أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

دراسات أدبية للكاتب: احمد محمود محمد القاسم

دراسات في أدب المرأة في العالم العربي 10

إلى صفحة الكاتب

 

لقراءة الدراسات

 

 

الدراسات

أحلام مستغانمي والكتابة في لحظة عري

الجرأة والصراحة في كتابات وأسلوب زينب حفني

قراءة في رواية الكاتبة والأديبة زكية خيرهم: نهاية سري خطير

وتبقى الأنثى هي الأصل

 قراءة بين السطور في قصة (الأوبة) للكاتبة: وردة الصولي

وراء كل عذاب امرأة رجل

أدب المرأة والمرأة السعودية

لغة الجنس عند الكاتبات والأديبات العربيات

 قراءة بين السطور في رواية زينب حفني - ملامح

  قراءة في رواية (أنثى العنكبوت) للكاتبة السعودية قماشة العليان

 

 

الجرأة والصراحة في كتابات وأسلوب زينب حفني

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

زينب حفني كاتبة وشاعرة وقاصة وروائية سعودية الجنسية، من مواليد مدينة جدة، تخرجت من كلية الآداب، جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1993م، بدأت العمل في الصحافة عام 1987م، وتنقلت في عدد من الصحف المحلية والخليجية والعربية،  تم توقيفها عدة مرات، بسبب صراحتها وجرأتها في الكتابة، في قضايا إنسانية، تمس الواقع الاجتماعي داخل وطنها، مقالاتها فيها بُعد اجتماعي وإنساني وسياسي.

 

صدر لها عدة روايات: "رسالة إلى رجل" وجدانيات عام 1993م، و لها ثلاث مجموعات قصصية:  "قيدك أم حريتي" عام 1994م، و "نساء عند خط الاستواء" عام 1996م، "هناك أشياء تغيب" 2000م، أحدثت مجوعتها القصصية " نساء عند خط الاستواء" الكثير من النقاش عند صدورها لجرأة محتواها في الكشف عن المستور، مما أدى وقتها إلى توقيفها عن الكتابة، ومنعها من السفر.

 

كتابها "مرايا الشرق الأوسط" يضم قسم كبير من مقالاتها التي نشرت في صحيفة الشرق الأوسط الدولية عام 2001م ورواية " لم أعد أبكي" صدرت عن دار الساقي عام 2003م و"إيـقاعـات أنثويـة" قصائد نثرية صدرت عن دار مختارات عام 2004م.

 

صدر لها مؤخرا رواية "ملامح" عام 2006م عن دار الساقي، ولها رواية حديثة بعنوان (سيقان ملتوية)، شاركت في الكثير من المعارض العربية والمنتديات والندوات، التي تهم المرأة والحوارات الديموقراطية والإصلاح السياسي وحرية التعبير.( حسب ما جاء في موقع القصة السورية من سيرتها الذاتية).

 

تتمتع زينب حفني بأسلوب وكتابة سلسة، ممتعة وشيقة ومشوقة جدا، وذات وقع حسن على القاريء بشكل عام، حيث تشده بقوة جارفة، الى قراءة رواياتها وقصصها، لما تتمتع به من أسلوب مميز، في سردها للأحداث والمواقف، إضافة الى أنها تجيد استخدام الصور والمواقف الجنسية المعبرة وتوظفها جيدا في خدمة النص، بإيحاءات لذيذة وشيقة، يتمشى كثيرا مع رغبات القاريء العربي، والذي حرم من مثل هذه القراءات والتمتع بها عقودا طويلة من الزمن، ولم يتعود عليها في مطالعاته الثقافية، أثناء حياته، على مثل هذه الكتابات الصريحة والجريئة، بسبب ما تمنعه وتحرمه أنظمة الرقابة العربية على مثل هذه الكتابات، خاصة وأن مثل هذه القصص والروايات أصبحت تكتب من قبل نساء عربيات، خرجن من مجتمعات عربية تعرف بأنها محافظة، فكانت الرغبة من قبل القاريء العربي جامحة، لمعرفة ما تكتبه المرأة العربية في هذا المجال، خاصة بأنه كان ومازال مستهجنا كثيرا أن تكتب الكاتبات العربيات بهذا الأسلوب والمجال وبهذه الجرأة، لهذا ظهرت الجرأة والصراحة بشكل مكثف من قبل الكثير من الكاتبات والأديبات العربيات.

 

في عصر العولمة والتقدم الهائل في الاتصالات والمواصلات، والتدفق العلمي الكمي والنوعي للثقافات والمعلومات من شتى أنحاء العالم، لم تعد هناك القدرة لفلترة المعلومات والثقافات والعادات والتقاليد حسب رغبة الأنظمة العربية الحاكمة أو حسب رغبة كل فرد أو جماعة متطرفة، فالإنسان يقبل على ما يعجبه، ويبتعد عن كل ما لا يعجبه، وهذا من مباديء الديموقراطية الحقة، وتقول الروائية زينب حفني إنه "في كل شخصية من شخصيات أعمالي شيء مني، وأكتب ما أراه شخصيا، وليس ما هو بداخلي، لأني لو كتبت ما بداخلي، فالأفضل أن أكتب سيرتي الذاتية".

 

لنقرا بعضا مما كتبته الكاتبة والأديبة زين حفني في روايتها (ملامح)، عندما كانت في سن المراهقة، وكيف بدأت تتفتح أحلامها وأفكارها، وتبحث عما يحدث خلف الأبواب المغلقة:

(تتذكر يوما كيف أن والدتها دخلت سريرها للنوم مع زوجها، وكيف أنها حاولت التلصص عليهما، من خرم الباب المغلق، وكيف أنها شاهدت والدها وقد أقبل عليها باندفاع شديد، وغطى جسدها بسيل من القبلات، على كافة أنحائه، بحيث لم يبق منه جزءا واحدا لم يقبله، وهي تنظر اليهما من خرم الباب، وتمتع نفسها، وتستمتع بنظرها، وهي ترى أمها تتأوه من شدة الألم والمتعة، الى أن انتشت، ووصلت في نشوتها الى الذروة، فهمت بالذهاب الى الحمام، كي تغسل ما قد يكون علق بجسدها، مما دفعها الى الهروب سريعا الى غرفتها، خوفا من أن تراها والدتها).

 

في موقع آخر من الرواية تقول زينب حفني، كيف أن الزوج يتحايل ويخترع الأعذار حتى يترك زوجته مع أحد ضيوفه كي يستغلها جنسيا بموافقته لأهداف دنيئة وحقيرة، علما كما يقال، أنهم في مجتمع محافظ:

(يقول حسين، زوج ثريا، بعد أن تعود على إحضار زملائه وأصدقائه الى سرير الزوجية الخاص به:كنتُ أوهم زوجتي وضيفي، بأن أمراً يستدعي خروجي، لأتركهم يتصرفان على سجيتهما، لكنني في حقيقة الأمر، كنتٌ أعود متسللاً، أمشي مشية سارقٍ محترف، أمدُ رأسي، لأشاهد بأم عينيَ براعة زوجتي، وقدرتها على إمتاع الرجل، الذي معها، كانت هذه المشاهد تثيرني، وعندما أختلي بزوجتي، أندفع نحوها كالمسعور، ومشاهد التصاقها بالآخر، تُلهب مخيلتي).

 

في قصتها (إيقاعات أنثوية محرمة)، تفصح كيف كان شعورها مع رجل مارست الجنس معه كانت تحبه، وكيف فهم أن مقابل ممارسته الجنس معها عليه أن يدفع الثمن لها دولارات كما كان يفعل مع المومسات:

(استيقظت مبكراً على سخونة جسده الملاصق جسدي، تناهى لسمعي صوت المطر المنهمر بالخارج، لم يتوقف عن التساقط منذ ليلة البارحة، ابتسمت، شعرت بسعادة تغمرني من أحداث الأمس، لم أتوقع الإقدام على مثل هذا الفعل، أزحت ذراعه المطوقة خصري برفق، نظرت لقسماته النائمة، حاولت إيقاظه بالعبث في شعر رأسه الداكنة اللون، نظر صوبي من تحت جفني عينيه المثقلتين، ثم أدار وجهه عني، مد ذراعه تجاه حقيبة صغيرة موضوعة على المنضدة بجواره، فتحها، غاص بيده فيها، أخرج حفنة من الدولارات، وضعها بجانبي، عاد للنوم مرة أخرى، شعرت بسخونة تسري في شراييني، إحساس بالخزي والعار يتملكني، كأنني أتعرّى من ملابسي لأول مرة في حياتي، لكزته في خاصرته قائلة بنبرة مضطربة " ما هذا!!" أجابني بصوت ناعس " حقك، خذيه، ودعيني أكمل نومي.." دقات قلبي تلاحقت، أحسست برغبة في التقيؤ، والبكاء، والصراخ، والهروب من هذا المكان الذي غدا مقززا، تمنيت لو واتتني الشجاعة لصفعه على وجهه، رميه بأقذع الشتائم، تحاملتُ على نفسي، قذفت بملء يدي رزمة النقود، تبعثرت في أرضية الغرفة، ارتديت ملابسي على عجل، متحاشية النظر صوب الرجل الذي عاد يغطُّ في النوم. صفّقت الباب خلفي بعنف، مرددة بوجع " لست مومساً، لست مومساً") هذا هو شعور الكثير من الرجال نحو نساء يمنحوهن أجسادهن ليتفاعلوا معهن، وليستمتعوا معا برهة من الوقت، يعتقدوا أن كل النساء مومسات، ولهذا يستحقن ثمنا مقابل ذلك، ولا يفكروا للحظة واحدة، ما هو الذي رماهن على المر، سوى الأمر منه، وليست القضية موضوع نقود دائما.

 

وفي موقع آخر من القصة تقول زينب حفني، عن زوجات كثيرات، يخن أزواجهن خارج العلاقات الزوجية، بحثا عن المتعة والنشوة، وكيف ينظر الزوج لهن، عندما يمنحوه كل ما لديهن من اجل إشباع رغبته، وحتى في حالة تمنعهن، فهن في كلا الحالتين مغضوب عليهن، ولا حمدا ولا شكورا:

(تذكرت ليلة الأمس.. كيف واتتني الجرأة على إزاحة الستار عن هذا الجسد، لشخص لا يربطني به عقد زواج!! هراء..أعرف كثيرات يخنّ أزواجهنّ، لهنّ علاقات خاصة، يبحثن عن متعهنّ خارج أسوار الزوجية، يرفضن الاعتراف والخضوع لعقد الملكية. تبّاً للرجل، إن أعطته المرأة ازدراها بعد أن تُصيبه التخمة منها، وإن ضنّت عليه اتهمها بالرجعية والتخلف، تُراني امرأة مبتذلة لتفكيري هذا!! منظر النقود يلوح في ذهني، يتملكني الغيظ والحنق، أتيت باريس للترويح عن نفسي، عندما التقيتُ بهذا الرجل، لم تردعني وصايا أمي، وتهكمات مطلقي في معاودة تذوّق طعم التجربة من جديد.).

 

وفي موقع آخر من إيقاعات أنثوية تقول، كيف أنها سلمت نفسها لمن تحبه لأكثر من ثلاثة سنوات، وبعد زواجه منها تحت إلحاحها بشهرين، عمد على تطليقها كونها سلمته جسدها قبل زواجه منها، هكذا يكافيء الرجل امرأة، وثقت به وماتت حبا به، فيتزوجها ويكافئها بالطلاق:

(أول مرة التقيت بزوجي كان في حفل مختلط، ذهبت إليه دون علم أهلي، تحفّظت في الحديث معه، توجسي منه طغى على إعجابي به، نجح بيسر في إيقاعي بأساليبه المحترفة، أحببته بعنف، من أول خلوة لنا سلمته نفسي، اخترقت العالم المجهول الذي حذرتني دوماً أمي من الاقتراب منه، تذوقت المحظور بشغف بالغ، استمرت علاقتنا ثلاث سنوات، تقدّم بعدها لخطبتي بعد إلحاح شديد مني، طلقني بعد شهرين من زواجنا، شكّه كاد يدمرني، في إحدى مرات شجارنا سألته معاتبة " لماذا تُحيطني بهذا الكم من الشك والريبة؟" أجابني باستخفاف "كيف أثق بامرأة وهبتني جسدها قبل أن أتزوجها!!". هربت من جحيم شكه، قررت نسيان تجربتي الأليمة).

 

وفي قصتها (امرأة على فوهة بركان) تقول عن زوجها وإهماله لها، وعدم تلبتيه احتياجاتها والإحساس بها وبمفاتنها، وإظهار فنونه مع الخادمة مستغلا خروج زوجته من المنزل:

(وقفت المرأة أمام المرآة، نظرت بحسرة إلى معالم جسدها، وقع بصرها على حلمتي ثدييها، لاحظت إنتصابتهما، لوت شفتيها، أدارت رأسها ناحية زوجها، كان يغطُّ في النوم، رشقته بقرف، صوت شخيره ضاعف نفورها، أشاحت بوجهها عنه، حشرت ثدييها في حمالة صدرها، أكملت ارتداء ملابسها، سحبت عباءتها من المشجب، دلفت لغرفة الجلوس، رمت عجيزتها على الأريكة، ألقت بصرها على التلفاز، أخذت تُقلّب قنواته بالريموت كنترول وهي شاردة بذهنها بعيدا عن مشاهده، رن جرس الهاتف، أعادها لأرض واقعها، هرعت بلهفة نحوه، تحدثت بصوت منخفض، ارتسمت الفرحة على معالم وجهها، شيء من الارتياح تسرّب لدواخلها المضطربة بعض الشيء، ارتدت عباءتها على عجل، صوت زوجها القادم من مخدع النوم اخترق سياج غبطتها،   اتجهت صوب الغرفة، سألته بجفاء "ماذا تريد؟!".

 

سألها بنبرة ناعسة "أين ذاهبة؟!". 

"لشراء بعض الأغراض قبل حلول المساء، وسأمر في رجوعي على مروه صديقتي".

رمقها بطرف عينه، قائلا بنبرة معاتبة "لم تعودي تحبينني".

أجابته بتأفف "عدنا لنفس الموشح، لندع العتاب جانبا"، أولته ظهرها متابعة القول بنبرة هازئة "إذا رغبت في شيء ستجد الخادمة، هي دوما رهن إشارتك".)

وفي موقع آخر من القصة تقول زينب حفني، كيف كانت توقعاتها وحدسها حقيقة فعلا، وكيف أن زوجها شاهدته متلبسا في وضع مشين مع الخادمة، وهنا جن جنونه وأعلن توبته لها واعتذاره الشديد، لكنه يعاود الكرة مرة تلو الأخرى، لأن من شب على شيء شاب عليه:

(شعرت بالاختناق من أجواء البيت الكئيبة، هرولت إلى الخارج -------لاحت لها صورة زوجها، وأحداث تلك الليلة القاتمة، لم تكن قد أكملت عاماً على زواجها، أخبرته أنها مضطرة للمبيت عند أهلها بمكة، عدلت عن رأيها بعدما تشاجرت مع أختها الصغرى، أصرّت ليلتها على العودة لجدة، ما أن أدارت المفتاح في باب الشقة ودلفت إلى الصالة حتى سمعت فحيحاً، يصدر من غرفة نومها، انقبض صدرها، مشت على أطراف أصابعها، شعرت بالأرض تدور بها وعيناها تقعان على زوجها وفي أحضانه ترقد خادمتها الآسيوية على سريرها. أصابها الوجوم، قام يجري كالفأر المذعور، قدّم بعدها اعتذارات وتبريرات واهية، طالبا الصفح والغفران، وعدها أنه لن يعود لمثل هذا التصرف مرة أخرى، لمحته في مرات لاحقة وهو يداعب خادمتها الجديدة، يضربها على مؤخرتها بشهوة مفضوحة، وهي تتمايل أمامه بأنوثة مفضوحة. توالت الحوادث، وتكرر الأسف).

 

هذه هي الكاتبة والأديبة السعودية زينب حفني، تعرفها كثيرا من صراحتها ومن جرأتها في الكتابة والسرد، لا تحب الكذب والنفاق، تسرد كل شيء على حقيقته بأسلوب شيق وممتع، تمتع به قراءها ومحبيها، لا تخفي شيئا طالما يمارس على ارض الواقع، بشغف وحب وثقة وبقناعات داخلية ذاتية، لما الخوف والهروب؟؟ إذا كانت هذه حقيقة عقلنا الباطن، ورغباتنا المكبوتة التي نبحث عنها ونرغبها ونتمتع بها حسب أمزجتنا، ما أهمية إخفاؤها إذن، إذا كانت أغلبية ساحقة تحب ممارسها أو تحب أن تقرأها أو تسمع بها ؟؟؟

أضيفت في15/09/2008/خاص القصة السورية/ المصدر الكاتب ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

 

 

أحلام مستغانمي والكتابة في لحظة عري

 

 

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

ما كتبته أحلام مستغانمي أيام السبعينات، مجموعة أفكار وخواطر ورسائل، بعنوان الكتابة في لحظة عري، بهذه الكتابة، تصر أحلام مستغانمي أن تعبر بصدق مرة أخرى، وتجسد كتاباتها التي اعتادت عليها، وهو الجمع بين السياسة والحب الرومانسي، وبأسلوب ممتع وشيق، تشد القاري الى كتاباتها شدا، وتبقيه عند حسن ظنه بها، وكما عودته دوما في كتاباتها، من تشويق شديد، ومتعة بالكلمات منتقاة بإبداع، جمل موسيقية عذبة، وتعابير مجازية رائعة، أفكار إبداعية مبتكرة. لنقرأ هذا الغزل الرومانسي مع فدائي فلسطيني زارها مرة في الجزائر، صدفة، كان قد تعرف عليها من خلال صديق جزائري أيضا:

((إلى الفدائي الذي منحني كلّ الأسماء...إلا اسمه! من أين عاد وجهك إليّ هذا المساء؟ كيف أطلّ وسط هذا الحزن الخريفي؟ أكتب إليك، وخلف شباكي تبكي السماء، في ذاكرتي صور كثيرة لنا في كل المواسم، تصوّرت قبل اليوم، أنني قد أستقبل الفصول معك، يبدو أنني سأظلّ أستقبلها وحدي، لا زلت أجوب شوارع التاريخ، أبحث عن وجهي الضائع الملامح، في وجوه السواح والغرباء، في وجوه الثوار والزعماء، ذاكرتي، عشرات الرجال، من كل قارات العالم، جسدي لم تبق عليه مساحة صغيرة، لم تتمرغ عليها شفاه رجل، تغرّبت بعدك كثيرًا، في غربتي الكبرى، يحدث أن أجمع أحزاني على كفيك، وانتظر المعجزة، يحدث أن أسرق منك قبلة، وأنا أسير في المدن البعيدة مع غيرك، يحدث أن أتسلل معك، نحو عنب الخليل.. أن أزحف معك على الأرض الطيبة، وأسقط الى جوارك متعبة، أيمكن لقلبك أن يحملني عندما يجب أن يخف الحمل؟!

أيمكن أن نحقق هناك، كلّ الأحلام التي لم تكتمل؟ كم كنت حزينة بعدك، ولكن صورتك وحدها سافرت وعادت معي، صورتك وحدها نامت معي في فنادق العالم، وشفتاك وحدهما اللتان أرتعش لهما جسدي، ذات مرة، أتاني صوتك من بعيد، كنت سائحة غريبة في بلد غريب، حاولت أن أراك كما أردتك أن تكون، وكانت سماء حيفا ماطرة.. ولم أكن هناك، فحسدتك)).

وتتابع أحلام مستغانمي كتابتها وهي في لحظة عري، بعد أن كانت قد لبست أحلى فساتينها، وبدأت تكتب الى فتى أحلامها، رسالة للتعبير عن مكنونة خلجاتها، وهي لا تقصد إيصالها إليه في ذلك الوقت، بأسلوب عذب وموسيقي، تطرب له الأذن، وتتراقص معه أجزاء الجسم، من الرأس، وحتى أخمص القدمين، فتجعلك تسبح بكلماتها، ببحر من النشوة والسعادة والحب، رغم حرب السادس من أكتوبر المجيدة، في العام 1973م، وآثارها المحزنة والمفرحة، على الإنسان العربي من المحيط الى الخليج، لكثرة ما أصاب الأمة العربية من دمار، وسقط منها من شهداء، ولكن كما حللوها لهم قادتهم، فقد حققوا النصر المنتظر:

((كبر الحزن أيّها الرفيق، في هذه المدينة، لا يأتي الصيف أبدا، الرياح لا تفارق السماء، وأنا متعبة، عندما تغلق كل الأبواب، أرتدي أحلى فساتيني، وأجلس لأكتب إليك.

تتحدّث اليوم، آخر الأخبار عن الكيلومتر 101، يتحدّثون طويلا عن رقم، لم يكن في ذاكرة الشهداء. لأن الماء يغلي في درجة المائة، وأنا أصبحت أغلي بدرجة المائة وواحد، سأخلع أحلى فساتيني، وأكتب إليك عارية، سعداء أولئك الذين ماتوا، وهم يعتقدون أنهم تجاوزوا المائة وواحد، ومنحونا رقمًا مطلقًا، سأكتب شيئًا عظيمًا هذا المساء، ظروفي تساعد على الجنون)).

وتتابع أحلام كتابة رسائلها، دون أن ترسلها لأحد، سوى ذاتها، وهي في خضم نتائج حرب أكتوبر، في العام 1973م، وتنتقد مواقف بعض الأنظمة العربية بأسلوبها الخاص والمميز من موضوع الحرب فتقول:

((لا زلت أشتري الجريدة كلّ صباح بحكم العادة، لا زالت القاهرة تتردّد، وبغداد ترفض، ودمشق تقاوم، وعمّان تتفرّج، وبيروت ترقص، ولا زلت أكتب إليك عارية)).

وبهذا تخلط أحلام مستغانمي، لغة الحب، بلغة الحرب والسياسة، وتضفي على جوها، جوا رومانسيا هادئا، مشوبا ببهجة حزينة، حزينة وعاطفية ومتفاعلة، ومتفائلة بأجواء السلام، متشائمة من أجواء الحرب، وتبقى أحلام، تفكر وتكتب، ما يجول في خواطرها من أشجان وهموم وأحلام، من حزن وعشق وشوق ومتعة، الى حزن، من جرح عميق في القلب، أصابها، كما أصاب يومها، أبناء الأمة العربية، من المحيط الى الخليج، لنتائج الحرب المدمرة. وتواصل أحلام حلمها في الكتابة، بعد أن تأكدت من انتهاء حرب أكتوبر المعنونة بالهزيمة والانتصار، في آن واحد، وبدأت تسمع بالاتهامات والشتائم العربية المتبادلة، بين أنظمة الحكم العربية في كل من سوريا وجمهورية مصر العربية، والأردن، وغيرها من الدول العربية، من المحيط الى الخليج، فتكتب وتقول:

((أصبح الآن مؤكدًا أن الحرب قد انتهت، لقد تبادلنا الأسرى والموتى والفرح والتعازي والشتائم، والشعارات والتهم..وكثرت الأوسمة على الصدور،أسأل نفسي هذا الصباح، أين يمكن أن تكون؟ كلما تذكرت آخر لقاء لنا، شعرت بالخوف عليك، أعيد قراءة رسالتك الوحيدة، أتوقف عند الجملة الأولى:أنت مفاجأة جميلة، شعرك الأسود، بقدر حقدي التاريخي، يشكل هالة قدسيّة على ملامحك الأبديّة، ربما كان هذا أجمل ما قلته لي، وبعدها.. لا شيء، قلت انك تدمن احتساء الصمت والدخان والنبيذ، فهمت أّنك قد لا تكتب إليّ بعد الآن من الجزائر، آخر مرة التقينا فيها، كانت ليلة رأس السنة الماضية، جلسنا في مقهى نتحدّث عن الحبّ.. والحرب والزواج..

كنت أحبّك.. وكنت حزينة ككل بداية سنة، تمنيت لو انتميت إليك، كان عمري عشرين سنة، خفت ألا أنتمي لشيء بعدك، ممكن أن تكون بداية شيء، وكأنك كنت تمثل عندي قمّة الرفض والثورة، رائع في حياتي، ولكن خرجنا)).

وتتابع أحلام حواراتها مع صديقاتها في الجامعة، وعن فهمهن لشخصية الفدائي المقاوم، وفيما إذا كان شكل رجل المقاومة الفلسطيني، يجب أن يكون وسيما أم قبيحا، فهن لم يكن يتصورن أن الفدائي او رجل المقاومة الفلسطينية أو غيره من مقاومي الاحتلال والاستعمار، يمكن أن يكون وسيم المظهر ومحبوبا، كان الانطباع لديهن انه قبيح المظهر، وفظا وقاسيا، وحقيقة هذا الفهم، لا يختلف عن فهم أي طالبة جامعية عربية أخرى، فهي تعبر لك عن مدى الوعي السياسي والثقافي والمقاوم والمتدني، لدى فئة من فئات مجتمعاتنا العربية، في الجامعات:

((لا زلن صديقاتي في الجامعة، يسألنني عنك، قلت لإحداهن، أّنك فدائي، ولم تحضر الى الجزائر كي تقيم بيننا، ضحكت، لأّنها لم تتصوّر فدائيًّا في وسامتك، ربّما لم تصدقني، أظّنها تأّثرت ب(جمهورية) أفلاطون.. فهي ترى أنّ الحرب خلقت لتخّلص البشرية من القبيحين والمرضى وضعاف البنيّة، نجحت في إقناعها بأنّ (تشي غيفارا) أيضًا كان وسيمًا، وأّنه لو عمل في السينما، لحطم أسطورة عمر الشريف، وأنّ ليلى خالد، لم تكن أقلّ جاذبية من جورجينا رزق، ولكنها قامت بثلاث عمليّات لتشويه وجهها، كي تتمكن من مواصلة مهمتها، أيّ شجاعة هذه!.. لا أذكر أنّ امرأة عبر التاريخ شوّهت وجهها قصدًا، كي تخدم قضيّة، لا جان دارك ولا جميلة بوحيرد، ولا أنجيلا، غير أنني أذكر مبالغ خيالية كانت تدفعها ماري أنطوانيت، من أجل ثوب سهرة جديد. وأرقامًا أكثر جنونًا، تدفعها مدام أوناسيس/أرملة الرئيس كنيدي سابقًا، وأرملة أوناسيس حديثًا، كي تظل أنيقة، وتبقى بشرتها ناعمة، ويبدو فمها أقل اتساعا. ومبالغ أخرى لا تقل جنونًا، تدفعها أميرات عربيّات، وزوجات حكام من أجل حفنة لؤلؤ نادر أو قارورة عطرٍ فريد، ألا ترى أّنه أصبح ضروري أن أحبّ الموت!)).

وتتابع أحلام مستغانمي رسائلها، فتتحدث عن الرجل، ودوره المنتظر، لدى المرأة، وكيف انه هو الشخصية التي يمكنها أن تعتمد عليه، كي يحقق لها أحلامها وآمالها، ويملأ الفراغات في حياتها فتقول في بطاقة عيد:

((لو كتبت لك بطاقة في بداية هذه السنة لقلت:لأنك...ولأّنني...أتمّنى أن... وكان لا بدّ أن تملأ أنت الفراغ...أؤمن أنّ مهمة الرجل، ملء الفراغ، الفراغ الأرضيّ، الفراغ الكونيّ، الفراغ في قلب المرأة، الفراغ في جسمها، يحدث أن أمتلىء بك..يوم حدث هذا، وضعت حدًّا للحزن المسالم، وبدأت أجمع صور الشهداء، يوم حدث هذا.. قلت أنك قادر على امتلاكي، الآن ترحل، كنت رصيف فرح، الآن يجب أن أتعوّد الوقوف على أرصفة أخرى، سأذكرك، تعّلمت معك أن أعود إلى طفولتي، أن أحبّ البسطاء، أن أرتبّ خريطة هذا الوطن، وأقف في صف الفقراء)).

وتذكر، وتتذكر أحلام مستغانمي مذابح أيلول الأسود، على أيدي الجيش العربي الأردني، والذي تم فيه تصفية المقاومة الفلسطينية في الأردن، و ذبح المدنيين الفلسطينيين الآمنين والعزل من السلاح، في العاصمة الأردنية (عمان) ومخيماتها، وفي أحراش جرش، والتنكيل بالأبرياء المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ ونساء حوامل، وشابات عذراوات.

تفقد أحلام أعصابها، ويجن جنونها، فكأنها تخلع ملابسها وتسير عارية احتجاجا على ما الم بالفلسطينيين، كرمز للجنون والذهول، لما حدث ويحدث، تذكرت مثلا فلسطينيا بما يعني: (إذا ما واصلت إجرامك، فإنني سأخرج من ملابسي، وأسير عارية)، وهذا لا يعني شيئا أمام الموقف المؤلم والوحشي والحزين، الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على أيدي القتلة والسفاحين، فالخروج عارية، هو اقل ما يمكن القيام به تعبيرا احتجاجيا على ما كان يحدث، وأتذكر موقفا لفنانة سورية، تعرت تماما في ميدان عام في مدينة نيويورك، احتجاجا على الغزو الأمريكي للعراق الشقيق، فهذا تعبير احتجاجي، فيه قسوة وألم على النفس كبير جدا، وهو من أكثر الصور الاحتجاجية التي يمكن للمرأة أن تعبر به عن موقفها الرافض.  لنقرا ما كتبته أحلام مستغانمي في ذلك المشهد التراجيدي الأليم:

((رأيتك عارية، لم تكوني في طريقك الى الحمام، ولا كنت مّتجهة نحو البحر، النظافة من الأيمان أصبحت مع الأيام كلامًا فارغًا، عندما نجح القذرون في خداع البسطاء، والسباحة لم تكن يوم هوايتك، كنت أتصوّر حتى ذلك اليوم، أن هوايتك الوحيدة، جمع الآثار، وتبادل الآراء حول كتب ألازمان الغابر، لذلك أهديتك مكتبتي التاريخية، وحفظت أيام العرب ومعلقاتهم، وجئت أقصها على (أبي الهول) و(قاسيون)، لا زلت أذكر ذلك اليوم، الذي رأيتك فيه لأول مرّة تتعرّين، لم تقفي في ديكور مثير، ولا استنجدتِ بالأضواء الخافتة، ولا نزعتِ أثوابك الداخلية قطعة، قطعة, كما تفعل راقصات (الستريبتيز). كل شيء عندك، وقع فجأة.. وخارج علب الليل، تعرّيت فجأة، ورأيتك فجأة، وتحدثت كل الجرائد بعدها، أن عمّان تدفن خمسة وعشرين ألف فلسطيني، خمسة وعشرون ألفُا، تعوّدنا بعد ذلك أن نذكرهم بالجملة. غريب أن يتعوّد الإنسان بسرعة، على الأرقام الكبيرة، وينسى أن كل رقم هو نهاية حياة، حاولي يا عمّان، أن تتصوري عيون هؤلاء الخمسة والعشرين ألفًا، وهم يموتون، في عيونهم فقط تقرأين مرارة الأرقام، كانوا يحملون ببيوتهم خلف الضفة، حين أغرقتهم..وقتها فقط، اكتشفت هوايتك الأخيرة، وأدركت سرّ تجوالك عارية.. ونحن في أيلول((.

وتواصل أحلام مستغانمي كتابتها وتسأل سؤالا في حدود الذاكرة وتقول:

((أسألكِ..هل أنتِ راهبة؟أم أنتِ عاهرة؟أأنت امرأة من نار؟أم أنثى من ثلج؟أنتِ عيون (أليسا), وسمرة (انجللا), وتسريحة (كليوباترا) ؟ وصمود (جميلة), وتبرّج (ولادة)، وعفة (رابعة)؟وتمرّد (الكترا), وصبر (بينيلوب, وغموض (الجيوكوندا)..أنتِ كل نساء العالم، ولكنك لست امرأة! أنتِ رذيلتي وفضيلتي، أنتِ أمي وطفلتي، أنتِ كابوسي المزعج.. أنت حلمي السعيد، أنتِ كل المشاوير التي لم تكتمل، لأنكِ أرض يحدّها جغرافيا وخليج، وكثير من الجمارك..ولكنك ذاكرتي..))

وعن الوطن، تتابع أحلام مستغانمي سيمفونيتها الحالمة والراقصة والمفجعة والمذهلة،

دفاعًا عن (العادة...)، فلم يعد هناك من يميز الناس الانتهازيون عن الناس الشرفاء، والناس الوصوليون والمتسلقون، عن الناس الطيبون والمحترمون والصادقون، والناس الأغنياء، عن الناس الفقراء والمعدمون، فاختلطت الأمور، واختلط الحابل بالنابل، ولم يعد هناك من يعرفك، ويثمن دورك و نضالاتك ومواقفك، ومن لا من يعرفك، ويجهل أو يتجاهل نضالاتك وتضحياتك ومواقفك النبيلة والشريفة، وتسير الأمور بالفوضى، ودون حساب، وتعم الواسطة والمحسوبية، والعلاقات العشائرية والقبلية، ويضيع حق المستحق، ويأخذ حقه غير المستحق، ويزداد الغني، غنى، ويزداد الفقير فقرا، ويصعد الانتهازيون السلم دفعة واحدة، ويصلوا الى القمة، ويوصلوا معهم أيضا زوجاتهم وآبائهم وبناتهم وأقرباءهم، ولا يصل الثوار والناس الأحرار درجات السلم السفلى، ويبقوا يعيشون في حسرتهم وألمهم، وتضيع أحلامهم وتطلعاتهم المكبوتة منذ عشرات السنين، والتي طالما حلموا بها وانتظروها وقدموا التضحيات من أجلها، فتصرخ بحرقة وألم، لتقول للوطن:

((أيّها الوطن الكبير، يا وجعنا الموروث."لا تطرق الباب كل هذا الطرق، فلم أعد هنا!"

يوم كتبت أحبك.. قالوا شاعرة، تعريت لأحبّك.. قالوا عاهرة، تركتك لأقنعهم.. قالوا منافقة

عدت إليك.. قالوا جبانة، اليوم نسيت أّنك موجود، وبدأت أكتب لنفسي، وأتعرّى للمرآة، هم أحبوك.. أصبحوا زعماء، تعرّوا.. أصبحوا أغنياء، تركوك.. كدنا نشبع، عادوا.. بدأنا نجوع، اليوم، لا أحد يعرف تفاصيل نشرة الأخبار القادمة، مارست العادة السريّة على الورق، وعلى السرير، وفي غرفة التحقيق، فاجأني المخبر وأنا أتناول حبوب منع الحمل.

سجنت بتهمة تبذير طاقتي الجنسيّة في غير صالح الوطن، ليس يهم.. لن أحبل منك بعد اليوم!)).

وكما يقول نزار قباني:(هذه هي أحلام مستغانمي، قصيدة مكتوبة على كل البحور.. بحر الحب، وبحر الجنس، وبحر الايدولوجيا، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها، ومرتزقيها، وأبطالها وقاتليها، وملائكتها وشياطينها، وأنبيائها، وسارقيها).

فعلا وحقا فأحلام مستغانمي، تشد القاريء بأسلوبها الرومانسي شدا، لكتاباتها لقراءتها والخوض في غمارها والسباحة في بحور أشجانها وآمالها وأحلامها،  وتدخل معه شعورها الإنساني والوطني، وانتقاداتها اللاذعة للقوى الانتهازية والوصولية والمتشدقة بالوطنية والعنجهية والعجرفة، فتفضحهم وتعريهم، فلطالما اعتقدوا أن لا أحد يراهم، فاستأسدوا، وهزوا كروشهم وتأبطوا شرا، وعاثوا فسادا، ولكن الى متى؟؟ ستبقى الساحة لهم، يرقصون بها كما يشاءون؟؟؟ لكن الفجر سيبزغ مهما طال الليل، وان ناظره لقريب.

أضيفت في15/05/2008/خاص القصة السورية/ المصدر الكاتب ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

 

 

قراءة في رواية الكاتبة والأديبة زكية خيرهم:
(نهاية سري الخطير)
 

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

الكاتبة والأديبة والروائية زكية خيرهم، كاتبة وأديبة مغربية مقيمة في النرويج، معروف عنها في كتاباتها بتحررها الاجتماعي وثورتها على القيم والعادات والتقاليد العربية الشرقية البالية، بحق وحقيقة، فهي بكتاباتها موضوعية وواقعية جدا، وبقناعاتها جريئة وصريحة أيضا، وتعرف جيدا من أين تأكل الكتف (كما يقولون)، تتمتع بذكاء بالطرح والسرد، وتؤمن بمساواة المرأة بالرجل بشكل كبيرة جدا، وأيضا تعمل جاهدة ضد اضطهاد المرأة واستغلالها من قبل الرجل العربي والشرقي، كما أنها تقف ضد ممارسة العنف ضد امرأة، والممارسات الخاطئة، سواء العنف الجنسي كالاغتصاب، او العنف الجسدي كالضرب وخلافه أيضا.

 

تؤمن بحرية المرأة ومساواتها بالرجل، فالمرأة ليست جسد فقط، فهي جسد وروح وعواطف وكائن حي، لديه إحساس وشعور ورغبات، ورأي وأفكار وقيم وأخلاق، وشخصية ذات عقل وفكر وفهم، وإرادة ووجدان وعاطفة، لها، ما للرجل من حقوق، وعليها ما عليه من واجبات، لا تؤمن باستعباد المرأة من قبل الرجل، وتحكمه بها، وسيطرته والتسلط عليها، والتمتع بها جنسيا، وإهمالها، واحتقار رغباتها وشعورها وعواطفها، فالمرأة، ليست للممات كما يقول الرجل عنها، كما أنها ليست للسرير، من اجل إشباع رغباته والتنفيس عن غضبه وعقده، كما أنها ليست ناقصة عقل ولا دين، وليست مخلوقة من ضلع لآدم الأعوج، وليست النساء كيدهن عظيم أكثر من الرجال، كما أن الرجال ليسوا بقوامين على النساء، فالمرأة إنسان بشري، يجب أن يكون له وجود، وكيان مستقل، كما للرجل تماما، ولها شخصيتها واستقلاليتها، رغم الاضطهاد الذي وقع عليها منذ آلاف السنين، وسلب إرادتها وأحلامها وطموحها. كتاباتها كثيرة ومتنوعة، فلديها عشرات المقالات والعديد من القصص والروايات، وأيضا كتبت في مجال المسرح وترجم الكثير من أعمالها الى اللغة الإنجليزية والنرويجية.

في روايتها:(نهاية سري الخطير) الشيقة والممتعة والإبداعية، تشرح زكية خيرهم قصة فتاة مغربية (أمها سودانية الأصل) وتدعى (غالية)، أقلقها كثيرا منذ صغرها، أنها رأت بقعة دم حمراء في لباسها الداخلي. وهي في سن الطفولة، وقد لازمت هذه الحكاية الشابة (غالية) منذ هذه الحادثة وحتى يوم زواجها، وأقلقت مضجعها في كل مكان وزمان، خاصة، إذا تعلق الأمر بموضوع زواجها، وهي تعلم تماما، أن مصير أي فتاة فقدت عذريتها، هو القتل من قبل أهلها، هي اعتقدت أن هذه البقعة من الدماء، ناتجة عن تمزق غشاء بكارتها، وكانت قد سمعت من عائلتها وقريباتها عن شرف العائلة، وأهمية هذا الشرف والحفاظ عليه، وكما فهمت من أهلها والناس أيضا، فان الفتاة تمثل شرف العائلة، وان هذا الشرف، لدى الفتاة يتمثل بالمحافظة على غشاء بكارتها سليما من الانفضاض والتمزق، هذا الغشاء الشفاف، والذي قد لا يكون موجودا منذ الولادة لأسباب ورائية أيضا، وقد يزول لأسباب عديدة، غير فضه وتمزقه أثناء عملية الجماع، لأي سبب من الأسباب، كممارسة رياضة ركوب الخيل، او العبث به بدون وعي، او في حالات الاغتصاب المعروفة والمعهودة، من قبل المجرمين، وخلافهم، أو من قبل الأهل بطريقة او أخرى.

تمكنت الكاتبة والأديبة زكية خيرهم من خلال روايتها (نهاية سري الخطير)، انتقاد العادات والتقاليد العربية والشرقية، المعمول بها في مجتمعات المغرب العربي، والتي في حقيقتها تعبر عن عادات وتقاليد كل المجتمعات العربية من المحيط الى الخليج، فالمعروف أن الأنثى العربية، تعامل بأقل درجات كثيرة من شقيقها الذكر، فهي لا يسمح لها بالخروج من بيتها إلا بإذن من أهلها، وإذا سمح لها بالخروج، فيجب أن يرافقها احد أفراد العائلة من الذكور، وإذا خرجت، يمنع تأخرها الى ما بعد غروب الشمس، بينما شقيقها الذكر، يتمتع بكامل حريته، في الخروج والدخول وبناء العلاقات مع الجنس الآخر، وحتى ممارسة الجنس، دون أن يعاب على تصرفه هذا، كونه ذكرا، وكأنه حقا شرعيا له، كما أنه يتمتع بمحاباة أفضل من الأنثى من قبل والديه وأقاربه، في المصرف والملبس وخلافه، بينما الأنثى العربية، يفرض عليها ملازمة بيتها وعدم اختلاطها بالجنس الآخر، ويمنع سفرها الى بلاد الغربة من اجل استكمال تعليمها الجامعي، ولا يعتمد عليها، كما يعتمد على الرجل في كثير من الأمور، ولا تعطى المسؤولية، حيث لا يوثق بها، لأنها قد تجلب العار لأسرتها، بينما الرجل، لا يهمه أي شيء، فممارسته للجنس، لا يمس شرف العائلة، كما تمسه المرأة، فالرجل، لا يملك غشاء بكارة كالأنثى، يمكن له أن ينفض ويتمزق، لو مارس العملية الجنسية، ويبقى الحفاظ على غشاء بكارة الأنثى هو العامل المحدد لشرف البنت، وبالتالي لشرف عائلتها، بغض النظر إذا كانت تمارس بالخفاء، كل أنواع الموبقات المتعارف عليها، مع انه يقال بان شرف البنت كان مثل عود الثقاب، لا يولع إلا مرة واحدة، وأصبح في عصرنا الحاضر، مثل الولاعة، يولع مائة مرة ومرة، لهذا التمايز، تعتقد الكاتبة أن هناك الكثير من الإناث يفضلن لو أنهن ولدن ذكورا، وليس إناثا، حتى يتمتعن بالميزات التي يتمتع بها الذكر.

تمكنت زكية خيرهم الكاتبة والأديبة المغربية المتألقة، بمعالجة موضوع شرف البنت، وشرف العائلة والعادات والتقاليد العربية والشرقية، والتي أكل عليها الدهر وشرب، من خلال بطلة القصة (غالية)، وتمكنت على لسانها من نقد العادات والتقاليد العربية وتصرفات الرجل العربي، والتي تمثل ثقافة المجتمع ألذكوري العربي، ففي عادات الأفراح والزواج، كل ما يهم الأهل بما يتعلق بالعروسة في ليلة الدخلة، قطعة القماش البيضاء وعليها بقعة الدم، لإثبات شرف البنت وعذريتها، وشرف العائلة، وكأن نهاية العالم يمكن أن تكون عند هذه الحادثة فقط، مع أن غالية تزوجت مرتين، وقدمت للأهل والمعنيين بالأمر مرتين أيضا، دون أن يلاحظ أحدا ذلك، الدليل الساطع، وهو هذه القماشة البيضاء وعليها بقعة الدماء الحمراء المطلوبة، مع أن هذه الدماء كانت مأخوذة من دم العريس في الحالتين، حيث قام العريس في حالتي الزواج، بجرح لحمه، ومرغ القماشة البيضاء من دمه النازف، وقدمها للأهل ولأصدقاء العيلة ولغيرهم، دلالة على شرفية عروسه، واسكت صياح النساء وغضبهم، بعدما شاهدوا هذه القماشة، وبها بقعة الدم المطلوبة، حسب العادات والتقاليد العربية والشرقية الجارية.

يبقى التنويه الى أسلوب الكاتبة والأديبة زكية خيرهم في سردها للرواية، حيث يتصف أسلوبها بالسرد الدقيق والشيق والممتع، والوصف الدقيق لكل حدث وكل حالة في القصة منذ بدايتها وحتى نهايتها، إضافة لما يحتويه النص الكلمات الرصينة، ومن الصور المجازية والبلاغية العديدة جدا، والتي لا يمكن حصرها، فالمفردات منتقاة بدقة متناهية، والجمل معبرة بدقة أكثر أيضا، كما أرادتها الكاتبة منها أن تكون. من يقرأ الرواية، يشعر بان لدى الكاتبة الكثير من المفردات المتنوعة والمتعددة والمعبرة، والتي لا تنضب بتعابيرها وتنوعها ودقتها ودقة معانيها. تنقلك الكاتبة والأديبة زكية خيرهم مع سفر بطلة القصة (غالية) عبر البر وعبر الصحراء من المغرب، حيث تقيم، الى ليبيا، حيث تود التسجيل في الجامعة، حيث ترغب باستكمال دراستها الجامعية، عبر الصحراء الجزائرية والليبية وصولا الى مدينة طرابلس، تنقلك عبر وصف دقيق ومشوق، لما يمر به المسافر عبر رحلته هذه، وما يلاقيه من أهوال وأحداث عبر الأجواء الصحراوية، والمعروف بحرها وقيظها نهارا، وبردها وعواصفها ليلا، خاصة عندما يكون المسافر شابة، وتتمتع بقدر من الجمال، وتكاد تكون الوحيدة التي يمكنها أن تسافر عبر البر، وعبر الصحراء بدون مرافق من أهلها، وحولها عيون زائغة كثيرة، تود التهامها التهاما.لنقرأ هذا المقطع من قصتها (نهاية سري الخطير):

(سحبت نفسي من تحت جسده، أستغيث بصرختي، متوجهة إلى الحمام، دوار قاتم يحجب عني الرؤية، أفرغ، وكأن أمعائي ستخرج من فمي، حاولت أن أخلع ملابسي وأستحم بالماء البارد، لكنني لم أتمكن من ذلك، جلست بملابسي داخل حوض الحمام، وفتحت صنبور الماء، كان الماء بارد كالثلج، ينزل على جسدي كالصاعقة، أحس برغبة في إيذاء نفسي وتعذيبها، ولم يكن هناك شيء أستعمله، سوى ذلك الماء البارد، مكثت تحت ذلك الماء القارص بملابسي، وجسمي يرتعش كسعف النخيل، طرق سمير الباب وقال: أخرجي من الحمام.

لم أبال لندائه، غالية، سأدخل إلى الحمام الآن، إن لم تخرجي.

كنت جالسة بملابسي، والماء البارد يغطي جسدي، أسرع إلى إقفال الصنبور، ثم حملني من الحوض، وأجلسني على كرسي الحمام، أردّد توسّلاتي، وروحي مذبوحة برغبة السقوط، خائرة القوى، لا تقوى على الحراك، وخوف يلتف من حولي، جلس على ركبتيه، وأمسك بذراعي، وهو يقول لي بصوت أجش وحزين:

لماذا هذا التصرف المتهور؟ لماذا تودين إيذاء نفسك؟

أحضر مناشف، وبدأ يخلع ملابسي بسرعة، وأنا أرتعش من شدة البرد، مد إليّ قميص نومي، ثم غادر الحمام، كنت أسمع صوته من وراء الباب:غالية، اخلعي ملابسك الداخلية، والبسي قميص نومك.

لم أعرف كيف لبست ذلك القميص، الخوف والبرد يبثان في جسدي الرعشة بلا توقف، طرق الباب واستأذن في الدخول، اقترب مني، وضمني إلى صدره، ثم حملني إلى السرير، كنت خائفة منه ومن اقترابه مني، نظرت إليه متوسلة:

بربك لا تعتدي علي، بحق محبتك لأختك، لا تلمسني.(

 

أما عن الصور التعبيرية والمجازية، فالقاريء يشعر وكأن هذه الكاتبة، لديها عشرات الصور الجاهزة من البومات الصور التعبيرية والمجازية، وكل ما كانت تقوم به هو انتقائها لهذه الصور ولصقها، بشكل لا ينضب ولا يمل، وكأنها تنتقي مفردات و تعابير هذه الصور، من نبع ماء عذب، يفيض عذوبة وصفاء وشهدا، وينهمر وكأنه سيل جارف، لا يتوقف ولا مجال له أن يتوقف، طالما الكاتبة زكية خيرهم ممسكة بقلمها وبأناملها الذهبية، وتخط به مفرداتها وجملها وتعابيرها المنتقاة بعمق وذكاء كبيرين.

لنقرأ هذا المقطع من القصة في موقع آخر:

(قاطعني وقال: الآن يجب أن نتكلم في المهم، ستبدئين العمل في هذا البلد، يجب عليك أن تكوني حذرة جدا، الخروج لوحدك ممنوع، البنات والنساء يتعرضن يوميا للاغتصاب والحرق، إن أردت الخروج أو التنزه، فلا بد أن يكون معك أحد أفراد العائلة المغربية أو أنا، إن أردت شراء بعض الحاجيات، التي قد تحتاجينها من ملابس، فيمكنني أن أرافقك بكل فرح، أحضر النادل العشاء، وضعه على الطاولة وانصرف، هز نبيل رأسه مبتسما وأشار بيده إلي أن آكل، واستمر في النصائح والتحذير، وبعد تناول العشاء، اتجهنا إلى صالون الفندق، لنشرب القهوة العربية، شعر بارتباكي، رفع فنجان القهوة إلى فمه، يرتشفها بصوت مسموع ويتحدث عن العمل في المركز، وعن نفسه وأسفاره إلى الخارج، أما أنا، فشردت بعيدا أنظر إلى تلك الطاولة، التي كنت أجلس حولها مع سمير، متذكرة يوم لجأت إليه، هاربة من طلقات الضياع، نبيل يحدثني، وأنا أعيش لحظة وصولي إلى الفندق، واللقاء بسمير، إلى تواجدي في سريره منهوكة القوى، وإلى وداعه لي، في بيت عبد اللطيف، نزلت دمعتان على خدي، مسحتهما بسرعة، انتبه نبيل لشرودي وقال:

ما بك يا غالية؟ إن كنت لا تحبين المجيء إلى هذا الفندق، فلن نأتي إليه مرة ثانية، كلما جئنا إلى هنا تشردين بعيدا، ويظهر من عينيك حزن العالم كله، خرجت عن صمتي وانتزعت كلمات من شفتين فاترتين: إنه يذكرني بفندق في المغرب، كان أبي يأخذنا إليه في بعض المناسبات، نفس الديكور ونفس التصميم.)

يبقى التأكيد أيضا على سلاسة الرواية وتماسكها وقوة نسيجها وأفكارها ودقة حبكتها ومصداقيتها وواقعيتها، قد يستنتج القاريء أن هذه القصة بكل أبعادها وحوادثها، قد تعبر بالفعل، عن رحلة الكاتبة والأديبة زكية خيرهم عبر سيرتها الذاتية، ومعاناتها من قبل المجتمع وأسرتها حتى حصولها على درجة الماجستير، من إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك.

يبقى أيضا، أن الكاتبة، نقلت لنا بروايتها، صورة صادقة عما يدور في المجتمع الأمريكي من صراعات و تناقضات اجتماعية، وأحداث العنف والإرهاب اليومية، أثناء إقامتها في نيويورك، لحصولها على شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي، وكيف أن هذا المجتمع الأمريكي والذي ينعت بالمجتمع الحر، تعني له الحرية بالمطلقة، إجرام وقتل، وعمليات اغتصاب للسيدات، وسطو مسلح، وعري لنساء في الشوارع، وممارسات شاذة من كلا الجنسين، دون رقيب أو حسيب، وعمل متواصل ليل نهار لكسب لقمة العيش، بدون توقف، وسيطرة رأس المال في المجتمع، وتحكمه الكامل فيه، حيث هو المسيطر، وهو المؤثر الوحيد فيه، فمن لا مال له، لا حياة له، وغنى طبقة من المجتمع على حساب طبقة أخرى، والمعاناة والذل التي يعانيها الطالب، من اجل أن يستمر في دراسته وتعلمه شيء مؤلم جدا، وضرورة أن يعمل في أقذر الأعمال، وأن يتحمل كافة المصائب والمصاعب غير المتوقعة، حتى يكسب قوته ويدفع رسوم جامعته، كما توضح الكاتبة في روايتها أن المجتمع الأمريكي وأبنائه يعيلون أنفسهم بأنفسهم، ولا أحد يعتمد على الآخر بالصرف عليه، إذا ما بلغ سن البلوغ، فالعمل واجب على الكل، حتى يتمكن المواطن والمقيم، من كسب قوته اليومي، كما أن المواطن الأمريكي، يهزأ من الشخص الذي يعيش عندهم ولا يعمل، ويتلقى مصروفا من أهله من الخارج. لنقرأ هذا المقطع من روايتها في موقع آخر أيضا:

(عند وصولهما إلى مقر سكنهما في المدينة الجامعية، استوقفها لوتشو وسألها:

هل تنامين عندي في غرفتي أم أنام عندك في غرفتك؟

لا هذا ولا ذاك كل ينام في غرفته، لأنني لا أرتاح إلا وحدي في غرفتي.

هل تخافين مني ؟... هل سآكلك؟ ... لم يعد في المدينة ديناصورات!

لا أخاف منك... لكن ديننا يحرم علينا ذلك.

لا تكملي، تعيشين في تقاليدكم أم في نيويورك؟.

لا، أعيش في نيويورك، ولكن تلبسني تقاليدنا.

آسف، سؤال أخير: هل يمكن في تقاليدكم، أن تتزوج الفتاة المسلمة، من شخص مسيحي مثلي مثلا؟؟.

لا، المسلمة لا تستطيع حسب تقاليدنا، وغير مسموح لها الزواج من مسيحي، ولكن الرجل المسلم، مسموح له الزواج من امرأة مسيحية.

لماذا هذه التفرقة، دينكم عنصري، دين رجالي.

لا، لوتشو، ديننا ليس عنصريا، فهو لكل المؤمنين والمؤمنات من كل الألوان، وهو للذكور والإناث، ولكن في هذه النقطة، ترى تقاليدنا، أن المرأة في الغالب تابعة لزوجها، فإن تزوجت المرأة المسلمة من رجل مسيحي، يظل واردا إجبارها وإكراهها على ترك دينها الإسلامي، والالتحاق بدين زوجها المسيحي، وهذا عندنا ارتداد عن الدين، يفسر البعض عقوبته بالموت، أما إن تزوج الرجل المسلم من امرأة مسيحية، فهو لا يجوز له أن يجبرها على ترك دينها مسيحيا كان أم يهوديا، والالتحاق بالإسلام: إن آمنت واعتنقت الإسلام طوعا، فهذا مكسب للإسلام، وأذكر أن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، من ضمن زوجاته واحدة مسيحية وثانية يهودية. هذا موضوع طويل يا لوتشو، نتحدث فيه غدا. متعبة ... سأذهب لأنام، عندي في غرفتي ؟؟؟؟؟

لوتشو، بعد كل هذه المحاضرة، وتسأل: عندي في غرفتي؟؟؟؟ لا وحدي في غرفتي مع السلامة، تصبح على خير).

أضيفت في30/03/2008/ خاص القصة السورية/ المصدر الكاتب ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

 

 

وتبقى الأنثى هي الأصل

 

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

 

عندما قال نابليون "ان المرأة التي تهز السرير بيسارها تهز العالم بيمينها“ كان لقوله هذا معنى كبير جدا، يدل على ان للمرأة تأثير كبير جدا في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، خاصة إذا أعطيت الفرصة لتعبر عن كيانها ووجودها، ولاقت التشجيع المناسب، واستغلت عقلها وذكاءها وكافة امكانيتها المتاحة لها بحدود المعقول والواقع، بدون تجاوز كبير للقانون او المنطق او التقاليد والعادات الاجتماعية.

عندما تحدث العالم النفساني فرويد عن المرأة والجنس، ولكثرة ما درسه عن المرأة على مر العصور والأجيال تاريخيا وما شاهده من تأثير للمرأة في شتى مناحي الحياة أيضا، عزى تقدم المجتمع البشري وتطوره إلى المرأة والجنس، وقال ان قوة الدافع الجنسي هي وراء تقدم وتطور الخلق والمجتمع والحياة.

أقوال كل من نابليون و فرويد عن المرأة (بغض النظر عن مدى صحتها من عدمه) تدل دلالة واضحة لكليهما عن تأثرهما ومدى قناعتهما بقوة تأثير المرأة في المفاصل الأساسية من الحياة والمجتمع، والرجل بشكل خاص.

محامية إنجليزية تدافع عن موكلها في قضية ما بكل ما لديها من الحجج والمنطق، كانت ترتدي بنطلونا يسمونه " التايت " يظهر مفاتنها بشكل مثير، وعندما احتج احد القضاة الإنجليز على لبسها هذا،  وطلب منها استبداله بلبس آخر، رفضت طلبه وأجابته قائلة " إذا لم استطع إقناعكم بحججي وأقوالي قد أستطيع إقناعكم بمفاتني " وعندما اعترض القاضي على كلامها هذا قالت له " من حقي الدفاع عن موكلي بكل ما لدي من أسلحة “.

هذه المرأة الإنجليزية المحامية تعرف ان للمرأة سلاح حاد لا يملكه الرجل ويمكن لها استعماله ضده فيما لو فشلت كافة الأسلحة التقليدية المستعملة من قبلها بالمجتمع.

يذهب الكثير من الرجال او الشباب للكثير من الدوائر الرسمية على المستوى العربي وحتى في الكثير من الدول النامية لإنجاز بعض المعاملات الرسمية الخاصة بهم، والكثير منهم يرجع منزعجا لما يلاقيه من عدم اهتمام به وبمعاملته، فلا احد يسأل به او يستقبله او يستفسر منه عن هدفه، وإذا ما أجابه احد الموظفين فانه غالبا ما يجيبه بغلظة وحدة، ويبلغه بان معاملته تحتاج إلى حوالي أسبوع او أسبوعين حتى يتم إنجازها, وفي حقيقة الأمر فان معاملته لا تحتاج إلى كل هذا الوقت،  ولكن الموظف لا يسمح له مزاجه هذا بإنجاز معاملته. أما إذا راجع بالمعاملة احد الأفراد من الجنس اللطيف فان الأمر يختلف تماما، فكل الموظفين يتراكضون لاستقبالها والاستفسار منها عن هدفها ورغبتها، ويعرضون عليها شرب القهوة او الشاي، ويتكلموا معها بلطف وود، والابتسامة العريضة تعلوا شفاهم والكل يحاول خدمتها،  وإذا لم يستطع فانه سيحاول، وإذا ما فشلت محاولته فقد يبحث لها عن احد أصدقائه وقد يتمكن هذا الصديق من ان يساعدها، فما هو السر وراء كل هذا التزاحم والاندفاع من قبل الرجل لخدمة الجنس اللطيف بخلاف الرجل ؟. هل لدى المرأة حقا قوة خفية تجذب بها الرجل إليها ولا يستطيع ان يقاوم وما هي هذه القوة؟ وكيف تحدث مفعولها بالرجل وتجعله يوافق على الكثير من السياسات او الأوامر وحتى لو كانت تتناقض مع أهدافه وطموحاته.     بالحقيقة ليس كل المراجعات من الجنس اللطيف من ينلن هذا الاستقبال وهذه الحفاوة، وأيضا ليس كل الموظفين من يهتم بكون المراجع من الجنس اللطيف او من الجنس الخشن، وان كان معظم الموظفين من يتأثر بكون المراجع امرأة او رجل، وإذا ما كانت امرأة فهل هي شديدة الجمال أم لا، وسهلة أم صعبة المنال، كل هذه الاستفسارات تراود نفس بعض الموظفين في لحظات وعلى ضوئها يقرر فيما إذا يمكن له ان يساعدها أم لا، فلماذا يحاول الكل من الذكور استرضاء الإناث ونيل إعجابهن وتقديرهن واحترامهن !هذا هو سر قوتهن وتأثيرهن والسر وراء تهافت معظم الرجال لخدمتهن لشيء ما، في نفس يعقوب، ولكن ليس التهافت لخدمة أي امرأة، فالمرأة تختلف في تأثيرها على الرجل طبقا لمواصفاتها الجمالية والأنثوية والتأثر في هذه المواصفات يختلف أيضا من شخص لآخر. وكان تأثير المرأة هذا على مر العصور والأجيال، وقد تمكنت المرأة من هز الكثير من العروش والقضاء على الكثير من الحكام والأمراء والقادة، في الوقت الذي فشلت فيه اعتى الجيوش من إنجاز ما أنجزته ال

ان جمال الرجل يؤثر بالمرأة أيضا، وهذا الجمال يختلف في مواصفاته من امرأة لأخرى، وغالبا ما يلفت انتباه الرجل جمال المرأة الجسمي ومدى أنوثتها ومظهرها الخارجي، ويزداد هذا الجمال تأثيرا إذا ما اقترن بالعلم والثقافة والذكاء وقوة الشخصية، ولكن المهم لدى معظم الرجال، الجمال الجسمي والأنثوي للمرأة، لأنه هو العامل الأكثر تأثيرا بهم، وان اختلفت المرأة في رأيها بالرجل والرجل المناسب الذي تراه زوجا مناسبا لها، فمن مواصفات الرجل الذي تنجذب إليه المرأة مثلا، ما قالته امرأة من قبيلة حمير في من تراه زوجا مناسبا كان ردها هو: " ان يكون محمود الأخلاق، مأمون البوائق، فقد أدركت به بغيتي، على انه ينبغي إلا ان يكون كفؤا كريما، يسود عشيرته ويرب فصيلته، لا أتقنع به عارا في حياتي ولا ارفع به شنارا لقومي بعد وفاتي.”

وعندما سألن بعض الفتيات عن المواصفات التي يرتأى يهن بزوج المستقبل، قالت الأولى: " غيث في المحل، ثمال في الأزل، مفيد مبيد ---"

وقالت الثانية: " مصا مص النسب، كريم راضي، كامل الأدب، غزير العطايا، مقتبل الشباب –أمره ماض، وعشيره راض. "

وقالت الثالثة: " عظيم المراقد، يعطي قبل السؤال، ونبيل قبل ان يستنال، في العشيرة معظم، وفي الندى مكرم ----."

من آراء الشابات الثلاثة من العصور الماضية يلاحظ رأيهن بالرجل المناسب كزوج مناسب لهن ومن الملاحظ ان المواصفات التي يفضلنها بالرجال ليست مواصفات جسمية بقدر ما هي مواصفات معنوية وغير مرئية بخلاف ما يرتأى به الرجل من صفات بالمرأة التي يقبلها ان تكون زوجة له، فمعظمها صفات مرئية.

 

لقد تناقل العرب أوصاف المرأة الجسمية والخلقية التي تستهوي بها قلب الرجل وعقله، وكانوا أكثر إطنابا وتفننا في انتقاء الأوصاف الجسمية، ومنها وصف الأخوين عمرو وربيعه اللذين عاشا بالجاهلية عندما سألهما والدهما عن أهم الصفات التي يحبونها في المرأة فأجاب عمرو: " الهر كولة، اللقاء الممكورة الجيداء، التي يشفي السقيم كلامها، وببريء ألوهيب إلمامها، الفاترة الطرف، الفلة الكف، العميمة الردف. " أما أخوه ربيعه فقال في وصفها: " الفتانة العينين، والأسيلة الخدين، الكاعب الثديين، الرداح الوركين، الشاكرة للقليل، المساعدة للحليل، الرخيمة الكلام. " وقال في وصفها عربي آخر وهو يوصي صاحبه بالزواج من مثلها فقال له: " خذ ملساء القدمين، لفاء الفخذين، ناهدة الثديين، حمراء الخدين، كحلاء العينين زجاء الحاجبين، لمياء الشفتين، غيداء العنق، مكسرة البطن. " وقال آخر في وصفها: " معتدلة الخلق، نقية اللون والثغر، بيضاء، وطفاء، كحلاء، دعجاء، حوراء، عيناء، قنواء، شماء، برجاء، رجاء، أسيلة الخد، شهية المقبل، جثة الشعر، عظيمة الهامة، عطاء، عريضة الصدر، كاعب الثدي، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، ليست بخنساء ولا سنعاء، رقيقة الأنف، عزيزة النفس، رزينة، حليمة، ركينة، كريمة الخال، قطيعة اللسان، رهوة الصوت، ان أردتها اشتهت، وان تركتها انتهت. "

وفي وصف الأنثى المغرية للرجل، ما قالته امرأة من قبيلة كندة يقال لها عصام، أرسلها الحارث بن عمرو ملك كندة لتخبره عن أوصاف ابنة عوف وكان قد علم بجمالها وكمالها وقوة عقلها، ولما عادت عصام، استنطقها بالقول المأثور " ما وراءك يا عصام ؟ " قالت: " -----رأيت وجها كالمرآة المصقولة ، يزينها شعر حالك ، كأذناب الخيل ، وحاجبين كأنهما خطا بقلم ، او سوّدا بحمم ، بينهما انف كحد السيف  الصنيع ، حفت به وجنتان كالأرجوان في بياض كالجمان ، شفافية فم كالخاتم ، لذيذ المبتسم ، فيه ثنايا غر ، ذات استر ، تقلب فيه لسان بفصاحة وبيان ، بعقل وافر وجواب حاضر ، تلتقي فيه شفتان حمراوان تجلبان ريقا كالشهد إذ دّلك ، وفيه رقبة بيضاء كالفضة ركبي في صدر كتمثال دمية ، وعضوان مدمجان ، يتصل بهما ذراعان ليس فيهما عظم يمس ، ولا عرق يجس ، نتأ في ذلك الصدر ثديان كالرمانتين يخرقان عليها ثيابها ، تحت ذلك بطن طوى على القاطي المدمجة ، كسر عكنا كالقراطيس المدرجة ، تحيط بتلك العكن ، سترة كالمدهن المجلو خلف ذلك ظهر فيه كالجدول ، ينتهي إلى خصر ، لولا رحمة الله لانبتر ، لها كفل يعقدها إذا قامت ، وينهضها إذا قعدت كأنه دعص رمل تحمله فخذان لفا كأنما قلبا على نضد جمال ، تحتهما ساقان خدلتان ، كالبردتين وشّيتا بشعر اسود كأنه حلف الزرد ، يحمل ذلك قدمان كحدو اللسان ، فتبارك الله كيف تطيقان حمل ما فوقهما"

عندما وصل إلى مسمع ملك كندة هذه الأوصاف خطبها من والدها وتزوج منها. كل هذه المواصفات الجمالية لدى المرأة هي الحافز الرئيسي للدافع الجنسي لدى الرجل، وكلما حقق الرجل رغباته الجمالية يحاول الوصول إلى ما هو أعلى من ذلك، لذا وصفت القوة الجنسية بالمتجددة والرجل بطبيعته يبحث عنها باستمرار دون كلل او ملل، لذلك كانت المرأة بالنسبة للرجل هدفا له يبحث عنها بشكل متواصل، وكلما وصل إليها كلما زادت رغبته فيها، كالسراب الذي يلوح لك بالأفق من بعيد، تحاول الوصول إليه، لكنك حالما تصل إليه تراه وقد اختفى وظهر لك مرة أخرى في مكان آخر، ومن على بعد وتتواصل في متابعته دون جدوى.

 

لقد توصلت المرأة في الكثير من دول جنوب شرق آسيا إلى أعلى المناصب الحكومية، فوصلت إلى رئيسة لمجلس الوزراء في دول كالهند وبنغلاديش والباكستان وتركيا وأثبتت كفاءة لا تقل عن كفاءة الرجل في الإدارة والحكم، كذلك في الاتحاد السوفييتي السابق صعدت إلى الفضاء الخارجي وقادت مركبات فضائية كرائدة الفضاء فالنتينا تيريشكوفا، وفي أوروبة تبوأت المرأة مناصب قيادية عليا كثيرة، وعملت في كافة المجالات، من قيادة السيارة العادية إلى قيادة الشاحنة فالطائرة المدنية والطائرة الحربية والدبابات والقطارات والسفن البحرية، كما تمكنت في ألمانيا من إدارة الكثير من المصانع بالكامل دون مساعدة تذكر من الرجل وفي الكثير من الدول الأوروبية وصلت المرأة إلى أعلى المناصب القيادية في المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، والتاريخ يذخر كثيرا بالنساء اللواتي قدمن خدمات جليلة للبشرية كمدام كوري ومدام هيلين كيللر وغيرهم كثيرات. أما في الدول العربية فانه ما زال أمامها مشوار طويل حتى تحصل على مساواتها بالرجل، المساواة العملية وليست الشكلية، وما زالت تصارع في الكثير من الدول العربية من اجل ان تنال حقها بالانتخاب والترشيح للمجالس التشريعية، وان كانت بعض أنظمة الحكم العربية قد زينت مجالس الوزارة لديها برموز نسائية كوزيرة في بعض الوزارات كي تظهر أمام الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على أنها دول تحافظ على حقوق المرأة وتساويها بالرجل بشتى المجالات، لكن هذه المساواة غير حقيقية، فالمرأة لم تتساوى مع الرجل أمام القانون في الكثير من المجالات، حتى إنها لا تستطيع الحصول على جواز السفر إلا بأذن من زوجها ولا حتى تستطيع السفر إلا بأذن منه أيضا، وفي بعض الدول العربية لا يسمح للمرأة حتى قيادة السيارة، ما زال المجتمع العربي بشكل عام يسيطر فيه الرجال على مراكز صنع القرار، وما زال الرجل يكرس كافة الأنظمة والقوانين التي تكرس المرأة خادمة له، واعتبارها إنسان قاصر وناقصة عقل ودين وإنها خلقت من ضلع آدم الأعوج، وتفسر هذه الأقاويل بطريقة خاطئة يهدف منها ترسيخ ان المرأة غير قادرة ان تكون مساوية للرجل.احد المجالس العربية التشريعية، اقر بحق قتل الزوجة لزوجها إذا ما وجدته متلبسا بتهمة الخيانة الزوجية، ولكن هل يعقل حقا ان بمقدور المرأة ان تنفذ أمرا كهذا، لو أنها فعلا وجدت زوجها في وضع كهذا بالجرم المشهود، لماذا لا تتخذ السلطة القضائية والتنفيذية على عاتقها مهمة تنفيذ مثل

ما يطلبه الرجل العصري من المرأة زوجة المستقبل، من صفات إضافة لجمالها النسبي، ان تكون متعلمة وموظفة، لتشاركه أعباء الحياة الاقتصادية، وهناك بعض الصفات الأخرى الثانوية، أما ما تنشده الزوجة العصرية في زوج المستقبل، إضافة إلى جماله النسبي، الثروة المالية والوظيفة المرموقة، وقوة الشخصية، وان يكون لديه سيارة وغيرها من الصفات الأخرى، والتي تختلف بينها الفتيات من حيث الأولية.

غالبا ما يكون الرجل يتمتع بقوة الشخصية والسيطرة المطلقة على البيت وعلى زوجته، وغالبا لا يشعر ان من مصلحته تنمية وتطوير وتعليم زوجته، إذا لم تكن متعلمة، فهو لا يريدها متفتحة أحيانا كثيرة، حتى لا تطالبه بحقوقها، وحتى حقوقها الانسانية، أما إذا كانت الزوجة متعلمة، وذات شخصية قوية، فان الزوج العزيز، لا يستطيع ان يفرض شخصيته عليها، إذا كانت شخصيته ضعيفة مقارنة بشخصيتها، وهنا تتعقد الأمور بينهما، فالرجل الشرقي لا يقبل ان تكون شخصية زوجته أقوى من شخصيته، وقد يشعر بالخجل من ذلك، خوفا من معايرة الناس له، خاصة معايرة أصدقاءه او أقرباءه، فهو لن يتقبل ان تكون شخصية زوجته وعقليتها تفوق شخصيته وعقليته.

المتفاهم عليه اجتماعيا، ان الرجل بالبيت، هو الزوج وهو السيد، وهو الآمر الناهي، ويجب ان يكون كلامه هو المطاع، مهما كان كلامه صحيحا او خاطئا، وغالبا ما يطبق هذا الأمر، بين الأزواج بالمناطق الريفية، حيث تتعرض المرأة للكثير من المحظورات والموانع، وكلها تصب في مصلحة الرجل، وهو في هذه الحالة الزوج.

أما في المدينة، ونتيجة للتقدم النسبي فيها عن القرية، ونتيجة للاختلاط الشديد بين الجنسين، وزيادة درجة الوعي بين الفتيات والنساء بشكل عام، فان المرأة تتمتع بشخصية قوية نسبيا، وتفهم حقوقها بشكل أفضل، وتصارع من اجلها، ولا تسكت على الخطأ الناتج من الزوج او الأخ او الولد،  وتستطيع أحيانا، ان ترد الصاع صاعين، وحتى لو كلفها هذا أحيانا الطلاق من زوجها في سبيل كرامتها وحقها المغتصب.

لماذا لا تكون القيادة بالأسرة بين الزوجين، للشخص الأكفأ، سواء كان الأكفأ هو الزوج أو الزوجة، مع مراعاة خصوصية كل منهما للآخر بالمواصفات الذاتية التي تتناسب مع كل منهما على حدة. هذا الأمر ليس بالسهل إقناع الرجل به من قبل المرأة، إلا إذا كان هو مقتنع به ذاتيا نتيجة للثقافة الذاتية، إذا كان يحمل الفكر التقدمي، او إذا استخدمت المرأة كافة ما لديها من أسلحة وقوة وبشكل جاد وذكي، بحيث لا تقطع خط العودة مع زوجها، وتستطيع المرأة ان تختار الوقت المناسب لفرض إرادتها ومواقفها، إذا كانت مقتنعة بها، وكما ذكرت بأسلوب مرن.

وتبقى الأنثى هي الأصل

أضيفت في13/02/2008/ خاص القصة السورية /المصدر: الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)

 

 

وراء كل عذاب امرأة رجل

 

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

 

أثار كتاب الدكتورة السعودية، رجاء بنت عبد الله الصانع (بنات الرياض)، في حينه، ضجة كبيرة جدا بالأوساط السعودية والخليجية، والعربية بشكل عام، كونه يفضح ممارسات بعض الرجال السعوديين في مدينة الرياض، مع بعض النساء السعوديات، وان كان هذا ينسحب على باقي المدن السعودية الأخرى من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن أقصى شرقها إلى أقصى غربها.

الدكتورة رجاء الصانع من مواليد العام 1981م، و حاصلة على شهادة بكالوريوس في طب ألأسنان، من جامعة الملك سعود في العام الدراسي 2005م في الرياض-المملكة العربية السعودية، والتي أتحفتنا بكتابها بعنوان: (بنات الرياض).

تقول الدكتورة صفية المزين بكلمة احتفالية عن الأديبة والكاتبة رجاء الصانع، بأنها الأديبة الصغيرة سناً.. الكبيرة قدراً.. الدكتورة رجاء الصانع، أديبة أذهلتنا بروعة أسلوبها.. واستطاعت أن تتجول في ردهات قلوبنا، تتسلل بخفة، لتسمع حديث و ساداتنا..تأخذ قهوتها على أريكة جراحنا.. تتندر على تناقضاتنا..بنفس الوقت، الذي تمارسها فيه.. بكل واقعيتها..وغمس ريشتها في "المسكوت عنه".. وترسم على الورق، ما ندركه بعقولنا..وما تم إلقامنا إياه مع الرضعة الأولى، وما نعجز عن الحديث عنه بصوت مرتفع.. في مجتمع.. لا تزيده الأيام إلا تعقيداً..تصبغ شفتيها بلون "فضائحنا".. وتمارس فعل الكتابة بإيمان..وأمل يحدوها.. نحو التغيير للأفضل منطلقة من قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

ترش "دقة وثوم وشطة" على حكاياتنا العسيرة على الهضم.."تذب" و"تنكت" على واقعنا المر.. فتجعلنا نقهقه.. ألماً !لن أزيد على ما قاله الدكتور غازي القصيبي في كلمته:"هذه رواية تستحق أن تُقرأ.. وهذه روائية أنتظر منها الكثير...".

كتاب بنات الرياض، والذي فاض به الكيل، بما يتضمنه من قصص بعض الرجال وعلاقتهم الغريبة والعجيبة والشاذة، مع بنات الرياض، يضع النقاط على الحروف في مدينة الرياض السعودية، ويوضح بدون أدنى شك، واقع المرأة السعودية المؤلم، وعلاقتها مع الرجل والشباب السعودي بشكل عام، وعلى لسان بنات من بناتهم، وقصصهم الواقعية، بحيث لا يدع مجالا للشك، بما طرحنه من قصص مثيرة، ضد نساء سعوديات يعشن في مجتمع، يدعي بأنه محافظ، ومتمسك بالدين بحذافيره، وبالقيم والعادات والتقاليد، والتي نام عليها الدهر وشرب، وإذا كان ما طرح في كتاب بنات الرياض، قد يكون صورة حية، لما حدث ويحدث في مدينة الرياض، إلا أن هذا الكتاب، يمكن أن يكون نموذجا حيا، لما يحدث في كل المدن السعودية، ابتداءا من مدينتي مكة والمدينة، والى كافة باقي المدن السعودية، وبدون استثناء، وتأتي قصة فتاة القطيف، والمعروفة للجميع الآن، والتي انتشرت كانتشار النار في الهشيم، لتؤكد ما جاء بكتاب بنات الرياض، والظلم الذي يمارس عليهن من قبل بعض الرجل باسم الدين، والعادات والتقاليد البالية والظالمة.

ما هي قصة فتاة القطيف؟؟؟

فتاة القطيف، قصة فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تغتصب من سبعة رجال سعوديين، أربعة عشر مرة، وتعتقل من قبل الأمن السعودي ظلما وعدوانا، كونها خرجت من بيت أهلها بلا محرم، وتتهم بالفسق والفجور، ثم يحكم عليها القضاء السعودي، بالسجن ستة أشهر، والجلد مائتي جلدة، كونها اختلت حسب ادعائهم، بسبعة شباب من المجرمين، اغتصبوها غصبا عن إرادتها، هذا الحكم الجائر، حري بأن يجعل الدماء تغلي في عروق الناس، ممن لديهم ذرة من ضمير أو شرف، بغض النظر، عن دقة تفاصيل القصة، لأنه لم تعد مهمة دقة تفاصيلها، بقدر ما يهم الإجراءات المتخذة بحق شابة سعودية، خرجت على ما يعرف على العادات والتقاليد السعودية، بينما الشباب السبعة، والذين قاموا بجريمة اغتصابها، لم نسمع بأحد، يتحدث عنهم، وعن جريمتهم، ولم يقف احد، إلى جانب الفتاة سوى المحامي الوحيد الشجاع (عبد الرحمن اللاحم) والذي يقال عنه بأنه يدافع عن قضايا المرأة بجرأة منقطعة النظير، وكذلك المجرم الحقير بوش، وهو الذي عفا عنها بطلب خاص من السلطات السعودية المختصة.

أن ما حدث بحق هذه الشابة السعودية، لا يقبله عاقل ولا مجنون، فأين رجالات العرب ونسائها من المحيط إلى الخليج، لماذا لم بتشرفوا بالدفاع عنها؟؟؟ فقط لكونها امرأة.

لماذا لم يتكلم أحدا بحق الشباب المجرمين، بتشديد العقاب عليهم، ومحاسبتهم حسابا عسيرا، يستذكرني في هذا المشهد الظالم، قول السيد المسيح-عليه السلام:

(من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بحجر).

أن يسعى القضاء السعودي إلى التغطية على فضيحة حكمه، التي أثارت الدنيا وأقعدتها، بتدمير سمعة الفتاة، واتهامها في شرفها، والافتراء عليها، بما لم تقله، فإن الغضب يتحول إلى بركان، خاصة ونحن نعرف ما يعنيه الشرف لفتاة دُمر كيانها، نعرف ذلك جميعاً، في مجتمع مثل المجتمع السعودي، ومثلها مجتمعات شبه الجزيرة العربية، وعلى رأسها اليمن، تقول الدكتورة اليمنية الرائعة الهام المانع:

ذاك مجتمع تكفي فيه الكلمة أو النظرة، أن تقف فتاة مع شاب في مكان عام، حتى تتهم في شرفها! والشرف معناه في دول شبه الجزيرة العربية كبير، وكبير جدا، لأن قطرات الدم تتحول إلى نصل سكين حاد، يجز رقبة الشابة جزاً، لو هامت حولها مجرد شبهه.

لذا، تشب الفتاة منذ نعومة أظافرها على الخوف:

“خافي من جسدك”. “خافي من نفسك”. “خافي ممن حولك”. “خافي”. “لأن الخوف مفتاح الأمان”. ترضع على أوامر النهي والجزر. “لا تضحكي هكذا”. “لا تبتسمي أمام الرجال”. “واخفضي صوتك”. “لا ترفعيه عالياً أمام الرجال”. “ثم لا تحركي جسدك هكذا. حبذا لو لففت نفسك كالشبح، في قماشة حتى تغيبي.. تغيبي كالضباب”. “قفي وأنت مضمومة، مزمومة، عابسة، متجهمة، صامتة، ثم لا تحدقي فيمن حولك. اكسري عينيك، وانظري إلى الأرض”. “ليتك تتحولين إلى فقاعة، تذوب في الهواء فلا نرها”.

كل هذه التوصيات والتحذيرات، لفتاة لو رغبت بالخروج إلى الشارع العام، لقضاء بعض من حاجاتها، أو حاجات أسرتها، فعليها أن تحفظ كل المحرمات، وكل المحظورات الصغيرة جدا منها قبل الكبيرة، وكأنها أمام رجال أو شباب بصورة حيوانات كاسرة، ومتوحشة، بلباس من البشر.

هذا عن صورة المرأة في إحدى الدول الخليجية، وكيف يتعامل معها الرجال أو الشباب والقضاء، وبامكانك القياس عليها في باقي الدول الخليجية الأخرى، من عمان إلى البحرين والى دولة قطر مرورا بدولة الإمارات العربية المتحدة وبدولة الكويت، وان تباينت الصورة في التعامل مع المرأة، في كل بلد ذكرته، بين بلد وآخر؟

أما في باقي المجتمعات العربية الأخرى، فالنقل غير الخليجية، لنقرأ ما تقوله الكاتبة والأديبة السورية سلوى ألنعيمي عن أحد الرجال في بلاد الشام، وكيف كان يستقبلها عند حضورها من الخارج، من جو ممطر وعاصف في كتابها، (برهان العسل):

(كنت أصل إليه مبللة، وأول ما يفعله هو، يمد إصبعه بين ساقي يتفقد "العسل" كما كان يسميه، يذوقه، ويقبلني، ويوغل عميقاً في فمي.

أقول له: من الواضح أنك تطبق تعاليم الدين، توصيات كتب شيوخي القدماء:

كنت أعلم أن القبلة، أول دواعي الشهوة والنشاط، وسبب الاتعاظ والانتشاء، ولا سيما إذا خلط الرجل، بين قبلتين، بعضة خفيفة، و قرصة ضعيفة.

كيف يمكنني ألا أذكر المفكر به؟ لم يكن بحاجة إلى من يذكره بتراثه، هنا، كان مسلماً بامتياز، وأنا أيضاً).

لنقرأ أيضا ما تقوله الكاتبة والأديبة الجزائرية (فضيلة الفاروق)، عن صديقتها (باني بسطانجي) عن الزواج ونظرتها إليه، وحلمها فيه، في كتابها، (اكتشاف الشهوة) والمنشور من قبل دار رياض الريّس، للكتب والنشر، في دولة لبنان في عام 2006م، وهذه صورة أخرى تكاد تكون نموذجية لمعاملة بعض الرجال في المغرب العربي للمرأة هناك:

(هل تعريفين، حين تزوجت، كنت أظن أن كل مشاكلي انتهت، ولكني اكتشفت، أنني دخلت سجناً فيه كل أنواع العذاب، أنا "باني بسطانجي" التي منعت طيلة حياتها، حتى مجرد، أن تفكر في ذكر، بين ليلة وضحاها، أصبح المطلوب مني، أن أكون عاهرة في الفراش، أن أمارس كما يمارس هو، أن أسمعه كل القذارات، أن أمنحه مؤخرتي ليخترقها بعضوه، أن أكون امرأة منسلخة الكيان، أن أكون نسخة عنه، وعن تفكيره، المشكلة تجاوزتني يا "شاهي" ولهذا تطلقت، ما اخترقني، لم يكن عضوه، كان اغتيالا لكبريائي، وفيما أشعل هو، سيجارة انتصاره، ليتمم بها متعته، قمت أنا منكسرة، نحو الحمام، غسلت جرحي وبكيت.

لم أكن احلم في تلك الليلة، فقد فاتني قطار الأحلام، وتركني واقفة على محطة مقفرة، تنعق فيها غربان الخيبة، ليلتها، لم يزرني الشاب الأسمر، الذي لطالما حلمت به، لم يلامسني بغابته الصغيرة، قبل أن استسلم للنوم تماما، ولم تحل سمرته علي، كليل رومانسي جميل، كانت تلك ليلتي الأولى، بدون رجل، كانت ليلة تنزف بين الفخذين إهانة قاتمة، ليلة لا معنى لها، حولتني إلى كائن، لا معنى له، حقارتي بدأت من هنا، من هذا الزواج، الذي لا معنى له، من هذه المغامرة التي لم تثمر، غير كثير من الذل في حياتي، وكثير من الانهزامية والتلاشي والانتهاء، في غاية السخف، كانت تحدث لي أمور لا افهمها، أمور تجعلني انتهي، وأتوقف عند لحظة اتخاذي لقرار الزواج، خمس وثلاثون سنة، وأنا في انتظار عريس يليق بحجم انتظاري).

هذه صورة لشابة كانت تحلم بقطار الزواج، حتى يصل بها إلى جنات من الود والسعادة والهناء، كبقية من سبقنها من الشابات اللواتي ينتظرن قطار الزواج، ليحملهن إلى أعشاش الزوجية، أللذي ينتظرهن أحيانا طويلة، لعشرات السنين، فقد انتظرته هي، خمس وثلاثون عاما، وهي على أحر من الجمر، فماذا كان ثمرة انتظارها هذا؟؟ غير الذل والإهانة والامتعاض، لو كانت تعرف نتيجته مسبقا بهذا الشكل، لصامت الدهر كله، ولعنت الزواج ومن يفكر فيه ومن يبحث عنه أيضا.

حقيقة، إنني معبأ منذ زمن بعيد، وأعبيء عقلي يوميا وباستمرار، بعشرات المقالات، من بعض الكتاب والكاتبات العربيات، ومما يصلني من قصص يعض السيدات والشابات، عن تجاوزات البعض من إخواننا الرجال، في حق المرأة العربية من المحيط إلى الخليج، وممارساتهم الخاطئة في تعاملاتهم مع المرأة العربية وحتى غير العربية، وقد أكون أنا واحدا كنت من المخطئين في معاملتي للمرأة، واحترام حقوقها سابقا، قبل نضجي وفهمي الموضوعي للمجتمعات الإنسانية وتطورها، وموقع المرأة فيها.

اعتقد أن الكثير من القراء الكرام، يعرف الكاتبة والباحثة المغربية فاطمة المرنيسي وغيرها من نساء المغرب الشهيرات، والمناضلة السعودية الرائدة وجيهة الحويدر، وكتاباتها عن الظلم الذي تعانيه المرأة السعودية، وكذلك الكاتبة الرائعة الدكتورة رجاء الصانع، والتي ذكرتها في بدايات مقالتي، والتي أقامت المجتمع السعودي ولم تقعده بعد، ونماذج لمعاناة المرأة السعودية من بعض الرجال، وكذلك الكاتبة المصرية العظيمة د. نوال السعداوي، وما طرحته بكتبها جميعها، من معاناة المرأة المصرية من بعض الرجال المصريين المتخلفين، وكذلك ما طرحته الكاتبة السورية سلوى ألنعيمي في كتابها (برهان العسل)، والذي جاء ذكره سابقا أيضا، وكيف يعاملها زوجها، وأيضا ما طرحته الكاتبة الجزائرية (فضيلة الفاروق) عن صديقتها باني بوسطنجي، وقد جاء ذكرها سابقا أيضا،

اعتقد أن البعض منكم، يسمع برنامج سيرة الحب، الذي تقدمه الدكتورة الكويتية فوزية الدريع، على قناة الرأي الكويتية، والذي يبث أسبوعيا، وما يعرض فيه من مشاكل تتعرض له المرأة العربية بشكل عام، والمرأة الخليجية بشكل خاص، عبر بث حي ومباشر، وطبعا هناك كثيرا من المواقع على الشبكة العنكبوتية، توضح بقصص واقعية، مدى الظلم الواقع على المرأة العربية من بعض الرجال، ومنها موقع أمان الأردني، وغيره من المواقع المتعلقة بالعنف ضد المرأة، وأحداث قصص الشرف، التي نسمع عنها في الأردن يوميا، حقيقة، أنها تثير الاشمئزاز.

قصة ليلى المغربية، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي إحدى القصص، التي تتعرض له المرأة العربية، من قبل الرجل العربي، وتلام فيه المرأة العربية دائما، فبعد أن حصلت هذه الفتاة، على عقد للعمل كمربية لمدة سنتين، ودفعت لأجل ذلك مبلغا ماليا كبيرا نوعا ما، أصابها ما أصابها في القصة التي ترويها بنفسها، لإحدى الصحف الخليجية تقول فيها:

(رمت بي الأقدار في أحضان شخص عربي، ليشرع باغتصابي، وفض بكارتي من أول يوم وصلته فيه، ثم فرض علي بالقوة والتهديد، بمضاجعة بعض الأشخاص، في مختلف الأوضاع الجنسية، ودام هذا الحال أسبوعا كاملا، وكلما كنت أرفض الانصياع لأوامره، كان يحتجزني بالمرحاض لعدة ساعات، ويمنع عني الطعام والشراب طيلة النهار، حتى اخضع لمطالبه، واستجيب لرغابته، إلى أن تمكنت من الهرب منه بطريقة وحيلة خاصة، فكرت بها جيدا ونجحت بتنفيذها).

ما أعرضه حقيقة، هو من بعض تصرفات بعض الرجال، ونظرتهم الدونية للمرأة، واحتقارهم واستغلالهم وعدم تقديرهم لها أيضا، وممارساتهم الخاطئة والمشينة معها، وإجبارها على ممارسة تصرفات ليست مقتنعة بها، وقد تقبل بها أحيانا، نزولا لرغباتهم و ارضاءا لغرورهم ولرجولتهم، وبدون إذنها أو رضاها المصطنع، وأنا لا أقول كلهم، بل مجموعة منهم منتشرة في معظم الدول العربية، من المحيط إلى الخليج، كما أنني لا أكتب هذا من مخليتي، بل منقولا عن كاتبات مشهورات، ذكرتهم سابقا، وهذه نماذج لما يحدث مع المرأة العربية، وليست حصرا، والمجال لا يسع هنا لحصرها وتعدادها ووصفها، وفعلا كما جاء في عنوان المقال: وراء كل عذاب امرأة رجل.

أضيفت في13/02/2008/ خاص القصة السورية /المصدر: الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)

  

 

قراءة بين السطور في قصة (الأوبة)

 للكاتبة والأديبة السعودية وردة الصولي

 

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

تنتاب المملكة العربية السعودية منذ فترة زمنية، موجة عارمة من الكتابة النسائية القصصية، من قبل كاتبات وأديبات سعوديات، اتصفن بالصراحة المطلقة، والشجاعة والجرأة، والتمرد، على واقعهن الاجتماعي المزري، والمظلم والتعيس، صار الموت لديهن أهون عليهن من معايشته، او القبول به، او التأقلم معه، ففضلن التصريح دو التلميح، بما يجول في خواطرهن من عواطف جياشة، وظلم وممارسات في المجتمع فادحة، عبر كتاباتهن القصصية النقدية اللاذعة، بشكل لم يسبق له مثيل، لمجتمع متحجر، منذ مئات السنين، يأبى أن يتزحزح ولو قيد أنملة، عن عقلية القرون الوسطى، ومهما كانت العواقب عليهن، او النتائج مدمرة أو أليمة، فهن يعتبرن ما سيحدث لهن، أفضل كثيرا مما آل إليه مجتمعهن ووضعهن، هذا المجتمع، الذي يتمسك بقيم وعادات وتقاليد وتراث قديم وبالي، نام عليه الدهر وشرب كثيرا، منذ عشرات السنين، وأصبح الدين وتقاليده وتطبيقاته، والذي يقود تنفيذ تعاليمه، التي ما أنزل الله بها من سلطان، جماعة تعرف بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حيث أصبحت كالسياط المسلطة على المجتمع السعودي عامة، وعلى المرأة السعودية بخاصة، فجماعة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتي هي عبارة عن تنظيم ديني متزمت يعيش في عالم خاص به، بعيدا عن الأحداث وتسارعاتها، بكل ما في الكلمة من معنى، والتي وجودها ينتشر بكل مكان على الأرض السعودية، أخذت على عاتقها منذ زمن بعيد جدا، مهمة تطبيق تعاليم الدين الإسلامي بحذافيره، وكما تفهمه هي، على الشعب السعودي المسالم، مع أن معظم منتمي أفراد هذه الجماعة، لا تحمل الشهادة الابتدائية، والقليل جدا منهم، من يملك شهادة جامعية، والأغرب من ذلك، عن تلك الجماعة، أخبار تتسرب، بنية تسليحها بالأسلحة الأوتوماتكية، كي تزداد قسوتها وقمعها لحرية المواطن السعودي، والمرأة السعودية بالذات، في نفس الوقت، الذي تشهد به معظم دول العالم، التحرر والإنعتاق والانفتاح من التخلف والعبودية والاستبداد الفكري والاجتماعي والإرهاب الديني.

الكاتبة والأديبة وردة الصولي في كتابها قصة (الأوبة)، وعلى لسان بطلة قصتها (سارة)، تعرض حياة بطلتها، وهي طالبة بالثانوية العامة، وكيف فاجأت صفها المدعوة (فلوة) الأخصائية الاجتماعية في المدرسة، حيث عملت مع زميلة لها على إخراج الطالبات من الصف بشكل فجائي، وتفتيش حاجياتهن، لعلهن يجدن ما لدى الطالبات من موبقات محروم عليهن تعاطيهن، مثل أدوات الماكياج والتجميل وأشرطة الفيديو كليب والأغاني والموسيقى المحرمة، وبعض الكتب الأدبية والعلمية والتي تعتبر محرمة عليهن تداولها. وقد تمكنت (فلوة) بشكل او بآخر، من تثبيت تهمة حيازة الممنوعات على الطالبة سارة، والتي قد تكون من ضمن عواقبها الوخيمة، الفصل من المدرسة، وإبلاغ أهل الطالبة، مما يترتب على الطالبة إجراءات قاسية من الأهل ومن المدرسة، قد تصل حد السجن في البيت، وحرمانها حتى من تنفس الهواء، إضافة لطردها من مدرستها.

تمكنت الداهية (فلوة) والتي تعمل مطوعة أيضا في جمعية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتي تعتبر من الناشطات العاملات بها، من عقد صفقة بذكاء ودهاء وخبث، مع الطالبة (سارة)، بحيث تعقد لها مصالحة مع مديرة المدرسة، وبعدم تبليغ أهلها بما حدث معها، على أن تكتب سارة تعهدا لدى إدارة المدرسة، كما هو متبع في مثل هذه الحالات، يتم بمقتضاه عدم معاودتها التعامل مع الكتب وأشرطة الفيديو وخلافه. فوافقت سارة على ذلك تحت إرهاب الخوف والتهدي،د والعقاب الشديد، وأسرعت "وقد وقعتُ على يد (فلوة) اليمنى وتقبّلها بامتنانٍ طفولي، وهي المرة الأولى في حياتها التي تنحني فيها على يد، وتقبلها كما تقول هي. وتتابع سارة:لكنني الآن أعي أن ذلك، كان إيذاناً ببدء تاريخ عبوديتي، ذلك التاريخ السحيق، الذي سلب من إنسانيتي حسها، ومن روحي رفيفها العلوي، وأطلق العجلة لتدور بسرعةٍ خرافية، فوق كل خليةٍ من خلايا جسدي وذاكرتي، ولتشكّل تلك المرأة، بيديها القاسيتين مصيري، بلا وجلٍ، وبلا تردد وبلا رحمة، وبلا شعورٍ بالذنب" (ص12).

منذ ذلك اليوم، أصبحت سارة تدور في فلك الاخصائية الاجتماعية (فلوة)، والتي أغرقتها بالكتيبات وأشرطة الكاسيت الدينية، لمشاهير شيوخ الصحوة، التي صارت الفتاة تخصص لها وقتاً يفوق ما تخصصه لدروسها، وتحت تأثير وسطوة (فلوة)، تحرق سارة كل ما تملكه من صورٍ وقصص ومجلات، وتذكارات ودُمى وأشرطة أغانٍي، خلاف الذي ستقدمه لها فلوة، حتى تؤكد قدرتها على هزيمة رغبات النفس والشيطان.

حقيقة الأمر، أن (فلوة) كانت تفكر بأعمق وأبعد من ذلك بكثير، حيث كانت تود ابتزاز (سارة) وجعلها طيعة، وكالعجينة بيديها، كي تعمل في المستقبل القريب، على تزويجها من أخيها المطوع (عبد الله)، دون مراعاة، لوضع أخاها ومرضه المزمن، وفرق سنه عن سن سارة، وغيرها من الصفات والطباع السلبية الأخرى والكثيرة، والتي لا يمكن أن تروم لسارة بأي حال من الأحوال، لولا الغشاوة التي أسقطتها (فلوة) على عينيها، وهكذا تمكنت (فلوة) بعد فترة زمنية مناسبة، وبظروف هيأتها مسبقا بشكل جيد جدا، من عرض فكرتها على سارة، وتقول لها وهي في آخر يومٍ من الامتحان النهائي، حيث تباغتها بلا تمهيد بالقول، بأنها لن تجد أفضل منها زوجة لأخيها عبد الله، حيث المواصفات تبدو مطابقة، إذ تصف سارة نفسها آنذاك بأنها "مطوعة صغيرة جديدة، و قبلية مثلها، وجميلة ومهذبة..ونعجة صغيرة!" (ص15).

تقول فلوة لسارة: فما رأيك يا سارة؟؟؟ وكأنها تحتاج أن تسمع رأيها،  وأنت تعلمين بأن أخي مطوع معروف، كل وقته يقضيه من البيت الى المسجد، ومن المسجد الى البيت، فأنت لا تحتاجين إلا الى رجل كي يتزوجك كباقي البنات، وأنت بحاجة الى رجل بهذه الصفات، وما عليك إلا أن تخدميه بعينيك قبل يديك، وتقضي معظم وقتك معه، بين المطبخ والسرير، وبين السرير والمطبخ، وستكون كل حياتك سعادة وهناء وبلا أي تعب، وعلى ضوء ذلك، تم زواجها وفقا للعادات والأعراف المتبعة، دون أن تعلم سارة، ما يخبأه لها القدر خلف هذا الزواج من آلام وأحزان ومآسي. فلم تكن تعلم بأنها قد تزوجت من ثور هائج، لكنه يلبس دشداشة بيضاء، تصل أسفل الركبة بقليل، وذو لحية كثيفة تصل الى منتصف صدره، وجسمه كل جزء فيه له كرش، فكرشه له كرش أيضا، قصير القامة وسمين، يسير بخطى ثقيلة، ويميل الى جانبه الأيمن قليلا.

تتحدى سارة أخاها (عمر)، وتتجاهل نصيحته لها برفض هذا الرجل الغريب الأطوار، الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً، ولكن الزواج يتم، ولا أحد يحول دون منعه.

تصف الكاتبة وردة الصولي على لسان سارة، ما حدث معها ليلة الدخلة فتقول:

(خلع ثيابه، وأبقى عليه سروالاً قطنياً ممططاً ومائلاً إلى الصُفرة، يصل إلى حدود ركبتيه، لم يقدم لي كأس ماء واحدة، ولا حتى وردة، ولم أر شوكولاتة ولا فاكهة، ولم أسمع منه كلمة ولا همسة، ولم يداعبني، ولم يلاطفني مداعبات وملاطفات ما قبل الزواج كما سمعت، كما لمثلي أن تحلم أو تتخيل، لكنه برك علي، هكذا برك على جسدي، كما يبرك البعير الأجرب، وبدأ يمطرني بقُبلٍ متلاحقة مجنونة، على وجهي، يأكل فمي، ويمضغ لساني، ويحك أسنانه بأسناني، وأصابعه تعتصر تفّاحتَي بشدة، حتى يبلغ الوجع الجنوني رقبتي، لم يتركني إلا مع آذان الفجر.

إذن هكذا يرحم الله البنات في لياليهن الأولى، يؤذن المؤذن، فتُطوى الثعابين السامة، ويضممن أرجلهن، أعطيته ظهري دقائق، والصداع يكاد يقسم رأسي نصفين، أشعر بالغثيان، وبأن معدتي الفارغة، ستلفظ بطانتها قبل ضوء الصباح، قمتُ متثاقلةً إلى الحمام، أسحب رجلي سحباً، الألم بين فخذي، لا يُحتمل، وكأن أفعى ضخمة، أو حيواناً برياً قد دخل في أحشائي، ومَزق لحمي، ولم يخرج، رأيته يتفقد السرير والأغطية، ووجهه منشرح، لحقتني إلى أرضيةِ الحمام، بضعُ قطراتٍ من الدم المائل إلى السواد، اغتسلتُ، وكتمت الأنين، والماء يلامس جرحي الطري" (ص19/20).

(غير أن الزلزال، يقع قرب الساعة الثالثة من صباح أحد الأيام، تستيقظ سارة على صوت أنينٍ مكتوم، لتجد عبد الله ساجداً على الأرض وهو ينشج، وعندما تقترب منه، يصرخ بها طالباً منها الابتعاد، قبل أن يقترب منها ويعانقها بطريقته الفظة. "رفع يده إلى الأعلى وبدأ يسب الله بكلماتٍ جنسية ساقطة، لم تصدق نفسي ما سمعته. رأيتُ قبائل من الجن تحوم حولنا في هرجٍ ومرج (ص25).

في الصباح، تهاتف سارة (فلوة) لتخبرها بما جرى، لتكتشف تدريجياً أن زوجها عبد الله شخص مريض. تقول سارة عن زوجها عبد الله: (لأنك ثورٌ، زوجوك وطلقوك، أعلم أن الحياة مضت بك بين السجود لعظمته، واعتلاء البقرة الولود، بين الملذاتِ العلوية في حضرته، والسفلية في حضرة ساقيها المنفرجتين، ثم ما ازددت إلا خبالاً، لكني أعرف جُبنكَ، ستولي هارباً من ربك، وترمي بجثتك الضخمة فوقي).

كذلك تصف سارة أخته (فلوة)، والتي ورطتها بهذه الزيجة الإجرامية التعيسة، بدون إحساس أو وازع من دين أو شرف أو ضمير، مع كونها مطوعة قديمة، حيث تصفها بالقول: (أما فلوة فتستحق المرور بجهنم بضعة أيامٍ، حتى تستوي مؤخرتها، ويتحجَر برازها الأسود في أمعائها، فلا تعبث مع بنات الآخرة، عبثها معي) (ص37).

بعد مرض عبد الله، تتعذب سارة نفسياً، وتشعر بالضيق والحرمان الجسدي، وحين ترى من خلف الستارة الشاب (خالد) وهو ابن أخت جدتها، الذي اعتاد زيارتها بانتظام، تُعجبُ به، وتحترق بنار الرغبة، (لم أستعذ بالله ولم أتراجع ولم أغضّ بصري، بل كنتُ ملتذةً بالتلصص عليه. غريزةٌ همجية اضطرمت في داخلي كالجمر، وأنا أحدق في الشاب، بقامته الطويلة، وابتسامته الحلوة، وثيابه النظيفة، تذكرتُ أبطال الروايات، التي أحرقتُها في معبد فلوة، ثم شعرتُ ب(رطوبة) هناك، رطوبةٍ في الوادي المقدس، شعرتُ برطوبةٍ ونبض، أو بنبضٍ ورطوبة، واستطالت حبة الفراولة الصغيرة واشتعلت، أحلمُ بفم هذا الشاب الناعم يُقبلُها، ويمصُها ويرشفها، أضغطُ فخذاً بفخذ، فتزداد السخونة، يا رب، إن لم تسرع بشفائي فعجل بجنوني).  وتتابع البطلة سارة قصتها فتقول أيضا:

فتحتُ الباب على عبد الله، والمرض قد نخله، فبقي سلبياً شبه مستسلم، وترك الأمر لي. قمتُ فوقه بشوق، وهو راقد على ظهره، أنشبُ أظفاري في لحم رقبته، قائمة قاعدة، قاعدةً قائمة، أغمضُ عيني عن المريض الأشعث، لأضاجع ذاك الناعم النظيف البعيد، أكبرُ لصلاتي، فيحجب وجهه عني وجه الله، وإذا ركعتُ، وجدته أكبر من الله، وإذا سجدتُ، صار أقرب لي من الله، تتسارعُ أنفاسي وأنا على تخومِ اللذة القصوى، أنشبُ أظفاري أكثر، وأشتعلُ كنمرةٍ جائعة، وفي لحظة، لحظة لا تُقال، ولا تُوصف، ولا تُحكى ولا تُعاد، أتوقف عن القيام والقعود فوقه، لأن الجنة، ستداعب أقدامي، بدأت الجنةُ تغمرني هكذا، فأسقط على ظهري ثملةً من اللذة، لأتوسد ساقيه الممدودتين، إحساسٌ جديد، أمطرت معه خزائن السماء ورداً وياسميناً، ولربع ساعةٍ، توّجتُ ملكةً على البر والماء" (ص 39-40)

هذا بعض ما ذكرته الكاتبة السعودية وردة الصولي في قصتها (الأوبة)، بكل جرأة وشجاعة وصراحة وثقة، لتعبر بها عن بعض العواطف الجياشة التي تنتاب المرأة أو الشابة في لحظات كثيرة من حياتها وحقيقة شعورها سواء كانت امرأة سعودية أو غير ذلك، وقد يكون وصفا أقل بكثير من الواقع الفعلي والمخفي، لكنه مؤشر أولي، لما يحدث بالفعل، خلف الأبواب المغلفة، وفي قاع المدينة، والذي يعبر كثيرا عن معاناة الكثير من الشابات والنساء السعوديات، وحتى الرجل والشاب السعودي، لما يعانونه من كبت وقمع شديد لرغاباتهم الجسدية والإنسانية الطبيعية، والتي حباها الله سبحانه لبني البشر، بحيث أصبح كل شيء محرم باسم الدين، تحرمه وتحلله، بعض من جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب أمزجتها وتفكيرها، فأفراد هذه الجماعة، كما تناولتها الأخبار أخيرا، ليس لديهم عمل إنتاجي أو اقتصادي كي يقوموا به، غير هذا الواجب الممل، والذي لا معنى له ولا طعم، سوى إيذاء الناس، ومراقبتهم والتلصص عليهم واغتيابهم، مع أن من راقب الناس مات هما، وإجبارهم على فعل أشياء غير مقتنعين بفعلها، والا لفعلوها دون حاجة لسياط وإرهاب (مطوعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وتتابع وردة الصولي سرد قصة سارة بطلتها فتقول:

(بعد طلاقها من زوجها المدعو عبد الله، تزداد الوردةُ ذبولاً والمرأة ذهولاً، فتصحبها الجدة إلى أحد الشيوخ، شرق مدينة الرياض، لعله يساعدها على شفائها، مما ألم بها ومن وساوسها وأحزانها، وتحكي البطلة، كيف أخذ الشيخ في قراءة القرآن عليها، وهو يخفي شبقه، (اقتربَ مني، ثم اقتربَ أكثر، بسملَ وبدأ يقرأ القرآن، ورذاذُ فمه يتطاير نحوي، جدتي تهلّل وتستغفر، وهو يقرأ، لا ينشرح صدري، ولا ينقبض، ويقرأ، يلعب بشعر لحيته، ويقرأ، أسمعُ صوت أنفاسه اللاهثة، ويقرأ، تطفحُ بي الهواجس، ويقرأ، يضعُ كفه على فخذي، ويقرأ، يمتليء رأسي بالأخيلة، ويقرأ، أشعرُ بضغط أصابعه على لحمي، ويقرأ، تجتاحني رائحة عبد الله، ويقرأ، تصعد كفه إلى أعلى فخذي، ويقرأ، تجوس أصابعه في الوادي الصغير، ويقرأ، تسد الثيران الهائجة باب الحجرة، ويقرأ) (ص43).

بلمح البصر، أصبح الشيخ القصير السمين زوجها الثاني، وبهذا تقدم الكاتبة والأديبة السعودية (وردة الصولي)، صورا أخرى، لما يحدث مع بطلة قصتها سارة، وتعري بعضا من رجال الدين الفاسقين، وتفضح انحرافاتهم، وكلما ازداد المجتمع غلاظة وشدة وكبتا للحريات الشخصية، ازداد الفساد والإفساد، بأبشع صوره، ولا أحد يدري أو يتكلم، على نافلة القول:(وإذا بليتم فاستتروا)، إلا هؤلاء الكاتبات والأديبات السعوديات الرائعات والجريئات والمبدعات، أمثال وردة الصولي ووجيهة الحويدر وأختها فاطمة الحويدر، ورجاء بنت عبد الله الصانع، وصبا الحرز ونادين البدير، وزينب حفني، وسمر المقرن، وغيرهن كثيرات ومبدعات وصريحات، يتحلين بالشجاعة والصبر، الى أبدع الحدود، فكل التحية والتقدير للمرأة السعودية الصابرة والعظيمة، وللكل الكاتبات والأديبات السعوديات، اللواتي كسرن الحواجز والمحرمات الاصطناعية، وعبرنها الى عالم الواقع والواقعية.

رحم الله الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما قال:( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟؟؟) .

أضيفت في10/06/2008/ * خاص القصة السورية /المصدر: الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)

  

 

أدب المرأة والمرأة السعودية

قراءة في كتاب، قصة صبا الحرز (الآخرون)

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

تعتبر رواية صبا الحرز (الآخرون)، من الروايات المثيرة جدا، في المجتمع العربي عامة، والمجتمع الخليجي-السعودي خاصة، لما تضمنته من نقد عميق وقاس، وبكل جرأة وصراحة، وشجاعة كبيرة، من قبل الكاتبة والأديبة السعودية، للمجتمع السعودي، لما فيه هذا المجتمع، من قمع وإرهاب للحريات الاجتماعية والفكرية والشخصية، والكاتبة والأديبة (صبا الحرز) شابةٌ سعودية، أطلقت على نفسها هذا الاسم (صبا الحرز) رمزيا، فهو ليس اسمها الحقيقي، وتظهر من قصتها الرائعة، بأنها شابة متميزة وذكية جدا، وموهوبة أيضا، ضربت بالمحظورات التراثية البالية والقديمة، عرض الحائط، ومن وراء ظهرها،  سواء الممارسات الدينية والمذهبية، أو حتى العلاقات الجنسية والعاطفية والمثلية، وحتى السياسية، وكشفت بكل صراحة، ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، من ممارسات تعتبر مستهجنة جدا، في مجتمع معروف عنه، بأنه محافظ جدا، حد التزمت والجمود، ولا يتساهل مع أحد، في تجاوزته مهما صغرت هذه التجاوزات، أو كبرت، خاصة، إذا كان الأمر يتعلق بالمرأة وجسدها، من قريب او من بعيد، فيما إذا هي التي ارتكبت هذه التجاوزات، كون المجتمع السعودي، مجتمع ذو ثقافة ذكورية 100%، بدون منازع، وهي الثقافة السائدة في المجتمع، ولا تأخذه شفقة أو رحمة في احد، طبعا إلا من كان لهم نفوذا، وجاها وباعا طويلا في السلطة، أو في جماعة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتي تعتبر هي الحاكمة، والوصية بأمر الله، وتتحكم هي بعاداته وتقاليده، فتحرم وتحلل، كما تشاء، بغطاء شرعي من السلطة الحاكمة، فتزيد الضغط أو تخففه على الناس، حسب ما يصلها من تعليمات، وما تتلقاه من أوامر، وحسب الظرف السياسي الداخلي، والمحيط بالمنطقة، فتتوسع وتتعمق بالتلصص والتجسس على شؤون الناس وأحوالهم، وتفرض العقاب، او تحجبه، على من تشاء بغير حساب.

 هذه الجماعة، هي من تفرض القمع والكبت والإرهاب على المواطن السعودي بعامة، والمرأة السعودية بخاصة، وتفرض عليهم نظرتها، بكيف عليه أن يسير المجتمع والمواطن، بحيث أصبح الخوف والقلق والرعب، يطال الجميع، وأولهن المرأة، وآخرهم الرجل، مع أن هناك نساء يمارسون نفس دور الرجل، في القمع والإرهاب والحساب والعقاب، على بنات جنسهن، فقد جبلوا، وعبأت عقولهم، على أن يكونوا عبيدا عند الرجل، ولمتعته الجسدية والجنسية، فمن شب على شيء شاب عليه، ودورهم مقتصر على هذا الجانب، فهم من المطبخ الى سرير الرجل، ومن سريره، الى المطبخ، إذا ما كن متزوجات بالطبع، ويستثنى من ذلك طبعا، النساء السعوديات، المثقفات والمتعلمات، واللواتي لديهن الشجاعة الكافية والجرأة، بنزع حقوقهن نزعا، ومن خرجن خارج الدولة السعودية، الى دول أوروبة والولايات المتحدة الأمريكية، وحقيقة، فهن كثيرات.

صبا الحرز، في قصتها الرائعة، والتي تتصف بالصراحة والجرأة والشجاعة، وبأسلوبها الشيق والممتع، والسلس، والسهل الممتنع، تتناول ظاهرة اجتماعية، تنتشر في المجتمعات العربية جميعها من المحيط الى الخليج، وان بنسب متفاوتة، بين دولة وأخرى، وهي العلاقات الجنسية المثلية او السحاقية بين الشابات، وان كان محور القصة، ينصب على بعض الشابات السعوديات في منطقة القطيف، واللواتي في معظمهن، يعشن في ظروف من الشدة والقسوة المتناهية، في مجتمع متزمت ومتحجر، يصف فيه المرأة من رأسها الى أخمص قدميها بالعورة، فجسمها كله عورة، والمرأة تكاد لا تختلف عن الشيطان في شيء، حسب تفكيرهم وإيمانهم، فهي الشيطان بعينه، فشعرها عورة، وصوتها عورة، لذلك، فلا يحق لها الخروج من منزلها إلا بمحرم، وفي المحاكم، شهادة امرأة واحدة، لا تكفي، كما أنها ناقصة عقل ودين، وأنها خلقت من ضلع آدم الأعوج، والرجال قوامون على النساء، وللرجل مثل حظ الأنثيين بالإرث، كما يحق للرجل، بالزواج مثنى وثلاث ورباع، وما ملكت إيمانهم، أي حسب ما يملكونه من ثروة وجاه، أما المرأة،  فلا يجوز لها محادثة أحد، كي لا يغويها الشيطان، وتفتن الرجال، وتكون سببا في دخولهم نار جهنم، وبئس المصير، لذلك، هناك صفات تعلم وتدرب عليها المرأة، منذ صغرها، وحتى يوم مماتها، لأن هذا المجتمع، تكفي فيه الكلمة أو النظرة، عندما تقف فيه شابة مع شاب، في مكان عام، حتى تتهم في شرفها وعرضها! وهذا معناه كبير جدا، وعواقبه وخيمة لا تحتمل، لذا، تشب الفتاة منذ نعومة أظافرها، على الخوف والرعب، والكبت والمنع، والإرهاب الفكري والديني، كعذاب القبر، وأهواله، والأفاعي التي لها سبعة رؤوس، وغيرها من أهوال الرعب الكاذبة.......الخ، وكما تقول الدكتورة اليمنية الرائعة (الهام المانع)، فان المرأة السعودية خاصة، والخليجية بعامة، تنمو وهي تتعلم مقولة: “خافي من جسدك” ومن نفسك”، “وممن هم حولك”، “خافي”، “لأن الخوف مفتاح الأمان”، وترضع أوامر النهي والجزر والمنع، “فلا تضحكي هكذا”، “لا تبتسمي أمام الرجال”، “واخفضي من صوتك”، “لا ترفعيه عالياً”، “ثم لا تحركي جسدك هكذا، حبذا لو لففت نفسك كالشبح، في العباءة، حتى تغيبي كالضباب”، قفي وأنت مضمومة، ومزمومة، عابسة ومتجهمة وصامتة، ثم لا تحدقي فيمن حولك، ولا تحركي عينيك يسرة ويمنة، وانظري إلى الأرض”، “ليتك تتحولين إلى فقاعة، تذوب في الهواء، فلا نراها”.

كل هذه التوصيات والتحذيرات، لفتاة لو رغبت أو حلمت بالخروج إلى الشارع العام، لقضاء بعض من حاجاتها، أو حاجات أسرتها، فعليها أن تحفظ كل المحرمات والمحظورات جيدا، الصغيرة منها، قبل الكبيرة، وكأنها عندما تخرج خارج بيتها، ستصادف رجالا أو شبابا بصورة حيوانات كاسرة، ومتوحشة، ولكنهم بلباس من البشر.

اعتقد جازما، بان الكثير من العادات والتقاليد العربية، والسعودية خاصة، قد عفا عليها الزمن، وتتشابه كثيرا، بما كان سائدا منها في القرون الوسطى، هو ما دفع الكاتبة والأديبة الرائعة (صبا الحرز)، بعد أن طفح بها الكيل، أن تكتب قصتها: (الآخرون)، وتنشرها على الملأ، بعد أن طفح الكيل في المجتمع أيضا، ولم تعد المرأة السعودية قادرة على قضم غيظها، خاصة، وأنها إذا ما خسرت، فلن تخسر إلا قيودها وأحزانها وآلامها ومعاناتها اليومية.

تتحدث القصة وعلى لسان بطلتها، عن شابة مثلية وسحاقية، تعيش في منطقة القطيف، و تروي قصة حبٍ عاصفة، بينها وبين شابة أخرى، ومع عدد آخر من الشابات، صديقات وزميلات لها، عرفن في الرواية باسم ضي ودارين وبلقيس وسندس وهداية وهبة، وتصف هذه العلاقاتٍ المثلية، بينها وبينهن، بأدق تفاصيلها وخفاياها، بما تتضمنه من شعور صادق وعواطف حميمة و جياشة وحقيقية، وبما تجلبه عليهن من متعة ونشوة أثناء الممارسة العملية، وما تتصارعه في نفس الوقت في ألذات، بين الرغبات الجسدية الجنسية، والأفكار الدينية، والمحظورات والمحرمات، وإن كانت تظهر بطلة القصة، وقد اعتراها في شعورها شيئا من الندم، لهذه الممارسات الخاطئة.

تقول الكاتبة، بأن بطلتها تدين بالمذهب الشيعي، وهي عضوة فاعلة بأنشطة الحسينيات، التي تعود للجماعات الشيعية بالمنطقة، إلا أن ظاهرة السحاق والمثلية، بين الشابات في كافة المجتمعات، لا ترتبط حقيقة، بمجتمع أو بمذهب دون آخر، كون منطقة القطيف زاخرة بأتباع المذهب الشيعي، وتنتشر بها الحسينيات، فقد تفهم هذه الظاهرة، وكأنها مرتبطة بمعتنقي المذهب الشيعي، وهذا غير صحيح موضوعيا.

تتوزع مواقع أحداث القصة من الحسينية، حيث تتعرف بطلة القصة، من خلالها على صديقاتها، وفي منزلها بغرفتها الخاصة بها، وبمن عشقتهن وعشقنها من الشابات، وفي كلية الدمام، ومن خلال الاتصالات المتكررة بالبيليفونات، وعبر الشبكة العنكبوبتة، وفي وسائط نقل الجامعة، والتي تعمل على نقل الطالبات من والى الجامعة.

تظهر القصة، وتوحي حقيقة ما يدور في المجتمعات المنغلقة، والمتزمتة دينيا، ومدى تأثير الفكر الديني المتزمت والمنغلق والمتشدد، في مثل هذه الممارسات الشاذة، حيث تكون الحسينية، إضافة للحرم الجامعي، محور اللقاءات والتعارف، والمكان الأنسب، لتحديد المواعيد والمصارحات والمكاشفات، بين الشابات، وبحرية، ودون عراقيل تذكر من أحد، مستخدمين كافة التسهيلات المتاحة لديهم، لتبادل الرغبات، وعبارات الغزل والإعجاب، واللظى وشدة الشوق، وتحديد أمكنة اللقاءات الحميمة، والذي كان يتم غالبا، داخل غرف نومهن المغلقة، في سكناهم الخاص، حيث اعتدن بالنوم معا، على سرير واحد مزدوج كزوج وزوجته، وأجسادهن بشكل عاري تماما، ويتركن لأحلامهن وتخيلاتهن، بتوجيه أصابع أيديهن للعبث بأجسادهن في كافة المواقع والاتجاهات الحساسة، وبشكل متبادل، يبدأنها بقبل حارة وحميمة، تبدأ بالفم، ومن ثم تنتقل الى الجزء السفلي من الجسم، كالرقبة والأثداء، ثم ينتقلن الى أسفل ذلك من الجسم، كالأفخاذ وما بينهما من الأعضاء الجنسية.

بطلة القصة، طالبةٌ تدرس في كلية الدمام، وتمارس الكتابة والخدمات الاجتماعية في المجلات الدينية والحسينيات النسائية، التي يقام فيها مراسم العزاء والاحتفالات الشيعية. وهي مصابة بنوبات صرع، تنتابها أحيانا، تجعلها تقول، بأن هذا هو عيبها الوحيد، الذي يداهمها، مقابل جسدها الأنثوي الأخاذ، والمبهر في جماله، والتي تتميز به المرأة السعودية بعامة (ص95).

 بدون ذكر اسم محدد لبطلة القصة، تتولى سرد الأحداث على لسانها، فتتصارع في ذاتها بين جمال جسدها واحتياجاته الفسيولوجية الملحة والمثيرة، وبين ما يجول في عقلها وتفكيرها من عادات وتقاليد مجتمعها، والفكر الديني المتشدد والمنغلق والمتزمت، وما يفرضه عليها من محظورات وموانع، تحت طائلة الحلال والحرام، والذي لا يبيح للمرأة السعودية، أدنى حق من حقوقها الإنسانية، فتقف البطلة، حائرة بكيفية التوفيق، بين الاحتياجات الجسدية والجنسية لها، والتي تؤرق مضجعها ليل نهار، والتي لا تستطيع تلبيتها، ولا تجد متنفس له، وبين تقاليد وعادات مجتمعها المتزمتة جدا، والتي كلها موشحة بالمنع وبالحرام، بحيث لا يوجد هناك أي مجال لفتح باب ولا حتى نافذة صغيرة جدا، لتصريف هذا الهيجان الجنسي العارم، والذي ينتاب الشابة في أطوار معينة من نموها الطبيعي، في ظل المنع الشامل، لأبسط حقوق الحياة البشرية والإنسانية، فالكبت والحرمان، بلغا أقصاهما، ولم يعد يمكن السيطرة على الاحتياجات الجسدية والنفسية، وتفريغها بطرق منطقية وموضوعية ومشروعة، وغير شاذة، حتى ولو بكلمة توحي بالحنية والتأوه.

أين هي النوادي والملاعب الرياضية المنوعة المخصصة للشابات، والمسابح وملاعب كرة القدم والسلة وطاولات البنج بنج والجمباز، ورقص الباليه، ونوادي الموسيقى والحفلات الاجتماعية الترفيهية، والرحلات الداخلية والخارجية الجماعية، والتي كفيلة بتوجيه طاقات الشابات واستغلالها، في قضايا أكثر فائدة لهم، جسميا وثقافيا واجتماعيا. إن وجود بعض الشابات، في مدرج لمشاهد لعبة لكرة القدم، كفيل أن يؤدى الى وقف المباراة فورا، حتى يتم إخراج الشابات من المدرج، كي لا يفتنوا اللاعبين والجمهور الحاضر بجمالهن الأخاذ، علما بأنهن كلهن محجبات من رؤوسهن الى أخمض أقدامهن، ولا يظهر شيئا من أجسامهن، كما حدث يوما، في مباراة، ظهرت فيه بعض الشابات على المدرجات، فأوقف الحكم المباراة، الى حين تم إخراج الشابات من المدرجات، كل هذا يعتبر من المحرم عليهن، وعواقبه وخيمة جدا، ويعتبر بابا أو نافذة للانحراف الأخلاقي، ولجلب الموبقات والفساد، والمرأة، حسب معتقداتهم وأفكارهم، الموغلة بالقدم والذكورية، ليست بحاجة إلي هذا المواقع الرياضية، فهذه الأندية والملاعب، وغيرها من الألعاب الرياضية، محظورة على المرأة ممارستها، أو حتى مشاهدتها، ومحللة للرجال والشباب فقط، فالمرأة في مثل هذه المجتمعات، لها بيت زوجها فقط، إذا كانت متزوجة، ولا تخرج منه، إلا الى القبر.

أما الرجل، فيحق له، ما لا يحق لغيره، فهو كما الشاعر، يرفع المنصوب وينصب المرفوع.

تقع بطلة القصة تحت سيطرة صديقتها الحميمة المدعوة (ضي)، وهي إحدى صديقاتها الحميمات، والتي تمارس معها الممارسات السحاقية بشكل متواصل، وتقيم معها علاقات حميمة متوهجة، تارة في غرفة البطلة في منزلها، وتارة أخرى في غرفة (ضي) الخاصة في منزلها حيث تقيم، وكانت تقوم (ضي) بدور العاشق، والبطلة، بدور المعشوقة، بحيث لم تعودا لتستغنيان كلتاهما عن بعضهما بعضا، منذ أول لقاء لهما في الحسينية، حتى أن (ضي)، كانت هي التي تشتري ملابس البطلة، وتحدد نوعها وألوانها، التي كانت تنام بها معها.

تقول (ضي) في حوارٍ مطول مع ألذات، ومتخيلة البطلة: (الآن، وأنتِ مُلكي، صرتُ أعرف أن وحمتكِ تلك، أقرب إلى نهدكِ الأيسر، وصار بوسعي لمس نملتكِ الحمراء، وتقبيل نملتكِ الحمراء، ولعق نملتكِ الحمراء، والنوم على نملتكِ الحمراء، وأخاف بعد هذا، أن تتعبي مني، وتتركيني" (ص 149).

وتقول البطلة في موقع آخر من القصة عن عشيقتها (ضي):

(أعرفُ الآن، من اللون السماوي لقميصها القطني، أنها رائقة، ومن شعرها المُضفر، أنها مرحة، ومن حركة أصابعها على درزات بنطالي الجينز، أنها تسبر طريقاً ناحيتي، وكان عليّ أن أسبقها قبل أن تصل إلى هناك. فتحت زراً، وتركتُ بقية المهمة بيد (ضي)، وما بدا أنه سيأخذ وقتاً لا نهائياً، كان قد حدث بالفعل، مُباغتاً انتباهي، عريي الفاضح، يدفع بي إلى نشوةٍ غير مسبوقة، نشوة، أن أراني مُشتهاة ومنفلتة، من قوانين جسدي نفسه" (ص 8).

تقيم بطلة القصة أيضا، علاقةً أخرى وادعة، مع صديقتها (دارين)، حيث تود التنويع في علاقاتها، فتصف موقفا معها في إحدى لقاءاتها الحميمة فتقول:

(جذبتني من كفي، إلى بابٍ ينفتح في ردهةٍ صغيرة، في المطبخ، وصفقت الباب وراءنا، واندفعنا في قبلةٍ محمومة، كانت أيدينا، تتحرك بانفلات، وأنفاسنا تتقطع، وقبلتُها وقبلتها، ثم نزلت إلى عنقها، فصدرها ونهديها النافرين، كنتٌ من الجنون، بحيث شككتُ معه، في أية واحدةٍ منا، طلبت القبلة، وأية واحدة منحتها، كانت طيعةً ورخوة، وتستجيبُ جنوني على نحو يسحق أعصابي، وكانت لذيذة، بحيث لم أرفع شفتي عنها، إلا حين استهلكت كلّ رصيدي المخزّن من الهواء، وأنا أقول بسكر: "يخرب بيتك..جننتيني) وضحكتْ، لسعتني ضحكتها، ضخت في دمي رغبةً جبارة، في مزيدٍ من الجنون" (ص 137).

وتتابع البطلة تجربتها مع دارين، وتشعر بالفارق بينها وبين (ضي) فتقول:

(مع دارين، شعرتُ أني أملك طمأنينةً وافرة، لأضع قلبي بجوارنا على الطاولة، من دون خوف، أن تسرقه حين أغفل عنه وعنها، ليس لأنها لا تستطيع، ولا لأنها لا تريد، وإنما لأنها فطنت منذ البدء، كم أنا مُهرة خاسرة، في هذا المضمار، فكفتني مشقة الرهان عليّ، ومعها، بدأتُ أكتشف جسدي من جديد، كانت تغويني ببطء، وتشعل شمعتين، وتهمس لي بفضائح يرتعش لها جسدي، وكانت تقف على الحياد دائماً، إذا ما أردتُ توريطها كطرفٍ ثالث، بيني وبين جسدي. معها، كان لأعضاء جسدي أسماؤها واحداً واحداً، حتى أكثرها سرية، وللحظاتنا، تعابيرها الخاصة، وما اعتقدته بذاءةً رخيصة، لا تليق بدارين، وشاسع لطفها، كنتُ أكتشف فيه، نوعاً من الإثارة الفاحشة القذرة، من قال أن القذارة، لا تثير الإحساس بالنشوة؟؟؟؟؟ وكانت علاقتنا الجسدية: "جنساً"، وليست كما اعتدتُ تسميته تلميحا)ً (ص 178).

لقد اشتهيتْ فيها رجلاً لن يأتي، وفي المقابل، اشتهت دارين، أن تكون ذلك الرجل المنتظر فجأة، وتنتبهُ بطلة القصة: "إلى الكائن الناقص في حياتي، لم يكن أبدا،ً ثمة رجل، في آخر أمنياتي وأشدها ضآلة وخفاء، لم يكن ثمة رجل" (ص216).

تقع البطلة، في مرحلة لاحقة، من خلال شبكة الإنترنت " في علاقة حبٍ مع (عمر)، المخالف لها في المذهب الديني، فهو من اسمه شاب ذو مذهب سني، ليتقاربا جسدياً في لحظة اشتهاء فتقول له:

 عُمَر، خُذني، خُذني كُلّي، وأخذني، أخذني، ليس كما أخذتني (ضي)، في كل عراكاتنا في الفراش، ولا بحالة الخِفة، التي مررتها عليَ دارين، ولا في الخوف والخزي، لوطء كعب عالٍ، لأعوام على جسدي. بين حينٍ وآخر، لفرط الشهوة، أو لفرط الحبن، كنتُ على وشك أن أقول: افعل شيئاً كي لا تظل خارجي! لا تسرق أطفالك مني!"، ولو لم تفزعه الكلمات الكبيرة، التي أنطقُ بها". (ص 284).  تتابع بطلة القصة وصفها فتقول:

(الغريب، أني لا أفتقد فعلنا الجسديّ...ولا أشعر بأن جسدي تواقٌ لما كان، ما أفتقده على وجه الخصوص، تلك الأشياء الصغيرة التفاصيل، التي لا تلفتُ في اشتباك الصورة، وفوضويتها. أصابعي على غمازتي خديها.... حزنها، وجهها المتكدر حين تحزن. افتقدنا نائمتين، أنا على ظهري، وهي على بطنها، كل منا تنظر للأخرى، والعالم مختفٍ، وفارغ، إلا منا، أفتقد صوتها، أفتقد أكثر، بحة صوتها في أول الصحو....أفتقد عبثها بكُم قميصي، وهي تثرثر، أفتقد سبابتها في فمي" (ص 160).

محور ومضمون القصة، كما ذكرت سابقا، هو ظاهرة انتشار المثلية والسحاقية بين بعض الشابات، والظروف البيئية المحيطة، التي تساعد في خلقها وانتشارها، وهذا جانب واحد تناولته الكاتبة يتعلق بالمرأة مباشرة، ومعاناتها الشخصية والجسدية، ولا شك أن هناك الكثير من الأمور التي تعاني منها المرأة الخليجية بعامة والسعودية بخاصة، مع أن المرأة العربية كلها تعاني من الثقافة الذكورية، بنسب متفاوتة، وحسب ومدى انفتاح المجتمع الذي تعيش فيه المرأة، مع أن هناك الكثير من القضايا المطروحة، والتي يمكن للقاريء استخلاصها عبر قراءته للقصة.

أضيفت في14/06/2008/ * خاص القصة السورية /المصدر: الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)

 

 

لغة الجنس عند الكاتبات والأديبات العربيات

 وأثرها على القارئ العربي

 

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

 

أثرت لغة الجنس، والعواطف الجياشة، والمثيرة للغرائز، التي احتوتها مؤلفات وقصص الكاتبات والأديبات العربيات، في النصوص الأدبية، والتي طغت في الجوهر، في النصوص الأدبية، أثرت بشكل عام على القاريء العربي، وبشكل إيجابي، وجذبته إليهن كثيرا، وقد أثر هذا النص الأدبي الجنسي، على عنصر المتعة والتشويق، و زادها متعة وتشويقا أكثر لدى القاريء، عن الكتابة الكلاسيكية والتي كانت سائدة قبل ذلك.

اعتقد، ان المرأة العربية-الكاتبة والأديبة- تمكنت من خلال معرفتها بالرجل، وتفاعلاتها معه، ومعرفة خباياه، وحقيقة نفسيته العملية، وممارسته العاطفية معها، هذا الرجل، والذي يحمل فكرا ذكوريا، عبر قرون من الزمن، و من خلال العلاقات الزوجية المعروفة في كل عهد، او عبر العلاقات المفتوحة والمفضوحة، عبر علاقات الحب والعشق الذي نسجها الرجل معهن، ان ينقلن للقاريء، رؤية ونظرة الرجل الذكورية للمرأة، بشكل فاضح وبلا حياء، وبطريقة مشوقة وممتعة، ليقلن لنا من هي حقيقة هذا الرجل، الذي سامها شتى أنواع الاضطهاد والقمع والعذاب، عبر عصور التاريخ، وما زال يسيمها في أحيان كثيرة، وفي أماكن عديدة، شتى أنواع الذل والاستعباد في عصرنا الراهن، خاصة وهو على فراش الزوجية، أو على فراشها خارج مؤسسة الأسرة الشرعية، ونطاق الزوجية المزيف، و عبر صور وأنواع شتى من العلاقات، بما يقال عنه (زواج متنوع ومتعدد) في العصر الحاضر.

تمكنت النساء الكاتبات والأديبات، ان ينقلن لنا شعورهن، وشعور الرجل نحوهن، وممارساته معهن، خلال لقاءاتهن الرسمية او العابرة، بأسلوب سلس وممتع وشيق، ليقلن لنا، ما كنهه هذا الرجل، خلف الجدران، وما هي حقيقة ممارساته في الغرف المغلقة، وما هي حقيقة رجولته، وتمكن النساء الأديبات والكاتبات العربيات، من ان ينقلن لنا صورته بشكل مشوق أحيانا، ومضحك في أحيان أخرى، وهو يترنح أمام اجسادهن العارية ونهودهن النافرات، من أعلاهن الى أخمص أقدامهن، وهو يقبل الأرض تحتهن، ويلعق بلسانه وشفاهه، كل بقعة من جسدهن، بحيث لم يبق سنتمترا واحدا من أجسادهن، إلا لثمه بشفاهه، وان لم يستطع، لعقه بلسانه، هذا الرجل، الذي يعتبر نفسه الآمر الناهي، ويا ارض اهتزي، ما حد عليك قدي.

المرأة الكاتبة والأديبة، أظهرت الرجل على حقيقته في كتاباتها وقصصها الأدبية، وأظهرت كل تصرفاته أمامها، ونقاط ضعفه، على فراش الزوجية، او على فراش العشق والحب، الخارج على القانون، وخارج فراش الزوجية، أمام جسدها البض، المليء بمراكز الأنوثة والإثارة، وهي عارية أو شبه عارية، على أسرة النوم العابرة، وأثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، بأنه نمر من ورق، وليس أسدا مزمهرا، كما يدعي هو نفسه.

استطاعت المرأة العربية الكاتبة والأديبة، بعد انقضاء عدة عصور وقرون من الزمن، بكتاباتها الجريئة والصريحة، والتي كانت محظورة جدا في أزمنة ماضية، خوفا لما تسببه من فضائح اجتماعية، أن تعبر عن شعورها بكل حرية وجرأة، لأن مثل هذه الكتابات، التي تتكلم عن الجسد وعنفوانه ولهيبه وناره، وكيفية تأثيره على الرجل،  كانت من المحرمات في العقود السابقة، ليس على المرأة الكاتبة والأديبة فحسب، بل وحتى على الرجل الكاتب والأديب نفسه أيضا، وبذلك تمكنت النساء الكاتبات والأديبات، من ان ينقلن لنا رأيهن بكل وضوح، ودون خوف أو وجل أو خجل، بالرجل بشكل عام، والرجل الشرقي بشكل خاص، وممارساته معهن في السراء والضراء، وفي السر والعلن، ولأول مرة تستطيع المرأة الكاتبة والأديبة في عصر العولمة والانفتاح، والتقدم التكنولوجي، وعصر الانترنت، أن تستغل بكتاباتها الأدبية، أنوثتها بشكل إبداعي، وتثير الغرائز الجنسية والفكرية، لدى القاري العربي، بشتى صورها وألوانها، وليس بشكل حيواني ووحشي كما يفعل معها بعض الرجال اليوم، وأمتعت، وأثرت على عقلية القاريء ومفاهيمه وأفكاره، بطريقة إبداعية خلاقة، وسلسة وممتعة.

 الكاتبتان والأديبتان المصريتان، لطيفة الزيات ونوال السعداوي وهما معروفتان منذ أعوام الستينات بكتاباتهما الجريئة والمدافعة عن حقوق المرأة، وكيفية استغلالها من قبل الرجل، وما زالت كتاباتهما تثير المجتمع العربي والمسلم، وما زالت د.نوال السعداوي حتى يومنا هذا، تكتب في نفس موضوعات الجنس، وتطالب بمساواة المرأة مع الرجل في كل شيء، وبشكل صريح وعلمي بحت، و تثير في كتاباتها المجتمعات العربية والأفراد، بضجة إعلامية ضخمة.

الكاتبتان السوريتان كوليت خوري وغادة السمان، هما ايضا ناديتا بالمساواة بحقوق المرأة الجنسية مع الرجل، منذ أعوام الستينات وكانتا سباقتين، في طرح مواضيع وقضايا الجنس، الخاص بالشأن العربي والرجل العربي، في كتاباتهما وكتبهما، وبأسلوب شيق وممتع ومثير.

الفت غادة السمان، مجموعة من الكتب منها كتاب (عيناك قدري) و (لا بحر في بيروت) و (ليل الغرباء) و (الحياة بدأت للتو) وكتاب (زمن الحب الآخر)، و(سنوات الحب والحرب) و(رعشة) و(مر الصيف) و(معك على هامش) و(دمشق بيتي الكبير) و(أيام معه) وهناك العشرات من الكتب وغيرها، حيث عالجت فيها موضوع الجنس بصراحة متناهية، وأحيانا اخرى، بصورة رمزية معبرة، في فترة اعوام الستينات، حيث كان موضوع الجنس في الأدب، حتى لو كان من قبل الرجل من المحرمات، التي لا يقبلها المجتمع العربي والإسلامي، فما بالك، اذا كان مطروحا على طاولة البحث بقلم نسائي!!!

نهج غادة السمان في الكتابة ولغتها، أصبحا تقليدا يتداوله الرجال، وليس النساء فقط., وتراجعت الطعون، بحق كتابة المرأة في السابق, فغادة السمان بين قليلات لم يتبادر الشك بموهبتها الخاصة، من دون عون رجل يقف خلف ما كتبت،  كانت غادة السمان صاحبة دار نشر وسطوة، تتبدى في كل كلمة كتبتها.

 

مع ان ليلى بعلبكي وكوليت خوري سبقتا غادة السمان في هذا الاتجاه, غير ان حضور غادة السمان الأدبي المتواتر، واختيارها سياسة إعلامية ناجحة، ساعدا على نشر أدبها على نطاق واسع، وجذب اليها شعبية لم تكن تحظى بها الكاتبة سابقا، ولكن غادة السمان، بقيت في كل الأحوال نتاج الثقافة اللبنانية، حيث كانت تعيش، وان كانت سورية الأصل, في مرحلة كانت شديدة الاعتماد ثقافيا على تعميم النموذج او الموضة الدارجة في الأفكار والقيم والنمط الأدبي، بين اهم أسلحة ذلك النجاح، ما طرحته عن نفسها كممثلة للثورة الجنسية في أعوام الستينات، التي كان من الصعب ان تحلم بنوايا الالتحاق بها اية أديبة عربية, فقد أشبعت غادة السمان قصصها بنساء يتطلعن الى ان يصبح لهن حق المساواة في الفراش، وليس فقط في الحياة العادية، وهي بهذا حققت اختراقا لأكبر المحرمات في عالم الكتابة النسائية العربية, هذا الموضوع الذي أصبح لاحقا من بين اكثر المواضيع تداولا في الكتابة النسائية، في حين لم تجرؤ على مناقشته في تلك الفترة سوى نوال السعداوي من منطلق علمي، حتى وان تلبس طرحا روائيا. وبتواتر حضورها الأدبي على مدى ثلاثة عقود او يزيد, تكاد غادة السمان أن تكون الأكثر وضوحا في تكريس هذا النهج, وبما تركته من آثار على الكتابة النسائية الأكثر نجاحا، والممثلة بتجربة الكاتبة والأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي، غير ان قصص غادة السمان، تؤشر الى وعي لغوي جديد، كان وسيلتها للتعبير عن شخصية المرأة الطليعية، وكذلك كانت الكاتبة السورية كوليت خوري لا تقل تأثيرا عن الكاتبة والأديبة غادة السمان، في كتاباتها عن المرأة، حيث الفت العشرات من الكتب، وكانت تربطها علاقات حميمة مع الشاعر نزار قباني، وكانا يكمل كل منهما الآخر في هذا المجال، فهو شاعر المرأة بلا منازع، وهي المدافعة عن حقوق المرأة ايضا بلا منازع.

 

الكاتبة والأديبة ليلى بعلبكي والتي الفت مجموعة من الكتب، منها كتاب (أنا أحيا) معروفة ايضا منذ سنين الستينات بكتاباتها والتي تتصف بالجرأة والشجاعة والصراحة والقدرة الإبداعية والأدبية في التعبير عن شجون المرأة وأحزانها واستغلالها واللعب بها، في المجتمع العربي ألذكوري، وأثارت كتاباتها في وقتها ضجيج إعلامي واجتماعي كبير وواسع، وتلقت الكثير من التجريح والإهانات، كونها كانت تتكلم بكل صراحة ووضوح عن العلاقات الجنسية الزوجية وغيرها خلف الجدران المغلقة، وتفضح حقيقة ما يجري، وكيف تستغل المرأة جنسيا بعيدا عن الأعين والفضائح، حيث يتم قهرها وإجبارها على فعل كل ما يريده الرجل، وإذا ما رفضت، يكون مصيرها الطلاق، ومن ثم الضياع في عالم المجهول، وإما عليها ان تقبل بالإهانة والذل، والكثيرات منهن، كن يقبلن، بسبب لقمة العيش، ويسكتن على ما يجري لهن.

الكاتبة والأديبة رجاء بنت عبد الله الصانع، طبيبة الأسنان، الشابة، السعودية الجنسية، والتي لم يتجاوز عمرها الخامسة والعشرون عاما، الفت كتابا بعنوان (بنات الرياض)، تتكلم فيه الكاتبة، بصراحة وشجاعة، عن بعض الظواهر الجنسية المستهجنة، لدى الأزواج السعوديون والزوجات السعوديات، والتي يمارسها الأزواج مع زوجاتهم في مدينة الرياض بشكل خاص، بأسلوب شيق وممتع، فيه الكثير من الإثارة والإبداع والتشويق، على لسان نساء سعوديات متزوجات او مطلقات، وقد أثار الكتاب، الكثير من الضجة في المملكة العربية السعودية وأثار حفيظة الحكومة السعودية ايضا،  بحيث منع الكتاب من بيعه في الأسواق السعودية، علما بان الكتاب، قد طبع لعشرات المرات، لما أثاره هذا الكتاب، من الضجة الإعلامية خليجيا وعربيا، حتى ذهبت ببعض الرجال ذوي الشأن، أن يرفعَ دعاوي قضائية ضدّ الكاتبة وروايتها.

حقيقة لا بد من قولها، وهي أن الكاتبة رجاء عبد الله الصانع، استطاعت أن توقظ الساحة الأدبية العربية، وتُعيد للكلمة المكتوبة احترامها وأهميتها، فإن الطبعات المتتالية للرواية، تؤكد على هذا الاهتمام، خاصة بين جيل الشباب والشابات، والدخول إلى مواقع الانترنيت، توقفنا على هذا الجدل الواسع الذي أثارته الرواية، حيث استطاعت رجاء الصانع، أنْ تُؤكدَ على قُدرة المرأة في منافسة الرجل َ في ساحة الخَلق والإبداع، ومُراودة مفردات اللغة، واستخراج مدلولاتها السحرية، وقُدرتها على البساطة والعَفويَّة في تناول اللغة، وتقديمها بشكل مثير جَذّاب وخَلاق،  تمكّنت رجاء الصانع أيضا، كغيرها، أن تُظهرَ الرجلَ على حقيقته، حتى عندما كان يشعر بأنّه لا يزالُ مهما، وارتقى في المَناصب ودرجات العلم، وسافرَ وتَعرّفَ وأتقنَ اللغات الكثيرة، بأنه ما زال ابنَ البيئة التي وُلِدَ فيها، وأنّ العادات والتقاليد والمَفاهيم التي نشأ عليها، هي التي تُوجّه خطاه وتُحَدّدُ مستقبله، وما تأخّرُ المجتمع العربي وانتكاستُه في اللحاق برَكب الحضارة والتقدّم العلمي والفكري، إلاّ نتيجة لهذا الموقف ألذكوري المُتجمّد، والرّافض لكل ابتعاد عن الماضي، والمُصرّ على قَمع المرأة، ورَفض مُشاركتها له في صُنع القرار، كما كان في الماضي وفي الحاضر والمُستقبل، وتتوجّه للقارئ أنْ يلتقيها لسَماع ما ترويه في موقعها الذي اختارت له اسم "سيرة و انفضحت" عبر الانترنيت.

 

هناك الكاتبة الكويتية عالية شعيب، والتي الفت كتابا بعنوان (العناكب) وهو يتحدث عن ممارسات بعض الطالبات السحاقية في جامعة الكويت، وتعرض فيه بعض المواقف الجنسية، وتعتبر في كتابها، ان موضوع السحاق، لا يقل خطورة عن موضوع الزنا، وتعتبر عالية شعيب من الكاتبات والأديبات المنفتحات، ولكنها في الأخير تراجعت عن الكثير من مواقفها، ولبست الحجاب، وأصبحت إحدى الداعيات لتحجب المرأة، وقامت بتأدية فريضة العمرة، واعتبرت ماضيها بأنه جزء من تاريخها، ويقال بان موقفها هذا، تم تحت ضغوط الجماعات الإسلامية المتشددة، الذين هددوها بالقتل، اذا لم تتراجع عن كتاباتها.

 

الكاتبة والأديبة ليلى العثمان، وهي كاتبة وأديبة كويتية جريئة، تحدثت في كتبها العديدة، عن الممارسات الجنسية غير المألوفة، وعن الصور الجنسية المثيرة، التي تحدث في الكثير من الزيجات، خلف الأبواب المغلقة، سواء عبر مؤسسة الزواج الشرعية أو خارجها، وعن زواج بعض كبار السن من الرجال، بفتيات صغيرات السن، يجبرهن أهلهن على الزواج، طمعا بالمادة والأموال، والزواج طبعا في حد ذاته، غير متكافيء لصغر سن العروس نسبيا، ولأنه كان طمعا في المال، وليس طمعا في إنجاب العيال، وكتبها تبين بعض الممارسات الجنسية المشينة التي تحدث في ليلة الدخلة، من قبل بعض رجال الكويت، أما الكتب التي الفتها ليلى العثمان فمنها كتاب بعنوان (صمت الفراشات)، وكتابا آخر بعنوان (العصعص)، والكتابان يحتويان على مواقف جنسية وصفية، والكتاب الأول، سمحت السلطات الكويتية بنشره بعد مدة من منعه، أما الكتاب الثاني فلم تسمح السلطات الكويتية بنشره، وقد لاقت ليلى العثمان الكثير من المشاكل والتهديدات بالقتل، وأقيم ضدها الكثير من الدعاوى في المحاكم الكويتية، لكنها ما زالت على جرأتها وانفتاحها في كتاباتها، وتمسكها بمواقفها رغم التهديدات ورفع الدعاوى ضدها.

 

الكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب، والتي ألفت كتابا بعنوان (اصل الهوى) تتحدث فيه عن الممارسات الجنسية لخمسة من الشباب، كانوا قد انتقلوا الى دولة الكويت من الأردن، وتنشر المؤلفة في الكتاب بصراحة، عن ممارسات هؤلاء الشباب الجنسية بشكل فاضح، وقد منعت السلطات الأردنية نشر الكتاب وبيعه وتداوله بالساحة الأردنية، باعتباره كتابا خارجا عن المألوف والعادات الأردنية وغيرها من العادات. 

الكاتبة السورية سلوى ألنعيمي والمقيمة في باريس والتي الفت كتابا بعنوان (برهان العسل) وهو يتكلم ايضا عن بعض المشاهد الجنسية المثيرة للغرائز.

الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق، والتي ألفت كتابا بعنوان (اكتشاف الشهوة) وتحدثت فيه عن ممارسات بعض الرجال والأزواج الشاذة.

 الكاتبة الجزائرية المبدعة والرائعة أحلام مستغانمي ايضا، والتي لديها الكثير من المقالات في عالم المرأة، و الفت اكثر من ثلاثة كتب منها (ذاكرة الجسد) و(عابر سرير) وكتاب آخر بعنوان (فوضى الحواس) وفي الكتب الثلاثة صور أدبية رائعة، لرغبات وصور جنسية متأججة، وبأسلوب راقي وممتع ومشوق جدا، تجعل القاريء، يشعر بنشوة عارمة، وكأنه يسبح ببحر الحب والغرام والهيام.

 

 "الحبّ هو ما حدَث بيننا، والأدبُ هو كلّ ما لم يحدث، فما أجملَ الذي حدث بيننا.. وما أجملَ الذي لم يحدث.. وما أجملَ الذي لن يحدث". كلمات دافئة، صادقة، بسيطة، بدأتْ بها الكاتبة الجزائرية أحلام باكورتها الروائية "ذاكرة الجسد" التي صدرت عام 1993م، وثارت الساحةُ الأدبية العربية ولم تهدأ، لنقرأ أيضا بعض ما كتبته الكاتبة والأديبة الجزائرية أحلام تحت عنوان:

(الكتابة في لحظة عري)

إلى الفدائي الذي منحني كلّ الأسماء...

إلا اسمه!

(من أين عاد وجهك إليّ هذا المساء؟

كيف أطلّ وسط هذا الحزن الخريفي؟

أكتب إليك، وخلف شباكي تبكي السماء.

في ذاكرتي صور كثيرة لنا.

في كل المواسم.

تصوّرت قبل اليوم، أنني قد أستقبل الفصول معك.

يبدو أنني سأظلّ أستقبلها وحدي.

لا زلت أجوب شوارع التاريخ.

أبحث عن وجهي الضائع الملامح، في وجوه السواح والغرباء.

في وجوه الثوار والزعماء.

ذاكرتي، عشرات الرجال، من كل قارات العالم.

جسدي، لم تبق عليه مساحة صغيرة، لم تتمرغ عليها شفاه رجل.

تغرّبت بعدك كثيرًا.

في غربتي الكبرى، يحدث أن أجمع أحزاني على كفيك، وانتظر المعجزة.

يحدث ان أسرق منك قبلة، وأنا أسير في المدن البعيدة مع غيرك.)

لا شك أن موضوع المرأة بشكل عام، والغوص في أعماقه، والبحث فيه، ممتع وشيق ومثير للغرائز، خاصة اذا كان يتعلق بالمرأة المثقفة والمتعلمة، والتي تفهم حقيقة كنهها المرأة، وحقيقة كنهه الرجل، وتستطيع ان تجادلك وتناقشك بخجل واستحياء، وتستطيع ان تكتب لك وتعبر عما يجول في خواطرها، بدون استحياء أو خوف ووجل.

لنقرأ ما تقوله الكاتبة والأديبة السورية سلوى ألنعيمي عن الرجل، وكيف كان يستقبلها عند حضورها من جو ممطر وعاصف في كتابها:

(برهان العسل)

(كنت أصل إليه مبللة، وأول ما يفعله هو، يمد إصبعه بين ساقي يتفقد "العسل" كما كان يسميه، يذوقه، ويقبلني، ويوغل عميقاً في فمي.

أقول له: من الواضح أنك تطبق تعاليم الدين، توصيات كتب شيوخي القدماء:

كنت أعلم أن القبلة، أول دواعي الشهوة والنشاط، وسبب الانعاظ والانتشاء، ولا سيما إذا خلط الرجل، بين قبلتين، بعضة خفيفة، و قرصة ضعيفة.

كيف يمكنني ألا أذكر المفكر به؟ لم يكن بحاجة إلى من يذكره بتراثه، هنا، كان مسلماً بامتياز، وأنا أيضاً.)

لنقرأ ايضا ما تقوله الكاتبة والأديبة الجزائرية فضيلة الفاروق عن صديقتها (باني بسطانجي) عن الزواج ونظرتها إليه، وحلمها فيه، في كتابها: (اكتشاف الشهوة) والمنشور من قبل دار رياض الريّس للكتب والنشر في لبنان في عام 2006م:

(هل تعريفين، حين تزوجت، كنت أظن أن كل مشاكلي انتهت، ولكني اكتشفت، أنني دخلت سجناً فيه كل أنواع العذاب، أنا "باني بسطانجي" التي منعت طيلة حياتها، حتى مجرد أن تفكر في ذكر، بين ليلة وضحاها، أصبح المطلوب مني، أن أكون عاهرة في الفراش، أن أمارس كما يمارس هو، أن أسمعه كل القذارات، أن أمنحه مؤخرتي ليخترقها بعضوه، أن أكون امرأة منسلخة الكيان، أن أكون نسخة عنه، وعن تفكيره، المشكلة تجاوزتني يا "شاهي" ولهذا تطلقت، ما اخترقني لم يكن عضوه، كان اغتيالا لكبريائي، وفيما أشعل هو، سيجارة انتصاره، ليتمم بها متعته، قمت أنا منكسرة، نحو الحمام، غسلت جرحي وبكيت، لم أكن احلم في تلك الليلة، فقد فاتني قطار الأحلام، وتركني واقفة على محطة مقفرة، تنعق فيها غربان الخيبة، ليلتها، لم يزرني الشاب الأسمر، الذي لطالما حلمت به، لم يلامسني بغابته الصغيرة، قبل أن استسلم للنوم تماما، ولم تحل سمرته علي، كليل رومانسي جميل، كانت تلك ليلتي الأولى، بدون رجل، كانت ليلة تنزف بين الفخذين إهانة قاتمة، ليلة لا معنى لها، حولتني الى كائن لا معنى له، حقارتي بدأت من هنا، من هذا الزواج، الذي لا معنى له، من هذه المغامرة التي لم تثمر، غير كثير من الذل في حياتي، وكثير من الانهزامية والتلاشي والانتهاء، في غاية السخف، كانت تحدث لي أمور لا افهمها، أمور تجعلني انتهي، وأتوقف عند لحظة اتخاذي لقرار الزواج، خمس وثلاثون سنة، وأنا في انتظار عريس يليق بحجم انتظاري).

أضيفت في15/12/2007/ خاص القصة السورية /المصدر: الكاتب ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

 

 

قراءة بين السطور في رواية زينب حفني (ملامح)

 

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

زينب حفني، أديبة سعودية شابة، سارت على نفس منهاج الكاتبة الشابة الدكتورة رجاء بنت عبد الله الصانع، في الجرأة والصراحة والكشف عن المستور، و المسكوت عنه، في المجتمع السعودي، بل كانت أكثر جرأة وصراحة من الكثير من الكاتبات والأديبات السعوديات، مما اضطرها للعيش خارج وطنها السعودية، هروبا من الملاحقات الرسمية والاجتماعية، لمجتمع غابت فيه مطلقا حرية الرأي والفكر، والحرية الشخصية، وحرية التعبير، وقد سارت على الدرب نفسه، الذي سرن عليه الكثيرات من الأديبات والكاتبات السعوديات، أمثال صبا الحرز وكتابها (الآخرون) وسمر المقرن وكتابها (نساء المنكر) ووردة عبد الملك وكتابها (الأوبة) وليلى الجهني وكتابها (الفردوس اليباب) وطيف الحلاج وكتابها (القران المقدس) وغيرهن كثيرات، فهذه الموجة من الكتب والكاتبات، والتي اتصفت بأكثر ما اتصفت به، الجرأة والشجاعة والصراحة، والتحدث عن المسكوت عنه، ومواضيع الجنس، المحظورة كلية في مجتمع يقال عنه، بأنه مجتمع محافظ، ويعتبر فيه المرأة، بل وكل جزء من جسمها عورة، من رأسها حتى أخمص قدميها، إضافة الى صوتها، وحتى اسمها، لا يجوز لأحد ذكره، وان ذكر اضطرارا يسبقه كلمة (تكرموا يالسامعين)ويكفي إشارة الى مدى تزمت، واستبداد، وتحجر، عقليات البعض فيه، أن زوجا سعوديا، لم ير وجه زوجته بعد 24 سنة من زواجهما، ولما تجرأ وكشف عن وجهها، مستغلا كونها نائمة، فلما شعرت به، طالبته، بتطليقها منه فورا، حتى تمكنت من ذلك.

 

ظاهرة انتشار وظهور الأديبات والكاتبات السعوديات بشكل كبير جدا، نهاية القرن الماضي و خلال العقد الحالي من القرن الواحد والعشرون، وجرأتهن في الكتابة، في ضلع واحد من أضلاع المثلث المحظور والمحرم والمسكوت عنه، وهو (الجنس)، وبشكل ما، في موضوعي (الدين والسياسة)، بكل تفاصيله وبدقة منقطعة النظير، بحيث شبه البعض كتاباتهن ببنطلون (التايت)، الذي إذا لبسته المرأة أو الشابة، فانه يظهر أدق التفاصيل والتقاطعات من مفاتن جسدها، وبكل وضوح، قل أن تجد مثله وضوحا.

في روايتها (ملامح)، الصادرة عن دار الساقي، في بيروت، عام 2006م، تقدم لنا الكاتبة والأديبة السعودية زينب حفني، نبذة من طفولتها، حيث تبدأ الرواية في مدينة مكة، في بداية شهر مارس،  وتتذكر يوما كيف أن والدتها دخلت سريرها للنوم مع زوجها، وكيف أنها حاولت التلصص عليهما، من خرم الباب المغلق، وكيف أنها شاهدت والدها وقد أقبل عليها باندفاع شديد، وغطى جسدها بسيل من القبلات، على كافة أنحائه، بحيث لم يبق منه جزءا واحدا لم يقبله، وهي تنظر اليهما من خرم الباب، وتمتع نفسها، وتستمتع بنظرها، وهي ترى أمها تتأوه من شدة الألم والمتعة، الى أن انتشت، ووصلت في نشوتها الى الذروة، فهمت بالذهاب الى الحمام، كي تغسل ما قد يكون علق بجسدها، مما دفعها الى الهروب سريعا الى غرفتها، خوفا من أن تراها والدتها.

 

تقول الكاتبة زينب حفني، أن هذه الحادثة كانت البداية في فتح النوافذ مشرعة، على أحلامها الوردية والجنسية، في بداية نضوجها الجنسي.

 

(تعودت أمي، ألا تنام قبل أن تطمئن إلينا جميعاً، وتتأكد أننا خلدنا إلى النوم قبلها، ليلة ذاك، لم أنم، مشيت على رؤوس أصابعي، مددتُ عيني صوب فتحة باب غرفة نومهما، كان ضوء الصالة ينعكس على مخدعهما، رأيت أبي يُقبَلُ أمي في أنحاء جسدها، ثم يضمها بقوة إليه، وأمي تتأوه من اللذة بين ذراعيه، تابعت مشهد الالتحام بتفاصيله الدقيقة، حتى نهايته، حين وجدتُ أمي تهبُ من مكانها لتغتسل، أسرعت جرياً إلى حجرتي، ولهاثي يسبقني" ص(33) هذا التلصص فجَر براكين المراهقة."كانت هناك كتلةٌ من اللهب تستعر في بدني، تسري في شراييني؟ فرَ النوم من مقلتيَ، لم أستطع النوم قبل أن أُخمد سعير شهوتي، بيدي. منذ ذلك اليوم، غدت فكرة التلصص عادةً مستديمةً عندي، فكنتُ بين حينٍ وآخر، أستمتع برؤية صور الانصهار، أعود بعدها إلى غرفتي، وأستسلم لمداعبة نفسي، وأغمض عينيَ، متخيلةً أني في حضن فؤاد" ص (33-34) ).

ثريا في قصة (ملامح)، هي البطلة، حيث كانت متزوجة من موظف صغير، يعمل في القطاع الحكومي، يدعى (حسين)، وكان وضعه المادي ضعيفا، ولا يستطيع التقدم والرقي في وظيفته، إلا انه تمكن من أساليبه الخاصة وباستغلاله لجسد زوجته، و تقديمه الى مديره (علوي) وغيره من الأثرياء، بطريقة مبتكرة وحاذقة، مقابل أن يحصل منه على وعد بترقيته، ورفع منصبه الوظيفي، كما انه اقنع زوجته بالفكرة، حيث طلب منها مسايرة ضيفه هذا، وتسهيل مهمته عند زيارته لهما في بيتهما.

((بعد الزواج من ثريا وُلِدَ الابن زاهر، لتزداد مصاعب الحياة، بسبب راتب حسين الضئيل. هنا يظهر في الصورة مدير حسين في العمل "السيد علوي"، حيث يبدأ الرجل في التردد على منزل هذه العائلة، والسهر مع الزوجين، ومرة تلو الأخرى، وبفعل كؤوس الخمر التي ترافق السهرات، تزداد جرأته ووقاحته مع زوجة حسين، الذي يخبر ثريا أن هذا الرجل يستطيع منحه ترقية كبيرة، طالباً منها مجاراته، حتى كانت تلك الأمسية التي أتى فيها علوي بلا موعد، قائلاً إن لديه موعدٌ مع حسين، وسرعان ما وقع المحظور بين الرجل وثريا، خصوصا، بعد أن وعدها بأن يلبي لها كل طلباتها، تركته يلتهم جسدها فوق الأريكة، وقبل أن يغادر، أهداها علبةً من القطيفة الحمراء، انفجرت المرأة باكية بعد انصرافه، ووقفت تحت الدش وهي بكامل ملابسها، ليختلط بكاؤها بصوت الماء المنسكب، غير أنها عندما عادت لتفتح العلبة، شهقت، بعد اكتشافها أن الهدية، عبارة عن خاتم من الألماس، تبدد من أعماقها الندم، وحلت مكانه فرحة اقتناء خاتم الألماس، لأول مرةٍ في حياتها)).

 

يظهر هذا المقطع في قصة زينب حفني ضعيفا، ومن الصعب تصديقه في المجتمع السعودي، مع انه أيضا لا يمكن استبعاده، مع أن زوجها حسين، كانت له مغامرات كثيرة ومتعددة، وفوق الخيال أو التصور، خارج إطار العلاقات الزوجية، مع الكثير من السيدات وبنات الهوى، في كل مكان وزمان سار إليه، أو حل فيه، مع انه كان يحاول في أوقات كثيرة، العطف على الفقراء والمساكين، وعلى الأسر التي فقدت معيلها الوحيد، وفي مجال تعليم الطلبة، على حسابه الخاص، فهو بعد أن استغنى، يحاول نسيان ماضيه، والتخلي عن كل ما الم به وأصابه، من قذارة وحقارة، على حساب زوجته ثريا، والتعويض والتكفير عنه، ومحاولة إعادة تبييضه، وحتى إزالته من وجوده وكيانه، فقد كان وصمة عار في سجل ذكرياته، عليه التخلص منه، حيث تقول زوجة حسين في القصة:

(أما حسين، فهو يعترف في الرواية، بأنه تعمد التغيب عن البيت، أثناء قدوم مديره في ذلك المساء، وبمرور الوقت، اعتاد حسين دفن كبريائه ورجولته، في حين شهدت حياة ثريا أنواعاً مختلفة من الرجال، وتغيرت الأحوال المادية للزوجين..وتغيرت معها علاقتهما الجسدية: "قررنا أن ننام في جناحين منفصلين، لا يأتي جناحي، إلا إذا تحركت غريزته نحوي، وكان هذا يحدث في فتراتٍ متباعدة، فكان إذا ما أتمَ عملية الإنزال، وأراق ماءه داخلي، أُسرعُ إلى دورة المياه، أفرغُ كل ما في جوفي في كرسي المبولة" ص(54)).

تتابع بطلة القصة (ثريا) وعلى لسانها، عن ذكريات الطفولة، بأنها، بينما كانت تتلصص في مراهقتها على والديها، وما يقدمان عليه من مشاهد جنسية مثيرة جدا، وممتعة، كان حسين زوجها، يختلس نظراته الثاقبة والعميقة نحوهما، وهي مع مديره، وكيف كان يعبث بجسدها، بحيث لم يبق به جزءا لم يلثمه بشفاهه أو لسانه، وكان حسين، يتابع المشهد بشغف منقطع النظير من اختبائه خلف الكواليس، وإذا ما خرج ضيوفه من أحضاني، كان يسارع الى التجربة معي، وليقلد ما كان يفعله الآخرون أمام ناظريه.

 يقول حسين، زوج ثريا، بعد أن تعود على إحضار زملائه وأصدقائه الى سرير الزوجية الخاص به:(كنتُ أوهم زوجتي وضيفي، بأن أمراً يستدعي خروجي، لأتركهما يتصرفان على سجيتهما، لكنني في حقيقة الأمر، كنتٌ أعود متسللاً، أمشي مشية سارقٍ محترف، أمدُ رأسي، لأشاهد بأم عينيَ براعة زوجتي، وقدرتها على إمتاع الرجل، الذي معها. كانت هذه المشاهد تثيرني، وعندما أختلي بزوجتي، أندفع نحوها كالمسعور، ومشاهد التصاقها بالآخر، تُلهب مخيلتي" ص (87)).

 

تقول ثريا أن زوجها حسين، كانت له مغامراته الخاصة قبل زواجه منها، حيث كان شابا ولا يملك المال الكافي لإشباع غريزته الجنسية مع مومسات، فكان يفرغها مع الخادمة في منزل والديه: (ثم جاء العريس حسين، ابن حي المنشية في مكة، الذي عاش طفولةً قاسية في كنف عمه، عقب وفاة والديه، في حادث حريق. في شبابه، عرف طَعم النساء لأول مرة مع فاطمة، الخادمة الصومالية، التي تعود أن يطفيء فيها رغباته، مقابل مبلغٍ زهيد من المال.

ويقول حسين في القصة على لسانه:

"أتذكر ضاحكاً، المواقعة الأولى لي، حيث كان العرقُ يتصبب من جبيني، وأنا أتحسسُ بأصابعي المرتعشة، كومتي صدرها، أحدقُ مذهولاً في شعر عانتها، وفي تكويرة بطنها، وفي ضخامة إليتها، كنتٌ مأخوذاً مثل الطفل، الذي يمسكُ بدميةٍ بين يديه، ليكتشف مكوناتها، ساقتني ليلة ذاك، وبمهارةٍ إلى جميع دروب أنوثتها"، ص (78)).

 

لم تدم حياة ثريا مع زوجها حسين طويلا، بعد أن أثرى واستغنى كثيرا على حساب جسدها، الذي يشع جمالا وأنوثة وتألقا، بحيث كان يتخلها عنده كالمومس، وهو قوادها، فعمل على تطليقها، حتى يتخلص مما لحقه به من عار عندما كانت زوجته وعلى ذمته، وبعد أن حقق هدفه منها، ولم يعد في فكره، حاجته إليها، حتى يستكمل طريقه بها، طريق الرذيلة والحقارة :

(تفاجأ ثريا بزوجها حسين، يوما ما يقف قبالتها، نظراته متحفزة، يحمل في يده ورقةً مطوية، رماها على الطاولة، قائلاً بنبرة مستفزة: ها هي ورقة خلاصي منك.

وبعد سيلٍ من الإهانات، يحدد لها الأموال والممتلكات التي كتبها باسمها قبل أن يطلقها، قائلاً: "أعتقد أنني تصرفت برجولة معك.

قهقهتُ لحظة ذاك، معلقةً بنبرةٍ هازئة: رجولة؟ منذ متى تعلمتها؟ هذه كلمة دخيلة على هذا البيت. حدجني بنظراتٍ تقطر عداوةً، نهضتُ من مقعدي، أعطيتُه ظهري، هززتُ له عجيزتي، وضربتُها بكفي، قائلةً: لولا مواهبي هذه، لكنتَ لا تزال إلى الآن، موظفاً صغيراً، ولما أصبحت تتمرغ في هذا النعيم.

تلفَت يمنةً ويسرة، تحسباً من أن يسمعنا الخدم، قائلاً بصوت خافت:أنت امرأةٌ سافلة، بلا أخلاق.

نعم، أنا كل هذا، لكن لا تنسَ أني تلميذتك النجيبة، التي تعلمت على يديك دروس الانحطاط" ص(7+8).)

في أول ليلةٍ لها في فيلتها، حيث سكناها بعد طلاقها، الذي تركه لها زوجها حسين، تجد نفسها مقبلةً على حياة جديدة، إذ تقول:

(وجدتُها فرصةً سانحة، لكي أتحسس معالم أنوثتي، ألقي نظرةٍ متفحصةٍ على خبايا أعماقي، إقامة مناظرة مع نفسي، خلعتُ ملابسي، وقفتُ عاريةٍ قبالة المرآة، تمعَنتُ في تضاريس جسدي، اكتشفتُ أنه ما زال غضاً، ممشوقاً، عجيزتي مرفوعةٌ، ثديي لم يصبهما الترهل، فخذاي مشدودتان، وهذا ما يعني، أنني ما زلتُ ورقةً رابحة"ص(13+14).

 

تتعرف ثريا في فلتها، على صديقتها (نور)، والتي تعرفها بدورها لاحقا، على صديق صديقها المدعو (فؤاد)، والذي تقيم معه علاقة صداقة، تبدأها في لقاء معه على البحر، حيث تبدأ رحلة الألف ميل بخطوة واحدة:

(تلتقي ثريا فتاة في مثل عمرها تدعى (نور)، تسألها في لقائهما الأول قائلةً: "هل لديك صديق؟" وسرعان ما تقودها إلى هذا العالم، عندما تدبر ذات يومٍ لقاءً بين ثريا وفؤاد، في الشاليه الذي يملكه خالد صديق نور على البحر.

في اللقاء التالي، كنتُ أكثر تحرراً، أحضرت لي نور (ميوهاً) على مقاسي، ترددتُ في ارتدائه بداية الأمر، ثم أذعنتُ لإلحاحها كالعادة، نزلنا نحن الأربعة إلى البحر، كان الماء بارداً، انطلقت مني صرخةُ، على غفلةٍ، التقط فؤاد يدي، قبض عليها بقوةٍ، تملكتني مشاعر لذيذة، نظرت في وجهه، كانت عيناه تتصفح مجرى هضبتي، تضاريس جسدي، بلعتُ ريقي، بدأت شفتاي ترتعشان، عينان تُطلقان إشارات نداءٍ ملتهبة، وجدتُ نفسي بلا وعي، أرتمي في حضنه، لم نتحدث طويلاً، تركنا شفاهنا تُعبَر عما نريده، حين ألفيتُ يده تحاول أن تعبث أكثر، في خبايا أنوثتي، أزحتها برفق، كانت تعليمات أمي برغم كل ما جرى معي، مسيطرةً على عقلي" ص 29).

 

تتحدث ثريا، بطلة القصة أيضا، كيف تحولت في علاقاتها بعد مدة وجيزة، الى العلاقات المثلية والسحاقية، عن طريق صديقتها نور، حيث تقص عليها نماذج لأربعة قصص، من قصص مختلفة، لبعض النساء، كمدخل توصل لها من خلاله الرسالة،  قصة صديقة متزوجة من رجل يصاب بمرض السكري، وكيف انه لا يشبعها جنسيا بالمرة، وإنها تلجأ الى العادة السرية كي تشبع رغبتها، وكيف أن زوجها يهملها ويتزوج عليها من زوجة شابة أخرى:

(واحدة من صديقات أمي المقربات، تشكو دائماً من أن زوجها لا يُشبع رغباتها، لا يُضاجعها إلا في أوقاتٍ متباعدة، يؤدي دوره على نحوٍ آلي، كواجبٍ مفروض عليه. استسلمت نهاية المطاف لقدرها، برغم معرفتها أن له حياة أخرى سرية، يبعثر فيها ذكورته، غدت تُشبع حاجتها الغريزية بالعادة السرية، حتى باتت هذه عادةً مستديمة عندها. وثانية تتحدث عن زوجها باستهزاء، تُبدي تذمرها منه، إنها لم تعد تصل إلى الذروة معه، منذ أن أصابه داء السكري، الذي أفقده جزءاً كبيراً من قدراته الجنسية.

ثالثة تعترف، صراحةً، أن زوجها لم يقربها منذ تزوج بأخرى في عمر بناته، لكنها لا تملك الشجاعة الكافية لطلاب الطلاق، حتى لا تخسر ما بنته معه في سنوات شبابها.

رابعة تفاقمت الخلافات بينها وبين زوجها، فأصبحا يعيشان كغريبين تحت سقفٍ واحد، لكنهما قررا الاستمرار معاً من أجل أبنائهم. ارتأت هذه المرأة أن تتجه إلى عالم المثليات، بعدما وصلت إلى طريق مسدود مع زوجها، اختارت لنفسها صديقة دائمة، ترتاح إلى صحبتها، تخرج معها، تسهر معها، تُنفِسُ معها عن رغباتها المكبوتة في وضح النهار، من دون أن تخشى تقريعاً من أحد"

عندما تسألها ثريا بفضول، عن عالم المثليات هذا، تضحك نور معلقةً:

 "فهمتُ، أنها تعني اتخاذ امرأةٍ، امرأةً أخرى، خليلةً لها، تعاملها على غرار ما يُعامل الرجل امرأته). ص (31+32).

وهكذا تدخل ثريا في علاقات مثلية مع صديقة لها اسمها هند:

(تصفُ الساردةُ هند فتقول: إنها كانت تقارب الأربعين من عمرها، لكنها ذات جسدٍ جميل مغطى بجلدٍ خمري، وشعرٍ ناعم الملمس، فاحم طويل يصل إلى منتصف جذعها، واليتين شديدتي البروز، تظهران جلياً من فوق عباءتها، ولها عينين واسعتين، نظراتهما عميقة، تشع منهما شهوةٌ مكبوتة، تحاول جاهدةً مداراتها، تجرها البطلة بعد تقاربهما، كصديقتين إلى المنطقة المحظورة، إذ تسألها:

ألم تعرفي الحب في حياتك؟..فاجأها السؤال، وبدأت شفتاها تهتزان ويداها ترتعشان، وأنفاسها تتلاحق، وصدرها يعلو ويهبط، دفنت رأسها في صدر البطلة، وانفجرت في البكاء. ضمتها بين ذراعيها..كانت يداها تضغطان بقوةٍ على ظهرها، وبدأت تقبلها قبلاتٍ بطيئة في وجهها.

تتساءل: متى حدث اللقاء الأول؟ من المؤكد أنها لم تكن هي المبادرة..بل أنا..كانت لهفتي فائقة، لاكتشاف دنيا جديدة، وتذوق متعةٍ إضافية، من متع الحياة، وهكذا تشعل ثريا المدى المسحور، بأجنحةٍ تخفق في غابات هند العذراء، لترتعش المجرة، بلمساتٍ تنظم القصائد. وتستعرض لنا الساردةُ نماذج أخرى من المثليات اللاتي تعرفت إليهن، مثل سماهر التي اغتصبها أبوها وهي في العاشرة، وصولاً إلى سن الخامسة عشرة، حتى أصبحت منجذبةً إلى عالم النساء، نافرةً من دنيا الرجال).

 

وفي القصة، يظهر حقيقة إخوان هند، ومعرفتهم بكونها، ذات علاقات مثلية، ولكنهم لا يأبهون بالأمر لأسباب مادية، تتعلق بالإرث، وتتساءل هند فيما إذا كانوا إخوتها يعرفون حقيقتها أم لا؟؟؟ لكنها تؤكد جازمة، أنهم يعرفون ذلك، لكنهم يغضون البصر عنها:

(يتغاضى إخوة هند عن شذوذها طمعاً في الإرث، إذ نجدهم حريصين على الحفاظ على ممتلكاتها، والاستحواذ عليها، بدل أن تذهب إلى زوج (غريب). هنا تكمن عقدة هند ومأساتها. تقول هند:" أحياناً وأنا أنظر في وجوه إخوتي، يحيرني سؤال غبي، إن كان لديهم علم بعلاقاتي المثلية. أستخف من سذاجتي. بالتأكيد هم يغضون النظر، ما دام ميراثي بخير، بعيداً كل البعد، عن متناول رجل يطمع في الحصول عليه." ص(130)).

أما نهاية القصة، كعادة القصص العربية منذ القدم، فالقصة تنتهي بوفاة البطل، بشكل او بآخر، وفي هذه الرواية البطلة هي (ثريا)، مع أنها حقيقة، كانت أداة مصيرة، في يد زوجها حسين،مع أنها الأكثر إثارة ومحورية في القصة، منذ بداية زواجهما، مع أن الزوجين كليهما، يبحثان عن الجاه والمال، حتى يتخلصا من فقرهما ووضعهما غير المريح، والذي لا يتناسب مع طموحاتهما، فالفكرة الجهنمية التي راودت حسين، منذ بداية زواجه تقريبا، هو استغلاله لجسد زوجته، وجماله الأخاذ، ويبقى التساؤل المشروع كيف أن زوجته ثريا اقتنعت بهذه الفكرة بسهولة، بدون مقاومتها أو رفضها؟؟؟ لكن يبدو أنها كانت مستعدة لهذه المهمة، ومهيأة لهذا الدور، طالما أنها زوجة تتبع زوجها، فهو المسئول عنها، وهو رب الأسرة، وهو من يتحمل لوحده عاقبة أعماله.

رغم أنهما حققا طموحاتهما المادية والمالية والترف والبذخ، وامتلاك الأموال، بشكل سريع جدا، إلا أن هذه الثروة، لم تحقق لهما ما يحلم به كل زوجين، من عيشة رغدة، هانئة وسعيدة، وبناء أسرة كريمة متماسكة، يغمرها الحب والحنان والكرامة والعزة.

 

على الرغم من أن ثمرة زواجهما، انجابهما ولدا أسمياه (زاهر)، وقبل انخراطهم في حياة المجون والجنس، وجمع المال بأي ثمن، إلا أن وجود زاهر في تفكير وذهن والده، كان يذكره بماضيه السيء والفاضح، بحيث لم يكن يشرفه، كونه أنجبه من زوجته ثريا، والتي وصفها في موقع في القصة (بالمومس)، ومع هذا، فان حسين، بعد تصفية كل أعماله في وطنه، وانتقاله الى لندن، يتزوج من شابة إنجليزية، تنجب له ابنا، يكرر تسميته باسم (زاهر) ابنه من ثريا، وكأنه يستبدل ابنه الأول، بابنه المولود الجديد، وكأنه قد مات أو يعتبره ليس ولدا شرعيا له، كون والدته في ظنه وتفكيره بمثابة المومس، بينما زاهر الثاني، قد أنجبه بطريقة شرعية، حيث لم تكن زوجته الإنجليزية وممارستها بمثابة المومس.

 

بعد أن جمعت ثريا ما كانت تتمناه من المال، وبعد طلاقها من حسين، أقامت في لندن مع خادمتها، وقد تكالبت عليها الأمراض، ولم يعد أحد من حولها من العشاق والمحبين، بعد أن فقدت بريق جمالها، وترهل جسدها البض المثير، حتى ابنها زاهر، ابنها الوحيد، لم يكن له صلة بها،  وفي يوم من الأيام، تفاجأ الخادمة بسيدتها ملقاة على الأرض بين غرفة نومها والحمام، وقد فارقت الحياة. وتصف الساردة هذا الموقف فتقول:

( دخلت الخادمة صباحا، لتعطي سيدتها دواءها كالمعتاد، وجدتها راقدة على وجهها، في الممر الفاصل بين غرفتها ودورة المياه، اتصلت سريعا بطبيبها، كان قد مضى على موتها بضع ساعات، كتب الطبيب في تقريره الشرعي:" سبب الوفاة، سكتة قلبية، وقد وافتها المنية عند الثالثة فجرا". قدرت ثروتها بملايين عدة، عادت جميعها لأهلها." ص (160).

بهذه القصة الجميلة والرائعة، وبأسلوبها الشيق والممتع والمثير والسلس، تنقلنا الكاتبة والأديبة الرائعة والمتألقة زينب حفني، الى أحداث وظواهر متنوعة وكثيرة جدا، و خاطئة، تبدوا تحت السطح، دفينة ولا تظهر فوق السطح، يغط بها المجتمع السعودي والخليجي بشكل عام، وبشكل متفاوت، تختلف من مجتمع لآخر، على ضوء ما يتوافر به من حريات اجتماعية، إذ تحدث مثل هذه الظواهر، في المجتمعات العربية المنغلقة، والمتزمتة والمقهورة و المقموعة، والمتحجرة، والتي تقمع فيها الحريات الشخصية، وتقمع فيها المرأة، وتسجن، وتعذب وتعتقل، ويداس، على كرامتها وحريتها الشخصية، وتقتل في أحيان كثيرة، ظلما وعدوانا من قبل الرجل، بدون أي إثباتات ظاهرة، باسم عادات وتقاليد بالية، نام عليها الدهر وشرب.

 

تبقى قصة زينب حفني واحدة من قصص الأديبات والكاتبات السعوديات المبدعات والرائعات، اللواتي ظهرن في نهاية القرن العشرين، وبداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. فكل التحايا والإعجاب والتقدير، للأديبات والكاتبات السعوديات، المبادرات، بفضحهن للمسكوت عنه، جرأتهن وشجاعتهن وصراحتهن وتمردهن، على القيم البالية والمزرية، وفضحهن لهذه الممارسات.

أضيفت في15/12/2008/ خاص القصة السورية /المصدر: الكاتب ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

 

 

قراءة في رواية (أنثى العنكبوت)

للكاتبة السعودية قماشة العليان

بقلم الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم

 

تعتبر رواية (أنثى العنكبوت) للكاتبة السعودية قماشة العليان، من الروايات الرائعة، والتي حازت على جائزة رواية المبدعات العربيات للعام 2000م في إمارة الشارقة، وهي من الروايات، التي تتناول المجتمع السعودي، وتقاليده وعاداته الاجتماعية، بنوع من النقد الصريح والواضح والعميق، وهذه الرواية، تختلف كثيرا، عن باقي روايات بعض الكاتبات السعوديات، اللواتي ظهرن بالأعوام الماضية، مثل رواية (بنات الرياض)، ورواية (الأوبة) ورواية (الآخرون) و(تاء الخجل) و(اكتشاف الشهوة) و(برهان العسل) وغيرها من الروايات النسائية، من ناحية ابتعادها عن الإغراق بموضوع الجنس، وجسد المرأة وعواطفه المكبوتة وتفاعلاته، وان كانت تلك الروايات في معظمها، تتكلم عن المجتمع العربي والخليجي والسعودي خاصة فكلها تصب، في نفس الاتجاه وهو الانتقاد الشديد للمجتمع السعودي والعربي ولكل ما به من عادات وتقاليد بالية، أكل عليها الدهر وشرب.

 

قصة (أنثى العنكبوت) تتحدث عن رب أسرة سعودي متزمت، وذو أفكار متحجرة تماما، يمثل في عقليته وتفكيره الكثير من الرجال في المجتمع الخليجي بعامة والسعودي بخاصة، هذا الرجل، ورب الأسرة، بثقافته الذكورية المتحجرة، يتعامل مع زوجته وبناته وأبنائه بشكل من العجرفة والاستبداد والظلم، منقطع النظير، وهناك الكثير منهم على شاكلته، من المحيط الى الخليج، بحيث يفقد حب كل أبنائه وبناته، ويستبدل حبهم بحقدهم وكرههم له. ولا يستطيع حتى المحافظة على أسرته وتماسكها، بل، كل أبنائه يقعون بنفس المشاكل والمعاناة والظلم، سواء الأبناء أو البنات، وحتى زوجتيه الأولى والثانية، لم يرحمهما، من ظلمه لهن، وقسى عليهن كثيرا بدون رحمة او رأفة، على الرغم مما يتمتعن به من جمال، وهذا نابع من فهمه الخاطيء، وثقافته الذكورية المستبدة، بان الرجال قوامون على النساء، وان المرأة لا تخرج من بيت أبيها إلا الى بيت زوجها أو الى القبر، وان المرأة، صوتها وجسمها كله عورة، والنساء شاوروهن وخالفوهن، والمرأة، خلقت من ضلع آدم الأعوج، وثلثي من في جهنم، هم من النساء، والنساء ناقصات عقل ودين، والنساء إن كيدهن لعظيم، وغيرها من المفاهيم الظالمة، والتي تحث على احتقار واستعباد المرأة وإذلالها، بشكل ظالم جدا، وفي أحيان أخرى بشكل لا يتقبله العقل ولا الإنسانية.

 

أسرة البطلة في قصة (أنثى العنكبوت)، تتكون من الأب وزوجته وبناته، أحلام وبدرية وسعاد وندى وأبنائه خالد وحمد وصالح، أما الزوجة، فإنها أصبحت مقعدة في البيت بعد ما خلفت هذا العدد من الأبناء، وما لبثت أن أخذها القدر وماتت، وكانت سابقا تراوح، بين سرير المرض في المستشفى، وغرفة الزوجية نائمة، أو في أحيان أخرى بدون وعي، وسرحانة بخيالها الخاص، حيث كانت مصابة بمرض (الشيزوفرينيا) أو مرض انفصام الشخصية، لا تشعر بوجود أحد حولها، أو يشعر أحد بوجودها، بعد أن أوصلها زوجها بحقده عليها، وتفننه في ضربها وإيذائها وإذلالها وتعذيبها، الى ما وصلت إليه من حال يرثى لها، الى أن توفاها الله على فراش الموت في المستشفى (كما ذكرت سابقا)، وبعد وفاتها مباشرة تزوج زوجها من ثانية، واحضرها الى عش الزوجية وبسرعة البرق، واسكنها مباشرة في غرفة زوجته المتوفاة، دون مراعاة لشعور أبنائه، أو انتظار لفترة حداد مناسبة.

 

أما أحلام، بطلة القصة، وهي الابنة الصغرى للأسرة، فتقول بأنها وعيت على نفسها وأمها مريضة بالمستشفى، فلم تشعر بمعنى الأمومة أو حنانها، كل من تشعر به جيدا، هو أختها بدرية، الأخت الكبرى لها، والتي كانت بمثابة أمها وأختها، بل وتمثل كل شيء في حياتها، لذلك تبادلتا الحب والود والحنان المفتقد، من كلا الأب والأم.

تمكن الأب، من تزويج ابنته بدرية الى شاب بدون إرادتها ومعرفته به جيدا، او حتى بموافقتها عليه، حيث لم تعرف معه للزواج طعما، فقد أذاقها هذا الزوج، شتى صنوف العذاب، ومع هذا، فلقد خلفت له عدة أبناء، كانت كل ما تملكه في حياتها من ثروة، وهم من كانوا يضفوا على حياتها طعما ومعنى للحياة، بعد ظهور زوجها على حقيقته، فقد كان زوجا حاقدا وحشاشا وسكرجيا ومجرما، لا تعرف روحه الرحمة او الشفقة، أو معنى لبناء أسرة، كريمة، كل ما يعنيه ويهمه، هو وجود زوجة على السرير، وإدارة كؤوس الخمرة، وتعاطي المخدرات، والتشدد في ضرب زوجته، وإيذائها بسبب أو بدون سبب،  وعندما شرحت بدرية لوالدها حقيقة زوجها وظروفها الزوجية وأحوالها، وطلبت منه أن يعمل على تطليقها منه، لأن حياتها عذاب في عذاب، ولا تطاق، رفض الأب طلبها هذا رفضا مطلقا، وقال لها:(لا يوجد لدينا كلمة طلاق، في قاموس العائلة، فالزوجة لزوجها، مهما كانت الأسباب، والا الى القبر)، وعندما رجعت في يوم من الأيام، الى دار والدها هربا من زوجها وإجرامه وإدمانه على شرب الخمرة والمخدرات، طردها والدها فورا، ولم يسمح لها حتى بمناقشته، وقال لها:

(ألزوجه، يجب أن لا تخرج من بيت زوجها، ويجب أن تتحمل معه وتشاركه قسوة الحياة، إلا عند طلاقها أو عند موتها)، استسلمت بدرية لواقعها المأساوي والمر، والتي عجزت عن تغييره، وحتى إخوانها وأخواتها لم يجرؤ واحد منهم للتدخل لصالحها، الى أن قدرت الظروف لها، بان يموت زوجها، لفرط تعاطيه المخدرات والمشروبات، بشكل جنوني، وعجزت المستشفيات عن علاجه، وبعد موته بفترة وجيزة،  حاولت العودة الى بيت والدها، والطلب منه السماح لها من الزواج من رجل آخر، رفض والدها طلبها هذا بشدة وعنف، وزجرها وضربها ضربا مبرحا وقال لها: (الأرملة لها أبناؤها فقط، تسهر على تربيتهم وتحافظ على مستقبلهم، وليس لها غير ذلك)، مع أنها كانت تتمتع بقدر واسع من الجمال والحيوية، وتستطيع الزواج، لكن والدها أصر على حرمانها من الزواج، أو ترك بيتها لأي سبب من الأسباب.

 

صالح، الولد الأكبر بالأسرة، حاول الزواج من ابنة الجيران، التي كان يشعر بحب شديد لها، لكن والده رفض طلبه هذا، وقال له بأنه سيزوجه خلال أيام، من ابنة عمه، حيث كان قد خطبها له منذ مدة، وبدون علمه، على الرغم من أن صالح رفض مثل هذا الزواج من ابنة عمه وبشدة، إلا أن والده اجبره عليه منها إجبارا، وبكل إكراه وقسوة، مما حمل صالح على القبول بهذا الزواج مرغما، ودون موافقة او قناعة منه، ولأنه يشعر بعدم قدرته على مواجهة والده، ولشدة ضعفه، فقد خضع لأمر والده، وتزوج من ابنة عمه مرغما، وترك منزل والده الى عش الزوجية الجديد، في مكان بعيد عن أهله ووالده.

 

أما سعاد، والتي كانت بمشاكل يومية مع زوجة أبيها، بعد وفاة والدتها، فقد عمل والدها الى إبعادها عن البيت، ليتخلص من مشاكلها مع زوجته، فعمل على تزويجها أيضا من رجل يكبرها كثيرا، وفي قرية نائية، بحيث لم يتمكن احد من إخوانها أو أخواتها من أن يصلها لزيارتها، فأصبحت في طي الكتمان والنسيان.

 

أما ندى، والتي كانت في حالة نفسية غير طبيعية، تصرخ وتعربد بدون أن يفهم لها أحد شيئا، فقد كانت تشبه حالة والدتها المتوفاة، فقد شخص المستشفى حالتها بعد نقلها إليه بشكل مفاجيء يوما ما، بقولهم بأنها تعاني من حالة انفصام بالشخصية (شيزوفرينيا)، وما لبثت أن فارقت الحياة، لسبب غير معروف، وان شك الأطباء وقتها، بأنها تناولت كميات كبيرة من الدواء بهدف الانتحار. عندها حضر شخص الى بيت أحلام في ذلك اليوم، وقرع جرس المنزل، خرجت له أحلام لتعرف من هو الطارق، حيث سألها الطارق:

(هل هذا منزل عبد الرحمن محمد صالح؟

نعم إنه هو...

هل السيد عبد الرحمن "أبو صالح" موجود؟

كلا، هو في الخارج الآن... هل هناك ما نقوله له إذا عاد؟

نعم ... أنا سالم عبد الله... من قسم شؤون المرضى في مستشفى الصحة النفسية، أبلغيه  يا سيدتي..........    (صمت الصوت لبرهة)، جمدت فيها الدماء في عروقي...ثم  تابع بأسى: إن ابنته المقيمة لدينا في المستشفى قد انتحرت...

(ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أجيبه...)

وهل ماتت...؟

يؤسفني إبلاغكم بذلك... إنها موجودة في ثلاجة المستشفى... نرجو سرعة استلام جثمانها...شهقت بجزع وأنا أسأله:كيف انتحرت... ولماذا؟ أرجوك أجبني بصراحة أنا شقيقتها.

 

 سيدتي نحن لا نعطي معلومات لأحد... إذا حضر والدها إلى المستشفى سيعلم كل شئ... مع السلامة...). وهكذا كانت نهاية مصير إحدى أخواتها المدعوة ندى، نهاية مأساوية، القصة تتضمن الكثير من المواقف والمشاهد، التي تنم عن حقد الوالد وكرهه لأولاده ووقوفه ضدهم، بدون وجه حق، وبدون شفقة أو رحمة حتى في أحلك الظروف التي كانوا يمروا بها.

 

أما أحلام، وهي بطلة الرواية والبنت الصغرى في العائلة، والتي صبرت كثيرا على آثام وآلام والدها وتعنته وإجرامه واستبداده، بحق زوجته وبناته وأولاده، فقد تمكنت ببساطتها وحيلها وصبرها وتحملها كثيرا، من أن تكظم غيظها، وأن تكمل دراستها الجامعية، وتحصل على شهادة البكالوريوس باللغة العربية، وتتعين بعدها مباشرة، مدرسة للغة العربية، في مدرسة، في إحدى القرى النائية............ وتتذكر أحلام، كيف أن والدها انهال عليها ضربا مبرحا، عندما لم يحضر السائق الذي كان يوصلها مع زميلاتها المدرسات الى منزلها، فحضرت مع زميلتها وزوجها في سيارة واحدة، وصادفها والدها عند حضورها، وهي في معية زميلتها وزوجها، وكيف بعد نزولها من السيارة، ودخولها منزلها، أراها والدها نجوم الظهر، لأنها سمحت لنفسها أن تركب مع زميلتها وزوجها، والذي يعتبر محرم وعار عليها هذا التصرف في نظر والدها والمجتمع.

 

تتذكر أحلام أيضا، كيف رفض والدها زواجها من المدعو (سعد) الشاعر والأديب، والذي يقيم في القرية التي تدرس فيها، وهو أخ لإحدى الطالبات التي تدرسهن في المدرسة، وكيف انه سمع عن جمالها وأخلاقها وأراد خطبتها من والدها على سنة الله ورسوله، لكن والدها رفض طلبه هذا، وقال له: (نجوم الظهر، اقرب إليك من ذلك، ونحن ليس لدينا بنات للزواج، وأحلام مخطوبة منذ زمن بعيد)، وطلب منه عدم محاولة تكرار طلبه هذا، والا سوف يرى ما لا يعجبه.

 

صدمت أحلام صدمة عنيفة، حطمت أحلامها وأمانيها التي بنتها في أفكارها عن عيشها بحياة حرة كريمة، مع فارس أحلامها وزوج مستقبلها، لرفض والدها زواجها من حبيبها (سعد)، والتي لم تقابله او تجلس معه مطلقا، بل تعرفه من خلال أخته (وضحى) تلميذتها في المدرسة، وكانت قد أهدتها كتابا شعريا من كتبه، والتي قرأته من الغلاف الى الغلاف بتمعن وعمق كبيرين، حيث فهمت شخصيته من خلال الكتاب وما احتواه من عواطف جياشة، كما أن أحلام سبق لها أن تعرفت على والدته، التي زارتها مرة، وكانت مضطرة لذلك.

(وجدت نفسي لا شعورياً أتعاطف مع هذا الشاب سعد... لقد أحس بي كما لم يحس بي أقرب الناس، واستشعر حيرتي وعذابي، فكتب كلماته تلك مواسياً ومعزياً، إنه شاعر ولا ريب فلا يكتب كلمات كهذه، سوى شاعر من طراز رفيع، وإنسان، قبل أن يكون شاعرا


قلبت صفحات الكتيب وأنا أقرأه بلهفة... تدريجياً تخففت من أحزاني، ووجدت سلواي أحسست، بأن كلماته الرقيقة، موجهة لي فقط، تحثني على الصبر والنسيان، وقصص عديدة، لأناس واجهوا مرارة الفقد بشجاعة خارقة... احتفظوا بصور أحبائهم داخلهم، كطاقة تدفعهم على الاستمرار والعطاء، وعاشوا حياتهم وكما أراد الله من حياة...

غفوت تلك الليلة، والكتاب بين ذراعي، وكلماته تفترش أرض أحلامي).

 

تقول أحلام مخاطبة والدها في القصة:

(لماذا يا أبي؟ أيضيرك كلمة مواساة أو ضمة حنان...؟ هل تنقص من قدرك دمعة مشتركة؟ أو لمسة عزاء؟ هل ما زلت متحجر القلب فاقد الأحاسيس؟

فقدنا أسرتنا الواحد تلو الآخر، دون أن تدمع عيناك، أو يرف لك جفن، أو تتغير حياتك، و لو قيد أنملة، بل على العكس، ماتت أمي، فودعتها غير آسف، لتحل محلها زوجتك الجديدة... منعت شقيقتي بدرية من الزواج مرة أخرى، وحبستها في بيتها مع أطفالها، وأنت تفتتح شركتك غير آبه بالحطام الآدمي، الذي يتكسر تحت قدميك... أودعت ندى مصحة الأمراض العقلية، وأنت تستقبل مولودتك الجديدة، وكأن هذه بتلك... ويتفرق أهل البيت وأنت سادر في غيك، مستمتعاً بحياتك التي لم ينقصها شئ... والآن، ندى تموت... بل تنتحر... هكذا بكل بساطة، دون أن تتعذب بموتها، أو تذرف دمعة شفقة، أو رثاء، بل طويت هذه الصفحة السوداء من حياتك، وكأنها لم تكن. واستعجلتني أن أشفى من حزني... أنت مخطئ يا أبي، فالحزن، هو المرض الوحيد، الذي لا شفاء منه، بل أنه يتغلغل في الذاكرة، ويتعمق في الوجدان، ليتحول إلى بؤرة صديدية، تسيل أحزاناً ومرارة، وكلما عبرت الذكرى، أو لاح وجه المحبوب، ولو من وراء الغيوم).

 

يفاجأ الوالد ابنته أحلام، بعد أن رفض خطبة حبيبها لها، بتزويجها لرجل كبير جدا بالسن، وهو أحد معارفه من التجار، وطلب منها أن تستعد وتهيأ وتجهز نفسها لهذا الزواج السريع، وقدم لها صورته كي تتعرف عليه، وقال لها بأنه رجل غني جدا، وسيدفع له مهرا كبيرا، وانه سيأخذ هذا المهر، وسيقدم لها جزءا منه مقابل هذا الزواج، وهذا ما اتفق عليه مع العريس. أما أحلام، فقد صعقت عندما شاهدت صورة وجه العريس الشاحب، والمنفر والقبيح، حيث يوحي منظره في الصورة، بأنه اكبر من والدها، كما علمت فيما بعد، بأنه لا يملك أسنانا بالمرة، وهو بحاجة الى خادمة أكثر من حاجته الى زوجة، لم تستطع أحلام من مقاومة قدرها ووالدها، وكما يقول المثل: (لا تعتب على حبيبك، بل اعتب على نصيبك) وعندما حاولت الرد على رفضها له، كانت الصفعات والركلات بالأقدام، تنهال عليها من والدها واحدة تلو الأخرى وفي كل أجزاء جسمها، دون مراعاة كونها امرأة، فلم تعد تستطيع أن تفعل شيئا، خاصة وأنها تعلم عناد والدها وقسوته وشدته ووحشيته، في تعامله مع إخوانها وأخواتها ووالدتها سابقا.

 

جاء يوم زواجها وليلة دخلتها، والآلام تعتصرها عصرا، فهي تنتقل من سجن الى سجن، ومن عذاب الى عذاب أكبر، فكيف لها أن ترضى بمثل هذا الزواج قسرا، أليس من شروط الزواج الشرعي الإيجاب والقبول، ولكنها ترفض مثل هذا الزواج غير المتكافيء، فكيف لها أن تعيش مع مثل هذا الزوج العجوز، والذي يكبرها أكثر من أبيها، وكيف يمكنها التفاعل معه، وأين هو من حبيبها (سعد)، الذي يتألق لطافة واناقة وأخلاقا وجمالا وشبابا، لكنها رددت كلمة والدتها المعهودة والتي كانت تسمعها منها دائما قبل وفاتها، عندما كان يفرض زوجها عليها وعلى أولاده وبناته موقفا بشعا وقاسيا، حيث كانت تقول دوما: (لا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم).

 

عندما حاول زوجها العجوز أخذها في تلك الليلة، لم تفعل له شيئا، سوى أنها فتحت له ساقيها على مصراعيهما،  بعد أن نزعت كافة ملابسها وألقت بها جانبا، واستلقت على ظهرها على السرير، وقد حاول العريس العجوز الانقضاض عليها، بعد أن تناول أمامها، كافة المقويات من الحبوب الملونة، الزرقاء منها والحمراء وغيرها من الحبوب الملونة، كي تساعده على القيام بمهمته، لكنها لم تفعل له شيئا، ولم تشف غليله، فاشتاط غضبا وحقدا، وقد تكررت محاولاته اللاحقة كثيرا في الأيام التوالي، وأحلام لا تحرك ساكنا، ولا يعنيها ما يحدث أمامها من عجز وانكسار، ولا تعمل له شيئا، مما اضطره غيظه، الى ضربها ضربا مبرحا بعصاة، كان يتعكز عليها في تنقلاته، وقال لها، لماذا لا تحاولين مساعدتي بيديك؟ كي أتمكن منك؟؟؟ هل تريدين نقودا او ذهبا؟؟؟ إنني على استعداد لأدفع لك كل ما تريدين من مال او ذهب أو الماس. لكنها جاوبته وردت عليه، بأنها ليست بحاجة الى كل أمواله، كل ما تريده هو اختيارها وحريتها الشخصية،  دع أموالك لك، فأنا لست بحاجة إليها، فانهال عليها ضربا مبرحا بعصاته، ولكنها تمكنت من الدفاع عن نفسها هذه المرة، وأخذت منه عصاته وضربته بها ضربة واحدة على رأسه، فخر صريعا على الأرض، مما أودت بحياته الى الأبد، واتصلت بأختها بدرية تعلمها بما حدث، وعند حضورها استكملت كافة تفاصيل شعورها وغضبها وحقدها على الرجال جميعهم، خاصة والدها، وقالت لأختها، بأنها قد انتقمت بقتله من والدها، وليست نادمة على شيء، وليأخذ القانون مجراه الطبيعي، في حقي ان كنت مجرمة. 

 

الأديبة السعودية (قماشه العليان) في قصتها، تنقل صورة حية وصادقة، وبأسلوب شيق وممتع وجذاب وسهل جدا، لحقيقة المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده، وكيفية تحكم الرجل بالمرأة، وتزمت وتعنت الرجل السعودي، وان كان الأب يظهر هنا، تجبره بأبنائه الذكور أيضا، وهي تحض المرأة على تحصين شخصيتها، وبتثقيف نفسها، وعلى الوقوف في وجه الظلم، ومحاربته، ودفعه، وبعدم القبول به، وتحضها على التمسك بالقيم والفضيلة، ولتعلم الآخرين، أن المرأة إنسان، قبل أن تكون تحفه، أو محط شهوة....إنسان سوي، وهبه الله العقل النير، والنفس السمحة الرقيقه، ولكنه، إنسان ذو حقوق، ليس عليه إلا الاعتماد على نفسه، لتحقيقها بعيدا عن عصا الانتقام.

أضيفت في15/12/2008/ خاص القصة السورية /المصدر: الكاتب ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية