بطاقة
تعريف الكاتب: ابن خلدون 1332 - 1406
هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الذي ولد وتوفي في الفترة
بين ( 1332- 1406) وهو مؤرخ وفيلسوف اجتماعي ، عربي مسلم ، ينتهي نسبه الى وائل
بن حجر من عرب اليمن .
أقامت أسرته في تونس ، حيث ولد ونشأ وتعلم بها ثم تنقل في بلاد
المغرب والأندلس ، ثم أقام بتلمسان ، وشرع في تأليف تاريخه ، وبعدها عاد الى
تونس ، ومنها انتقل الى مصر ، واتصل بسلطانها برقوق ، فولاه القضاء ، انقطع
للتدريس والتأليف فأتم كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر) وهو كتاب له قيمة
كبرى بين كتب التاريخ الإسلامي كما أن لمقدمته خطر عظيم لإشتمالها على فصول في
أصول العمران ، والنظريات الاجتماعية والسياسية ، وتصنيف العلوم وغير ذلك مما
جعل من ابن خلدون مؤسسا لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع الذي يقول عنه أنه فرع
فلسفي جديد لم يخطر على قلب أرسطو .
قال ابن خلدون في مقدمته : (إن كثيرين قبله حوموا على الغرض ولم
يصادفوه ، ولا تحققوا قصده ، ولا استوفوا مسائله) . وأمل ابن خلدون ممن يأتون
من بعده أن يستمروا في البحث ، فيتمموا ما فاته من المسائل ، وتحقق أمله بالفعل
ولكن على أيدي الفلاسفة الغربيين أمثال فيكو وأوجست..
ولابن خلدون آراء طريفة في التربية فقد خصص الباب السادس ومنها
(المقدمة) للبحث في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه ، وسائر وجوهه وتعرض
لاختلاف الأمصار الإسلامية في طرق التعليم ، وانتقد البدء بتعليم القرآن
والاقتصار عليه ، لأن الأطفال يقرأون مالا يفهمون ، فلا تحصل لهم الملكة
اللغوية.
وحاول ابن خلدون أن يرشد الى وجه الصواب في التعليم ، فأشار الى
ضرورة إجمال المسائل في البداية ، والتفصيل فيما بعد ، والاعتماد على الأمثلة
الحسية.
ومن الموضوعات الطريفة التي تعمق ابن خلدون في دراستها : علاقة
الفكر بالعمل وتكوين الملكات والعادات عن طريق المحاكاة والتلقين المباشر
والتكرار ، وقد أحسن ابن خلدون في الدعوة للرحمة بالأطفال ، وفي معارضته
استعمال الشدة اتجاههم فبين المفاسد الخلقية التي تنجم عن القسوة وقال أن القهر
العسف يقضي كلاهما على انبساط النفس ونشاطها ، ويدعو الى الكسل ، ويحمل على
الكذب والخبث والمكر والخديعة ، ويفسد معاني الإنسانية ومن المؤسف أن آراء ابن
خلدون السديدة في التربية والتعليم ، لم يظهر لها أي تأثير في مجتمعه في العصور
التالية.
واستعرض ابن خلدون تاريخ الحركة الفكرية لدى المسلمون وسعى الى
الكشف عن العلاقة بين العلوم والآداب من جهة والتطوير الاجتماعي من جهة أخرى ،
وأوضح أن التربية ظاهرة اجتماعية و أن التعليم يتطور مع تطور العمران .
وهو يعد من كبار العلماء الذين انجبهم العالم العربي ، اذ قدم
نظريات كثيرة جديدة في علمي الاحتماع والتاريخ ، بشكل خاص في كتابيه : العبر
والمقدمة . وقد عمل في التدريس في بلاد المغرب ، بجامع القرويين في فاس ، ثم في
الجامع الازهر في القاهرة ، والمدرسة الظاهرية، وغيرها من محافل المعرفة التي
اكثرت في ارجاء العالم الاسلامي المختلفة خلال القرن الثالث عشر نظراً لحض
الدين الحنيف للناس على طلب العلم. وقد عمل ابن خلدون في مجال القضاء اكثر من
مرة ، وحاول تحقيق العدالة الاجتماعية في الاحكام التي اصدرها. ونحن نقتطف وصفه
لمعاناته في هذا المجال في كتاب مذكراته التعريف بأبن خلدون.
ولكن ابن خلدون كان دبلوماسياً حكيماً ايضاً . وقد أُرسل في اكثر من
وظيفة دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول : مثلاً ، عينه السلطان محمد بن
الاحمر سفيراً له الى امير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما .. وبعد ذلك بأعوام
استعان به اهل دمشق لطلب الامان من الحاكم المغولي القاسي تيمور لنك ، وتم
اللقاء بينهما . ونحن في الصفحات التالية نقتطف ايضاً وصف ابن سينا لذلك اللقاء
في مذكراته. اذ يصف ما رآه من طباع الطاغية ، ووحشيته في التعامل مع المدن التي
يفتحها ، ويقدم تقييماً متميزاً لكل ما شاهد في رسالة خطها لملك المغرب.
الخصال الاسلامية لشخصية ابن خلدون ، اسلوبه الحكيم في التعامل مع تيمور لنك
مثلاً، وذكائه وكرمه ، وغيرها من الصفات التي ادت في نهاية المطاف لنجاته من
هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من نصوص ادب المذكرات
العربية والعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الاسلامية لعالم كبير واجه المحن بصبر
وشحاعة وذكاء ولباقة.
من التعريف بأبن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً[1]
الرحلة إلى المشرق ، وولاية القضاء بمصر:
ولما رحلت من تونس منتصف شعبان من سنة اربع وثمانين ، اقمنا في
البحر نحواً من اربعين ليلة ، ثم وافينا مرسى الاسكندرية يوم الفطر . ولعشر
ليال من جلوس الملك الظاهر على التخت ، واقتعاد كرسي الُملك دون اهله بني
قلاوُن، وكنا على ترقب ذلك، لما كان يؤثر بقاصية البلاد من سموه لذلك ، وتمهيده
له . واقمت بالاسكندرية شهراً لتهيئة اسباب الحج ولم يُقدّر عامئذ ، فانتقلت
الى القاهرة اول ذي العقدة ، فرأيت حضرة الدنيا ، وبستان العالم ، ومحشر الامم
، ومدرج الذر[2] من البشر ، وايوان الاسلام ، وكرسي المُلك ، تلوح القصور والاواوين
في جوه ، وتزهر الحوانك والمدارس بآفاقه ، وتضئ البدور والكواكب من علمائه ، قد
مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة ومدفع مياه السماء ، يسقيهم النهل والعلل سيحه[3]
ويجني اليهم الثمرات والخيرات ثجه[4] ، ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة ، واسواقها تزخر بالنعم ،
وما زلنا نحدثُ عن هذا البلد ، وبُعد مداه في العمران ، واتساع الاحوال ، ولقد
اختلفت عبارات من لقيناه من شيوخنا واصحابنا ، حاجبهم وتاجرهم ، بالحديث عنه .
سألت صاحبنا قاضي الجماعة بفاس ، وكبير العلماء بالمغرب ، ابا عبد الله المقري
، مقدمه من الحج سنة اربعين ، فقلت له : كيف هذه القاهرة؟ فقال: من لم يرها لم
يعرف عز الاسلام .
وسالت شيخنا ابا العباس ابن ادريس كبير العلماء ببجاية مثل ذلك فقال
: كأنما انطلق اهله من الحساب ، يُشير الى كثرة اممه وامنهم العواقب .
وحضر صاحبنا قاضي العسكر بفاس ، الفقيه الكاتب ابو القاسم البرجي
بمجلس السلطان ابي عنان ، منصرفه من السفارة عنه الى ملوك مصر ، وتادية رسالته
النبوية الى الضريح الكريم ، سنة ست وخمسين وسأله عن القاهرة فقال:
اقول في العبارة عنها على سبيل الاختصار : ان الذي يتخيله الانسان ،
فانما يراه دون الصورة التي تخيلها ، لاتساع الخيال عن كل محسوس ، الا القاهرة
، فانها اوسع من كل ما يُتخيل فيها . فأعجب السلطان والحاضرون بذلك.
ولما دخلتها ، اقمت اياماً ، وانثال على طلبة العلم فيها ، يلتمسون
الافادة مع قلة البضاعة ، ولم يُوسعوني عذراً ، فجلست للتدريس بالجامع الازهر
منها.
ثم كان الاتصال بالسلطان ، فأبر اللقاء ، وأنس الغُربة، ووفر
الجراية من صدقاته ، شأنه مع أهل العلم ، وانتظرت لحاق اهلي وولدي من تونس ،
وقد صدهم السلطان هنالك عن السفر ، اغتباطاً بعودي اليه ، فطلبت من السلطان
صاحب مصر الشفاعة اليه في تخلية سبيلهم .
ثم هلك بعض المدرسين بمدرسة القمحية[5] بمصر ، من وقف صلاح الدين بن ايوب ، فولاني تدريسها مكانه ، وبينما
أنا في ذلك ، اذ سخط السلطانُ قاضي المالكية في دولته ، لبعض النعات فعزله ،
وهو رابعُ اربعة بعدد المذاهب ، يُدعى كل منهم قاضي القضاة ، تمييزاً عن الحكام
بالنيابة عنهم ، لاتساع خطة هذا المعمور ، وكثرة معالمه ، وما يرتفع من
الخصومات في جوانبه ، وكبير جماعتهم قاضي الشافعية ، لعُموم ولايته في الاعمال
شرقاً وغرباً ، وبالصعيد والفيوم ، واستقلاله بالنظر في اموال اليتام ،
والوصايا، ولقد يقال بأن مباشرة السلطان قديماً بالولاية انما كانت تكون له.
فلما عُزل هذا القاضي المالكي سنة ست وثمانين ، اختصني السلطان بهذه
الولاية ، تاهيلاً لمكاني ، وتنويهاً بذكري ، وشافهته بالتفادي من ذلك ، فأبى
الا امضاءه ، وخلع عليه بايوانه ، وبعث من كبار الخاصة من اقعدني بمجلس الحكم
بالمدرسة الصالحية ، بين القصرين ، فقمت بما دفع الي من ذلك المقام المحمود ،
ووفيت جهدي بما امنني عليه من أحكام الله ، لا تاخذني في الحق لومة ، ولا يزعني
عنه جاهً ولا سطوة ، مسوياً في ذلك بين الخصمين ، آخذاً بحق الضعيف من الحكمين
، معرضاً عن الشفاعات والوسائل من الجانبين ، جانحاً الى التثبيت في مساع
البينات ، والنظر في عدالة المنتصبين لتحمل الشهادات ، فقد كان البر منهم
مختلطاً بالفاجر ، والطيب متلبساً بالخبيث ، والحكام ممسكون عن انتقادهم ،
متجاوزون عما يظهرون عليه من هناتهم ، لما يموهون به من الاعتصام باهل الشوكة ،
فان غالبهم مختلطون بالامراء ، معلمين للقرآن ، وائمة في الصلوات ، يلبسون عليه
بالعدالة، فيظنون بهم الخير ، ويقسمون لهم الحظ من الجاه في تزكيتهم عند القضاة
، والتوسل لهم ، فاعضل داؤهم ،وفشت المفاسد بالتزوير والتدليس بين الناس منهم ،
ووقفت على بعضها فعاقبت فيه بموجع العقاب ، ومؤلم النكال ، وتأدى الي العلم
بالجرح في طائفة منهم ، فمنعتهم من تحمل الشهادة، وكان منهم كتاب لدواوين
القضاة ، والتوقيع في مجالسهم ، قد دربوا على املاء الدعاوى ، وتسجيل الحكومات
، واستخدموا للأمراء فيما يعرض لهم من العقود باحكام كتابتها ، وتوثيق شروطها ،
فصار لهم بذلك شفوف[6] على اهل طبقتهم ، وتمويه على القضاة بجاههم ، يدرعون[7] به مما يتوقعونه من عتبهم ، لتعرضهم لذلك بفعلاتهم ، وقد يسلط بعض
منهم قلمه على العقود المحكمة، فيوجد السبيل الى حلها بوجه فقهي ، او كتابي ،
ويبادر الى ذلك متى دعا اليه داعي جاهٍ او منحة ، وخُصوصاً في الاوقاف التي
جاوزت حدود النهاية في هذا المصر بكثرة عوالمه ، فاصبحت خافية الشهرة ، مجهولة
الاعيان ، عرضة للبطلان ، باحتلاف المذاهب المنصوبة للحكام بالبلد ، فمن اختار
فيها بيعاً او تمليكاً ، شارطوه واجابوه ، مُفتاتين فيه على الحكام الذين ضربوا
دُونه سد الحظر والمنع حماية من التلاعب، وفشا في ذلك الضرر في الاوقاف ، وطرق[8] الغرر في العقود والاملاك.
فعاملت الله في حسم ذلك بما آسفهم على واحقدهم ، ثم التفت الى
الفتيا بالمذهب ، وكان الحكام منهم على جانب من الخبرة ، لكثرة معارضتهم ،
وتلقينهم الخصوم ، وفُتياهم بعد نفوذ الحكم، واذا فيهم اصاغر ، بيناهم يتشبثون
بأذيال الطلب والعدالة ولا يكادون ، اذا بهم طفروا الى مراتب الفتيا والتدريس ،
فاقتعدوها ، وتناولوها بالجُزاف ، واجتازوها من غير مثرب[9] ولا منتقد للاهليه ولا مرشح ، اذ الكثرة فيهم بالغة ، ومن كثرة
الساكن مشتقة ، وقلم الفتيا في هذا المصر طلق، وعنانها مرسل ، يتجاذب كل الخصوم
منه رسنا ، ويتناول ممن حافته شقاً ، يرزم به الفلج على خصمه ، ويستظهر به
لارغامه ، فيعطيه المفتي من ذلك ملء رضاه ، وكفاء امنيته ، متتبعاً اياه في
شعاب الخلاف ، فتتعارض الفتاوى وتتناقض ، ويعظم الشغب ان وقعت بعد نفوذ الحكم ،
والخلاف في المذاهب كثير ، والانصاف متعذر ، واهلية المفتي او شهرة الفتيا ليس
تمييزها للعامي ، فلا يكاد هذا المدد ينحسر ولا الشغب ينقطع.
فصدعت في ذلك بالحق ، وكبحت اعنة اهل الهوى والجهل ، ورددتهم على
اعقابهم ، وكان فيهم ملتقطون سقطوا من المغرب ، يشعوذون بمفترق من اصطلاحات
العلوم هنا وهناك ، لا ينتمون الى شيخ مشهور ، ولا يعرف لهم كتاب في فن ، قد
اتخذوا الناس هزؤا ، وعقدوا المجالس مثلبة للاعراض ، ومأبنة للحرم ، فارغمهم
ذلك مني ، وملأهم حسداً وحقداً علي ، وخلوا الى اهل جلدتهم من سُكان الزوايا
المنتحلين للعبادة ، يشترون بها الجاه ليُجيروا به على الله ، وربما اضطر اهل
الحقوق الى تحكيمهم ، فيحكمون بما يلقي الشيطان على السنتهم يترخصون به للاصلاح
، لا يزعهم الدين عن التعرض لاحكام الله بالجهل ، فقطعت الحبل في ايديهم ،
وامضيت احكام الله فيمن اجاروه ، فلم يغنوا عنه من الله شيئاً ، واصبحت زواياهم
مهجورة ، وبئرهم التي يمتاحون منها معطلة. وانطلقوا يراطنون السفهاء في النيل
من عرضي ، وسوء الاحدوثة عني بمحتلف الافك ، وقول الزور ، يبثونه في الناس ،
ويدسون الى السلطان التظلم مني فلا يصغي اليهم ، وانا في ذلك محتسب عند الله ما
منيت به من هذا الامر ، ومعرض فيه عن الجاهلين ، وماض على سبيل سواء من الصرامة
، وقوة الشكيمة ، وتحري المعدلة ، وخلاص الحقوق ، والتنكب عن خطة الباطل منى
دعيت اليها ، وصلابة العود عن الجاه والاغراض متى غمزني لامسها ، ولم يكن ذلك
شأن من رافقته من القضاة ، فنكروه علي ، ودعوني الى تبعهم فيما يصطلحون عليه من
مرضات الاكابر ، ومراعاة الاعيان ، والقضاء للجاه بالصور الظاهرة ، او دفع
الخصوم اذا تعذرت ، بناء على ان الحاكم لا يتعين عليه الحكم مع وجود غيره ، وهم
يعلمون ان قد تمالأوا عليه.
وليت شعري ! ما عذرهم في الصور الظاهرة ، اذا علموا خلافها ، والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك : "من قضيت له من حق اخيه شيئاً فانما اقضي له
من النار."
فأبيت في ذلك كله الا اعطاء العهدة حقها ، والوفاء لها ولمن قلدنيها
، فاصبح الجميع علي البا[10] ، ولمن ينادي بالتافف مني عونا ، وفي النكير على امة ،واسمعوا
الشهود الممنوعين ان قد قضيت بغير الحق ، لاعتمادي على علمي في الجرح ، وهي
قضية اجماع ، وانطلقت الالسنة ، وارتفع الصخب ، وارادني بعض على الحكم بغرضهم
فوقفت ، واغروا بي الخصوم فتنادوا بالتظلم عند السلطان ، وجمع القضاة واهل
الفتيا في مجلس حفل للنظر في ذلك ، فخلصت تلك الحكومة من الباطل خلوص الابريز ،
وتبين امرهم للسلطان ، وامضيت فيها حكم الله ارغاماً لهم ، فغدوا على حرد
قادرين ، ودسوا لاولياء السلطان وعظماء الخاصة ، يقبحون لهم اهمال جاههم ، ورد
شفاعتهم مموهين بان الحامل على ذلك جهل المصطلح ، وينفون هذا الباطل بعظائم
ينسبونها الي ، تبعث الحليم ، وتغري الرشيد ، يستثيرون حفائظهم علي ، ويشربونهم
البغضاء لي ، والله مجازيهم ومسائلهم .
فكثر الشغب علي من كل جانب ، واظلم الجو بيني وبين اهل الدولة ،
ووافق ذلك مصابي بالاهل والولد ، وصلوا من المغرب في السفين[11] ، فاصابها قاصف من الريح فغرقت ، وذهب الموجود والسكن والمولود ،
فعظم المُصاب والجزع ، ورجح الزهد ، واعتزمت على الخروج عن المنصب ، فلم
يوافقني عليه النصيح ممن استشرته ، خشية من نكير السلطان وسخطه ، فوقفت بين
الورد والصدر ، وعلى صراط الرجاء والياس، وعن قريب تداركني اللطف الرباني ،
وشملتني نعمة السلطان –ايده الله- في النظر بعين الرجمة ، وتخلية سبيلي من هذه
العهدة التي لم اطق حملها ، ولا عرفت – كما زعموا – مصطلحها ، فردها الى صاحبها
الاول ، وانشطني من عقالها ، فانطلقت حميد الاثر ، مشيعاً من الكافة بالاسف
والدعاء وحميد الثناء ، تلحظني العيون بالرحمة ، وتتناجى الامال فيّ بالعودة،
ورتعت فيما كنت راتعاً فيه من قبل من مراعي نعمته وظل رضاه وعنايته ، قانعاً
بالعافية التي سألها رسول الله صلى وسلم من ربه ، عاكفاً على تدريس علم او
قراءة كتاب ، او اعمال قلم في تدوين او تاليف ، مؤملاً من الله قطع صبابة العمر
في العبادة ، ومحو عوائق السعادة بفضل الله ونعمته.
لقاء الامير سلطان المغل والطرر:
لما وصل الخبر الى مصر بأن الامير تمُر ملك بلاد الروم ، وخرب سيواس
، ورجع الى الشام ، جمع السلطان عساكره ، وفتح ديوان العطاء، ونادى في الجند
بالرحيل الى الشام ، وكنت انا يومئذ معزولاً عن الوظيفة ، فاستدعاني دواداره
يشبك[12] ، وارادني على السفر معه في ركاب السلطان ، فتجافيت عن ذلك. ثم
اظهر العزم علي بلين القول ، وجزيل الانعام فاصخيتُ ، وسافرت معهم منتصف شهر
المولد الكريم من سنة ثلاث ، فوصلنا الى غزة ، فارحنا بها أياماً نترقب الأخبار
، ثم وصلنا الى الشام مسابقين الططر الى ان نزلنا شقحب واسرينا فصبحنا دمشق ،
والامير تمُر في عساكره قد رحل من بعلبك قاصداً دمشق ، فضرب السلطان خيامه
وابنيته بساحة قبة يُلبُغا. ويئس الامير تمُر من مهاجمة البلد ، فاقام بمرقب
على قبة يُلبُغا يراقبنا ونراقبه اكثر من شهر ، تجاول العسكران في هذه الايام
مرات ثلاثاً او اربعاً ، فكانت حربهم سجالاً ، ثم نمي الخبر الى السلطان واكابر
امرائه ، ان بعض الامراء المنغمسين في الفتنة يحاولون الهرب الى مصر للثورة بها
، فاجمع رايهم الرجوع الى مصر خشية من انتقاض الناس وراءهم ، واختلال الدولة
بذلك ، فأسروا ليلة الجمعة من شهر (….) وركبوا جبل الصالحية ، ثم انحطوا في
شعابه ، وساروا على شافة البحر الى غزة ، وركب الناس ليلاً يعتقدون ان السلطان
سار على الطريقة الاعظم الى مصر ، فساروا عصباً وجماعات على شقحب الى ان وصلوا
الى مصر ، واصبح اهل دمشق متحيرين قد عميت عليهم الانباء.
وجائني القضاة والفقهاء ، واجتمعت بمدرسة العادلية ، واتفق رايهم
على طلب الامان من الامير تمُر على بيوتهم وحرمهم ، وشاوروا في ذلك نائب القلعة
، فابى عليهم ذلك ونكره ، فلم يوافقوه . وخرج القاضي برهان الدين بن مفلح
الحنبلي ومعه شيخ الفقراء بزاوية (…) فاجابهم الى التامين ، وردهم باستدعاء
الوجوه والقضاة ، فخرجوا اليه متدلين من السور بما صبحهم من التقدمة، فاحسن
لقاءهم وكتب لهم الرقاع بالامان ، وردهم على احسن الآمال ، واتفقوا معه على فتح
المدينة من الغد ، وتصرف الناس في المعاملات ، ودخول امير ينزل بمجل الامارة
منها ، ويملك امرهم بعز ولايته.
واخبرني القاضي برهان الدين انه ساله عني ، وهل سافرت مع عساكر مصر
او اقمت بالمدينة ، فاخبره بمقامي حيث كنت ، وبتنا تلك الليلة على اهبة الخروج
اليه ، فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد الجامع ، وانكر البعض ما وقع من
الاستنامة الى القول. وبلغني الخبر من جوف الليل ، فخشيت الباردة على نفسي ،
وبكرت سحراً الى جماعة القضاة عند الباب ، وطلبت الخروج او التدلي من السور ،
لما حدث عندي من توهمات ذلك الخبر ، فابوا على اولاً ، ثم اصغوا لي، ودلوني من
السور ، فوجدت بطانته عند الباب ، ونائبه الذي عينه للولاية على دمشق ، واسمه
شاه ملك ، من بني جقطاي اهل عصابته ، فحييتهم وحيوني ، وفديت وفدوني ، وقدم لي
شاه ملك ، مركوباً ، وبعث معي من بطانة السلطان من اوصلني اليه . فلما وقفت
بالباب خرج الاذن باجلاسي في خيمة هنالك تجاور خيمة جلوسه ، متكئاً على مرفقه ،
وصحاف الطعام تمُر بين يديه ، يُشير بها الى عصب المغل جلوساً امام خيمته ،
حلقاً حلقاً . فلما دخلت عليه فاتحت السلام ، اوميت ايماءة الخضوع ، فرفع راسة
، ومد يده الى فقبلتها ، واشار بالجلوس فجلست حيث انتهيت . ثم استدعى من بطانته
الفقيه عبد الجبار بن النعمان من فقهاء الحنفية بخوارزم ، فاقعده يترجم ما
بيننا ، وسألني من اين جئت من المغرب؟ ولما جئت؟ فقلت : جئت من بلادي لقضاء
الفرض وركبت اليها البحر ، ووافيت مرسى الاسكندرية يوم الفطر سنة اربع وثمانين
من هذه المائة الثامنة ، والمفرحات باسوارهم لجلوس الظاهر على تخت الملك لتلك
العشرة الايام بعددها. فقال لي : "وما فعل معك؟" فقلت : "كل خير، بر مقدمي ،
وأرغد قراي ، وزودني للحج ، ولما رجعت وفر جرايتي ، واقمت في ظله ونعمته ، رجمه
الله وجزاه. فقال : وكيف كانت توليته اياك القضاء ؟ فقلت: مات قاضي المالكية
قبل موته بشهر ، وكان يظن بي المقام المحمود في القيام بالوظيفة ، وتحري
المعدلة والحق ، والاعراض عن الجاه ، فولاني مكانه ، ومات لشهر بعدها ، فلم يرض
اهل الدولة بمكاني ، فادالوني منها بغيري جزاهم الله.[13] فقال لي : "واين ولدك؟" فقلت : بالمغرب الجواني كاتب للملك الاعظم
هنالك. فقال وما معنى الجواني في وصف المغرب؟ فقلت هو في عرف خطابهم معناه
الداخلي ، أي الابعد ، لان المغرب كله على ساحل البحر الشامي من جنوبه ،
فالاقرب الى هنا برقة ، وافريقية ، والمغرب الاوسط : تلمسان وبلاد زناتة ،
والاقصى : فاس ومراكش ، وهو معنى الجواني. فقال لي : وسبتة؟ فقلت: ليست على
البحر ، وهي في وسط التلول ، وكرسي ملوك المغرب من بني مرين. فقال : وسجلماسة؟
قلت: في الحد ما بين الارياف والرمال من جهة الجنوب. فقال : لا يقنعني هذا،
واحب ان تكتب لي بلاد المغرب كلها ، اقاصيها وادانيها وجباله وانهاره وقراه
وامصاره ، حتى كانني اشاهده. فقلت: يحصل ذلك بسعادتك ، وكتبت له بعد انصرافي من
المجلس لما طلب من ذلك ، واوعيت الغرض فيه في مختصر وجيز يكون قدر اثنتي عشرة
من الكراريس المنصفة القطع. ثم اشار الى خدمه باحضار طعام من بيته يسمونه
الرشتة، ويحكمونه على ابلغ ما يمكن ، فاحضرت الاواني منه ، واشار بعرضها علي ،
فمثلت قائماً وتناولتها وشربت واستطبت ، ووقع ذلك منه احسن المواقع ، ثم جلست
وسكتنا ، وقد غلبني الوجل بما وقع من نكبة قاضي القضاة الشافعية ، صدر الدين
المناوي ، اسره التابعون لعسكر مصر . بشحقب ، وردوه ، فحبس عندهم في طلب الفدية
منه ، فاصابنا من ذلك وجل ، فزورت في نفسي كلاماً اخاطبه به ، واتلطفه بتعظيم
احواله ، وملكه . وكنت قبل ذلك بالمغرب قد سمعت كثيراً من الحدثان في ظهوره ،
وكان المنجمون المتكلمون في قرانات العلويين يترقبون القآن العاشر في المثلثة
الهوائية ، وكان يترقب عام ستة وستين من المائة السابعة . فلقيت ذات يوم من عام
احد وستين بجامع القرويين من فاس ، الخطيب ابا علي بن باديس خطيب قسنطينة ،
وكان ماهراً في ذلك الفن ، فسالته عن القران المتوقع ، فقال لي: يدل على ثائر
عظيم في الجانب الشمالي الشرقي ، من امة بادية اهل خيام ، تتغلب على الممالك ،
وتقلب الدول ، وتستولي على اكثر المعمورة . فقلت : ومتى زمنه؟ فقال : عام اربعة
وثمانين تنتشر اخباره. وكتب لي بمثل ذلك الطبيب ابن زرزر اليهودي ، طبيب ملك
الافرنج ابن اذفونش ومنجمه . وكان شيخي رحمه الله امام المعقولات محمد بن
ابراهيم الابلي منى فاوضته في ذلك ، او سايلته عنه يقول: امره قريب ، ولابد لك
ان عشت ان تراه.
واما المتصوفة فكنا نسمع عنهم بالغرب ترقبهم لهذا الكائن ، ويرون ان
القائم به هو الفاطمي المشار اليه في الاحاديث النبوية ، من الشيعة وغيرهم ،
فاخبرني يحيى بن عبد الله حافد الشيخ ابي يعقوب البادسي كبير الاولياء بالمغرب
، ان الشيخ قال لهم ذات يوم ، وقد انفتل من صلاة الغداة: ان هذا اليوم ولد فيه
القائم الفاطمي ، وكان ذلك في عشر الاربعين من المائة الثامنة ، فكان في نفسي
من ذلك كله ترقب له.
فوقع من نفسي لاجل الوجل الذي كنت فيه ان افاوضه في شيئ من ذلك
يستريح اليه ، ويانس به مني ، ففاتحته وقلت: ايدك الله ! لي اليوم ثلاثون او
اربعون سنة اتمنى لقاءك. فقال لي الترجمان عبد الجبار : وما سبب ذلك؟ فقلت:
امران، الاول انك سلطان العالم ، وملك الدنيا ، وما اعتقد انه ظهر في الخليقة
منذ آدم لهذا العهد ملك مثلك، ولست ممن يقول في الامور بالجراف ، فاني من اهل
العلم ، واين ذلك فاقول:
ان الملك انما يكون بالعصبية ، وعلى كثرتها يكون قدر الملك ، واتفق
اهل العلم من قبل ومن بعد ، ان اكثر امم البشر فرقتان : العرب والترك ، وانتم
تعلمون ملك العرب كيف كان لما اجتمعوا في دينهم على نبيهم ، واما الترك ففي
مزاحمتهم لملوك الفرس ، وانتزاع ملكهم افراسياب خراسان من ايديهم شاهد بنصابهم
من الملك . ولا يساويهم في عصبيتهم احد من ملوك الارض من كسرى ، او قيصر ، او
الاسكندر ، او بختنصر ، اما كسرى فكبير الفرس ومليكهم ، واين الفرس من الترك ؟
واما بختنصر فكبير اهل بابل ، والنبط . واين هؤلاء من الترك ؟ وهذا برهان ظاهر
على ما ادعيته في هذا الملك.
واما الامر الثاني ممما يحملني على تمني لقائه ، فهو ما كنت اسمعه
من اهل الحدثان بالمغرب ، والاولياء ، وذكرت ما قصصته من ذلك قبل . فقال لي :
واراك قد ذكرت بختنصر مع كسرى ، وقيصر ، والاسكندر ، ولم يكن في عدادهم ، لانهم
ملوك اكابر ، وبختنصر قائد من قواد الفرس ، كما انا نائب من نواب صاحب التخت ،
وهو هذا ، واشار الى الصف القائمين وراءه ، وكان واقفاً معهم ، وهو ربيبه الذي
تقدم لنا انه تزوج امه بعهد ابيه ساطلمش ، فلم يلقه هناك ، وذكر له القائمون في
ذلك الصف انه خرج عنهم.
فرجع الي وقال: ومن أي الطوائف هو بختنصر ؟ فقلت : بين الناس فيه
خلاف ، فقيل من النبط بقية ملوك بابل ، وقيل من الفرس الاولى ، قال : يعني من
ولد منوشهر . فقلت نعم هكذا ذكروا ، فقال : ومنوشهر له علينا ولادة من قبل
الامهات . ثم افضت مع الترجمان في تعظيم هذا القول منه .
فقال الملك : واي القولين ارجح عندك فيه. فقلت انه من عقية ملوك
بابل ، فذهب هو الى ترجيح القول الاخر . فقلت : يعكر تملينا راي الطبري ، فانه
مؤرخ الامة ومحدثهم ، ولا يرجحه غيره ، فقال : وما علينا من الطبري ؟ نحضر كتب
التاريخ للعرب والعجم ، ونناظرك. فقلت : وانا ايضاً اناظر على راي الطبري ،
وانتهى بنا القول ، فسكت ، وجاءه الخبر بفتح باب المدينة وخروج القضاة وفاء بما
زعموا من الطاعة التي بذل لهم فيها الامان ، فرُفع من بين ايدينا ، لما في
ركبته من الداء ، وحُمل على فرسه فقبض شكائمه ، واستوى في مركبه . وضربت الالات
حفا فيه حتى ارتج لها الجو . وسار نحو دمشق ، ونزل في تربة منجك عند باب
الجابية ، فجلس هناك ، ودل اليه القضاة واعيان البلد ، ودخلت في جملتهم ، فاشار
اليهم بالانصراف ، الى شاه ملك نائبه ان يخلع عليهم في وظائفهم ، واشار الي
بالجلوس ، فجلست بين يديه . ثم استدعى امراء دولته القائمين على امر البناء ،
فاحضروا عرفاء البنيان المهندسين، وتناظروا في اذهاب الماء الدائر بحفير القلعة
، لعلهم يعثرون بالصناعة على منفذه ، ثم انصرفوا ، وانصرفت الى بيتي داخل
المدينة بعد ان استاذنته في ذلك ، فاذن فيه . واقمت في كسر البيت ، واشتغلت
بما طلب مني في وصف بلاد المغرب ، فكتبته في ايام قليلة ، ورفعته اليه فاخذه من
يدي ، وامر موقعه بترجمته الى اللسان المغُلي . ثم اشتد في حصار القلعة ، ونصب
عليها الالات من المجانيق ، والنفوط ، والعرادات، والنقب ، فنصبوا لايام قليلة
ستين منجنيقاً الى ما يشاكلها من الالات الاخرى ، وضاق الحصار باهل القلعة ،
وتهدم بناؤها من كل جهة ، فطلبوا الامان.
وكان بها جماعة من خدام السلطان ومخلفه ،فامنهم السلطان تمُر ،
وحضروا عنده. وخرب القلعة وطمس معالمها ، وصادر اهل البلد على قناطير من
الاموال استولى عليها بعد ان اخذ جميع ما خلفه صاحب مصر هنالك ، من الاموال
والظهر والخيام . ثم اطلق ايدي النهابة على بيوت اهل المدينة ، فاستوعبوا
اناسيها ، وامتعتها ، واضرموا الناء فيما بقي من سقط الاقمشة والخُرثي ، فاتصلت
النار بحيطان الدور المدعمة بالخشب ، فلم تزل تتوقد الى ان اتصلت بالجامع
الاعظم ، وارتفعت الى سقفه ، فسال رصاصه ، وتهدمت سقفه وحوائطه ، وكان امراً
بلغ مبالغه في الشناعة والقبح . وتصاريف الامور بيد الله يفعل في خلقه ما يريد
، ويحكم في ملكه ما يشاء.
وكان ايام مقامي عند السلطان تمُر ، خرج اليه من القلعة يوم من
اهلها رجل من اعقاب الخلفاء بمصر، من ذرية الحاكم العباسي الذي نصبه الظاهر
بيبرس ، فوقف الى السلطان تمُر يساله النصفة في امره ، ويطلب منه منصب الخلافة
كما كان لسلفه ، فقال له السلطان تمُر: انا احضر الفقهاء والقضاة، فان حكموا لك
بشئ انصفتك فيه . واستدعى الفقهاء والقضاء ، واستدعاني فيها ، فحضرنا عنده وحضر
هذا الرجل الذي يسال منصب الخلافة ، فقال له عبد الجبار : هذا مجلس النصفة
فتكلم. فقال : ان هذه الخلافة لنا ولسلفنا ، وان الحديث صح بان الامر لبني
العباس ما بقيت الدنيا ، يعني امر الخلافة . واني احق من صاحب المنصب الان بمصر
، لان ابائي الذين ورثتهم كانوا قد استحقوه ، وصار الى هذا بغير مستند ،
فاستدعى عبد الجبار كلا منا في امره ، فسكتنا برهة ، ثم قال: ما تقولون في هذا
الحديث ؟ فقال برهان الدين بن مفلح: الحديث ليس بصحيح . واستدعى ما عندي في ذلك
فقلت : الامر كما قلتم من انه غير صحيح. فقال السلطان تمُر: فما الذي اصار
الخلافة لبني العباس الى هذا العهد في الاسلام؟ وشافهني بالقول، فقلت : ايدك
الله! اختلف المسلمون من لدن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، هل يجب على
المسلمين ولاية رجل منهم يقوم بامورهم في دينهم ودنياهم ، ام لا يجب ذلك؟ فذهبت
طائفة الى انه لا يجب ، ومنهم الخوراج، وذهب جماعة الى وجوبه ، واختلفوا في
مستند ذلك الوجوب ، فذهب الشيعة كلهم الى حديث الوصية ، وان النبي صلى الله
عليه وسلم اوصى بذلك لعلي ، واختلفوا في تنقلها عنه الى عقبه الى مذاهب كثيرة
تشذ عن الحصر . واجمع اهل السنة على انكار هذه الوصية ، وان مستند الوجوب في
ذلك انما هو الاجتهاد ، يعنون ان المسلمين يجتهدون في اختيار رجل من اهل الحق
والفقه والعدل ، يفوضون اليه النظر في امورهم.
ولما تعددت فرق العلوية وانتقلت الوصية بزعمهم من بني الحنيفة الى
بني العباس ، اوصى بها ابو هاشم بن محمد الحنفية الى محمد بن علي ابن عبد الله
بن عباس ، وبث دعاته بخراسان . وقام ابو مسلم بهذه الدعوة ، فملك خراسان
والعراق ، ونزل شيعتهم الكوفة ، واختاروا للامر ابا العباس السفاح ابن صاحب هذه
الدعوة ، ثم ارادوا ان تكون بيعته على اجماع من اهل السنة والشيعة ، فكاتبوا
كبار الامة يومئنذ ، واهل الحل والعقد ، بالحجاز والعراق ، بشاورونهم في امره ،
فوقع اختيارهم كلهم على الرضى به ، فبايع له شيعته بالكوفة بيعة اجماع واصفاق .
ثم عهد بها الى اخيه المنصور ، وعهد بها المنصور الى بنيه ، فلم تزل متناقلة
بينهم ، اما بعهد او باختيار اهل العصر ، الى ان كان المستعصم آخرهم ببغداد .
فلما استولى عليها هولاكو وقتله ، افترق قرابته ، ولحق بعضهم بمصر ، وهو احمد
الحاكم من عقب الراشد ، فنصبه الظاهر بمصر ، بممالأة اهل الحل والعقد من الجند
والفقهاء . وانتقل الامر في بيته الى هذا الذي بمصر ، لا يُعلم خلاف ذلك. فقال
لهذا الرافع : قد سمعت مقال القضاة ، واهل الفتيا ، وظهر انه ليس لك حق تطلبه
عندي . فانصرف راشداً.
الرجوع عن هذا الامير تمُر الى مصر:
كنت لما لقيته ، وتدليت اليه من السور كما مر أشار علي بعض الصحاب
ممن يخبر احوالهم بما تقدمت له من المعرفة بهم ، فاشار بان اطرفه ببعض هدية ،
وان كانت نزرة فهي عندهم متأكدة في لقاء ملوكهم ، فانتقيت من سوق الكتب مصحفاً
رائعاً حسناً في جزء محذو ، وسجادة انيقة ، ونسخة من قصيدة البردة المشهورة
للابوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، واربع علب من حلاوة مصر الفاخرة .
وجئت بذلك فدخلت عليه ، وهو بالقصر الابلق جالس في ايوانه ، فلما رآني مقبلاً
مثل قائماً واشار الي عن يمينه ، فجلست واكابر من الجقطية حفافية ، فجلست
قليلاً ، ثم استدرت بين يديه ، واشرت الى الهدية التي ذكرتها ، وهي بيد خدامي ،
فوضعتها ، واستقبلتني ، ففتحت المصحف فلما رآه وعرفه ، قام مبادراً فوضعه على
راسه . ثم ناولته البردة ، فسالني عنها وعن ناظمها فاخبرته بما وقفت عليه من
امرها. ثم ناولته السجادة ، فتناولها وقبلها . ثم وضعت علب الحلوى بين يديه ،
وتناولت منها حرفاً على العادة في التانيس بذلك . ثم قسم هو ما فيها من الحلوى
بين الحاضرين في مجلسه ، وتقبل لك كله ، وأشعر بالرضى به . ثم حومت على الكلام
بما عندي في شان نفسي ، وشان اصحاب لي هنالك . فقلت ايدك الله ! لي كلام اذكره
بين يديك ، فقال : قل. فقلت انا غريب بهذه البلاد غربتين ، واحدة من المغرب
الذي هو وطني ومنشأي واخرى من مصر واهل جيلي بها ، وقد حصلت في ظلك ، وانا
ارجوا رايك لي فيما يؤنسني في غربتي، قل الذي تريد افعله لك، فقلت : حال الغربة
انستني ما اريد ، وعساك – ايدك الله – ان تعرف لي ما اريد . قال انتقل من
المدينة الى الاردو عندي ، وأنا ان شاء الله اوفى كنه قصدك . فقلت يامر لي بذلك
نائبك شاه ملك ، فاشار اليه بامضاء ذلك ، فشكرت ودعوت وقلت : وبقيت لي اخرى .
فقال : وما هي؟ فقلت هؤلاء المخلفون عن سلطان مصر. من القراء ، والموقعين ،
والدواوين ، والعمال ، صاروا الى ايالتك والملك لا يغفل مثل هؤلاء فسلطانكم
كبير ، وعمالاتكم متسعة ، وحاجة ملككم الى المتصرفين في صفوف الخدم اشد من حاجة
غيركم ، فقال وما تريد لهم؟ قلت: مكتوب امان يستنيمون اليه ، ويعولون في
احوالهم عليه. فقال لكاتبه : اكتب لهم بذلك ، فشكرت ودعوت . وخرجت مع الكاتب
حتى كتب لي مكتوب الامان ، وختمه شاه ملك بخاتم السلطان ، وانصرفت الى منزلي .
ولما قرب سفره واعتزم على الرحيل عن الشام ، دخلت عليه ذات يوم ، فلما قضينا
المعتاد ، التفت الي وقال : عندك بغلة هان؟ فقلت نعم ، قال حسنة ؟ قلت نعم ،
قال وتبيعها؟ فانا اشتريها منك ، فقلت ايدك الله ! مثلي لا يبيع من مثلك ، انما
انا اخدمك بها ، وبامثالها لو كانت لي، فقال : انا اردت ان اكافئك عنها
بالاحسان ، فقلت : وهل بقي احسان وراء ما احسنت به ، اصطنعتني ، واحللتني من
مجلسك محل خواصك ، وقابلتني من الكرامة والخير بما ارجو الله ان يقابلك بمثله ،
وسكت وسكتُّ وحملت البغلة –وانا معه في المجلس – اليه ولم ارها بعد.
ثم دخلت عليه يوماً آخر فقال لي : أتسافر الى مصر؟ فقلت ايدك الله ،
رغبتي انما هي انت ، وانت قد آويت وكفلت ، فان كان السفر الى مصر في خدمتك فنعم
، والا فلا بغية لي فيه ، فقال لا ، بل تسافر الى عيالك واهلك ، فالتفت الى
ابنه ، وكان مسافراً الى شقحب لمرباع دوابه ، واشتغل يحادثه ، فقال لي الفقيه
عبد الجبار الذي كان يترجم بيننا : ان السلطان يوصي ابنه بك ، فدعوت له، ثم
رايت ان السفر مع ابنه غير مستبين الوجهة ، والسفر الى صفد اقرب السواحل الينا
املك لامري ، فقلت له ذلك ، فاجاب اليه ، واوصى بي قاصداً كان عنده من حاجب صفد
ابن الداويداري فودعته وانصرفت ، واختلفت الطريق مع ذلك القاصد ، فذهب عني ،
وذهبت عنه . وسافرت في جمع من اصحابي ، فاعترضتنا جماعة من العشير قطعوا علينا
الطريق، ونهبوا ما معنا ، ونجونا الى قرية هنالك عرايا. واتصلنا بعد يومين او
ثلاث بالصبيبة فخلفنا بعض الملبوس ، واجتزنا الى صفد ، فاقمنا بها اياماً. ثم
مر بنا مركب من مراكب ابن عثمان سلطان بلاد الروم ، وصل فيه رسول كان سفر اليه
عن سلطان مصر ، ورجع بجوار رسالته ، فركبت معهم البحر الى غزة ، ونزلت بها ،
وسافرت منها الى مصر ، فوصلتها في شعبان من هذه السنة ، وهي سنة ثلاث وثمانمائة
، وكان السلطان صاحب مصر ، قد بعث من بابه سفيراً الى الامير تمُر اجابة الى
الصلح الذي طلب منه ، فاعقبني اليه . فلما قضى رسالته رجع ، وكان وصوله بعد
وصولي ، فبعث الى مع بعض اصحابه يقول لي : ان الامير تمُر قد بعث معي اليك ثمن
البغلة التي ابتاع منك ، وهي هذه فخذها ، فانه عزم علينا من خلاص ذمته من مالك
هذا . فقلت لا اقبله الا بعد اذن من السلطان الذي بعثتك اليه ، واما دون ذلك
فلا . ومضيت الى صاحب الدولة فاخبرته الخبر فقال وما عليك؟ فقلت ان ذلك لا يجمل
بي ان افعله دون اطلاعكم عليه ، فاغضى عن ذلك ، وبعثوا الي بذلك المبلغ بعد مدة
، واعتذر الحامل عن نقصه بانه اعطيه كذلك ، وحمدت الله على الخلاص .
وكتبت حينئذ كتاباً الى صاحب المغرب ، عرفته بما دار بيني وبين
سلطان الططر تمُر ، وكيف كانت واقعته معنا بالشام ، وضمنت ذلك في فصل من الكتاب
نصه :
"وان تفضلتم بالسؤال عن حال المملوك ، فهي بخير والحمد لله ، وكنت
في العام الفارط توجهت صُحبة الركاب السلطاني الى الشام عندما زحفت الططر اليه
من بلاد الروم والعراق ، مع ملكهم تمُر ، واستولى على حلب وحماة وحمص وبعلبك ،
وخربها جميعاً وعاثت عساكره فيها بما لم يُسمع اشنع منه. ونهض السلطان في
عساكره لاستنقاذها ، وسبق الى دمشق ، واقام في مقابلته نحواً من شهر ، ثم قفل
راجعاً الى مصر ، وتخلف الكثير من امرائه وقضاته ، وكنت في المخلفين . وسمعت ان
سلطانهم تمُر سأل عني ، فلم يسع الا لقاؤه فخرجت اليه من دمشق ، وحضرت مجلسه ،
وقابلني بخير ، واقتضيت منه الامان لاهل دمشق ، واقمت عنده خمساً وثلاثين يوماً
، اباكره واراوحه . ثم صرفني ، وودعني على احسن حال ، ورجعت الى مصر . وكان طلب
مني بغلة كنت اركبها فاعطيته اياها ، وسالني البيع فتاففت منه ، لما كان يعامل
به من الجميل ، فبعد انصرافي الى مصر بعث الي بثمنها مع رسول كان من جهة
السلطان هنالك ، وحمدت الله تعالى على الخلاص من ورطات الدنيا.
وهؤلاء الططر الذين خرجوا من المفازة وراء النهر ، بينه وبين الصين
، اعوام عشرين وستمائة مع ملكهم الشهير جنكزخان وملك المشرق كله في ايدي
السلجوقية ومواليهم الى عراق العرب ، وقسم الملك بين ثلاثة بين ثالثة من بنيه
وهم جقطاي ، وطولي ، ودوشي خان :
فجقطاي كبيرهم ، وكان في قسمته تركستان وكاشغر ، والصاغون ، والشاش
وفرغانة، وسائر ما وراء النهر من البلاد .
وطولي كان في قسمته اعمال خراسان ، وعراق العجم ، والري الى عراق
العرب وبلاد فارس وسجستان والسند . وكان ابناؤه: قبلاي ، وهولاكو.
ودوشي خان كان في قسمته بلاد قبجق ، ومنها صراي ، وبلاد الترك الى
خوارزم . وكان لهم اخ رابع يسمى اوكداي كبيرهم ، ويسمونه الخان ، ومعناه صاحب
التخت ، وهو بمثابة الخليفة في ملك الاسلام . وانقرض عقبه ، وانتقلت الخانية
الى قبلاي ، ثم الى بني دوشي حان ، اصحاب صراي. واسمتر ملك الططر في هذه الدول
الثلاث ، وملك هولاكو بغداد ، وعراق العرب ، الى ديار بكر ونهر الفرات. ثم زحف
الى الشام وملكها ، ورجع عنها ، وزحف اليها بنوه مراراً ، وملوك مصر من الترك
يدافعونهم عنها ، الى ان انقرض ملك بني هولاكو اعوام اربعين وسبعمائة ، وملك
بعدهم الشيخ حسن النوين وبنوه . افترق ملكهم في طوائف من اهل دولتهم ، وارتفعت
نقمتهم عن ملوك الشام ومصر . ثم في اعوام السبعين او الثمانين وسبعمائة ، ظهر
في بني جُقطاي وراء النهر امير اسمه تيمور ، وشهرته عند الناس تمُر ، وهو كافل
لصبي متصل النسب معه الى جقاي في آباء كلهم ملوك ، وهذا تمُر بن طرغاي هو ابن
عمهم ، كفل صاحب التخت منهم اسمه محمود ـ وتزوج امه صرغمتش ، ومد يده الى ممالك
التتر كلها ، فاستولى عليها الى ديار بكر ، ثم جال في بلاد الروم والهند ،
وعاثت عساكره في نواحيها ، وخرب حصونها ومدنها ، في اخبار يطول شرحها . ثم زحف
بعد ذلك الى الشام ، ففعل به ما فعل ، والله غالب على امره . ثم رجع آخراً الى
بلاده ، والاخبار تتصل بانه قصد سمرقند ، وهي كرسيه.
والقوم في عدد لا يسعه الاحصاء ، ان قدرت الف الف فغير كثير ، ولا
تقول انقص ، وان خيموا في الارض ملأوا الساح ، وان سارت كتائبهم في الارض
العريضة ضاق بهم الفضاء ، وهم في الغارة والنهب والفتك بأهل العمران ،
وابتلائهم بانواع العذاب ، على ما يحصلونه من فئاتهم آية عجب ، وعلى عادة بوادي
الاعراب.
وهذا الملك تمُر من زعماء الملوك وفراعنتهم ، والناس ينسبونه الى
العلم ، وآخرون الى اعتقاد الرفض ، لما يرونه من تفضيله لأهل البيت . وآخرون
الى انتحال السحر ، وليس من ذلك كله في شيء ، انما هو شديد الفطنة والذكاء ،
كثير البحث واللجاج بما يعلم ولا يعلم ، عمره بين الستين والسبعين ، وركبته
اليمنى عاطلة من سهم اصابه في الغارة ايام صباه على ما اخبرني ، فيجرها في قريب
المشي ، ويتناوله الرجال على الايدي عند طول المسافة ، وهو مصنوع له ، والمللك
لله يؤتيه من يشاء من عباده.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] دار الكتاب اللبناني ، 1979 .
[2] طريق النمل
[3] الماء الجاري
[4] الصب الكثير
[5] كان موقع القمحية بجوار الجامع العتيق (جامع عمرو ) بمصر ،
وكان موضعها يعرف بدار الغزل: وهو قيسارية كان يباع فيها الغزل ، فهدمها صلاح
الدين ، وانشأ موضعها مدرسة للفقهاء المالكية ، ورتب فيها مدرسين ، وجعل لها
اوقافاً كانت ضيعة بالفيوم تغل قمحاً كان مدرسونها يتقاسمونه ، ولذلك صارت لا
تعرف الا بالمدرسة القمحية .
[6] فضل
[7] يحتمون
[8] الخطر
[9] لائم
[10] التدبير على العدو من حيث لا يعلم
[11] جمع سفينة
[12] احد أمراء الملك الظاهر
[13] يصف ابن خلدون هنا تمليه القضاء للمرة الثانية.
----------------------------------------
أضيفت في25/06/2005/خاص القصة السورية من
مصادر مختلفة
عن
الكتاب
الكتاب الذي رفعت مقدمته ابن خلدون إلى مصاف كبار فلاسفة العالم.
وهي كما قال توينبي، مستعيراً كلمة المقريزي: (عمل لم يقم بمثله إنسان في أي
زمان ومكان). وفيها أرسى قواعد فقه التاريخ وعلم العمران. وهو علم أعثره عليه
الله كما يقول، ولم يقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة. وموضوعه: (البحث
في أسباب انهيار الدول وازدهارها). وأراد أن تجد به الملوك ما يغني عن (سر
الأسرار) الذي ألفه أرسطو للإسكندر. وأنجزه أولاً في مدة خمسة أشهر، من عام
(779هـ) أثناء إقامته عند بني العريف في قلعة بني سلامة بوهران. ثم نقحه بعد
ذلك وهذبه وألحق به تاريخ العرب وأخبار البربر وزناتة، وأهداه إلى المستنصر أبي
العباس، الذي تولى إمارة تونس من سنة(772 حتى 796هـ). وكانت هذه النسخة موجودة
حتى عام (1858م). كما يفهم من كلام نصر الهوريني في نشرته (1858م). فلما ترك
تونس إلى مصر عكف على تهذيب الكتاب والزيادة عليه، زهاء (20) سنة، فأضاف إليه
الجزء الخاص بملوك العجم، وأقساماً أخرى ألحقها بمواضعها، وأهدى هذه النسخة
للسلطان برقوق فنحله لقب: (ولي الدين). (وقد وصلتنا هذه النسخة بخطه، فرغ منها
سنة 797) وانتسخ منها نسخة وقفها على طلبة العلم في جامع القرويين بفاس، في
تحبيسته المشهورة والمؤرخة (21/ صفر/ 799). انظر ما كتبه د. عبد الرحمن بدوي عن
الكتاب ومخطوطاته وطبعاته وترجماته إلى مختلف اللغات في كتابه: (مؤلفات ابن
خلدون) وفيه الحديث عن اثنين من ولاة سوريا في العهد العثماني كان لهما أكبر
الأثر في ترجمة الكتاب إلى التركية ونشره، وهما الوالي صبحي باشا (ت1886م)
العلامة الجليل صاحب (عيون الأخبار في النقود والآثار) و(تكملة العبر)، والوالي
أحمد جودت باشا (ت1895) الذي ترجم القسم السادس من المقدمة، وهو أهم أقسامها،
وكانت الترجمة التركية الأولى قد أغفلته. قال المقريزي في حديثه عن المقدمة:
(لم يعمل مثالها، وإنه لعزيز أن ينال مجتهد منالها، إذ هي زبدة المعارف
والعلوم، ونتيجة العقول السليمة والفهوم). بينما رأى فيها ابن حجر مجرد تلاعب
بالألفاظ على الطريقة الجاحظية. وفي عام (1978) انعقد أول مؤتمر دولي بمناسبة
مرور (600) عام على تأليف المقدمة. ومن طريف ما ألف فيها :(هل انتهت أسطورة ابن
خلدون) د. محمود إسماعيل، يتهم ابن خلدون بسرقة المقدمة من إخوان الصفا.! وانظر
صوراً عن الدار التي ولد ونشأ فيها، في كتاب (ابن خلدون معاصراً).
--------------------------
أعد هذه المقدمة
الباحث زهير ظاظا/ الوراق
فصول من الكتاب
------------------------------------------
أضيفت في 10/04/2005/ * خاص القصة السورية/عن موقع الوراق
كيفية
المشاركة
|