أسرار
جنسية:
الجزء
الأول (رجوى)
امرأة برائحة الخبز ترقص في تنور داخلي، غير مهتم بصوت فرقعة
الرغيف..أحرقتها و مازالت تقوتني...
خطرت لي جميع الأفكار الغبية التي تحثني على الانتقام لذلك الجمال الذي
ملكه هو يوما ثم بصق عليه..
هذا ما بدأت به ( رجوى )حديثها، عندما فتحت قلبها لي للمرة الأولى، وكانت
تبكي..
-هل أحسستم مرة بالبكاء ؟!
لطالما بكى ناس أمامي فحزنت و لكنها المرة الأولى التي أحس فيها بالبكاء
يجتاحني ، يؤلمني ، يحرض عيناي فتدمعان ..أحسست أن الدمع لا يتسرب من
عينيها بل من روحها .. من مكان ما فيها أسميته قهرا.
القهر لا يولد معنا ،بل
يتبرعم فينا بعد نكبات عدة و ظلم لم نقو عليه ، عندها يصبح للبكاء معنى آخر
فيحسه الآخرون.
قالت لي:
لم تكن حرب طوائف كما بشر أهله ولا كان هو الفارق الثقافي كما برر أهلي ..
لكن السر الزوجي الليلي هو السبب ، صدقيني..
-كانت كلمة الجنس مطروقة جدا في كتبي الطبية، وكنت طبيبة نفسية تدرك
تماما أن الغالبية الساحقة لحالات الطلاق سببها جنسي، لكنني دهشت تماما
أن رجوى التي تنافس فينوس و أفروديت في جمالها تتطلق لسبب جنسي؟!
أما هو فقد قابلني بشكل جدي مبررا قدومه لعيادة نفسية :
أهلاس هي..مجرد تمتمات حلم ، لن تصبح حقيقة أبدا،لأنها خيال ..ليست
خيالي، لأنني مسكون بشبح آخر، شبح امرأة برائحة الرغيف... تابع متلعثما:
الرياح تصفر في داخلي كزوبعة، أحس بها وقد قطعت كل السبل، لم تترك إلا ما
يشدني إلى تلك الخيمة، في مفترق طريقي الصحراوي،يطيرني إلى دفء الفرح...
حاربتها
عائلتي.. أعلنتهم أعداء لأنهم رفضوا ذلك الرجل، أعلنتهم منافقين لأنهم
عبروا عن طائفية ما كنت ألحظها سابقا...
لم يكن هناك حفل زفاف ولا حتى فستان فرح .. هربت معه ..
أربع سنوات في الجامعة، وثلاث في الدراسات العليا، ولم أر سلبيات ذلك
الفارس الذي سحرني بأناقة مفرداته، وأغواني بفيض اهتمامه..
عندما اهتز السرير بنا للمرة الأولى ناداني فرح... ظننت أنني متوهمة متوجعة
ولم أعر الأمر أية أهمية، لكن ومع اندمالها جراحي الجسدية، بدأت أوجاعي
.. وبدأت "النق" كما كان يشتكي ..
كنت أحسه يستخدم جسدي ليتذكرها ، ابتعدت كرامتي عنه وازدادت الهوة بيننا
اتساعا..
درت في تلك الحلقة الضيقة حتى دخت، عندها تمردت: أيتها الحلقة مللت
استدارتك حول ضعفي ..لن تتصيري مربعا ، لكنني سأمسي قوية، و طلبت الطلاق...
نفسهم أهلي الذين رفضوا تلك الزيجة، هم الذين شجبوا فكرة الطلاق !! لا
مكان لي الآن..
ما زلت وحيدة ألجأ للطب النفسي عله يروضني وأعود إلى زوجي كعاقلة..
الحياة
لا تسلبنا شيئا.. نحن دوما من يقامر فيخسر.
احتار قليلا ثم قال لي:
-أجل أحرقتها.. لأننا ننقلب صغارا وحوشا .. ولن نصبح أبدا وحوشا صغارا...
أسرار جنسية:
الجزء الثاني (فرح)
دورت فنجانها ثم قالت لي سأقرأ لك الفنجان ...
ضحكت وأجبت: أتقرئين فنجانك أنت و تحللين مستقبلي أنا؟!
ابتسمت بخبثها المحبب: بل أقرأ مستقبلك في ثنايا نزواتي ...
خلتها تمزح كعهدي بها، ما توقعت بتاتا أن تكون نبوءتها إعجاز عرافة، سحر
امرأة برائحة الرغيف!!
- قاطعته قائلة: عذرا "ديار" لماذا تطلق عليها دائما هذا الاسم؟
تأفف بنزق و أجاب: أنت الحكيمة هنا ، لم تسألي؟..
ثم تنهد بعمق: اسمها فرح .. حبي الأول ...
قالوا أنها غريبة الأطوار، بل جزم بعضهم أنها عاهرة ...
فرشوا وجهها و صدرها و وركيها على الطاولة المستديرة، ودارت حولهم
مباحثات لم تشهد المنطقة العربية لها نظير، لا في نزاهتها ولا في
نتائجها..
أما أنا فقد كنت أراها أنثى...أنثى استطاعت أن تخرج من إطار مرآتها
لتضيء...
درت حولها ثلاث سنوات ، لكنني وبعد ليلتي الأولى معها.. فوق سريري الرطب،
في غرفتي المحشورة في أحد أزقة دمشق القديمة، لم أعد مقتنعا بها أما
لأطفالي ..
ببساطة تحولت إلى مومس في قاموسي الذكوري ..
دخلت فرح عيادتي للمرة الأولى تتعثر بفستانها الأسود الطويل، خجلة
جدا..ومتألمة جدا، جلست بخفة و بعدما عرفتني بنفسها، ودون أن أسألها بدأت
حديثها كشهرزاد: أعلم أن "ديار" يأتي هنا، اتصل البارحة و أخبرني بذلك...
نحن لا نخسر شيئا لا نمتلكه أصلا ..لم آتي من أجله.
جئت أشتكي انتمائي إلى وطن لا قانون يحمي النساء فيه، والى دين سخر لعبادة
جميع الآلهة المنتخبة إلا الله الواحد..
أكره كوني امرأة في مجتمع تحكمه الغيرة و تلعنه الأحكام المسبقة ..تسيطر
على عقله المعجنات، الأزياء،الصبحيات وألوان الشعر..
مجتمع النساء المغلق مهما انفتح، والمكبوت برضى ساكناته...
أسرار جنسية :
الجزء الثالث (تماضر)
سنصغر،ثم نصغر، ننقلب كائنات جرثومية غير مرئية.. نسبب الأذية لغيرنا لكننا
أبدا لا نبصم على حائط..
عندما جاءت تماضر إلى عيادتي للمرة الأولى لم تجدني، أخذت موعدا و تركت لي
ورقة مع الممرضة كتبت فيها:
سيدتي الفاضلة، سأعود لاحقا ... لن انتحر لأنني مت ألف مرة، و لإيماني
العميق بأنه لا يستحق...
اقتربت من سريري لأجد جسدين متلاصقين، الأول لم أقو على تمييزه، فالثاني
كان لرياض..زوجي...
رياض "شاهبندر" الجمارك و أشهر من أختلس بمنتهى القانونية، زوجي حسب
التقاليد النافذة والشروط الصارمة للزواج التقليدي..
لا أريد أن أغرقك بتفاصيل مكررة عن الخيانة ، لكني أود سؤالك:
أصحيح أنني بهذين -وأشارت إلى صدرها- لا أنفع في السرير.. ثم بدأت بالبكاء.
-عزيزتي تماضر لقد كتبت لي سابقا أنه لا يستحق أليس كذلك؟!
لا أبكي عليه، أبكي كرامتي الجريحة، أتذكر جمله المسيئة التي برر بها كل ما
فعل.
لماذا لا يعد قتلي له جريمة رد لشرفي ؟
هل تعلمين قالت لي جارتي :الرجال الشرقيون في معظمهم لا شرف لهم ليهدر...
لم يدّعون التحرر وهم عبدة أموال و جنس؟!
بعد زواجنا بعام بدأ حملته التصنيفية لجسدي، أعلم أنني فتاة عادية، لكنه
و بإبداع شاعر أموي فرش عيوبي كلها وجمعها، فأمسيت مشعوذة دميمة.
وبغض النظر عن كونه كان يختلق الأعذار ليبيح لنفسه كل شيء، فإنني اليوم
أسأل نفسي كيف سمحت له أن يهينني.
على بريدي الالكتروني كانت هناك رسالة من نوع آخر:
نايا تكره الرجال وتكره الزواج .. أما تالة فهي موهوبة في فن التقرب من
الرجال وإغوائهم ثم ركل مؤخراتهم عندما تضجر.
كانتا حقيقتين تمخضت عنهما الطفولة التي عاشتاها، واجهتا مشكلتي مع أبوهما
بحلين متناقضين !
لن تتزوجا مطلقا، نايا قد تذبح سبعين رجلا ثم تأتيك شاكية، وتالة قد تخرب
سبعين بيتا ثم تبكي..
سعيدة أنا لكونهما لم تفعلا ذلك إلى الآن...
التوقيع :غبية...
أسرار جنسية:
السر
الرابع (بدر)
الكبت كمرض السرطان، لا تظهر تبعاته إلا بعد أن يستفحل و ينهك ...
كانت العاشرة صباحا عندما أعلنت ممرضتي حضور بدر، وما هي إلا ثوان قليلة دق
الباب و دخل شاب وسيم في العشرينيات، وأنيق بطريقة ملفتة..
لم يصافحني بل وضع يده على صدره محييا :
اسمي بدر: مهندس مدني، أتسمحين لي أن أجلس و..أبكي...
-لم أجد مخرجا لي سوى الصمت ، بكى بدر قرابة الخمس دقائق ثم بدأ الحكاية:
أنتمي و لا أنتمي إلى عائلتي ،لأنني لا أريد أن أشبههم ...عائلتي ميسورة،
ومحافظة جدا...
تزوجت ولم أتزوج منذ شهر، زوجتي عند أهلها الآن .. تطلب الطلاق، تقول أنني
لست رجلا....
أقرأ كثيرا، وأيضا تستطيعين أن تقولي لم أقرأ أبدا، لأنني أحس دائما بأصنام
في داخلي، كتل كبيرة ثابتة وراسخة، ربما رضعتها مع حليب أمي، لا أعلم !!
أحب ولا أحب فن النحت، لأن أبي يراه حراما وأمي تقول أنه كفر ... ومع أني
أعارضهم دوما، لكن الطفل في داخلي أصبح يكره النحت...
لدي أصدقاء من جميع الطوائف، لكنني أحس أنه لا أصدقاء لي، لأنني لا أعلم
لماذا أود دوما إقناعهم بإصلاح أنفسهم...
رأيت سندس للمرة الأولى منذ شهرين، بعد أن ذهبت أمي وخطبتها مشترطة على
أهلها حجاب الفتاة ...
- حجبوها اليوم .. الخميس نفرح بالعرس...عندها دخلت سندس وغطت شعرها، مع
زغرودة كبيرة من أمي وأمها.. وكان العرس.
في ليلة العرس شعرت بالخوف والخجل معا، حاولت أن أنفذ ما قرأته.. لكن عبثا،
أخذت الفتاة تبكي فضربتها..
تخيلي يا حكيمة مهندس مدني يضرب صبية تتألم!! ليتها دافعت عن نفسها أو حتى
صرخت .. لكنها سكتت هلعة، ونامت في زاوية الحمام ...
وتوالت الليالي السوداء...
لست أعرف ما الذي كان يحصل لي .. سندس خريجة جامعية، لا تعمل، جميلة جدا
ومن عائلة دمشقية عريقة، أي أنها وبالشرط الذي وضعته أمي كانت العروس
المثالية...لكن لا أعلم لم حدث كل ذلك ؟!
ذهبت إلى طبيب مختص والنتيجة النهائية كانت : عنانة من منشأ نفسي ...
تشاجرت مع الطبيب وأنكرت الفكرة لأيام، ذهبت خلالها إلى عشرة أطباء،أعطوني
نفس النتيجة...
في النهاية رضخت .. اخترت عيادتك بناء على نصيحة الحكيم جمال، فقد أكد لي
أنك تتركين وقتا بين المواعيد، فلا يمكن أن يشاهدني أحد هنا...
على بريدي الالكتروني كانت هناك رسالة جديدة:
لجأت إلى أخي في كندا هربا من زوجي الأول الذي علمني كيف يصبح الجنس أداة
حيوانية للإهانة والاغتصاب، وأقسم أن يقتلني بعد شهادتي في المحكمة أنه
مصاب بعجز جنسي ... كنت أكذب وقتها، لأنني لم أفلح في الحصول على الطلاق
إلا بهذه الطريقة..
ولست نادمة يا سيدتي لأن الذكر في مجتمعنا العربي مدلل بشدة، فكل القوانين
التي سنها أجداده القدامى تتبنى قوامته و نزواته!!
وما من حل لنا نحن النساء إلا السياسة، والكذب كما تعلمين ملحها...
التوقيع: الغبية
أسرار جنسية:
السر الخامس
(سامي)
لن تتخلى عن صدارتك، حتى لو اقتنعت بكون الزوايا المكان الوحيد الذي لا
يمكن لأحد أن يباغتك فيه من الخلف...
عندما قرأت بيانات موعده في عيادتي، ذهلت... فالرجل القادم لم يكن مريضا
عاديا أبدا ...
بكامل الهيبة والوقار بدأ سامي الحديث:
لقد أرهقتني الكلمة، لكنني ما زلت مخلصا للإنسانية ... جئتك اليوم كي
أستريح قليلا قبل العودة إلى المعركة..
لم يتعبني السجن، لكن أذلتني فكرة أن أسجن من قبل وطني...
لا المرض أقعدني ،ولا الموت أهابني لكن فكرة ترك "رشا" لتلك الأم زلزلتني،
وقضت مضجعي !!
تزوجت دنيا قبل دخولي السجن بعام ونيف .. دنيا مهندسة، تقطع الخضار للسلطة
كل يوم في غرفة مكتب للقطاع العام، تحوي أربع مهندسات غيرها، واحدة منهن لا
طاولة لديها، فقط كرسي !!
رحبت بتعييني في نفس الشركة بكامل أسلحتها الأنثوية، كما أنها هللت لشخصيتي
وأقوالي حتى أقنعتني بأنني بطل الزمان والمكان .. تستطيعين القول أنني بعد
ذلك أدمنتها.. ومنحتها أمانا واستقرارا و..جنينا...
عندما خرجت من السجن بعد عامين كانت الدنيا كما هي .. في مكتبها، تقطع
الخضار للسلطة، على الكرسي، وبدون طاولة .. لكنها لم تهلل لي البتة..
صرت أحسها تخافني، تقرف مني، وعندما حاولت أن أمارس الجنس معها تشنجت بشدة
فأصبح الجماع مستحيلا، لم أجبرها على شيء، قلت أنني اشتقت لها، وأتفهم ما
تحملته في غيابي ..وأنني اختفيت ولم تكن تعرف في أي سجن أنا لتزورني..
ولكنها أدهشتي وبدأت بالصراخ، ثم قامت كالمجنونة، حملت رشا وغادرت المنزل..
اختفت... فتشت عنها ثلاثة أيام ولم أجدها، قلت في نفسي : الاختفاء أمر شائع
في وطني!! لكنها عادت بعدها لتطلب الطلاق ...
-أتتخيل أني قد أسمح لك بالاقتراب مني مجددا، مع كم سجين نمت ؟ وكم سجانا
اغتصبك ؟ أمجنون أنت كي تتخيل أن المهندسة دنيا قد تقبل بك مجددا... لقد
حاولت رفع دعوى للطلاق لكن أهلي رفضوا، أجبروني على البقاء مع عدو للوطن
مثلك... لم أحس معك يوما بطعم للجنس، لم أعرف النشوة حتى رحلت، كنت أتظاهر
بالاستمتاع ..لأني كنت مغفلة أظن أنك حظي و نصيبي، أما الآن فأنا لغيرك ...
سخريتي من نفسي كانت هي الملجأ الوحيد بعد ما سمعت ... لم يؤلمني سيلان
الكحول على جراحي، ولا مبررات خيانتها وقلة أصلها ...
لكن دمرتني نظرات طفلتي المستفهمة .. طفلتي التي حلمت بها كل يوم في سجني
ضاحكة تلعب فوق كتفي منادية ( بابا)..
وذلتني كلمة عدو للوطن ..الوطن الذي أهدرت عمري أكتب كي يتطور، ودفعت الثمن
غاليا...
بعد أن طلقتها بستة أشهر ضج المجتمع العتيد بخبر زواجها من صديق لي، كانت
الطعنة الجديدة غير مؤلمة البتة، فالألم له عتبة لا ألم بعدها.. وأنا قد
قطعت العتبة بنظرات طفلتي.. رشا التي ترعاها أمها الآن، ليس فقط بسبب
عمرها، لكن أيضا لأن أبيها سجين سياسي سابق، عدو..وبنفس الوقت مغتصب!!
رسالة البريد الإلكتروني لذلك اليوم كانت مقتضبة:
أخذت اليوم جرعة الدواء الأولى للمرض.. مرضي الذي يشبه الوطن والحب الأول..
فهو يجري في دمنا مهما بدونا أصحاء، ولا بد أن ينهكنا يوما فنمسي مرضى ..
(ونعود إليه)...
هل توقعت ما هو يا سيدتي ..أجل إنه " الإيدز "...
التوقيع : الغبية
أسرار جنسية:
السر السادس
(ضرار)
أسطورة البطل المنقذ.. أضحوكة ...لا بطل سينجدك إلا أنت...
لا أحد من المتذمرين حولك يكره الحياة ، لماذا يكرهونها وهم يركضون ؟!
هذه كانت الجملة الأولى التي قابلني بها أحد مرضى المستشفى الجدد ...
ضرار الذي قبل أن يتحدث إليّ بعد أسبوع من الصمت المطبق ...تحدث اليوم
بسرعة، ودون أن ينظر في وجهي مطلقا ،كأنه قد كتب وحفظ كل ما سيقوله:
وضعت يدها الشهية، على فخذيّ، ثم امتدت بها فوق سحّاب سروالي القماشي،
تماما تحت عجلة القيادة، في سيارتي الجديدة المنطلقة بسرعة كبيرة حول ليل
قاسيون...
يدها تدور، وسيارتي تدور ... أسكرني الدوران و بدأت أدوخ...
يدها.. سيارتي.. تدوران معا، تسرعان معا، وتهويان معا... أضواء مبهرة في
عينيّ، صراخها ... ثم سكون.
استيقظت متألما، وفي رأسي تتزاحم ذكريات متناقضة:
تلك الرعشة اللذيذة التي كانت تنتابني عندما أركب سيارة المرسيدس الحكومية
الفاخرة التي استلمها أبي حديثا وحبيبتي "جوري " قربي...
تذكرت أيضا كيف كانت الفتيات تتهافت على سيارتي كالفراش، وكيف استطاعت جوري
التي تكبرني بخمس سنوات أن توثق قلبي إلى جوارها بأساليب مثالية لشاب في
العشرين من عمره...
سمعت أمي تنوح، تولول، وتصرخ : كله بسبب سيارتك يا محترم، شلّ ابني، شلّ
ابني...
ما بين الذكريات والألم تقبلت شللي ببرود عجيب.. وأدركت جديّة ما حصل في
ليل قاسيون، ذلك الليل الذي دمر سيارة ملك عام، ومنحني سيارة خاصة .
التزمت أمي بي لأسابيع فقط ثم عادت إلى صالونات الحلاقة، وعيادات التجميل
...وأبي كالمعتاد حصل على سيارة جديدة، ولم أكن ألقاه إلا نادرا..
أما جوري فلم أرها بعد ذلك اليوم ... لم تمنعها رضوضها الخفيفة من
الاطمئنان على وجه النحس عليها ... لكنها ركضت كالغزال واختبأت خائفة من
كرسي بعجلتين...
ولم يبق أحد من أصدقائي أيضا، كلهم سابقوا الفرح في الهرب مني، وأمست حياتي
خاوية ...
نظر ضرار إلى كرسيه بانكسار ... ثم تابع:
عندما تعرفت إلى "صافي" عن طريق الصدفة، لم أكن أتوقع أنني سأخسر بمعرفتي
به آخر إحساس بالحياة ...
كان صافي رجلا في الخمسين، أقرب ما يكون إلى الثور في الحجم، يعمل في
المطعم الوحيد الذي ظللت أرتاده، عليّ أرى جوري فيه...
بدأ علاقته معي بالود والكلام اللطيف الذي افتقدته منذ غابت هي ...وصرت
أحدثه عنها طويلا.. وهو يصغي بانتباه شديد.
أصبح صديقي الوحيد، وصار يزورني... وتعمقت العلاقة..
عندما اخترق صافي مؤخرتي للمرة الأولى، بكيت مطولا لكنني خفت من أن يتركني،
فأعود وحيدا من جديد... لذلك لم أخبر أحدا ...
مع توالي هجماته عليّ أصبح لا يحدثني أبدا، ولا يسمعني أيضا . أدركت عندها
أنني لعبة جنس ليس إلا ..
كرهت الدنيا ببلاويها وبمن فيها.. جوري العاهرة التي من المؤكد أنها تتنزه
حاليا في سيارة أخرى، أصدقائي الذين اختارتهم مكانتي الاجتماعية التي
أعتبرها الآن مرضا...
وددت أن أكسر مستحضرات أمي التجميلية، وأبصق في وجه أمومتها...
تمنيت لو أكتب تقريرا عن الأموال التي أختلسها أبي، واحترمه من أجلها الناس
... هؤلاء الناس السفلة الذين لا يستحقون إلا أبي ...
لكنني كنت أضعف من ذلك بكثير ... عندها حاولت وضع حد لهذه الحياة التي عشت
...
صمت ضرار للحظات ثم نظر إليّ قائلا:
أنتم لن تستطيعون جعلي أركض، ولن تمحوا من ذاكرتي صورتي مغتصبا أبكي، لماذا
إذا تحاولون منعي من الانتقام؟!
على بريدي الالكتروني كانت هناك رسالة جديدة:
هل تعلمين كم مرة فكرت بالانتحار بعد أن كشف مرضي عن نفسه ؟! لكني كنت
أتذكر نايا وتالة وأتراجع ...
أحمد الله الآن على كون زوجي الثاني "عزت "والذي نقل لي هذا الداء ليس والد
الفتاتين ...
عزت رجل أعمال كندي من أصل مصري، كان الملجأ الوحيد لي بعد هروبي إلى كندا
وبعد شجاراتي المتواصلة مع زوجة أخي هنا...
لكن الهزيمة يا سيدتي تولد دوما خيارات خاطئة ...
التوقيع: الغبية
يتبع...
أسرار
جنسيّة:
السر
السابع (فاتن)
للحزن أقنعة عديدة.. لكنه بوجه واحد فقط...
حدث هذا منذ أسبوع ، و قبل أن أغادر العيادة بقليل ..أدخلت الممرضة صبيّة
بيضاء ،فائقة الأنوثة،و بوجه طفلة بريء ،..و كانت تضحك !!
صافحتني بمرح : اسمي فاتن،...لست مجنونة لكنني مستغربة ، ثم تابعت ضحكها
قائلة :إذا كان لا يزعجك استمراري في الضحك ، سأبدأ الحديث .
-لا يزعجني مطلقا ، لكنه قد يعيق كلامك...
لا.. لا أنا متعودة ، بم سأخبرك أولا ،قلت لك اسمي.. آ .. حسنا.. أعمل
معلّمة تربيّة رياضيّة في رياض الأطفال ..
ربما لهذا السبب أظل متفائلة ، لأنني أتعامل مع بشر لم يتسخوا بعد...
-التفاؤل إيجابي ، وعملك لطيف ...ماذا أيضا؟!
حالتي الاجتماعية : مطلقة ،لمرتين، ...و الثالثة على الطريق ...
و لهذا أنا هنا، أريد أن أسألك عن الطريقة المثلى للاحتفاظ بالزوج دون أن
تتنازلي عن كرامتك؟!
غابت ابتسامتها للحظات ،ثم تابعت:
في المرة الأولى تطلقت أثناء حفل الزفاف ،عندما وضعت حماتي( المفترضة) يدها
على فمي لأبوسها ، فعضضتها ...
وانفجرت فاتن ضاحكة تقول : لم أكن أطيقها ، و هي بدورها ،كانت تقول لي : يا
مصروعة أنا من سأربيك...
أما ابنها فكان ضعيف الشخصية أمامها جدا .. كان جارنا ، و حبي الأول الذي
روّعه منظر أمه هلعة ،فزعة ،تنطّ وتحطّ من عضة؟!
كنت عندها في السادسة عشرة ،يتيمة الأم ،أسكن عند عمتي العانس...أرى أبي و
زوجته في الأعياد...
لم أكن لأقدر المواقف على حقيقتها ...
لكن أتعلمين، العضة تلك كانت من بطولاتي التي ما شعرت مطلقا بالندم
عليها...
تابعت فاتن مبتسمة : تزوجت بعدها بعامين من" راضي" ، الأسمر الجميل شبه
عمرو دياب ...
لكنني كنت أستيقظ كل ليل على السرير يهتز و يرقص ،وكم أمضيت ليال أقنع نفسي
أني متوهمة ..لكن راضي الذي اكتشفت إدمانه العادة السرية ،هجر فراشي تماما
بعد شهرين ، وعاد إلى ولهه القديم ...
المشكلة لم تكن هنا بقدر ما كانت بأنه بدأ يختلق الشجار من تحت الأرض كي
أترك له كامل غرفة النوم ...ثم بدأ يضربني أيضا..
قلت لعمتي فردت :لا حول ولا قوة إلا بالله ..اصبري يا بنتي ، نحن النساء
ملزمون بالصمت ...هكذا ديننا يا بنتي..
لكن هيهات يا دكتورة :أنا لن أصمت حتى لو تطلقت مئة مرة ،ما من دين يرضى
تحقير المرأة، ولن أقتنع بقوامة الرجل و أفضليته حتى لو أصبح بقضيبين..
(و ضحكت )...
لن أطيل السيرة تطلقنا...و لن احكي لك كم من الأحاديث ألفها و رتبها كي
يبيض شخصيته أمام الناس،ويقطع جميع الطرق التي اعتقد أنني سأستخدمها ضده
...
طبعا ساعده طلاقي الأول، مع حب الناس الكبير للفضائح في حملته الشعواء...
خمس سنوات أمضيتها مرتعا خصبا للأقاويل و الشائعات ..كنت أسمعها و أضحك ...
أتعلمين يا دكتورة، ربما كان الضحك هو الترياق الذي منعني من أن أجن...
زواجي الثالث كان مدروسا ، "عقبة "يكبرني بعشرين عام ،تاجر قماش ، توسل و
باس يديّ حتى قبلت به ، فكرت لم لا؟
فأنا لم أعتقد يوما بالحظ والنحس ،كما أنني أحلم بأمومة مؤجلة منذ زمن،
تزوجته و إليك ما حدث..
أسرار جنسيّة:
السر الثامن (الغبيّة!!)
لن تقدر على إطفاء نيران أنت أشعلتها..حتّى لو أردت ذلك...
في أحد الأيام ،وبعد أن غادر "عقبة" البيت ، دق الباب بقوة ..فتحت لامرأة
شبه ريّا و سكينة ...وضعت يديها على خصرها،ثم صاحت
-أنت( فرفورة العينتين) ..دهشت لكنني ضحكت و سألتها :من حضرتك؟!
أنا ضرتك ،أو أنت ضرتي ، لا فرق المهم أننا نتقاسم رجلا واحد...حاولت شدي
من شعري ،فضربتها و طردتها...
ضحكت فاتن وهي تعلن : سيطلقني لا لأنني أريد ذلك فحسب ، بل لكون زوجته
الأولى ،أم أولاده ،و وليّة نعمته(أكلت قتلة!!) ،و رأت أن القسمة غير
عادلة...
هل تستطيعين يا دكتورة إخباري كم ميزانا للعدل نحتاج في هذا المجتمع؟! و
الأهم من ذلك إلى متّى سيمتد نفوذ القضيب؟! و كيف أقتنع بتشريع لا يقبله
عقل ، ولا ترتضيه كرامة ؟!
بعد انقطاع دام عدة أيام ،وصلت إلى بريدي الإلكترونيّ السيرة الكاملة (كما
أحبت صاحبتها أن تسميها):
هل تؤمنين يا سيدتي بجاذبية الكلمة ،بمغناطيس الأسلوب ؟!
هل بعثرت الكلمات الحلوة قرارات اتخذتها وآمنت بها حتى القسم ؟!
لن أخبرك كم بعثرت من القرارات عندما رأيت عزت ،و كم كنت منجذبة إلى أمانيّ
الضائع كغبيّة...
كان عزت بمواصفاته الظاهرية رجلا مثاليا، كلماته جميلة حد الإبهار... لم
أفكر أبدا قبل قبولي الزواج به ، و لم أتردد لحظة واحدة.
كان اختياري الأول خاطئا ،لكن اختياري"عزت" كان مصيبة أدفع ثمنها غاليا
...فمرضي ليس مرضا عاديا كما تعلمين...
الإيدز مرض الذل ...ذل المصدر،الأعراض ،والمصير...
مع هذا فصدقيني إن قلت لك أنّي لست تعيسة،لأنني عمّا قريب سأغادر هذا الجسد
الذي أتعبته كبواتي...
بعد زواجي به بعدة أشهر ،فقدت كلماته جاذبيتها رويدا ،رويدا ،و كشف "عزت
"عن وجهه الأسود ، أصبح يتغيب عن المنزل بالساعات بحجة العمل، و يعود
مخمورا ، مذهولا، يمتدح جمالي ثم ينام على الأرض...
و في ليلة رمادية ،أذكرها تماما ...عاد إلى البيت،مترنحا ، سكرانا..و
برفقته شقراء كنت قد رأيتها في مكتبه ذات مرة..
-ثلاثة رقم مقدس ...هذه كانت جملته الأولى التي قدم بها عزت عرضه الذهبي!!
صعقت و لم أرد أن أستوعب ما كان يعنيه...
-ماذا تقصد؟!ّ
لمعت عيناه و هو يخبرني كيف يكون لوجود "كارولينا" معنا في السرير ..متعة
أكبر!!
كالريشة عديمة الوزن لعبت بي العاصفة ..مقتلعة ما بقي من خيوط الجاذبية إلى
ذلك الغول ..
بصقت في وجهه و أنا أصرخ : يا عاهر... أخرجها حالا من بيتي ،فتحت الباب
لأطردها ..فطردني...
كانت الساعة الثالثة في صباح كندي بارد،عندما كنت أطرق باب منزل أخي
،مهزومة ..كالعادة...
بعد ذلك بيومين استجمعت قواي ،و ذهبت إلى مكتبه ..لم يكلف نفسه عناء النهوض
عن كرسيه،ولا حتى النظر إليّ..
أخبرته كم هو مقرف ،و كم أتمنى له الموت ...فقاطعني:
لقد كنت مفتونة بثروتي ...أتظنين أني قد اقتنعت بكذبة الحب التي لفقتها؟!
طلبت الطلاق ،فطلقني على الفور قائلا: إن كان زوجك الأول محروم من النساء
،وأراد الاحتفاظ بجاهلة مخضرمة مثلك ،فأنا متخم...
أطلقت على نفسي بعدها اسم "الغبية"،ليس فقط لأنني وقعت في نفس الحفرة مرتين
، بل لأني لم أكن مقتنعة تماما بوجود جانب قذر للحياة ،مع أنني لمست
قذارتها بيدي ..لم أكن متيقنة أن الحيوانات المتوحشة أكثر أنسنة من الكثير
من البشر!!
بعد طلاقي بعدة أشهر ،اتصل بي طبيب لا أعرفه ،وطلب منّي الحضور إلى
المستشفى التي يعمل بها من أجل موضوع هام يتعلق بزوجي السابق .ظننت أن عزت
مريض ففرحت و قلت للطبيب أنه لم يعد زوجي ،و لا يهمني إن مات أو عاش..
فصمت الطبيب للحظات ثم أكدّ قائلا :سيدتي الموضوع يخصك أنت ، من المحتمل أن
يكون عزت قد نقل إليك العدوى... و قد تم الاتصال بجميع من كنّ على علاقة
جنسيّة به ،كي يخضعنّ لفحوصات دموية...
وقد كان توقع الطبيب في محله فعزت السافل الذي كان قد شخّص له مرض الإيدز
بعد التهاب شديد في الرئة ،قد نقل لي المرض..
اليوم هو يومي الأول في المستشفى الجديد ، الذي فضله توأم قلبي (نايا و
تالة) عن سواه ...تشاجرتا كثيرا قبل أن تستقرا على رأي ، لم تفارقاني لحظة
واحدة ...أتعلمين ، أستغرب جدا كيف تحبني هاتين المسكينتين!!
أعرف أن زوجة أخي تعاملهما بقسوة،و أكره أن أتخيل حياتهما في هذه الدنيا
البائسة ...أتمنى أن أموت الآن لأني لطالما آمنت بالتقمص...
عساني يا سيدتي أعود إلى هذه الحياة رجلا ،أسن القوانين ،و أفسر الأديان
...لا لشيء ، فقط لتبقى طفلتيّ بسلام...
التوقيع: أنا متأكدة من أنك الآن مقتنعة بكوني : (غبيّة)
يتبع...
|