E-mail
(عزيزي السيّد "س1":
أعلمُ أنّ رسالتي هذه ستجعلكَ بكلّ بساطة تتّهمني بأنّني أبله، أو متطفّل،
أو ما إلى ذلك من الأوصاف. لا بأس. فأنا لست بصدد الدفاع عن نفسي، ولا أسعى
إلى أن أظهر أمامك في مظهرٍ ناصع يجعلني أحظى بإعجابك. في الملفّ المرفَق
ستجد صورةً لي. وقد تتساءل عمّا يمكن أن تصنع بها. وقد يخطر لك ألاّ تنظر
فيها أصلاً. هنا عند هذه النقطة أجد نفسي مضطرّاً إلى أن أتوسّل إليك ـ
أتوسّل بكلّ ما تعنيه الكلمة ـ ألاّ تحرم نفسك الفرصة للوقوع على حقيقةٍ
أعتقد أنّها ذات معنى بالنسبة لك. كما هي بالنسبة لي أيضاً. لا أرسلُ إليك
صورتي لتتعرّف إليّ، بل لغرضٍ آخر مختلف. قليلاً من الصبر فقط، وستعرف.
دعني، قبل أن أحدّثك عن صورتي، أن أتوقّف عند صورتك أنت. أعني تلك الصورة
التي نُشِرَتْ إلى جانب قصيدتك الأخيرة في مجلّة "المعرفة". سأختصر، ولن
أخوض في التفاصيل، فلديّ شعورٌ بأنّك ممّن يملّون سريعاً. حسناً. منذ وقعتْ
عيناي على صورتك، لا أدري، شعرْتُ بما يشبه الخضّة في روحي. شيءٌ ما كان
منسيّاً، أو مهمَلاً، ثم جاءتْ صورتُك لتوقظه على نحوٍ عنيف كاد يفقدني
صوابي. الحقيقة أنا لا أتحدّث عن صورتك بالذات. أعني ليست صورتُك أنت هي
التي أحدثتْ كلّ هذا في روحي. ماذا أقول؟!. ما أعنيه بالضبط أنّ شيئاً
معيّناً في الصورة هو الذي أودّ التحدّث عنه. باختصار: نظرتُك. وإلى حدّ ما
ابتسامتُك. لا أدري. هذه النظرة ليس لها سوى تفسيرٍ واحد.
هنا قبل أن أكمل اسمحْ لي أن أطلب إليك أن تتأمّل صورتي أنا. أرجوك أن
تتمعّن في نظرتي. نظرتي على وجه الخصوص. وفي ابتسامتي أيضاً. هل لاحظْت؟..
ألستُ محقّاً فيما أريد قوله؟.. طبعاً أنا لم أقلْ شيئاً بعد. لا بأس.
سأحاول..
نظرتُك هذه لا يمكن أن تكون على هذا النحو ما لم تكن مصوّبةً نحو شخصٍ
بعينه. لستُ مجنوناً. أنا أعي ما أقول. وسأدخل في الموضوع مباشرة. اسمعْ.
التماعةُ العينين. هذا القدرُ بالذات من التوهّج الذي يحيط بالحدقتين.
انكماشُ الجلد على نفسه في منطقة الجبين. رائحةُ صابون (Dove)
الدسمة التي تنبعثُ من مكانٍ ما. كلّ ذلك لا يمكن أن يحدث ما لم تكن "ع"
موجودة. لا تقلْ لي إنّك لا تعرفها. "ع" هي التي التقطتْ لك هذه الصورة.
كانتْ أمامك. أستطيعُ أن أراها.. بل لا أشك في أنّها كانت ترتدي فستاناً
أبيض، بكمّين قصيرين، وفتحةِ صدرٍ مدوّرة. هذه النظرةُ ليست هي ذاتها التي
يمكن أن تصدر عن رجلٍ يقف أمام "ع" وهي ترتدي فستاناً أحمر مثلاً، أو بنطال
جينز. مستحيل. ولعلّي لا أبالغ إذا أخبرتُك أنّها كانت دون مكياج على
الإطلاق. أي بكامل طراوتها وصفائها.
حسناً.. عدْ إلى صورتي أرجوك. هل انتبهْتَ إلى أنّ نظرتي وابتسامتي لا
تختلفان عن نظرتك وابتسامتك؟.. هل انتبهْت؟.. السرّ بسيط جداً. ذلك أنّ "ع"
هي التي الْتَقَطَتْ لي هذه الصورة. وكانت حينها بفستانٍ أبيض ذي كمّين
قصيرين، وفتحةِ صدرٍ مدوّرةٍ أيضاً. كانت قد خرجتْ لتوّها من الحمّام، ولم
يُتَحْ لها أن تضع مكياجاً على وجهها..
عزيزي السيّد "س1":
أنا لا أريدُ أن أتطفّل فأطلب إليك أن تخبرني بنوع علاقتك بها. الحقيقة أنا
لست بحاجةٍ إلى ذلك لأنّني ببساطة أعرفه. لا أزعم أنّني صاحبُ قدراتٍ
خارقة، لكنّ نظرتَكَ وابتسامتَكَ تكشفان كلّ شيء. بوسعي أيضاً أن أؤكّد
أنّك كنْتَ قبل لحظات تقبّلها. ابتسامتُك تشي بذلك. أعرفها هذه الابتسامة.
الانفراجةُ الصغيرةُ بين الشفتين تشير إلى أنّ ثمّة كلمة (أحبّكِ) على وشك
الانطلاق. أكاد أسمع رفيف أجنحتها. (أحبّكِ) هذه التي كنْتَ تتهيّأ للنطق
بها ما إن تنتهي عمليّةُ التقاط الصورة هي أشدّ ما استوقفَني. استوقفتْني
درجةُ حرارتها المرتفعة. الريشُ الناعمُ الملوّن الذي يكسوها..
عزيزي:
لا يهمّني كيف تعرّفْتَ إلى "ع". بصدق. يكفيني أنّها سعيدةٌ معك.. طبعاً..
لو لم تكن سعيدةً بالفعل لما كانت نظرتُك وابتسامتُك على هذا النحو. هذه
نظرةُ رجلٍ إلى امرأةٍ سعيدةٍ به..
والآن ستسألني ماذا أريد بعد؟. لاشيء في الحقيقة. أو لنقُلْ إنّه شيء واحد.
أنت تعلم. فعيد ميلادها قريب. أرجو أن تنقل إليها تهنئتي. وإذا كنْتَ قد
فهمْتَني جيّداً، وتريد أن تكون كريماً معي، يمكنك أن تزوّدني بإيميلها
لأرسل إليها بنفسي بطاقة تهنئة.
المخلص
"س2")
("ع" حياتي:
وصلتْني رسالةٌ هذا اليوم من شخصٍ لا أعرفه. نصّ الرسالة وصورة الشخص
تجدينهما في الملفّين المرفَقَين. كان من الضروريّ أن أُطْلِعَكِ على الأمر
أوّلاً. في البداية ظننتُ أنّ الرجل يهزأ بي. لكنّك ستقرئين الرسالة،
وسترين الصورة، وستكتشفين أنّ الرجل لم يكن يكذب.
كيف لي أن أفسّر ذلك؟..
لن أرهق نفسي كثيراً في هذا الموضوع. على أيّة حال فاتني أن أسألكِ عن
أحوالك.
أن أشكركِ أيضاً على باقة الورد التي أهديتِني إيّاها في لقائنا
الأخير. يبدو أنّ لديكم أشياء كثيرةً لا نعرفها هنا.
نوعٌ من الورود لم
أَرَ مثله من قبل. هل تصدّقين؟!.. إنّه يتكاثرُ من تلقاء نفسه. في زيارتكِ
المقبلة سترين كيف غطّى جدرانَ منـزلي وأجزاءً من السقف. حتّى المطبخ.
أمس
اكتشفْتُ أنّه بدأ ينمو قرب حوض الجلي. لا تتأخّري عنّي. يجب أن أراك
الليلة. لا. لن أفتح معك سيرة الرجل صاحب الرسالة. صدقاً.
الموضوع لا
يهمّني. كنت أتساءل فقط عمّا إذا كنت تفضّلين أن أزوّده بإيميلك كما طلب..
هنالك أمر آخر.. لا أدري.. هل أخبره بالحقيقة؟.. أأقول له: "تُوفّيَتْ منذ
عامين. لكن اطمئن. إيميلُها ما زال شغّالاً. تستقبل الرسائل عليه. أنا
شخصيّاً أراسلها دائماً عبره. في كلّ يومٍ تقريباً. وأحياناً عدّة مرّاتٍ
في اليوم الواحد.
المشكلةُ فقط أنّها لا تستطيع أن ترسل منه شيئاً. والسبب
كما ترى واضح"؟... أم تريدين أن تتولّي الأمر بنفسك، وعلى طريقتك؟.. أن
تقومي بزيارةٍ له في أحد أحلامه كما تفعلين معي دائماً..؟
بانتظارك.. قبلاتي.."س")
ديجيتال
وهكذا.. قرّرتُ أن أقطع علاقتي بكِ. قرّرتُ أن أضع حدّاً لكلّ هذا. وكان
الأمر سهلاً. غريب!.. ما من ألم. ما من حنين. كما لو أنّ شيئاً لم يحدثْ.
غريب!.. لم أحتَجْ إلى وقتٍ أطولَ ممّا تستغرقُه عبارة (لن أحبّكِ).. أقلّ
من ثانية.. وفعلاً، لم أعدْ أحبّكِ..
قلبي الآن صفحةٌ بيضاء. تماماً. كأن لم تكوني. غريب!.. طبعاً لا أعني أنّني
عدتُ كما كنتُ قبل أن أعرفك. هنالك على الأقلّ ذكريات ما زلتُ أشعر بها.
لكنّني أؤكّد لكِ أنّها شبه ميّتة. أو لنقلْ لم يتبقّ منها سوى جذور. أشياء
صغيرة تكاد لا تُرى.. قبلات.. رسائل.. لحظات وداع.. هدايا.. وأشياء من هذا
القبيل. تعرفين. المرء لا يستطيع أن يجتثّ كلّ شيء دفعةً واحدة. المهمّ أن
لا يكون لتلك الأشياء تأثير واضح على حياته. وهذا ما أشعر به الآن. أذهبُ
إلى العمل يوميّاً. واجباتي أؤدّيها على أكمل وجه. سمعتي طيّبة لدى رؤسائي.
حياتي طبيعيّة جدّاً جدّاً. هنالك مشاريع كثيرة أفكّر بها. رحلة إلى مصر
مثلاً. حلمي القديم الذي تعرفينه. الآن بدأتُ أخطّط له جدّيّاً. أقول لكِ
سرّاً؟.. خطر لي أمس أن أتّصل بك لترافقيني في هذه الرحلة. لكنّني تذكّرتُ
أنّني لم أعد أحبّك. طبعاً، لن تستمتعي برفقة رجلٍ لا يحبّك. الأفضل إذاً
أن أسافر وحدي. لا بأس. أعتقد أنّني لن أشعر بالفراغ. سيكون لديّ ما
يشغلني. الأهرامات وأبو الهول والقاهرة القديمة.. وإذا بقي لديّ وقت قد
أتّجه جنوباً. الأقصر. الكرنك، وحتشبسوت. أبو سمبل.. اشتريْتُ كاميرا
جديدة. ديجيتال 8 ميغا بكسل مع مانع للاهتزاز ومؤقّت ذاتي. هذه اللحظات يجب
أن توثّق. تعلمين حجم ولعي بتاريخ مصر. وأنتِ كذلك. الحقيقة أنّكِ أنتِ من
نَقَلَ لي هذا الولع. أنتِ وُلِدْتِ في مصر. وعشْتِ فيها سنواتِ طفولتك
الأولى قبل أن تقرّر أسرتُك الإقامة في دُبي. في البداية كنتُ أتضايقُ من
أحاديثك التي لا تنقطع عن مصر. لكنّني مع مرور الوقت وجدتُ نفسي مهتمّاً
بالأمر. في معرض الشارقة قبل أسبوعين اشتريتُ كتاب (شخصيّة مصر) لجمال
حمدان. طبعاً الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ أنتِ التي أهديتِني إيّاها. هل
شكرتُكِ حينها؟.. أعتقد أنّ القبلة الأطول في تاريخ علاقتنا كانتْ في هذه
المناسبة.. على أيّة حال، هداياكِ كانت كلّها من هذا النوع الجميل.. هل
تذكرين عندما اعترضتُ على كثرة هداياك؟.. ردّكِ مازال حاضراً في ذهني،
ويضحكني كلّما استعدْتُه:
ـ إلى أن تكفّ عن شكري بهذه الطريقة..
وأنتِ أيضاً كانت لكِ طريقتُكِ المغرية في الشكر.
أقولها لكِ بصراحة: لم يخطرْ في بالي على الإطلاق أنّني لن أحبَّك. لكنّ
المستحيل وقع. غريب!.. تصورّي. صفحة بيضاء. أقسم لكِ أنّها صفحة بيضاء. ومن
يدري ففي مصر قد لا أتذكّرك؟!. لا أستبعد شيئاً. سأكون مشغولاً تماماً.
وحتّى لو كان لديّ وقت لن تكوني أنت من سيملؤه. لا تنسي أنّني لم أعد
أحبّك. ومع ذلك تراودني في هذه اللحظات فكرةٌ ما. ما رأيكِ لو سافرتِ أنتِ
أيضاً؟.. لا أعني طبعاً أن تكوني معي. أن تجلسي إلى جانبي في الطائرة..
بإمكانك أن تحجزي في مقعد آخر. وفي الفندق يمكن أيضاً أن تختاري غرفة أخرى.
وإذا حدث والتقينا مصادفةً في الممرّ ليس من الضروريّ أن تحيّيني بحرارة.
كلمة (صباح الخير) تكفي. وإذا أردتِ فاتْركي الأمر لي. أنا الذي سأقولها.
ولا يبقى عليك سوى أن تردّي بابتسامةٍ صغيرة مع هزّة رأسٍ خفيفة.
فرصة لا تعوّض صدّقيني. أن تستعيدي طفولتك قليلاً. دعوتي هذه بريئة تماماً.
أنا أصلاً لم أعد أحبّكِ. لا تخشي شيئاً. ودعي عنكِ كلّ هذه الوساوس. لكن
عليّ أن ألفت نظركِ إلى أشياء معيّنة قد تحدث. من الممكن أن أحتاج إلى من
يلتقط لي صورةً أمام الأهرام مثلاً. لا أريد أن أغامر فأكلّف أحد المارّة
بذلك. قد لا تكون لديه المهارةُ الكافية. هذه صور للتاريخ. لذلك لا بدّ أن
تكون لمن يلتقطها العينُ المدرَّبة نفسها التي تمتلكينها. لا أظنّ أنّ ذلك
سيزعجك. ولا تخشي، فلن أشكركِ بالطريقة إيّاها. لقد نسينا الماضي. نحن
نتصرّف كما لو أنّنا نلتقي للمرّة الأولى. افْترضي ذلك. الأمر ليس صعباً.
ولنتعاملْ على هذا الأساس.
في المساء قد تجمعنا المصادفة على باب أحد المطاعم. ستكون هذه فرصتي
الذهبيّة للتعبير لك عن امتناني للصور التي التقطْتِها لي ظهيرةَ هذا
اليوم. لا أتوقّع أنّك سترفضين دعوتي للجلوس إلى طاولةٍ واحدة. اعْتبريها
مجاملة. وهي كذلك بالفعل. نعم. صدّقيني. سيكون هذا هو إحساسي بالضبط.
الأجواء داخل المطعم هادئة ومريحة. غيتار وبيانو. أضواء خافتة. يُضاف إلى
ذلك كأسا البيرة اللذان شربتُهما. لا أقول إنّني سأفقد وعيي، لكنّها كلمات
لا بدّ أن تُقال في مثل هذا الموقف. أمر تصعب السيطرة عليه:
ـ أنتِ جميلة فعلاً..
كلماتي هذه ستصدمُك قليلاً، لكن ثقي أنّها ليستْ مبنيّةً على مشاعر قديمة.
هذه المشاعر لم يعدْ لها وجود كما تعرفين. هي مجرّد كلمات، ولا ينبغي أن
نحمّلها أكثر ممّا تحتمل.
عند باب غرفتك سأودّعُك متمنّياً لكِ ليلة سعيدة. لا أدري إذا كان من
المناسب أن أطلب منك مرافقتي في جولةِ غد. لن يفاجئني موقفُكِ إذا اعتذرتِ،
لكنّني سأحاولُ إقناعَك. لن ألحّ كثيراً. أنا أصلاً لم أفعلْ ذلك إلاّ من
قبيل الرغبة في إضفاء نوعٍ من الحيويّة على جولاتنا عبر تبادل الآراء
والانطباعات ووجهات النظر والاقتراحات.. أمّا إذا كنْتِ لا تفضّلين ذلك،
فلا ضرورة إليه على الإطلاق.
في الصباح سأراك عند مدخل الفندق. سأتظاهر أنّني لم أركِ. طبعاً. فأنا حريص
جدّاً على ألاّ أترك لدى الآخرين انطباعاً عنّي بأنّني من النوع المتطفّل
الذي يسعى إلى فرض نفسه في مناسبة أو غير مناسبة. لكنّكِ ستنادينني باسمي.
سألتفتُ نحوك بطريقةٍ تدلّ على أنّني لم أنتبهْ إلى وجودك. سأحاول أن أرسم
على وجهي ملامح تدلّ على المفاجأة.
ـ عفواً.. لم أركِ..
ـ كنت أتساءل عمّا إذا كان من الممكن مرافقتكَ في جولتك..
ـ طبعاً.. طبعاً.. بكلّ سرور..
سيكون يوماً جميلاً. لا لأنّك كنتِ برفقتي. بصراحة. لكنّ الأماكن التي
زرْناها كانت مدهشة. الزحامُ في بعض الأسواق كان مزعجاً أحياناً. الأجسادُ
كانت تتلاصق. والأكتافُ يضرب بعضُها في بعض. خشينا أن يفقدَ أحدُنا الآخر.
أنا الذي خشيت. أمسكْتُ بيدك. كانتْ متوهّجة. درجةُ حرارةٍ شديدةُ
الارتفاع. وأظنّ أنّ السبب يعود إلى الإرهاق الذي بدأ يشعر به كلانا. ما من
سببٍ آخر محتمَل. نبضاتٌ سريعةٌ قويّة. وحين نظرتُ إلى وجهك لاحظْتُ أنّكِ
كنْتِ في حالة ذهول. الأفضلُ إذاً أن نُريح أنفسنا قليلاً.
في اليوم التالي كنْتُ أنا بانتظاركِ عند مدخل الفندق. وعندما وجدْتُ أنّكِ
لم تنتبهي إليّ اضطررتُ إلى مناداتك باسمك..
ـ عفواً.. لم أركَ..
ـ ليس لديّ برنامج محدّد اليوم.. هل تعرفين مكاناً مناسباً يمكن أن
نزوره؟..
أنا لا أحبّكِ كما تعلمين.. وليست لديّ النيّة في استدراجك إلى أمرٍ ما..
لكنّك في مساء هذا اليوم أخبرتِني عن عزمكِ على المغادرة صباحاً. قلتِ لي
إنّ ميزانيّتكِ توشكُ على النفاد. الحقيقة أنّك فاجأتِني بذلك. عرضتُ عليك
المساعدة، لكنّكِ رفضْتِ. حسناً ما من حلّ آخر. سأبقى هنا عدّة أيّام أخرى.
سأفتقدكِ حتماً. فقد كنتِ رفيقة سفرٍ مسلّية. لكنّني سأقترح عليك حلاًّ
أخيراً. لا أدري إن كان ذلك سيرضيك أم لا.. لكنّه قد يكون مناسباً في حال
فهمْتِه فهماً صحيحاً، ولم تفسحي المجال لسوء الظنّ أن يفسد الأمر عليكِ
وعليّ:
ـ ما رأيكِ لو تركْتِ غرفتَك، وانتقلتِ للسكن معي في غرفتي؟.. بهذه الطريقة
يمكن أن توفّري ما يكفيكِ للاستمرار ثلاثة أيّام أخرى على الأقلّ..
ـ ألن أزعجَكَ؟..
ـ طبعاً لا..
في سريرٍ واحد.. ذوقُك في اختيار قمصان النوم لم يتغيّرْ. مثيرة.
ومُرْبِكة. ماذا أفعل؟. أنا لا أحبّكِ. لكنّ قميص نومِكِ يفعل فعله. يدي
التي تصطدم بالجزء المكشوف من الصدر. شعرُكِ الذي يقذف هواءُ المكيّف ببعض
خصلاته نحو وجهي. غريب!.. رغم أنّ قلبي كان صفحةً بيضاء (أقسم أنّه كان
كذلك) لكنّه يتصرّف بطريقةٍ غير مفهومة. يخيّل لي كما لو أنّ حجمه قد
تضاعف. لا أحبّكِ. لكنّ قلبي يتململ. يدُكِ هذه المرّة هي التي اصطدمتْ بي.
لا شكّ أنّها مصادفات قادتْ إليها ظروفُ نومنا المشْتَرَك. من الغباء أن
نفكّر في أسبابٍ أخرى. من الغباء أن تذهب بنا الظنونُ أبعدَ من ذلك..
غداً يومُ عودتنا. دعينا إذاً نستعرض هذه المئات من الصور التي التقطْناها.
لنركّزْ خاصّةً على الصور التي تجمعنا. تستوقفُكِ تلك الصورةُ التي تنظرين
فيها نحوي بطريقةٍ غاضبة. تضحكين وأنت تتذكّرين شقاوتي. أمّا أنا فتستوقفني
صورتُنا في الحمّام، حيث تغطّي رغوةُ الصابون جسدينا. تطلبين إليّ أن
أرسلها إلى هاتفكِ بالبلوتوث. أعتقد أنّ لدينا صورةً تشبهها. تذكرين. صورة
قديمة. حين كنتُ أحبّكِ. قبل أن أتّخذ ذلك القرار الغبيّ. قراري في ألاّ
أحبّكِ..
|