أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

الكاتب: فواز محمد الجبر-الإمارات العربية المتحدة

       
       
       
       
       

 

نصوص أدبية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

سيرة ذاتية

اعتز أني أنتمي لعروبتي                  إسلام ديني والولاء هويتي

إن فاز قومي أحتفي لنجاحهم         وإذا خسرتُ فمن يديَ نقيصتي

من مشرقٍ أو مغربٍ فجميعنا            إخوان نفدي بعضنا بالمُهجة

أرواحنا للأرض جدّ رخيصة              وقت الزحام فداءُ هذي التربة

العلم دربي والكتاب لََصاحبي              والله حسبي غافرا لخطيئتي

 

المولد:

في أحضان سحر الطبيعة (من غير تفصيل). في جولاننا الذي (اغتصب في لحظة سبات).

لوالدين فلاحين طيبين لا يخطان أرضا ولا يقرآن سماء،  كان المولد.

 

العمر:

رغم أن قطاري يجر خلفه قريبا من الخمسين قاطرة،

إلا أنني اشعر بذلك الطفل في داخلي وخاصة عندما ألتحف ذلك الحضن الدافئ.

 

الحالة النفسية:

سجين منذ أكثر من ربع قرن. سجاني أدفأ حضن. أهدت إلي ثلاث مشاغبات ومشاغبين اثنين.

 

وسيلة العيش:

متسول على أبواب الحكومات، بداية في سوريا وانتهاء بالإمارات.

علمت وأعلم الصبيان والبنات. اللغة الانكليزية من بين كل اللغات.

 

الجريمة:

منذ أيام الدراسة الجامعية وأنا متورط بالشعر والقصة والمقامة. لاشك أنني متهم لدى الكثيرين. والله يستر.

كتبت خربشات للوطن للزوجة للولد للمرأة ولكل جميل. لكنني مازلت هاو للمشاغبة.

 

حكمتي:

أخلص ولو لم يخلص أحد.

 

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

ذكريات

الببغاء

الدراجة الحمراء

السكران 

المعطف

حب من نوع آخر

مدينة عربية عريقة

 

 

السكران

 

 

ذهبت كعادتي كل مساء إلى مقهى الحي أمضي فيه بعض الوقت وأتسامر مع بعض الأصدقاء ونتحدث ببعض التفاهات التي اعتدنا عليها. كان معظم الموجودين من الوجوه المألوفة من رواد المقهى.

فاجأنا الأستاذ حسن يومها مفاجأة لم يتوقعها أحد لقد أخذ زاوية من المقهى ثم ارتقى إحدى الطاولات وبدأ خطبته المشهورة التي لن ينساها أحد.

:" أيها الأخوة، أيها الصحاب والأصدقاء والجيران والزملاء والمعارف. كلكم تعرفونني

أنا ابن هذه المدينة ولدت فيها ونشأت فيها وتعلمت فيها وعلّمت معظمكم في مدارسها منذ ثلاثين سنة وأنا أخلص العطاء لكم ولهذا البلد. هل عرف أي منكم عني أي نقيصة أو مظلمة؟

لقد شاركت بنفسي في الحرب الأولى، وفي الحرب الثانية قدمت ولدي البكر فداء لهذا الوطن. لقد آن الأوان لأن أعرف الصاحب منكم من العدو. والوفي والمخلص ومن منكم سيقف إلى جانبي وسيدعمني. لقد قررت أن أنافس على انتخابات الرئاسة القادمة والتي ستجري خلال بضعة شهور. لقد سمع الجميع بالنهج الديمقراطي الجديد الذي ورد في الخطاب الأخير "

أخذ بعضنا ينظر إلى بعض باستغراب ودهشة. فكلنا نعرف الأستاذ حسن عاقلا كاملا واعيا. ماذا حدث له ياترى؟

شخص واحد من الحضور وقف فجأة ثم غادر المقهى. وأستمر الأستاذ حسن بكلامه عن أحلامه وآماله ومخططاته.

و ماهي إلا دقائق حتى ازدحم الشارع خارجا بالسيارات وأخذ رجال يتسارعون بدخول المقهى وهم يصرخون:" أين هو؟ أين هو؟"

وبلحظة اختطف الأستاذ حسن كأسا من الماء كانت على الطاولة وأخذ يرتشف منها وهو يغني ويرقص ويتمايل كمن لا يستطيع تثبيت نفسه وهو يقفز  ويقول:" عاش القائد عاش القائد".

عندها قال أحدهم إنه سكران لا داعي لأن نكسر سكرته.

لم يلحظ أي منهم أن مافي يده عبارة عن كأس ماء. وأن المقهى لايقدم إلا القهوة والشاي.

 

 

 

الدراجة الحمراء

 

كنت أمسك يدها أتعلق بها كخائف أن تفلت منه لعبته التي ينافسه عليها أقرانه. وكانت تمسك بيدي الصغيرة بأصبعين من يدها. أحيانا تقول لي تعال أحملك فيطير قلبي فرحا وأنا أطوقها بذراعي وألقي برأسي علي كتفها. تسير عشرات الأمتار ثم تقول لي :" لقد تعبت. انزل وأعطني يدك".

فأسير إلى جانبها وأنا أتشبث بيدها الحانية ,أحيانا كنت أركض أمامها وهي تزجرني ألا أبتعد عنها لأن ذلك خطر علي. لم أكن آبه لذلك فقد كان همي أن أمرح ويزداد سروري عندما أراها تفرح لفرحي.

كنت أحيانا أطلق أناملي من يدها وأتشبث بثوبها لأحس كأنه طائرة حريرية تنطلق بين يدي. عندما كانت تشعر بأنني أشد ثوبها تعلم أن التعب نال مني، فترفعني إلى صدرها، لكنني لم أعد ذلك الطفل الصغير الذي تقوى على حمله مدة طويلة.

كنت أسير إلى جانبها أمسك بثوبها، عندما لفت انتباهي دراجة صغيرة أمام أحد المحلات التجارية. فأطلقت طرف ثوبها من يدي ووقفت أحدق بتلك الدراجة. أخذني المنظر حتى أنني لم أشعر بما كان يجري من حولي،شدني منظرها كأنه لوحة فنية أبدعها وأتقن صنعها إنسان فنان. كثير من الناس يمرون من خلفي جيئة وذهابا وأنا واقف أحدق بتلك اللوحة البديعة.

لم تشعر أمي بأنني تخلفت عنها أو أنها خلفتني وراءها. سارت، ووقفت أنا. لم أفكر بما سيحدث فلم يكن ذلك يعنيني في شئ. أحلام كانت تراودني وأنا واقف هناك. أتخيل نفسي وأنا أركبها وأطير بها أمام أقراني في الحي. أتخيلهم وهم ينظرون إلي بحسرة وغيرة.  أتخيل بعضهم يتقرب مني ليصاحبني بغية الحصول على دورة في هذه التي لو ملكتها لكانت بالنسبة إلى أغلى من طائرة لغيري. تمر في مخيلتي صورة طارق وهو يكاد ينفجر غيظا مما يرى.

لم اشعر كم من الوقت مضى وأنا واقف  هناك أحدق وأحلم. خيل إلي ومن خلال زجاج المحل أن والدي مر من خلفي. لكنني لم أعر ذلك أي انتباه. وكذلك تخيلت أن أختي الكبرى مرت أيضا. لكنني لم ألتفت خلفي.

لم أعرف كم من الوقت مضى علي وأنا متسمر في مكاني. فلم أهتم للوقت، ولم أكن أعرف ماهو الوقت ولا قيمته.

أخذت الشمس تحزم أمتعتها، وبدا واضحا تبدل لون النهار، فقد شارفت الغزالة على الرحيل  كنت أشعر بذلك من خلال ضوء النهار الذي أصبح يتناقص شيئا فشيئا. عندها ربما عرفت أن الوقت الذي مضى علي هناك كان طويلا. استدرت لأمسك بثوب أمي وأتابع معها المسير في ذلك الطريق الذي بدا لي طويلا. يا للمفاجأة ! لم أرها بجانبي ولم يكن هناك ثوبا لأتشبث به. نظرت حولي في جميع الاتجاهات لكن عيني لم تقع عليها. بدأ قلبي يخفق بشدة، أخذت ألهث كما لو أنني في نهاية سباق، وأوشكت أن أطلق العنان لقدمي ولكن إلى أين؟ أطبقت شفتي وبدأ فكي يرتجف، والصوت يختنق، ولكنها لحظات وينفجر كل شئ دفعة واحدة . في ازدحام ذلك كله، ومن بين ازدحام الطريق بالمارة انشقت الصفوف لتظهر أمي لاهثة وعيونها غارقة بالدموع وهي تركض نحوي وتتلقفني بين ذراعيها وتضمني إلى صدرها.

ولكن الذي لم أفهمه لماذا كان والدي وأختي الكبرى مع أمي؟ ما الذي أتى بهما؟

21-06-2007

 

 

 

الببغاء

 

كانت هي النافذة التي أطللت على العالم من خلالها.والتي منها نفذ الضوء إلى فؤادي وفتق آهات الهيام. ومن أنفاسها نفذ النسيم العليل إلى حياتي التي كانت قبل ذلك جامدة لا معنى لها.

سنة كاملة انقضت ونحن نهيم ببعضنا البعض ونزرع الدنيا أماني وأحلاما. سنة كاملة من الحب والهيام تكللت بالارتباط.

كنا في قمة السعادة عندما ضمنا أخيرا عش صغير تكلله الزهور والرياحين. لم ينقطع حبنا لبعضنا. دام كذلك، وأحسست انه يزداد مع مرور الأيام والشهور، كبستان من الورد يسقى بماء الود والحنان فترعرع لينشر عطره في أرجاء العش الصغير  الذي كان يبدو لنا قصرا منيفا تحفه أروقة من القلوب النقية ورعاية من خالقها. مرت سنة كاملة من السعادة الكاملة والفرح الدائم، لم أحس طوال تلك الفترة بأي فتور أو تراجع في حبها لي. ولم أشعرها يوما أنها أقل مما كانت من قبل . كنت بين الحين والآخر أتذكرها بهدية جميلة تبهج قلبها وتدخل السرور إلى نفسها.

رزقنا الله مولودة لا تقل عن أمها جمالا. وردة زادت سعادتنا سعادة وبهجتنا بهجة. زهره فاح أريجها فكانت عطرا على عطر، وحبا على حب، 

مر الوقت وبدأ الأمر يتغير.  أحسست ببعض الفتور من جهتها، لم يكن صدودا بينا ولكن بدا وكأن ميلها لي بدأ يتناقص يوما بعد يوم. لم أوجه لها أي ملاحظة ولم أشعرها بأنني متضايق من قلة اهتمامها بي. فقد قلت في نفسي، لعل ذلك مرده إلى وجود الطفلة وهي التي أخذت كل وقتها. وهذه طبيعة الأمومة.

فكرت بوسيلة أعيد بها اهتمامها وحبها القديم لمحبوبها الوحيد الذي منحته حياتها كما قالت من قبل. لا وسيلة أفضل من هدية مميزة تشعرها بأنني مازلت هنا لم أنسها وأنني مازلت أهتم بها ، وما نسيتها يوما. وبعد تفكير توصلت إلى أن أفضل هدية هي (الببغاء).

وبالفعل فاجأتها بببغاء جميل صغير السن وقلت يجب أن يكون فتيا حتى تربيه كما تربي ابنتها.

وبالفعل كانت مفاجأة بالنسبة لها. شعرت السعادة تشع من عينيها وهي تتلقى الهدية. أحبته فكانت ترعاه وتحرص عليه كحرصها على ابنتها. وبدأ يكبر مع الأيام ، حتى أحسسنا أنه أصبح فردا متن العائلة وخصوصا بعدما بدأ يتلفظ ببعض الكلمات وهو يقلد بكاء الطفلة أو اسم زوجتي كما أناديها. وأحيانا يضحك عندما نضحك. كان قلبي يقفز فرحا وأنا أرى زوجتي تضحك بملء فيها من تصرفات الببغاء. تبين لي  أنه كان أفضل هدية قدمتها لها على الإطلاق.

سنة كاملة على دخوله إلى منزلنا حتى غدا يعرف عاداتنا وكلماتنا. يغني ويبكي ويلقي السلام وحركات مضحكة. سنة كاملة كبر وكبرت معه الصغيرة التي بدأت تخطو خطواتها الأولى وتتلفظ بأولى مفرداتها. آه، ما أروعه عندما كان يقلد بعض مفرداتها الأولى!

كنت في ذلك اليوم عائدا إلى المنزل متعبا من العمل ومتلهفا للقاء أسرتي الغالية. كنت أضع المفتاح في الباب لأدخل عندما سمعت صوت زوجتي وهي تقول:

" هيا اخرج بسرعة قبل أن يأتي زوجي ويراك. سنلتقي غدا على الموعد"

لم أصدق ما سمعت. كذبت أذني، وفتحت الباب ودخلت وأنا ينتابني الذهول. ووجدتها واقفة أمامي لتستقبلني كعادتها عند الباب.  كانت هي الأخرى مذهولة من شئ ما. وقفنا هناك كل منا ينتظر الآخر لينطق. فجأة كسر الببغاء الصمت. " هيا اخرج قبل أن يأتي زوجي ويراك. سنلتقي غدا على الموعد"

كانت صاعقة سقطت على صدري. لا أستطيع تذكر ملامح وجهها. لأنني خطوت بضع خطوات إلى الأمام. أتذكر أنني سقطت. لم أصح إلا في المستشفى وحولي مجموعة من الناس.

ثم بدأت تنهال علي الأسئلة عما حصل.

 منذ ذلك الحين. لم أشاهدها.

 

 

ذكريات

 

كانت ليلة شتوية باردة تحلقنا كعادتنا حول مدفأة المازوت نلصق عليها رقاقات الخبر حتى يتحمص ثم نستمتع بأكله. كان البعض يلف نفسه ببطانية صوفية أو لحاف حتى يزداد دفئا وكانت الصغيرة تتمدد في حضني تلعب بلحيتي حينا وتقبلني حينا وأنا أضع في فمها قطع الخبز المحمص وهي تنظر إلى البقية بتباهي لأنها تحظى بالاهتمام الأكبر بينهم.

رفعت رأسها وقالت:" بابا  ! احكي لنا قصة عن أيامك زمان."

 نظر الجميع إلي وكلهم قالوا:" نعم بالله عليك احكي لنا......."

قالت الكبرى: " قص لنا كيف تعرفت على أمي."

قلت" انتم الآن تذهبون إلى المدارس، ولديكم الكتب وفي منهاجكم القصص. أما أنا فلم أحصل إلا على التعليم البسيط على يد إمام المسجد. الذي تعلمت على يديه بعض سور القرآن الكريم والقراءة وقليلا من الكتابة. مع ذلك سأقص عليكم ماحدث معي سنة 1952."

"كنت شابا في العشرين من عمري وكنت أساعد والدي في أمور الزراعة. نحرث الأرض ونزرعها، ثم أسافر لأعمل في منطقة أخرى لحين موسم الحصاد فأعود لأساعد والدي في جمع الموسم وكنا اعتدنا على زراعة القمح والشعير."

" في تلك السنة قررت أنا وعدد من أصدقائي أن نسافر إلى لبنان. وبالفعل عزمنا الرأي على ذلك. وصتني والدتي أن لا أتأخر عن موسم الحصاد. وأن أحرص على عدم التبذير. لأنها قررت أن تزوجني عند عودتي."

"وبالفعل . سافرنا إلى لبنان. وما أجملها من بلد. أما بيروت من أجمل المدن وشعبها من ألطف ما رأيت. وجوها رائع وهواؤها منعش وطعامها مختلف ولذيذ. كانت تجربة جديدة لنا . من أجمل تجارب حياتي.  بدأنا بالعمل فور وصولنا. نعمل في كل شئ. في الحفر، والتحميل والتنزيل وتنظيف الحدائق....أي شئ. كنا نتجمع في منطقة محددة اسمها سوق العمال ويأتي من يحتاج إلى عمال فيأخذ العدد الذي يريد بعد أن يتفق معهم على نوع العمل والأجر. عملنا في بيروت لمدة خمسة شهور، ثم قرر أصحابي الذهاب إلى جبل لبنان لأنه موسم قطف التفاح الذي يستمر لفترة محدودة وهناك الأجور أفضل. ذهبنا إلى جبل لبنان وبنفس اليوم اتفق معنا شخص أن نعمل لديه. فبستانه يحتاج لشهر لينتهي. كانت الفترة هناك من أجمل ماقضيت في حياتي. ساعات عمل محدودة، أجور مرتفعة، صاحب العمل رجل محترم والأكثر لطفا منه كانت زوجته التي كانت تعاملنا كأبنائها. ذات مساء بعد الانتهاء من يوم عمل قلت لصاحب العمل أريد أن أسافر لقد اشتقت لأهلي وأخوتي، وموسم الحصاد اقترب لا أستطيع أن أتأخر عن والدي. كانت مفاجأة للجميع حتى أصحابي استغربوا مني هذا. وحاول الجميع ثنيي عن قراري ولكن بلا فائدة. صاحب العمل قال لي يابني لم يبق إلا أسبوع أكمله عندي وسأعطيك زيادة في الأجر. قلت له لاأستطيع. عندها أخذت منه مستحقاتي. ثم انتظرت لليوم التالي لأن حافلة القرية تذهب إلى بيروت في الصباح وتعود عند المغرب والطائرة التي سأسافر بها لها رحلة مغادرة واحدة في الأسبوع وهو ذلك اليوم. وبالفعل حزمت أمتعتي وأمانات أصحابي وفي اليوم التالي سافرت إلى بيروت. المخطط هو لدى وصولي الى بيروت علي الذهاب إلى مكتب السفر لأحجز تذكرة على تلك الطائرة ويجب ألا أتأخر لأنني إن تأخرت فعلي الانتظار أسبوعا كاملا حتى موعد الرحلة التالية.

نزلت من الحافلة وكنت أهم بطلب تاكسي ولكن هناك وعلى مقربة وقفت فتاة وكأنها قطعة من البدر. لا أستطيع أن أقارنها بامرأة لجمالها طولا وشكلا شعرها عيونها من أحسن ما خلق الله. لقد سحرتني بالفعل حتى أنني وقفت مذهولا لا أدري ما افعل نسيت حقيبتي وأخذت أحدق بها وهي مرة تنظر إلي ومرة تخفض نظراتها عني وأحيانا تنظر إلي خلسة نظرت حولي فوجدت مقعدا خشبيا على طرف الشارع فسحبت حقيبتي وجلست عليه أفكر .إلى ماذا سيؤدي هذا الموقف؟ نصف ساعة كاملة وهي واقفة في مكانها وكأنها تنتظر شخصا ما. فتحت حقيبتها وأخرجت دفترا صغيرا نزعت منه ورقة ثم كتبت شيئا و سارت باتجاهي وألقت الورقة أمامي ثم دخلت مبنى الكراج. أخذت الورقة وفيها: مقهى الأحبة الساعة الرابعة بعد الظهر.

ياإلهي ماذا أفعل إنه موعد الطائرة والساعة الآن العاشرة صباحا ويجب أن أذهب إلى مكتب السفر لأحصل على  تذكرة. فكرت ولكن شيئا بداخلي كان يحثني على ملاقاتها. ركضت خلفها إلى الكراج ونظرت وبحثت عنها ولكن لم أجدها. كانت قد خرجت من الباب الخلفي. واستجبت لقلبي. انتظرت ساعات كأنها شهور ثم طلبت تاكسي ليأخذني إلى المكان المحدد وصلت قبل الموعد بساعة ووقفت عند الباب انتظر قدومها انقضت الساعة. بعدها صرت مرة أدخل انظر داخل المقهى ومرة أخرج أراقب الشارع. ومرت الساعة الثانية ولم تظهر صار موقفي مثيرا للشك. وأصبحت في حيرة. ماذا أفعل؟ لقد فاتتني الطائرة وذهب أملي في لقاء الفتاة وبقائي هناك أثار استغراب الناس. أخيرا حملت حقيبتي واتجهت نحو موقف الحافلة لأدرك رحلة عودتها إلى القرية وإلى أصحابي. فوجئ الجميع لرؤيتي وكانت فرحة صاحب المزرعة لاتوصف. قلت له لقد فكرت بعرضك علي البقاء وزيادة الأجر لذلك عدت. وهو أسبوع واحد لن يؤثر. قال:"نعم، نعم .مفهوم مفهوم"

أكملنا الأسبوع عند ذلك الرجل ولكنني طوال تلك الفترة لم أنقطع عن التفكير بتلك الفتاة لقد استولت على كامل تفكيري. وعند الرحيل أخذني صاحب المزرعة جانبا وقال لي : لي عندك طلب. عدني بأن تنفذه لي. قلت له إن شاء الله سأنفذه. قال هذه الرسالة لاتفتحها إلا عندما تصل إلى قريتك." وفعلا وعدته بذلك وأخذتها منه  ووضعتها في جيبي ثم رحلنا. قلت في نفسي وأنا في الطائرة لماذا في القرية فهي ليست إلا مبلغا إضافيا من المال على إخلاصي في العمل... وتنازعنني قوتان ، افتح....لا تفتح. لكنني لم أصبر. أخرجت المغلف من جيبي وفتحته وإذا به ورقة مطوية وعليها: سامحني يابني على مافعلته بك كي حتفظ بك لأسبوع إضافي. عمك جوني."

يا إلهي. بدأ وجهي يتقلب. تسارع نبضي وتعرق جبيني. ياللمفاجأة التي لم تخطر على بالي

ثم انفجرت بالضحك بأعلى صوتي لدرجة أن جميع من في الطائرة نظروا باتجاهي وركضت المضيفة تسألني مابي. وبعد تدارك الموقف قلت لها تذكرت نكتة قالتها لي خطيبتي"

مازلت إلى الآن أحتفظ بالورقتين . ها...هل أعجبتكم الحكاية؟"

نظرت حولي وإذا الجميع نيام باستثناء زوجتي .

أضيفت في18/12/2007/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب

 

 

المعطف

الزمان  1982

المكان حلب الشهباء

أمسية  تشرينية باردة. أوائل الشتاء وبواكير الخير.  كنا عائدين من نزهة في حديقة السبيل التي طالما حلمت بزيارتها. كنا ننتظر قدوم الحافلة. أحيانا نتمشى وأحيانا نقف ننظر إلى ما حولنا من معالم وبشر.

اقتربت الشمس من السفر إلى العالم الثاني. وبدأت السماء تتحضر للبس عباءتها والنسمات تشتد برودة كنا نلف بعضنا البعض بأيدينا. وفي لحظة وقوف وحديث أشجان وسعادة عارمة

اقتربت مني أكثر فأكثر ووضعت رأسها على صدري وضمت يديها إلى بعضهما واقتربت أكثر

والتصقت أحسست تلك اللحظة كيف يكون الرجل هو الجناح الذي تأوي إليه الأنثى وكم كنت سعيدا في تلك اللحظات .أحسست بها ترتجف من البرد.

رغم أنني كنت أحس بنفس الإحساس إلا أنني خلعت معطفي ووضعته على كتفيها كنت أدرك أنها بقربي وهي تلازمني سوف تمنحني الدفء الكافي. ضمته على جسمها ونظرت إلي وابتسمت ابتسامة شكر وامتنان ثم اقتربت من كتفي  ووضعت عليه طابع الشكر كعادتها كلما أرادت أن تشكرني.

على خطوات منا وقفت صبية في مقتبل العمر مع أمها. كانت تراقبنا طوال الوقت تراقب حركاتنا وقفاتنا ضحكاتنا ولكن أكثر شئ لفت انتباهها هو موضوع المعطف. نظرت إلى أمها

وابتسمت وبادلتها أمها نفس الابتسامة وأكملتها لها بدعاء بأن يرزقها الله ابن الحلال.

مازلت رغم تقدم العمر أذكر ذلك الموقف.

ومرت الأعوام ومرت الأيام بحلوها ومرها ولابد للمرء أن يختبر قساوة الحياة وضريبة

المسئولية في لحظات اسوداد القلب وتقلب المشاعر وحرقة يجدها الرجل في نفسه حيث يندم على ذلك القرار الذي لابد منه . تلك اللحظات مررت بها كثيرا . أحيانا وفي حلكة الظلمة الآتية من قلوب الغاضبين أحدث نفسي وأقول ليتني يومها خلعت المعطف عنها وألبسته لتلك الصبية المسكينة. ربما كنت وفرت على نفسي مثل هذه المعاناة.

وفي لحظة تتأجج المشاعر وازدهار ربيع العواطف وفي غطاء من السعادة العارمة والابتسامات المتطايرة في أرجاء المكان أقول

لا أنثى في هذا الكون تستحق المعطف إلا هي فهي الأولى لأنها هي الأولى.

 

 

 

حب من نوع آخر

 

 

نظرت في عيني نظرة استعطاف. كلها رقة ونعومة وهي تردد " أرجوك لنؤجل هذا الزواج سنتين فقط ، حتى أكمل دراستي وأحصل على درجة الماجستير".

قلت وأنا أتحسر على ما فات من العمر :" وهل هناك ضامن لي بأن أعيش سنتين أخريين"

" لن أنتظر . لقد انتظرت طويلا ولا أستطيع أكثر من ذلك."

"طويلا !  لا تعرفني إلا من ثلاثة أو أربعة شهور وتقول طويلا. وافترض أنني أصريت على موقفي،  فما ستكون خطوتك التالية؟"

" للأسف لن أنتظرك سأفتش عن نصيبي في مكان آخر . سأبدأ من جديد. أنا لا أستطيع الانتظار. فماذا ترين؟"

" وحبنا ؟ وكل الأماني التي زرعناها سويا. كل ذلك الكلام، وكل الشعر الذي كتبته لي وكل الأحلام التي حلمنا بها سويا تذهب هباء ؟"

"الحب!!! عن أي حب تتحدثين؟ إن كنت تودين إكمال مسيرة الحب التي بيننا فلابد أن توافقي على الارتباط بي فورا وإلا اعتبري أن لا شئ بيننا" " ثم أنا الذي جرب الحب على حقيقته . نعم جربته مع زوجتي السابقة ثلاث سنوات كاملة قبل أن نتزوج وجربته بعد الزواج ثم أصبح حبا أعرج بعد سنة من الزواج. واستمر بين أخذ وجذب لمدة خمس سنوات ثم عزمت رأيها وما السبب ؟ أتدرين ما السبب؟  لقد قلت لها لا. نعم أحبت أن تشتري فستانا ولم أكن أملك ثمنه فقلت لها لا . وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير تركت لي طفلين ورحلت إلى غير رجعة نسيت كل الحب وكل الأحلام وكل الأشعار وكل الوعود لقد كتبت لها ديوانا كاملا أتغزل بها وهاهو قد أصبح سرابا."

وقفت، ونظرت إلي نظرة حادة كلها غضب وكأن الدنيا تتفجر من حولها: "أنت لم تخبرني عن سبب انفصالكما. هذه أول مرة تذكر فيها حادثة الفستان . لماذا لم تخبرني بها من قبل؟

على كل حال أنا لن أنتظر حتى يأتي اليوم الذي تقول لي به لا من أجل فستان."

انتزعت حقيبتها عن الطاولة . ولم أسمع عنها بعد ذلك.

 

 

 

مدينة عربية عريقة

المكان: مدينة عربية

الزمان: العصر الحديث

أمضيت أول ليلة لي في الفندق كي أستريح من عناء السفر. نهضت في الصباح وبعد وجبة إفطار خفيفة تجهزت ونزلت إلى المدينة لامتزج بضجيجها و زحامها. أخرجت قصاصة الورق لأنظر زحام ما دونته من آثار ومتاحف ومعالم عزمت على زيارتها والتفاؤل يملا نفسي والشوق يحدوه الأمل في أن تكون قسمات الوجه الفتان لا يزال في أمان كما قرأت عنها وسالمة من زحف ركام الاسمنت أو التجريف لأجل الاستملاك الشخصي .

عزمت رأيي ألا استعين بمكتب ولا بدليل سياحي  وأن أعتمد على قدمي في التجول لأكتشف الأماكن القريبة من الفندق وأطلع على معالم المدينة أولا.

وبعد سير فترة مضت كدقائق  قررت أن أستعين برجل في أواخر الأربعينيات من عمره  يقف على الرصيف وكأنه ينتظر الحافلة.

اقتربت منه وسألته عن القلعة.

قال:"هل أنت غريب عن هنا؟؟

قلت له :"نعم. فأنا أزور بلدكم من أجل التعرف على معالمها وآثارها وما استجد من الحضارة هنا."

تبسم وقال:: لقد وصلت أيها الأخ، فطلبك عندي ومثلي كثر في هذه المدينة يستطيعون مساعدتك.

فأنا يا سيدي أستطيع مساعدتك لأنني أعرف هذه المدينة بأحيائها وشوارعها وأزقتها وآثارها الباقية

وآثارها التي أزيلت وبيعت و وبساتينها  ووزاراتها ودوائرها الحكومية كلها.

داخلني الشك في صدق الرجل...بادرته:" هل أنت مختص في تخطيط المدن ولديك شهادة في ذلك ؟ أم أنت موظف في البلدية؟

فقال:"أما عن الشهادة فأنا أحمل شهادة. وبخصوص العمل فأنا بلا وظيفة والحمد لله ومثلي كثر."

ما زادني قوله إلا شكا بشأنه .فقلت له: إذن كيف تعرف ذلك؟

يا سيدي أنا أعرف الشوارع الواسعة والضيقة والمسموحة والممنوعة اعرف الأحياء الشعبية والأحياء الراقية اعرف كل بيوت الأغنياء ولا اجهل بيوت الفقراء

أتريد أكثر ؟ أعرف سكان كل حي  بل اعرف عملهم....مشربهم....مأكلهم...أفراد أسرهم....مشاكلهم...وفوق ذلك اعرف طبائعهم...وأخلاقهم...وآمالهم ....وآلامهم....اعرف السخي منهم والشحيح....اعرف صحيحهم وسقيمهم ولو سردت لك ما اعرفه عن هذه المدينة وتاريخها لأخذت من وقتك الكثير.

اعتراني الذهول ...وأخذتني الدهشة....كيف يمكن لشخص أن يلم بكل ما ذكر إلا أن يكون....؟

اقتحم الرجل أفكاري قائلا..:"نعم فانا يا سيدي منذ ثلاثين سنة وأنا أتسول في هذه المدينة"

 

أضيفت في 18/05/2007/ خاص القصة السورية/ المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية