الذئب والخراف المهضومة
دراسات في التناص الإبداعي
((شهادات))
(ما
ارانا نقول الا معارا
او معادا من لفظنا مكرورا)
-أبو نواس-
(هل
غادر الشعراء من متردم)
-
عنترة -
مفتتح:
لم يكن مفهوم ((التناص)) بعيدا عن الدراسات النقدية التي سبقت ظهوره
في النقد العراقي خاصة، والعربي عامة 00 اذ ان مفاهيم كـ ( التأثر ،
التضمين ) على سبيل المثال قد اخذت مجالها الواسع في تلك الدراسات ، مما
جعل من ( السرقة ) بانواعها ، تأخذ هي الاخرى مداها الواسع ايضا في تلك
الدراسات ، وخير مثال على ذلك ، الضجة التي اثيرت حول رواية عبد الخالق
الركابي " الراووق " فمن الدارسين من وصمها بالسرقة ، ومنهم من حاول تخفيف
وطأة هذه التهمة ، وعدها متأثرة بهذا النص او ذاك ، ومنهم من اصبح ملكيا
اكثر من الملك عندما نفى عنها ( السرقة ) و ( التأثر ) على السواء 00 وقد
جدث كل ذلك في الوقت الذي كان ( للتناص ) دور كبير في الدراسات النقدية ،
ان في الخطاب النقدي الاوربي والامريكي ، وان في الخطاب النقدي العربي ( في
المغرب العربي خاصة ) 0 ولو كان نقادنا قد اطلعوا - وقتذاك - على تلك
الدراسات لما حصلت مثل تلك الضجة 0
لقد قلل ( التناص ) كثيراّ من وطأة تهمة (السرقة ) وراح بعض
نقادنا - جرياّ على عادة الغربيين - يعدون ( السرقة ) - بكافة انواعها - من
باب ( التناص ) دون ان يفرقوا بين نوع واخر من انواعها ، والتي سبقنا في
التفريق بينها نقادناقبل اكثر من الف عام ، وكتبوا حولها المجلدات 0
ان 0 التناص ) كآلية ومقترب نقدي ، افادت كثيرا النص الابداعي
ومؤلفه على السواء ، اذ برأ المبدع من تهمة ( السرقة ) او ( بعض انواعها )
وفي الوقت نفسه خدم النص عند اخراجه من ( خانات ) السرقة 0
ان دراسات هذا الكتاب ، رغم تنوعها ، تنسب الى الدراسات
النقدية التي استخدمت ( التناص ) آلية نقدية ، ولكنها في الوقت نفسه ، لم
تستخدم هذه الالية استخداما تعسفيا ، اذ اعطت لنفسها بعض الحرية في محاورة
ومناقشة وتفحص النص باستقلالية دون التقيد بـ ( مسطرة ) المنهج او الآلية
نفسها ، وكذلك ، فأنها لم تبتعد عن هذه ( الآلية ) بعداً يجعلها خارج نطاق
مفهومها الابداعي 0
ومن الجدير بالذكر ، ان هذه الطبعة قد زيدت اليها الدراستين
الاخيرتين ، اذ نشرتا بعد اصدار الكتاب0
ان من يطلع على هذه الدراسات ، سيجد ذلك التنوع ( المقصود )
عند اختيار النصوص على المستوى الاجناسي ، اضافة الى الكيفية التي استخدم
فيها الدارس هذه ( الآلية ) عند دراسة النصوص وتفحصها ، وفي الوقت نفسه ،
فأنه لم ينس دور القراء الآخرين ( مهما كان نوعهم ) في الاقتراب من هذه
النصوص لتفحصها ودراستها من خلال نفس ( الآلية ) دون الوصول الى ما توصلت
اليه دراسات هذا الكتاب من دلالات هي خاصة بالدراسات نفسها 0
آمل ان اكون موفقاّ في هذه الدراسات 00
ومن الله التوفيق 0
داود سلمان الشويلي
ذي قار/ ك 2 / 2000
انتهاك عالم ادم
التناص كآلية نقدية
مقترب تاريخي من المناهج النقدية الحديثة
((وادم فقط هو الوحيد الذي كان يستطيع ان يتجنب عادة التوجيه
المتبادلة هذه فيما يخص خطاب الاخر الذي يقع في الطريق الى موضوعه ، لان
آدم كان يقارب عالما يتسم بالعذرية ولم يكن قد تُكُلّم فيه وانتُهك بوساطة
الخطاب الاول))
- باختين - (1/84)
(1)
من الامور المسلم بها فيما يتعلق بالمناهج النقدية - كحال
المدارس الابداعية كافة - ان العرب ، والعراقيين ( ضمنناً ) هم من المبدعين
المستهلكين لها 0 اذ ان بعض الادباء والمهتمين - وكذلك المترجمين - يقومون
بنقل تلك المناهج وبما تنطوي عليه من مصطلحات ومفاهيم وادوات اجرائية ، من
لغاتها الاصلية الى اللغة العربية ، معرفين بها ، ليتلقفها ( النقاد )
مستخدمين اياها في دراسة النصوص الابداعية العريبة وفحصها ، قديمها وحديثها
0 وهذه الظاهرة ، عامة وعلى كافة المستويات ، تعد من ابرز سمات اشكالية
النقد العربي ، وفضلاً عن ذلك ، فان مايرد من تلك المناهج ، قد يصلنا
متأخراً عن زمن ظهوره ، وربما يعود ذلك الى ان المهتمين بنقلها ( ترجمة
وتعريفا ) لا يأخذون سوى الجاهز منها ، أي يعد ان تكون تك المناهج قد
اكتملت عدتها وتوسعت قاعدة استخدامها وباتت قابلة للنقل ، ومن ثم التطبيق 0
ان ما يدفع المهتمين بنقل ما هو جديد - برغم عدم جدته زمن النقل
- هو وصول الذائقة - والحديث هنا على مستوى النقد فقط - الى نهاية الطريق ،
أي استنفاد المناهج ( السابقة ) لقيمتها الاجرائية ، وعدم قدرتها على
مسايرة ما هو جديد بالنسبة للأبداع العربي 0 وهكذا ، طهرت المناهج البنيوية
في النقد العربي ، والعراقي ضمناً، ظهوراً متأخراً ، كما هو الحال فيما
بالنسبة للمناهج السردية ، والمقاربات النقدية الاخرى ، وبعض مفاهيم النقد
والدراسة والتفحص للنص ، بعد ان اصبح ( المكتوب ) ( = نصاً ) 0
وان من اهمالاسباب التي حعلها الناقد باقر جاسم محمد ( 2/
95 ) في دراسته المعنوية بــ ( السرديات في النقد العراقي ) ، تقف وراء
تأخر ظهور تأثير المناهج النقدية الحديثة ، كالسرديات مثلاً في النقد
العراقي ، هو ما كان الجو الثقافي الادبي عامة في العراق - في الثمانينات -
يعيش فيه ظل اجواء الحرب 0 واذا كان هذا احد الاسباب ، الا انه يكن اهمها ،
اذا ان هناك اسباباً اخرى كثيرة ،منها ماله علاقة بدور الترجمة من اللغات
التي ظهرت فيها تلك المناهج النقدية الحديثة ،كاللغة الفرنسية مثلاً ،
ومنها ماله علاقة بالمؤسسات حكومية - (1) ، اذانها - ورغم دورها الكبير -
ما زالت قاصرة عن القيام بتلك المهمة بالسرعة المطلوبة ،فضلاً عن ان اغلب
اختباراتها لا تفي حاجة الذائقة النقدية العراقية ، ولو لا الدراسات
الاصلية او المترجمة التي ترد من دور النشر في المغرب العربي - وما اندرها
- وبعض دور النشر العربية لما تعرفنا على تلك المناهج ، التي عدت مناهج
حديثة برغم ظهروها في بلدانها قبل عشرات السنين ، ومن يطلع على المصادر
المثبتة في نهايات الدراسات النقدية العراقية ، يجد ان اغلبها ممن ابدعه او
ترجمة الاشقاء المغاربة 0
واذا كان القول هذا ينطق على السرديات عموماً ، فان ( التناص )
كآلية اجرائية وكواحد من المقتربات النقدية بفحص النصوص ودراستها ، قد تأخر
التعريف به ، ومن ثم الاشتغال عليه ( وفيه) لدراسة النصوص الابداعية
العراقية وفحصها ، كون السيميائيات - اساساً - قد ظهرت بوصفها مناهج نقدية
، حديثاً في النقد العراقي 0
*** ***
(2)
ربما كان كتاب ( عصر البنيوية ) الذي طبع في العراق عام 1985 ،
والذي ضم محموعة من التلميحات الى ( ألتناص ) هو اول كتاب يذكر فيه هذا
المصطلح بشكل نعريف ، لكن دراسة ( مارك انجينو ) المعنونة بـ ( مفهوم
التناص في الخطاب النقدي ) والمنشورة ترجمتها في آب 1986 (2) هي فاتحة
التعرف على هذا المصطلح بعد ان اكتمل في فرنسا خاصة ، ومن ثم الاشتغال عليه
0
اما بالنسبة لكتاب ( المبدأ الحواري ) المنشور عام 1992
فقد ضم فصلاً عن ( التناص ) الا انه لا يمكن عده ضمن المراجع التي اسست
لمفهوم ( التناص ) في الدراسات النقدية العراقية الاولى 0 (3)
وكذلك القول بالنسبة لدراسة المغربي محمد اديوان ( مشكلة
التناص في النقد الادبي المعاصر) المنشورة في حزيران 1995 0 ( 11 /43 )
لهذا فأن الدراسة - هذه - ترى ، ان اول دراسة لكاتب عراقي
استخدمت ( التناص ) آلية اجرائية لفحص النصوص الابداعية العراقية ، هي
دراسة الناقد ( فاضل ثامر ) والتي كانت بعنوان ( التناص والنص الغائب ) (4)
0 وقد درس الناقد - فيها - ( ظاهرة ) التناص الحادثة بين نصين روائيين
عراقيين ، هما ( اللعبة ) و ( مجنونان ) وقد اعتمد الناقد فيها على مفهوم (
التناص ) كما جاء في دراسة ( مارك انجينو ) المذكورة اعلاه 0 (5)
واسهم الناقد مرة اخرى ، في دراسة ثانية نشرت في نيسان 1992 ،
تحت عنوان ( النص بوصفه اشكالية راهنة في النقد الحديث ) اذ خصص فقرة قصيرة
للتعريف (فقط ) بمفهوم التناص0 (12/14)
اما الناقد عبد الله ابراهيم ، فقد نشر في ت2/ 1988 (
13/282) دراسة بعنوان ( تناص الحكاية في القصة العراقية القصيرة ) ، درس
فيها مفاصل التناص الحادثة بين اربعة نماذج قصصية لمبدعين عراقيين مع نصوص
تاريخية واسطورية وملحمية وحكاية شعبية ، ومن خلال مراجعة مصادر دراسته ،
يتبين للقاريء ان الناقد لم يعتمد أي مرجع اصلي ، او مترجم ، لمفهوم التناص
، فضلاً عن انه لم يقدم تعريفاًلهذا المصطلح 0
اما الناقد ( حاتم الصكر ) فقد نشر في نيسان 1989 ، دراسة عن
التناص الحادث بين قصيدة حديثة ، وبين حكاية قديمة ، وقد اعتمد الصكر على
مفهوم للتناص كما عند ( ريفاتير ) وكذلك على مصادر عربية اخرى ،
وكان اقرب مصدر لكتابة هذه الدراسة ( زمنياً) هو احدى الدوريات التونسية
(6) 0 ورغم ان الناقد لم يذكر تاريخ كتابة الدراسة ، الا انه يذكر في مقدمة
كتابه ( البئر والعسل ) انها قد كتبت - كبقية دراسات كتابه - في السنوات
1989 -1990(2/10)0
فيما يفرق الناقد طراد الكبيسي بين مفهوم التناص وبين السرقة
في دراسته الموسعة ( التناص في القصيدة العربية الحديثة - قراءة اجرائية
لنموذج "حين تعلمنا الاسماء" ) ( 3/49) والتي لم يعرف تاريخ نشرها الاول ،
الا ان سياق دراسات كتابه ( المنزلات /ج1) يؤكد انها قد كتبت بعد عام 01988
وقد اعتمد الناقد على مفهوم للتناص كما قدمته ( جوليا كريستيفا ) ومن خلال
مؤلف عربي عن المصطلحات الادبية (7) وكذلك على ما جاء في كتاب د0 محمد
مفتاح 0 (8)
ويعود الكبيسي مرة اخرى لتناول ( مفهوم ) التناص في دراسة
ثانية نشرت في الجزء الثاني من كتابه ( المنزلات ) تحت عنوان ( ملاحظات في
النص : النص 000 ام جامع النص ؟) ويخصص لذلك فقرة قصيرة 0
وفي دراسة بعنوان ( الشعر والتاريخ : شعرية التناص ) المنشورة
في آب 1992 ( 14/132) اعتمد الناقد ناظم عودة على فهم مبسط لهذا المصطلح
عند فحصه مجموعة من النصوص الشعرية 0 اذ يشير اشارة عابرة الى ان ( التحويل
هو الشرط الشعري لعملية التناص بين الخطاب ومجاله التناصي كما ترى ذلك
جوليا كريستيفا ) ومن يعد الى مصدره يجد ان ( كريستيفا ) لم تقل هذا ، وان
ما يقوله كاتب الدراسة ( انجينو ) هو الآتي :(والعمل التناصي هو "اقتطاع"
و " تحويل" 00) (5/103) 0
اما داود سلمان الشويلي ، فينشر في حزيران 1993 دراسة بعنوان (
تناص الاجناس الادبية : قراءة في قصتين ) ( 15/88) ويقترب الكاتب كثيراً
من مفهوم التناص وآلياته الاجرائية مقترباً نقدياً في فحص النصوص المتناصة
ومستويات التناص الحادثة بين النصوص المختارة ، ومن ثم يستخلص بعض النتائج
الدلالية منها 0
يعود الشويلي مرة اخرى في دراسة ثانية عن التناص ، بعنوان ( سلة
الولادة المرفوضة - دراسة تناصية بين قصة ميلاد موسى "ع " وقصة ميلاد سرجون
الاكدي ) المنشورة في شباط 1999 0 (19/ 84)
في هذه الدراسة ، ومن خلال آلية التناص ، يفحص الناقد نصين
احدهما ديني والاخر اسطوري ، وفي نهاية الدراسة يقدم بعض النتائج الجديدة
حول الاسبقية التاريخية لكلا النصين0
اما الناقد عبد الواحد لؤلؤة ، فأن دراسته ( التناص مع الشعر
الغربي ) المنشورة في ك1 /1994 ( 16 / 27 ) تعتمد على مفهوم للتناص كـ (
تضمين ) وهو ما يضطره في اكثر من مكان من دراسته الى ان يضع المصطلحين في
تجاور افقي بينهما علامة استبدال ، هكذا ( التناص / التضمين ) 0 وكذلك فأنه
يقدم نماذج لما ( استفاده) او ( ضمّنه ) الشاعران السياب وادونيس في
نصوصهما من الشعر الغربي ( الانجليزي والفرنسي ) عاداً كل ذلك
( مسألة مثاقفة ) ، أي ان التناص عند الناقد هو (التثاقف ) فيجمع بين
الاثنين بعلامة استبدال هكذا ( التناص / التثاقف ) 0
اما الناقد شجاع العاني ، فأنه ينشر دراسة مطولة بعنوان (
الليث والخراف المهضومة - دراسة في بلاغة التناص الادبي ) في عام 1998 ( 18
/ 82 ) ، يقدم فيها جرداً مفهومياً واجرائياً وتاريخياً لمفهوم التناص ،
ابتداء من( كريستيفا) وانتهاء بما وصل ( للعراق ) حتى وقت كتابة الدراسة ،
من دراسات عنه وهي دراسة تحتاج اليها المكتبة النقدية الخاصة بهذا المصطلح
0
اما الناقد معين جعفر محمد ، فأنه يأتي بمصطلح جديد هو ( التناص
الاتلابي ) في دراسته ( البنية الاسطورية في شعر السياب – بين التناص
الاستلابي والمدلولية الانبثاقية ) المنشور في نيسان 1999 0 ( 17/18)
اعتمد الناقد على مفهوم يجترحه للتناص ، واصفاً اياه بـ (
الاستلابي ) يدفعه الى جعل التناص( اجراءاً ) مخلاً بشعرية النص
، اذ يقول:( فأنه في قصائد اخرى ، يحقق استفادة من الطاقات الكامنة في
الاساطير بأتباع اساليب وطرائق في بنية الخطاب تجعل الاخير في منعة من حصول
اية حالة تناص يمكن ان تخل بشعريته ) 0
ارى ان الناقد قد وقع في اشكالية المصطلح ، ذلك لان النص هو (
القصة + الخطاب ) او ( المتن + المبنى ) ، الا ان المفاهيم ، وكذلك
التعريفات التي قدمت لكل مصطلح من هذين المصطلحين ، تجعل الاختلاف بينهما
مؤكداً ، وعلى هذا الاساس وقع الناقد في هذه الاشكالية ، الامر الذي جعله
يرمي التناص بعلة الاخلال بشعرية النص 0 ولو اشتغل الناقد على ( النص )
لما خرج بهذه النتيجة ، ذلك لا، الخطاب ( =الحبكة = المبنى ) يمكن ان يكون
نصا ً، لكن النص لا يمكنه ان يكون خطابا ، بل هو متضمناً له ، بعلاقته مع
القاريء ومع مرجعه ، أي ان النص يحمل في الوقت نفسه قيمته الخطابية وقيمته
المرجعية 0
ومن هذا المنطلق ، نجدنا ملزمين بتقديم فهم موجز للنص ، بعد ان
راح الناقد يستخدم مجموعة من التعابير التي حاول من خلالها التخلص من هذه
الاشكالية من مثل : ( توظيف العنصر الاسطوري ) ( استثمار العنصر الميثولوجي
) او ( استلهام الاسطورة ) 000الخ ، وكلها تعابير ساقها الناقد كرد فعل
لهذه الاشكالية 0
اذن، ما النص ؟
لنبدأ مع د 0 محمد مفتاح ، وما اجمله من تعريف للنص بعد ان اكد
ان : ( للنص تعاريف عديدة تعكس توجهات معرفية ونظرية ومنهاجية مختلفة ،
فهناك التعريف البنيوي ، وتعريف اجتماعيات الادب والتعريف النفساني الدلالي
، وتعريف اتجاه تحليل الخطاب ) (4/ 119 ) 0
وبعد ان يستخلص المقومات الجوهرية الاساسية للنص ، يقول : (
فالنص اذن ، مدونة حدث كلامي ذي وظائف متعددة ) (4/120 ) انه تعريف موجز
جاء متأثراً بـ ( جيلين براون وجورج يول (
gillian brown
and g. yule ) (4/120 )) فهل يكفي هذا التعريف ؟
لنعد الى مفهوم "الخطاب
discourse
" الذي اجترح على يد البنيويين مع مزدوجه " القصة
story
" بديلا عن ثنائية الشكلانيين الروس " المتن الحكائي والمبتى الحكائي "
التي جاءت اساساً بديلاًًًعن الثنائية الاسبق لها " القصة / الحبكة ،"
story
/plot
" وبرغم بعض التداخل الذي حصل في الترجمات العربية بين مصطلحي الخطاب
والنص (9) فأن الخطاب " الروائي " كما عند سعيد يقطين ، هو ( الطرقة التي
تقدم بها المادة الحكائية في الرواية ) (20 / 31 ) وفي كتابه ( تحليل
الخطاب الروائي : الزمن – السرد – التبئير ) (10) يجعل من مفهوم النص
مفهوما مغايراً لمفهوم ( الخطاب ) عندما يحلل عناصر الحكي الى ثلاثة ،
هي : ( القصة ويربطها بالمستوى الصرفي للتحليل ، والخطاب ويربطه بالمستوى
النحوي للتحليل ، والنص ويربطه بالمستوى الدرلي للتحليل )(20/ 23) 0 وحسب
المفهوم السوسيري ، فأن الخطاب (كلام ) ويلحق بالتحليل اللساني 0 ( 21 / 11
)
اما في كتابه الثاني ( انفتاح النص الروائي : النص والسياق )
فأنه اذ يستهدي بطروحات ( كريستيفا ) و ( بارت ) فأنه يعرّف النص ، بأنه (
جهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان عن طريق ربطه بالكلام التواصلي
(000) وبارت الذي يراه مظهراً مرئياً للاثر الادبي وبناء من الكلمات التي
تنظم بطريقة ما للدلالة على معنى محدد ومتفرد )0(20/ 39) ويخلص يقطين الى
القول ، ان النص هو : ( بنية دلالية تنتجها ذات ضمن بنية نصية منتجة في
اطار بنيات ثقافية محددة (000) واما مكونات النص (الروائي ) فهو البناء
النصي والتفاعل النصي والبنية السوسيو- نصية ) فيما تكون مكونات الخطاب (
الزمن والصيغة والرؤية ) (20/39 ) 0
خلاصة القول ، ان النص لا يكون نصاً الا بارتباطه بالقاريء من
جهة وبمرجعه من جهة ثانية ، أي عند اشتغاله الدلالي عند القراءة 0 ( *)
*** ***
(3)
التعريف بالمصطلح:
بعد هذه الدراسات - برغم قلتها - وبعد مرور عشرة اعوام تقريبا
على ظهور اول دراسة تناولت ( التناص ) مفهوما واجراء في العراق ، نتسائل
:هل نحن بحاجة الى التعريف به؟
الجواب ، بالنسبة لهذه الدراسة ، هو نسبي ، اذا فهمنا ( النص
)على اساسه التركيبي التزامني ، وعلاقته بالقارئ ، اذ ان ( التناص ) لم يجد
له – كما يقول د0 محمد مفتاح (4 / 121 ) – ( تعريفا جامعا مانعا ) أي ، ان
أي تعريف له ، لن يؤدي غرضه المطلوب ، الا ان ( مارك انجينو
marc angenot
) يقول عنه ، انه اليوم : ( بمثابة اداة مفهومية بقدر ما هي علامة ، ورواق
ابستمو لوجي يشير الى مواقف ، الى حقل مرجعي ، والى اختيار رهانات معينة )
( 5/101 ) .
كان ظهور هذا المصطلح اول مرة في دراسات الباحثة ( جوليا
كريستسفا
julia krsteva ) التي قدمتها بين عامي 1966- 1967 ، اذ بلورت فيها مفهوم ( التناص
) اعتمادا على ( حوارية
Dialogisn ) باختيم عند دراسته
فن دستويفسكي الروائي . ولاتريد هذه الدراسة ان تدخل في متاهات تاريخة حول
ذلك (11) وانما هدفها تقديم موجز لمفهوم (التناص) .
تعرف كريستسفا ( التناص ) على مستوى ( خلق النص = انتاجه ) أي
تمثله اثناء ابداء النص وليس كمقترب نقدي سيميائي والية فحص ، بانه (
التقاطع داخل نص لتعبير " قول " ماخوذ من نصوص اخرى) ( 5/103 ) وكذلك ، هو
: ( النقل .. لتعبيرات سابقة او متزامنة ) .
واذا كانت ( كريستسفا ) قد اجترحت هذا المصطلح اعتمادا على
حوارية باختيم ، فانها في دراستها للنص المغلق ، اجترحت مصطلح (
Ideologeme
) المعتمد كذلك على باختيم ومن خلال هذا المصطلح ، حددت( كريستيفا ) مفهوم
التناص على انه : ( تداخل النصوص ) ( 12) . لكي توضح : ( انه ليس هناك ادب
بنيوي يمكن النظر اليه من منظور جزئي ، وان كل شيء يشير الى شيء اخر دائما
، وان كل نص يقبل قراءات جديده دائما ولكن بترابطات مغايرة ، وان كل نص
يشير الى غيره في النهاية ) .
فيما يقول ( سولرس
sollers
) عنه ، ان : ( كل نص يقع في مفترق طرق نصوص عدة فيكون في آن واحد اعادة
قراءة لها ، وامتداداً وتكثيفاً ونقلاً وتعميقاً ) ( 5/105) .
هنا ينتقل ( سولرس ) من النص ، اثناء الانتاج الى النص ما بعد
الانتاج . أي الى نص منتج جاهز ، يمكن ان نطبق عليه مقولة ( بارت ) وهو يصف
( النص ) بانه ( جيو لوجيا كتابات ) ( 5/105) .
وبعد عشرة سنوات ، يقترح ( لورانجيني
jenny ) اعادة تعريف (
التناص ) في العبارات الاتية : ( عمل تحويل وتمثيل عدة نصوص يقوم بها نص
مركزي يحتفظ بريادة المعنى ) (5/108) أي انه عرّف المصطلح بوصفه احد مميزا
ت النص المنتج ، وليس كأداة ( معملية ) ، أي اصبح ( التناص ) احد ، ان لم
يكن اهم خواص ( النص ) .
اما ( بول زمتور
Poul zumthor
) فيعطي لمفهوم ( التناص ) - عند الانتاج وبعده - بُعده التاريخي على اساس
ربطه بـ ( المحددات الداخلية ) لحظور التاريخ ( والتي تشكل في الواقع "
التاريخية " ان جدلية التذكر التي تنتج النص حاملة اثار نصوص متعاقبة تدعى
هنا بالتناص )( 5/110 ) 0
اما ( ريفاتير
Riffatrre
) فانه يفهم ( التناص ) على انه اداة اجرائية ( معملية ) من خلال عده (
مرتبة من مراتب التأويل ) ( 5/110) لهذا فانه يؤكد على ان ( القارئ
لنص من النصوص هو القادر على اكتشاف التناص في النص المقروء ) ( 11/46)
.
وفضلا عن ذلك ، فأن ( ريفاتير ) قد ركز جل اهتمامه على دلالية
التناص . اذ عنده : ( ينبغي ان يأتي العمل فيه صورة وحدة دلالية ونظام
سيميولوجي لترابط الحلقات ، مجموع النص الادبي يشكل ، في العمق ، وحدة دالة
واحدة ، وهذه الوحدة الدلالية تتعالى على مختلف الدلالات الجزئية المكونة
للنص بجمله وكلماته المتنوعة) ( 11/46) .
اما ( جيرار جينيت
gerard genette
) فانه يقترب من مفهوم التناص ( كأجراء معملي ) خاص بفهم النصوص من الناحية
التناصية ، اذ عنده ( التناص ) محاولة دراسة العلاقة بين النصوص المكونة
لنص معين ( 000 ) وان هذه العلاقة تخضع لميكانيزم او عملية التحويل ، أي ان
نصاً واحداً يتضمن نصوصاً متعددةً ) ( 11/46) .
ويسمي ( جينيت ) ( التناص ) بـ ( التداخل النصي ) . ويؤكد
معناه الاول ، كما عند ( كريستسفا ) فيقول عنه ، انه ( التواجد اللغوي "
سواء كان نسبياً ام كاملاً ام ناقصاً " لنص في نص أخر ) ( 8/60) . وهذا
المفهوم ما يدعوه بـ ( النص المتعالي) ذلك النص الذي يكون في علاقة ، خفية
ام جلية ، مع غيره من النصوص ) ( 8/90) .
ومن هذا المنطلق ، فإن ( جينيت ) يسمي النص المتناص ( النص
الجديد ) بـ ( جامع النص ) .
واخيراً ، فإن التناص ، عند الانتاج هو : ( قراةٌ لنصوص سابقة
، وتأويل لهذه النصوص ، واعادة كتابتها ومحاورتها بطرائق عدة على ان يتضمن
النص الجديد زيادة في المعنى على كل النصوص السابقة التي يتكون منها ) (
18/84) 0
ان مفهوم ( التناص ) على المستوى ( المعملي / الاجرائي ) يعد
الاداة الخاصة بالكشف عن نفسه في النص المدروس ، أي الكشف عن آليات التناص
نفسها التي اشتغل فيها / او بها النص عند الانتاج ، وهنا يتحول هذا المفهوم
من مفهوم انتاجي ( خاص بانتاج النص ) الى مفهوم اجرائي - معتداً على
حصافة القارئ ( الدارس ، الناقد ) ومرجعياته ومصادره السابقة على القراءة ،
وكذلك وعيه لكي يصل الى دلالاته - ويتم كل ذلك قبل ان يتخذ الدارس موقف
المفسر او الشارح او المؤول له .
*** ***
(4)
انواع التناص:
سنتطرق في هذه الدراسة الى انواع التناص بصورة موجزة، وان
المراجع المعتمدة في هذه الدراسة ، ستفيد - حتماً - من يريد الاستزادة في
هذا الجانب 0
أ- على مستوى المحاكاة ( 4/122 ):
يقسم ( التناص ) على مستوى المحاكاة الى نوعين ، هما :
اولاً- المحاكاة الساخرة ( النقيضة ) : والتي يحاول الكثير من
الباحثين ان يختزل التناص اليها ، وكما عند ( جينيت ) فأن هذا النوع يتم
فيه ( تغيير المعنى بحيث يصير مثاراً للهزء للسخرية ) ( 11/46 )0
ثانياً - المحاكاة المقتدية ( المعارضة ) : التي يمكن الن نجد
في بعض الثقافات من يجعلها هي الركيزة الاساسية للتناص 0 (4/122)
ب- على مستوى الانتاج ( 18/ 84 ):
اولاً- التناص الداخلي : أي قيام الكاتب بأعادة انتاج سابق له
0
ثانياً- التناص الخارجي : قيام الكاتب بأعادة انتاج منتج من
قبل الاخرين 0
وعن النوع الاول ، يقول د 0 محمد مفتاح : ( انه من المبتذل
(000)ان يقال ان الشاعر قد يمتص آثاره السابقة ، او تعكس تناقضاً لديه اذا
ما غير رأيه ) (4 م 125)0
اما عن النوع الثاني ، فيؤكد نفسه ، على انه : ( من المبتذل ان
يقال ان الشاعر يمتص نصوص غيره ، او يحاورها او يتجاوزها بحسب المقام
والمقال ، ولذلك فأنه يجب موضعة نصه او نصوصه مكانياً في خريطة الثقافة
التي ينتمي اليها ، وزمانياً في حيز تاريخي معين )(4 /125 ) 0
ج – على مستوى الشكل والمضمون:
اولا : التناص المضموني 0
ثانياً: التناص الشكلي 0
ومثال على ذلك دراسة ( كريستيفا ) المعنونة بـ (النص المغلق )
في كتابها (عالم النص ) وفحصها لنص ( دولاسال) على مستوى لبشكل والمضمون
(6/21)0
ينقسم الباحثون في هذا الجانب الى ثلاث فرق : ( بعضهم يراه في
المضمون ، وبعضهم يراه في الشكل ، وثالث يراه فيهما معاً، لانه من غير
الممكن فصل المعنى عن المضمون او الشكل عن المعنى ) (3/ 57)0
د- على مستوى القصد ( 4/131) ( 18/97) :
اولاً:التناص الاعتباطي : الذي لا يمكن الوقوف عليه في النص الا
اعتماداً على ذاكرة المتلقي 0
ثانياً: التناص الواجب : اذ يوجه المتلقي نحو مظانه ، أي بوجود
مؤشرات تؤشر للقاريء مفاصل التناص 0
*** ***
(5)
شروط التناص:
عندما يجلس المبدع امام الورقة البيضاء ( لينتج ) نصاً، فأن
جميع ما يمكن تسميته بـ ( الشروط ) لا يمكن اشتغالها في تلك اللحظة 0 اذ
اثناء الابداع لا يمكن للمبدع ان يضع نفسه ضمن ارتهانات متواضع عليها (
كشروط ) وانما تعمل - هي - ضمن لا وعيه وما تراكم في ذلك اللاوعي ( وكذلك
الوعي ) من خبرة في هذا المجال ، لهذا فأن لافتة ( شروط التناص ) هي لافتة
لا تطبق بحرفيتها بقدر ما تكون على شكل ( تعاقد ) وهذا ما يؤكده ( جينيت )
حول التناص الواعي ، اذ يقول ، انه : ( اشعار القاريء بصورة ما ، انه ازاء
نص متناص ) ( 18م83 ) 0 معنى هذا ، ان هنالك شرطاً بين الكاتب
والقاريء وبموجب ذلك ( يقدر الكاتب على مسايرة المؤلف غير متهيب من فك رموز
التناص الواقع بين ما يقرأه والنصوص المكونة لهذا المقروء ) ( 11/ 46 ) 0
اما الشرط الاخر ، هو ان يكون ( التناص ) لا واعياً ، أي (
تذويب نص الاخر ومحوه واعادة خلقه بالكامل ، بحيث لا يعود اكثر من ذكرى
بعيدة او مصدر الهام للنص بين مصادر اخرى ) ( 9 / 79 ) 0
*** ***
(6)
آليات التناص:
يشتغل التناص كأداة مفهومية وكرواق ابستمولوجي ان على مستوى
الانتاج وان على مستوى الفحص ( كأداة معملية ) ضمن آليات ، ليست ظاهرة
للعيان ، فضلاً عن انها غير مشروطة ، كما هي الاليات المتجسدة في المعامل
والمختبرات ، وانما يعتمد تجسدها ( استخدامها ) نوعية الترابط والتداخل
الحاصلين بين النصوص المتناصة ( على مستوى الانتاج ) او اعتماداً على النص
نفسه ، ( على مستوى الفحص ) من خلال قراءته ، أي ان هذه الآليات التي
يؤشرها الفحص من خلال النص نفسه هبي نفسها التي اعتمدت عند الانتاج ، وهذا
يعتمد على ( حصافة ) القاريء ، ومقدرته ودقته ووعيه والتراكم المعرفي لديه
00 اذ ان النص هو ( شيء) ميت ، لا حياة فيه ، انه كالبذرة التي هي مشروع -
واحتمال قائم - لان تكون نبتة تعطي ثمارها 0(13)
ان التناص ( اثناء الفحص ) هو الكفيل بأحياء النص ، أي يدفع النص
لأن يكون ( معنى ) من خلال تفحصه لاظهار تناصاته مع النصوص الاخرى ،
وعلى هذا الاساس ، تكون القراءة التناصية لاي نص احدى ادوات ( جماليات
التلقي ) (14 ) 0 ذات البعد الثنائي ( النص - القاريء ) أي يكون التناص ،
اضافة لكونه( جيولوجيا كتابات ) يكون قراءة ، أي يصبح فناً لـ ( كشف ما
يكشف في النص نفسه الذ نقرأ والعلاقة مع نص حاضر بغياب ضروري في الاول )
(5/105) 0
واذا كانت مقولة ( موت المؤلف ) احد المآخذ على البنيوية ،
فأنها ما زالت فاعلة في ( الفحص التناصي ) لكي تبقى علاقة النص بالنصوص
الاخرى وثيقة ، وكذلك علاقة القاريء بالنص المقروء ، هي العلاقة الوحيدة في
الوصول من خلالها الى ( معنى النص ) عند الفحص التناصي 0
والتناص ، اثناء الانتاج ، له آلياته التي يعمل بها ، ومن
اهمها : ( 4/125)
أ - التمطيط :
ومن اشكاله ، الجناس بالقلب ، وبالتصحيف ، والكلمة المحور ،
الشرح ، الاستعارة ، التكرار ، الشكل الدرامي ، ايقونية الكتابة 0
وقد اوردت ( كريستيفا ) في دراستها ( الشعر والسلبية ) عن شعر
لوتريامون ، ثلاثة انواع من التصحيفات ، هي : النفي الكلي ، والنفي
المتوازي ، والنفي الجزئي0 ( 6/78)
ب - الايجاز (4/127)
وياتي من خلال الاحالة التاريخية ( احالة تذكرة او احالة
محاكاة ) .
ان ( تعقيد ) هذه الاليات ، في هذين الشكلين ، وتفرعاتهما
لايمكن الركون اليه ، ذلك ولانه من خلال هذين الشكلين يمكن دخول بعض انواع
السرقة ، كالانتحال خاضة داخل العملية التناصية دون التعرف عليها وهو ما
يجعل التناص في هذه الحالة راية الشرعية امام هذه السرقات .
اما بالنسبة الى آليات التناص على مستوى الفحص والدراسة ،
فأنها هي نفسها آلياتها في الانتاج ، والمتوصل اليها من خلال عملية ( تفكيك
) النص ، لكي تشتغل تلك آلاليات على ستوى الفحص ، بصورة صحيحة ودقيقة
للوصول الى مرحلة الفهم ، ومن ثم مرحلة ( التأويل ) الذي اكده ( ريفاتير )
عند استخدامة للتناص في اخر اعماله عن الاسلوبية على اعتبار انه : ( مرتبة
من مراتب التأويل ) ومن ثم بناء المعنى وانتاجه . وهذا مايجب على التناص (
اثناء الفحص ) الوصول اليه .
ان استخدام التفكيك سيبعد القراءة التناصية من مجال القراءات
التقليدية التي تحاول انتقاء دلالة معينة توقعها في التاويل الايدولوجي
للنص ، أي ان يساعد النص على ابراز امكانيته في هذا الجانب امام كل قراءة .
*** ***
(7)
الخاتمة:
وأخيراً ، لايمكن عد ماقلناه سابقا على انه ( مسطرة) علينا
استخدامها عند فحص النص ، لان في ذلك سحبا للبساط من تحت اقدام ( الاجتهاد
) في استخدام المناهج النقدية التي تأتينا من ( اوربا ) ومقاربتها النقدية
، لكي نبعد أي اشكالية يحتمها استخدام تلك المناهج على النصوص الابداعية
العربية ن تلك النصوص التي لها علائق وشيجة بقضية الفكر العربي المعاصر ،
الذي هو في الاساس فكر مغاير - برغم انسانيته - للفكر الاوربي الذي يعد
نفسه مركزاً .
*** **
23 / 10 / 1999
المراجع والمصادر:
عند استخدام المرجع او المصدر داخل هذه الدراسة والدراسات
الاخرى في الكتاب ، سنشير بذلك الى رقمين ، الاول يشير الى تسلسل المصدر او
المرجع هنا ، والاخر يشير الى رقم الصفحة.
1 0المبدأ الحواري - تودوروف - ت0 فخري صالح - دار الشؤون
الثقافية العامة - ط1 /1992 0
2 0البئر والعسل - حاتم الصكر - دار الشؤون الثقافية
العامة- 1992 0
3 0المنزلات /ج1/طراد الكبيسي - دار الشؤون الثقافية العامة
- 1992 0
4 0 تحليل الخطاب الشعري ( استراتيجية التناص ) - د0محمد
مفتاح - المركز الثقافي العربي - ط1/1985 0
5 0 في اصول الخطاب النقدي الجديد - ت/احمد المديني - دار
الشؤون الثقافية العامة - ط2/1989 0
6 0 علم النص - جوليا كريستيفا - ت 0 فريد الزاهي - دار
توبقال - ط1/1991 0
7 0 عصر البنيوية - اديث كيرزويل - ت0 جابر عصفور - سلسلة
افاق عربية - 1985 0
8 0 مدخل لجامع النص - جيرار جينيت - ت0 عبد الرحمن ايوب -
دار الشؤون الثقافية العامة - ب0ت0
9 0 ادونيس منتحلا - كاظم جهاد - مكتبة مدبولي - ط2/1993 0
10 0 الاديب المعاصر - ع/آب/1986 / الاتحاد العام للادباء
والكتاب في العراق 0
11 0 الاقلام - ع/4-5-6/1995 - دار الشؤون الثقافية العامة0
12 0 الاقلام - ع/3-4 /1992 - دار الشؤون الثقافية العامة0
13 0 الاقلام - ع/ ت2/1988 - دار الشؤون الثقافية العامة0
14 0 الاقالم - ع/7-8 /1992 - دار الشؤون الثقافية العامة0
15 0 الاقلام - ع/5-6 / 1993 - دار الشؤون الثقافية العامة0
16 0 الاقلام - ع/ 10-11-12 /1994 - دار الشؤون الثقافية
العامة0
17 0 الاقلام - ع / 4/ 1999 - دار الشؤون الثقافية العامة0
18 0 الموقف الثقافي -ع/ 17/1998 - دار الشؤون الثقافية
العامة0
19 0 الموقف الثقافي - ع/19/1999 - دار الشؤون الثقافية
العامة0
20 0 الاديب المعاصر - ع/ 42 /1990 - الاتحاد العام للادباء
والكتاب في العراق0
21 0 الموقف الثقافي- ع/ 9/1997 - دار الشؤون الثقافية
العامة0
الهوامش:
(1) مثل دار المـأمون للترجمة والنشر ، دار الشؤون الثقافية
العامة0
(2) انظر المصدر (10) وهي من ترجمة احمد المديني ، وظهرت في
كتابه ( في اصول الخطاب النقدي الجديد )0
(3) وكذلك الحال بالنسبة لبعض الدراسات التي نشرت في
التسعينات لكتاب عرب مثل البحث المقدم لمهرجان المربد الحادي عشر ( 1995 )
من التونسي مصطفى الكيلاني ، والذي يشير فيه اشارة عابرة الى التناص عند
كريستيفا في ثلاثة سطور ، وكذلك بالنسبة لدراسة محمد بنيس عن قصيدة احمد
شوقي في كتابه ( حداثة السؤال - ط1/1985 - المركز الثقافي العربي ) الا انه
لم يستخدم مصطلح ( التناص ) بالاسم وانما يستخدم مصطلحات من مثل ( النص
المهاجر ) و( النص المهاجر اليه ) 0 وكذلك في كتابه ( ظاهرة الشعر المعاصر
في المغرب - دار العودة - بيروت - 1979)اذ يستخدم مصطلحات ( هجرة النص ) و(
النص الغائب ) اعتماداً على كريستيفا و تودوروف 0
(4) نشرت لاول مرة في جريدة الثورة 27/6/1987 واعاد نشرها
في كتابه( الصوت الاخر ) 1992 0
(5) انظر مصادر دراسته 0
(6) هي مجلة الحنياة الثقافية التونسية - 1988 0
(7) المصطلحات الادبية المعاصرة - د0سعيد علوش - منشورات
المكتبة الجامعية - 1984 0
(8) هو كتاب تحليل الخطاب الشعري ( المصدر / 4 ) 0
(9) انظر معجم علم اللغة الحديث - وضعه نخبة من اللغويين
العرب - مكتبة لبنان - ط1/1983 0 اذ لايذكر فيه ( الخطاب ) وانما يذكر (
النص ) مرة على انه ترجمة لــ(
texe
) ص94 ومرة على انه ترجمة لــ (
discourse
) ص19 0
(10) في دراسة مطولةً للدكتور عبد الله ابراهيم بعنوان (
التركيب والدلالة في المتخيل السردي ) ناقش فيها كتابي سعيد يقطين
المذكورين انفا ( انظر المصدر / 20)
(11) من يريد الاستزادة عليه ان يعود الى الكتب والدراسات
التي تناولت ذلك ، والمدرج اغلبها في هذه الدراسة 0
(12) انظر كتابها ( علم النص ) ودراستها ( النص المغلق )
عادة الملفوظ ( ايديولوجيم ) اشتقته من ( ميدفيديف = باختين )
والايديولوجيم عندها هو ( عينة تركيبيةً (000) تجمع لتنظيم نصي معطى
بالتعبير المتضمن فيه او الذي يحيل اليه) ( 5/ 103) 0
(13) انظر دراستنا ( النص الابداعي احتمال كامن ) - جريدة
الجمهورة بتاريخ 6/حزيران / 1994 0
(14) ان نظريات ( آيزر) عن جماليات التلقي والقراءة ، قد
عرفت في مصر - خاصة - في بداية الثمانينات - انظر مجلة فصول - ع /1/ 1984 0
(*) يقول ( بول ريكور
Paul ricoeur
) ( كل خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة ) الاقلام - ع/4/1998 هذا يعني ان
الخطاب هو نص عندما يكتب والكتابة هنا تثبيت له بالتدوين ومن ثم القراءة 0
ولو عدنا الى ترجمة (discourse)
عند مترجمينا والمهتمين بهذا المجال ، نجد ان كمال ابو ديب يترجمه الى
( انشاء ) ( الاستشراق - ترجمة كمال ابو ديب - مؤسسة الابحاث العربية -
بيروت - 1981 ) فيما يترجمة جابر عصفور الى ( خطاب ) ( انظر
المصدر /7ص379 ) ويترجمه سعيد يقطين الى ( خطاب ) ( انظر السيمياء
والتأويل - ربوبرت شولز - ت0سعيد الغانمي - المؤسسة العربية للدراسات
والنشر - بيروت - 1994 ) 0
(**) نشرت هذه الدراسة قبل نشرها في الاقلام في مجلة
( الوحدة ) عدد مزدوج 82 - 83 /1991 تحت عنوان ( من قضايا الشعر العربي
المعاصر ، التناص مع الشعر الغربي ) انظر ادونيس منتحلا - ص101 0
تناص الاجناس الادبية
قراءة تناصية في قصتين قصيرتين (*)
(1)
تنهض القصة في العراق - في الآونة الاخيرة - اعتماداً على بعض
الاجناس الادبية الاخرى ، كالرواية ، والمسرحية ، والحكاية الشعبية ،
والاسطورة 000الخ ، لتنسج لها كياناً خاصاً بها ، يأخذ من تلك الاجناس بعض
عناصره ، كالشخوص ن او الاحداث ، او الثيمة الرئيسية 000الخ 0
ان اعتماد القاص - اثناء كتابته الابداعية ، بصورة واعية او غير
واعية - على بعض عناصر الاعمال الابداعية لاجناس ادبية اخرى ، لم يعد سُبة
يعاب عليها القاص ، كما كان يحدث ذلك قبل سنوات ، حيث كانت تهمة السرقة ،
او التأثر ، والاجترار ، تلاحق مثل ذلك المبدع ، لان المناهج النقدية
الحديثة ، قد جعلت من ( الكتابة ) - بكل انواعها - عبارة عن ( نصوص
) والغت في الوقت نفسه قضية نقاء دم الاجناس الادبية المختلفة ، محيلة كل
ذلك الى مسألة مهمة جداً ، كانت غائبة او مغيبة عن بال المبدع والنقاد على
السواء ، وهي مسألة التداخل او عدم التداخل بين هذه الاجناس ، او بين نص
وآخر ، حتى بات النص ، عبارة عن ( وفرة من نصوص مغايرة ، يتمثلها ويحولها
بقدر ما يتحول ويتحدد بها على مستويات عدة ) (1) 0
وهذا يعني مقدرة ( النص ) الواحد على التداخل مع نصوص اخرى ،
او ان يجد نفسه فيها بقدر ما تجد النصوص الاخرى نفسها فيه ، فأصبح ( النص )
عند ذاك ( غير مكتف بنفسه ) بل هو ( الجانب المستعرض من الكتابة التي لا
تنغلق على نفسها ، بل تنفتح على غيرها في تفاعلات نصية دائمة )(2) 0
وعندما سحبت المناهج النقدية الحديثة البساط من تحت اقدام
استقلالية الاجناس الادبية ، وكذلك استقلالية النصوص الابداعية ، وفتحت
ابوابها فاسحة المجال للتداخل المشترك والمتبادل بينها ، اقترنت هذه
العملية بظهور مصطلح ( التناص ) الذي الغى كل ادعاءات الاتهام بالسرقة
والتأثير والتأثر 000الخ0
لا نريد هنا ان نعيد ماقلناه في دراستنا السابقة عن ( التناص ) :
الاسس ، والمقومات ، والعمل 00 وانما نريد ان نؤكد ان قراءتنا هذه لنصين
قصصيين جاءت اعتماداً على ما قلناه سابقاً ، وكذلك ، فأن هذين النصين قد
نهضا اساساً على جنسين ادبيين مختلفين ، هما المسرحية والرواية ، وقد اتخذت
الدراسة هذه مبدأ انفتاح الاجناس الادبية بعضها على بعض اساساً دون السقوط
في هوة ( التأثر الادبي المحض ) وبوعي او بدونه ، من قبل المبدع ذاته في
محاولة منه لبناء كيان خاص لـ ( نصه ) الابداعي 0
العمل الاول الذي نحاول قراءته وتفحصه في هذه الدراسة ، هو قصة
( قناع بورشيا ) للقاص محسن الخفاجي (3) ، اعتماداً على مرجعية نصية في
الابداع المسرحي ، هي مسرحية ( تاجر البندقية ) لشكسبير 0 (4)
فيما تكون قراءتنا الثانية منصبة على قصة ( جروشنكا ) (5) للقاص
جليل القيسي ، اعتماداً على مرجعية من الابداع الروائي المتمثل في رواية (
الاخوة كرامازوف ) لدستويفسكي 0 (6)
ان قراءتنا هذه ، تهدف الى اجلاء مستويات التناص بين النص
القصصي ، والنص المتناص معه ( الرواية او المسرحية) كخطوة اولى ،
للوصول الى الدلالات الجديدة التي تظهرها هذه القراءة من خلال ( التناص )
كآلية نقدية ( معملية)، وكل ذلك يضعنا على طريق تميز النص الابداعي
الجديد ، وهو (القصة القصيرة ) التي كتبها مبدعونا اخيرا 0
*** ***
(2)
يعتمد كل نص ، علة مجموعة من العناصر المكونة للحمته ،
كالشخصية والحدث والبيئة والفكرة او الثيمة الرئيسة والمكان 000الخ 0
ولما كان النص - أي نص - منفتحاً على الخارج ، فأن الضرورة
تحتم عليه ان يتداخل مع نصوص اخرى 0
وفي نصنا الاول ( قناع بورشيا ) ترينا الترسيمات الاتية مستويات
التناص التي يظهر عملية تكونه الذاتي ، أي عملية ( التناص ) على
مستوى الانتاج 0
الحدث
الجو العام الشخوص الثيمة الرئيسية المكان
البيئة
قصة قناع بورشيا بورشيا مسرحية تاجر البندقية
الشكل الاول (مخطط الشخوص )
ثرية وجميلة
قليلة التعليم او تحتاج اليه
تبحث عن الحب / الزواج
تعيسة بسبب وصية والدها
الشكل الثاني ( مخطط الصفات )
الشكل الثالث ( مخطط المكان )
الشكل الرابع (مخطط التضمين )
تقربنا الترسيمات السابقة الى فهم عملية التناص بين القصة
والمسرحية اثناء الانتاج ، اذ يحكي بطل ( القناع ) ، مدرس اللغة الانكليزية
، المتزوج ، قصته مع تلميذته التي يقدم لها دروساً خصوصية باللغة
الانكليزية ( في مادة مسرحية تاجر البندقية ) في بيتها ( قصرها ) ، ويروي
لنا الاحداث من الدرس الاول ، حتى وفاتها0
ان الراوي ، يعلمنا ان تلميذته تلك قد اسكنها والدها قصراً
كبيراً مع خادمة ، ليبعدها عن المؤثرات الخارجية (7) ولم يسمح لها بالخروج
من القصر 0 وكان الراوي / البطل يعطيها الدروس ، وهما وحيدان ، فتنسج تلك
الوحدة قصة حب غير معلنة من الطرفين 0
يأخذ التناص - هنا - مستويات اربعة ، هي :
آ - المستوى الاول:
اعتماداً على تشابه الشخصيات ( الشكل الاول ) حيث تتماهى
بطلة ( القناع ) غير المسماة ، ببطلة شكسبير ( بورشيا ) وهذا التماهي يتخذ
له مسارين ، احدهما تماه ذاتي تقوم به البطلة - نفسها - وهي تترسم خطى ( او
تمنياتها في ان تكون : ) ( بورشيا ) اثناء قراءتها للمسرحية امام مدرسها
ومعه0
والمسار الثاني هو التماهي بين الشخصيتين من خلال هواجس البطل
/ الراوي الذي برغم انكاره مع نفسه في ان يكون ( بسانيو) لكنه لا ينكر على
تلميذته ان تكون هي ( بورشيا ) او كقناع لها في اقل تقدير 000 وهكذا تتحول
بطلة شكسبير من مسرحيته الى قصة الخفاجي 0
ب - المستوى الثاني:
( الشكل الثاني ) 0 وهو مستوى التماهي في الصفات الرئيسية التي
تميز كلا الفتاتين 0
فـ ( بورشيا ) شكسبير ، وكذلك قناعها عند الخفاجي ، تتماهيان في
الصفات الاتية:
اولاً: كل واحدة منهما ، ثرية وجميلة 0
ثانياً : كل واحدة منهما ، بحاجة الى العلم
، فتلميذة ( القناع )
تحتاج الى دروس خصوصية لتعلم اللغة الاصيلة لقرينتها ، تقول ( بورشيا )
شكسبير : ( فما انا في جملتي الا فتاة ناقصة في العلم والخبرة ) ( المسرحية
- ص83 ) 0
ثالثاً : ان مأساة (بورشيا )
هي في عدم احقيتها في اختسار شريك
حياتها ، لان وصية والدها تمنعها عن ذلك 00 أي انها تبحث عن الحب / الزواج
، ولكن بشروط كقرينتها تلميذة الخفاجي ، حيث انها لا تستطيع البوح بحبها
لمدرسها لاسباب ، كونها مريضة ، وكذلك لان من تحب متزوج من اخرى0
رابعاً : تعاستهما المشتركة برغم فخامة القصر والثراء الباذخ0
جـ - المستوى الثالث: ( الشكل الرابع )
حيث يأخذ التناص مساراً جديداً ، فيصبح عبارة عن تضمين عبارات
من ( تاجر البندقية ) في ( قناع بورشيا ) اذ ينقل الخفاجي بعض المقاطع من
المسرحية الى قصته ن ومنها المقطع الذي يردده امام تلميذته ةالذي تطلب منه
كتابته على ورقة لتقوم هي بتلاوته امامه 00 حيث تعلن بصورة غير مباشرة حبها
لمدرسها 0
د- المستوى الرابع: ( الشكل الثالث )
يتجسد ( التناص ) في هذا المستوى بين المسرحية والقصة ، في (
المكان ) وقد اتخذ نص ( القناع ) من صالة استقبال القصر مكاناً للحدث ، كما
ان (بورشيا ) شكسبير قد ظهرت مع حبيبها في اكثر من مرة في صالة القصر
ايضاً0
*** ***
(3)
ظهرت رواية ( الاخوة كرامازوف ) لديستزيفسكي عام 1880 م ،
واكتسبت اهميتها ، كونها جاءت خلاصة لفكر الكاتب الاجتماعي والاخلاقي
والفلسفي والديني 0
وترتكز احداثها الرئيسية حول جريمة قتل الاقطاعي العجوز (كارامازوف)
يضلل الكاتب قارئه ، وكذلك شخوص روايته عن الوصول الى القاتل الحقيقي من
خلال وضع القرائن والادلة لاتهام الابن الاكبر للضحية ، أي ( ديمتري ) بسبب
تنازع هذا الاخير مع والده بخصوص ميراث امه ، زكذلك تنافسه معه على حب (
جروشنكا)0
وفي نهاية الرواية ، يتعرف القارئ - وكذلك شخوص الرواية 0 على
القاتل الحقيقي وهو ( سمردياكوف ) بالرغم من اتهام اخيه ( ايفان ) بأنه هو
القاتل الحقيقي برغم ان ( سمردياكوف) قد نفذ الجريمة ، والسبب كما يقول
لاخيه ، انه نفذ تلك الجريمة تحت تاثير افكار ( ايفان ) التي تؤكد ان : (
كل شيء مباح ، فما دام الاله الذي لانهاية له غير موجود فالفضيلة اذن
لاجدوى منها ولاداعي لها ) 0
وتاتي اهمية هذذه الرواية من كونها جاءت كاتهام للواقع الذي افرز
ظاهرة ( كارامازوف ) وكذلك الى ما عكسه الكاتب من افكار كانت
سائدة - وقتذاك - بين الشباب ، وهي مجموعة الافكار الفوضوية والشريرة التي
تاسست على مقولة ( كل شيء مباح ) 0
وتاتي اهميتها كذلك من خلال تلك النقاشات الفلسفية لبعض
القضايا الدينية والاخلاقية 000 الخ 0 وان الذي ينتهي من قراءة معمقة لها
يصل الى نتيجة مفادها : فشل لافكار ( ايفان ) واصالة وبقاء لافكار الراهب (
زوسيما ) 0
هذا هو مجمل ما تحمله من حدث رئيس وافكار صاغها الكاتب بنظرة فلسفية
جدلية عميقة 0
ومن مجموعة الشخوص الحيويين فيها ، نجد الابناء الثلاثة (
ديمتري وايفان واليوشا ) والابن غير الشرعي ( سمردياكوف ) وكذلك الخادم
وكاترينا ايفانوفا - خطيبة ديمتري - وجروشنكا 0
في قصة جليل القيسي ( جروشنكا ) حدث بسيط ، هو زيادة بطل القصة
/ الراوي ، بيت ( جروشنكا ) ، ومحاوراتها ( اليوشا ) معاً ، حول شخوص
الرواية ومصائرها 0
ان اختيار القيسي لـ ( جروشنكا ) دون غيرها من شخصيات الرواية
جاء ليؤكد دلالات ، منها :-
أ 0 ان ( جروشنكا ) هي خارج نطاق اللعبة التي يلعبها الابناء0
ب0 انها ترتبط بعلاقة مع اثنين من شخوص الرواية برباط غير مقدس ، اذ
انها ترتبط بعلاقة مشبوهة مع الاب (الضحية) وفي الوقت نفسه مع الابن (
ديمتري ) حيث يكون التنافس بينهما على حبها 0
ج0 انها امراة لعوب ، لافرق عندها في ان تحب الاب (العجوز) او ابنه
( الشاب ) طالما ان الاثنين يدفعان لها 0
من هذه الدلالات الثلاث يمكن الوصول الى الاستنتاج الاتي :- ان (
جروشنكا ) هي المرشحة الى ان تكون الشخصية الحيادية والتي يمكنها ان تصف
لزائرها ( البطل / الراوي ) بحيادية تامة الشخصيات الاخرى 0
يعتمد نص القيسي على قراءة معمقة للرواية ، حيث ياتي نصه
عبارة عن قراءة ثالثة للرواية ( الزائر / البطل / الراوي / القيسي ) يقول
لـ ( جروشنكا ) : ( صحيح 00 لانني في زيارتي الاخيرتين اكتفيت بمراقبتكم
فقط 00 كنت عديم التجربة ، والخبرة والثقافة 00 صدقيني ياجروشنكا كثيرون
سوف يزورونكم 00 ان مدينتكم هذه سيتردد عليها عشرات الاف الزوار للتعرف
عليكم 00 وفي كل الاعوام 00) 0
ياخذ ( التناص ) بين نص القيسي ورواية ديستوفيسكي مستويات عدة اهمها
:-
أ0 المستوى الاول :-
اعتمادا على الشخصية (الشكل الخامس) حيث ترد في نص القيسي (
فضلا عن جروشنكا واليوشا ) اسماء شخصيات الرواية المهمه ، ثمل الاب ،
ديمتري ، ايفان ، الخادمة ، سمر دياكوف ، سوزيما 0
الاب
ديمتري
ايفان
سمردياكوف
الخادمة
سوزيما
جروشنكا
اليوشا
كاترينا
ليزا
غريغوري
شخصيات اخرى
الشكل الخامس( مخطط الشخصيات )
المستوى الثاني :-
يعيدنا القيسي في نصه الى الجو الذي تحدث فيه الرواية ، خاصة
في بيت ( جروشنكا ) 0 انه جو بارد صقيعي 0 وعندما يدخل الى البيت تاخذه
الخادمة الى غرفة الجلوس ( غرفة جيدة التدفئة ، سرعان ما شعرت بحرارة
لذيذة تدب في جسدي المقرور والى وجهي المخدر ) كما يقول الراوي / الزائر0
ج0 المستوى الثالث :-
يتناص ( نص ) القيسي مع نص ديستوفسكي من خلال ( تضمين ) نص
القيسي لبعض المقاطع من نص ديستوفيسكي 0 فهو مثلاً ينقل قول ( جروشنكا ) :
( اسجنوني معه لانني التي اوردته موارد الهلاك ، لانني انا المذنبة ) وكذلك
وصف كاثرين لديمتري بانه : (مخلوق اشوه) ووصف ديمتري لسمردياكوف : ( دجاجة
مصابة بداء الصرع ) ( الشكل السادس ) 0
الشكل السادس (مخطط التضمين)
ومن الجدير بالذكر ، ان نقول ، ان الدراسات النقدية عن الرواية
، قد اكدت ان المؤلف جعل من شخوصه حمالين لمجموعة من الرموز ، حيث نجد (
الروح ) و( العواطف ) في ( ديمتري ) و ( العقل ) في ( ايفان ) ووراء هؤلاء
يقف ( سمر دياكوف ) ليمثل جوانب النفس البشرية المنحرفة 0
ومن خلال هذه القراء' ، نجد القيسي ، وهو يحاور ( اليوشا ) و
(جروشنكا ) يؤكد حبه لـ ( اليوشا / الروح / الملاك ) و ( ايفان / العقل /
الفكر ) 0
ان القيسي في نصه هذا يؤكد ثنائية ( الروح والعقل ) في النفس
البشرية ، فيما يكره ( ديمتري / العواطف ) 0
*** ****
(5)
بين قناع بورشيا وجروشنكا
بين هذين النصين يقوم (تناص) على شكل مغاير لما رأيناه في
السطور السابقة ، علماً ان تاريخ نشر هاتين القصتين- وربما كتابتيهنا -
متباعدان ، ويأخذ (التناص) بينهما مستويات عدة ، اهمها :
أ0 يعتمد كل نص على جنس ادبي مغاير له كمرجع نصي 0
ب 0 كل نص منهما ، يعتمد على شخصية مسحوبة من مرجعيتها ، فالقيسي
يسحب من الرواية ( اليوشا وجروشنكا ) ويحاورهما ، حيث يقف منهما موقف
البعيد والقريب ، البعيد كونه لا يرتبط بهما برابطة سوى انه جاء ليؤكد
حضورهما بعد تلك السنين الطوال 0
اما الخفاجي ، فأنه يحضرهم ليقنع من خلالهم بطلته اثناء تدريسها
، وكذلك يربط بينه وبين تلميذته من خلالهم 0
ان الشخصية المسحوبة من المرجع ، هي شخصية انثوية في كلا النصين
، فضلاً عن وجود الخادمة 0
ج 0 كلا النصين ، تدور احداثه في صالة القصر 0
د 0 يبدأ النصان من الواقع ، دخول الراوي / الزائر الى القصر ،
وعبر مسار دائري ينتهيان بالواقع ، أي الخروج من صالة القصر 00 وتصبح صالة
القصر هي المكان الذي تسحب اليه شخصيات او احداث النصوص المرجعية 0
هـ 0 يتذكر ابطال الخفاجي شخصية ( بورشيا ) على شكل متخيل ، فيما
يتخيل ابطال القيسي شخصيات الرواية / المرجع0
و 0 في كلا النصين ، تقع محاورة بين شخصياتها عن ( النص / المرجع )
0 ففي نص الخفاجي يكون الحديث عن مسرحية ( تاجر البندقية ) ، اما في نص
القيسي ، فيقع الحديث عن رواية ( الاخوة كارامازوف ) 0
ز 0 ان بطلي النصين ، يقفان خارج حدود النص المرجعي 0 انهما شخصيتان
تدخلان المكان ( والاحداث ) من خارج النص ، الاول كمدرس
والثاني كزائر 0
*** ***
(6)
الاستنتاجات
بعد هذه القراءة التناصية ، بين نصوص من اجناس مختلفة على
مستوى المحتوى كما في الفقرات ( 2،3،4) وعلى مستوى الشكل كما في الفقرة (5)
، يمكن استنتاج ما يلي :
أ 0 ان النص المرجعي ( الرواية او المسرحية ) ليس بالنص المهيمن
كلياً، وهذا ما يؤكده انتزاع النص الجديد ( القصة القصيرة ) من هيمنة النص
المرجعي ، والخروج من اطاره والعودة مرة اخرى الى الواقع الآني ، كما انطلق
منه في البداية0
ب 0 عدم تماهي الشخصية القصصية بالشخصية المرجعية كلياً ، فـ (
جروشنكا ) في القصة تختلف عنها في الرواية ، وكذلك بالنسبة لـ ( بورشيا )
عند الخفاجي ، اذ انها لم تكن كما هي عند شكسبير 0
ج 0 ان حدوث ( التناص ) اعتماداً على ثنائية القصة م المسرحية ،
والقصة / الرواية ، جاء لأغناء التجربة القصصية لدى القاصين ، وكذلك
تكثيفاً للرؤية عندهما ، تحقيقاً لذائقة جديدة في ابداع ( النص ) القصصي 0
الهوامش:
(*) نشرت هذه الدراسة في مجلة الاقلام - ع /5-6 /1993 0
(1) عصر البنيوية - اديث كيرزويل - ت0 جابر عصفور - سلسلة آفاق
عربية - 1985-ص277 0
(2) المصدر السابق - ص 205 0
(3) الاقلام -ع 11-12/ السنة23 -ص127 0
(4) تاجر البندقية - وليم شكسبير - ت 0 غازي جمال - منشورات مكتبة
النهضة 0
(5) الاقلام - ع / 1-2 / السنة 27 - ص 78 0
(6) كتب الكاتب التركي ( نديم غورسيل ) قصة قصيرة بعنوان ( غرفة
راسكولينكوف ) نشرترجمة لها حكيم ميلود في مجلة ( نزوى) ، استوحى الكاتب
احداثها من رواية دوستويفسكي ( الجريمة والعقاب ) ، اذ يزور القاص / البطل
متحف دوستويفسكي ،لتبدأ محاورة النص داخل النص القصصي ، ولعدم معرفة تاريخ
كتابة النص ، لا يمكن الحكم على تجربتي القيسي والخفاجي من الناحية
الطوبولوجية وهذا النص 0
(7) هناك تناص بين هذين النصين والكثير من القصص الشعبي وحكايات
الف ليلة وليلة حول عزل الابنة في قصر بعيداً عن الناس لأسباب كثيرة 0
تناص ميثولوجي
- ثيولوجي (1)
سلة الولادة المرفوضة
دراسة تناصية بين ميلاد موسى ( ع )
وميلاد سرجون الاكدي
(1)
توطئة:
عندما صاغت ( جوليا كريستيفا ) مفهوم التناص ، الغت بذلك الكثير
من الدراسات والبحوث ، بل بعض المفاهيم التي لها علاقة بـ ( التأثر ،
الانتحال ، السرقة ) ، منذ ان بدأ الناس يبدعون فنوتهم الغوية ، حتى يومنا
هذا ، كالشعر خاصة ، ومن ثم الفنون النثرية ( القصة ، الرواية ، المسرحية
000الخ ) وكذلك الاساطير 0
واذا كانت الدراسات والبحوث المعاصرة ، التي جاءت بعد صياغة
مفهوم ( التناص ) قد خففت من غلواء تهمة السرقة او الانتحال 000الخ ، فأن
السؤال المهم الذي على هذه السطور ، تقع مهمة الاجابة عنه ، هو : ما
الدوافع والاسباب التي تحمل ( صانع ) هذا النص ، او ذاك ، على الأخذ من نص
سابق له او متزامن معه ، خاصة اذتا كان النص الجديد هذا ينحو منحى الاسطورة
، اذا لم يكن هو الاسطورة عينها 0
هذه السطور لا تدعي لنفسها ، انها قد وضعت اليد على سرقة ادبية
( بلباس اسطوري او ديني او تاريخي ) ، بقدر ما تحاول فحص نصين اة اكثر
متبايني الهوية الاجناسية ( نص ديني ونص اسطوري ) للوصول الى ما يمنحه (
التناص ) من غطاء شرعي لعملية ( التشابه ) بين هذين النصين ، ومن ثم
الاجابة عن السؤال السابق 0
*** ***
(2)
تنبيه:
آ 0 ان هذه الاسطورة ليست ذات منحى ديني ، ولا ينبغي لها ان تكون
كذلك ، برغم ان لا خوف من الخوض في مثل هذه الدراسات التي تحاول الوصول الى
الحقيقة - او للمسك بالحقيقة - لكن التنبيه على ذلك يأتي من باب الغاء أي
تداخل - ربما - يحدث عند القاريء 0
ب 0 ان الدين الاسلامي ، كما هو معروف ، ختم الاديان ، وقد جاء بعد
المسيحية واليهودية ، حيث عدت هذه الاديان ، سماوية ، منزلة من الله سبحانه
وتعالى ، هداية للبشر ، وطريقاً لعمل المعروف والنهي عن المنكر ، واسلوباً
للعيش الكريم في الحياة الدنيا ، للفوز بالحياة الآخرة 0
ج 0 يضاف لتلك الاديان ، مئات اخرى من اديان وضعية ، ومعتقدات دينية
تتخذ من بعض التجسيدات الرمزية والايحائية - المعنوية والمادية ، الروحية
والحسية - الهة لها ، تعبدها ، اما تقرباً لقوة عظمى تخشاها ، واما لذاتها
حسب 0
*** ***
(3)
مصادر الدراسة:
بين ايدي الدراسة مجموعة من المصادر ، منها ما هو رئيس ، مثل
القرآن الكريم والتوراة واسطورة ميلاد سرجون الاكدي ، ومنها ما هو ثانوي ،
مثل كتب التراث وبعض الكتب الحديثة التي تبحث عن التراث ، كما هو مثبت في
نهاية الدراسة 0
ان هذه المصادر ستأخذ بيد الدراسة للوصول بها الى غايتها المرجوة ،
لكنها - أي هذه الدراسة - تبقى بما انطوت عليه من افكار وآراء مفتوحة
للنقاش وابداء الملاحظات 0
*** ***
(4)
التوراة مصدراً:
اجمع علماء اللاهوت المسيحي ، وعلماء العاديات والآثار والاديان ، ان التوراة التي بين ايدينا - في الوقت الحاضر خاصة - لم تكن هي
توراة موسى (ع) ذلك لان اقلام احبار اليهود مابعد السبي البابلي ، قد
تلاعبت بها كثيرا 0
فها هو كاتب مقدمة ( اسفار الشريعة الخمسة ) يقول : ( فما من
عالم كاثوليك في عصرنا يعتقد ان موسى ذاه قد كتب البانتانيك منذ قصة الخلق
الى قصة موسى 0 كما انه لا يكفي ان يقال ان موسى اشرف على وضع النص الملهم
الذي دونه كتبة عديدون في غضون اربعين سنة ، بل يجب القول مع لجنة الكتاب
المقدس البابوية (1948 ) انه يوجد " ازدياد تدريجي في الشرائع الموسوية
سببته مناسبات العصور التالية الاجتماعية والدينية ، تقدم يظهر في الروايات
التاريخية "000) ( الكتاب القدس -ص4) 0
يقول ( فرويد ) في كتابه ( موسى والتوحيد ) : ( ان ي 0 اليهودي
، هو الذي يعد اقدم المصادر ، وهو الذي تعرف فيه عدد من الباحثين الكاهن
ابياثار ، المعاصر للملك داود ، وبعيد ذلك بقليل ، وفي زمن ما امكن تحديده
، يأتي الايلوهي المزعوم الذي ينتمي الى شمالي المملكة ، وبعد دمار هذه
المملكة جمع كاهن يهودي اجزاء منت (ي) و (إ) مضيفاً اليهما بعض الاضافات ،
وتلفيقه هذا هو ما يشار اليه بالحرفين ( ي إ ) وفي القرن السابع انضاف الى
الكتاب السفر الخامس الذي قيل انه قد عثر عليه بمجمله في ( الهيكل ) والى
الحقبة التي تلت دمار الهيكل (586 ) اثناء المنفى وبعد العودة ، تعزى
الصيغة الجديدة المسماة ( شرعة الكهنة ) 0 وفي القرن الخامس لخذ الاثر شكله
النهائي ، ولم يطرأ عليه منذ ذلك اليوم تعديل يذكر ) (3/57) 0
ويؤكد ( فرويد ) ما في التوراة من تحريف ، اذ يقول : (
والنص التوراتي الذي بين ايدينا يحتوي على معلومات تاريخية مفيدة ، بل لا
تقدر بثمن ، ولكن هذه المعطيات التاريخية حرفت بفعل مؤثرات مغرضة قوية ،
وجُملت شعريا) (3/56) 0
وجاء في كتاب ( الملخص لكتاب العرب واليهود في التاريخ - ص 67) ان التوراة ( قد احترقت على اثر الغزو الذي تعرضت له"اورشليم " او انها
ضاعت ولم يعرف مصيرها فكتب اليهود هذه "التوراة " التي بين ليدينا اليوم
وهم في الاسر البابلي ) 0 أي ، قد تم ذلك بعد ان تحدد نهائياً ( بعد اصلاح
عزرا ونحميا في القرن الخامس ق0م أي بعد المنفى، وتحت سيطرة الفرس
المتسامحة )(3/44) 0
فيما تذكر الكاتبة بديعة امين ان: ( انجاز تدوين التوراة
والتلمود كان بين 700ق0م و500م)( 5/ج1/26) 0 مع العلم ان ولادة موسى (ع)
ونبوته جاءبا في نحو القرن الثالث عشر ق 0 م 0
مما تقدم ، يمكن الجزم بأن التوراة الحالة هي توراة منحولة،
ومزورة ، وقد ادخل عليها الكثير من التغييرات ( شطب واضافة ) سواء كانت هذه
التغييرات من مستجدات الزمن اومن خلال ما حصل من نسيان لبعض حوادث التاريخ
لما مضى من ايام ، مما دفع بكتابها الى ترميم ما نسي بآخر من عندياتهم ،
وهذا يجعلنا في شك من حقيقة ما تحملهحكايات وقصص واحداث ومواعظ 0
ان تأكيد بعض الاحداث والوقائع التاريخية - خاصة - المذكورة في
التوراة من قبل القرآن الكريم ، لا يعني اصالة التوراة التي بين ايدينا
الآن ، على انها كتاب سماوي ، بقدر ما تؤكد الخطوط العامة لها ، في الوقت
نفسه ، فهي رد على الكتاب الذين حاولوا تبرير ورود مثل هذه القصص او
الواقعات التاريخية في القرآن الكريم على انها كانت : ( روايات، او اساطير
) معروفة لدى العرب ( مما حدا بالقرآن الكريم ان يكلمهم بمفاهيمهم
ومدركاتهم ومحصولاتهم الفكرية والقصصية) ( 11/ 13) 0
ويرى كاتب هذه السطور ان هذا التبرير غير صحيح ، ذلك لان تلك
الواقعات التاريخية ، هي حقيقية طالما وردت في القرآن الكريم ، اما انها قد
لبست لبوساً اسطورياً ، فقد جاء ذلك لاسباب كثيرة لا مجال لذكرها 0
وعن التوراة المنحولة نفسها ، جاء كتاب المفكر الكبير "
روجيه غارودي " ( الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية ) الذي ينطلق
فيه المؤلف ( من حقيقة لا يشير اليها ، لاعتبارات مفهومة ، هي ان " العهد
القديم " كما وصل الى عصرنا ليس " كتابا منزلاً" 0 ليس توراة موسى و "
صحفه " التي ورد ذكرها في القرآن ، بل هي مجموعة اسفار كتبها البشر ، كتبها
حكماء اليهود ومؤرخوهم وقصاصوهم 0 وقد بديء بكتابتها بعد قرون طويلة من
وفاته 0 فالاسفار الخمسة الاولى مثلاً كتبت من الذاكرة ، اذ لم يعثر احد قط
على " صحف موسى " وهي كتبت جميعاً من قبل مؤلف واحد ، في عصر واحد ، لجمهور
واحد ، بل كتبها "مؤلفون " كثيرون في عصور متباعدة ، لجماهير مختلفة المزاج
والتكوين ، حتى امتد زمن تدوينها وتقنيتها الى اكثر من الفي عام 0 ولهذا
ضمت الكثير من التناقضات ، والكثير من الاوهام ، والكثير من الرغبات
والاهواء البشرية ، فأختلط فيها الديني في اصوله البشرية ، والتاريخ
بالاسطورة ، والوحداني بالوثني ، كما اختلطت فيها الوقلئع بالاوهام
والتمنيات ، والحقائق بالاختلافات والاكاذيب ، وكان للفكر الاسطوري السائد
في عصور كتابتها ، ومنها الادبيات الاسطورية السومرية والبابلية والفينيقية
والفرعونية ، اثر واضح ملموس كشف عنه بعض الباحثين ) (6/100) 0
*** ***
(5)
النصوص:
أ 0 النص القرآني :
اولاً : من سورة القصص:
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا
خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي
إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ
الْمُرْسَلِينَ(7)فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا
وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا
خَاطِئِينَ(8)وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ
لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ
لَا يَشْعُرُونَ(9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ
لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ(10)وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ
جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(11)وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ
قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ
لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ(12)فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ
تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ(14) 00)) (2)
صدق الله العظيم
ثانياً : من سورة طه :
بسم الله الرحمن الرحيم
((وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى(37)إِذْ
أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38)أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ
فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ
عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي(39)إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ
تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ000 ))
صدق الله العظيم
ب 0 النص التوراتي:
(( 00(1) ومضى رجل من آل لاوي فتزوج بأبنة لاوي (2) فحملت المرأة
وولدت ابناً 0 ولما رأته حسناً اخفته ثلاثة اشهر (3) ولما لم تستطع ان
تخفيه بعد اخذت له سفطاً من بردي وطلته بالجمر والزفت وجعلت الولد فيه
ووضعته بين الخيزران على حافة النهر (4) ووقفت اخته من بعيد لتنظر ما يقع
له (5) فنزلت ابنة فرعون الى النهر لتغتسل وكانت جواريها سائرات على شاطيء
النهر 0 فرأت السفط بين الخيزران فأرسلت امتها فأخذته (6) ولما فتحته رأت
الولد فأذا هو صبي يبكي فرقت له وقالت هذا من اولاد العبرانيين (7) فقالت
اخته لأبنة فرعون هل اذهب وادعو لك مرضعاً من العبرانيات ترضع لك الولد (8)
فقالت لها ابنة فرعون اذهبي فأنطلقت الفتاة ودعت ام الصبي (9) فقالت لها
ابنة فرعون خذي هذا الصبي فأرضعيه وانا اعطيك اجرتك فأخذت المرأة الصبي
وارضعته (10) ولما كبر الصبي جاءت به ابنة فرعون فأتخذته ابناً وسمته موسى
قالت لانني انتشلته من الماء ))
( سفر الخروج - الفصل الثاني )
ج 0 النص الاسطوري:
قصة ميلاد سرجون
(( انا سرجون ، الملك القوي ، ملك اكد0
امي كاهنة من الدرجة العليا ، اما ابي فلا اعرفه 0
واخي من ابي ، ساكن المنطقة الجبلية 0(3)
مدينتي التي ولدت فيها هي ( آزوبيراني) على ضفاف نهر الفرات0
حملت بي امي ، الكاهنة من الدرجة العليا وولدتني في السر 0
ثم وضعتني في سلة من القصب ، وبالقار ثبتت بابي ( أي غطاءها)
والنهر حملني وجلبني حتى آقي ،الساقي0
آقي ، الساقي عندما رمى دلوه ، رفعني الى الاعلى 0
آقي الساقس ، رباني كما لو اني ابنه المتبنى0
آقي الساقي، وضعني للعمل في بستانه0
في اثناء عملي في البستان ، الآلهة عشتار قد احبتني ( بحيث) حكمت
مدة خمس وخمسين سنة ، كملك 0
والناس ذوو الرؤوس السود قد اعتنيت بهم وقمت بحكمهم 0)
( سرجون
الاكدي -ص98)
*** ***
(6)
مناقشة النصوص:
من خلات نصوص القرآن الكريم ، نتعرف على ولادة سيدنا موسى (ع)
والطريقة التي استطاعت بها امه ان تخلصهمن بطش فرعون ، بعد ان اوحى لها
ربها ان ترميه في اليم 0
والجدير بالذكران قاريء قصة ميلاد موسى(ع) في التوراة لا يمكنه
نكرانها - برغم طابعها القصصي - ذلك لان القرآن الكريم قد اكدها ، وان
تأكيد بعض الحوادث والوقائع التاريخية الواردة في التوراة من قبل القرآن
الكريم لا يؤكد اصالة التوراة - كما قلنا سابقاً- وانما يؤكد - بصورة عامة
وغير تفصيلية - جملة مما يشتمل عليه هذا الكتاب من احداث وروايات ووقائع
تاريخية 0
ان قصة موسى (ع) في التوراة تختلف عنها في القرآن الكريم في بعض
التفاصيل ، اذ يذكر القرآن الكريم ، ان زوجة فرعون هي التي اخرجت التابوت
(السلة ) من ( اليم ) فيمل تذكر التوراة ، ان ابنة فرعون هي التي قامت
بذلك بمساعدة جواريها ، فيما نجد مؤلف كتاب ( بدائع الزهور في وقائع الدهور
) ينطلق مع التوراة في هذا الامر ، كون المؤلف ينقل عن مصادر ذات ولاءات
يهودية سابقة ، مثل كعب الاحبار ، ووهب بن منبه (8/188) وقد تناس المؤلف ان
القرآن الكريم قد ذكر ان زوجة الفرعون هي التي انتشلت ( التابوت) 0
فيما تتفق التوراة مع القرآن الكريم ، في ان فرعون قد طغى
وتجبر ، وامر بقتل كل رضيع ، مما دفع الام بألهام ، او وحي من الله ، كما
في القرآن الكريم ، او كحيلة التجأت اليها كما في التوراة ، الى وضع وليدها
في التابوت ( السفط ) ومن ثم القائه في اليم 0
مما تقدم يمكن ايجاز قصة موسى (ع) ومن ثم خلاصه من القتل على
النحو الاتي :
أ0 طغيان فرعون وتماديه في عدائه لبني اسرائيل ( القرآن الكريم -
القصص) 0
ب 0 يأمر فرعون اتباعه بقتل كل مولود حديث ، بسبب كثرة عدد
العبرانيين ، وخوفه من انقلابهم عليه ( سفر الخروج ) او بسبب ما اشار عليه
احد كهنته بذلك ، خوفاً من ان المولود الجديد سيذهب بملكه ( 9/111) او بسبب
الاحلام المفزعة التي كانت تتراءى لفرعون في منامه00 وكان مفسروها يحذرونه
من المولود الجديد الذي سيسلبه ملكه 0 ( 8/187)
ج 0 ام موسى تلد طفلها 0 تخاف عليه من بطش فرعون ، وبألهام او ايحاء
من ربها ( القرآن الكريم ) او كحيلة ( التوراة ) تضع وليدها في التابوت (
القرآن الكريم - بدائع الزهور ) او في ( سفط) ( التوراة) او في (صندوق ) (
قصص القرآن ) ثم تلقيه في (اليم) ، أي نهر النيل 0
د 0 الاخت تراقب طوفان ( التابوت= السفط = الصندوق ) حتى تلتقطه
زوجة فرعون ، او ابنته 0
هـ 0 الطفل يأبى الرضاعة من غير امه 0
و 0 الاخت تنصح آل فرعون بأن تأتي لهم بمرضعة 0
ز 0 الام ترضع وليدها 0
وهكذا تتجلى لنا قصة ولادة موسى(ع) كما جاءت في القرآن الكريم او في التوراة0
اما بالنسبة لاسطورة ميلاد سرجون الاكدي ، فأن ابيات الاسطورة
التي اثبتناها في هذه الدراسة تعرفنا على ولادته ، اذ يأتي الخطاب بضمير
المتكلم ( انا سرجون) وهذا يعني ان هذه الاسطورة قد خطها قلم سرجون نفسه ،
أي في حدود الالف الثالث قبل الميلاد ، في زمن حكم سرجون نفسه ( 2340 -
2284ق 0 م ) لكن الحقيقة - كما تذكرها المصادر الاثارية والتاريخية - ان
لهذه الاسطورة نسختين ، احداهما تعود الى العصر الاشوري الحديث ( في حدود
750 ق0م ) والاخرى تعود الى العصر البابلي الحديث ( في حدود 600 ق 0م ) (
10/ 299) أي انها قد دونت بعد وفاته بأكثر من ( 1500 ) سنة 0
كذلك ، فأن نفي هذا الاعتقاد - أي كتابة الاسطورة من قبل سرجون
نفسه ، او بأمر نته - يمكن الوصوادل اليه والتحقق عنه من خلال :
أ 0 اللقب الذي تطلقه الاسطورة على سرجون ، حيث تسميه بهذا الاسم ،
او كما في النصوص الاكدية بـ ( شروكين ) والذي يعني في اللغة الاكدية (
الملك الثابت او الصادق او المكين ) ( 7/ 27) 0
يقول د0 فوزي رشيد : ( وفيما يخص التسمية " شروكين" فلا يجوز
لنا ان نعتقد لنها تمثل اسم الملك سرجون منذ طفولته ، حيث لا يجوز من
الناحية المنطقية ان تمنح العائلة ولدها اسم "الملك المكين " وهي تعيش في
ظل حكومة يحكمها ملك ، ولذلك نعتقد ان هذا الاسم قد اطلقه الملك سرجون على
نفسه في اثناء تسلمه مقاليد الحكم )(7/27)0
ب 0 ان الاسطورة تروي لنا الاعمال التي قام بها الملك ، وما خاض من
حروب ، قد كتبها قبل موته بأيام، وهذا لايمكن حدوثه في زمنه ، زانما بعد
وفاته، لان ما وصلنا من نصوص قد دون بعد وفاته بـ ( 1500) سنة 0
ج 0 تقول الاسطورة ، انه قد ولد في مدينة ( ازوبيراني ) الواقعة على
ضفاف نهر الفرات 0
لنتسائل، كيف عرف سرجون مكان ولادته ،وهو الطفل الرضيع الذي قذف
به الى النهر ؟
ان هذا يدل على ان واضع الاسطورة ، كان يكتب من الخيال ، وما
يؤكد ذلك هو موقع المدينة التي ولد فيها سرجون ، حيث يعتقد المختصون
بالدراسات الآثارية ، ان هذه المدينة تقع عند مصب نهر ( الخابور ) او (
البليخ ) في نهر الفرات ( 7/ 19 ) 0 أي انها تقع في سوريا الحالية 0
ان مرور ( سلة القصب ) عبر هذا الطريق المائي الطويل ، ووصولها
سالمة الى ( كيش ) ، يعد من المستحيلات 0
د 0 من خلال جداول اثبات الملوك المدونة في منتصف الالف الثاني قبل
الميلاد ، يمكن التعرفعلى ان سرجون الاكدي ( كان يعمل قبل تسلمه السلطة
ساقياً عند ملك ( كيش ) الذي يدعى ( اور - زبابا) وان والده كان
فلاحاً) (7/22) 0 هذا يعني ان هنالك شكاً في نسب والده ،اذ تذكر الاسطورة ،
ان سرجون لا يعرف والده ( البيت الثاني ) فيما هذه الجداول تذكر ان
والده كان فلاحاً 0
وتأسيساً على ما ذكرناه سابقاً ، يمكن القول ان سرجون:
* قد ولد لفلاح - ربما كان من فلاحي الملك - وتربى مع والده ،
وعندما شب ، اصطفاه الملك ليعمل ساقياً في اراضيه ، او مزرعة قصره 0
* او ، ان سرجون ، قد تبناه احد فلاحي الملك ( آقي الساقي ) بعد ان
ولدته امه الاكدية ، ودفعت به الى ذلك الساقي لاسباب نجهلها ليقوم بتربيته
0
* او ان امه - مهما تكن صفتها - قد دفعت بأبنها - لا نعرف في أي
عمر كان - الى الساقي ليعمل معه ويتعلم منه المهنة في مزارع الملك 0
* او انه كان ابن سفاح ، وهذا هو سبب عدم وضوح نسبه من جهة الاب ،
او من جهة الام التي تركته رضيعاً0
كل هذه الاحتمالات تصب في مجرى واحد ، هو العمل عند الساقي مع
وجود الام غير بعيدة عنه( اثناء طفولته على اقل تقدير ) 0
ان الجداول تذكر ، انه عمل ساقياً عند ملك ( كيش ) ، لكن
الاسطورة لا تذكر ذلك 0
ومن الجير بالذكر، ان النصوص التي بين ايدينا عن هذا الملك ،
تؤكد انه كان قد ادعى الإلوهية اثناء حكمه وقد اطلق على نفسه لقب ( شروكين
- يلي ) أي ( شروكين الإلهي ) (7/78) 0 وقد بنى له مزاراً تقد
فيه القرابين ( 7/78 ) 0 وظل هذا المزار الى مرحلة متأخرة ( 558 - 530 ق0م)
كما تذكر الكتابات التي خلفها ( كورش الثاني الاخميني ) 0 ووجود هذا
المزار في تلك المرحلو بفتح لنا الطريق جلية على ان كتابة هذه الاسطورة قد
حدثت متأخرة ، أي انها لم تستنسخ من الواح سابقة عما عثر عليه من الواح في
الوقت الحاضر ، وانما هي قد دونت في حدود القرن السابع ( ق0م) سكما ذكرنا
ذلك سابقاً، وان الذي قام بهذا التدوين ، اما ان يكونوا كهنة المزار نفسه
مضيفين الى حقيقة كون هذا الملك قد انتزع الحكم من السومريين وشيد
الامبراطورية الاكدية ومن ثم ألّ÷ نفسه ، واما ان يكونوا كتبة اخرين دونوا
الاسطورة عما كان شائعاً من اخبار عن هذا الملك ، ان كان ما اشيع مصدره
الكهنة انفسهم ، او كان مصدره العامة 0 ولكي يكون تأثير هذه الاسطورة
عظيماً في نفوس زائري المزار ، عمد مدونوها الى اضافة الكثير من الوقائع
التي لا تمت لسيرة حياة سرجون بشيء، مثل غموض اصله ، ومولده ، ومهنة ،
والده ووالدته ، وحكاية وضعه في السلة 0
ان وضع سرجون في السلة ، ومن ثم رميه في النهر ، والوصول الى
بستان الساقي ، كل ذلك يذكرنا بقصة ميلاد موسى (ع) كما ذكرناها سابقاً،
والتي دونت هي الآخرى في حدود القرن السابع(ق0م) أي عند كتابة التوراة ،
وهذا يعني ان الكثير من ( الموتيفات ) قد ارتحلت من قصة التوراة الى
الاسطورة ، أي ارتحال النص الواقعي الى النص الاسطوري وتمثله وتحوله 00
والقول نفسه بالنسبة للعلاقة بين نص التوراة ونص الاسطورة الرومانية (
اولاد الذئبة ) التي تتحدث عن اشخاص عاشوا في حدود القرن السابع (ق0م)
ايضاً 0
ان قراءة طوبولوجية لقصة ميلاد موسى (ع) وقصة ميلاد سرجون
الاكدي ، تجعلنا نصل الى نتيجة واحدة ،هي ان اسطورة ميلاد سرجون قد بنيت
اساساًعلى قصة ميلاد موسى (ع) المحفوظة شفاهياً ، او المدونة في التوراة ،
بعد اعادة تدوين التوراة 0
ولكي لا يتهم كتاب الاسطورة باليهودية ، وهو ينقلون قصة يهودية
في زمن ربما كانت اليهودية في بلاد وادي الرافدين احدى الاديان المعروفة
بعد السبي البابلي ، ليضيفوا الى قصة ميلاد صاحب المزار ، فقد زعموا :
أ 0 ان والدة سرجون ، كاهنة من الدرجة العليا ، ممن يقمن بتمثيل دور
العروس في طقس الزواج المقدس ( والطفل الذي يتولد من هذا الزواج كان يعد من
مرتبة الآلهة (000) فلا يجوز ان يكون هنالك ملك في البلاد ويظهر شخص آخر
يدعى انه من مرتبة الآلهة (000) ولذلك صدرت التعليمات بعدم السماح للكاهنات
اللاتي يمارسن طقس الزواج المقدس من انجاب الاطفال)(7/18)0
ب 0 ذكر كاتب الاسطورة ، ان الآلهة عشتار هي التي اختارت سرجون لكي
بكون ملكاً ، وساعدته في ذلك ، قد يبعد عن قصته تأثرها بالتوراة ، حيث ان
التوراة تذكر ان إله العبرانيين هو الذي اختار موسى ، خاصة ان عشتار كانت
الآلهة الرسمية وقتذاك 0
ان قيام كهنة مزار سرجون الاكدي ، بأدخال بعض الموتيفات
الموجودة في قصة ميلاد موسى (ع) في قصة ميلاد سرجون ، جاء من باب اضفاء بعض
الصفات الخارقة على صاحب المزار ، كما يحدث في ايامنا هذه في بعض مزارات
بعض الاولياء الصالحين و ( السادة ) عندما يعمد قيّم المزار الى رسم شجرة
النسب لصاحب المزار ، لتقود النسب الى احد الائمة ، ثم يبدأ هذا القيم بسرد
القصص المختلقة من خوارق ومعجزات عن صاحب المزار 0 (4)
ان ما استعاره مدون الاسطورة من قصة ميلاد موسى (ع) ان كان ذلك
من مصدرها الشفاهي المتداول وقتذاك او بعد تدوين التوراة ، قد اعتوره
التغير والتبدل كما مر سابقاً ، وذلك لكي يستقيم مع التفكير الشعبي العام
السائد في جنوبي وادي الرافدين وقتذاك 0
ت قصة ميلاد موسى (ع) أسطورة ميلاد موسى
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10فرعون يأمر بقتل اطفال العبرانيين
ولادته
خوف امه عليه 0
وضعه في السفط ورميه في اليم 0
الاخت تراقب مسير السفط 0
يلتقطه آل فرعون 0
الاخت تنصح آل فرعون حول الرضاعة 0
امه ترضعه 0
آل فرعون يتبنونه 0
يكبر ويصبح نبياً ، كما اراد له إله العبرانيين 0 العرف
السائد بقتل المولود من الزواج المقدس0
ولادته0
خوف امه عليه 0
وضعه في السلة ورميه في اليم 0
000000000000000
يلتقطه (آقي الساقي )0
0000000000
00000000000
(آقي ) الساقي يتبناه 0
يكبر ويصبح ملكاً0 كما ارادت ذلك عشتار 0
( ترسيمة تبين الموتيفات المرتحلة من قصة موسى الى
الاسطورة )
ان الجدول الآتي ، يبين لنا الصورة الطوبغرافية التي تؤكد ان
(بنية ) الولادة المرفوضة ، قد اصبحت نمطاً (
TYPE)
انتقل زمنياً الى واقعة اخرى حاول الناس الاستفادة منه بعد ان اضافوا له
بعده الاسطوري 0 هذا الجدول ، يبدأ من الاسفل ( الواقعة التاريخية ) صاعداً
الى الاعلى ( الواقعة الاسطورية ) لتصل الى ( الواقعة القصصية ) لو تسنى
لاحد مبدعينا القصصيين استخدام هذه ( البنية ) في قصة او رواية او
000الخ ، وسيرينا هذا الجدول بعض الوظائف ( كما حددها بروب) التي تناصت
بين النصوص الالهية والاسطورية 0
ت القصة / الوظيفة الاستهلال الامر المحظور وقوع
المحظور التخلص من المحظور عملية الانقاذ القضاء على العدو
1قصة حي بن يقظان ملك يمنع اخته من الزواج الاخت
تتزوج سراً ولادة حي رميه في اليم بعد وضعه في تابوت
انقاذه من قبل الظبية القضاء على القيم والتقاليد غير السوية
2اسطورة المهابهارتا (كونتي ) تختبر قوت التعويذة /
النبوءة كونتي تتزوج من إله الشمس تلد ابنها
( كارنا ) رميه في البحر بعد وضعه في صندوق محكم ينفذ من قبل
سائق عربة يقتل كارنا
3قصة ميلاد اوديب الوضع العام لعائلة الملك (ولد اوديب)
نبوءة حول المولود الجديد الذي يسلب الملك عرشه ولادة اوديب تركه
في الغابة معلقاً من ساقيه على شجرة انقاذه التخلص من الملك (والده)
4اسطورة ميلاد اولاد الذئبة موت الملك وصراع ولديه
الخوف من ان يكون هناك ورثة للعرش
(الفتاة يتزوجها اله ) ولادة التوأم رمي التوأم في النهر
انقاذهما من قبل الذئبة وثم الراعي القضاء على الملك
5اسطورة ميلاد جلجامش الحديث عن الملك سيوفورس نبوءة
حول المولود الجديد الذ يسلب الملك عرشه ولادة جلجامش رميه من اعلى
الحصن انقاذه من قبل النسر ومن ثم خادم القصر القضاء على الملك
6اسطورة ميلاد سرجون الابيات الخمسة الاولى لا يجوز لكاهنة
من الدرجة العليا ان تلد مولوداً ولادة سرجون رميه في النهر بعد
وضعه في السلة انقاذه من قبل آقي الساقي القضاء على الملك
7قصة ميلاد موسى(ع) الحديث عن زواج والديه وعن ظلم فرعون
الولادة الجديدة تسلب الملك من فرعون ولادة موسى (ع) رميه في
اليم بعد وضعه في التابوت انقاذه من قبل آل فرعون التخلص من ظلم
فرعون
ترسيمة تبين تناص الاساطير مع قصة ميلاد موسى (ع)
(7)
الاستنتاجات:
بعد هذه القراءة المتعمقة للنص الديني والنص الاسطوري ، يمكن
استنتاج ما يأتي:
أ0 ان اسطورة سرجون ( والاساطير التي جاءت بعدها ) لا كما اعتقد
بعضهم ، بأنها قد استنسخت من الواح اقدم من الالواح المعثور عليها ، بل ان
ما وجد من الواح اشورية هي النسخة الاصلية للاسطورة 0
ب 0 ان اسطورة سرجون الاكدي التي بين ايدينا ، ليست سوى نص اسطوري
قد تناسل نصياً من قصة ميلاد موسى (ع) سواء كان ذلكمن مصادرها الشفاهية ،
او من مصدرها المدون ( التوراة ) ، أي تناسل النص البشري من النص الالهي ،
او الواقعة البشرية من الواقعة الالهية 0
*** ***
(8)
الملاحق:
الملحق الاول:
( اسطورة اولاد الذئبة )
بعد ان مات الملك ( ايناس ) اصبح ابنه الاكبر ( نوميتور ) خلفا
له ، لكن اخاه ( اموليوس ) تمكن من طرده خارج القصر 0 ولكي يضمن عدم ظهور
وارثين يدعون احقيهم بالعرش ، قام بقتل ابن ( نوميتور ) فيما ارسل ابنته (
سيليفيا ) الى المعبد اتصبح راهبة ، علما ان اللوتي ينقطعن الى هذا المعبد
يمنعن من الزواج 0 وهكذا اقنع نفسه بأنه لم يظهر اولاد ينافسونه على ملكه 0
لكن خطته باءت بالفشل ، حيث رأى الاله ( مارس ) ( سيليفيا ) وكان متنكراً،
فأعجب بها ، فتزوجها ، وولدت له طفلين توأمين هما ( رومويوس ) و ( ريموس )
، فقام ( اموليوس ) بوضعهما في سلة وتركها لتعوم على مياه النهر 0 ارتطمت
السلة بالشاطيء، رأتها احدى اناث الذئاب ، اشفقت عليهما ، وارضعتهما من
حليبها 000 وحين ترعرعا كان طائر نقار الخشب يجلب لهما التوت لطعما منه0 شب
الاخوان كأفراد من عائلة انثى الذئب0 في احد الايام ، امسك بهما احد
الرعاة ، واخذهما الى بيته ، حيث اعتنى بهما مع زوجته ، وروضهما ، حتى شبا
فتيين رشيقين ، وعندما كبرا اصبحا راعيين ماهرين ) ( 12/ 109 )(
نقلت بتصرف ) 0
*** ***
الملحق الثاني :
( اسطورة ميلاد جلجامش )
ذكر الكاتب الروماني ( كلوديوس اليانوس ) قصة طريفة عن مولد (
جلجامش ) مفادها : انه ( حينما كان الملك " سيوخورس" يحكم بلاد بابل تنبأ
الكلدانيون ، بأن الابن الذي ستلده ابنته سيغتصب منه العرش ، وانه برغم
محاولة هذا الملك اهلاك الطفل الذي وضعته ابنته برميه من اعلى الحصن شاء
القدر ان يبقي على الطفل بأن حمله نسر كان طائراً اثناء رميه من شرفة الحصن
، ثم التقطه احد خدم القصر وسماه " كل كاموس " فكبر هذا وحكم البابليين ) (
13/32)0
*** ***
الملحق الثالث:
( قصة حي بن يقظان )
( انه كان بأزاء تلك الجزيرة ، جزيرة عظيمة متسعة الاكنان
(000) يملكها رجل منهم شديد الانفة والغيرة ، وكانت له اخت ذات جمال وحسن
باهر فعضلها ومنعها من الزواج اذ لم يجد لها كفواً 0 وكان له قريب يسمى (
يقظان ) فتزوجها سراً على وجه جائز في مذهبهم المشهور في زمنهم ، ثم انها
حملت منه ووضعت طفلاً فلما خافت ان يفتضح امرها وينكشف سرها ، وضعته في
تابوت احكمت زمّه بعد ان اروته من الرضاع ، وخرجت به في اول الليل في جملة
من خدمها وثقاتها الى ساحل البحر ، وقلبها يحترق صبابة به ، وخوفاً عليه
(000) ثم قذفت به في اليم (000) فأحتمله من ليلته الى ساحل الجزيرة الاخرى
(000) فأدخله الماء بقوته الى اجمة ملتفة الشجر (000) وبقي التابوت في ذلك
الموضع 0 وعلت الرمال بهبوب الريح ، وتراكمت بعد ذلك حتى سدت مدخل الماء
الى تلك الاجمة (000) وكانت مسامير التابوت قد فلقت ، والواحة قد اضطربت
عند رمي الماء اياه في تلك الاجمة 0 فلما اشتد الجوع بذلك الطفل ، بكى
واستغاث وعالج الحركة ، فوقع صوته في اذن ظبية فقدت طلاها (000) فحنت
الظبية عليه ورئمت به ، والقمته حلمتها واروته لبناً000الخ ) (14/ 121)0
*** ***
الملحق الرابع :
( الاسطورة الهندية )
حملت الالهة ( كونتي ) من الاله ( شمس ) وولدت طفلها ، ووضعته
في صندوق محكم ورمته في البحر حيث انتشله سائق عربة لم يكن له ذرية 0 ( 16
/ 62 )
المصادر والمراجع :
1 0 القرآن الكريم 0
2 0 الكتاب المقدس _ العهد القديم 0
3 0 موسى والتوحيد - سيجموند فرويد – ت 0 جورج طرابيشي – ط2- دار
الطليعة – بيروت – 1977 0
4 0 الملخص لكتاب العرب واليهود في التاريخ – جعفر الخليلي – وزارة
الاعلام – 1977 0
5 0 الاسس الايديولوجية للادب الصهيوني – ج1 – بديعة امين – دار
الشؤون الثقافية العامة – 1989 0
6 0 مجلة الموقف الثقافي - ع/7/1997 – ( الاساطير المؤسسة للسياسة
الاسرائيلية ) تقديم : سامي مهدي - دار الشؤون الثقافية العامة 0
7 0 سرجون الاكدي – د 0 فوزي رشيد – دار ثقافة الاطفال – 1990 0
8 0 بدائع الزهور في وقائع الدهور – محمد بن احمد بن اياس الحنفي –
دار العلوم الحديثة – لبنان – ب 0 ت 0
9 0 قصص القرآن – محمد احمد جاد المولى – مطبعة اوفسيت منير 0
10 0 من الواح سومر الى التوراة – د 0 فاضل عبد الواحد علي - دار
الشؤون الثقافية العامة –1989 0
11 0 اساطير بابلية – ت 0 سلمان التكريتي – مطبعة النعمان – 1972 0
12 0كبرى الحكايات العالمية – لويس اونترماير – ت 0 غانم الدباغ -
دار الشؤون الثقافية العامة – ط2 – 1986 0
13 0 ملحمة جلجامش – طه باقر – وزارة الاعلام – 1975 0
14 0 حي بن يقظان – ابن طفيل – دار الافاق الجديدة – ط2 – بيروت –
1978 0
15 0 الاساطير – د 0 احمد كمال زكي – ط2 – دار العودة – 1978 0
16 0 ملحمة مهابهارتا – ت 0 رعد عبد الجليل – دار المأمون – 1992 0
الهوامش :
(1)نشرت هذه الدراسة في مجلة المقف الثقافي ع/ 19 / 1999 0 وقد
ابدلت كلمة (سلة ) في العنوان بكلمة ( رسالة ) والصحيح ما اثبتناه هنا 0
يسمي فرويد اسطورة رمي السلة التي فيها الطفل في الماء بـ (
اسطورة الهجر عند الماء ) ( 3/ 83) 0
(2)تمت كتابة الايات القرآنية بحسب رسمها المعتمد في المصحف 0
(3)هناك فرق بين النص المترجم للاسطورة من قبل د 0 فوزي رشيد
وبين ترجمة سلمان التكريتي :
نص فوزي رشيد نص سلمان التكريتي
امي كاهنة 0
اخي من ابي 0
سلة القصب 0
حكمت مدة خمس وخمسين سنة 0 امي حورية 0
اعمامي ( اخوان ابي )0
سلة الحافاء0
لاربعة و 000 سنين 0
(4)وقد فعلت العرب قبل الاسلام مثل هذا ، أي تأليه الملوك و (
من الادلة التي نسوقها على ذلك تأليه بعض القبائل – الى ما قبل ظهور
الاسلام – ملوكهم وكهانهم الذين تمتعوا بصفات الرئيس (000) ولما مات عامر
بن الطفيل – وقد عاش متكهناً – جعل اهله حمى لقبره على ما يورد الاغاني ،
وقد ذكر
smith انه كان لكليب حمى
مقدس كالحرم ، وقد دارت بسبب انتهاكه حرب البسوس ) ( 15 / 71 ) 0
الذئب والخراف المهضومة
دراسة في التناص الديني والخرافي
(صنع الأسد من خراف مهضومة)(1)
بول فاليري
سنتناول في هذه الدراسة ، من خلال آلية التناص ، بوصفه مقترباً
نقدياً ، المفاصل التناصية بين قصة ( الاسراء والمعراج ) الاسلامية ، نصاً
دينياً (2) ، وحكاية (بلوقيا) (1/798) نصاً حكائياً خرافياً ورد ضمن حكاية
( حاسب كريم الدين ) ( 1/ 794) في الف ليلة وليلة 0
ان ما تريد هذه الدراسة فحصه ، ليس وثوقية الاسراء والمعراج
(3) لانها غير معنية اساساً بذلك ، وليس من مهمتها ان تخوض في مثل هذا
المضمار الذي يخرجها من كونها دراسة ادبية بحت ، لكنها تريد – فقط – فحص
عملية التناص الحادثة بين النصين الديني والخرافي ، من خلال الوقوف على
المفاصل التناصية بين النصين ، ومن ثم الوصول الى ما تكشف عنه تلك المفاصل
من دلالات0
ولا يفوت هذه الدراسة التنبيه الى قضية مهمة جداً ، كثيراً ما
اشغلت الدارسين المعنيين عبر حقب التاريخ ، وفي كل مكان ، تلك هي قضية
السرقة الادبية 0
ان النص الحكائي ( الخرافي ) الذي بين يدي الدراسة ، لا يمكن ان
يدخل ضمن هذا المفهوم ، ذلك لان (ظلال ) النص الديني ( وليس النص بحد ذاته
) هي المهيمنة عليه ، كون النصين هما نصان شفاهيان في الاصل 0(4) اذا
اخذنا بنظر الاعتبار ان تدوين ( الاسراء والمعراج ) بعد الروايات الشفاهية
له كان في القرن الرابع الهجري 0 (31/ 30 )
من المعروف بالنسبة للحكايات الخرافية ، انها تنهض اساساً على
الاساطير ( او على اقل تقدير اغلبها ) 0 هذا يعني ، ان الحطاية الخرافية ،
ان لم تكن تشبعت بما هو ديني اثناء انشائها ، فأنها قد تمثلت الكثير منه ،
وفي الوقت نفسه ، فأن القصص الديني ، راح – وتحت تأثير تلك الاساطير
والحكايات الخرافية – يتمثل – هو الاخر – ما فيها من خوارق و لا معقول (
مدهش وعجيب ) ، مما يعني تداخل البنى السردية الدينية بالبنى السردية
الاسطورية والخرافية ( شكلاً ومحتوى ) وهو ما يجعل الفصل بينهما – في اكثر
الاحيان – متعذراً، او في اقل تقدير يواجه بعض الصعوبات ، لهذا راح كل نوع
من انواع تلك النصوص يحاول قهر الاخر ، لا لما فيه من فجوات في بنائه ،
فحسب ،بل بسبب المعين الواحد الذي تنهل منه كل الانواع0
*** ***
(2)
الآلية الاجرائية (التناص):
لا نقصد – هنا – بآليات التناص ، آليات اشتغاله اثناء الانتاج ،
وانما نقصد بها ، التناص نفسه كآلية اجرائية لتفحص النصوص المتناصة ، والتي
تحدثنا عنها الدراسة الاولى من هذا الكتاب 0
ومن الجدير بالذكر ، ان آليات التناص التي ستستخدم في فحص هذين
النصين ، ستفيد الدراسة – في الوقت نفسه – على المحور السايكروني (
التزامني ) ذلك لان النص الديني ما زال مؤثراً في العقلية الاسلامية (
والعربية ضمناً) ، اذ انه ينشر ظلاله على الذائقة الابداعية ، وان أي نص
قصصي او شعري ، او حكائي يتولد ( او قد تولد قبل اكثر من الف عام تقريباً )
من هذه القصة – بوعي او دون وعي – يعد متزامناً مع النص الديني هذا ، وفيما
لو فحص النصان طوبولوجياً ، فأن هذا الفحص سيكون مجاله المحور الدايكروني (
التاريخي ) الذي سيجيب – حتماً – عن تساؤلات كثيرة عما هو سابق للاسراء
والمعراج من نصوص ، ولِما بعده كذلك 0
وبدون الدخول في اعادة ما قلناه في الدراسة الاولى حول مفهوم
التناص ، ان على مستوى الانتاج ، وان على مستوى الفحص ، يمكن القول ان
التناص هو :
أ 0 التداخل اللاواعي ( او الواعي ) للنصوص فيما بينها من خلال
التمثيل والتحويل0
ب 0 ليس هو السرقة ، ولا الانتحال ، ولا النسخ 0
ان ما جاء في الفقرة (أ) اعلاه هو ما يعني الدراسة ، أي ان
الدراسة هذه تدرس هذا التداخل للنصوص فيما بينها ، من خلال التمثيل
والتحويل والتغيير ، وفي الوقت نفسه، ستجيب عن سؤال مضمر مفاده : ما الذي
تفيده دراسة التناص بين نصين او اكثر ؟
وهذا ما ستجيب عنه هذه الدراسة في الخلاصة التي ستبين كيفية
تجميد الفكر الاسلامي ( والعربي ضمناً) عند حدود يمكن القول عنها ، او
وصفها بـ ( الارثذوكسية الاسلامية ) 0
*** ***
(3)
قراءة النص الخرافي:
ان مصطلح الحكاية الخرافية الذي يمكن اعتماده في هذه الدراسة ،
ودون الدخول في تشعبات ما يعنيه عند الكثير من الدارسين ، هو ، ان الحكاية
الخرافية ، :( لا تعتمد الحدث اساساً لها ، وانما تعتمد البطل ، وهي تختار
من الاحداث ما يلقي الضوء على شخصيته ويؤثر في حركته ، هذا مع امتلائها
بالامور التي لا تقع في عالمنا (000) وكان الاساس فيها مغزاها العميق برغم
تفككها وبعدها عن المنطق المعروف ) 0 (9/63 )
ان النص المعتمد في هذه الدراسة ، قد استند اساساً الى شخصية (
بلوقيا) الذي اختارها التفكير الشعبي ليوصل من خلالها مايريد البوح به 0
ان حكاية ( بلوقيا ) جاءت كواحدة من حكايات خارج السياق ( 14 /
80 ) في الليالي 0 وهي حكاية خرافية شفاهية ، حالها حال حكايات الليالي
نفسها ، ومن هذا يمكن القول ، انها لم تكن صورة مشابهة لنص ( المعراج ) -
اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان المعراج كنص ديني ، او النصوص الاسطورية ،
البابلية والاشورية 000الخ اقدم تاريخياً من بدء نشوء الليالي شفاهياً -
وكذلك ، لم تكن قد اخذت منه - كأي نص آخر - ما تحتاجه ( لتضمنه ) بنيانها
الداخلي - على مستوى المضمون في اقل تقدير - لان التضمين ، كمصطلح ، هو
اجراء منفعي بين النصوص ، لا يدخل ضمن مفهوم التناص 0
ان قاريء النص الحكائي ، تستحضر ذاكرته مباشرة نص المعراج (5)
ونصوص اخرى سابقة للنص الديني ، كالاساطير (6) لكنه في الوقت نفسه ، يقوم
بتغييب النصوص تلك ، لما للتأثير الديني من سلطة رقابية كبيرة في / وعلى
الذاكرة نفسها ، والتفكير الشعبي عامة 0
ان السياق الذي اعتمدته الليالي في تقديم حكايتها ، هو سيا
مفتوح على الغير ، وهذه واحدة من خواص الادب الشفاهي عموماً ، ذلك الغير ،
هو النصوص التي سبقته في الانشاء ، او التي رافقته في الحكي الشفاهي ، وحتى
الذي جاء بعده ، وهذا ما عبر عنه (بارت ) بمفهوم ( الكتابة التي لا تنغلق
على نفسها ، بل تنفتح على غيرها في تفاعلات نصية دائمة ) ( 3/ 205 ) 0
هكذا حاول مؤلفوا الليالي ( الحكواتية خاصة ) ان يجعلوا من
نصوصهم - بوعي او بدونه - نصوصاً مفتوحة امام الآخر ، وهو ما جعلها نصوصاً
غير قارية ، مستقبلة وطاردة في الوقت نفسه ، الا ان التدوين اسبغ عليها
الصفة القارية مؤقتاً ، ذلك لأنها ما زالت تروى شفاهياً ن مما يعيدها مرة
ثاية الى انفتاحها 0 ومن يقرأ اغلب القصص الشعبي العربي المروي شفاهاً ،
يرى ان جله هو اعادة ( لحكي ) الليالي شفاهاً 0
ملخص الحكاية:
( كان بمدينة مصر ، ملك من ملوك بني اسرائيل ، وكان له ولد اسمه
بلوقيا (7 ) 0 بعد موت الملك ، ينصب بلوقيا ملكاً ، وفي يوم ما يفتح بلوقيا
خزائن والده ، فيجد فيها كتاباً يذكر صفات النبي محمد (ص) وانه سبعث في آخر
الزمان ، عندها ( تعلق قلبه بحبه ) فيترك مملكته ويرتحل باحثاً عنه علّه
يلتقي به0 وفي طريقه يلتقي في احدى الجزر بملكة الحيات 0 ومن ثم يصل الى
بيت المقدس ، ليلتقي بـ ( عفان ) الذي هو الآخر قد قرأ في كتب الاولين ان
من يلبس خاتم النبي سليمان (ع) تنقاد له الانس والجان وجميع المخلوقات ،
وام قبر سليمان موجود في تابوت في جبل على مسافة سبعة بحور ، ولا يمكن
الوصول اليه الا بالسير على الاقدام فوق مياه البحور ، وان السير على الماء
يتطلب الحصول على ( عشبة ) معينة موجودة في الارض التي تسكنها ملكة الحيات
، يذهب الاثنان الى ارض ملكة الحيات ، وبحيلة ما ، تدلهم على العشبة
المطلوبة 00 وعندما تعرف سبب طلبهم للعشبة تخبرهم بأستحالة الحصول على
الخاتم ، اولاً ، وثانياً ، كان عليهم ان يأخذوا عشبة الخلود 0(8)
تبدأ رحلتهم عبر البحور سيراً على الاقدام ، بعد ان يعصرا
العشبة ويستخرجا زيتها ويدهنا به اقدامهما يصلان الى قبر شليمان ، وعند
محاولة ( عفان ) اخذ الخاتم تحرقه الحية الحارسة ، وفي الوقت نفسه ( امر
الرب جل جلاله جبريل ان يهبط الى الارض قبل ان تنفخ الحية على بلةقيا
ويخلصه جبريل ، وينصحه بالعودة الى اهله ) 0
ومن هنا تبدأ رحلة العودة التي تشكل النص الذي يتناص مع قصة
الاسراء والمعراج 0
واذا كانت الكتب الشعبية القديمة تجعل من شخصيتي ( بلوقيا ) و (
عفان ) ورحلتهما للحصول على خاتم سليمان شخصيتين حقيقيتين ، وان قصتهما قد
وقعت فعلاً ، ( انظر الهامش /4 ) كما يذكر الطبري وابن اياس في ( بدائع
الزهور ) والثعلبي ، الا ان علاقة سليمان بهما تنتهي عند مقتل(
عفان)0
وان هذه الرحلة ( في حد ذاتها هي التي عناما القاص واهتم بها
وابرز فيها هذه الصور الكثيرة حول العالم السماوي ، وحول ما مثل به العامة
بتنظيم الخالق سبحانه وتعالى لهذا الكون )0 (11/ 43)
ان هدف (بلوقيا ) من حصوله على خاتم سليمان هو الحصول عن طريق
الجان على الخلود ، ليدرك عصر بعث محمد (ص) والالتقاءبه ، وقد اخطأ في
اختيار العشبة ، لان الانسان لايمكنه الخلود ، كما هو على المستوى الاسطوري
( جلجامش مثلاً ) 0
وهكذا عاد بلوقيا خائباً كجلجامش ، الا ان رحلة العودة
كانتهي رحلته الى العالم الآخر ( السماوي ) 0
وهذا ما ستفصح عنه السطور القادمة وهي تدرس مستويات التناص بين
النصين0
*** ***
(4 )
مستويات التناص:
ان قراءة النصين ( الديني والخرافي ) تحيلنا مباشرة الى تمظهر
مستويات التناص بينهما ، كخطوة اولى ، من خلال الكيفية التي تجلى بها النص
الديني في النص الخرافي للوصول الى الخطوة الثانية والتي هي قدرة النص
الخرافي على تمثل وتحول النص النص الديني داخل كيان النص الخرافي على
المستويين الابستمي والسيميائي ، اذ تتم عملية التناص بين النصين ابتداء من
خروج ( بلوقيا ) مع ( عفان ) من بيت المقدس 000 لكن الراوي الشعبي لم يول
اهتمامه لرحلتهما معاً حتى قبر سليمان ، لأنه كان معنياً – اصلاً – بـ (
بلوقيا ) وحده ، وكذلك بما سيراه من صور كان الراوي الشعبي معنياً بأيصالها
الى مستمعيه 0 اما في النص الديني ، فقد تم وصف رحلتي الذهاب والاياب من
والى الارض على السواء 0
في دراستنا هذه سنبدأ مع ( بلوقيا ) من تركه قبر سليمان حتى
عودته لاهله 0
ان قراءة النصين ، تحيلنا مباشرة الى مجموعة من العلائق
المتمفصلة بينهما والتي تتخذ لها مستويات عدة ، اهمها :
أ 0 على المستوى البنائي:
بني النص الخرافي كمناصه ، النص الديني ، على اساس البنية
الدائرية في المكان خاصة ، وكذلك على الميزة التكرارية ، وقد تمثل ذلك ، بـ
:
اولاً : عد النص ( الديني والخرافي ) رحلة من والى ، والعودة
كذلك ( أي ذي بنية دائرية مغلقة) وهذا ما تجسد اولاً في رحلة الاسراء
والمعراج من الارض الى السماء والعودة الى الارض 0 ومن الطريف ان نذكر ، ان
مكان بدء الرحلة في النصين هو بيت المقدس ، والدراسة ترى ، ان سبب اختيار
هذا المكان من قبل النص الخرافي لم يكن من باب تأثره بالنص الديني فحسب ،
وانما ، كذلك ، بسبب قدسية هذا المكان عند ابناء الاديان الثلاثة اولاً،
وثانياً لعلاقته بالنبي سليمان (ع) 0
في هذا الجانب من المستوى البنائي ، ومن خلال قراءة النصين ،
نتعرف على ان رحلة المعراج عمودية ( من الارض الى السماء وبالعكس ) فيما
رحلة النص الخرافي – كما تبدو للوهلة الاولى – افقية ( على مستوى اليابسة
والمياه ) 0 لكن النص الشفاهي – المدون في الليالي – يشير الى ما يمكن عد
الرحلة هذه عمودية هي الاخرى ، اذ ان ( بلوقيا ) اثناء عودته وعند وصوله
الى الجزيرة التي تقع بعد البحر الاول يؤكد انه : ( قد تاه عن الطريق التي
قد اتى منها اول مرة حين كان معه عفان ) (1/ 806 ) هذا يعني ان العالم
الذي دخله ليس هو العالم الذي جاء منه ( العالم الارضي ) 0 ثم يذكر ان هذه
الجزيرة " كأنها الجنة " ) ( 1/ 806 ) 0
ويؤكد مرة اخرى ، عند وصوله الى الجزيرة التي تقع بعد البحر
الخامس ، انه – واثناء الليل – رأى الازهار قد اخذت تضيء ( كالنجوم وان
الازهار هي التي تبيس من الشمس وتسقط على الارض ) 0( 1/808)
ان استخدام الراوي لكلمة ( تسقط ) دلالة كافية على ان هذه
الجزيرة ليست بمستوى الارض ، وانما هي في مكان ما فوقها 0 أي ان المسافة
التي يقطعها ( بلوقيا ) بين البحار والجزر هي مسافة عمودية وليست افقية 0
اما التأكيد الثالث ، فيأتي من وصف ( بلوقيا ) لما يراه في
الجزيرة الواقعة بعد البحر السادس 0 اذ ان ما يراه فيها ما هو الا صورة
رامزة لعالم جهنم(1 /808) 0 وان ملك هذه الجزيرة ( صخر ) يصف له طبقات
النار السبعة ، وهو وصف مشابه لما جاء في المعراج 0 ( 1/ 811 )
ان هذه التأكيدات تشير – حتماً – الى ان رحلة (بلوقيا) هي رحلة
عمودية وليست افقية ، على الرغم من وجود المياه واليلبسة ، اذ يتحول المكان
اثناء تمثل النص الديني في النص الخرافي ( بوعي اوبدونه) من فضاء هوائي (
الطريق الى السماء ) الى فضاء مائي ( البحار ) ومن سطح سماوي ( = السماء )
الى سطح ارضي ( = الجزر 0
ثانياً – تكرارية الحيز المكاني:
في النص الديني ، يكون التكرار في المكان السماوي ( السماء الاولى ، السماء الثنية 000 حتى السماء السابعة ) اما في النص الخرافي ،
فأن التكرار يكون في البحار السبعة والجزر السبع ، وفي كلا النصين نجد
التسلسل الرياضي يؤشر الى نهاية مكان ما وبداية آخر : ( السماء الاولى ،
السماء الثانية 000الخ ) 0
ب – على مستوى الهدف والغاية:
تحاول الرحلتان الوصول الى هدف واحد ، وهو هدف مقدس ، اسلامي
بحت 0
في النص الديني ، يكون الهدف هو الالتقاء بالمقدس بالنسبة
للرسول محمد (ص) اما في النص الخرافي ، فأن الهدف هو نفسه ، أي الالتقاء
بالمقدس بالنسبة لـ ( بلوقيا ) – كأنسان – هو النبي محمد (ص) 0
اما الغاية التي تقف بعد هذا لهدف فهو الحصول على :
اولاً: مناجاة الرب بالنسبة للنبي محمد (ص) لـ ( يريه آيات ربه
الكبرى ) " سورة النجم " 0 وكذلك تبليغه بفرض الصلاة ، وتأطير كل ذلك بحالة
الاعجاز ( خرق الطبيعة ) على مستوى حادثتي ( الاسراء والمعراج ) 0
ثانياً: اللقاء بالنبي محمد (ص) بالنسبة لـ (بلوقيا ) لكي يسلم
على يديه 0 وكل ذلك ستأطره حالة الاعجاز ( خرق الطبيعة على مستوى الخلود )
0
الا ان الرقابة الدينية ، تمنع ( بلوقيا ) ان يلتقي بمقدسه ،
لأن في ذلك خرقاً للقوانين الالهية 0
ج – على مستوى الوسيلة:
ان اية رحلة تتطلب من الراحل استخدام وسيلة ما تمكنه من الوصول
الى هدفه 0 ولما كانت رحلة الاسراء والمعراج رحلة فضائية ، فقد كانت
الوسيلة هي ( البراق ) و (المعراج ) : ( واذا بالمعراج قد نصب الى الصخرة
من عنان السماء فلم أر شيئاً احسن من المعراج وهو مرقاة من الذهب ومرقاة من
الفضة و (000) فضمني جبريل الى صدره ولفني بجناحيه وقبّل ما بين عيني وقال
ارق يا محمد فصعدت انا وجبريل ) ( 2 / 7 ) 0
اما البراق ، فهو حيوان طائر ، أي له اجنحة 0 وقد تم وصفه بدقة
يمكن قبولها على انها تجسيد مادي ، الا ان المعراج لا يمكن تصوره كتجسيد
مادي برغم صنع درجاته من الذهب والفضة و 000 الخ 0 الاان ما يخفف من ذلك هو
جناحا جبريل ، ذلك لان الطريق المقطوع يستدعي وجود الاجنحة0
اما في النص الخرافي ، فقد صور القاص الشعبي هذه الوسيلة ، بعد
ان اعمل خياله في اختراع وسيلة للرحلة ، وهي ( زيت العشبة ) ذلك لان الطريق
كان مائياً لا يمكن اختراقه من قبل الانسان بواسطة اية مركبة او سفينة ،
لان المكان المطلوب الوصول اليه ، هو مكان مقدس ( قبر النبي سليمان ) وكل
مقدس – بالنسبة للمفهوم الشعبي – لا يمكن ادراكه بالوسائل الطبيعية 0 واذا
كانت ( العشبة ) هي طبيعية ( نبات ) الا ان زيتها يعمل على مستوى خارق
للطبيعة 0
د – على مستوى الشخوص:
اولاً : في النص الديني ، كان المرتحلان هما النبي محمد (ص)
والملك جبرائيل ، فيما قام بالرحلة الخرافية ( عفام وبلوقيا ) ، الا ان
النص الخرافي – هنا – يفترق عن النص الديني ، اذ يجعل من ( عفان )
يموت عند وصولهما الى هدف الرحلة في قسمها الاول ( رحلة الذهاب ) 0 اما في
النص الديني ، فنجد جبرائيل يرافق النبي محمد (ص) اثناء العودة 0
ام اماتة ( عفان ) ، هي عملية تمويهية اراد منها القاص الشعبي (
حاكي الليالي ) هدفين :
1 – عقوبة الانسان الذي يحاول (فض ) المقدس 0
2 – مطابقة النص الديني ( بصورة غير مباشرة ) 0 اذ ان قاريء الاسراء
والمعراج يجد جبرائيل وقد ترك النبي (ص) وحيداً عند وصولهما السماء السابعة
وعند اقترابه من الحضرة الالهية ، وهي اصعب مراحل المعراج 0 وهكذا حاول
القاص الشعبي ان يترك بطله ( بلوقيا ) في اصعب مراحل الرحلة ، وهي رحلة
العودة 0
في الوقت نفسه ، جعل بعض الشخصيات ( السماوية ) تقدم له يد
المساعدة عند تأزم الامور 0 ( جبريل عند موت عفان ، الملك براهيا ، صخر ،
براخيا (9) ملائكة اخرين ، فضلاً عن الخضر ) 0
ثانياً: استجلاب القاص الشعبي لاغلب شخوص النص الديني وتموضعهم في
نصه ، مثل ( جبرائيل، ميخائيل ، اسرافيل ، ميكائيل ، عزرائيل ) 0
هـ – على مستوى الوصف:
ان التناص على هذا المستوى ، ظاهر للعيان ، خاصة للمتلقي الحصيف
، المطلع على قصة الاسراء والمعراج ، اولاً ، وثانياً ، لوجود القاريء
الضمني ( حسب مفهوم تودوروف ) ( 4 / 11)0
وعلى الرغم من ان هذه الاوصاف هي من محمولات التفكير الشعبي
بتأثير من الاساطير والمرويات الشفاهية القديمة ، الا انها قد استخدمت في
الوقت نفسه في النص الديني 0
والجداول الآتية توضح عملية التناص على هذا المستوى 0
اولاً: وصف جهنم:
النص الديني ( ص 17-18 ) النص
الخرافي (ص492 )
•فيها سبعين الف بحر من غسالين وسبعين الف بحر من رصاص مذوب
على ساحل كل بحر الف مدينة من نار في كل مدينة الف قصر من نار في كل قصر
سبعون الف تابوت في كل تابوت سبعون الف صندوق من نار في كل صندوق سبعون الف
صنف من العذاب 0
•ورأيت نساء معلقات بشعورهن في شجرة الزقوم والحميم (ص21) 0
• فيها الف جبل من نار ، وفي كل جبل سبعون الف واد من النار
وفي كل واد سبعون الف مدينة من النار وفي كل مدينة سبعون الف قلعة من النار
وفي كل قلعة سبعون الف بيت من النار وفي كل بيت سبعون الف تخت من النار وفي
كل تخت سبعون الف نوع من العذاب 0
•واثمار تلك الاشجار كرؤوس الآدميين وهي معلقة من شعورها 0
ان قاريء الجدول اعلاه ، يرى ان النص الخرافي قد ابدل نوعية
ومكان العذاب واضافة نوع اخر هو ( الجبل ) 0 اذ يبدأ من الجبل خلافاً للنص
الديني الذي ابتدأ من البحر ، لكن النص الديني قد بدأ بنوعين من البحار هما
( الغسالين والرصاص ) ، عندها يمكن تطابق الاماكن ، على الرغم من ان التناص
لا يفترض التطابق 0
النص الديني بحر غسالين بحر الرصاص مدينة قصر تابوت
صندوق صنف
70000 70000 1000 1000 70000
70000 70000
النص الخرافي جبل وادي مدينة قلعة بيت تخت نوع
1000 70000 70000 70000 70000
70000 70000
ثانياً : وصف الجنة:
النص الديني (ص41 ) النص الخرافي (ص806 )
•فأذا ارضها بيضاء مثل الفضة وحصباؤها من اللؤلؤوالمرجان
وترابها المسك ونباتها الزعفران واشجارهاورقة من فضة وورقة من ذهب والثمار
عليها مثل النجوم المضيئة والعرش سقفها والرحمة حشوها والملائكة سكانها
والرحمن جارها فأخذ رضوان بيدي وسرنا بين اشجارها وما فيها من سرور وعيون
وحور عين وابكار وقصور عاليات وولدان كأنهم الاقمار 0
* ترابها زعفران وحصاها من الياقوت والمعادن الفاخرة
وسياجها الياسمين وزرعها من احسن الاشجاروابهج الرياحين واطيبها وفيها عيون
جارية وحطبها من العود القماري والعود القافلي وبوصها من قصب السكر وحولها
الورد والنرجس والغبهر والقرنفل والاقحوان والسوس والبنفسج وكل ذلك فيه
اشكال والوان واطيارها تناغي على تلك الاشجار وهي مليحة الصفات واسعة
الجهات 000الخ 0
(5)
الخلاصة والاستنتاجات:
بعد هذه الدراسة التناصية للنصين الخرافي والديني ، ودون الدخول في
تشعبات التناص الاخرى مع بعض الاساطير السابقة للنص الديني ، كأساطير
الرحلات السومرية والبابلية وغيرها ، والتي يمكن ان تكون ان وصلت الى
المخيلة الشعبية العربية ( والاسلامية ) بعد كل ذلك ، ما الذي يمكن
استخلاصه من هذه القراءة ؟
قبل ان نذكر ما توصلت اليه الدراسة ، علينا تأكيد مسألة مهمة
جداً، هي : ان المخيلة الشعبية قد لعبت دورها في انجاز النص الخرافي
اعتماداً على النص الديني مع وجود شرط تغييب هذا النص تغييباً كاملاً بعد
ان وظفته لغايات ادبية ، مما افقده قدسيته وتأريخيته وصيرته انموذجاً يمكن
فض تشكلاته في أي زمان 0
أ 0 واذا كان ( سولير ) قد اكد وهو يعرف التناص على انه في ( كل نص
تتموضع نصوص كثيرة اخرى ، لكن قيمة النص هذا ليس فقط في انه يعد بمثابة
قراءة جديدة لها ، بل بتفرده عنها ) فأن الدراسة هذه قد توصلت ايضاً الى
الحقيقة نفسها التي اكدها ( سولير ) اذ برهنت على تفرد النص الخرافي برغم
عده قراءة جديدة للنص الديني بلباس خرافي ، مع التأكيد على ان النص الديني
لم يكن نصاً مهيمناً على النص الخرافي على الرغم من ان الدلالات التي يمكن
التوصل اليها في النص الخرافي هي دلالات دينية ، اذ ان رحلة ( بلوقيا )
كانت رحلة دينية سواء في البحث خاتم سليمان ، او اللقاء بالنبي محمد (ص) 0
وفضلاً عن ذلك ، كان للنص الخرافي خصوصيته التي اكدتها دلالاته
التي من اجلها انشيء هذا النص وقتذاك ، وما زالت هذه الدلالات تمارس
تأثيرها على التفكير الشعبي 0
ب 0 توصلت الدراسة الى ان مفاصل التناص بين النصين الديني والخرافي
، أي بين ثنائية الديني / الخرافي ، قد اظهرت ما يمكن تسميته بالمتوازية
السردية الدينية ، اذ عندما يأخذ النص الديني من الخرافي ، او الخرافي من
الديني ، فأن التمفصل التناصي يأخذ شكل مسار متواز بين ( المتن المقدس) –
رغم كونه غائباً – و ( الخطاب ) الخرافي ، أي بين الديني والسردي 0
ج 0 واذا كان التناص ( ظاهرة لغوية معقدة تستعصي عل الضبط والتقنين
، اذ يعتمد في تمييزها على ثقافة المتلقي وسعة معرفته وقدرته على الترجيح
)( 5/131 ) ، فأن الدراسة هذه تؤكد دور المتلقي في التوصل الى تمفصلات
التناص على كافة المستويات بين النصين على اعتبار ان التناص الحاصل بينهما
هو من نوع التناص الاعتباطي ( 5 / 131) الذي يعتمد على ذاكرة المتلقي ، لأن
النص الخرافي قد جعل من نفسه نصاً متفرداً 0
د 0 ان السطور السابقة قد اكدت ، بما لا يقبل الشك ، ان التناص بين
الديني والخرافي على مستوى ( الواقعة – الحدث ) قد حول ( المعجز ) (=
الخارق للطبيعة ) في النص الديني الى ( العجيب المدهش ) ( = الخرافي ) لكي
يزحزح نصه ( الخرافي ) عم موقعه ( الديني ) ، وهذا ما تريد ان تؤكده
الدراسة ، اسوة بالدراسات السابقة عن التناص في تغييب المرجع او المصدر ،
وكذلك لكي ينزع ( القاص الشعبي ) القدسية عن نصه الخرافي 0 اذ ان المخيلة
الشعبية للراوي ( الحاكي ) ، ان كان ذلك الذي ( قص ) حكايات الليالي
شفاهياً ، او الذي نقل (حكاية بلوقيا ) كمدونة في كتاب لا علاقة له بالقص
والحكي ، كما عند الثعلبي والطبري مثلاً ، واقعة تحت تأثير تلك الارثذوكسية
الاسلامية المهيمنة 0
هـ 0 كذلك القول ، رغم وجود افتراض مفاده ان هذه الحكاية هي (
اسطورة ) على اساس فهم عربي قديم عن الاسطورة ( انها اساطير الاولين ) (
قرآن كريم ) و ( انها حديث خرافة ) ( حديث نبوي )0 ان هذه الاسطورة (
الحكاية الخرافية = حكاية بلوقيا ) جاءت لتؤكد وهي تتمثل ( تغير وتبدل )
قصة الاسراء والمعراج ، على ان ( المقدس ) لا يمكن الوصول اليه – اكان ذلك
المقدس خاتم سليمان ام النبي محمد (ص) وعصره ، ( أي طول الزمن ) – أي لا
يمكن الحصول على ( معرفة ) تامة به الا بواسطة ما هو ( واقعي ) ، أي ان ما
وصلنا من ديني ( لاهوتي ، تشريعي 000الخ ) حسب (الكتاب المقدس ) و ( السنة
) ، لا يمكن الوصول اليه – بالنسبة للبشر – سوى بما هو موجود ( واقعي ) ،
أي لا يمكن المساس بالمقدس 0 انها ( ارثذوكسية ) مهيمنة كذلك 0
و 0 ان الوصول الى ما هو مقدس ، يتم بأرادة الاهية ( وصول النبي (ص)
الى الحضرة الالهية ) , ( عدم وصول بلوقيا الى الخاتم او عصر محمد "ص" ) 0
ز 0 ان البشر العادي ، مهما سعى لا يمكنه الوصول الى مايريد ( الى
المعرفة به على اقل تقدير ) ( جلجامش مثلاً بالنسبة للخلود ) لكن الانسان
الملهم ( إلهياً ) يمكنه ذلك ( النبي محمد "ص" في الاسراء والمعراج ) 00
اذن ، هي الحياة المرسومة للبشر لكي يعيشوها كما هي ، ( قدر ) رسمته انامل
بعضهم ( ارثذوكسية السلطة وقتذاك ) 0
ح 0 ان التناص – هنا – ما هو الا عملية (تضاد ) على مستوى الدلالة ،
والمعنى النهائي 0 اذ عمل على تأكيد ( اللا معجز ) ، أي نفي الاعجاز عن
البشر ، في النص الخرافي ، مقابل ( المعجز ) في النص الديني عند من يختارهم
الله كالانبياء والرسل مثلاً ، وهذه احدى رسائل النص الخرافي الموجهة
للمسلمين0
هكذا يصبح النص الخرافي قراءة ايجابية ( وفي الوقت نفسه اعادة
انشاء ) للنص الديني ، لبناء دلالة جديدة تنبثق من هدف واحد هو نفسه الهدف
( المتعالي ) الالهي ، هدف الاعجاز واللااعجاز0
المصادر والمرجع:
1 0 الف ليلة وليلة – دار التوفيق – 1980 0
2 0 أ- الاسراء والمعراج – ابن عباس 0 بدون معطيات 0
ب – الاسراء والمعراج – يونس السامرائي 0 بدون معطيات
0
3 0 عصر البنيوية – اديث كيرزول – ت 0 جابر عصفور – سلسلة
افاق عربية – 1985 0
4 0 مجلة الاقلام – ع /4 / 1998 – دار الشؤون الثقافية
العامة – بغداد 0
5 0 تحليل الخطاب الشعري ، استراتيجية التناص – د 0 محمد
مفتاح – المركز الثقافي العربي – ط1 /1985 0
6 0 مع الانبياء في القرآن الكريم – عفيف عبد الفتاح طبارة
– ط7 /1979 – دار العلم للملايين 0
7 0 الاسراء والمعراج – صالح الطائي – بدون معطيات 0
8 0 مشارف انوار اليقين – الحافظ رجب البرسي – دار الاندلس
– ط10 / ب0ت0
9 0 الاساطير – د0 احمد كمال زكي – ط2 /1979 – دار العودة 0
10 0 الفكر الاسلامي ، قراءة علمية – محمد اركون – ت0 هاشم
صالح – مركز الانماء القومي – ط1/ 1987 0
11 0 الف ليلة وليلة – د 0 سهير القلماوي – دار المعارف
بمصر – 1966 0
12 0 مدخل الى الادب المقارن – محمود طرشونه – دار الشؤون
الثقافية العامة – ط2/ 1988 0
13 0 اساطير بابلية – ت 0 سلمان التكريتي – مطبعة النعمان –
1972 0
14 0 مجلة التراث الشعبي – ع/1/1989 – الهيكل التنظيمي
لحكايات الليلي – داود سلمان الشويلي0 وكذلك : الف ليلة وليلة وسحر السردية
العربية – داود سلمان الشويلي – اتحاد الكتاب العرب – دمشق – 2000 0
15 0 الحكاية الخرافية – دير لاين – ت0 د0 نبيله ابراهيم –
ط1- دار القلم – ب 0 ت 0
16 0 الملامح
السياسية في حكايات الف ليلة وليلة – احمد محمد الشحاذ – وزارة الاعلام –
بغداد – 1977 0
الهوامش :
1 0 ابدلت الاسد بالذئب لمحلية الذئب مع خراف رعاتنا 0
2 0 سنهمل في دراستنا هذه المفاصل التناصية بين هذين النصين
والاساطير السومرية والبابلية التي تتحدث عن الرحلات الى السماء او الى
العالم السفلي ، وكذلك بينهما وبين رسالة الغفران وجحيم دانتي الى الدراسة
الطوبولوجية ان شاء الله ، وسنشير اشارات مقتضبة كلما استدعت الحاجة الى
ذلك0
3 0 هناك بعض القضايا التي لن تشغل الدراسة نفسها بها ، حول
الاسراء والمعراج ، ولكنها تشير اليها ، من مثل :
أ0 لم تحسم القضية التي اثيرت سابقاَوالتي مفادها : هل تم
الاسراء والمعراج بالروح ، ام بالجسد ، ام بكليهما ؟
ب 0 هل شاهد حقيقة ، الرسول (ص) عند مروره بالسماوات السبع
اهوال الجحيم وصور النعيم في الجنة ؟ واذا كان ذلك حقيقة ، فأن ذلك يعني ان
العقاب والثواب يتم ( آنياً) بعد موت الانسان ، وهذا مغاير لما جاء في
القرآن الكريم من ان الحساب يتم في يوم واحد هو يوم القيامة ، ام ان كل ما
رآه الرسول (ص) كان عبارة عن صور لما سيكون عليه العقاب والثواب 000 واذا
كان هذا صحيحاً ، فما الداعي –اذن – الى عشرات الآيات القرآنية التي صورت
اهوال الجحيم واحوال النعيم ، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ، ان الاسراء
والمعراج – كحادثة – قد كذبت من المشركين وبعض ضعاف الايمان ، وقتذاك 0
ان الباحث يرى ، ان هذه الصورة المرسومة بدقة في
الاسراء والمعراج ( المدون ) – واغلبها عقاب للنساء – قد اضيفت ، ولم يخبر
بها الرسول (ص) وقتذاك ، وقد جاءت تحت تأثير المرويات الشعبية ( الخرافية
والاسطورية ) 0 والاضافات اليهودية لأبن سلام اليهودي ، وابن منبه وغيرهما
، بعد عشرات السنين من وفاة الرسول (ص) وقبل التدوين ، وهذا ما تؤكده :
اولاً: قائمة الرواة المسند اليهم حديث الاسراء والمعراج ،
وكمثال على ذلك ما ذكره يونس السامرائي في كتابه ( الاسراء والمعراج ) : (
اخرج الامام احمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث انس رضي الله عنه ان مالك
بن صعصعة رضي الله عنه حدثه ان نبي الله (ص) حدثهم 000 الخ ) (
2ب/ 11) 0
وكذلك : ( قال الحافظ ابو بكر البيهقي في كتابه "دلائل
النبوة "حدثنا ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا ابو العباس
محمد بن عطاء ، حدثنا ابو محمد راشد الحمداني عن ابي هارون العبدي ، عن ابي
سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي (ص) قال له اصحابه يا رسول الله اخبرنا
عن ليلة اسرى بك فيها فأخبرهم فقال 000 الخ )( 2ب/ 17 ) 0
ثانياً : الاختلاف في رسم صور الجحيم والجنة بين كتب
الاسراء والمعراج الموجودة حالياً والمعتمدة لما جاء في الكتب الدينية
القديمة 0
ثالثاً: تأثير المذهبية في تدوين القصة 0 اذ يذكر احد الكتب
ان الرسول (ص) قد سمع صوت ابي بكر الصديق (رض) في الحضرة الالهية ، فيما
تذكر كتب اخرى ، ان الصوت ذاك كان لعلي بن ابي طالب (ع) 0(7/41)
رابعاً: ان المرويات التي اعتمدتها هذه الدراسة للاسراء
والمعراج ، تؤكد ان النبي (ص) قد التقى في بيت المقدس بالانبياء ( ابراهيم
، موسى ، عيسى ، داود ، سليمان ) ( انظر الاسراء والمعراج ، وقصص القرآن )
فيما يذكر مؤلف كتاب ( مع الانبياء ) : ( ابراهيم وموسى وعيسى فقط – ص361 )
0 اما السامرائي ، فيقول : ( 000 قال رسول الله (ص) مررت ليلة اسري بي على
موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره ) ( 2ب/ 18 ) 0
خامساً : تختلف الرواية عند ابن عباس (رض) ، اذ تذكر ان
الرسول (ص) كان وقتها في بيت ام هاني ، فيما يذكر السامرائي انه(ص) كان
مضطجعاً في الحطيم بين النائم واليقظان 0
سادساً: لقد اعتمد الكتبة السابقون على رواية ابن منبه لما
قاله ابن عباس (رض) ، وهذا ما اكده الحافظ رجب البرجسي عندما قال : ( ومع
ذلك ما رواه وهب بن منبه عن ابن عباس ، قال رسول الله (ص) : لما عرج بي الى
السماء 000 الخ ) (8/74) 0
سابعاً : يذكر احمد كمال زكي ، وهو يتحدث عن اختلاط الواقع
بالخيال في قصة الاسراء والمعراج ، عند حديثه عن قصة تميم الدارمي قائلاً :
( من هنا حديث الاسراء والمعراج الذي رواه ابن عباس عن رسول الله وعلى تقدم
الزمن يتعقد بأضافات من الفولكلور الاسلامي عن الصعود الى سدرة المنتهى ،
وتفقد الجنة ومشاهدة الجحيم )( 9/ 278) 0
فيما يؤكد كاتب معاصر ، بأن التراث يعترف ( بعد فترة
الصحابة حصل تدهور وانحطاط في قيمة المعلومات ودرجة صحتها وموثوقيتها ، فقد
اضطر النقلة ( الناقلون) للاعتماد اكثر فأكثر على الرواية او القصة التي
تضعها الذاكرة ، وهذا يعني الاعتماد على الرواية التي تسرد بشكل فني وادبي
جذاب الكلام الاولي والاصلي الذي قيل في ظروف وجودية فريدة من نوعها )
(10/174) 0 اما مترجم كتابه هاشم صالح ، فيقول في الهامش ( 18 –ص186) : (
ان ظاهرة التحلية الادبية للاخبار والحكايات التاريخية المنقولة كانت تشكل
ظاهرة عامة ينبغي على كل مؤرخ في الماضي ان يتقنها ويسيطر عليها ، ولكن
يفترض في المؤرخ الحديث ان يكون اكثر وعياً بهذه المشكلة ، وان يعير
انتباهاً اكبر لنقد كل مفهوم استخدم لدراسة الماضي )
ان البحث يرى ، ان الرسول (ص) قد اسري به وعرج الى
الحضرة الالهية ( لا يهم ان كان ذلك بالجسد ام بالروح ، او بكليهما ) ليكلم
الله سبحانه وتعالى ، وليؤكد احدى معجزاته امام المسلمين والمشركين على
السواء 0 اما صور الجحيم او النعيم ، فلم ير شيئاً منها ، وهذا ما اكدته
اية الاسراء نفسها ، وآية المعراج ، اذ لم تذكر شيئاً من ذلك 0 دون ان ننسى
ما تعنيه آية
لقد رأى من آيات ربه الكبرى
( سورة النجم ) 0 وقد راى (ص) الكثير من آيات ربه الكبرى 0
4 0 أ- ان حكاية (بلوقيا ) قد ذكرت قبل الف ليلة وليلة في (
قصص الانبياء او العرائس ) للثعالبي المتوفي سنة 1036 م مروية على لسان عبد
اله بن سلام اليهودي 0 ( 11/ 43)
ب – تذكر د0 سهير القلماوي ، ان قصة ( بلوقيا ) هي ذات اصل
بابلي قديم ( حفظت في بغداد التي تقع جغرافياً مكان بابل ودخلت العربية عن
طريق قصص الاسكندر والقصص اليهودي منذ زمن اقدم من وجود الف ليلة وليلة
بكثير ) 0 ( 11/ 34)
ج – يقول ( اويستروب ) : ( انه يمكننا ان نبعد في ارجاع عصر
هذه القصة الى عصر اقدم من عصر الثعلبي ايضاً ، فالطبري يذكر انه لم ير
سيدنا احد الا عفان وبلوقيا ، وهذا النص يشير ولا شك الى ما نجده في قصة
بلوقيا ، فهي اذن قد عرفت على نحو ما في ايام الطبري أي سنة 923 م ) 0 (11/
44)
د – ( وكان كتاب الف ليلة وليلة معروفاً ايام المسعودي "
منتصف القرن الرابع الهجري " وقد ذكره في مروج الذهب ج/4ص89 –80 – طبع
مينار ) 0(11/ 26 )
هـ – لا نعرف مدى صحة ما ذكره الاستاذ محمود طرشونه ، في ان
الباحث العراقي هلال ناجي قد ذكر : ( انه عثر على نسخة الف ليلة وليلة يعود
تاريخها الى القرن الثاني الهجري وما ذكرته الباحثة الامريكية اللبنانية
الاصل نبيهة عبود من انها اكتشفت مخطوطاً يعود الى القرن الثالث الهجري )0(
12/ 87 )
ان هذه التأكيدات تثبت ان حكاية ( بلوقيا ) كانت
معروفة لدى العرب اما قبل الاسلام او في اقل تقدير في القرن الثاني الهجري
، وكذلك انها من المرويات اليهودية التي اخذها رواة الليالي ، وجعلوها من
مروياتهم الاسلامية كنص شفاهي 0
5 0 فيما لو كان مطلعاً مسبقاً على نص الاسراء والمعراج
والنصوص الاخرى 0
6 0 بعيداً عن الاساطير السومرية والبابلية والتوراتية ،
وحتى العربية ، سنذكر – هنا – مثلاً واحداً يشير الى كيفية تمثل موتيفة
واحدة في اكثر من اسطورة ، هي موتيفة ( التفاحة المحرمة ) 0 فقد ذكر (
فردريك فون دير لاين ) : ( اما الحكايات التي تحكي عن الجنة فمعروفة في
الحضارات المختلفة في اشكال غاية في التنوع 0 فتحكي الحكاية الشعبية
الاغريقية عن حديقة حاميات التفاح الذهبي " الهسبريدين " التي تفيض
بالبهاء والروعة ، والتي كانت تنمو بها شجرة تفاح لذيذة الطعم يحرسها تنين
(000) ويذكرنا هذا في تفصيلاته بحكاية الجنة في الانجيل (000) ويحرس شجرة
التفاح فيها ملاك ، اذ كان محظورا اكل تفاح هذه الشجرة 0
وفي الروايات الاغريقية يكون اطلس هو حامي الشجرة
والحديقة ، اما الروايات الفارسية فتقترب مرة اخرى من الروايات اليهودية )
0 ( 15/ 108)
ان نصنا الحكائي قد تمثل النص الاسلامي وفي الوقت نفسه
ابتعد عنه كثيراً 0
7 0 ان تأكيد الراوي الشعبي يهودية والد بلوقيا ، وضمناً
بلوقيا نفسه ( او على اقل تقدير قبوله كشخصية في الليالي ، وهي نصوص عربية
/ اسلامية بحت ) هو تأكيد على ان اليهود كانوا يعرفون بمجيء محمد(ص) نبياً
في زمان ما 0 وهذا ما اكده القرآن الكريم ، لا كما يذهب بعض الدارسين الى
ان هذا النص وغيره من النصوص التي تتخذ من بعض اليهود ابطالاً للحكايات ،
هي من وضع يهودي ، او لانهم وضعوا هذا النص لـ ( شوق اليهود الى بعثة محمد
(ص) كما يذهب الى ذلك " السباعي بيومي " في كتابه تاريخ القصة
والنقد في الادب العربي) 0 (16 / 307 )
ان ضم الليالي لهذه الحكاية ، جاء ليؤكد لليهود ، ان
توراتهم ( الصحيحة ) وكذلك احبارهم وملوكهم يعرفون بنبوة الرسول محمد (ص)
لا كما فعلت التوراة الحالية المكتوبة بعد السبي البابلي بعدم ذكر ذلك 0
8 0 هذا ما يذكرنا بمعجزة السيد المسيح (ع) بسيره على الماء
، وكذلك معجزة موسى (ع) وجنده عند عبورهم البحر الاحمر 0 انه تناص مع
المعجزتين 0
9 0 ربما هو نفسه ( آصف بن برخيا ) قائد جيوش سليمان من
الانس 0
4 / 8 / 1999
|