح بيني وبينه شطرين وأقمنا مع بعضنا أياماً
ثم إن أخوتي طلبوا السفر أيضاً وأرادوا أن أسافر معهم فلم أرض وقلت لهم: أي شيء
كسبتم من سفركم حتى أكسب أنا؟ فألحوا علي ولم أطعهم بل أقمنا في دكاكيننا نبيع
ونشتري سنة كاملة وهم يعرضون علي السفر وأنا لم أرض حتى مضت ست سنوات كوامل.
ثم وافقتهم على السفر وقلت لهم: يا أخوتي إننا نحسب ما عندنا من
المال فحسبناه فإذا هو ستة آلاف دينار فقلت: ندفن نصفها تحت الأرض لينفعا إذا
أصابنا أمر ويأخذ كل واحد منا ألف دينار ونتسبب فيها قالوا: نعم الرأي فأخذت
المال وقسمته نصفين ودفنت ثلاثة آلاف دينار. وأما الثلاثة آلاف الأخرى فأعطيت
كل واحد منهم ألف دينار وجهزنا بضائع واكترينا مركباً ونقلنا فيها حوائجنا
وسافرنا مدة شهر كامل إلى أن دخلنا مدينة وبعنا بضائعنا فربحنا في الدينار عشرة
دنانير ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق مقطع فقبلت يدي
وقالت: يا سيدي هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما؟ قلت: نعم إن عندي الإحسان
والمعروف ولو لم تجازيني فقالت: يا سيدي تزوجني وخذني إلى بلادك فإني قد وهبتك
نفسي فافعل معي معروفاً لأني ممن يصنع معه المعروف والإحسان، ويجازي عليهما ولا
يغرنك حالي. فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يريده الله عز وجل، فأخذتها
وكسوتها وفرشت لها في المركب فرشاً حسناً وأقبلت عليها وأكرمتها ثم سافرنا وقد
أحبها قلبي محبة عظيمة وصرت لا أفارقها ليلاً ولا نهاراً أو اشتغلت بها عن
إخوتي، فغاروا مني وحسدوني على مالي وكثرت بضاعتي وطمحت عيونهم في المال جميعه،
وتحدثوا بقتلي وأخذ مالي وقالوا: نقتل أخانا ويصير المال جميعه لنا، وزين لهم
الشيطان أعمالهم فجاؤوني وأنا نايم بجانب زوجتي ورموني في البحر فلما استيقظت
زوجتي انتفضت فصارت عفريتة وحملتني وأطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلاً وعادت
إلي عند الصباح، وقالت لي: أنا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل بإذن الله
تعالى، واعلم أني جنية رأيتك فحبك قلبي وأنا مؤمنة بالله ورسوله فجئتك بالحال
الذي رأيتني فيه فتزوجت بي وها أنا قد نجيتك من الغرق، وقد غضبت على إخوتك ولا
بد أن أقتلهم. فلما سمعت حكايتها تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها أما هلاك
إخوتي فلا ينبغي ثم حكيت لها ما جرى لي معهم من أول الزمان إلى آخره.
فلما سمعت كلامي قالت: أنا في هذه الليلة أطير إليهم وأغرق مراكبهم
وأهلكهم، فقلت لها: بالله لا تفعلي فإن صاحب المثل يقول: يا محسناً لمن أساء
كفي المسيء فعله وهم إخوتي على كل حال، قالت لا بد من قتلهم، فاستعطفتها ثم
أنها حملتني وطارت، فوضعتني على سطح داري ففتحت الأبواب وأخرجت الذي خبأته تحت
الأرض وفتحت دكاني بعد ما سلمت على الناس واشتريت بضائع، فلما كان الليل، دخلت
داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها، فلما رأياني قاما إلي وبكيا وتعلقا
بي، فلم أشعر إلا وزوجتي قالت هؤلاء إخوتك فقلت من فعل بهم هذا الفعل قالت أنا
أرسلت إلى أختي ففعلت بهم ذلك وما يتخلصون إلا بعد عشر سنوات، فجئت وأنا سائر
إليها تخلصهم بعد إقامتهم عشر سنوات، في هذا الحال، فرأيت هذا الفتى فأخبرني
بما جرى له فأردت أن لا أبرح حتى أنظر ما يجري بينك وبينه وهذه قصتي.
قال الجني: إنها حكاية عجيبة وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته فعند
ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة، وقال للجني أنا أحكي لك حكاية أعجب من
حكاية الاثنين، وتهب لي باقي دمه وجنايته، فقال الجني نعم فقال الشيخ أيها
السلطان ورئيس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي سافرت وغبت عنها سنة كاملة، ثم
قضيت سفري وجئت إليها في الليل فرأيت عبد أسود راقد معها في الفراش وهما في
كلام وغنج وضحك وتقبيل وهراش فلما رأتني عجلت وقامت إلي بكوز فيه ماء فتكلمت
عليه ورشتني، وقالت اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب فصرت في الحال كلباً
فطردتني من البيت فخرجت من الباب ولم أزل سائراً، حتى وصلت دكان جزار فتقدمت
وصرت آكل من العظام.
فلما رآني صاحب الدكان أخذني ودخل بي بيته فلما رأتني بنت الجزار
غطت وجهها مني فقالت أتجيء لنا برجل وتدخل علينا به فقال أبوها أين الرجل قالت
إن هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على تخليصه فلما سمع أبوها كلامها قال:
بالله عليك يا بنتي خلصيه فأخذت كوزاً فيه ماء وتكلمت عليه ورشت علي منه قليلاً
وقالت: اخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى، فصرت إلى صورتي الأولى فقبلت يدها
وقلت لها: أريد أن تسحري زوجتي كما سحرتني فأعطتني قليلاً من الماء، وقالت إذا
رأيتها نائمة فرش هذا الماء عليها فإنها تصير كما أنت طالب فوجدتها نائمة فرششت
عليها الماء، وقلت اخرجي من هذه الصورة إلى صورة بغلة فصارت في الحال بغلة وهي
هذه التي تنظرها بعينك أيها السلطان ورئيس ملوك الجان، ثم التفت إليها وقال:
أصحيح هذا فهزت رأسها وقالت بالإشارة نعم هذا صحيح فلما فرغ من حديثه اهتز
الجني من الطرب ووهب له باقي دمه وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
فقالت لها أختها: يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت:
أين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال الملك: والله
لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى
الصباح، فخرج الملك إلى محل حكمه ودخل عليه الوزير والعسكر واحتبك الديوان فحكم
الملك وولى وعزل ونهى وأمر إلى آخر النهار ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار
إلى قصره.
حكاية الحمال مع البنات
فإنه كان إنسان من مدينة بغداد وكان حمالاً. فبينما هو في السوق
يوماً منا لأيام متكئاً على قفصه إذ وقفت عليه امرأة ملتفة بإزار موصلي من حرير
مزركش بالذهب وحاشيتاه من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوجاء بأهداب
وأجفان وهي ناعمة الأطراف كاملة الأوصاف، وبعد ذلك قالت بحلاوة لفظها: هات قفصك
واتبعني. فحمل الحمال القفص وتبعها إلى أن وقفت على باب دار فطرقت الباب فنزل
له رجل نصراني، فأعطته ديناراً وأخذت منه مقداراً من الزيتون وضعته في القفص
وقالت له: احمله واتبعني، فقال الحمال: هذا والله نهار مبارك.
ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحاً
شامياً وسفرجلاً عثمانياً وخوخاً عمانياً وياسميناً حلبياً وبنو فراده شقياً
وخياراً نيلياً وليموناً مصرياً وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجاً ووضعت الجميع
في قفص الحمال وقالت له: احمل، فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت له: اقطع
عشرة أرطال لحمة فقطع لها، ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص وقالت له:
احمل يا حمال فحمل وتبعها، ثم وقفت على النقلي وأخذت من سائر النقل وقالت
للحمال: احمل واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن وقفت على دكان الحلواني واشترت
طبقاً وملأته جميع ما عنده من مشبك وقطايف وميمونة وأمشاط وأصابع ولقيمات
القاضي ووضعت جميع أنواع الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص. فقال الحمال: لو
أعلمتني لجئت معي ببغل تحمل عليه هذه الأشياء، فتبسمت.
ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر وخلافه
وأخذت قدراً من السكر وأخذت ماء ورد ممسك وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكاً
وأخذت شمعاً اسكندرانياً ووضعت الجميع في القفص وقالت للحمال: احمل قفصك
واتبعني، فحمل القفص وتبعها إلى أن أتت داراً مليحة وقدامها رحبة فسيحة وهي
عالية البنيان مشيدة الأركان بابها صنع من الأبنوس مصفح بصفائح الذهب الأحمر،
فوقفت الصبية على الباب ودقت دقاً لطيفاً وإذا بالباب انفتح بشقتيه.
فنظر الحمال إلى من فتح لها الباب فوجدها صبية رشيقة القد قاعدة
النهد ذات حسن وجمال وقد واعتدال وجبين كثغرة الهلال وعيون كعيون الغزلان
وحواجب كهلال رمضان وخدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في
الإشراق ونهدين كرمانتين وبطن مطوي تحت الثياب كطي السجل للكتاب.
فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه، ثم
قال: ما رأيت عمري أبرك من هذا النهار، فقالت الصبية البوابة للدلالة والحمال
مرحبا وهي من داخل الباب ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات
تراكيب وشاذر وأثاث ومصاطب وسدلات وخزائن عليها الستور مرخيات، وفي وسط القاعة
سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر منصوب عليه ناموسية منا لأطلس الأحمر ومن
داخله صبية بعيون بابلية وقامة ألفية ووجه يخجل الشمس المضيئة، فكأنها بعض
الكواكب الدرية أو عقيلة عربية كما قال فيها الشاعر:
من قاس قدك بالغصن الرطيب فقد
أضحى القياس به زوراً وبهتانـا
الغصن أحسن ما تلقاه مكتـسـبـاً
وأنت أحسن ما تلقـاه عـريانـا
فنهضت الصبية الثالثة من فوق السرير وخطرت قليلاً إلى أن صارت في
وسط القاعة عند أختيها وقالت: ما وقوفهم، حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين،
فجاءت الدلالة من قدامه والبوابة من خلفه، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال
وأفرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في محله وأعطين الحمال دينارين وقلن له: توجه
يا حمال، فنظر إلى البنات وما هن فيه من الحسن والطبائع الحسان فلم ير أحسن
منهن ولكن ليس عندهن رجال.
ونظر ما عندهن من الشراب والفواكه والمشمومات وغير ذلك فتعجب غاية
العجب ووقف عن الخروج، فقالت له الصبية: ما بالك لا تروح؟ هل أنت استقللت
الأجرة، والتفتت إلى أختها وقالت لها: أعطيه ديناراً آخر فقال الحمال: والله يا
سيداتي إن أجرتي نصفان، وما استقللت الأجرة وإنما اشتغل قلبي وسري بكن وكيف
حالكن وأنتن وحدكن وما عندكن رجال ولا أحد يؤانسكن وأنتن تعرفن أن المنارة لا
تثبت إلا على أربعة وليس لكن رابع، وما يكمل حظ النساء إلا بالرجال كما قال
الشاعر: انظر إلى أربع عندي قد اجتمعت جنك وعود وقانون ومـزمـار
أنتن ثلاثة فتفتقرن إلى رابع يكون رجلاً عاقلاً لبيباً حاذقاً
وللأسرار كاتماً فقلن له: نحن بنات ونخاف أن نودع السر عند من لا يحفظه، وقد
قرأنا في الأخبار شعراً:
صن
عن سواك السر لا تودعنه
من أودع السر فقد ضـيعـه
فلما سمع الحمال كلامهن قال: وحياتكن أني رجل عاقل أمين قرأت الكتب
وطالعت التواريخ، أظهر الجميل وأخفي القبيح وأعمل بقول الشاعر:
لا
يكتم السر إلا كل ذي ثـقة
والسر عند خيار الناس مكتوم
السر عندي في بيت له غلـق
ضاعت
الفاتحة والباب مختوم
فلما سمعت البنات الشعر والنظام وما أبداه من الكلام قلن له: أنت
تعلم أننا غرمنا على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به، فنحن لا
ندعك تجلس عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لأن خاطرك أن تجلس عندنا وتصير
نديمنا وتطلع على وجوهنا الصباح الملاح. فقالت صاحبة الدار: وإذا كانت بغير
المال محبة فلا تساوي وزن حبة، وقالت البوابة إن يكن معك شيء رح بلا شيء فقالت
الدلالة يا أختي نكف عنه فوالله ما قصر اليوم معنا ولو كان غيره ما طول روحه
علينا ومهما جاء عليه أغرمه عنه.
ففرح الحمال وقال والله ما استفتحت بالدراهم إلا منكن، فقلن له اجلس
على الرأس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام وعملت
الخضرة على جانب البحر وأحضرت ما يحتاجون إليه ثم قدمت وجلست هي وأختها وجلس
الحمال بينهن وهو يظن أنه في المنام. ولم يزل الحمال معهن في عناق وتقبيل وهذه
تكلمه وهذه تجذبه وهذه بالمشموم تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم.
فلما تحكم الشراب معهم قامت البوابة وتجردت من ثيابها وصارت عريانة
ثم رمت نفسها في تلك البحيرة ولعبت في الماء وأخذت الماء في فمها وبخت الحمال
ثم غسلت أعضاءها وما بين فخذيها ثم طلعت من الماء ورمت نفسها في حجر الحمال
وقالت له يا حبيبي ما اسم هذا وأشارت إلى فرجها.
فقال الحمال رحمك، فقالت يوه أما تستحي ومسكته من رقبته وصارت تصكه
فقال فرجك، فقالت غيره فقال: كسك، فقالت غيره فقال زنبورك، فلم تزل تصكه حتى
ذاب قفاه ورقبته من الصك، ثم قال لها وما اسمه فقالت له: حبق الجسور، فقال
الحمد لله على السلامة يا حبق الجسور. ثم أنهم أداروا الكأس والطاس.
فقامت الثانية وخلعت ثيابها ورمت نفسها في تلك البحيرة وعملت مثل
الأولى وطلعت ورمت نفسها في حجر الحمال، وأشارت إلى فرجها وقالت له نور عيني ما
اسم هذا قال فرجك، فقالت له: ما يقبح عليك هذا الكلام وصكته كفاطن له سائر ما
في القاعة فقال حبك الجسور، فقالت له: لا، والضرب والصك من قفاه فقال لها وما
اسمه فقالت له السمسم المقشور.
ثم قامت الثالثة وخلعت ثيابها ونزلت تلك البحيرة وفعلت مثل من قبلها
ثم لبست ثيابها وألقت نفسها في حجر الحمال وقالت له أيضاً ما اسم هذا وأشارت
إلى فرجها، فصار يقول لها كذا وكذا إلى أن قال لها وهي تضربه وما اسمه فقالت
خان أبي منصور.
ثم بعد ساعة قام الحمال ونزع ثيابه ونزل البحيرة وذكره يسبح في
الماء وغسل مثل ما غسلن. ثم طلع ورمى نفسه في حجر سيدتهن ورمى ذراعيه في حجر
البوابة ورمى رجليه في حجر الدلالة ثم أشار إلى أيره، وقال: يا سيدتي ما اسم
هذا فضحك الكل على كلامه حتى انقلبن على ظهورهن وقلن زبك قال لا وأخذ من كل
واحدة عضة قلن أيرك قال لا، وأخذ من كل واحدة حضناً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت
عن الكلام المباح.
في الليلة العاشرة
قالت لها أختها دنيازاد: يا أختي أتمي لنا حديثك قالت حباً وكرامة:
قد بلغني أيها الملك السعيد أنهن لم يزلن يقلن زبك، أيرك وهو يقبل ويعانق وهن
يتضاحكن إلى أن قلن له وما اسمه قال: اسمه البغل الجسور الذي رعى حبق الجسور
ويلعق السمسم المقشور ويبيت في خان أبي منصور فضحكن حتى استلقين على ظهورهن ثم
عادوا إلى منادمتهم ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل عليهم فقلن للحمال توجه
وأرنا عرض أكتافك.
فقال الحمال والله خروج الروح أهون من الخروج من عندكن، دعونا نصل
الليل بالنهار وكل منا يروح في حال سبيله فقالت الدلالة بحياتي عندكن تدعنه
ينام عندنا نضحك عليه فإنه خليع ظريف فقلن له: تبيت عندنا بشرط أن تدخل تحت
الحكم ومهما رأيته لا تسأل عنه ولا عن سببه، فقالت نعم، فقلن قم واقرأ ما على
الباب مكتوباً، فقام إلى الباب فوجد مكتوباً عليه بماء الذهب: لا تتكلم فيما لا
يعنيك تسمع ما لا يرضيك.
فقال الحمال اشهدوا أني لا أتكلم فيما لا يعنيني، ثم قامت الدلالة
وجهزت لهم مأكولاً ثم أوقدوا الشمع والعود وقعدوا في أكل وشرب وإذا هم سمعوا دق
الباب فلم يختل نظامهم فقامت واحدة منهن إلى الباب ثم عادت وقالت كمل صفاؤنا في
هذه الليلة لأني وجدت بالباب ثلاثة أعجام ذقونهم محلوقة وهم عور بالعين الشمال
وهذا من أعجب الاتفاق، وهم ناس غرباء قد حضروا من أرض الروم ولكل واحد منهم شكل
وصورة مضحكة، فإن دخلوا نضحك عليهم. ولم تزل تتلطف بصاحبتيها حتى قالتا لها
دعيهم يدخلون واشترطي عليهم أن لا يتكلموا في ما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا
يرضيهم. ففرحت وزاحت ثم عادت ومعها الثلاثة العور ذقونهم محلوقة وشواربهم
مبرومة ممشوقة وهم صعاليك فسلموا فقام لهم البنات وأقعدوهم فنظر الرجال الثلاثة
إلى الحمال فوجدوه سكران فلما عاينوه ظنوا أنه منهم وقالوا: هو صعلوك مثلنا
يؤانسنا.
فلما سمع الحمال هذا الكلام قام وقلب عينيه وقال لهم: اقعدوا بلا
فضول أما قرأتم ما على الباب فضحك البنات وقلن لبعضهن إننا نضحك على الصعاليك
والحمال، ثم وضعن الأكل للصعاليك فأكلوا ثم جلسوا يتنادمون والبوابة تسقيهم.
ولما دار الكأس بينهم قال الحمال للصعاليك يا إخواننا هل معكم حكاية
أو نادرة تسلوننا بها فديت فيهم الحرارة وطلبوا آلات اللهو فأحضرت لهم البوابة
فلموصليا وعوداً عراقياً وجنكاً عجمياً فقام الصعاليك واقفين وأخذ واحد منهم
الدف، وأخذ واحد العود، وأخذ واحد الجنك وضربوا بها وغنت البنات وصار لهم صوت
عال. فبينما هم كذلك وإذا بطارق يطرق الباب، فقامت البوابة لتنظر من بالباب
وكان السبب في دق الباب أن في تلك الليلة نزل هارون الرشيد لينظر ويسمع ما
يتجدد من الأخبار هو وجعفر وزيره وسياف نقمته، وكان من عادته أن يتنكر في صفة
التجار، فلما نزل تلك الليلة ومشى في المدينة جاءت طريقهم على تلك الدار فسمعوا
آلات الملاهي فقال الخليفة جعفر هؤلاء قوم قد دخل السكر فيهم ونخشى أن يصيبنا
منهم شر، فقال لا بد من دخولنا وأريد أن نتحيل حتى ندخل عليهم فقال جعفر: سمعاً
وطاعة.
ثم تقدم جعفر وطرق الباب فخرجت البوابة وفتحت الباب، فقال لها: يا
سيدتي نحن تجار من طبرية ولنا في بغداد عشرة أيام ومعنا تجارة ونحن نازلون في
خان التجار وعزم علينا تاجر في هذه الليلة فدخلنا عنده وقدم لنا طعاماً فأكلنا
ثم تنادمنا عنده ساعة، ثم أذن لنا بالانصراف فخرجنا بالليل ونحن غرباء فتهنا عن
الخان الذي نحن فيه فنرجو من مكارمكم أن تدخلونا هذه الليلة نبيت عندكم ولكم
الثواب فنظرت البوابة إليهم فوجدتهم بهيئة التجار وعليهم الوقار فدخلت
لصاحبتيها وشاورتهما فقالتا لها أدخليهم.
فرجعت وفتحت لهم الباب فقالوا ندخل بإذنك، قالت ادخلوا فدخل الخليفة
وجعفر ومسرور فلما أتتهم البنات قمن لهم وخدمنهم وقلن مرحباً وأهلاً وسهلاً
بضيوفنا، ولنا عليكم شرط أن لا تتكلموا فيما لا يعنيكم فتسمعوا ما لا يرضيكم
قالوا نعم. وبعد ذلك جلسوا للشراب والمنادمة فنظر الخليفة إلى الصعاليك الثلاثة
فوجدهم عور العين الشمال فتعجب منهم ونظر إلى البنات وما هم فيه من الحسن
والجمال فتحير وتعجب، واستمر في المنادمة والحديث وأتين الخليفة بشراب فقال أنا
حاج وانعزل عنهم.
فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة ووضعت عليها بمطية من الصيني
وسكبت فيها ماء الخلاف وأرخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر فشكرها الخليفة
وقال في نفسه لا بد أن أجازيها في غد على فعلها من صنيع الخير، ثم اشتغلوا
بمنادمتهم، فلما تحكم الشراب قامت صاحبة البيت وخدمتهم، ثم أخذت بيد الدلالة
وقالت: يا أختي قومي بمقتضى ديننا فقالت لها نعم، فعند ذلك قامت البوابة وأطلعت
الصعاليك خلف الأبواب قدامهن وذلك بعد أن أخلت وسط القاعة ونادين الحمال وقلن
له: ما أقل مودتك ما أنت غريب بل أنت من أهل الدار.
فقام الحمال وشد أوسطه وقال: ما تردن فلن تقف مكانك، ثم قامت
الدلالة وقالت للحمال ساعدني، فرأى كلبتين من الكلاب السود في رقبتيهما جنازير
فأخذهما الحمال ودخل بهما إلى وسط القاعة فقامت صاحبة المنزل وشمرت عن معصميها
وأخذت سوطاً وقالت للحمال قوم كلبة منهما فجرها في الجنزير وقدمها والكلبة تبكي
وتحرك رأسها إلى الصبية فنزلت عليها الصبية بالضرب على رأسها والكلبة تصرخ وما
زالت تضربها حتى كلت سواعدها فرمت السوط من يدها ثم ضمت الكلبة إلى صدرها ومسحت
دموعها وقبلت رأسها ثم قالت للحمال ردها وهات التالية، فجاء بها وفعلت بها مثل
ما فعلت بالأولى.
فعند ذلك اشتعل قلب الخليفة وضاق صدره وغمز جعفر أن يسألها، فقال له
بالإشارة اسكت، ثم التفتت صاحبة البيت للبوابة وقالت لها: قومي لقضاء ما عليك
قالت نعم. ثم إن صاحبة البيت صعدت على سرير من المرمر مصفح بالذهب والفضة وقالت
البوابة والدلالة ائتيا بما عندكما، فأما البوابة فإنها صعدت على سرير بجانبها
وأما الدلالة فإنها دخلت مخدعاً وأخرجت منه كيساً من الأطلس بأهداب خضر ووقفت
قدام الصبية صاحبة المنزل ونفضت الكيس وأخرجت منه عوداً وأصلحت أوتاره وأنشدت
هذه الأبيات:
ردوا
على جفني النوم الذي سلـبـا
وخبروني
بعـقـلـي آية ذهـبـا
علمت لما رضيت الحب مـنـزلة
إن
المنام على جفني قد غصـبـا
قالوا عهدناك من أهل الرشاد فمـا
أغواك
قلت اطلبوا من لحظة السببا
إني له عن دمي المسفوك معتـذر
أقول
حملته في سفكـه تـعـبـا
ألقى بمرآة فكري شمس صورته
فعكسها شب في أحشائي اللهبـا
من صاغه الله من ماء الحياة وقد
أجرى بقيته في ثغـره شـنـبـا
ماذا ترى في محب ما ذكرت لـه
إلا
شكى أو بكى أو حن أو أطربا
يرى خيالك في المـاء الـذلال إذا
رام
الشراب فيروى وهو ما شربا
وأنشدت أيضاً:
سكرت
من لحظه لا من مدامته
ومال
بالنوم عن عيني تمايلـه
فما السلاف سلتني بل سوالفـه
وما الشمل شلتني بل شمائلـه
فلما سمعت الصبية ذلك، قالت طيبك الله، ثم شقت ثيابها ووقعت على
الأرض مغشياً عليها، فلما نكشف جسدها رأى الخليفة أثر ضرب المقارع والسياط
فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت البوابة ورشت الماء على وجهها وأتت إليها بحلة
وألبستها إياها، فقال الخليفة لجعفر أما تنظر إلى هذه المرأة وما عليها من أثر
الضرب، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا وما أستريح إلا إن وقفت على حقيقة خبر هذه
الصبية وحقيقة خبر هاتين الكلبتين، فقال جعفر: يا مولانا قد شرطوا علينا شرطاً
وهو أن لا نتكلم فيما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالة فأخذت
العود وأسندته إلى نهدها، وغمزته بأناملها وأنشدت تقول:
إن شكونا الهوى فمـاذا تـقـول
أو تلفنا شوقاً فماذا الـسـبـيل
أو بعثنا رسلاً نتـرجـم عـنـا
ما يؤدي شكوى المحب رسـول
أو صبرنا فما لنـا مـن بـقـاء
بعد فقد الأحـبـاب إلا قـلـيل
ليس إلا تـأسـفـاً ثـم حـزنـاً
ودموعاً
على الخـدود تـسـيل
أيها الغائبون عن لمـح عـينـي
وعم
في الفؤاد منـي حـلـول
هل حفظتم لدى الهوى عهد صب
ليس
عنه مدى الزمـان يحـول
أم نسيتم على التبـاعـد صـبـا
شفه
فبكم الضنى والـنـحـول
وإذا الحشر ضمنـا أتـمـنـى
من لدن وبنا حسـابـاً يطـول
فلما سمعت المرأة الثانية. شعر الدلالة شقت ثيابها. كما فعلت
الأولى. وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها، فقامت الدلالة وألبستها
حلة ثانية بعد أن رشت الماء على وجهها ثم قامت المرأة الثالثة وجلست على سرير
وقالت للدلالة غني لي لا في ديني فما بقي غير هذا الصوت فأصلحت الدلالة العود
وأنشدت هذه الأبيات:
فإلى
متى هذا الصدود وذا الجفـا
فلقد
جوى من أدمعي ما قد كفى
كم قد أطلت الهجر لي معتـمـداً
إن
كان قصدك حاسدي فقد اشتفى
لو أنصف الدهر الخؤون لعاشـق
ما كان يوم العواذل منـصـفـا
فلمن أبوح بصبوتي يا قـاتـلـي
يا
خيبة الشاكي إذا فقـد الـوفـا
ويزيد وجدي في هواك تلـهـفـاً
فمتى
وعدت ولا رأيتك مخلـفـا
يا مسلمون خذوا بـنـار مـتـيم
ألف
الشهادة لديه طرف ما غفـا
أيحل في شرع الغرام تـذلـلـي
ويكون
غيري بالوصال مشرفـا
ولقد كلفت بحبـكـم مـتـلـذذاً
وغدا عذولي في الهوى متكلفـا
فلما سمعت المرأة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على
الأرض مغشياً عليها فلما انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع، مثل من قبلها فقال
الصعاليك ليتنا ما دخلنا هذه الدار وكنا بتنا على الكيمان، فقد تكدر مبيتنا هنا
بشيء يقطع الصلب فالتفت الخليفة إليهم وقال لهم لم ذلك قالوا قد اشتغل سرنا
بهذا الأمر فقال الخليفة أما أنتم من هذا البيت، قالوا لا ولا ظننا هذا الموضع
إلا للرجل الذي عندكم. فقال الحمال والله ما رأيت هذا الموضع إلا هذه الليلة
وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه.
فقال الجميع نحن سبعة رجال وهن ثلاث نسوة وليس لهن رابعة فنسألهن عن
حالهن فإن لم يجبننا طوعاً أجبننا كرهاً واتفق الجميع على ذلك، فقال جعفر ما
هذا رأي سديد دعوهن فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا، شرطاً فنوفي به ولم يبق من
الليل إلا القليل وكل منا يمضي إلى حال سبيله، ثم إنه غمز الخليفة وقال ما بقي
غير ساعة، وفي غد تحضرهن بين يديك، فتسألهن عن قصتهن فأبى الخليفة وقال لم يبق
لي صبر عن خبرهن وقد كثر بينهن القيل والقال، ثم قالوا ومن يسألهن فقال بعضهم
الحمال ثم قال لهم النساء يا جماعة في أي شيء تتكلمون.
فقال الحمال لصاحبة البيت وقال لها يا سيدتي سألتك بالله وأقسم عليك
به أن تخبرينا عن حال الكلبتين، وأي سبب تعاقبيهما ثم تعودين تبكين، وتقبليهما
وأن تخبرينا عن سبب ضرب أختك بالمقارع وهذا سؤالنا والسلام فقالت صاحبة المكان
للجماعة ما يقوله عنكم فقال الجميع نعم، إلا جعفر فإنه سكت.
فلما سمعت الصبية كلامهم قالت والله لقد آذيتمونا يا ضيوفنا، الأذية
البالغة، وتقدم لنا أننا شرطنا عليكم أن من تكلم فيما لا يعنيه، سمع ما لا
يرضيه أما كفا أننا أدخلناكم منزلنا وأطعمناكم زادنا ولكن لا ذنب لكم وإنما
الذنب لمن أوصلكم إلينا ثم شمرت عن معصمها وضربت الأرض ثلاث ضربات وقالت عجلوا.
وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منها سبعة عبيد بأيديهم سيوف مسلولة
وقالت كتفوا هؤلاء الذين كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض ففعلوا وقالوا أيتها
المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم، فقالت أمهلوهم ساعة حتى أسألهم عن حالهم قبل
ضرب رقابهم، فقال الحمال بالله يا سيدتي لا تقتليني بذنب الغير فإن الجميع
أخطأوا، ودخلوا في الذنب، إلا أنا والله لقد كانت ليلتنا طيبة لو سلمنا من
هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة لأخربوها، ثم أنشد يقول:
ما أحسن
الغفران من قادر
لا سيما عن غير ذي ناصر
بحرمة الود الذي بـينـنـا
لا تقتلي الأول بـالآخـر
فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت
عن الكلام المباح.
لليلة الحادية عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية لما ضحكت بعد غيظها، أقبلت
على الجماعة وقالت أخبروني بخبركم فما بقي من عمركم إلا ساعة ولولا أنتم أعزاء
فقال الخليفة ويلك يا جعفر عرفها بنا وإلا تقتلنا فقال جعفر من بعض ما نستحق،
فقال له الخليفة لا ينبغي الهزل في وقت الجد كل منهم له وقت ثم أن الصبية أقبلت
على الصعاليك، وقالت لهم هل أنتم أخوة فقالوا لا والله ما نحن إلا فقراء الحجام.
فقالت لواحد منهم هل أنت ولدت أعور فقال لا والله وإنما جرى لي أمر
غريب حيت تلفت عيني ولهذا الأمر حكاية لو كتبت بالإبر على أماق البصر لكانت
عبرة لمن اعتبر، فسألت الثاني والثالث فقالا لها مثل الأول ثم قالوا أن كل منا
من بلد وأن حديثنا عجيب وأمرنا غريب، فالتفتت الصبية لهم، وقالت كل واحد منكم
يحكي حكايته وما سبب مجيئه إلى مكاننا ثم يملس على رأسه ويروح إلى حال سبيله
فأول من تقدم الحمال، فقال يا سيدتي أنا رجل حمال حملتني هذه الدلالة وأتت بي
إلى هنا وجرى لي معكم ما جرى وهذا حديثي والسلام، فقالت له ملس على رأسك وروح
فقال والله ما أروح حتى أسمع حديث رفقائي.
فتقدم الصعلوك الأول وقال لها يا سيدتي، إن سبب حلق ذقني وتلف عيني
أن والدي كان ملكاً وله أخ وكان أخوه ملكاً على مدينة أخرى واتفق أن أمي ولدتني
في اليوم الذي ولد فيه ابن عمي، ثم مضت سنون وأعوام، وأيام حتى كبرنا وكنت أزور
عمي في بعض السنين وأقعد عنده أشهر عديدة فزرته مرة فأكرمني غاية الإكرام وذبح
لي الأغنام وروق لي المدام وجلسنا للشراب فلما تحكم الشراب فينا قال ابن عمي:
يا ابن عمي إن لي عندك حاجة مهمة فاستوثق مني بالإيمان العظام ونهض من وقته
وساعته وغاب قليلاً، ثم عاد وخلفه امرأة مزينة مطيبة وعليها من الحلل ما يساوي
مبلغاً عظيماً.
فالتفت إلي والمرأة خلفه، وقال خذ هذه المرأة واسبقني على الجبانة
الفلانية ووصفها لي فعرفتها وقال ادخل بها التربة وانتظرني هناك فلم يمكني
المخالفة ولم أقدر على رد سؤاله لأجل الذي خلفته فأخذت المرأة وسرت إلى أن دخلت
التربة أنا وإياها فلما استقر بنا الجلوس جاء ابن عمي ومعه طاسة فيها ماء وكيس
فيه جبس وقدوم ثم إنه أخذ القدوم وجاء إلى قبر في وسط التربة ففكه ونقض أحجاره
إلى ناحية التربة، ثم حفر بالقدوم في الأرض، حتى كشف عن طابق قدر الباب الصغير
فبان من تحت الطابق سلم معقود.
لم ألتفت إلى المرأة بالإشارة وقال لها دونك وما تختارين به فنزلت
المرأة على ذلك السلم، ثم التفت إلي وقال يا ابن عمي تمم المعروف إذا نزلت أنا
في ذلك الموضع فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان وهذا تمام المعروف وهذا
الجبس الذي في الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة أعجن منه الجبس وجبس القبر في
دائر الأحجار كما كان أول حتى لا يعرفه أحد ولا يقول هذا فتح جديد وتطيينه عتق
لأن لي سنة كاملة، وأنا أعمل فيه، وما يعلم به إلا الله وهذه حاجتي عندك، ثم
قال لي لا أوحش الله منك، يا ابن عمي، ثم نزل على السلم.
فلما غاب عني قمت ورددت الطابق وفعلت ما أمرني به حتى صار القبر كما
كان ثم رجعت إلى قصر عمي، وكان عمي في الصيد والقنص فنمت تلك الليلة فلما أصبح
الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى فيها بيني وبين ابن عمي وندمت على ما فعلت
معه حيث لا ينفع الندم، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
في الليلة الثانية عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية ثم خرجت إلى
المقابر وفتشت على التربة فلم أعرفها ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم أهتد
إليها فرجعت إلى القصر لم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي من حيث لا
أعلم له حالاً فاغتممت غماً شديداً وبت ليلتي مغموماً، إلى الصباح فجئت ثانياً
إلى الجبانة وأنا أتفكر فيما فعله ابن عمي، وندمت على سماعي منه وقد فتشت في
الترب جميعاً فلم أعرف تلك التربة، ولا رمت التفتيش سبعة أيام فلم أعرف له
طريقاً.
فزاد بي الوسواس حتى كدت أن أجن فلم أجد فرجاً دون أن سافرت، ورجعت
غليه، فساعة وصولي إلى مدينة أبي نهض إلى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت
كل العجب إني ابن سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني، ولحقني منهم خوف زائد،
فقلت في نفسي يا ترى أجرى على والدي وصرت أسأل الذين كنفوني عن سبب ذلك فلم
يردوا علي جواباً.
ثم بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي، إن أباك قد غدر به
الزمان وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك، فأخذوني وأنا غائب عن
الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي فلما تمثلت بين يدي الوزير الذي
قتل أبي وكان بيني وبينه عداوة قديمة وسبب تلك العداوة أني كنت مولعاً بضر
البندقية فاتفق أني كنت واقفاً يوماً من الأيام على سطح قصر وإذا بطائر نزل على
سطح قصر الوزير وكان واقفاً هناك، فأردت أن أضرب الطير وغذا بالبندقية أخطأت
عين الوزير، فأتلفتها بالقضاء والقدر كما قال الشاعر:
دع
الأقدار تفعل ما تـشـاء
وطب
نفساً بما فعل القضاء
ولا تفرح ولا تحزن بشيء
فإن
الشيء ليس له بـقـاء
وكما قال الآخر:
مشينا خطا كتبـت عـلـينـا
ومن
كتب عليه خطاً مشاهـا
ومن كانت منـيتـه بـأرض
فليس
يموت في أرض سواها
ثم قال ذلك الصعلوك: فلما أتلفت عين الوزير لم يقدر أن يتكلم لأن
والدي كان ملك المدينة فهذا سبب العداوة التي بيني وبينه فلما وقفت قدامه، وأنا
مكتف أمر فضرب عنقي فقلت أتقتلني بغير ذنب فقال أي ذنب أعظم من هذا، وأشار إلى
عينه المتلفة فقلت له: فعلت ذلك خطأ، فقال إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك
عمداً ثم قال قدموه بين يدي فقدموني بين يديه، فمد إصبعه في عيني الشمال
فأتلفها فصرت من ذلك الوقت أعور كما تروني، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال
للسياف: تسلم هذا وأشهر حسامك، وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه
للوحوش، تأكله فذهب بي السياف وصار حتى خرج من المدينة، وأخرجني من الصندوق
وأنا مكتوف اليدين مقيد الرجلين وأراد أن يغمي عيني ويقتلني فبكيت وأنشدت هذه
الأبيات:
جعلتكموا درعاً حصيناً لتمنعوا
سهام
العدا عني فكنتم نصالها
وكنت أرجي عند كل مـلـمة
تخص يميني أن تكون شمالها
دعوا قصة العذال عني بمعزل
وخلوا العدا ترمي إلي نبالهـا
إذا لم تقوا نفسي مكايدة العـدا
فكونوا
سكوتاً لا عليها ولا لها
وأنشدت أيضاً هذه الأبيات:
وإخوان اتخذتـهـم دروعـاً
فكانوها
ولكن لـلأعـادي
رحلتهم سهامـاً صـائبـات
فكانوا ولكن فـي فـؤادي
وقالوا قد سعينا كل سـعـي
لقد صدقوا ولكن في فسادي
فلما سمع السياف شعري وكان سياف أبي ولي عليه إحسان، قال يا سيدي
كيف أفعل وأنا عبد مأمور ثم قال لي فر بعمرك ولا تعد إلى هذه المدينة فتهلك
وتهلكني معك كما قال الشاعر:
ونفسك
فر بها إن خفت ضيماً
وخل الدار تنعي من بناهـا
فإنك واحد أرضـاً بـأرض
ونفسك
لم تجد نفساً سواهـا
عجبت لمن يعيش بـدار ذل
وأرض
الله واسعة فـلاهـا
وما غلظت رقاب الأسد حتى
بأنفسها
تولت ما عـنـاهـا
فلما قال ذلك قبلت يديه وما صدقت حتى فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي
من القتل، وسافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى لوالدي،
وبما جرى لي من تلف عيني فبكى بكاء شديداً وقال لقد زدتني هماً على همي وغماً
على غمي، فإن ابن عمكقد فقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى له ولم يخبرني أحد بخبره
وبكى حتى أغمي عليه فلما استفاق قال يا ولدي قد حزنت على ابن عمك حزناً شديداً
وأنت زدتني بما حصل لك ولابنك، غماً على غمي، ولكن يا ولدي بعينك ولا بروحك ثم
إنه لم يمكني السكوت عن ابن عمي الذي هو ولده فأعلمته بالذي جرى له كله ففرح
عمي بما قلته له فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه، وقال أرني التربة فقلت والله
يا عمي لم أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها، ثم
ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة، ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها ففرحت أنا وعمي فرحاً
شديداً ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق ونزلت أنا وعمي
مقدار خمسين درجة، فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان طلع علينا فغشي
أبصارنا، فقال عمي الكلمة التي لا يخاف قائلها وهي لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم ثم مشينا وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير ذلك
ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير فوجد ابنه هو
والمرأة التي قد نزلت معه صار فحماً أسود وهما متعانقان كأنهما ألقيا في جب
نار، فلما نظر عمي بصق في وجهه وقال تستحق يا خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب
الآخرة وهو أشد وأبقى وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
في الليلة الثالثة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية والجماعة
والخليفة وجعفر يستمعون الكلام، ثم أن عمي ضرب ولده بالنعال وهو راقد كالفحم
الأسود فتعجبت من ضربه وحزنت على ابن عمي حيث صار هو والصبية فحماً أسود ثم قلت
بالله يا عمي خفف الهم عن قلبك، فقد اشتغل سري وخاطري بما قد جرى لولدك وكيف
صار هو والصبية فحماً أسود ما يكفيك ما هو فيه حتى تضربه بالنعال.
فقال يا ابن أخي إن ولدي هذا كان من صغره مولعاً بحب أخته وكنت
أنهاه عنها وأقول في نفسي إنهما صغيران فلما كبر أوقع بينهما القبيح وسمعت بذلك
ولم أصدق ولكن زجرته زجراً بليغاً وقلت له أحذر من هذه الفعال القبيحة التي لم
يفعلها أحد قبلك ولا يفعلها أحد بعدك وإلا نبقى بين الملوك بالعار والنقصان إلى
الممات وتشيع أخبارنا مع الركبان وإياك أن تصدر منك هذه الفعال فإني أسخط عليك
وأقتلك ثم حجبته عنها وحجبتها عنه وكانت الخبيثة تحبه محبة عظيمة وقد تمكن
الشيطان منها.
فلما رآني حجبته فعل هذا المكان الذي تحت الأرض الخفية. ونقل فيه
المأكول كما تراه واستغفلني لما خرجت إلى الصيد وأتى إلى هذا المكان فغار عليه
وعليها الحق سبحانه وتعالى وأحرقهما ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، ثم بكى وبكيت معه
وقال لي أنت ولدي عوضاً عنه ثم أني تفكرت ساعة في الدنيا وحوادثها من قتل
الوزير لوالدي وأخذ مكانه وتلف عيني، وما جرى لابن عمي من الحوادث الغريبة.
فبكيت ثم أننا صعدنا ورددنا الطابق والتراب، وعملنا القبر كما كان،
ثم رجعنا إلى منزلنا فلم يستقر بيننا جلوس حتى سمعنا دق طبول وبوقات ورمحت
الأبطال وامتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافر الخيل فحارت عقولنا ولم نعرف
الخبر فسأل الملك عن الخبر فقيل إن وزير أخيك قتله وجمع العسكر والجنود وجاء
بعسكره ليهجموا على المدينة وأهل المدينة لم يكن لهم طاقة بهم فسلموا إليه فقلت
في نفسي متى وقعت أنا في يده قتلني.
وتراكمت الأحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وأمي ولم أعرف كيف
العمل فإن ظهرت عرفني أهل المدينة، وعسكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي فلم أجد
شيئاً أنجو به إلا حلق ذقني فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من المدينة وقصدت هذه
المدينة والسلام لعل أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين حتى
أحكي له قصتي، وما جرى لي فوصلت إلى هذه المدينة في هذه الليلة، فوقفت حائراً
ولم أدر أين أمضي وإذا بهذا الصعلوك واقف.
فسلمت عليه وقلت له أنا غريب أيضاً، فبينما نحن كذلك وإذا برفيقنا
هذا الثالث جاءنا وسلم علينا، وقال أنا غريب، فقلنا له ونحن غريبان فمشينا وقد
هجم علينا الظلام فساقنا القدر إليكم، وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني فقالت
الصبية ملس على رأسك وروح، فقال لها لا أروح حتى أسمع خبر غيري فتعجبوا من
حديثه.
فقال الخليفة لجعفر والله أنا ما رأيت مثل الذي جرى لهذا الصعلوك،
ثم تقدم الصعلوك الثاني وقبل الأرض وقال يا سيدتي أنا ما ولدت أعور، وإنما لي
حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر فأنا ملك ابن
ملك وقرأت القرآن على سبع روايات وقرأت الكتب على أربابها من مشايخ العلم وقرأت
علم النجوم وكلام الشعراء واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت أهل زماني فعظم حظي
عند سائر الكتبة وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان وشاع خبري عند سائر
الملوك.
فسمع بي ملك الهند فأرسل يطلبني من أبي وأرسل إليه هدايا وتحفاً
تصلح للملوك فجهزني أبي في ست مراكب وسرنا في البحر مدة شهر كامل حتى وصلنا إلى
البر وأخرجنا حبلاً كانت معنا في المركب وحملنا عشرة جمال هدايا ومشينا قليلاً
وإذا بغبار قد علا وثار حتى سد الأقطار واستمر ساعة من النهار ثم انكشف قبان من
تحته ستون فارساً وهم ليوث وعوانس فتأملناهم وإذا هم عرب قطاع طريق فلما رأونا
ونحن نفر قليل ومعنا عشرة أجمال هدايا لملك الهند رمحوا علينا وشرعوا الرماح
بين أيديهم نحونا.
فأشرنا إليهم بالأصابع وقلنا لهم: نحن رسل إلى ملك الهند المعظم فلا
تؤذونا فقالوا نحن لسنا في أرضه ولا تحت حكمه ثم إنهم قتلوا بعض الغلمان وهرب
الباقون وهربت أنا بعد أن جرحت جرحاً بليغاً واشتغلت عنا العرب بالمال والهدايا
التي كانت معنا فصرت لا أدري أين أذهب، وكنت عزيزاً فصرت ذليلاً وسرت إلى أن
أتيت رأس الجبل فدخلت مغارة حتى طلع النهار ثم سرت منها حتى وصلت إلى مدينة
عامرة بالخير وقد ولى عنها الشتاء ببرده وأقبل عليها الربيع بورده.
ففرحت بوصولي إليها وقد تعبت من المشي وعلاني الهم والاصفرار فتغيرت
حالتي ولا أدري أين أسلك فملت إلى خياط في دكان وسلمت عليه فرد علي السلام ورحب
بي وباسطني عن سبب غربتي فأخبرته بما جرى لي من أوله إلى آخره، فاغتم لأجلي
وقال يا فتى لا تظهر ما عندك فإني أخاف عليك من ملك المدينة لأنه أكبر أعداء
أبيك وله عنده ثأر.
ثم أحضر لي مأكولاً ومشروباً فأكلت وأكل معي وتحادثت معه في الليل
وأخلى لي محلاً في جانب حانوته وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء، فأقمت
عنده ثلاثة أيام، ثم قال لي أما تعرف صنعة تكسب بها فقلت له: إني فقيه طالب علم
كاتب حاسب، فقال: إن صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في مدينتنا من يعرف علماً ولا
كتابة غير المال.
فقلت والله لا أدري شيئاً غير الذي ذكرته لك، فقال شد وسطك وخذ
فأساً وحبلاً واحتطب في البرية حطباً تتقوت به إلى أن يفرج الله عنك ولا تعرف
أحداً بنفسك فيقتلوك، ثم اشترى لي فأساً وحبلاً وأرسلني مع بعض الحطابين
وأوصاهم علي، فخرجت معهم واحتطبت فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار فأكلت
ببعضه وأبقيت بعضه، ودمت على هذا الحال مدة سنة.
ثم بعد السنة ذهبت يوماً على عادتي إلى البرية لأحتطب منها ودخلتها،
فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير فدخلت الخميلة، وأتيت شجرة وحفرت حولها
وأزلت التراب عن جدارها فاصطكت الفأس في حلقة نحاس فنظفت التراب وإذا هي في
طابق من خشب فكشفته فبان تحت سلم فنزلت إلى أسفل السلم فرأيت باباً فدخلته
فرأيت قصراً محكم البنيان فوجدت فيه صبية كالدرة السنية تنفي إلى القلب كل هم
وغم وبلية.
فلما نظرت إليها سجدت لخالقها لما أبدع فيها من الحسن والجمال فنظرت
غلي وقالت لي أنت أنسي أم جني، فقلت لها: إنسي، فقالت: ومن أوصلك إلى هذا
المكان الذي لي فيه خمسة وعشرون سنة، ما رأيت فيه إنسياً أبداً فلما سمعت
كلامها وجدت له عذوبة وقلت لها يا سيدتي أوصلني الله إلى منزلك ولعله يزيل همي
وغمي وحكيت لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر.
فصعب عليها حالي وبكت وقالت أنا الأخرى أعلمك بقصتي فاعلم أني بنت
ملك أقصى الهند صاحب جزيرة الآبنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة زفافي
عفريت اسمه جرجريس بن رجوس بن إبليس فطار بي إلى هذا المكان ونقل فيه كل ما
أحتاج إليه من الحلى والحلل والقماش والمتاع والطعام والشراب. في كل عشرة أيام
يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة وعاهدني إذا عرضت لي حاجة ليلاً أو نهاراً أن ألمس
بيدي هذين السطرين المكتوبين على القبة فما ارفع يدي حتى أراه عندي ومنذ كان
عندي له اليوم أربعة أيام وبقي له ستة أيام حتى يأتي فهل لك أن تقيم عندي خمسة
أيام، ثم تنصرف قبل مجيئه بيوم فقلت نعم.
ففرحت ثم نهضت على أقدامها وأخذت بيدي وأدخلتني من باب مقنطر وانتهت
بي إلى حمام لطيف ظريف فلما رأيته خلعت ثيابي وخلعت ثيابها، ودخلت فجلست على
مرتبة وأجلستني معها وأتت بسكر ممسك وسقتني، ثم قدمت لي مأكولاً وتحادثنا ثم
قالت لي ثم واسترح فإنك تعبان، فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما جرى لي، وشكرتها فلما
استيقظت وجدتها تكبس رجلي فدعوت لها وجلسنا نتحادث ساعة، ثم قالت والله إني كنت
ضيقة الصدر وأنا تحت الأرض وحدي ولم أجد من يحدثني خمسة وعشرين سنة فالحمد لله
الذي أرسلك إلي ثم أنشدت: لو علمنا مجيئكم لفـرشـنـا مهجة القلب أو سواد
العيون
وفرشنا خدودنا والتـقـينـا لكون المسير فوق الجفـون
فلما سمعت شعرها شكرتها وقد تمكنت محبتها في قلبي، وذهب عني همي
وغمي، ثم جلسنا في منادمة إلى الليل، فبت معها ليلة ما رأيت مثلها في عمري
وأصبحنا مسرورين فقلت لها هل أطلعك من تحت الأرض وأريحك من هذا الجني فضحكت
وقالت اقنع واسكت ففي كل عشرة أيام يوم للعفريت وتسعة لك فقلت وقد غلب علي
الغرام فأنا في هذه أكسر هذه القبة التي عليها النقش المكتوب لعل العفريت يجيء
حتى أقتله فإني موعود بقتل العفاريت فلما سمعت كلامي أنشدت: يا طالباً للفراق
مـهـلاً بحيلة قد كفى اشتـياق
اصبر فطبع الزمان غدر وآخر الصحبة الفـراق
فلما سمعت شعرها لم ألتفت لكلامها بل رفست القبة رفساً قوياً وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثاني قال للصبية يا
سيدتي لما رفست القبة رفساً قوياً، قالت لي المرأة أن العفريت قد وصل إلينا أما
حذرتك من هذا ولله لقد آذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي جئت منه فمن
شدة خوفي نسيت نعلي وفأسي، فلما طلعت درجتين التفت لأنظرهما فرأيت الأرض قد
انشقت وطلع منها عفريت ومنظر شنيع، وقال ما هذه الزعجة التي أرعشتني بها فما
مصيبتك.
فقالت ما أصابني شيء غير أن صدري ضاق، فأردت أن أشرب شراباً يشرح
صدري فنهضت لأقضي أشغالي فوقعت على القبة، فقال لها العفريت يا فاجرة ونظر في
القصر يميناً وشمالاً فرأى النعل والفأس فقال لها ما هذه إلا متاع الإنس من جاء
إليك فقالت: ما نظرتهما إلا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك.
فقال العفريت هذا كلام محال لا ينطلي علي يا عاهرة، ثم أنه أعراها،
وصلبها بين أربعة أوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن علي أن أسمع
بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف فلما وصلت إلى أعلى الموضع رددت الطابق
كما كان وسترته بالتراب وندمت على ما فعلت غاية الندم وتذكرت الصبية وحسنها
وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي لها معه خمسة وعشرون سنة وما عاقبها إلا بسببي
وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرت حطاباً، فقلت هذا البيت: إذا ما أتاك الدهر يوماً
بنـكـبة فيوم ترى يسراً ويوم ترى عسرا
ثم مشيت إلى أن أتيت رفيقي الخياط فلقيته من أجلي على مقالي النار
وهو لي في الانتظار فقال لي: بت البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش أو غيره
فالحمد لله على سلامتك فشكرته على شفقته علي ودخلت خلوتي، وجعلت أتفكر فيما جرى
لي وألوم نفسي على رفسي هذه القبة وإذا بصديقي الخياط دخل علي وقال لي في
الدكان شخص أعجمي يطلبك ومعه فأسك ونعلك قد جاء بهما إلى الخياطين وقال لهم أني
خرجت وقت آذان المؤذن، لأجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم أعلم لمن هما فدلوني على
صاحبها، فدله الخياطون عليك وها هو قاعد في دكاني فاخرج إليه واشكره وخذ فأسك
ونعلك.
فلما سمعت هكذا الكلام اصفر لوني وتغير حالي فبينما أنا كذلك وإذا
بأرض محلي قد انشقت وطلع منها الأعجمي وإذا هو العفريت وقد كان عاقب الصبية
غاية العقاب فلم تقر له بشيء فأخذ الفأس والنعل وقال لها إن كنت جرجريس من ذرية
إبليس فأنا أجيء بصاحب هذا الفأس والنعل ثم جاء بهذه الحيلة إلى الخياطين ودخل
علي ولم يمهلني بل اختطفني وطار وعلا بي ونزل بي وغاص في الأرض وأنا لا أعلم
بنفسي، ثم طلع بي القصر الذي كنت فيه فرأيت الصبية عريانة والدم يسيل من
جوانبها فقطرت عيناي بالدموع.
فأخذها العفريت وقال لها يا عاهرة هذا عشيقك فنظرت إلي وقالت له لا
أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة، فقال لها العفريت أهذه العقوبة ولم تقري،
فقالت ما رأيته عمري وما يحل من الله أن أكذب عليه، فقال لها العفريت إن كنت لا
تعرفينه، فخذي هذا السيف واضربي عنقه فأخذت السيف وجاءتني ووقفت على رأسي فأشرت
لها بحاجبي فنهضت وغمرتني وقالت أنت الذي فعلت هذا كله فأشرت لها أن هذا وقت
العفو ولسان حالي يقول:
يترجم
طرفي عن لساني لتعلمـوا
ويبدو
لكم ما كان في صدري يكتم
ولما التقينا والـدمـوع سـواجـم
خرست وطرفي بالهوى يتكـلـم
تشير لنا عما تقول بـطـرفـهـا
وأرمي
إليها بالبنان فـتـفـهـم
حواجبنا تقضي الحوائج بـينـنـا
فنحن
سكوت والهوى يتـكـلـم
فلما فهمت الصبية إشارتي رمت السيف من يدها، فناولني العفريت السيف
وقال لي اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكد عليك، فقلت نعم، وأخذت السيف وتقدمت
نشاط ورفعت يدي، فقالت لي بحاجبها أنا ما قصرت في حقك فهملت عيناي بالدموع
ورميت السيف من يدي، وقلت أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد، إذا كانت امرأة
ناقصة عقل ودين لم تستحل ضرب عنقي فكيف يحل لي أن أضرب عنقها ولم أرها عمري،
فلا أفعل ذلك أبداً ولو سقيت من الموت كأس الردى.
فقال العفريت أنتما بينكما مودة أخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها،
ثم ضرب الثانية فقطعها ثم قطع رجلها اليمنى ثم قطع رجلها اليسرى حتى قطع
أرباعها بأربع ضربات وأنا أنظر بعيني فأيقنت بالموت ثم أشارت إلي بعينيها فرآها
العفريت فقال لها وقد زنيت بعينك ثم ضربها فقطع رأسها، والتفت إلي وقال يا آنسي
نحن في شرعنا إذا زنت الزوجة يحل لنا قتلها، وهذه الصبية اختطفتها ليلة عرسها،
وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف أحداً غيري وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلة
واحدة في زي رجل أعجمي. فلما تحققت أنها خانتني فقتلتها وأما أنت فلم أتحقق أنك
خنتني فيها، ولكن لا بد أني إما اخليك في عافية فتمن علي أي ضرر فرحت يا سيدتي
غاية الفرح وطمعت في العفريت وقلت له: وما أتمناه عليك، قال تمن علي أي صورة
اسحرك فيها إما صورة كلب وإما صورة حمار وإما صورة قرد فقلت له وقد طمعت أنه
يعفو عني والله إن عفوت عني يعفو الله عنك، بعفوك عن رجل مسلم لم يؤذيك وتضرعت
إليه غاية التضرع، وبقيت بين يديه، وقلت له أنا رجل مظلوم.
فقال لي لا تطل علي الكلام أما القتل فلا تخف منه وأما العفو عنك
فلا تطمع فيه وأما سحرك فلا بد منه، ثم شق الأرض وطار بي إلى الجو حتى نظرت إلى
الدنيا حتى كأنها قصعة ماء، ثم حطني على جبل وأخذ قليلاً من التراب وهمهم عليه
وتكلم وقال اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد.
فمنذ ذلك الوقت صرت قرداً ابن مائة سنة فلما رأيت نفسي في هذه
الصورة القبيحة بكيت على روحي وصبرت على جور الزمان وعلمت أن الزمان ليس لأحد
وانحدرت من أعلى الجبل إلى أسفله وسافرت مدة شهر، ثم ذهبت إلى شاطئ البحر
المالح، فوقفت ساعة وإذا أنا بمركب في وسط البحر قد طاب ريحها وهي قاصدة البر،
فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر وسرت إلى أن أتيت وسط المركب.
فقال واحد منهم أخرجوا هذا المشؤوم من المركب، وقال واحد منهم
نقتله، وقال آخر اقتله بهذا السيف فأمسكت طرف السيف وبكيت، وسالت دموعي فحن علي
الريس وقال لهم يا تجار إن هذا القرد استجار بي وقد أجرته وهو في جواري فلا أحد
يعرض له ولا يشوش عليه، ثم أن الريس صار يحسن إلي ومهما تكلم به أفهمه وأقضي
حوائجه وأخدمه في المركب.
وقد طاب لها الريح مدة خمسين يوماً فرسينا على مدينة عظيمة، وفيها
عالم كثير لايحصى عددهم إلا الله تعالى فساعة وصولنا أوقفنا مركبنا فجاءتنا
مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا المركب وهنوا التجار بالسلامة، وقالوا إن
ملكنا يهنئكم بالسلامة وقد أرسل إليكم هذا الدرج الورق وقال كل واحد يكتب فيه
سطرا فقمت وأنا في صورة القرد وخطفت الدرج من أيديهم، فخافوا أني أقطعه وأرميه
في الماء فنهروني وأرادوا قتلي فأشرت لهم أني أكتب فقال لهم الريس دعوه يكتب
فإن لخبط الكتابة طردناه عنا وإن أحسنها اتخذته ولداً فإني ما رأيت قرداً أفهم
منه ثم أخذ القلم واستمديت الحبر وكتبت سطراً بقلم الرقاع ورقمت هذا الشعر:
لقد
كتب الدهر فضل الكرام
وفضلك للآن لايحـسـب
فلا أيتم الله منـك الـورى
لأنك للفضل نـعـم الأب
وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين:
وما من كاتب إلاسيفـنـى
ويبقي
الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
وكتبت تحته بقلم المشق هذين البيتين:
إذا فتحت دواة العز والـنـعـم
فاجعل مدادك من جود ومن كرم
واكتب بخير إذا ما كنت مقتـدراً
بذاك شرفت فضلاً نسبه القلـم
ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق فطلعوا به إلى الملك، فلما تأمل الملك
ما في ذلك الدرج لم يعجبه خط أحد إلا خطي، فقال لأصحابه توجهوا إلى صاحب هذا
الخط وألبسوه هذه الحلة وأركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة وأحضروه بين يدي فلما
سمعوا كلام الملك تبسموا فغضب منهم ثم قال كيف آمركم بأمر فتضحكون علي، فقالوا
أيها الملك ما نضحك على كلامك، بل الذي كتب هذا الخط قرد وليس هو آدميا وهو مع
ريس المركب. فتعجب الملك من كلامهم واهتز من الطرب، وقال أريد أن أشتري هذا
القرد، ثم بعث رسلا إلى المركب ومعهم البغلة والحلة وقال لابد أن تلبسوه هذه
الحلة وتركبوه البغلة وتأتوا به، فساروا إلى المركب وأخذوني من الريس وألبسوني
الحلة فاندهش الخلائق وصاروا يتفرجون علي، فلما طلعوا بي للملك ورأيته قبلت
الأرض ثلاث مرات فأمرني بالجلوس، فجلست على ركبتي. فتعجب الحاضرون من أدبي وكان
الملك أكثرهم تعجبا ثم أن الملك أمر الخلق بالإنصراف فانصرفوا، ولم يبق إلا
الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا، ثم أمر الملك بطعام فقدموا سفرة طعام فيها ما
تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فأشار إلي الملك أن كل فقمت وقبلت الأرض بين يديه سبع
مرات وجلست آكل معه وقد ارتفعت السفرة وذهبت فغسلت يدي وأخذت الدواة والقلم
والقرطاس وكتبت هذين البيتين:
أتاجر الضأن ترياق من العلـل
وأصحن الحلو فيها
منتهى أملي
يا لهف قلبي على مد السماط إذا
ماجت كنافته بالسمن والعسـل
ثم قمت وجلست بعيدا أنتظر الملك إلى ما كتبته وقرأه فتعجب وقال هذا
يكون عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط والله إن هذا من أعجب العجب ثم قدم للملك
شطرنج، فقال لي الملك أتلعب قلت برأسي نعم، فتقدمت وصففت الشطرنج ولعبت معه
مرتين فغلبته فحار عقل الملك وقال لو كان هذا آدميا لفاق أهل زمانه، ثم قال
لخادمه إذهب إلى سيدتك وقل لها: كلمي الملك حتى تجيء فتتفرج على هذا القرد
العجيب. فذهب الطواشي وعاد معه سيدته بنت الملك، فلما نظرت إلي غطت وجهها،
وقالت يا أبي كيف طاب على خاطرك أن ترسل إلي فيراني الرجال الأجانب فقال يابنتي
ما عندك سوى المملوك الصغير والطواشي الذي رباك وهذا القرد وأنا أبوك فممن
تغطين وجهك. فقالت إن هذا القرد إبن ملك وإسم أبيه إيمار، صاحب جزائر الأبنوس
الداخلة وهو مسحور وسحره العفريت جرجريس الذي هو من ذرية إبليس، وقد قتل زوجته
بنت ملك أقناموس وهذا الذي تزعم أنه قردا إنما هو رجل عالم عاقل. فتعجب الملك
من إبنته ونظر إلي وقال: أحق ما تقول عنك فقلت برأسي نعم وبكيت فقال الملك
لبنته من أين عرفت أنه مسحور فقالت: يا أبت كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة
ساحرة علمتني السحر، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا من أبوابه، أقل
باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف وأجعلها لجة بحر وأجعل أهلها سمكا
في وسطه. فقال أبوها: بحق إسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا الشاب، حتى أجعله
وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم فخلصيه حتى أجعله وزيري لأنه شاب ظريف
لبيب، فقالت له حبا وكرامة، ثم أخذت بيدها سكينا، وعملت دائرة، وأدرك شهرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة عشرة
قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية يا سيدتي، ثم
أن بنت الملك أخذت بيدها سكينا مكتوبا عليها أسماء عبرانية، وخطت بها دائرة في
وسط وكتبت فيها أسماء وطلاسم وعزمت بكلام وقرأت كلاما، لا يفهم، فبعد ساعة
أظلمت علينا جهات القصر، حتى ظننا أن الدنيا قد إنطبقت علينا وإذا بالعفريت قد
تدلى علينا في أقبح صفة بأيد كالمداري ورجلين كالصواري وعينين كمشعلين يوقدان
نارا، ففزعنا منه. فقالت بنت الملك لا أهلا بك ولا سهلا، فقال العفريت وهو في
صورة أسد يا خائنة كيف خنت اليمين أما تحالفنا على أن لا يعترض أحدنا للآخر
فقالت له يا لعين ومن أين لك يمين فقال العفريت خذي ما جاءك ثم انقلب أسدا وفتح
فاه وهجم على الصبية. فأسرعت وأخذت شعرة من شعرها بيدها، وهمهمت بشفتيها فصارت
الشعرة سيفا ماضيا وضربت ذلك الأسد فقطعته نصفين، فصارت رأسه عقربا، وانقلبت
الصبية حية عظيمة وهمهمت على هذا اللعين وهو في صفة عقرب، فتقاتلا قتالا شديدا،
ثم انقلب العقرب عقابا فانقلبت الحية نسرا وصارت وراء العقاب واستمرا ساعة
زمانية ثم انقلب العقاب قطا أسود، فانقلبت الصبية ذئبا فتشاحنا في القصر ساعة
زمانية وتقاتلا قتالا شديدا فرأى القط نفسه مغلوبا فانقلب وصار رمانة حمراء
كبيرة ووقعت تلك الرمانة في بركة وانتثر الحب كل حبة وحدها وامتلأت أرض القصر
حبا فانقلب ذلك الذئب ديكا لأجل أن يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة فبالأمر
المقدر، دارت حبة في جانب الفسقية فصار الديك يصيح ويرفرف بأجنحته ويشير إلينا
بمنقاره ونحن لا نفهم ما يقول، ثم صرخ علينا صرخة تخيل لنا منها أن القصر قد
انقلب علينا ودار في أرض القصر كلها حتى رأى الحبة التي تدارت في جانب الفسقية
فانقض عليها ليلتقطها وإذا بالحبة سقطت في الماء فانقلب الديك حمارا كبيرا ونزل
خلفها وغاب ساعة وإذا بنا قد سمعنا صراخا عاليا فارتجفنا. وبعد ذلك طلع العفريت
وهو شعلة نار فألقى من فمه نارا ومن عينيه ومنخريه نارا ودخانا وانقلبت الصبية
لجة نار فاردنا أن نغطس في ذلك الماء خوفا على أنفسنا من الحريق فما شعرنا إلا
العفريت قد صرخ من تحت النيران وصار عندنا في الليوان ونفخ في وجوهنا بالنار
فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضا فأصابنا الشر منها ومنه، فأما شررها
فلم يؤذينا وأما شرره فلحقني منه شرارة في عيني فأتلفتها وأنا في صورة القرد
ولحق الملك شرارة منه في وجهه فأحرقت نصفه التحتاني بذقنه وحنكه ووقفت أسنانه
التحتانية ووقعت شرارة في صدر الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته فأيقنا
بالهلاك وقطعنا رجائنا من الحياة. فبينما نحن كذلك وإذا بقائل يقول: الله أكبر
الله أكبر قد فتح ربي ونصر وخذل من كفر بدين محمد سيد البشر وإذا بالقائل بنت
الملك قد أحضرت العفريت فنظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم رماد، ثم جاءت الصبية
وقالت إلحقوني بطاسة ماء فجاؤوا بها فتكلمت عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني
بالماء وقالت أخلص بحق الحق وبحق إسم الله الأعظم إلى صورتك الأولى فصرت بشرا
كما كنت أولا ولكن تلفت عيني. فقالت الصبية النار يا والدي ثم أنها لم تزل
تستغيث من النار وإذا بشرر أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها فلما وصل إلى
وجهها بكت وقالت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. ثم نظرنا
إليها فرأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت فحزنا عليها وتمنيت لو كنت مكانها
ولا أرى ذلك الوجه المليح الذي عمل في هذا المعروف يصير رمادا ولكن حكم الله لا
يرد. فلما رأى الملك أبنته صارت كوم رماد نتف لحيته ولطم على وجهه وشق ثيابه
وفعلت كما فعل وبكينا عليها ثم جاء الحجاب وأرباب الدولة فوجدوا السلطان في
حالة العدم وعنده كوم رماد فتعجبوا وداروا حول الملك ساعة فلما أفاق أخبرهم بما
جرى لإبنته مع العفريت فعظمت مصيبتهم وصرخ النساء والجواري وعملوا العزاء سبعة
أيام. ثم إن الملك أمر أن يبني على رماد ابنته قبة عظيمة وأوقد فيها الشموع
والقناديل وأما رماد العفريت فإنهم أذروه في الهواء إلى لعنة الله ثم مرض
السلطان مرضا أشرف منه على الموت واستمر مرضه شهرا وعادت إليه العافية فطلبني
وقال لي يا فتى قد قضينا زماننا في أهنأ عيش آمنين من نوائب الزمان حتى جئنا
فأقبلت علينا الأكدار فليتنا ما رأيناك ولا رأينا طلعتك القبيحة التي
لسببها صرنا في حالة العدم. فأولا عدمت ابنتي التي كانت تساوي مائة
رجل وثانيا جرى لي من الحريق ما جرى وعدم أضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك حيلة
بل جرى قضاء الله علينا وعليك والحمد لله حيث خلصتك إبنتي وأهلكت نفسها، فاخرج
يا ولدي من بلدي وكفى ما جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك، فاخرج بسلام.
فخرجت يا سيدتي من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه، وخطر على قلبي ما
جرى لي وكيف خلوني في الطريق سالما منهم ومشيت شهرا وتذكرت دخولي في المدينة
واجتماعي بالخياط واجتماعي بالصبية تحت الأرض وخلاصي من العفريت بعد أن كان
عازما على قتلي وتذكرت ما حصل لي من المبدأ إلى المنتهى فحمدت الله وقلت بعيني
ولا بروحي ودخلت الحمام قبل أن أخرج من المدينة وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي وفي
كل يوم أبكي وأتفكر المصائب التي عاقبتها تلف عيني، وكلما أتذكر ما جرى لي أبكي
وأنشد هذه الأبيات:سببها صرنا في حالة العدم. فأولا عدمت ابنتي التي كانت تساوي
مائة رجل وثانيا جرى لي من الحريق ما جرى وعدم أضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك
حيلة بل جرى قضاء الله علينا وعليك والحمد لله حيث خلصتك إبنتي وأهلكت نفسها،
فاخرج يا ولدي من بلدي وكفى ما جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك، فاخرج
بسلام. فخرجت يا سيدتي من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه، وخطر على
قلبي ما جرى لي وكيف خلوني في الطريق سالما منهم ومشيت شهرا وتذكرت دخولي في
المدينة واجتماعي بالخياط واجتماعي بالصبية تحت الأرض وخلاصي من العفريت بعد أن
كان عازما على قتلي وتذكرت ما حصل لي من المبدأ إلى المنتهى فحمدت الله وقلت
بعيني ولا بروحي ودخلت الحمام قبل أن أخرج من المدينة وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي
وفي كل يوم أبكي وأتفكر المصائب التي عاقبتها تلف عيني، وكلما أتذكر ما جرى لي
أبكي وأنشد هذه الأبيات:
تحيرت والرحمن لاشك فـي أمـري
وحلت
بي الأحزان من حيث لا أدري
سأصبر حتى يعلم الصـبـر أنـنـي
صبرت
على شيء أمر من الصبـر
وما أحسن الصبر الجميل مع التقـى
وما
قدر المولى على خلقه يجـري
سرائر سري ترجمـان سـريرتـي
إذا
مان سر السر سرك في سـري
ولو أن ما بي بالجبـال لـهـدمـت
وبالنار
أطفأهـا والـريح لـم يسـر
ومن قال أن الـدهـر فـيه حـلاوة
فلا
بد من يوم أمـر مـن الـمـر
ثم سافرت الأقطار ووردت الأمصار وقصدت دار السلام بغداد لعلي أتوصل
إلى أمير المؤمنين وأخبره بما جرى، فوصلت إلى بغداد هذه اليلة فوجدت أخي هذا
الأول واقفا متحيرا فقلت السلام عليك وتحدثت معه وإذا بأخينا الثالث قد أقبل
علينا وقال السلام عليكم أنا رجل غريب فقلنا ونحن غريبان وقد وصلنا هذه الليلة
المباركة. فمشينا نحن الثلاثة وما فينا أحد يعرف حكاية أحد فساقتنا المقادير
إلى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني فقالت له إن كانت
حكايتك غريبة فامسح على رأسك واخرج في حال سبيلك، فقال لا أخرج حتى أسمع حديث
رفيقي. فتقدم الصعلوك الثالث وقال أيتها السيدة الجليلة ما قصتي مثل قصتهما بل
قصتي أعجب وذلك أن هذين جاءهما القضاء والقدر وأما أنا فسبب حلق ذقني وتلف عيني
أنني جلبت القضاء لنفسي والهم لقلبي وذلك أني كنت ملكا إبن ملك، ومات والدي
وأخذت الملك من بعده وحكمت وعدلت وأحسنت للرعية وكان لي محبة في السفر في البحر
وكانت مدينتي على البحر والبحر متسع وحولنا جزائر معدة للقتال. فأردت أن أتفرج
على الجزائر فنزلت في عشرة مراكب وأخذت معي مؤونة شهر وسافرت عشرين يوما. ففي
ليلة من الليالي هبت علينا رياح مختلفة إلى أن لاح الفجر فهدأ الريح وسكن البحر
حتى أشرقت الشمس، ثم أننا أشرفنا على جزيرة وطلعنا إلى البر وطبخنا شيئا نأكله
فأكلنا ثم أقمنا يومين وسافرنا عشرين يوما فاختلفت علينا المياه وعلى الريس
استغرب الريس البحر فقلنا للناطور: انظر البحر بتأمل، فطلع على الصاري ثم نزل
الناطور وقال للريس: رأيت عن يميني سمكا على وجه الماء ونظرت إلى وسط البحر
فرأيت سوادا من بعيد يلوح تارة أسود وتارة أبيض. فلما سمع الريس كلام الناطور
ضرب الأرض بعمامته ونتف لحيته وقال للناس ابشروا بهلاكنا جميعا ولا يسلم منا
أحد، وشرع يبكي وكذلك نحن الجميع نبكي على أنفسنا فقلت أيها الريس أخبرنا بما
رأى الناطور فقال يا سيدي أعلم أننا تهنا يوم جاءت علينا الرياح المختلفة ولم
يهدأ الريح إلا بكرة النهار ثم أقمنا يومين فتهنا في البحر ولم نزل تائهين أحد
عشر يوما من تلك الليلة وليس لنا ريح يرجعنا إلى ما نحن قاصدون آخر النهار وفي
غد نصل إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس ويجرنا المياه غصبا إلى جهته.
فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به لن الله وضع حجر
مغناطيس سرا وهو أن جميع الحديد يذهب إليه وفي ذلك الجبل حديد كثير لا يعلمه
إلا الله تعالى حتى أنه تكسر من قديم الزمان مراكب كثيرة بسبب ذلك الجبل ويلي
ذلك البحر قبة من النحاس الأصفر معمودة على عشرة أعمدة وفوق القبة فارس على فرس
من نحاس وفي يد ذلك الفارس رمح من النحاس ومعلق في صدر الفارس لوح من رصاص
منقوش عليه أسماء وطلاسم فيها أيها الملك ما دام هذا الفارس راكبا على هذه
الفرس تنكسر المراكب التي تفوت من تحته ويهلك ركابها جميعا ويلتصق جميع الحديد
الذي في المركب بالجبل وما الخلاص إلا إذا وقع هذا الفارس من فوق تلك الفرس، ثم
إن الريس يا سيدتي بكى بكاء شديد فتحققنا أننا هالكون لا محالة وكل منا ودع
صاحبه. فلما جاء الصباح قربنا من تلك الجبل وساقتنا المياه إليه غصبا، فلما
صارت المياه تحته انفتحت وفرت المسامير منها وكل حديد فيها نحو حجر المغناطيس
ونحن دائرون حوله في آخر النهار وتمزقت المراكب فمنا من غرق ومنا من سلم ولكن
أكثرنا غرق والذين سلموا لم يعلموا ببعضهم لأن تلك الأمواج واختلاف الأرياح
أدهشتهم. وأما أنا يا سيدتي فنجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي وعذابي
وبلوتي، فطلعت على لوح من الألواح فألقاه الريح والموج إلى جبل فأصبت طريقا
متطرفا إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل فسميت الله تعالى وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثالث قال للصبية
والجماعة مكتفون والعبيد واقفين بالسيوف على رؤوسهم، ثم أني سميت الله ودعوته
وابتهلت إليه وحاولت الطلوع على الجبل وصرت أتمسك بالنقر التي فيه حتى أسكن
الله الريح في تلك الساعة وأعانني على الطلوع فطلعت سالما على الجبل وفرحت
بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي دأب إلا القبة فدخلتها وصليت فيها ركعتين شكرا
لله على سلامتي ثم إني نمت تحت القبة. فسمعت قائلا يقول يا ابن خصيب إذا انتهيت
من منامك، فاحفر تحت رجليك قوسا من نحاس وثلاث نشابات من رصاص منقوشا عليها
طلاسم فخذ القوس والنشابات وارم للفارس الذي على القبة وارح الناس من هذا
البلاء العظيم فإذا رميت الفارس يقع في البحر ويقع القوس من يدك فخذ القوس،
وادفنه في موضعه. فإذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل، ويطلع عليه
زورق فيه شخص غير الذي رميته فيجيء غليه وفي يده مجذاف، فاركب معه ولا تسم الله
تعالى فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بلدك وهذا غنما يتم
لك إن لم تسم الله. ثم استيقظت من نومي، وقمت بنشاط وقصدت الماء، كما قال
الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس من يدي فأخذت القوس
ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا عليه فلم ألبث غير ساعة حتى
رأيت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى فلما وصل إلي الزورق وجدت فيه
شخصا من النحاس صدره لوح من الرصاص، منقوش بأسماء وطلاسم. فنزلت في الزورق وأنا
ساكت لا أتكلم فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام حتى
جزائر السلامة ففرحت فرحا عظيما ومن شدة فرحي ذكرت الله وسميت وهللت وكبرت فلما
فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع في البحر وكنت أعرف العوم فعمت ذلك
اليوم إلى الليل حتى كلت سواعدي وتعبت أكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وأيقنت
بالموت وهاج البحر من كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة، فحملتني وقذفتني
قذفة صرت بها فوق البر، لمل يريد الله فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على
الأرض وبت. فلما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت
حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة صغيرة، والبحر محيط بها، فقلت في نفسي كلما
أخلص من بلية أقع في أعظم منها فبينما أنا متفكر في أمري أتمنى الموت إذ نظرت
مركبا فيها ناس. فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالمركب التصقت بالبر وطلع منها عشرة
عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في الأرض وكشفوا عن
طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه، ثم عادوا إلى المركب ونقلوا منها خبزا ودقيقا
وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج إليه الساكن وصار العبيد مترددين بين
المركب وباب الطابق وهم يحولون من المركب وينزلون في الطابق إلى أن نقلوا جميع
ما في المركب. ثم بعد ذلك طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون وفي وسطهم، شيخ
كبير هرم قد عمر زمنا طويلا وأضعفه الدهر، حتى صار فانيا ويد ذلك الشيخ في يد
صبي قد أفرغ في قالب الجمال وألبس حلة الكمال حتى أنه يضرب بحسنه الأمثال وهو
كالقضيب الرطب يسحر كل قلب بجماله ويسلب كل لب بكماله فلم يزالوا يا سيدتي
سائرين حتى أتوا إلى الطابق ونزلوا فيه، وغابوا عن عيني. فلما توجهوا قمت ونزلت
من فوق الشجرة ومشيت إلى موضع الردم، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى أزلت
جميع التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من تحته
سلم معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى إنتهيت إلى آخره فوجدت شيئا
نظيفا ووجدت بستانا وثانيا إلى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان أرى فيه ما يكل عنه
الواصفون من أشجار وأنهار وأثمار وذخائر. ورأيت بابا فقلت في نفسي ما الذي في
هذا المكان، فلابد أن أفتحه وأنظر ما فيه ثم فتحته فوجدت فيه فرسا مسرجا ملحما
مربوطا ففككته وركبته فطار بي إلى حطني على سطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف
عيني وفر مني فنزلت من فوق السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما رأوني قالوا لا
مرحبا بك، فقلت لهم: أتقبلوني أجلس عندكم. فقالوا والله لا تجلس عندنا فخرجت من
عندهم حزين القلب باكي العين، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحاقت
ذقني وصرت صعلوكا فوجدت هذين الإثنين العورين فسلمت عليهما وقلت لهما
أنا غريب، فقالا ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني، وحلق ذقني، فقالت
له أمسح على رأسك وروح، فقال: لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء. ثم أن الصبية التفتت
إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم أخبروني بخبركم، فتقدم جعفر وحكى لها
الحكاية التي قالها للبوابة عند دخولهم فلما سمعت كلامه قالت وهبت بعضكم لبعض
فخرجوا إلى أن صاروا في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك يا جماعة إلى أين تذهبون
فقالوا ما ندري أين نذهب فقال لهم الخليفة سيروا وبيتوا عندنا وقال لجعفر خذهم
واحضرهم لي غدا، حتى ننظر ما يكون، فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة. ثم أن
الخليفة طلع إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على كرسي
المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت أرباب الدولة
وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك، فنهض جعفر وأحضرهم بين يديه
فأدخل الصبايا تحت الأسنار. والتفت لهن جعفر وقال لهن قد عفونا عنكن لما أسلفتن
من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن وأنتن بين يدي الخامس من بني
العباس هارون الرشيد، فلا تخبرنه إلا حقا فلما سمع الصبايا كلام جعفر، عن لسان
أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت يا أمير المؤمنين أن لي حديثا لو كتب بالإبر
على آماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام
المباح. غريب، فقالا ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني، وحلق ذقني، فقالت له أمسح
على رأسك وروح، فقال: لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء. ثم أن الصبية التفتت إلى
الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم أخبروني بخبركم، فتقدم جعفر وحكى لها الحكاية
التي قالها للبوابة عند دخولهم فلما سمعت كلامه قالت وهبت بعضكم لبعض فخرجوا
إلى أن صاروا في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك يا جماعة إلى أين تذهبون فقالوا
ما ندري أين نذهب فقال لهم الخليفة سيروا وبيتوا عندنا وقال لجعفر خذهم واحضرهم
لي غدا، حتى ننظر ما يكون، فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة. ثم أن الخليفة طلع
إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على كرسي المملكة ودخلت
عليه أرباب الدولة، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت أرباب الدولة وقال ائتني
بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك، فنهض جعفر وأحضرهم بين يديه فأدخل الصبايا
تحت الأسنار. والتفت لهن جعفر وقال لهن قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان
إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون
الرشيد، فلا تخبرنه إلا حقا فلما سمع الصبايا كلام جعفر، عن لسان أمير المؤمنين
تقدمت الكبيرة وقالت يا أمير المؤمنين أن لي حديثا لو كتب بالإبر على آماق
البصر لكان عبرة لمن اعتبر وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن كبيرة الصبايا، لما تقدمت بين يدي
أمير المؤمنين وقالت إن لي حديثا عجيبا وهو أن هاتين الصبيتين أختاي من أبي من
غير أمي فمات والدنا وخلف خمسة آلاف دينار وكنت أنا اصغرهن سنا فتجهزت أختاي
وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم إن كل واحد من أزواجهما هيأ متجرا واخذ من
زوجته ألف دينار وسافروا مع بعضهم، وتركوني فغابوا أربع سنين وضيع زوجاهما
المال، وخسرا وتركاهما في بلاد الناس فجاءاني في هيئة الشحاتين. فلما رأيتهما
ذهلت عنهما ولم أعرفهما ثم إني لما عرفتهما، قلت لهما: ما هذا الحال، فقالتا يا
أختاه إن الكلام لا يفيد الآن، وقد جرى القلم بما حكم الله فأرسلتهما إلى
الحمام وألبست كل واحدة حلة وقلت لهما يا أختي أنتما الكبيرة وأنا الصغيرة
وأنتم عوض عن أبي وأمي والإرث الذي ناسي معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا من
زكاته وأحوالي جليلة وأنا وأنتما سواء وأحسنت إليهما غاية الإحسان فمكثا عندي
مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي أن الزواج خير لنا وليس لنا صبر
عنه. فقلت لهما يا أختي لم تريا في الزواج خيرا فإن الرجل الجيد قليل في هذا
الزمان وقد اخترتما الزواج فلم يقبلا كلامي، وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي
وسترتهما ومضتا مع زوجيهما فأقاما مدة يسيرة ولعب عليهما زوجهما وأخذ ما كان
معهما وسافرا وتركاهما فجاءتا عندي وهما عريانتين واعتذرتا وقالتا لا تؤاخذينا،
فأنت أصغر منا سنا وأكمل عقلا، وما بقينا نذكر الزواج أبدا. فقلت مرحبا بكما يا
أختي ما عندي أعز منكما وقبلتهما وزدتهما إكراما ولم تزل على هذه الحالة سنة
كاملة فأردت أن أجهز لي لي مركبا إلى البصرة، فجهزت مركبا كبيرة وحملت فيها
البضائع والمتاجر وما أحتاج إليه في المركب وقلت يا أختي هل لكما أن تقعدوا في
المنزل حتى أسافر وأرجع أو تسافرا معي، فقالتا تسافر معك فإنا لا نطيق فراقك
فأخذتهما وسافرنا، وكنت قسمت مالي نصفين فأخذت النصف وخبأت النصف الثاني وقلت
ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر مدة فإذا رجعنا نجد شيئا ينفعنا. ولم نزل
مسافرين أياما وليالي، فتاهت بنا المركب وغفل الريس عن الطريق ودخلت المركب
بحرا غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة، وطاب لنا الريح عشرة أيام فلاحت
لنا مدينة على بعد فقلنا للريس ما إسم هذه المدينة التي أشرفنا عليها فقال
والله لا أعلم ولا رأيتها قط، ولا سلكت عمري هذا البحر، ولكن جاء الأمر بسلامة
فما بقي إلا أن تدخلوا هذه المدينة وتخرجوا بضائعكم فإن حصل لكم بيع فبيعوا
وغاب ساعة. ثم جاءنا وقال قوموا إلى المدينة وتعجبوا من صنع الله في خلقه
واستعيذوا من سخطه فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطا حجارة سوداء،
فاندهشنا من ذلك ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين
على حالهما ففرحنا وقلنا لعل هذا يكون له أمر عجيب، وتفرقنا في شوارع المدينة
وكل واحد اشتغل عن رفيقه بما فيها من المال والقماش. وأما أنا فطلعت إلى القلعة
فوجدتها محكمة فدخلت قصر الملك فوجدت فيه جميع الأواني من الذهب والفضة ثم رأيت
الملك جالسا وعنده حجابه ونوابه ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر
فلما قربت من الملك وجدته جالسا على كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء
كالنجمة وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفا حوله خمسون مملوكا بين أنواع الحرير،
وفي أيديهم السيوف مجردة. فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم مشيت ودخلت قاعة الحريم،
فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة مزركشة بالؤلؤ الرطب
وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقودا وجميع ما عليها من
الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي ممسوخة حجر أسود ووجدت بابا مفتوحا فدخلته
ووجدت فيه سلما بسبع درج فصعدته، فرأيت مكانا مرخما مفروشا بالبسط المذهبة
ووجدت فيه سرير من المرمر مرصعا بالدر والجواهر ونظرت نورا لامعا في جهة
فقصدتها فوجدت فيها جوهرة مضيئة قدر بيض النعامة على كرسي صغير، وهي تضيء
كالشمعة، ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من أنواع الحرير ما يحير الناظر.
فلما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعا موقدة فقلت في نفسي لابد أن
أحدا أوقد هذه الشموع، ثم إني مشيت حتى دخلت موضعا غيره وصرت أفتش في تلك
الأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال، واستغرق
فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه فعدت إلى الجهة
التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعد أن قرأت شيئا من
القرآن وأوردت النوم فلم أستطع ولحقني القلق. فلما انتصف الليل سمعت تلاوة
القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى مخدع فرأيت بابه مفتوحا فدخلت الباب ونظرت
المكان فإذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس عليها شاب
حسن المنظر فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه فرفع بصره ورد
علي السلام فقلت له أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن سؤالي. فتبسم
وقال أخبرني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما تسألينه عنه فأخبرته
بخبري فتعجب من ذلك، ثم إنني سألته عن خبر هذه المدينة فقال أمهليني ثم طبق
المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني بجنبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر حسن
الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر رشيق القد أسيل الخد زهي الجنات كأنه المقصود
من هذه الأبيات:لأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال،
واستغرق فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه فعدت إلى
الجهة التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعد أن قرأت
شيئا من القرآن وأوردت النوم فلم أستطع ولحقني القلق. فلما انتصف الليل سمعت
تلاوة القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى مخدع فرأيت بابه مفتوحا فدخلت الباب
ونظرت المكان فإذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس
عليها شاب حسن المنظر فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه
فرفع بصره ورد علي السلام فقلت له أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني
عن سؤالي. فتبسم وقال أخبرني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما
تسألينه عنه فأخبرته بخبري فتعجب من ذلك، ثم إنني سألته عن خبر هذه المدينة
فقال أمهليني ثم طبق المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني بجنبه فنظرت إليه
فإذا هو كالبدر حسن الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر رشيق القد أسيل الخد زهي
الجنات كأنه المقصود من هذه الأبيات:
رصد
النجم ليلـه فـبـدا لـه
قد
المليح يمـيس فـي بـرديه
وأمـد زحـل ســواد ذوائب
والمسك هادي الخال في خديه
وغدت من المربح حمرة خـده
والقوس
يرمي النبل من جفنيه
وعطارد أعطاه فـرط ذكـائه
وأبى
السها نظر الوشـاة إلـيه
فغدا المنجم حائرا مـمـا أرى
والأرض
باس الأرض بين يديه
فنظرت له نظرة أعقبتني ألف حسرة وأوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له يا
مولاي أخبرني عما سألتك فقال سمعا وطاعة. أعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي
وجميع أهله وقومه وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخا حجرا وأما الملكة
التي رأيتها فهي أمي وقد كانوا مجوسا يعبدون النار دون الملك الجبار وكانوا
يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور وكان أبي ليس له ولد فرزق
بي في آخر عمره فرباني حتى نشأت وقد سبقت لي السعادة، وكان عندنا عجوز طاعنة في
السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في الباطن وتوافق أهلي في الظاهر وكان أبي يعتقد
فيها لما يرى عليها من الأمانة والعفة وكان يكرمها ويزيد في إكرامها وكان يعتقد
أنها على دينه. فلما كبرت سلمني أبي إليها وقال: خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا
وأحسني تربيته وقومي بخدمته فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من الطهارة
والوضوء والصلاة وحفظتني القرآن فلما أتمت ذلك قالت لي يا ولدي أكتم هذا الأمر
عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك فكتمته عنه ولم أزل على هذا الحال مدة أيام
قلائل وقد ماتت العجوز وزاد أهل المدينة في كفرهم وعتوهم وضلالهم. فبينما هم
على ما هم فيه إذ سمعوا مناديا ينادي بأعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب
والبعيد يقول يا أهل المدينة أرجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار فحصل
عند أهل المدينة فزع واجتمعوا عند أبي وهو ملك المدينة وقالوا له: ما هذا الصوت
المزعج الذي سمعناه فاندهشنا من شدة هوله فقال لهم لايهولنكم الصوت ولا يردعنكم
عن دينكم. فمالت قلوبهم إلى قول أبي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار واستمروا
على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد ما سمعوا الصوت الأول فظهر لهم ثانيا فسمعوا
ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل سنة مرة فلم يزالوا عاكفين على ما هم عليه حتى
نزل عليهم المقت والسخط من السماء بعد طلوع الفجر، فمسخوا حجارة سودا وكذلك
دوابهم وأنعامهم ولم يسلم من أهل هذه المدينة غيري، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة
وأنا على هذه الحالة في صلاة وصيام وتلاوة قرآن وقد يئست من الوحدة وما عندي من
يؤنسني. فعند ذلك قلت له أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد وتنظر
إلى العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علما وفقها وأكون أنا جاريتك مع إني سيدة قومي
وحاكمة على رجال وخدم وغلمان، وعندي مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا المقادير على
هذه المدينة حتى كان ذلك سببا في إطلاعنا على هذه الأمور وكان النصيب في
إجتماعنا ولم أزل أرغبه في التوجه حتى أجابني إليه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت
عن الكلام المباح.
في الليلة الثامنة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحسن للشاب التوجه
معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق بما هي فيه
من الفرح، ثم قالت فلما أصبح الصباح قمنا ودخلنا إلى الخزائن وأخذنا ما خف حمله
وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة إلى المدينة فقابلنا العبيد والريس وهم يفتشون علي
فلما رأوني فرحوا بي وسألوني عن سبب غيابي فأخبرتهم بما رأيت وحكيت لهم قصة
الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك.
فلما رأتني أختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني عليه وصارتا في غيظ
وأضمرتا المكر لي. ثم نزلنا المركب وأنا بغاية الفرح وأكثر فرحي بصحبة هذا
الشاب وأقمنا ننتظر الريح حتى طابت لنا الريح فنشرنا القلوع وسافرنا فقعدت
أختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا لي يا أختاه ما تصنعين بهذا الشاب الحسن فقلت
لهما قصدي أن اتخذه بعلا، ثم التفت إليه وأقبلت عليه وقلت يا سيدي أنا أقصد أن
أقول لك شيئا فلا تخالفني فيه. فقال سمعا وطاعة. ثم التفت إلى أختاي وقلت لهما
يكفيني هذا الشاب وجميع هذه الأموال لكما فقالتا نعم ما فعلت ولكنهما أضمرتا لي
الشر ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من بحر الخوف ودخلنا بحر الأمان
وسافرنا أياما قلائل إلى أن قربنا من مدينة البصرة ولاحت لنا أبنيتها، فأدركنا
المساء فلما أخذنا النوم قامت أختاي وحملتاني أنا والغلام ورمتانا في البحر،
فأما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق وكتبه الله من الشهداء. وأما أنا فكنت
من السالمين، فلما سقطت في البحر رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني
الأمواج إلى أن رمتني على ساحل جزيرة فلم أزل أمشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما
أصبح الصباح رأيت طريقا فيه أثر مشي على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من
الجزيرة إلى البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم أزل
سائرة إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة وإذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان
يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب. فأخذتني الشفقة عليها فقعدت إلى حجر
وألقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين وصارت في الجو فتعجبت
من ذلك وقد تعبت فنمت في موضعي ساعة، فلما أفقت وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس
رجلي فجلست واستحيت منها وقلت لها من أنت وما شانك فقالت ما أسرع ما نسيتني أنت
التي فعلت معي الجميل وقتلت عدوي، فإني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو
عدوي وما نجاني منه إلا أنت. فلما نجيتني منه طرت في الريح وذهبت إلى المركب
التي رماك منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك وأحرقتها وأما أختاك فإني
سحرتهما كلبتين من الكلاب السود، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما، وأما الشاب
فإنه غرق ثم حملني أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت جميع ما كان في
المركب من الأموال في وسط بيتي ولم يضع منه شيء، ثم أن الحية قالت لي وحق النقش
الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين
أجعلك مثلهما فقلت سمعا وطاعة. فلم أزل يا أمير المؤمنين أضربها ذلك الضرب
وأشفق عليهما، فتعجب الخليفة من ذلك ثم قال للصبية الثانية: وأنت ما سبب الضرب
الذي على جسدك فقالت: يا أمير المؤمنين إني كان لي والد مات وخلف مالا كثيرا،
فأقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل اسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات
فورثت منه ثمانين ألف دينار، فبينما أنا جالسة في يوم من الأيام إذ دخلت علي
عجوز بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل وعنقها
مائل كما قال فيها الشاعر:
عجوز النحس إبليس يراها
تعلمه الخديعة من سكوت
تقود من السياسة ألف بغل
إذا انفردوا بخيط العنكبوت
فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت أن عندي بنتا يتيمة والليلة عملت
عرسها وأنا قصدي لك الأجر والثواب فاحضري عرسها فأنها مكسورة الخاطر ليس لها
إلا الله تعالى ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت سمعا وطاعة
فقالت جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجي وآخذك ثم قبلت يدي وذهبت فقمت وهيأت نفسي
وجهزت حالي وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت يا سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن
وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك، فقمت وتهيأت وأخذت جواري معي وسرت حتى
أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة
البنيان وفي داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب
طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزا مفروشا بالبسط معلقا فيه قناديل
موقدة وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز إلى أن دخلنا
القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقا فيها القناديل الموقدة
والشموع المضيئة وفي صدر القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وعليه
ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية مثل القمر فقالت لي مرحبا
وأهلا وسهلا يا أختي آنستيني وجبرت خاطري وأنشدت تقول:
لو تعلم
الدار من زارها فرحـت
واستبشرت
ثم باست موضع القدم
وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة
أهلا
وسهلا بأهل الجود والكرم
ثم جلست وقالت يا أختي أن لي أخا وقد رآك في الأفراح وهو شاب احسن
مني وقد أحبك قلبه حبا شديدا وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة
لأجل اجتماعه بك ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال من عيب
فلما سمعت كلامها ورأيت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية سمعا وطاعة ففرحت
وصفقت بيدها وفتحت بابا، فخرج منه شاب مثل القمر كما قال الشاعر:
قد زاد حسنا تبارك الـلـه
جل الذي صاغـه وسـواه
قد حاز كل الجمال منفـردا
كل الورى في جماله تهواه
قد كتب الحسن فوق وجنتيه
أشهد
أن لا مليح إلا هـو
فلما نظرت إليه مال قلبي له ثم جاء وجلس وإذا بالقاضي قد دخل ومعه
أربعة شهود فسلموا وجلسوا، ثم أنهم كتبوا كتابي على ذلك الشاب وانصرفوا فالتفت
الشاب إلي وقال ليلتنا مباركة، ثم قال يا سيدتي أني شارط عليك شرطا فقلت يا
سيدي وما الشرط فقام وأحضر لي مصحفا وقال احلفي لي أنك لا تختاري أحدا غيري ولا
تميلي إليه فحلفت له على ذلك ففرح فرحا شديدا وعانقني فأخذت محبته بمجامح قلبي
وقدموا لنا السماط فأكلنا وشربنا حتى اكتفينا فدخل علينا الليل. فأخذني ونام
معي على الفراش وبتنا في عناق إلى الصباح، ولم نزل على هذه الحالة مدة شهر،
ونحن في هناء وسرور وبعد الشهر استأذنته في أن أسير إلى السوق وأشتري بعض قماش
فأذن لي في الرواح، فلبست ثيابي وأخذت العجوز معي ونزلت في السوق فجلست على
دكان تاجر تعرفه العجوز وقالت لي هذا ولد صغير مات أبوه وخلف مالا كثيرا ثم
قالت له هات أعز ما عندك من القماش لهذه الصبية. فقال لها سمعا وطاعة فصارت
العجوز تثني عليه فقلت ما لنا حاجة بثنائك عليه لأن مرادنا أن نأخذ حاجتنا منه
ونعود إلى منزلنا فأخرج لنا ما طلبناه وأعطيناه الدراهم فأبى أن يأخذ شيئا وقال
هذه ضيافتكما اليوم عندي فقلت للعجوز إن لم يأخذ الدراهم أعطه قماشه. فقال:
والله لا آخذ شيئا والجميع هدية من عندي في قبلة واحدة فإنها عندي أحسن من ما
في دكاني. فقالت العجوز ما الذي يفيدك من القبلة ثم قالت يا بنتي قد سمعت ما
قال هذا الشاب وما يصيبك شيء اخذ منك قبلة وتأخذين ما تطلبينه فقلت لها أما
تعرفين أني حالفة فقالت دعيه يقبلك وأنت ساكتة ولا عليك شيء وتأخذين هذه
الدراهم ولازالت تحسن لي الأمر حتى أدخلت رأسي في الجراب ورضيت بذلك ثم إني
غطيت عيني وداريت بطرف إزاري من الناس وحط فمه تحت إزاري على خدي فما أن قبلني
حتى عضني عضة قوية، حتى قطع اللحم من خدي فغشي علي ثم آخذتني العجوز في حضنها.
فلما أفقت وجدت الدكان مقفولة والعجوز تظهر لي الحزن، وتقول ما دفع الله كان
أعظم ثم قالت لي قومي بنا إلى البيت وأعملي نفسك ضعيفة وأنا أجيء إليك بدواء
تداوين به هذه العضة فتبرئين سريعا فبعد ساعة قمت من مكاني وأنا في غاية الفكر
واشتداد الخوف، فمشيت حتى وصلت إلى البيت وأظهرت حالة المرض وإذا بزوجي داخل
وقال ما الذي أصابك يا سيدتي في هذا الخروج فقلت له ما انا طيبة فنظر إلي وقال
لي ما هذا الجرح الذي بخدك وهو في المكان الناعم. فقلت لما استأذنتك وخرجت في
هذا النهار لأشتري القماش زاحمني جمل حامل حطبا فشرط نقابي وجرح خدي كما ترى
فإن الطريق ضيق في هذه المدينة فقال غدا أروح للحاكم وأشكوا له فيشنق كل حطاب
في المدينة فقلت بالله عليك لا تتحمل خطيئة أحد فإني ركبت حمارا نفر بي فوقعت
على الأرض فصادفني عود فخدش خدي وجرحني، فقال غدا أطلع لجعفر البرمكي وأحكي له
الحكاية فيقتل كل حمار في هذه المدينة فقلت هل أنت تقتل الناس كلهم بسببي وهذا
الذي جرى لي بقضاء الله وقدره. فقال لابد من ذلك وشدد علي ونهض قائما وصاح صيحة
عظيمة فانفتح الباب وطلع منه سبعة عبيد سود فسحبوني من فراشي ورموني في وسط
الدار ثم أمر عبدا منهم أن يمسكني من أكتافي، ويجلس على رأسي وأمر الثاني أن
يجلس على ركبتي ويمسك رجلي وجاء الثالث وفي يده سيف فقال يا سيدي أضربها بالسيف
فأقسمها نصفين وكل واحد يأخذ قطعة يرميها في بحر الدجلة فيأكلها السمك وهذا
جزاء من يخون الإيمان المودة وأنشد هذا الشعر:
إذا كان لي فيمن أحب مـشـارك
منعت الهوى روحي ليتلفني وجدي
وقلت لها يا نفس موتـي كـريهة
فلا خير في حب يكون مع الضد
ثم قال للعبد اضربها يا سعد فجرد السيف وقال اذكري الشهادة وتذكري
ما كان لك من الحوائج واوصي ثم رفعت رأسي ونظرت إلى حالي وكيف صرت في الذل بعد
العجز فجرت عبرتي وبكيت أنشدت هذه الأبيات:
أقمتم فؤادي في الهوى وقعدتـم
واسهرتم جفني القريح ونمـتـم
ومنزلكم بين الفؤاد ونـاظـري
فلا القلب يسلوكم ولا الدمع يكتم
وعاهدتموني أن تقيموا على الوفا
فلما تملكتم فـؤادي غـدرتـم
ولم ترحموا وجدي بكم وتلهفـي
أأنتم صروف الحادثات أمنـتـم
سألتكم بالله أن مت فاكتبـوا
على لوح قبري أن هذا متيم
لعل شجيا عارفا لوعة الهوى
يمر على قبر المحب فيرحم
فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر إلى بكائي أزداد غيظا
على غيظه وأنشد هذين البيتين:
تركت حبيب القلب لاعن ملانة
ولكن جنى ذنبا يؤدي
إلى الترك
إذا ارى شريكا في المحبة بيننـا
وإيمان قلبي لا يميل إلى الشرك
فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته، وإذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها
على أقدام الشاب وقبلتها وقالت يا ولدي بحق تربيتي لك تعفوا عن هذه الصبية
فإنها ما فعلت ذنبا يوجب ذلك وأنت شاب صغير فأخاف عليك من دعائها ثم بكت
العجوز، ولم تزل تلح عليه حتى قال عفوت عنها، ولكن لابد لي أن أعمل فيها أثرا
يظهر عليها بقية عمرها، ثم أمر العبيد فجذبوني من ثيابي وأحضر قضيبا من سفرجل
ونزل به على جسدي بالضرب، ولم يزل يضربني ذلك الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن
الدنيا من شدة الضرب وقد يئست من حياتي ثم أمر العبيد أنه إذا دخل الليل
يحملونني ويأخذون العجوز معهم ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقا. ففعلوا ما
أمرهم به سيدهم ورموني في بيتي، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت أضلاعي
كأنها مضروبة بالمقارع، كما ترى فاستمريت في مداواة نفسي أربعة أشهر حتى شفيت،
ثم جئت إلى الدار التي جرت لي فيها ذلك الأمر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق مهد
وما من أوله إلى آخره ووجدت في موقع الدار كيما ولم أعلم سبب ذلك فجئت إلى أختي
هذه التي من أبي فوجدت عندها هاتين الكلبتين فسلمت عليها وأخبرتها بخبري وبجميع
ما جرى لي. فقالت من ذا الذي من نكبات الزمان، سلم الحمد لله الذي جعل الأمر
بسلامة ثم أخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى لها من أختيها وقعدت أنا وهي لا نذكر
خبر الزواج على ألسنتنا ثم صاحبتنا هذه الصبية الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري
لنا ما نحتاج إليه من المصالح على جري علاتها، فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال
والصعاليك ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا في هذا اليوم ولم نشعر إلا نحن بين
يديك وهذه حكايتنا، فتعجب الخليفة من هذه الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا في
خزانته وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أمر أن تكتب هذه القصة في
الدواوين ويجعلوها في خزانة الملك ثم أنه قال للصبية الأولى هل عندك خبر
بالعفريتة التي سحرت أختيك، قالت يا أمير المؤمنين إنها أعطتني سيئا من شعرها،
وقالت إن أردت حضوري فاحرقي من هذا الشعر شيئا فأحضر إليك عاجلا ولو كنت خلف
جبل قاف. فقال الخليفة أحضري لي الشعر فأحضرته الصبية فأخذه الخليفة، وأحرق منه
شيئا فلما فاحت منه رائحة إهتز القصر وسمعوا دويا وصلصلة وإذا بالجنية حضرت
وكانت مسلمة فقالت السلام عليكم يا خليفة الله فقال: وعليكم السلام ورحمة الله
وبركاته، فقالت أعلم أن هذه الصبية صنعت معي جميلا ولا أقدر أن أكافئها عليه
فهي أنقذتني من الموت وقتلت عدوي ورأيت ما فعله معها أختاها فما رأيت إلا أني
أنتقم منهما فسحرتهما كلبتين بعد أن أردت قتلهما فخشيت أن يصعب عليها، وإن أردت
خلاصهما، يا أمير المؤمنين أخلصهما كرامة لك ولها فإني من المسلمين. فقال لها
خلصيهما وبعد ذلك نشرع في أمر الصبية المضروبة، وتفحص عن حالها فإذا ظهر لي
صدقها أخذت ثأرها ممن ظلمها فقالت العفريتة يا أمير المؤمنين أنا أدلك على ما
فعل بهذه الصبية هذا الفعل وظلمها وأخذ مالها وهو أقرب الناس إليك، ثم إن
العفريتة أخذت طاسة من الماء وعزمت عليها، ورشت وجه الكلبتين، وقالت لهما عودا
إلى صورتكما الأولى البشرية فعادتا صبيتين سبحان خالقهما، ثم قالت يا أمير
المؤمنين أن الذي ضرب الصبية، ولدك الأمين فإنه كان يسمع بحسنها وجمالها، وحكت
له العفريتة جميع ما جرى للصبية فتعجب وقال الحمد لله خلاص هاتين الكلبتين على
يدي.
ثم أن الخليفة أحضر ولده الأمين بين يديه وسأله عن قصة الصبية
الأولى فأخبره على وجه الحق فأحضره الخليفة القضاة والشهود والصعاليك الثلاثة،
وأحضر الصبية الأولى وأختيها اللتين كانتا مسحورتين في صورة كلبتين، وزوج
الثلاثة للثلاثة الصعاليك الذين أخبروه أنهم كانوا ملوكا وعملهم حجابا عنده
وأعطاهم ما يحتاجون إليه وأنزلهم في قصر بغداد ورد الصبية المضروبة لولده
الأمين وأعطاها مالا كثيرا وأمر أن تبنى الدار أحسن ما كانت ثم أن الخليفة تزوج
بالدلالة ورقد في تلك الليلة معها. فلما أصبح أفرد لها بيتا وجواري يخدمنها
ورتب لها راتبا، وشيد لها قصرا ثم قال لجعفر ليلة من الليالي أني أريد أن ننزل
في هذه الليلة إلى المدينة ونسأل عن أحوال الحكام والمتولين وكل من شكا منه أحد
عزلناه فقال جعفر ومسرور نعم، وساروا في المدينة ومشوا في الأسواق مروا بزقاق،
فرأوا شيخا كبيرا على رأسه شبكة وقفة وفي يده عصا وهو ماش على مهله. ثم إن
الخليفة تقدم إليه وقال له يا شيخ ما حرفتك قال يا سيدي صياد وعندي عائلة وخرجت
من بيتي من نصف النهار إلى هذا الوقت ولم يقسم الله لي شيئا أقوت به عيالي وقد
كرهت نفسي وتمنيت الموت. فقال له الخليفة هل لك أن ترجع معنا إلى البحر وتقف
على شاطئ الدجلة وترمي شبكتك على بختي وكل ما طلع اشتريته منك بمائة دينار.
ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام وقال على رأسي أرجع معكم. ثم أن الصياد ورجع إلى
البحر ورمى شبكته وصبر عليها، ثم أنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه فطلع في الشبكة
صندوق مقفول ثقيل الوزن فلما نظر الخليفة وجده ثقيلا فأعطى الصياد مائة دينار
وانصرف وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر وطلعا به مع الخليفة إلى القصر وأوقد
الشموع والصندوق بين يدي الخليفة فتقدم جعفر ومسرور وكسروا الصندوق فوجدوا فيه
قفة خوص محيطة بصوت أحمر فقطعوا الخياطة فرأوا فيها قطعة بساط فرفعوها فوجدوا
تحتها أزار فرفعوا الأزار فوجدوا تحتها صبية كأنها سبيكة مقتولة ومقطوعة. فلما
نظرها الخليفة جرت دموعه على خده والتفت إلى جعفر وقال: يا كلب الوزراء أتقتل
القتلى في زمني ويرمون في البحر ويصيرون متعلقين بذمتي والله لابد أن أقتص لهذه
الصبية ممن قتلها وأقتله وقال لجعفر وحق اتصال نسبي بالخلفاء من بني العباس إن
لم تأتيني بالذي قتل هذه لأنصفها منه لأصلبنك على باب قصري أنت وأربعين من بني
عمك، واغتاظ الخليفة. فقال جعفر أمهلني ثلاثة أيام قال أمهلتك. ثم خرج جعفر من
بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه من أعرف من قتل هذه الصبية حتى
أحضره للخليفة وإن أحضرت له غيره يصير معلقا بذمتي ولا أدري ما أصنع. ثم إن
جعفر جلس في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أرسل له الخليفة يطلبه فلما تمثل
بين يديه قال له أين قاتل الصبية قال جعفر يا أمير المؤمنين أنا أعلم الغيب حتى
أعرف قاتلها، فاغتاظ الخليفة وأمر بصلبه على باب قصره وأمر مناديا ينادي في
شوارع بغداد من أراد الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمه
على باب قصر الخليفة ليخرج ليتفرج. فخرج الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على
صلب جعفر وصلب أولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه وأوقفهم
تحته لأجل الصلب وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة وصار الخلق يتباكون على جعفر
وعلى أولاد عمه. فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن نقي الأثواب يمشي بين الناس
مسرعا إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال له: سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء
وكهف الفقراء، أنا الذي قتلت القتيلة التي وجدتموها في الصندوق، فاقتلني فيها
واقتص مني. فلما سمع جعفر كلام الشاب وما أبداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن
على الشاب. فبينما هم في الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة
إلى أن وصل إلى جعفر والشاب فسلم عليهما ثم قال أيها الوزير لا تصدق كلام هذا
الشاب فإنه ما قتل هذه الصبية إلا أنا فاقتص لها مني. فقال الشاب أيها الوزير،
إن هذا الشيخ كبير خرفان لا يدري ما يقول وأنا الذي قتلتها فاقتص مني. فقال
الشيخ، يا ولدي أنت صغير تشتهي الدنيا وأنا كبير شبعت من الدنيا وأنا أفديك
وأفدي الوزير وبني عمه وما قتل الصبية إلا أنا، فبالله عليك أن تعجل بالإقتصاص
مني، فلما نظر إلى ذلك الأمر تعجب منه وأخذ الشاب والشيخ وطلع
بهما عند الخليفة وقال يا أمير المؤمنين قد حضر قاتل الصبية فقال
الخليفة أين هو، فقال إن هذا الشاب يقول أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا
بل أنا القاتل. فنظر الخليفة إلى الشيخ والشاب وقال من منكما قتل هذه الصبية
فقال الشاب ما قتلتها إلا أنا وقال الشيخ ما قتلها إلا أنا. فقال الخليفة لجعفر
خذ الإثنين واصلبهما فقال جعفر إذا كان القاتل واحد فقتل الثاني ظلم، فقال
الشاب: وحق من رفع السماء وبسط الأرض أني أنا الذي قتلت الصبية وهذه أمارة
قتلها، ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند الخليفة أن الشاب هو الذي قتل الصبية
فتعجب الخليفة وقال: وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب وقولك اقتصوا لها مني.
فقال الشاب: أعلم يا أمير المؤمنين أن هذه الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ
أبوها وهو عمي وتزوجت بها وهي بكر فرزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت
تحبني وتخدمني ولم أر عليها شيئا، فلما كان أول هذا الشهر مرضت مرضا شديدا
فأحضرت لها الأطباء حتى حصلت لها العافية فأردت أن أدخلها الحمام فقالت إني
أريد شيئا قبل دخول الحمام لأني أشتهيه فقلت لها وما هو فقالت: إني أشتهي تفاحة
أشمها وأعض منها عضة. فطلعت من ساعتي إلى المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت
الواحدة بدينار فلم أجده فبت تلك الليلة وأنا متفكر فلما أصبح الصباح خرجت من
بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم أجده فيها فصادفني خولي كبير فسألته عن
التفاح فقال: يا ولدي هذا شيء قل أن يوجد لأنه معدوم ولا يوجد إلا في بستان
أمير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند خولي يدخره للخليفة فجئت إلى زوجتي وقد
حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي وسافرت يوما ليلا ونهارا في الذهاب
والإياب وجئت لها بثلاث تفاحات إشتريتها من خولي البصرة بثلاثة دنانير، ثم إني
دخلت وناولتها إياها فلم تفرح بها بل تركتها في جانبها وكان مرض الحمى قد اشتد
بها، ولم تزل في ضعفها إلى أن مضى لها عشرة أيام وبعد ذلك عوفيت فخرجت من البيت
وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي. فبينما أنا جالس في وسط النهار وإذا
بعبد أسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها فقلت له: من أين هذه التفاحة حتى آخذ
مثلها فضحك وقال أخذتها من حبيبتي وأنا كنت غائبا وجئت فوجدتها ضعيفة وعندها
ثلاث تفاحات فقالت إن زوجي الديوث سافر من شأنها إلى البصرة فاشتراها بثلاثة
دنانير فأخذت منها هذه التفاحة، فلما سمعت كلام العبد يا أمير المؤمنين اسودت
الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت إلى البيت وأنا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم
أجد التفاحة الثالثة فقلت لها: أين التفاحة الثالثة فقالت لا أدري ولا أعرف أين
ذهبت. فتحققت قول العبد وقمت وأخذت سكينا وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين
وقطعت رأسها وأعضائها ووضعتها في القفة بسرعة وغطيتها بالإزار ووضعت عليها شقة
بساط وأنزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على بغلتي ورميتها في الدجلة بيدي.
فبالله عليك يا أمير المؤمنين أن تعجل بقتلي قصاصا لها فإني خائف من مطالبتها
يوم القيامة فإني لما رميتها في بحر الدجلة ولم يعلم بها أحد رجعت إلى البيت
فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما فعلت في أمه. فقلت له ما يبكيك فقال
إني أخذت تفاحة من التفاح الذي عند أمي ونزلت بها إلى الزقاق ألعب مع إخوتي
وإذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي من أين جاءتك هذه فقلت له هذه سافر أبي وجاء
بها من البصرة من أجل أمي وهي ضعيفة واشترى ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فأخذها
مني وضربني وراح بها فخفت من أمي أن تضربني من شأن التفاحة. فلما سمعت كلام
الولد علمت أن العبد هو الذي افترى الكلام الكذب على بنت عمي وتحققت أنها قتلت
ظلما ثم إني بكيت بكاء شديدا وإذا بهذا الشيخ وهو عمي والدها قد أقبل فأخبرته
بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل نبكي إلى نصف الليل وأقمنا العزاء خمسة أيام
ولم نزل إلى هذا اليوم ونحن نتأسف على قتلها، فبحرمة أجدادك أن تعجل بقتلي
وتقتص مني. فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب وقال والله لا أقتل إلا العبد
الخبيث أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.هما عند الخليفة وقال يا
أمير المؤمنين قد حضر قاتل الصبية فقال الخليفة أين هو، فقال إن هذا الشاب يقول
أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا بل أنا القاتل. فنظر الخليفة إلى الشيخ
والشاب وقال من منكما قتل هذه الصبية فقال الشاب ما قتلتها إلا أنا وقال الشيخ
ما قتلها إلا أنا. فقال الخليفة لجعفر خذ الإثنين واصلبهما فقال جعفر إذا كان
القاتل واحد فقتل الثاني ظلم، فقال الشاب: وحق من رفع السماء وبسط الأرض أني
أنا الذي قتلت الصبية وهذه أمارة قتلها، ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند
الخليفة أن الشاب هو الذي قتل الصبية فتعجب الخليفة وقال: وما سبب إقرارك
بالقتل من غير ضرب وقولك اقتصوا لها مني. فقال الشاب: أعلم يا أمير المؤمنين أن
هذه الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ أبوها وهو عمي وتزوجت بها وهي بكر فرزقني
الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم أر عليها شيئا، فلما كان
أول هذا الشهر مرضت مرضا شديدا فأحضرت لها الأطباء حتى حصلت لها العافية فأردت
أن أدخلها الحمام فقالت إني أريد شيئا قبل دخول الحمام لأني أشتهيه فقلت لها
وما هو فقالت: إني أشتهي تفاحة أشمها وأعض منها عضة. فطلعت من ساعتي إلى
المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت الواحدة بدينار فلم أجده فبت تلك الليلة
وأنا متفكر فلما أصبح الصباح خرجت من بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم
أجده فيها فصادفني خولي كبير فسألته عن التفاح فقال: يا ولدي هذا شيء قل أن
يوجد لأنه معدوم ولا يوجد إلا في بستان أمير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند
خولي يدخره للخليفة فجئت إلى زوجتي وقد حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي
وسافرت يوما ليلا ونهارا في الذهاب والإياب وجئت لها بثلاث تفاحات إشتريتها من
خولي البصرة بثلاثة دنانير، ثم إني دخلت وناولتها إياها فلم تفرح بها بل تركتها
في جانبها وكان مرض الحمى قد اشتد بها، ولم تزل في ضعفها إلى أن مضى لها عشرة
أيام وبعد ذلك عوفيت فخرجت من البيت وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي.
فبينما أنا جالس في وسط النهار وإذا بعبد أسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها
فقلت له: من أين هذه التفاحة حتى آخذ مثلها فضحك وقال أخذتها من حبيبتي وأنا
كنت غائبا وجئت فوجدتها ضعيفة وعندها ثلاث تفاحات فقالت إن زوجي الديوث سافر من
شأنها إلى البصرة فاشتراها بثلاثة دنانير فأخذت منها هذه التفاحة، فلما سمعت
كلام العبد يا أمير المؤمنين اسودت الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت إلى البيت
وأنا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم أجد التفاحة الثالثة فقلت لها: أين التفاحة
الثالثة فقالت لا أدري ولا أعرف أين ذهبت. فتحققت قول العبد وقمت وأخذت سكينا
وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين وقطعت رأسها وأعضائها ووضعتها في القفة بسرعة
وغطيتها بالإزار ووضعت عليها شقة بساط وأنزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على
بغلتي ورميتها في الدجلة بيدي. فبالله عليك يا أمير المؤمنين أن تعجل بقتلي
قصاصا لها فإني خائف من مطالبتها يوم القيامة فإني لما رميتها في بحر الدجلة
ولم يعلم بها أحد رجعت إلى البيت فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما
فعلت في أمه. فقلت له ما يبكيك فقال إني أخذت تفاحة من التفاح الذي عند أمي
ونزلت بها إلى الزقاق ألعب مع إخوتي وإذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي من أين
جاءتك هذه فقلت له هذه سافر أبي وجاء بها من البصرة من أجل أمي وهي ضعيفة
واشترى ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فأخذها مني وضربني وراح بها فخفت من أمي أن
تضربني من شأن التفاحة. فلما سمعت كلام الولد علمت أن العبد هو الذي افترى
الكلام الكذب على بنت عمي وتحققت أنها قتلت ظلما ثم إني بكيت بكاء شديدا وإذا
بهذا الشيخ وهو عمي والدها قد أقبل فأخبرته بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل
نبكي إلى نصف الليل وأقمنا العزاء خمسة أيام ولم نزل إلى هذا اليوم ونحن نتأسف
على قتلها، فبحرمة أجدادك أن تعجل بقتلي وتقتص مني. فلما سمع الخليفة كلام
الشاب تعجب وقال والله لا أقتل إلا العبد الخبيث أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن
الكلام المباح.
في الليلة العشرون
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة اقسم أنه لا يقتل إلا
العبد لأن الشاب معذور، ثم أن الخليفة التفت إلى جعفر وقال له أحضر لي هذا
العبد الخبيث الذي كان سببا في هذه القضية وإن لم تحضره فأنت تقتل عوضا عنه،
فنزل يبكي ويقول: من أين أحضره ولا كل مرة تسلم الجرة وليس لي في هذا الأمر
حيلة والذي سلمني في الأول يسلمني في الثاني، والله ما بقيت أخرج من بيتي ثلاثة
أيام والحق سبحانه يفعل ما يشاء. ثم أقام في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع
أحضر القاضي وأوصى وودع أولاده وبكى وإذا برسول الخليفة أتى إليه وقال له أن
أمير المؤمنين في أشد ما يكون من الغضب وأرسلني إليك وحلف أنه لا يمر هذا
النهار إلا وأنت مقتول إن لم تحضر العبد. فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى هو
وأولاده فلما فرغ من التوديع تقدم إلى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من
أولاده جميعا فضمها إلى صدره وبكى على فراقها فوجد في جيبها شيء مكببا فقال لها
ما الذي في جيبك فقالت له يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها معي أربعة
أيام وما أعطاها لي حتى أخذ مني دينارين. فلما سمع جعفر بذكر العبد والتفاحة
فرح وقال يا قريب الفرج، ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر فقال له من أين هذه
التفاحة فقال يا سيدي من مدة خمسة أيام كنت ماشيا فدخلت في بعض أزقة المدينة
فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه
لأمي وهي مريضة واشتهت على أبي تفاحا فسافر إلى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات
بثلاث دنانير فأخذت هذه ألعب بها ثم بكى فلم ألتفت إليه وأخذتها وجئت بها إلى
هنا فأخذتها سيدتي الصغيرة بدينارين، فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة
وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه ثم أنشد هذين البيتين:
ومن كانت دريته بعـبـد
فما للنفس تجعله فداهـا
فإنك واجد خدما كـثـيرا
ونفسك لم تجد نفسا سواها
ثم أنه قبض على العبد وطلع به إلى الخليفة فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية
وتجعل سيرا بين الناس فقال له جعفر لاتعجب يا أمير المؤمنين من هذه القصة فما
هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه فقال الخليفة وأي حكاية أعجب من
هذه الحكاية فقال جعفر: يا أمير المؤمنين لا أحدثك إلا بشرط أن تعتق عبدي من
القتل. فقال قد وهبت لك دمه.
------------------------------------------
أضيفت في 10/04/2005/ * خاص القصة السورية/عن موقع الوراق
كيفية
المشاركة
|