| 
      
	غنائم
	 
	  
	  
	التهم شطيرة الفلافل مقرونة بعدة رشفات من النبيذ الأحمر 
	الذي يعشقه ، ثم أخرج من جيبه علبة لفائف التبغ ، فأشعل واحدة و أخذ يرتشف 
	دخانها بشغف ، و هو يردد أغنية قديمة : " الدنيا سيغارة و كاس ...للي ظلموه 
	الناس .." ؛ 
	 ثم .... 
	اندس في فراشه جالسا  ،  
	ثم .... 
	التفت نحو كومة  الرسائل التي كان قد نضدها بعناية فوق 
	الدرج المجاور لسريره ،  
	ثم ..... 
	ابتدأ يفضها واحدة إثر واحدة بعناية خبير متمرس ، 
	مستخدما قطعة إسفنج مبللة ، و مع كل رسالة كان يصدر تعليقا منغما يتناسب مع ما 
	اكتشفه .. 
	* " عيني  عيني على العاشقين ... حيارى و مظلومين ! " ثم 
	أضاف : " اليوم يبث لها لواعج شوقه و لهفته لوصالها ، و إذ تصبح ملك يديه 
	يذيقها الذل و الهوان ! " 
	* " اشتدي أزمة تنفرجي ...قد آن أوانك بالبلج ..." جاءك 
	الفرج من تحت الدرج ، إحسب يا أبو البهايج ... ،  إنها خمسون أخضرا امريكيا ، 
	أرسلها ذلك المهاجر الأحمق لوالده ، كم مرة حذرت وسائل الإعلام من إرسال النقود 
	بالبريد العادي ؟!....الحمار يريد أن يوفر أجور الحوالة البنكية !.. أنت أولى 
	بهذه النقود يا أبو البهايج ، من ذلك الحمار أو أبيه .... 
	* يجس بيده الخبيرة رسالة جديدة ، يصيح جذلا" " : مؤكد  
	رزق جديد من أحمق آخر " يفتحها ، يجد بين طياتها جسما صلبا ، ملفوفا بعناية 
	بمنديل ورقي : " يظن الأحمق أن أحدا لن يكتشفه ، ياه......إنه خاتم مزين بفص 
	براق .. لا بد أنه خاتم ثمين! " ثم يضيف بصوت أعلى : " اليوم مفتوحة في وجهك يا 
	بهجت يا إبن مدحت ..."  
	* الله .. الله  .." هنا حط بنا الجمّال "  سافل آخر 
	يستحق الحرق .. إنها مجلة إباحية ، كأسك يا ابا البهايج نخب هذه الهدية 
	الشيطانية .... 
	كان بهجت أفندي الموظف في قسم الفرز في دائرة البريد 
	المركزية ، كان يتناول كل بضع ثوانٍ رشفة جديدة من نبيذه الأحمر المعتق ، و 
	رشفة أخرى من سيغارته ، و قد هزته غنائمه الجديدة طربا ... 
	أشعل لفافته السابعة ،  
	ثم ... 
	رفع كأسه الخامسة أمام  ناظريه فوجدها لا زالت ممتلئة 
	حتى نصفها ،  
	ثم .... 
	حاول ارتشاف ما تبقى دفعة واحدة  ،  
	ثم ..... 
	غلبه النعاس فغفا .. 
	ثم ...... 
	سقطت لفافة التبغ من يده مشتعلة فوق فراشه ! 
    
    أضيفت في01 / 02 
    / 2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب 
      
         
      
	
	
	
	البويجي 
	
	  
	
	كان يجلس في  ركن من أرضية  مبنى كبير و أمامه صندوقه المُلبَّس و 
	المزخرف بالنحاس البراق ، مشكلا قطعة فنية تلفت النظر ؛ تقدمت منه فرحب بي ، ثم 
	باشر عمله على الفور . 
	
	و بينما كان منهمكاً  في عمله المتقن ، تقدم منه طفل في العاشرة ، 
	فناوله بضعة قروش و هو يقول له مبتهجا :  
	
	- ( بابا ) لقد بعت جميع الأكياس ، هل أذهب إلى البيت ؟ 
	
	يجيبه : 
	
	- ويل لك ... لا زال اليوم في أوله ، خذ مجموعة أخرى و اسرح بها  ، 
	و إلا ... 
	
	بعد دقائق قليلة ، تقدم منه طفل في الثامنة أو التاسعة من عمره : 
	
	- ( بابا ) بعت  خمسة أمشاط و مسبحتين .. 
	
	 ناوله القروش التي جمعها ، ثم مضى يكمل  مهمته . 
	
	أثناء مباشرته بتلميع ( فردة ) حذائي الأخرى ، قدم طفل ثالث في 
	السابعة من عمره و بيده  حلوى يأكل منها متلذذاً ، فتناول منه القروش التي 
	جمعها بيد و صفعه باليد الأخرى فألقاه أرضا  وقد علا صياحه.  
	
	
	
	البويجي : ماسح الأحذية 
         
	
	  
	
	
	
	الكابتن     
	
	في ليلة إشتدت ظلمتها و في طريق العودة إلى مدينتهما من مدينة 
	مجاورة  ، جلس رفيق مع زوجته في المقعد الخلفي لسيارة أجرة عامة ، و كان قد دفع 
	أجرة مقعد إضافي ليضمن الراحة لهما ، في سفر يستغرق حوالي ساعتين أو أكثر قليلا 
	، و جلس إلى جانب السائق  راكب آخر ، ثم انطلقت بهم السيارة . 
	
	بعد أقل من عشر دقائق ، أخرج الراكب المذكور علبة لفائف التبغ ، بكل 
	هدوء سحب منها لفيفة (سيكاره) ، أشعلها ، و أخذ ينفث دخانها ليصفع به وجْهي 
	رفيق و زوجته مع كل زفير . 
	
	" أرجوك يا أخ أن تمتنع عن التدخين ، فإنني  مريض بداء الربو و 
	الدخان يؤذيني " قال رفيق ، فأجابه الراكب ساخرا شامخا بأنفه : " تريدني أن 
	أنقطع عن التدخين ساعتين  ؟  أنا لا أستطيع الإستغناء عنه دقيقتين !  أما مرضك 
	فهو من شأنك ! " 
	
	تتدخل زوجة راشد متوسلة : " الناس للناس يا أخ ، و نحن لا نأمرك بل 
	نرجوك ، أنت قد إبتليت بالتدخين فلا تسبب الضرر لغيرك  ! " 
	
	يخرج لفيفة أخرى ، يشعلها بكل عجرفة و تحدٍ ، و يبدأ من جديد ينفث 
	بدخانها ليتسرب إلى خياشم راشد و رئتيه ، ثم لا تلبث نوبة سعال شديد أن إنتابته  
	. 
	
	تهدأ نوبة السعال ، يوجه حديثه إلى السائق : " يا أخي أنت  قائد 
	السيارة ،  و من صلاحيتك أن تمنع الركاب عن التدخين ." يجيبه بغِلظة : " يا سيد 
	، أنت لم تستأجر السيارة لحسابك الخاص ، هذه سيارة أجرة عامة و ليست خاصة . " 
	
	يخرج ( الكابتن ) علبة لفائفه ، 
	
	بكل هدوء يخرج منها لفيفة ، 
	
	يضعها بطرف فمه ، 
	
	يشعلها  بكل عجرفة  و تحدٍ ، 
	
	ويبدأ  يتفث دخانها  
	
	ليصفع به وجهي رفيق و حرمه ....! 
    
    أضيفت في20 / 02 
    / 2009/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب 
      
         
	  
	
	
	
	نهاية عاشقين   
	
	  
	
	راشد و مبارك صديقان حميمان منذ أيام الدراسة ، ثم أصبحا - بعد التخرج 
	- شريكين في عمل تجاري مربح ، ثم تزوجا في الوقت ذاته تقريبا ، وسكنا في دارتين 
	متقاربتين ، ثم ما لبثت أن أصبحت زوجتاهما صديقتين حميمتين أيضا ، ثم انتقلت 
	الصداقة إلى الأبناء .. 
	
	فقد أنجب راشد غلاما ذكرا أسماه عبد الله و من بعده إبنتين . 
	
	و بعد سنة أو تزيد ، أنجب مبارك بنتا أسماها دلال و من بعدها غلامين . 
	
	و منذ أن كان عبد الله في التاسعة و أمه تقول : " دلال لعبد الله و عبد 
	الله لدلال " 
	
	و منذ أن كانت دلال في السابعة و أمها تقول : " دلال لعبد الله و عبد 
	الله لدلال " 
	
	بدأتا العبارة كمزاح ، أو كتندر على عادات بدوية قديمة ... 
	
	و لكن .... 
	
	ما أن بلغ عبد الله و دلال مرحلة التحولات الجسدية ، حتى تعلق أحدهما 
	بالآخر ! 
	
	  
	
	
	***** 
	
	و في الجامعة التقيا معا في كلية واحدة فازداد ارتباطهما و تعمقت أواصر 
	حبهما ، كانا يلتقيان في ساعات الفراغ فيتناجيان ، و إذ يعودان إلى منزليهما 
	يتهاتفان .. 
	
	و ذات يوم ، تهاتفه دلال فتسأله - و قد شاب صوتها اضطراب و خوف - عمّا 
	يعرفه حول خلاف والديهما مؤخرا ؛ فيبسِّط لها الأمر قائلاً : " إنها خلافات 
	تحدث دوما بين الشركاء ، و لكن لا تنسي أنهما صديقان حميمان منذ سنوات و أن 
	صداقتهما ستعيد المياه إلى مجاريها وشيكا ! "  
	
	و لكن ....المياه لم تعد إلى مجاريها أبدا . 
	
	ففي يوم آخر ، تخبره أن الأمر يتفاقم و أن هناك محامين و مؤسسة محاسبية 
	: " المسألة تتضخم يا عبد الله ! "  
	
	و بعد عدة أيام أخرى ، تخبره و هي تبكي بحرقة أن والدتها منعتها و 
	أخويها من التعامل معه أو أختيه : " إنها القطيعة يا عبد الله !!! " 
	
	" أهكذا تنقلب صداقة السنين إلى عداء ؟ " يتساءل متألما ، ثم يكمل بصوت 
	حزين : "إنني غير مصدق لما يجري لولا أنه يجري ! " ثم يضيف : " إسمعي يا دلال ، 
	أنا لن أتنازل عنك حتى لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري " فتجيبه على 
	الفور " و أنا لن أتنازل عنك يا عبد الله حتى لو ذبحوني من الوريد إلى الوريد ! 
	"  
	
	ثم .... 
	
	تجرأ عبد الله ذات يوم فدعاها إلى سيارته فلم تمانع ، ثم توجه بها إلى 
	بيته ، خافت قليلا و لكنها لم تمانع ، فعائلته في زيارة الجدَّين ؛ ثم دخل بها 
	إلى مرآب سيارته ، فلم تمانع !!! .. 
	
	  
	
	
	***** 
	
	و تكررت - من بعد - لقاءاتهما في المرآب ، 
	
	و لكن ..... 
	
	ذات يوم قائظ ، اشتدت فيه وطأة الحر ،  
	
	شغَّل عبد الله محرك السيارة ليتمكن من تشغيل مكيِّفها ، 
	
	إلا أن المرآب كان مغلقا ، 
	
	فإنتشر دخان العادم ،  
	
	ثم تسرب الدخان القاتل إلى خلوتهما !! 
    
    أضيفت في 03 / 12 
    / 2005/ * خاص القصة السورية 
      
         
	  
	  
	
	
	
	بطيخة الأنشاصي* 
	
	  
	
	   
	
	كان وضّاح قد أنهى لتوه تأديب شقيقه الصغير ، نفث زفرة ارتياح ثم 
	اتجه إلى غرفته فأغلق بابها و انبطح فوق  سريره  لاهثا ؛ عندما دوى إنفجار هائل 
	اقتلع نافذة الغرفة و بابها و قذف به و بسريره عاليا ثم حط به محطما . 
	
	شله الرعب لفترة ، و لكنه أدرك أنه لا زال حيا ، فقد تمكن من تحريك 
	يديه ثم ساقيه ثم رأسه ، فنهض ليرى كل شيء من حوله في حالة فوضى مرعبة . 
	
	استبد به الفضول و رغم خوفه الشديد خرج إلى الشرفة ، ألقى نظرة وجلة 
	على الشارع من تحته ، و يا لهول ما رأى ؛ ثمت سيارة قد تحولت إلى كومة من معدن 
	أخضر اللون أشبه بعلبة صفيح مهروسة ، بينما لا زال الدخان يتصاعد منها و من 
	سيارات أخرى كانت في الجوار .  
	
	ها هي سيارات النجدة تعوي مندفعة تتبعها سيارات المطافئ و الإسعاف و 
	الأمن العام و المخابرات و البحث الجنائي ، يقيمون على عجل طوقا أمنيا حول 
	المنطقة ، ثم يتوافد الصحافيون فيمنعهم ضابط كبير – بغلظة - من الإقتراب ، و 
	يصادر إحدى الكاميرات التي أفلح صاحبها بالتقاط بضع صور بها . 
	
	و خلال عشر دقائق تحول الشارع كله إلى ما يشبه حالة طوارئ في أعقاب 
	غارة جوية . 
	
	أضرار كبيرة لحقت بواجهات المباني ، نوافذ و أبواب محطمة ، زجاجها 
	يملأ أرض الشارع ، و مع ذلك و رغم خطر إنهيار الشرفات كما حدث في العمارة 
	المقابلة ، فقد غصت بالكبار و الصغار الذين استبد بهم الرعب و الفضول معاً.. 
	
	تلفَّت وضاح حوله متفقدا مدى الأضرار التي أحاقت بشرفة بيته ، فلمح 
	بطيخة كبيرة خضراء لامعة ، يحملها مستغربا و يدخل بها إلى غرفة الجلوس ، ليجد 
	شقيقه ماجد مختبئا تحت طاولة الوسط و هو يرتعش هلعا ، يحاول جره فيعلو صياحه ، 
	يحاول تهدئته و لكنه يزداد صراخا ، فيتركه لشأنه لفترة ، ثم يحني رأسه نحوه و 
	ينذره بأوخم العواقب إن تفوه بكلمة لوالديه ! 
	
	يشغِّل التلفاز ...  
	
	جميع القنوات تتحدث عن الإنفجار المروع !! : 
	
	" لقد تم إغتيال محمود بك ، مدير عام وزارة التموين بعبوة تزن 
	ثلاثين كيلوغراما من المواد المتفجرة ، زرعها مجهولون أسفل سيارته أدت إلى 
	وفاته في الحال ، و هناك بعض الإصابات المتوسطة و الطفيفة ، و لكن الأضرار 
	المادية التي لحقت بعدة سيارات و بواجهات عدد من المباني جسيمة . " 
	
	  
	
	
	***** 
	
	يشعر وضاح بالعطش ، يتذكر البطيخة ، يحملها فوق طاولة الطعام ، 
	يضعها في وعاء كبير، يخرج سكينا من الدرج ، يطعنها تمهيدا لتقطيعها ، و لكن 
	إحساسا غريبا ينتابه ، ثمت من يحاول جذب السكين ؟!!! 
	
	يظن نفسه –في البداية - متوهما ، يحاول إخراج السكين فلا يتمكن ، و 
	السكين لا تزال تتحرك نحو داخل البطيخة و لكن ببطء ! 
	
	يشعر ببعض الخوف ، يجرب شدها ثانية و ثالثة ، ثم يستخدم كلتا يديه و 
	كل قوته ، و لكن السكين لا تزال تنجذب نحو باطن البطيخة !!!. 
	
	يتحول خوفه إلى رعب ، يقرر ترك البطيخة و السكين ، و لكنه لم يتمكن 
	من إفلات مقبض السكين من يده ، فالمقبض التصق بيده و كأنه جزء منها . 
	
	يتحول رعبه إلى هلع ، يصرخ مستنجدا ، و لكن من ينجده ؟ والداه لا 
	زالا في عمليهما ، و الصغير ماجد لا زال تحت الطاولة مستمرا في نحيبه ... 
	
	يا للمصيبة ... 
	
	بدأت يده تنجذب إلى داخل البطيخة ... 
	
	ترتعد فرائصه ، 
	
	ينتفض محاولا الخلاص ،  
	
	يصرخ بصوت أعلى ، 
	
	صوته أصبح أعلى و أقوى من سيارة النجدة التي وصلت اللحظة حاملة أحد 
	كبار المسؤولين ، 
	
	يضيع صراخه مع ضجيج الشارع الذي تحول إلى ساحة طوارئ ، 
	
	ثم تختفي يده داخل البطيخة ... 
	
	ثم يختفي كتفه... 
	
	ثم يختفي رأسه ... 
	
	ثم .... 
	
	تبتلع البطيخة وضاح بكل لحمه و عظمه و شحمه !!! 
	
	  
	
	
	***** 
	
	يجد وضاح نفسه في قاعة فسيحة تشبه قاعات المؤتمرات ، و قد غُصت بعدد 
	كبير من الأحياء بدت وجوههم غير محددة المعالم و قد توزعوا في فئات ، كل فئة 
	منها ترتدي ضربا من الثياب الموحدة مختلفا عن الأخريات ، و أمام كل مجموعة 
	نُصبت لافتة تحدد انتماءها : ( حزب الكلوكوز – حزب الفيتامين آ - حزب الفيتامين 
	ج – حزب الكالسيوم – حزب الفوسفور – حزب المغانيسيوم – حزب الألياف – حزب 
	البذور ) ، و يتصدر القاعة ثلاثة أحياء يبدو أنهم رئيس المجلس و مساعداه . 
	
	أما هو فكان ضمن ما يشبه قفص المتهمين في محاكم البشر . 
	
	يبتدئ رئيس المجلس السيد ( أكسيجين ) بشرح الموقف فيقول مخاطبا 
	الجمع : << اليوم تمكن علماؤنا من تحقيق إنجاز علمي رائع ، فقد استطاعوا للمرة 
	الأولى التحكم بعناصر فضائنا الخارجي مما مكننا من تنفيذ القرار رقم 14 الذي 
	اتخذه مجلسكم الموقر في الأسبوع الماضي ! >>  
	
	يقوم مساعد الرئيس السيد ( هيروجين1 ) بتلاوة القرار : << بما أن 
	الإنسان لا زال مستمرا في سلوكياته العدوانية وفق شريعة الغاب ، إبتداء من 
	إيقاع الأذى الجسدي أو النفسي ، من قبل فرد على فرد أو مجموعة على فرد أو فرد 
	على مجموعة أو مجموعة على مجموعة ، و ما يرافق ذلك من تخريب للأنساق 
	الفيسيولوجية و السايكولوجية التي خُلقوا عليها في أحسن تقويم ، إضافة إلى 
	تدميرهم المتعمد للمنشآت و الممتلكات و عناصر البيئة ، فقد قرر المجلس إيقاع 
	العقوبات الإقتصادية على البشر على مراحل تبتدئ بحرمانهم من أكل البطيخ ، أما 
	إذا استمروا في غيِّهم خلال سنة من تاريخه ، فالعقوبة التالية ستكون حرمانهم من 
	الإستفادة من كل القرعيات ! و يستثنى من هذا القرار النساء الحوامل و المرضعات 
	و الأطفال اليتامى و مجهولو الوالدين و كذلك يستثنى المعوقون و دعاة السلام و 
	محاربو الفساد أيا كان إنتماؤهم ، و ستقوم كل سنة لجنة مختصة بمراجعة أحكام 
	المقاطعة و تطويرها وفق ما يقتضيه الصالح العام ! >> 
	
	يقوم المساعد الثاني للرئيس ( السيد هيدروجين2 ) بتشغيل شاشة تلفزة 
	عملاقة بدأت لتوها بعرض نقل حي من فضاء البطيخة البشري لمؤتمر صحافي يترأسه 
	مسؤول كبير : " يا أخوان كل الموضوع وما فيه أنَّ البطيخة فُقدت , ولا يعُرف 
	مكان وجودها , أو حتى من سرقها . وما الغاية من وراء سرقتها " 
	
	و يعلق الرئيس قائلا : << إنهم – كالعادة - يتجاهلون المغدور الذي 
	نجح في إصلاح إدارته من الفساد و الذي إغتيل لهذا السبب ، و يركزون على بطيخة ! 
	>> 
	
	ثم يستأنف خطابه قائلا : << و اليوم تمكن علماؤنا من تحقيق أول 
	إنجاز تقني في تاريخ البطيخ ، فقد تمكنوا باستخدام تقنية فائقة ، من تحقيق 
	البند الأول من قراركم التاريخي ، إخواني ...لقد تم اليوم جذب هذا العدواني 
	الشاب مع سكينه كأول تنفيذ لأحكام العقوبات الإقتصادية التي فرضتموها على 
	البشر! >> ثم يكمل الرئيس خطابه مشيرا بإصبعه نحو وضاح : << هذا الغلام ذو 
	السادسة عشر ربيعا ، اعتدى بالضرب المبرح على شقيقه الصغير ذي السابعة لأسباب 
	تافهة ، تلك هي تهمته الأولى ، أما تهمته الثانية فهي استيلاؤه على البطيخة 
	التي تمكن علماؤنا من إنقاذها من التلف خلال الإنفجار الهائل الذي شاهدتم آثاره 
	المرعبة قبل قليل ، ثم محاولته تقطيعها تمهيدا لأكلها ، مخالفة للبند الأول من 
	قرار العقوبات الإقتصادية الذي وافقتم عليه بالإجماع ! >> . 
	
	ثم يضيف قائلا : << هؤلاء البشر الذين مضى على وجودهم فوق الكرة 
	الأرضية آلاف السنين ، تمكنوا من تطوير أساليبهم الحياتية و أدواتهم الحضارية 
	إلى الأفضل و لكنهم أبدا لم يتمكنوا من تطوير عواطفهم و عقائدهم أو التخلص من 
	غرورهم و عدوانيتهم ، إعتباراً من أصغر عنصر كهذا الذي يقف بين أيديكم و انتهاء 
	بأقوى مجموعة كالتي غزت مؤخرا دولتين مستقلتين بحجة مكافحة الإرهاب ؛ و لا 
	زالوا حتى اللحظة يقتتلون في كل مكان ، مستخدمين أبشع أدوات الفتك و الدمار ! 
	>>. 
	
	
	***** 
	
	يدخل الوالدان إلى الدار و قد استبد بهما القلق و الرعب ، إثرعلمهما 
	بوقوع الإنفجار جوار دارهم ، فيجدان ماجد نائما تحت طاولة الوسط في غرفة الجلوس 
	، أما وضاح فقد وضع رأسه فوق طاولة الطعام معانقا بطيخة الأنشاصي مستغرقا في 
	ثبات عميق .  
	
	
	------------------------ 
	
	* 
	الأنشاصي : الكاتب الأستاذ عبد الله خليل الأنشاصي ، كاتب قصة ( البطيخة ) التي 
	بنيت عليها قصة ( بطيخة الأنشاصي ) 
	
	  
	
	
	مقاطع من قصة ( البطيخة ) ،  
	
	
	* 
	
	(( عقبِ تعينيه مديرا لتلك الدائرة أخذ عهداً على نفسه بإصلاح 
	الأمور, حتى تعود نظيفة من كل ما هو سلبي , رغم نصائح بعض المخلصين له بالتأني 
	في الإصلاح , إلا أنه مضى فيه بكل جدية وإخلاص , ولم تمضِِ عدة شهور حتى دبت 
	الحياة في الإدارة , وأشاد كثير من الناس بفعالية الإدارة , وعودة الحياة 
	الطبيعية إليها, وأكدوا أن الفضل يعود لمديرها الجديد وما يبذله من جهود مخلصة 
	في هذا السبيل . )) 
	
	
	* 
	
	(( و في صباح أحد الأيام , وقع انفجار كبير في سيارة المدير , أدى 
	إلى مقتله , بشكل بشع , ووصلت التحقيقات *إلى طريق *مسدود , فلم *يُعرف المسئول 
	أو المسئولين *الذين يقفون *وراء الحادث .)) 
	
	
	* 
	
	(( غبي ! كيف لا أشغل بالي بها , ونصف جمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان 
	في العالم تستفسر عنها , بل وصل الأمر إلى أنّ تستفسر بعض وزارات خارجية دول 
	لها وزنها في العالم , وكثير من وكالات الإنباء والسفارات والصحف من عدة دول في 
	العالم .)) 
	
	
	* 
	
	(( عُقد المؤتمر الصحفي وكان مجمل الاستفسارات التي وردت في المؤتمر 
	, تدور حول شكل ولون ووزن وحجم ومذاق البطيخة , إلا أنّ أحد الصحفيين سأل عن 
	مصدر البطيخة , وهل هي من إنتاج محلي أم مستوردة ؟ ومن وضعها في سيارة المجني 
	عليه ؟ ولماذا لم *تنفجر رغم شدة الانفجار؟ الذي أودى بحياة المدير وحطّمَ 
	سيارته تماماً , ولماذا مُنع نشر صور للبطيخة ؟ , بل وأين البطيخة نفسها ؟ ومن 
	أخذها ؟ ومن له مصلحة في اختفاءها ؟ ))  
    
    أضيفت في 05 / 11 
    / 2005/ * خاص القصة السورية 
      
         
      
	  
	
	
	
	مملكة العجائب 
	
	  
	
	برج عالٍ يلفت نظري ... 
	
	أقترب منه ، 
	
	أقترب أكثر؛ 
	
	أنا الآن بجوار البوابة الرئيسية ... 
	
	الحراس الأشداء لا يكتشفون وجودي ، 
	
	أتجرأ فأدخل بخطىً حذرة . 
	
	ألوف مؤلفة من المخلوقات تتحرك في كل إتجاه ... 
	
	أنفاق و دهاليز و شوارع عريضة أو ضيقة ، يتجه بعضها نحو الطبقات 
	الدنيا في الأعماق و يتجه البعض الآخر نحو الطبقات العليا . 
	
	يزداد فضولي ، أحاول أن اسأل ، لا أحد يستجيب لتساؤلاتي ، لا أحد 
	ينتبه إلى وجودي ، يصيبني الإرتباك ، تعتريني الدهشة ، و لكنني أتماسك و أبدأ 
	بتركيز إنتباهي !.. 
	
	  
	
	
	***** 
	
	أتوجه بداية نحو الطبقات العليا  
	
	طبقة لثكنات الجند ، 
	
	تليها عدة طبقات يبدو أنها مزارع لتربية الفطر و أخرى لتربية 
	الحشرات الداجنة ، حشرات عمياء تقوم المخلوقات إياها بتوجيهها نحو الغذاء أو 
	تغذي بعضها فما لفم ، و تتناوب مخلوقات أخرى على حمايتها ، كما تقوم مجموعة 
	ثالثة باستحلابها في إصطبلات تقع على الأطراف ! 
	
	أعلى طابق بان لي – بداية - فارغا بلا هدف ، و لكن ما أن تنبهت إلى 
	وجود فتحات صغيرة في سقفه و أخرى محفورة في جدارنه حتى أدركت أن هذا الطابق إن 
	هو إلا رئة البرج ؛ فهو مخصص للتهوية ، حيث تتصل فتحات الجدران بأنفاق ضيقة 
	تحيط ببناء المملكة كله من الداخل ، بينما تسمح فتحات السقف بدخول الأكسيجين و 
	خروج الكربون المؤكسد ! ... 
	
	  
	
	
	***** 
	
	عدت أدراجي باتجاه الأسفل... 
	
	ألوف من العاملات يخرجن في طابور منتظم خاليات الوفاض من البوابة 
	الرئيسية ، و ألوف أخرى منهن يدخلن حاملات للمؤن و مستلزمات العيش المختلفة ، 
	تتوجه كل مجموعة منهن نحو إحدى حجرات الطبقات السفلى لتخزينها و رصها هناك . 
	
	وفي الطبقة السابعة تحت الأرض ، يلفت نظري كثرة الحرس بجوار أحد 
	المداخل ؛ أتسلل إلى داخل الحجرة ... 
	
	يا لعجيب ما أرى ! 
	
	إنها أنثى عملاقة ...لها نفس شكل مخلوقات المملكة الأخرى ، و لكن 
	بطنها منتفخ كفقاعة ضخمة ، تحيط بها عاملات من كل صوب ، و كأنهن واقفات بانتظار 
	حدث ما .. 
	
	فجأة تدب الحركة بينهن ... 
	
	فقد لفظت جلالتها كرة جديدة بيضاء ، ثم ما لبثت إثنتان من العاملات 
	أن تعاونتا على حملها و الخروج بها من القاعة الملكية ... 
	
	تبعتهما ، فقادتاني – دون أن تشعرا – إلى حجرة رطبة مظلمة ، ما لبثت 
	أن اكتشفت فيها عشرات من الكرات المماثلة ، و قد انتشرت بينها بعض العاملات 
	بَدَوْنَ منهمكات بتقليبها أو تنظيفها . 
	
	هبطت طبقة أخرى ، و سرعانما تبين لي أنها مخصصة لتنشئة الصغار و 
	العناية بهم . 
	
	  
	
	
	***** 
	
	وعلى حين غرة ، يدب نشاط غير عادي ، تُهرع العاملات إلى إغلاق أبواب 
	الحجرات كلها ، حجرات التخزين و حجرات الإباضة و حجرات التنشئة ، ثم يتوجهن إلى 
	أعلى .. 
	
	<< لا بد أن أمرا ما بالغ الأهمية قد حدث >> قلت ذلك في سري ، ثم 
	تبعت خطاهن ..... 
	
	و قرب البوابة الرئيسية ، بدا لي ما يشبه الإستنفار ... 
	
	الجنود – إناثا و ذكورا – هبطوا من ثكناتهم .. 
	
	ثم ما لبثوا جميعا أن إندفعوا خارج البرج في صفوف متراصة .. 
	
	  
	
	
	***** 
	
	خرجت أستطلع الأمر ... 
	
	يا للكارثة ...المملكة تتعرض للغزو ..العدو من ذوي الأطراف الثمانية 
	.. 
	
	بدا هائل الحجم كجبل متحرك ، ينفث سمومه في كل اتجاه ؛ يتجندل الجند 
	، يشلهم السم ، ثم يمتد لسانه فيلتهمهم ... 
	
	يهاجمه ألوف الجند بشجاعة نادرة و إصرار ، غير هيابين أو آبهين 
	لمئات الإصابات ، تدب بي الحميّة فأجد نفسي مشاركا في الهجوم غير هياب ؛ يفلح 
	البعض بتسلق أطراف العدو ، يبلغ البعض صدره ، يتوجه البعض نحو رأسه ، يبدأ 
	الجميع بلثغه في كل موضع من جسده ، نافثين في جسده الضخم سمومهم ، قليلة الكم 
	هي و لكنها فعالة...! 
	
	قاذفات من طراز دبور 16 و قاذفات أخرى من طراز الخفاش الشبح ، و 
	حوامات من طراز النحلة أباتشي ، تلقي على الحشود آلاف القنابل الكيماوية من كل 
	الأوزان ، يصاب الكثيرون من جند المملكة بالشلل ؛ إلا أن الآخرين لا يأبهون و 
	يستمرون بالقتال ...أف= 
    
    أضيفت في 15 / 10 
    / 2005/  خاص القصة السورية 
      
         
      
      
    
    
    
    نزوة أمير 
    
    
      
    
    
      
    
    
    كانت تبكي بحرقة بينما كانت تخاطب ( أم نائل ) بصوتٍ متقطعٍ 
    كسيرٍ حزين : 
    
    
    - لم أفعل ما يسيئه ... 
    
    
    لقد أحببته بكل جوارحي .... 
    
    
    و لم يكتم عني حبه .... 
    
    
    أيامي معه – حتى الأمس – كانت كلها عسل ... 
    
    
    أمس بالذات : كان يناديني ( يا حلوتي )  
    
    
    فكيف تريدنني أن أصدقك يا أم نائل ؟ 
    
    
    لعلك تمازحينني يا أم نائل ؟!  
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
    بدأت القصة قبل شهر تقريبا .. 
    
    
    دخلت أم نائل حياتهما فجأة ... 
    
    
    كانتا قد ودعتا الأب و الزوج الراحل .. 
    
    
    و استمترا تجتران أحزانهما إلى أن قرعت أم نائل الباب ، فحولت 
    أحزانهما إلى أفراح.. 
    
    
    " سمع الأمير بجمال ابنتك " قالت للوالدة بهدوء المتمرس ! 
    
    
    و لكن المفاجأة صعقتهما . 
    
    
    - "الأمير يطلب يد ابنتي ، أنا ؟!!! "  
    
    
    سألتها مشدوهة ، ثم أضافت و هي في أقصى حالات الإنفعال : 
    
    
    " و من نحن حتى يناسبنا الأمير ؟ " 
    
    
    " أخشى أنك قرعت الباب الخطأ يا سيدة ! " 
    
    
    و لكن أم نائل تؤكد لهما ، أن الأمر حقيقة و ليس وهما و لا 
    حلماً.. 
    
    
    و تبدأ على الفور في بحث ترتيبات الزواج ، قبل أن تتلقى 
    إجابتهما ... 
    
    
    و تنجرُّ الأم في حديث الترتيبات و كأنها مُنَوَّمة ! 
    
    
    و يرقص قلب الفتاة فرحا ! 
    
    
    فلطالما فتنتها قصة ساندريلا ..  
    
    
    و هاهي تصبح ساندريلا حقيقية ، بلا مؤامرات أو دسائس أو ساحرات 
    ! 
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
      
    
    
    و في ضاحية بعيدة 
    
    
    و في دارة ( فيلا ) أحاط بها رجال الأمن ... 
    
    
    يستقبلهن ضابط كبير ، و ينحني لهن احتراما ، عندما يتأكد من 
    هويتهن ... 
    
    
    كن ثلاثا ، العروس و أمها و السيدة أم نائل ! 
    
    
    يدخلن الدارة .. 
    
    
    يبهرهما - العروس و أمها - زخارفها و أثاثها ... 
    
    
    يستقبلهما طباخ و خادمتان شرقيو الملامح ... 
     
    
    
    يدخل بعد دقائق مُلاّ ( رجل دين ) مهيب الطلعة .. 
    
    
    يتبعه بعد دقائق أخرى ، رجلان يحملان طرفي عباءتيهما المطرزتين 
    بخيوط الذهب .. 
    
    
    يحييان الشيخ الوقور بحك الأنوف . 
    
    
      
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
      
    
    
    تشعران بحركة غير عادية خارج الدارة.. 
    
    
    ثم حركة غير عادية داخلها .. 
    
    
    ثم يقف الجميع إجلالاَ ! 
    
    
    إنه الأمير !!!! 
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
      
    
    
    ينادي المُلا والدة العروس : 
    
    
    - أنت وكيلة العروس ؟ 
    
    
    و دون إنتظار إجابتها استمر يقول : 
    
    
    - في بعض الظروف يمكن للوالدة أن تكون وكيلة ابنتها ، رددي معي 
    ( يا حرمة ) ..... 
    
    
    ثم أخذت تردد ما يقوله المُلا كالببغاء .. 
    
    
    و قام الآخران بالتوقيع كشاهدين و كأنهما رجلان آليّان ..
     
    
    
    " مبروك .. مبروك .. " 
    
    
    ثم انصرف المُلا ... 
    
    
    و انصرف الشاهدان ... 
    
    
    ثم انصرفت أم نائل و هي تجرُّ أم العروس ، جرّاً . 
    
    
      
    
    
      
    
    
    ***** 
      
    
    
    أضافت أم نائل بعد أن هدأ نحيب الفتاة ... 
    
    
    " لا تحزني يا بنية ، فأميرنا لن يغبنك حقوقك ، إنه أمير عادل و 
    من عشاق العدالة المطلقة ".. 
    
    
    ثم أكملت و كأنها تسرد من كتاب حفظت فصوله جيدا : 
    
    
    " قبل كل شيء عليك أن تلتزمي بالعدة " 
    
    
    " إن تبين أثناءها أنك حامل ، فستكون لطفلك نفقة حتى آخر العمر 
    ، كأي من أفراد العائلة الأميرية " 
    
    
    " و إن لم يتبين ذلك ، فلك الحق بالبقاء في هذه الدارة مدة 
    العدة كلها (!) " 
    
    
    " ثم سيمنحك الأمير مبلغا من المال يكفيك للعيش الكريم مدى 
    الحياة ." 
    
    
    "و انتبهي جيدا للتالي : إذا أنجبت له ، لا يحق لك الزواج ثانية 
    على الإطلاق ؛ أما إذا لم تنجبي فلك الحق بالزواج و لكن بعد سنتين .." 
    
    
    و لكن الفتاة أجابتها و هي تشرق بدموعها : 
    
    
    - " و لكنني لم أفعل ما يكدره " 
    
    
    " لقد أحببته بكل جوارحي " 
    
    
    " و لم يكتم عني حبه " 
    
    
    " و حتى الأمس كان يناديني ( يا حلوتي ) " 
    
    
    " لم أفكر قط بالمال " 
    
    
    " لم افكر إلا بحبه و كيف أرضيه !!! " 
    
    
    " فكيف أهون عليه ؟ .. " 
    
    
    - يا بنية ، أنتِ لم تستوعبي الأمر بعد ! 
    
    
    أجابتها أم نائل بلطف متناهٍ ؛ ثم أكملت و هي تربت على كتفها 
    مهدئة :  
    
    
    - " تلك هي مستلزمات الإمارة يا بنية " 
    
    
    " المسؤوليات الهائلة الملقاة على كاهل الأمير تجعله بحاجة 
    دائمة للترفيه " 
    
    
    " فكل أسبوع له زواج جديد " 
    
    
    " و كل يوم يتلقى من وجهاء البلد و شيوخ العشائر – الذين يدركون 
    جيدا إحتياجاته – يتلقى منهم عرائض يرجونه فيها أن يشرفهم بقبول بناتهم زوجات 
    له ! " 
    
    
    " إنها طبيعة الأمراء في كل زمان و مكان " 
    
    
    " ألم تسمعي بحريم و جواري هارون الرشيد و غيره من الخلفاء ؟ " 
    
    
    " ألم تقرئي روايات ألف ليلة و ليلة قط ؟ " 
    
    
    " أجساد الأمراء - يا بنيّة - بحاجة لحب متجدد تقدمه العذارى " 
    
    أضيفت في 02 / 01 
    / 2005/ * خاص القصة السورية 
      
           
    
    
    المتشرد   
    
    
    صحا أبو محمود في ساعة متأخرة من الصباح ، شعر بألم يعم جميع مفاصله  ، و خاصة 
    ألم الظهر ، 
    
    
     وطأة ألم الظهر تتفاقم يوما بعد يوم و خاصة منذ أن حل الشتاء ، 
    
    
     تمطى 
    
    
     تثاءب 
    
    
    تثاءب أيضا  
    
    
     ثم توجه إلى  دورة المياه ، فقضى حاجته ثم توضأ 
    
    
    المياه الباردة تلسعه ، و لكنه يستمر 
    
    
    عاد الآن قرب المحراب فصلّى صلاة الضحا  
    
    
    ثم جرجر نفسه  نحو مدخل المسجد  
    
    
    فجلس هناك ، و هو يبسمل و يحوقل  
    
    
    ضبط وضع عباءته التي قدمها له أبو تحسين  
    
    
    ثم أخذ يتابع الرائحين و الغادين  
    
    
    و يرد السلام على كل منهم  
    
    
    " و عليكم السلام أخي أبو تيسير و رحمة الله و بركاته " 
    
    
    " و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي أبو سليمان " 
    
    
    تتقدم منه ، فتاة صغيرة ، فتقدم له سرة : 
    
    
    -صباح الخير عمو أبو محمود ، والدتي تسلم عليك و تقول لك : " مأكول الهنا " 
    
    
    يجيبها بعين دامعة : 
    
    
    -( الله يرضا عليك يا بنتي ) أنت إبنة أبو شفيق أليس كذلك  ؟ 
    
    
    -نعم عمّو أنا  روحية بنت أبو شفيق ، و والدتي تقول لك ، إذا كنت بحاجة لأي شيء 
    آخر أأمر . 
    
    
    -لا يأمر عليكم عدو(  يا بنتي ) ، و يعطيكم ربي على قدر نيتكم .. 
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
     قبل حوالي شهرين  
    
    
    لاحظ إمام المسجد أن( أبو محمود ) يقيم فيه ... 
    
    
     لم يسأله بداية ، و لكن الفضول استبد به ذات يوم فتقدم منه سائلا و ناصحاً : 
    
    
    -هل عزمت على التنسك يا ( ابو محمود )  ، أنا أشجعك على إقامة صلواتك في المسجد 
    ، الفروض منها و السنن و الأنفال ، و لكن أن تبيع بيتك و تسكن في الجامع فهذا 
    ما لم أفهمه و لا أقرّك عليه ،  فالمسجد بيت الله  المخصص للعبادة و ليس للسكن 
    ، التنسك و الدروشة سلوكيات ممجوجة و غير مقبولة يا ( أبو محمود ) ، و كما تعلم 
    فلا رهبانية في الإسلام !! 
    
    
    يجيبه أبو محمود و قد انبثقت دموعه رغما عنه : 
    
    
    -" إني مضطر يا شيخي ،" 
    
    
    " لا ترغمني على  البوح  أرجوك ، " 
    
    
    " الأمر بالغ الخصوصية ؛ " 
    
    
    " أما  إذا كنت تجد في وجودي أي حرج أخبرني بدون أي تأخير فسأسعى لمكان آخر." 
    
    
      فتركه الشيخ أبو اليسر و مضى و هو يهز رأسه تعجباً ! 
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
    إلا أن الشيخ لم يسكت  
    
    
     بعد صلاة عشاء أحد الأيام ، طلب الشيخ  من ( أبو شفيق ) أ ن يتريث قليلا بعد 
    الصلاة . 
    
    
    سأله أبو شفيق بفضول شديد : 
    
    
    -خيرا إنشاء الله , شيخي  ؟! 
    
    
    -فقط أردت أن تنورني ، هل تعلم  لِمَ باعك أبو محمود بيته ؟ 
    
    
    سأله الشيخ ، فيجيبه أبو شفيق على الفور : 
    
    
    -أبو محمود لم يبعني البيت شيخي ، البيت كان ملكا لإبنه ، و ابنه من باعني 
    البيت ، ثم مضى إلى حيث يقطن في أمريكا ! 
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
    كان ذلك قبل سنتين 
    
    
    توفيت أم محمود  
    
    
    حزن أبو محمود في أعماق الأعماق  
    
    
    كانت أم محمود رفيقة دربه في السراء و الضراء  
    
    
     و خلال أيام حزنه وحيداً ، و في إحدى خلواته مع نفسه ، اتخذ قراره .. 
    
    
    لك البيت يا بنيَّ 
    
    
    و لكِ المال يا بنيَّتي 
    
    
    نصف قيمة البيت أو يزيد 
    
    
    و تركت لنفسي ما يكفيني حتى يوافيني الأجل ، فلا تقلقا عليَّ ... 
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
    و سافر محمود إلى الولايات المتحدة إلى حيث أسرته .. 
    
    
    و سافرت نائلة إلى إحدى دول الخليج إلى حيث أسرتها .. 
    
    
    و بقي أبو محمود يجتر أحزانه .. 
    
    
    إلى أن قرع أحدهم بابه ذات يوم  
    
    
    و بذهول  كاد يفقده صوابه ، قال له أبو شفيق : 
    
    
    - " صحبت عيالي لمشاهدة  البيت ، هل تسمح لنا بالدخول ؟ " 
    
    
      " متى يمكنك يا عم ، تسليمنا البيت ؟ " 
    
    
      " وعَدَنا ولدك أن نستلمه خلال شهرين ، أرجو ألا تتأخر عن ذلك ياعم " 
    
    
    كلمات مهذبة و لكنها وقعت على أم رأسه وقع الصواعق ... 
    
    
    " تحضر إلى البلد دون أن تراني يا محمود " 
    
    
    " تبيع البيت ، دون أن تخبرني يا محمو د ؟ " 
    
    
    " تريد أن تشرد أباك يا محمود ؟!!! " 
    
    
    يكتب إلى ابنته نائلة  مستنجدا ! 
    
    
    يأتيه الجواب سالبا : 
    
    
     " شتمني أخي محمود عندما جابهته بحقيقته " 
    
    
    " رجوت زوجي أن نستقبلك ، و لكنه رفض ، و لا أدري لذلك سببا معقولا " 
    
    
    " ناقشته ، تشاجرت معه ، و لكنه هددني بالطلاق " 
    
    
    " أنت لا تريد لإبنتك خراب البيت ، يا أبي ، أليس كذلك ؟! " 
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
      
    
    
    تجمعت خيوط  قصة أبو محمود لدي الشيخ أبو اليسر ، من هنا و هناك 
    
    
    طلب وجهاء الحي لاجتماع هام 
    
    
    تقرر أن يقدم كل منهم ما يمكنه من مساعدة  
    
    
      
    
    
    ***** 
    
    
      
    
    
    يتقدم طفل من ( أبو محمود ) فيحييه  
    
    
    لا يجيبه أبو محمود 
    
    
    يلحف بالنداء : 
    
    
    -عمو أبو محمود ، أنا ابن أبو  سعيد ، أحضرت لك طعام الغذاء 
    
    
    لا يجيبه أبو محمود 
    
    
    -يتقدم منه أكثر ، 
    
    
     يظنه نائما ،  
    
    
    يهزه ، 
    
    
     فيميل على جنبه ... 
    
    
    يصيبه الهلع ، فيصرخ 
    
    
    يتجمع المارة 
    
    
    ينطقون بالشهادتين 
    
    
    ثم يطلبون من الطفل أن يعود إلى داره بما حمل. 
         
      
    
    
    سيدي عمود 
      
    
    في حارة تم تبليطها بالحجارة حديثا من حي سيدي عمود(*) الواقع 
    بين الدرويشية و البزورية  غربا و  شرقا  و  سوقي  مدحت  باشا  و  الحميدية  
    جنوبا  و شمالا  في  أول  هذه   الحارة  يقع  بيت أبو  سعيد   الطرابيشي الذي  
    أقفل  بابه  عن  خمسة  قلوب مفعمة بالشوق و القلق  على بكر الأسرة  الغائب.  
    كان أبو سعيد قد صلّى صلآة العشاء لتوه قبل أن يلج سريره النحاسي مرتلا الدعاء 
    إثر الدعاء راجيا من الله حماية ابنه سعيد و رفاقه من كل سوء و متوسلآ أن يلتئم 
    شمل العائلة من جديد ؛ كان على و شك الإغفاء عندما قرع الباب ! حجظت العيون  و 
    شحبت الوجوه و لهجت  أم سعيد "ياساتر" و لكن عندما استمر الطرق ملحاحا ، التفت 
    أبو سعيد الى زوجته قائلا بصوت مرتعش: "حضري لي  البقجة" و مضى نحو الباب . و 
    لكنه أحس بالراحة تغمره عندما أدرك أن الطارق ليس ضابطا ( من الجندرما ) بل كان 
    شابا  بملآبس ريفية و كوفية بيضاء تغطي معظم رأسه ووجهه.  
    
    - أنا من طرف سعيد ! قال الشاب.  
    
    - سعيد ابني. 00 ما به ؟ ، سأل بصوت مرتعش  0 
    
    - هو بخير إطمئن 0 سأخبرك بكل شئ اذا أذنت لي بالدخول. 
     
    
    - أنت من رائحة ولدي تفضل يابني تفضل فالدار دارك0 
    
    و على نور الفانوس الشاحب المعلق في منتصف الدهليز برز وجه 
    الزائر بعد أن كشف كوفيته و اذا به سعيد ابنه  ... بلحمه و شحمه ،  فضمه طويلآ 
    قبل أن  ينادي و لده الثاني خالد ذي الثلآثة عشر ربيعا.  صاح هذا مأخوذا 
    بالمفاجأة : " أخي سعيد ؟! " و اندفع يحتضنه ، قال له والده اذهب و أخبر الحريم 
    و لكن برفق فقد تذهب المفاجأة بعقل أمك أو قلبها.  
    
    و بين دموع الفرح و زغاريد البهجة  المكتومة قضت العائلة أحلى 
    ساعتين من سويعات العمر  قبل أن يعلن سعيد أنه مضطر الى الذهاب. 
     
    
    - يابني. 00بنادقكم و خناجركم لن تخترق مدرعاتهم أو تقاوم 
    مدافعهم ، قال أبو سعيد يائسا.  
    
    - أبتاه  لا تحاولنّ  تثبيط عزيمتي ، نحن أصحاب حق ؛  نحن نقاوم 
    مغتصب.  أجابه سعيد متحمسا .  
    
    - أنتم قلة و هم كثر.  
    
    - وكم من فئة قليلية غلبت فئة كبيرة ! 
    
    قالت أمه و هي تبكي  : 
    
    - لقد اعتقلوا والدك و أهانوه و لم يراعوا شيخوخته 
     
    
    - اتهم يعتقلون شعبنا بأسره فاعتقال أبي كان  في سجن صغير ضمن 
    السجن الكبير .  رد عليه سعيد ، ثم إنزلق خارج المنزل و ما لبث أن اختفى 
    
      
    
    *********************** 
    
      
    
    في نقطة التقاء  سوق البزورية بسوقي الحرير و الصاغة ،يقع قصر 
    العظم الذي بناه أحد ولاة العثمانيين على أنقاض قصر معاوية بن أبي سفيان كما 
    يزعم البعض ، كان هذا القصر قد جدد حديثا بعد أن تقرر أن يكون مقرا لاحتفال 
    الافرنسيين  بذكرى الثورة الافرنسية في الرابع عشر من تموز0   فازدانت مداخل 
    القصر و ردهاته بالأعلآم الأفرنسية و لافتات تمجد فرانسا و ثورتها ، التي نذرت 
    على نفسها أن تنشر العدالة و المساواة و الحرية على الأرض في مشارقها و مغاربها 
    (!)  
    
    هذا  و  قد بنيت سدة خاصة لكبار المدعويين فرشت بالسجاد العجمي 
    المستعار - غصبا - من سوق الأروام ، و سلطت عليها الأضواء الكهربائية التي كانت 
    حكرا على دوائر الحكومة و أثرياء المدينة ، أما باقي المدعويين فقد نضدت 
    مقاعدهم  حول البحرة الكبيرة المتوسطة لصحن القصر الرئيسي . 
    
    أما في الخارج فقد غصت الساحة المجاورة للقصر بخليط من الجنود 
    الأفارقة  ، و هم مرتزقة من المستعمرات الإفرنسية كالسنغال و مالي و تشاد و 
    الغابون ، إضافة الى مصفحتين  و إلى  فرقة موسيقا عسكرية بملآبس أفرادها 
    الزاهية ،  وقفت  الى جوار الباب مباشرة تصدح بالمارشات العسكرية الافرنسية 
    المشهورة  بسرعة ايقاعاتها ، حيث أخذ الصبية المنجذبين اليها و الى الأنوار 
    الكهربائية المبهرة ، و هم  من الأحياء المجاورة ، أخذوا  يصفقون و يرقصون  على 
    أنغامها جذلا  ، و كلما كان الجنود الأفارقة يحاولون إبعادهم يعاودون الاقتراب 
    بعناد و دون الالتفات الى لسعات الخيزرانات التي كانت تبدو شديدة الوطء أحيانا 
    . و ثمت فرقة موسيقية أخرى كانت بجوار سذة كبار المدعووين ، كانت تشنف  آذانهم 
    بضرب آخر من الألحان الخفيفة كاوبرا كارمن ، أو الراقصة بين قالس و فوكستروت . 
    
    كانت المقاعد فد امتلأت عن آخرها  ، العسكريون بملآبسهم المزينة 
    بالنجوم الذهبية مزروعة على الأكتاف و أوسمة متناثرة على الصدور و خيوط ذهبية 
    تزين عمراتهم المكعبة و الى جانبهم نساؤهم مرتديات فساتين الشارلستن ، و كان من 
    بين الحاصرين عدد من المتعاونين مع سلطة الإنتداب الفرنسي من أبناء المدينة و 
    منهم على سبيل المثال لا الحصر ، نور الدين بك شمسي باشا و زيور بك الباشكاتب   
    و مطانيس بك التنبكجي و جرجي بك مرقدة و ميشيل أفندي كرشه  و مهيب بك العابد  ( 
    و كلها ألقاب من أيام العثمانيين لا زال أصحابها  متشبثين بها ) إضافة الى لفيف 
    من المديرين وكبار الموظفين.  
    
    
    و ما أن سمع الحضور نشيد المارسلييز يصدح من بعد حتى هبوا حميعا  
    واقفين و عيونهم شاخصة نحو مدخل القصر ، و اذ أطل سعادته بوجهه الصارم و جبينه 
    العابس و الى جانبه زوجته المترهلة تختال كالطاووس و من خلفه و حوله حاشيته و 
    حراسه ، حتى التهبت الأكف بالتصفيق و الحناجر بالهتاف ( فيف لا فرانس 
    
    Vive 
    la France  
    ) أي  تحيى فرانسا ثم عزفت الاركسترا في الداخل ( المارسلييز ) ثانية  ثم 
     ابتدأ الندلة  بملآبسهم الفولكلورية ، الشروال و الصدّار و الطربوش الأحمر ، 
    يوزعون  الشمبانيا و النبيذ النورمندي الفاخر و افتتح سعادة المندوب السامي 
    الحفل بفالس ( السين المغامر ) متكرما إفتتاح الرقص ثم ابتدأ الآخرون يحذون 
    حذوه زوجا بعد زوج . 
    
    و أمضى المحتفون بذكرى ثورة الحرية و  العدالة و المساواة 
    الهزيع الأول بين رقص و غناء و تبادل الأنخاب و المسامرة ثم أعلن عريف الحفل عن 
    تفضل سعادته بالقاء كلمة  بهذه المناسبة الغرّاء ! 
    
    قال سعادته :" نحن أتينا هنا للأخذ بيد هذا الشعب الذي امتص 
    العثمانيون دماء أبنائه و تركوه معدما يعصف به المرض و الجهل و الفقر ". 
    
    علق سعيد هامسا لصديقه رمزي من مخبئهما فوق أحد أسطح القصر : " 
    عندما دخل الجنرال غورو دمشق- منذ أربع سنوات -  أنذر السكان بضروروة تسليم ما 
    يملكون من ذهب ، لقد جاؤوا من أجل هذا يا صاحبي !" ثم أتم سعادته : " لقد 
    فوجئنا بأن مدينة دمشق لا تملك غير مدرسة ثانوية واحدة و كليتين جامعيتين فقط 
    احداهما عسكرية ! "  
    
    علق سعيد :" مكتب عنبر مغلق منذ بداية الثورة ، كلية الحقوق 
    ملؤوها بالجواسيس و اعتقل معظم طلآبها ، المدرسة الحربية حولوها الى معسكر ، و 
    لم يبق في الميدان غير مدرسة الفرير و العازارية و اللاييك و كلها تدرس أبناءنا 
    بالفرنسية  ! "  
    
     " لقد فوجئنا أيضا بأن دمشق لا تملك غير مصرف واحد ضعيف 
    فأنشأنا بنك سورية و  لبنان  مدعوما  بالفرنك  الفرتسي  لخدمة  تجارة  البلدين  
    و تنميتهما إقتصاديا و إجتماعيا ." أضاف سعادنه ؛ فعلق سعيد : "لقد جعلوا قيمة 
    الليرة الذهبية خمس ليرات سورية ورقية من اجل ابتزاز المزيد من الأصفر الرنان 
    لصالح خزينتهم في باريز " 
    
    و أضاف سعادته أيضا : " و لقد فوجئنا أيضا بعدم و جود نظام 
    متحضر للبلديات فقمنا بتطوير بلديتكم  و دعمناها بالأموال اللآزمة و الموظفين 
    الأكفاء ."علق سعيد : " لقد وحدّوا  ميزانيتي بيروت و دمشق و جعلوا نسبة 85% 
    لصالح بلدية بيروت أما الموظفون الأكفاء فمعظمهم إفرنسيون  !" 
     
    
    واستمر سعادته يتثر الدرر فأضاف قائلآ : " و على الرغم من كل ما 
    تقدمه فرنسا  من أجل تقدم سوريه  و إدخالها الى نادي المعاصرة و التحضر فهناك 
    من يتمرد هنا أو هناك ، الا أن الجيش الإفرنسي ، المنتصر دائما و أبدا ، يتصدى 
    لهم جميعا بحيث تجري ابادتهم أو تقديمهم الى العدالة ." و هنا تغير تعليق سعيد 
    فتحول إلى رصاصة أطلقها باتجاه سعادنه فأخطأته للأسف و أصابت مرافقه  ثم انهال 
    الرصاص على الحضور من كل صوب . 
    
    دب الفزع و الفوضى في أركان القصر إلا  أن كبار الضباط أحاطوا 
    بسعادته و استطاعوا إخراجه من القصر إلى احدى المصفحات التي ذهبت به الى مقر 
    القيادة في بوابة الصالحية مباشرة ، بينما  أصيب الكثيرون من المحتفين بذكرى 
    الثورة الافرنسية ،  ثم إستطاع الثوار  إحتلآل القصر و المناطق المجاورة ، قبل 
    أن يتمكن  الكثيرون  من المحتفلين  من اجلآء نسائهم الا أن الثوار أبوا أن 
    يحتفظوا بهن كرهائن فتم   ترحيلهن .  
    
    و اذ طاب النصر لسعيد و رفاقه الثوار  فإنه  لم يطب لسعادة 
    المندوب السامي الذي قرر أن يقود حملة الانتقام بنفسه ، فقد أنزل المصفحات 
    السريعة و الدبابات و ما يملك من جنود و ترسانة ، جنود من مختلف الأقوام 
    المنضوية تحت جناح فرنسا الإستعماري  ،فاضافة الى الأفارقة كان هناك مراكشيون و 
    جزائريون و بربر ؛ و كان هناك أيضا بدوا  قرر شيخ عشيرتهم التعاون مع الفاتحين 
    منذ ميسلون ، و كان شباب عشيرته نواة فرقة الهجانة ، و ابتدؤوا جميعا منذ خيوط 
    الفجر الاولى بمحاصرة حي سيدي عمود  و البزورية و مأذنة  الشحم و أحاطوا بها 
    جميعا من جميع الجوانب  أما الفتحات المطلة على الدرويشية و أسواق الحميدية و 
    مدحت باشا و البزورية و سوق الحرير فقد سدت جميعها بأكياس الرمل و الأسلآك 
    الشائكة ،و اتخذ الجنود مواقعهم القتالية و راء الإستحكامات  و المصفحات، 
    استعدادا  لإشارة الهجوم ؛ أما المدافع بعيدة المدى المنصوبة على قبة السيار و 
    جبل الدف المقابل و تلآل المزة فقد جهزت  للإطلاق ، أما الأخرى متوسطة المدى و 
    الهاونات  المنتشرة قي البرامكة و شارع النصر فقد جهزت بدورها أيضا . 
    
    و في تمام الساعة السادسة صباحا سقطت أول قذيفة فهدمت منزل آل 
    العيطة، و قتلت من فيه بمن فيهم رضيعة حديثة الولادة ، و أخذت النار تشتعل و 
    تنتشر سريعا فبيوت دمشق القديمة بنيت كلها من الخشب الملبس بالطين . 
    
     ثم ما لبثت القذائف أن توالت فهب الناس من مراقدهم مذعورين و 
    أخذت النسوة  يتصايحن  و يخرجن إلى الحارات حاسرات الرؤوس حافيات الأقدام  و 
    اتجهوا جميعا صغارا و كبارا يطلبون النجاة على غير هدى ، نحو  مخارج الحي 
    ليجابههم جنود ( الحرية و العدالة و المساواة ) بالرصاص و القذائف، فيعودون 
    لتفتك بهم القنابل و حصار النار  ، كانت القذائف تتساقط بمعدل أربع قذائف كل 
    دقيقة  كان  جحيما  حقيقيا  و  مذبحة جماعية قل أن يشاهد التاريخ مثيلآ لها ؛ و 
    من لم يسقط برصاص الجنود أو شظايا القذائف التهمته النار أو حاصره الحطام أو 
    داسته الأقدام . 
    
    رفض أبو سعيد مغادرة المنزل بداية و لكن النار التي ابتدأت 
    تلتهم جدار البيت المجاور  اضطرته لأن يغادر مع أفراد عائلته ، توجهت العائلة 
    أولا نحو الدرويشية ، و لما بلغوا الفتحة المقابلة لحمام الملكة انهار عليهم 
    الرصاص  فعادوا القهقرى ، فتوجهوا نحو حارة البيمارستان  ،و إذ اقتربوا من 
    العصرونية انهال عليهم الرصاص مجددا  ، فأصيبت عائشة ، فاندفعت أم سعيد نحو 
    استحكامات الجنود صائحة : "حرام عليكم ألستم مثلنا مسلمون ؟؟" كانت االإجابة 
    واضحة و مقتضبة ، تسع رصاصات أردتها للحال مضرجة بدمائها ، حاول خالد الاقتراب 
    من أمه فمنعته صلية رشاش ، فعاد  مصعوقا  ،فحمل عائشة و عاد مع شقيقته الثانية 
    و أبيه المكلوم  في اتجاه منزلهم ؛ و لكن قذيفة سقطت الى جوارهم جعلت أنقاض 
    بيوت  مجاورة محترقة  تتساقط عليهم . 
    
    كانت الحرائق تشتعل في كل  مكان و القذائف تصفر ثم تفرقع مختلطة 
    بعويل النساء و الأطفال و  إستغاثات الجرحى . 
    
    أما سعادة المندوب السامي فقد عاد قبل قليل الى دار الانتداب في 
    حي العفيف ، فوقف على الشرفة المطلة على المدينة  عن بعد ؛ و أخذ يتشفى بمشاهدة 
    حريق حي سيدي عمود بأهله و لعله  كان في تلك اللحظة يتصور نفسه نيرون و لكن بلآ 
    قيثارة ؟! 
    
    ثم  بدأت إفرازات الكيمانسانيا ، و فود  نعقبها و فود ، مختارو 
    الأحياء ، رجال الدين مسلمين و مسيحيين ، و جهاء المدينة ، الأصدقاء  
    المتعاونون ؛ جاؤوا جميعا مهنئين سعادته بنجاته من محاولة الإغتيال ،طالبين 
    الصفح و الغفران  و  وقف المجزرة ، و تعهدوا بأنهم لن يقدموا للثوار أي دعم و 
    لن يسمحوا لهم بالعودة إلى المدينة ثانية . 
    
    و ابتدأ القصف يخف بالتدريج و ما لبث أن انقطع مع غياب الشمس ، 
    الا ألسنة النار ظلت تداعب سحب الدخان الفاحمة  ، و  فرقة الإطفاء البتيمة و  
    المحدودة الطاقة عدا و عدة ، إضافة إلى عشرات المتطوعين  ؛  عجزوا جميعا عن 
    إخماد الحرائق التي استمرت بضعة أيام أخر .   
    
    بعد ستة أشهر و نيف  إستطاع سعيد أن يتسلل  بين أنقاض الحي و أن 
    يقف حزينا أمام قوس الليوان المتبقي من بيته ، تساقطت بضع دمعات حارة رغما عنه 
    ، لم تكن حزنا على رسم من بانوا  ، بل لوعة على من بانوا ، فقد علم أن جميع 
    أفراد عائلته مع ما يزيد عن سبعة آلاف آخرين من جميع المقاسات الإنسانية قد 
    ذهبوا جميعا ضحية مذبحة حي سيدي عمود  . 
    
    
    
    *ثار 
    السوريون على الحكم الافرنسي منذ لحظة هزيمتهم في ميسلون و قد استطاع الثوار 
    احتلآل أجزاء من مدينة دشق  فكان رد فعل  الافرنسيين قصف المدينة و محاصرة 
    الأحياء التي اشتبهوا بوجود الثوار فيها فكانت مذبحة جميع ضحايا ها  مدنيون 
         |