عـريق
المـراسـيل
الراوي: عبد
الرحيم العمر
خرج الشاطر حسن
يصيد الغزلان في الغابة, وبينما كان يطارد غزالا أوصله الغزال إلى بحيرة واسعة
وسط الغابة، فسحره منظرها الرائع، فترك الغزال وجلس على الشاطئ يتمتع بهذا
المنظر الجميل، وبينما هو كذلك إذ ظهر سرب من الإوز الجميل، وبعد قليل حطّ
السرب على شاطئ البحيرة، وبدأن يخلعن أثواب الريش، فظهر تحته صبيات من أحلى
الصبايا، كالبدور في الليلة المقمرة ،أجسامهن كالبلّور تضيء تحت أشعة الشمس،
نزلن إلى الماء يسبحن ويلعبن ويضحكن فرحات.
كان الشاطر حسن
يراقبهن مسلوب العقل والفؤاد، وقرّر أن يسرق ثوب إحداهن ليحجزها عنده، وعندما
انتهين من السباحة، خرجن يلبسن ثيابهن، إلاّ واحدة فقدت ثوبها فلم تجده، ففتّشت
عنه كثيراً دون فائدة. جلست تبكي وتندب حظها، وعندما قاربت الشمس للمغيب قرّر
أخواتها الطيران، والعودة إلى بلادهن وتركنها وحدها، ولمّا طارت رفيقاتها هجم
عليها الشاطر حسن، وأمسكها وحملها معه إلى البيت، وهي تبكي وتتضرّع إليه أن
يعيد إليها ثوبها، ويتركها ترجع إلى بلدها وأهلها قبل أن يفتقدونها، وعرضت عليه
ما يشاء من الجواهر والذهب دون جدوى، ولما رأتها أمه أعجبت بها، وحيّته على هذا
الصيد الثمين، وأقامت له عرساً كبيراً وفرحاً عظيماً سبعة أيام بلياليها، ثم
دخل عليها فوجدها درّة مكنونة وجوهرة مصونة، وعاشا في نعيم وسرور وبسط وحبور
ورزقهما الله بولد وبنت مثل أمهما بالحسن والجمال
.
في أحد الأيام
قرّر الشاطر حسن أن يسافر في رحلة بعيدة، فأوصى أمه أن تعتني بزوجته وأولاده،
وتلبّي كل طلباتهم، ما عدا ثوب الريش لا تريه لزوجته مهما كان السبب، فوعدته
خيراً وسافر مطمئناً. وبعد أيّام ذهبت الأم وكنّتها إلى الحمّام وكان فيه حفلة
وعرساً لبنت الوالي، اجتمعت فيه نساء البلد، فلما شاهدوا زوجة الشاطر حسن طار
عقل النساء فيها من حسنها وجمالها، وقامتها وطول شعرها الحريري، وبدأ الرقص
والغناء فطلبت النسوة من الزوجة أن ترقص، فاعتذرت فألحّوا عليها، فقالت لهن لا
أستطيع الرقص بدون ثوب الريش، وأفهمتهم أن الثوب عند حماتها، فطلبت النساء من
الحماة أن تحضر لها ثوب الريش، فرفضت فأصروا عليها وحلفت الفتاة أنها لن تهرب،
وأنهن سيغلقون الشبابيك كلها، فلم يبقوا للحماة حجة حتى اضطرت أخيراً أن تخضع
لرغبتهن، فذهبت إلى البيت وأحضرت ثوب الريش.
لبست عريق
المراسيل ثوب الريش، وقامت ترقص رقصة ساحرة أطارت عقولهم، ثم توقفت فطلبوا منها
أن تتابع الرقص، فطلبت أولادها لترقص بهم رقصة لم يروا مثلها من قبل، فألحّوا
على حماة الزوجة مرّة أخرى إلى أن أحضرت الأولاد، فوضعت كل ولد على كتف وصارت
ترقص حتى حيّرت النساء، وبعد قليل لمحت طاقة في أعلى الحمّام فطارت إليها،
ووقفت عندها وخاطبت حماتها: لقد اشتقت لأهلي، إن كان الشاطر حسن عشقان ومشتاق،
يلحقني إلى بلاد الواق الواق.
ثم صفقت
بجناحيها وطارت إلى بلادها وغابت عن الأنظار، فبهت الجميع وخيّم على رؤوسهم
الطير، وساد الحزن، ولاموا أنفسهم على ذلك، وانفضّ العرس وبقيت الأم حزينة تبكي
وتندب حظها .
عندما جاء ابنها
من السفر علم بما جرى، فحزن حزناً شديداً ومرض في الفراش من القهر والهم،
والشوق إلى زوجته وأولاده، وبعد أيام لم يعد يطيق الصبر والانتظار، فقال لأمه
جهزي لي الفرس والزاد فإني سأرحل إلى بلاد الواق الواق، ولن أعود إلا ومعي
زوجتي وأولادي أو أهلك دونهم.
قبل شروق الشمس
ركب علاء الدين فرسه، وسار على الدرب الطويل، الذي يؤدي إلى بلاد الواق، لم
يسترح ولم يهدأ حتى المساء، وصل إلى أطراف الغابة، فاختار شجرة كبيرة وافترش
تحتها، وتناول طعامه ونام، وبينما كان مستغرقاً في نومه سمع حديثاً يدور بين
غرابين، فأنصت دون أن يتحرك فقال أحدهما للآخر: صاحبنا هذا يريد أن يذهب إلى
بلاد واق الواق، وهي بلاد بعيدة وراء سبع بحور، وعليها ملك عظيم وظالم لو أمسك
به سيقتله مع ابنته التي سجنها، وأولادها في القلعة جزاء زواجها من الشاطر حسن،
فسأله الآخر: وكيف الوصول إلى تلك البلاد ؟ فرد عليه الأول: لا يوجد وسيلة
للوصول إليها، سوى أن يدخل إلى وادي الموت، وينتظر النسر الذي يأتي في العام
مرة، فيحمل بأرجله غزالاً كبيراً يعود به إلى بلاده، وما عليه سوى أن يتعلّق
بالغزال حتى يصل إلى تلك البلاد. وما إن انتهى الغراب من كلامه حتى طارا
بعيداً، وبقي الشاطر حسن متيقظاً ومتعجباً من هذا الحديث.
في الصباح تابع
طريقه حتى وصل مشارف وادي الموت، فوجد على مدخله حصاناً مجنحاً على يمين الطريق
وأمامه كومة من اللحم، وسبعاً على يسار الطريق، وأمامه كومة من الحشيش، فتعجّب
من هذا الأمر واقترب من الحصان، وحمل من أمامه اللحم ووضعه أمام السبع، وعاد
بكومة الحشيش ووضعها أمام الحصان فشكره الحصان، وأعطاه شعرة من ذيله يستخدمها
عند الضرورة، فأخذها ومضى في طريقه، وتسلّق الجبل وجلس ينتظر النسر، وبينما هو
يراقب شاهد عقاباً يحاول أن يسطو على فراخ حية كبيرة، فرماه بسهم فأصابه وأفلت
فراخ الحية، فحملهما وأعادهما إلى العش، فشكرته الحية على معروفه، وأعطته حلقة
من ذيلها إذا وقع في ضيق، فما عليه إلا أن يضغط عليها فتحضر إليه حالاً.
لم تمض أيام حتى
شاهد النسر يحلّق في سماء الوادي فوق قطيع الغزلان، فتابعه حتى انقضّ على
أحدهما، فتعلّق به وطار مع النسر في السماء وقطع سبع بحور ثم أصبح فوق بلاد
الواق الواق، فنزل النسر نحو الأرض فقفز الشاطر حسن، وتابع طريقه نحو المدينة
وعلى مشارفها صادف امرأة عجوزاً تسكن في كوخ فقير، فدخل وسلّم عليها وطلب منها
أن تستضيفه في بيتها، وتعتبره مثل ولدها فرضيت ورحبت به، فأعطاها بعض المال
لتشتري أحسن الطعام ففعلت، وجلسا يتعشيان ويتسامران، وقصّ عليها حكايته وغايته
من المجيء إلى هذه البلاد، ففكّرت قليلاً ثم قالت له: والله إن أمرك يبدو
مستحيلاً مع هذا الملك العنيد القاسي، وحتى لو تمكنت من تحرير زوجتك وولديك، لا
تستطيع أن تغادر البلاد، وسيقبض عليكم الملك ويذبحكم. فقال لها: لا تخافي عليّ
يا ستّي، فكما يسّر الله لي طريق المجيء، ييسّر لي طريق العودة.
في الصباح طلب
من العجوز أن تذهب إلى المدينة، وتستطلع له الأخبار، وتعرف له مكان احتجاز
زوجته وأولاده في القصر، فذهبت وعادت في المساء ، وأخبرته أن زوجته وأولاده في
غرفة في قبو القصر، وأن الحراسة عليهم شديدة، وأن الجنود يحيطون بالقصر، ولا
يتركون النملة تمرّ إليه، وأن الملك أقسم أن يقبض عليك ويقتلك معهم، وقد أعلن
عن جائزة كبيرة لمن يأتي بك إليه حيّاً
.
جلس الشاطر حسن
مهموماً من هذه الأخبار، وسهر طوال الليل، وفي الصباح عزم على أمر وجد فيه
الوسيلة الوحيدة التي توصله إلى زوجته وأولاده، فطلب من العجوز أن تذهب إلى
الملك، وتخبره بمكان وجوده وتقبض الجائزة عليه، فرفضت العجوز لكنه أصر عليها
فوافقت، وذهبت العجوز وأخبرت الملك بوجود غريمه في بيتها، فأرسل الجنود وقبضوا
عليه وساقوه إلى القصر، واستلمت العجوز جائزة كبيرة من المال على مساعدتهم في
القبض عليه، وأمر الملك بسجنه مع زوجته وأولاده، وأمر بالتحضير لإعدامهم في
اليوم التالي.
عندما دخل
الشاطر حسن السجن فرح زوجته وأولاده واحتضنهم وصاروا يبكون من الشوق والحزن على
حالهم، وأخبرت عريق المراسيل زوجها أن والدها لم يغفر لها فعلتها، ولم يشفع لها
أولادها عنده، وأمر بسجنها وتعذيبها حتى يقبض على الشاطر حسن، فطمأنها ووعدها
بالفرج القريب بإذن الله تعالى.
وبعد أن نام
الجميع ضغط على الحلقة، فحضرت الحيّة الكبيرة بسرعة البرق، فطلب منها أن تخرجهم
إلى سطح القصر، فحملتهم على ظهرها وتسلّلت من فتحة عالية في سقف الغرفة، وصعدت
بهم إلى سطح القصر، فشكرها على مساعدتها، وودعتهم ومضت في حال سبيلها.
ثم أخرج شعرة
الحصان المجنّح، وحرقها فظهر الحصان في السماء، ونزل على سطح القصر فركب الجميع
على ظهره، وطار بهم عائداً إلى بلاده دون أن يدري أو يراهم أحد
.
عاد الشاطر حسن
إلى قصره سالماً غانماً، وهنأته أمه على سلامته ورحبت بزوجته وأحفادها الصغار،
وأقامت لهم حفلة كبيرة بمناسبة عودتهم بالسلامة، وعاش الجميع باللذّة والنعيم
وطيّب الله عيش السامعين
.
الشـاطر
حسـن وسـت الحسن
الراوي:
عبد الرحيم العمر
كان يا مكان في
قديم الزمان نحك] وإلاّ ننام وإلاّ نصلي على النبي العدنان، كان يوجد ملك في
بلاد الشام عظيم الشأن، وقد أصبح مسنّاً وأحس بقرب أجله، فجمع ولديه كميل وكمال
فعيّن كميلاً الكبير ملكاً بدلاً منه، والثاني كمال ولي عهده، وأوصى كميلاً
بأخيه خيراً، وأوصى كمال أن ينصح أخاه ويعاونه على الملك، وألاّ يختلفا ويعيشا
متفقين وفي أحسن حال، ومات الملك واستلم كميل بدلاًًًً منه، وتزوج الأخوين
وحملت زوجة كل منهما في الوقت نفسه وعاشا في صفاء ووئام.
في إحدى الليالي
اجتمع الأخوان، فقال ولي العهد: يا ملك الزمان زوجتي وزوجتك حاملتان فإن وضعت
زوجتي ولداً وزوجتك بنتاً خطبناهما لبعضهما، وإن وضعت زوجتك ولداً وزوجتي بنتاً
أيضا أعطيناهما لبعض، فلنقرأ الفاتحة على هذه النية منذ الآن، لكن أخاه ردّ
عليه بجفاء وقال: لنترك الموضوع للأيام، فإني أخاف ألاّ يرضى الولدان عندما
يكبران، فلا نحب أن نفرض عليهما رأينا منذ الآن. انزعج أخوه وغضب، وقام عنه وهو
يقول: والله لا أبقى أنا وإياك في بلد واحد بعد الآن مادمت لم توافق على طلبي،
ولم يرد على رجاء أخيه بأن يبقى ويترك الزعل والخصام.
جمع كمال أمتعته
وأخذ أهله ورحل تحت جنح الظلام، وظل يسافر من مكان إلى مكان حتى حطّ به الترحال
في بلاد الجزائر، ودخل إلى ملك البلاد وسلم عليه، وعرفه بنفسه فرحب به وأعطاه
قصراً، وعاش معززاً مكرماً وفي أحسن حال، ثم ولدت زوجته طفلاً جميلاً كالبدر
التمام، ليس مثله في البلاد اسمه الشاطر حسن، وبعد أشهر وافته المنية فمات،
وترك الولد صغيراً فربته أمه حتى شبّ وكبر، وأصبح صبياً قوياً تضرب به الأمثال.
في أحد الأيام
تصارع الشاطر حسن مع ابن الوزير، فتغلّب عليه الصبي وغضب ابن الوزير، وقال له:
أنا ابن الوزير وترميني يا وضيع الأصل، ولا أحد يعرف من هو أبوك؟ ومن هي عائلتك
؟من بين الأكارم وأبناء الأمراء. حزن الشاطر حسن وعاد إلى البيت مهموماً
مغموماً، فسألته أمه عن سبب حزنه فقال: أخبريني من هو أبي من بين الرجال؟ ومن
أين أصلنا وفصلنا؟ فردّت عليه: يا بني مالك ولهذا الأمر فالإنسان بعمله
وأخلاقه، يرتفع بين الناس وليس في حسبه ونسبه. فزاد حزنه وأخذ في البكاء، فحنّت
عليه أمه وقالت: والله يا بني أوصاني أبوك ألا أخبرك عن هذا الموضوع، ولكن
مادمت مصراَ وقد صرت شاباً سأخبرك بالحقيقة وأمري لله: أنت أصلك ابن ملك وأبوك
(كمال) أخو الملك (كميل) وولي عهده في بلاد الشام، وقد اختلف أبوك مع أخيه
الملك، ورحل عنه إلى هذه البلاد، وقد مات منذ أن كنت صغيرأ، وقبره الآن في
مدافن الملوك والأمراء، وأنا كل أسبوع أزوره وأضع على قبره الآس وأقرأ له
الفاتحة، فطلب منها أن تدله على قبره والده، وذهب معها في الحال ودلته على قبر
أبيه، فجلس عنده ساعة من الزمان، وقرأ عليه بعض القرآن، وأخذ الشاب كل يوم يزور
قبر والده ويبكي عنده ويناجيه، ويقرأ له القرآن، وأحياناً ينام عند القبر إلى
منتصف الليل، ثم يعود محزوناًً ومهموماً.
أما ملك بلاد
الشام (كميل) فبعد رحيل أخيه ولدت زوجته بنتاً سبحان الذي خلقها لا مثيل لحسنها
وجمالها في ذلك الزمان، وسمّاها ست الحسن فربّاها أحسن تربية، وعاشت على الغنج
والدلال حتى أصبحت في سن الزواج، فخطبها الملوك والأمراء، فكانت ترفضهم وتمتنع
عن الزواج، فاحتار أبوها في أمرها، وانزعج أشد الانزعاج وطلب من أمها أن تعرف
قصتها قبل أن يقضي في أمرها، ويجد حلاً لمشكلتها. اجتمعت الأم مع ابنتها ست
الحسن، وعرفت منها أنها لن تتزوج حتى يأتيها فارس الأحلام، الذي يزورها في
المنام، وأنها لن تتزوج غيره مهما حصل. فأخبرت والدها فغضب من هذا الأمر وحلف
أغلظ الأيمان أن يزوجها إلى ( زبّال ) المملكة العجوز والفقير جزاءً لها، وأمر
أمّها أن تجهّزها ليزفّ العريس عليها في ليلة الغد، وأرسل العسكر ليأتوا بـ(
الزبّال )، ويجهزوه ليزفوه إلى بنت السلطان، وهو أمر لم يكن ليحلم فيه ولا في
المنام، وجلست الأميرة في سريرها تبكي وتنوح وتشكي أمرها للباري، وتدعوه أن
يفرجها عليها ويخلّصها من هذه الحال.
في السماء التقى
جنية مع عفريت، فسلّمت عليه وسألته من أين قادم ؟. قال: من بلاد الشام وسألته:
مالك متغير الأحوال ؟ فقال: شاهدت في طريقي بنت السلطان سبحان الخالق، وقد
سحرني جمالها وحسنها، وطيرت عقلي وأصبحت مضطرب الأحوال، وبقيت أكثر من ساعتين
أتأملها، وهي تبكي وتنتحب وتناجي ربها، فعلمت من أخبارها أن أباها سيزوجها
لزبّال المملكة، لأنها رفضت جميع الملوك والأمراء الذين تقدّموا لطلب يدها.
تعجّبت الجنية
من هذا الأمر، وقالت له: وأنا جئت من الجزائر ومررت من فوق المقابر، فسمعت
صوتاً ساحراً حزيناً شدّ انتباهي، فنزلت إليه فرأيت صبياً سبحان الخلاّق، وهو
نائم على قبر والده يبكي ويناجيه، وقد سحرني حسنه وجماله، وطير عقلي وقلبي
وبقيت ساعات أتأمّله، وتمنّيت لو كنت إنسيّة لأتزوجه، وأعيش معه أسعد أيام
حياتي .
تعجّب العفريت
من هذه المصادفة العجيبة، وأخذا يتناقشان ويتجادلان أيهما أكثر جمالاً الشاب،
أم الفتاة ؟ وبعد أن تعبا من الجدال. قالت له: الجنية لنعود إلى الجزائر ونأتي
بالشاب، ونضعه بجانب الفتاة، عندها نقرّر من منهما أجمل من الثاني ؟ وبلمح
البصر حمل العفريت الشاطر حسن ووضعه بجانب ست الحسن على السرير، وأخذا
يتأمّلانهما فترة طويلة، وقد وقعا في الحيرة والارتياب، فكلّ منهما أجمل من
الآخر. قالت الجنية: والله إنهما يليقان لبعضهما، لنوقظ الشاب الآن ونرى ما
الذي سيفعله ؟ فتحوّلت الجنية إلى قملة، وقرصت الشاطر حسن فأيقظته، وكتم
العفريت على نفس الفتاة لكي لا تستيقظ، ففتح الشاب عينيه فرأى بجانبه فتاة
كالبدر التمام، طلعتها بهيّة وجمالها فتّان، تعجّب من هذا الأمر، وقال في نفسه:
أين أنا الآن ؟ ومن هذه الصبية البهيّة ؟ وكيف أتيت إلى هنا ؟ وقد كنت عند قبر
والدي. احتار الشاب في أمره وحاول أن يوقظ الصبية ويسألها عن أمرها لكنها لم
تستيقظ معه، وكانت الصبية تلبس روب نوم، يبدو منه جسمها أبيض كالثلج، فاستحى
منها وغطاها باللحاف وغطّى وجهه، ونام وترك الأمر إلى الصباح
.
ثم حول العفريت
نفسه برغوثاً وقرص الصبية فأيقظها، وكتمت الجنية على نفس الشاب حتى لا يستيقظ،
وفتحت الصبية عيناها فرأت بجانبها على الفراش شاباً وسيماً ليس مثله في الحسن
والجمال. تعجبت من هذا الأمر، وعرفت أنه فارس الأحلام الذي كانت تراه في المنام
وقالت في نفسها: لقد وعدني أبي أن يزوجني بالزبّال العجوز، فجاءني بأجمل عريس
في البلدان وهو ما كنت أحلم به. فشكرت أباها ودعت له وفرحت كثيراً، و( هفّت )
نفسها عليه وقالت: كيف ينام العريس في ليلة عرسه ؟ ويترك عروسه وحدها، والله
هذه ليست من شيم الرجال، وأخذت تحرّكه لتوقظه فلم يستيقظ معها، فأخذت تتلّمسه
بيدها وحضنته وباسته ونامت، وقالت في الصباح سأعرف قصة هذا العريس النعسان
.
ضحك الجني
والجنية من فعل الصبية، وقرّرا أن يوقظا الاثنين معاً حتى يمضيا ليلتهما سوياً،
لعلها تكون فاتحة خير ويتم النصيب فيتزوجان ويجتمعان. وهكذا أفاق الشاب
والصبية، وتعجبا من هذا الأمر وفرحا كثيراً ببعضهما، وجلسا يتسامران طوال الليل
وكل منهما يحكي قصته للآخر، فعرفا أنهما أولاد عم، وتعجبا كيف اجتمعا في هذا
الحال، وصمّما أن يتزوجا وتبادلا الخواتم، وناما ليعرفا حقيقة قصتهما في الصباح.
بعد أن استغرقا
في النوم حمل العفريت الشاب إلى بلاده، وتركه فوق قبر أبيه وأيقظه من النوم
فوجد نفسه في المقبرة، فتعجّب واحتار واعتقد أنه منام، وعاد إلى أمه مرتبك
الفكر متغيّر الحال، فحدّثها عما رآه في المنام فقالت له أمه: خير إن شاء الله
هذا المنام .
أما ست الحسن
فدخل عليها والداها فوجداها مبسوطة، فقامت وقبّلت يد أبيها وشكرته على العريس
الذي اختاره لها وسألته من أين أتى به ؟، وهو فارس أحلامها الذي كانت تراه في
منامها. تعجب الملك من هذا الأمر وقال: والله لم يأت العريس بعد، فهو مازال
يتجهّز لنزفّه عليك في المساء فكيف تقولين هذا الكلام ؟. فحكت له ست الحسن
الحكاية كلها، وأن العريس هو ابن عمها الذي سافر إلى الجزائر، وأرته خاتمه وهذه
ملابسه معلّقة على العلاّقة، وقد أفقت فلم أجده فظننت أنه ذهب ليقضي حاجة.
فرح الملك وطار
عقله لما سمع هذا الكلام، وأمر غلمانه أن يبحثوا عنه، فلم يقعوا له على أثر،
فتعجب واحتار ولم يفهم كيف الأمر صار، ولولا الخاتم والثياب لظن أنه منام،
فأشارت له زوجته أن يرسل في الحال إلى الجزائر ليسأل عنه، فكتب رسالة إلى ملك
الجزائر يسأله عن أخيه وابن أخيه، وأن يبعثهم في الحال، وسلم الرسالة إلى قائد
الشرطة ومعه مئة من الفرسان، فجدّ السير عدة أيام، حتى وصل إلى الجزائر فدخل
على الملك، وسلّمه الرسالة فلما قرأها وعرف فحواها، أمر بإحضار الشاطر حسن وأمه
في الحال، وجهّزهما بالهدايا والأحمال والسلام على ملك الشام، فترك قائد الشرطة
القافلة في حماية الغلمان، وسبقها إلى بلاد الشام ليصل بأسرع الأوقات، ويبشّر
الملك بقدوم ابن أخيه، واجتمع الأحباب بعد طول الغياب، وجدّدوا الأفراح وأقاموا
الأعراس سبعة أيام لا أحد يأكل إلا من مائدة السلطان، وزفّوا الشاطر حسن في
موكب عظيم على ست الحسن بنت السلطان، وسلّم الملك الحكم لابن أخيه وعاشوا
جميعاً بالفرح والنعيم وطيب الله عيش السامعين .
عـلاء الـدين
والألغاز
الراوية: كرجية
رسلان
كان في بالزمان
تاجر غني أحواله جيدة، عنده ابن شاب آدمي وصاحب دين وأخلاق اسمه علاء الدين.
أراد أباه أن يزوجه ابنة عمه، فاعتذر من أبيه بأنه لا يرغب بالزواج الآن، لكن
أباه أصرّ على زواجه، فقال له: أريد أن أذهب هذه السنة إلى الحج وبعد أن أعود
أتزوج، وافق أبوه على طلبه على أمل أن يزوجه بعد أن يعود من الحج.
جهّز علاء الدين
رحله وزوّادته، وركب متوجهاً إلى الديار المقدسة، في الطريق مرّ على مدينة فيها
قهوة دخلها ليستريح، ويشرب كأساً من الشاي، مرّت من أمام القهوة صبية مثل
القمر، دخلت الدكان التي أمام القهوة، فلحق بها ورآها قد اشترت أغراضاً كثيرة،
فسأل صاحب الدكان: إن كانت قد دفعت ثمنها فأجاب: بالنفي، فقال للصبية: دعيهم
على حسابي، وبينما كان يحاسب صاحب الدكان حملت أغراضها وغابت، فلم يدر أين ذهبت
؟ فحزن واغتم كثيراً وحاول أن يعرف من هي ومن أين ؟ دون جدوى، فتعلّق بها
وأحبها من كل قلبه، ولم يكمل طريقه إلى الحج، وعاد إلى بلدته حزيناً ومهموماً
ودخل إلى البيت، وأغلق عليه باب غرفته، ولم يعد يقابل أحداً أو يتحدث مع أحد،
وامتنع عن الطعام و الشراب.
انشغل عليه
والده وأهل بيته، وحاولوا أن يدخلوا عليه الغرفة فلم يفتح لهم، وفي اليوم
الثالث كسروا الباب، فوجدوه مريضاً ومغمى عليه ( لا من تمو ولا من كمو )، فأتوا
له بالأطباء ليعالجوه دون فائدة. سمعت به بنت عمه وكانت حكيمة وفهيمة وتضرب
الرمل، فزارته وعرفت قصته وأنه عاشق ودواه أن يرى حبيبته، فقالت له: في موسم
الحج القادم سأذهب معك، وأساعدك في الوصول إليها فقام من فراشه مثل الحصان، بعد
أن سمع وعد ابنة عمه وتأمّل بلقاء حبيبته.
في موسم الحج
شدّ الرحال مع ابنة عمه وسافرا معاً إلى الحجاز، وعندما وصلا إلى المدينة التي
قابل فيها الصبية، واستأجرا غرفة في الفندق وسكنا فيها، وبعد إن ارتاحا طلبت
منه أن ينزل إلى القهوة، وعندما يرى الصبية يسألها عن اسمها وعنوانها ولا
يتركها حتى يعرف عنها كل شيء.
استمرّ عدة أيام
يجلس في القهوة يراقب الطريق حتى شاهدها تدخل الدكان، فدخل وراءها واشترت بعض
الأغراض، فقال لصاحب الدكان: أنا سأدفع الحساب عنها، والتفت إليها وسلم عليها
فردّت السلام، فسألهاعن اسمها، فأشارت بيدها ما بين أنفها وذقنها، وسألها: أين
تسكن ؟ فرفعت يدها إلى الأعلى، ودوّرتها عدة دورات، ثمّ حملت أغراضها وانصرفت
مسرعة.
عاد علاء الدين
إلى ابنة عمه مسروراً ومحتاراً في الوقت نفسه وأخبرها بما جرى معه وما سألها
وكيف أجابته، فقالت له: هذه الصبية اسمها ثنايا، وبيتها ما بين الشجر والطاحونة
وغداً سنذهب لنفتش عن بيتها.
في
اليوم التالي ذهبا يفتشان عن بيت ثنايا، وبعد ساعات من البحث وجدو الطاحونة
وغابة من الشجر كما أشارت، فشاهدا بينهما قصراً فخماً حوله سور عال وحديقة
كبيرة. قالت ابنة عمه: هذا قصرها ابق هنا وراقبه، وأخبرني بما تراه وما يحدث
معك وأنا سأعود إلى الفندق.
استمر علاء
الدين يراقب القصر حتى رأى الصبية تطل من الشباك قليلاً ثم تغلقها وتغيب عنه،
فعاد علاء الدين إلى ابنة عمه، وأخبرها أنها فتحت النافذة، وأطلّت منها قليلاً
ثم أغلقتها دون أن تقول شيئاً، فسألته: ماذا كانت تلبس؟ فقال: ثوباً أخضر حشيشي
اللون. فقالت له: هذا يعني أنها ضربت لك موعداً في الحديقة، وبين الأشجار
الخضراء، وعلى العشب الأخضر هذا المساء، اذهب إليها وخليك قبضاي وقد حالك.
عند المساء ذهب
علاء الدين إلى الحديقة المحيطة بالقصر، وظل يتمشى حتى وجد بساطاً ممدوداً على
الأرض، وحوله الورود والأزهار عرف أنه مكان اللقاء، فجلس عليه ينتظر فترة من
الزمن شعر بالنعاس فتمدد ونام. بعد قليل جاءت ثنايا، فرأت الشاب نائماً ضحكت من
هذا العاشق الذي ينام في موعد اللقاء، فوضعت في جيبه بعض الحصى وذهبت.
استيقظ بعد ساعة
من الزمن فوجد الحصى في جيبه، فعاد إلى البيت حزيناً وقصّ على ابنة عمه ما جرى
له، فلامته وعنّفته كثيراً على إهماله، وطلبت منه أن يذهب في اليوم التالي إلى
القصر ويراقبها بدقة، وأن يكون صاحياً لما سيراه أو يحدث معه.
في الصباح ذهب
وجلس أمام القصر فترة من الزمن، ففتحت الصبية الشبّاك ثم أغلقته، ثم فتحته
وأغلقته سبع مرّات، وفي كل مرّة كانت تظهر ببدلة جديدة ثم غابت عنه. عاد علاء
إلى البيت وقصّ على ابنة عمه ما شاهده، فقالت له: تفسير ذلك أنها أعطتك موعداً
في القصر مساءً، وأنّك ستدخل من سبعة أبواب وراء كل منها يوجد أخ من أخواتها،
فعليك أن تغلق الباب وراءك حتى تنفد بجلدك.
في المساء ذهب
إلى القصر، ودخل الأبواب السبعة لكنه من لهفته نسي أن يغلق الأبواب وراءه، حتى
وصل إلى غرفة حبيبته، فرآها في كامل زينتها فاستقبلته أحسن استقبال، ورحبت به
وأخذته بالأحضان، وجلسا معاً يتسامران ويعبران عن أشواقهما وحبهما، وفجأة تذكرت
ثنايا فسألته: هل أغلقت الأبواب ؟ خجل من نفسه وقال لها: والله من اشتياقي
ولهفتي إليك نسيت أن أغلقها، فطلبت منه أن يذهب بسرعة ليغلقها، فذهب فوجد
الأبواب مغلقة من الخارج بالمفتاح.
خافت ثنايا
وقالت له: لقد أوقعتنا في الفخ والآن سيحضر أخوتي ووالدي ويذبحوننا معاً، فكّر
قليلاً ثم قام إلى النافذة، فرأى شاباً ماراً على الطريق، فناداه وأعطاه ليرة
ذهبية ليحضر له ابنة عمه من الخان، ففعل الشاب وأخبرها، فحضرت في الحال إلى
القصر وسحبها علاء الدين من النافذة، وقصّ عليها ما حدث معهما وسألها عن الحل.
فكّرت ابنة عمه قليلاً ثم قالت له: سأدخل أنا وأنت إلى الغرفة على أنني زوجتك،
فإذا وجدونا معاً تحل المشكلة، وفعلاً دخل الأب وأولاده السبعة إلى القصر
شاهرين السيوف، وعيونهم تقدح شرراً، فوجدوا علاء الدين وابنة عمه في غرفة
الضيوف، فتعجبوا منهما وسألوهما عن سبب وجودهما في القصر ؟، فقال علاء: نحن
غريبان ومقطوعان، وطلبنا من صاحبة القصر أن نبيت عندها هذه الليلة فرحبت بنا،
لكن يبدو أنكم لا تحبون الضيوف, فنعتذر منكم وسنرحل في الحال، ونفتّش عن أناس
كرام يستضيفونا هذه الليلة، فاستحى الرجل وأبناؤه منهما واعتذر الأب على تصرفهم
المذل معهم، وطلب منهما أن يبقيا في ضيافتهما، وحضرت ثنايا في هذا الوقت،
وأظهرت استنكارها واستغرابها من أفعال والدها وأخوتها، فأخذ الأب يعتذر منها
ويطيّب خاطرها وقال لها: لقد جاءنا خبر أنه دخل إلى القصر رجل غريب، فجئنا
مسرعين لنقتله ونقتلك، فصارت تبكي وتنكر منهم هذه التصرفات، وسوء الظنّ بها
واتهمتهم أنهم أهانوها، وشكّوا بنزاهتها وأهانوا ضيوفها، وأن الناس جميعهم
سيعلمون بالخبر، وستشيع القصة بين الناس وتصير سمعتها سيئة.
حاول أبوها أن
يطيّب خاطرها ويرضيها، وقال لها: اطلبي مني ما تريدين، سأنفذه لك في الحال.
فقالت له: الحل الوحيد أن أتزوج الرجل الذي اتهمتموني به فتستروا علي وتنقذوا
شرفكم وسمعتي وسمعتكم بين الناس. فكّر الرجل قليلاً ثم قال: أنا لا مانع لديّ
لكن المشكلة أن يوافق علاء الدين وزوجته على هذا الأمر، فقالت ابنة عمه: أنا
سأوافق من أجلكم فقط ووافق علاء، فأحضروا الشيخ وعقد قرانهما، وأقاموا لهما
حفلة عظيمة ودخل على عروسه ونال منها مرامع وحقّق غايته بالوصول إليها، وبعد
سبعة أيام حمل الهدايا، وحاجاتهم وركبوا إلى بلادهم، وهناك جدّدوا الأفراح
والأعراس، وعقد قرانه على ابنة عمه أيضاً، وعاشوا جميعاً في اللذة والنعيم
وطيّب الله عيش السامعين.
أم
إصـبع
الراوي: عبد
الرحيم العمر
كان في قديم
الزمان ثلاث شقيقات كبيرات في السن وقبيحات الشكل والمنظر، يعشن وحدهن في الدار
وقد أصبحن عانسات، وكانت الصغرى قد تعودت أن تمصّ إصبعها الصغيرة منذ طفولتها،
حتى صارت إصبعها رقيقة وطويلة، من يراها يظنها إصبع فتاة صغيرة وجميلة.
في أحد الأيام
تراهنت أم إصبع مع أخواتها على أنها ستجعل الأمير يحبها، ويعطيها منديله،
فوافقوا على المراهنة، انتظرت حتى مر الأمير من تحت نافذة غرفتها، رشّته بماء
الورد المعطر، فتعجب الأمير من ذلك، ونظر إلى النافذة فلم ير سوى إصبعاً جميلة
رقيقة، فقال في نفسه: إذا كانت الإصبع بهذا الجمال، فكيف تكون صاحبة الإصبع، لا
بد أنها فتاة رائعة الحسن والجمال، فصاح عليها: من رشّ الماء ؟ ردّت عليه بصوت
رفيع ناعم: أنا يا سيدي الأمير لقد رميت الماء الذي غسلت به وجهي، ولم أعرف أنك
تمر من تحت النافذة في هذا الوقت، فلا تؤاخذني على فعلتي. فكّر الأمير قليلاً
وأراد أن يتعرف عليها، فدعاها إلى الحفلة التي سيقيمها في القصر فأجابت دعوته
وقد طار عقلها من الفرح.
في المساء لبست
أحسن الثياب، وتعطرت بماء الورد ووضعت قناعاً على وجهها، وباروكة شعر مستعار
على رأسها، ولبست كفوفاً في يديها بحيث لا يظهر منهما سوى إصبعها الجميلة، فبدت
كالأميرات الشقراوات الجميلات، وفي الحفل رحب بها الأمير ورقص معها طوال
السهرة، ومشيا معاً يتسامران في الحديقة، فأرادت أن تقطف زهره فجرحت إصبعها،
فأعطاها الأمير منديله فربطت به إصبعها، وعادت آخر السهرة إلى البيت، وهناك
أظهرت المنديل لأخواتها، فعرفن مقدار مكرها وشطارتها، وسلّمن لها بأنها كسبت
الرهان.
في اليوم التالي
حضر الأمير إلى بيت الأخوات، فطلب يد الفتاة الصغيرة، فوافقت الأختان لكن
اشترطوا عليه ألا يرى وجهها، وأن لا يكشف القناع عنها إلا في ليلة الزفاف،
فوافق على ذلك وأقام حفلة كبيرة ورفع الزينة في المدينة، وقدم الطعام ثلاثة
أيام لجميع الناس، وفي ليلة الدخلة رأى عروسه تنتظره في غرفة النوم، وقد اندست
تحت اللحاف وتغطّت به، فجاء إليها وكشف عنها الغطاء، فوجدها في ملابسها وعلى
وجهها قناع، فاستغرب من ذلك وخلع عنها القناع، فوجدها فتاة قبيحة المنظر شمطاء،
فانصدم بها وغضب منها, وحاولت أن تعتذر وتطلب منه الصفح والغفران، وأخبرته
بحقيقة الأمر وأنها تراهنت مع أخواتها على ذلك، فزاد غضبه كثيراً وضربها بالسوط
حتى أدمى جسدها، وعلّقها من شعرها على باب القصر، وأحضر أخواتها وعلقهن بجانبها
وجعلهن عبرة لباقي الناس.
لغـز أثقـل
الثقـيل
الراوي: حيان
شبان
كان في الزمان
أمير قبيلة مشهورة بين القبائل ولها مكانتها وقدرها بين العربان، وكان الأمير
شاباً وسيماً شهما وكريماً، ولم يتزوج بعد. في يوم من الأيام بينما كان يتمشى
الأمير بين المضارب شاهد فتاة جميلة قامتها ممشوقة عيناها ساحرتين، فأحبها من
أول نظرة وملكت عليه قلبه، فسأل عنها وعن أهلها وقبيلتها، وإذ هي بنت شيخ قبيلة
( الهفتان ) وهي قبيلة وضيعة بين القبائل، ليس لها شأن بين العربان، لكنه أحبها
وصمّم أن يخطبها ويتزوجها مهما كلّف الأمر.
في بداية الأمر
تضايق الأمير، وتردّد قليلاً في الخطبة لكن حب الفتاة تغلّب على تردّده وحيرته،
وحزم أمره وشكل وفداً من كبار وجهاء القبيلة، وذهب إلى قبيلة الهفتان ليخطب
ابنتهم، ففرح أهل القبيلة وأهل العروس، وطار عقلهم أن يناسبهم هذا الأمير صاحب
المقام الكبير بين القبائل، فوافقوا فوراً أن يقدموا له الفتاة هدية ما من
وراءها عطية .
أقام الأمير
حفلة عظيمة وذبح الذبائح وعمل الولائم، وعاد إلى دياره بموكب كبير ومعه عروسه
إلى أن وصل قبيلته، فجدّد الأفراح ثلاثة أيام ثم دخل على عروسه، فوجدها من أطيب
النساء وأحسنها خلقاً، وعندما اختلى بعروسه اشترط عليها شرطاً قاسياً هو ألا
تفكّر بأهلها بعد الآن، ولا تذهب لزيارتهم مهما حصل، فوافقت الزوجة إرضاءً
لزوجها الأمير وعاشت مسرورة، ووفرت لزوجها السعادة والراحة والاطمئنان، وأنجبت
له ثلاثة أولاد من أجمل الصبيان، وسمتهم (محمد وأحمد ومحمود )، فرعتهم وربتهم
أحسن رعاية، فنشؤوا على الأخلاق الحميدة والعلم، والحكمة والفهم والشجاعة
واشتهروا من بين فرسان القبيلة
.
في أحد الأيام
دخل الأمير على زوجته، فوجدها حزينة مريضة وقد شحب لونها وهزل جسدها، فسألها عن
حالها ؟ فقالت له: لقد أطعتك بما تريد يا أمير، وأصبح لي أكثر من عشرين عاماً
لم أر أهلي، وقد سمعت أن والدي مريض وأخشى أن يموت ولا أراه، فأرجو أن تسمح لي
بزيارته هذه المرّة فقط لأودّعه الوداع الأخير
…
فكّر الأمير
قليلاً وقد حنّ قلبه على زوجته، ثم قال لها: سأسمح لك بزيارة والدك لكن سأحمّلك
لغزاً إليه، فإن أجاب عليه تعودين إلى بيتك، وتزورين أهلك متى تشائين، وإن لم
يجب عليه تبقين في بيت أهلك، ولا تعودين إلى ديارنا أبداً
.
وافقت الزوجة
وطلبت منه اللغز، فقال لها: أريد من والدك أن يعرف ما هو أثقل الثقيل ؟ وما هو
أخفّ الخفيف ؟ فحملت هذا اللغز وسافرت إلى ديار أهلها
.
سمع محمود أصغر
أخوته الحديث الذي دار بين والده وأمه، فخاف على أمه كثيراً وهو يعلم أن جدّه،
وقبيلته جميعها لا تعرف جواب هذا اللغز، فطلب من والده بعد أيام أن يذهب إلى
قبيلة أخواله ليعيد أمه إلى ديارهم، فمنعه من ذلك وقال: دع أخوالك يعيدونها
.
صار محمود صباح
كل يوم يخرج إلى مشارف القبيلة، ليقابل أمه قبل أن تدخل إلى القبيلة إلى أن
رآها قادمة ذات يوم مع أخواله، فاستقبلها وسألها: إن أتت بحل اللغز ؟ وما هو ؟
فأجابته: نعم سألت جدّك، فقال: بسيطة أثقل الثقيل هو الحديد وأخفّ الخفيف هو
التبن.
ضحك محمود وقال:
لقد عرفت أن جدّي لن يعرف الجواب الصحيح، لذلك انتظرتك لأراك قبل أن تري والدي،
فإذا سألك والدي عن حل اللغز قولي له: إن أثقل الثقيل هو العفن وأخف الخفيف
عشرة الزين، ولا تقولي لأبي أنك قابلتني وتحدّثت معي، ثم تركها وسبقها إلى
المضارب .
استقبلها زوجها
ورحّب بها ثم أجلسها، وسألها عن حلّ اللغز فأجابته كما علّمها ابنها، فاستغرب
الشيخ جوابها واندهش كيف عرفت هذا الجواب، وهو يعلم يقيناً أن لا أحد من
قبيلتها يعرف مثل هذا الجواب، فشكّ في أحد من أولاده وخاصة في محمود، فسألها إن
قابلت أحداً من الأولاد قبل أن تدخل مضارب القبيلة، فأنكرت ذلك
...
جلس الشيخ يفكّر
في الأمر وفي طريقة يكتشف فيها الحقيقة، فطلب من أحد رجاله أن يدخل عليه
المضارب وهو يصرخ بأعلى صوته: الغوث الغوث وأن الغزو دهم القبيلة وأسروا
محموداً، ففعل كما أمره، وعندما سمعت زوجته هذا الكلام طار عقلها ولم تصدّق
فصرخت: يا ويلي الآن قابلت محمود على مشارف القبيلة، وقد سبقني إليها فأين
قابله الغزو وكيف أسروه ؟ .
سمع الأمير كلام
زوجته، فعرف السر لكنه أسرّه في نفسه، وعند المساء تأخّر محمود في الحضور إلى
مجلس والده خوفاً من بطشه وغضبه بعد أن علم أن أمره افتتضح، فأرسل الأمير ولديه
لإحضار محمود فوراً. ذهب محمد وأحمد ملهوفين لا يعرفون ما السر؟ وأبلغاه طلب
والده بالحضور إليه فوراً دون تأخير، وأن والده غاضب والشرر يتطاير من عينيه،
وأنه مضطجع والسيف إلى جانبه، فخاف محمود من بطش والده، وأخبر شقيقيه بالقصة
كاملة، وأنه سيرحل في الحال من القبيلة هرباً من عقاب والده، ولما عرف الأخوان
حقيقة الأمر قرّرا أن يذهبا معه أيضاً، فأسرجوا الأحصنة وغادروا القبيلة
مسرعين، ليبتعدوا عن مضاربهم أكبر مسافة ممكنة قبل أن يكتشف والدهم أمر هروبهم.
افتقدت فرس
الأمير زميلاتها في الحظيرة، فأخذت تصهل بشدّة فسمع الأمير صهيلها، فنهض إلى
الحظيرة ليتفقدها، فلم يجد أحصنة أولاده، فعرف ما حدث. ركب الأمير مع بعض
الفرسان وبدأ بمطاردة أولاده عدة ساعات حتّى لحق بمحمد، فأعطاه الأمان وطلب منه
أن يعود إلى القبيلة، وتابع المطاردة حتى لحق بالولد الثاني أحمد، فأعطاه
الأمان وأعاده إلى القبيلة، ثم تابع وجدّ السير وراء محمود حتى لحق به
…
كان محمود قد
قطع النهر وجلس على الضفة الأخرى، ليستريح قليلاً عندما لحق به والده، فأراد أن
يقطع النهر فأبت فرسه أن تخوض في النهر، فوقف على الضفة المقابلة وصاح بولده:
ما دمت خبيراً بحل الألغاز يا محمود سأسألك ثلاثة أسئلة، فإن أجبت عليها سأعطيك
الأمان أنت ووالدتك، وتعود إلى القبيلة، وإن لم تجب عليها تذهب ودمك مهدور،
وافق محمود ووقف أمام والده ليسمع أسئلة والده باهتمام بالغ، وفتح ذهنه وعقله
ليجيب بالجواب الصحيح. سأله الأمير السؤال الأول: إن جاءك يا محمود رجلين (
عفنين ) يتشارعان عندك فكيف تحكم بينهم ؟.
فأجاب محمود:
أعط الاثنين حقهم من جيبي، وأرضهم لأن ( العفنين ) لا يرضون بأي حكم كان.
فقال: صدقت، ثم
سأله الثاني: إن جاءك رجلين واحد ( عفن ) وواحد ( زين ) كيف تحكم بينهم ؟
.
قال: آخذ من حق
( الزين )، وأعطي ( العفن ) حتى يرضى، لأن الزين كريم ولا يسأل عن حقه ويتنازل
عنه لحل المشكلة، بعكس ( العفن
) .
قال: صدقت.
وسأله الثالث: إن جاءك رجلين ( زينين ) فكيف تحكم بينهم ؟
.
أجاب: يا والدي
الزينين لا يختلفون ويحلّون المشكلة فيما بينهم، فلا يحتاجون للشرع
.
أعجب الأمير
بأجوبة ابنه، وفرح به وقال له: عليك الأمان عد إلى القبيلة وستكون ولي عهدي في
مشيخة القبيلة منذ الآن، فعاد الجميع إلى الديار وعاشوا بالفرح والسرور
والسعادة والحبور .
الشـيخ بشـر
الراوي: حيان
شبان
كان في قديم
الزمان شيخ قبيلة اسمه بشر، تعيش معه أمه وأخته، وكان مضرباً عن الزواج رغم
أنه وسيم وكريم، ومشهور بين القبائل
.
سمعت بقصته
أميرة تسمّى حسنة بنت الشيخ حمدان، فقرّرت أن تصل إليه وتتزوجه، فحضرت إلى
القبيلة متنكّرة بملابس الرجال برفقة والدها، فنزل ضيفان على الشيخ بشر،
فأكرمهما لمدّة ثلاثة أيام، وعندما أرادا الرحيل طلبت من الشيخ بشر أن يساعدها
في الركوب على الفرس، فأمسك بيدها فأحسّ بنعومتها، ولمّا رفعها بان شعرها مثل
الحرير فعرف أنها فتاة، ونظرت إلى الشيخ بشر نظرة ساحرة أفقدته صوابه، ومضيا
إلى ديارهما، فأضرمت النار في قلبه وزادت اشتعالاً بعد سفرها، ولم يعد يستطيع
أن ينام، فجمع وجهاء القبيلة وأسرّ لهم بلواعج نفسه، وأنه قرّر أن يتزوج من
حسنة بنت الشيخ حمدان
.
ذهب الوفد
كالعادة وخطبها له، وأقاموا الأفراح والأعراس سبعة أيّام بلياليها، وذبحوا
الذبائح وأقاموا الولائم ودخل الشيخ على عروسه، فوجدها كالبدر في السماء ونجمة
تضيء في الليلة الظلماء وعاشا في الفرح والسرور، غير أن حظّ حسنة كان سيئاً فلم
تحبها أمه وأخته وعلى قدمها أصاب الديار القحط، وقلّ الماء والكلأ والمرعى
فتشاءمت المرأتان منها.
طال المحل
واشتدّ الضيق على القبيلة، فخرج الشيخ بشر مع بعض الفرسان يفتشون عن مراعٍ
جديدة وأرض خصبة، وأمضوا شهوراً في البحث والتجوال، ومنذ خروج الشيخ أخذت أمه
وأخته تضايقان زوجته حسنة وتعذبانها، وتكلفانها بأصعب الأعمال، ويقدمان لها
قليلاً من أسوأ الطعام حتى مرضت وهزل جسمها وشحب لونها ولما عاد الشيخ رأى
حالها فاغتمّ كثيراً وحزن عليها، وسألها عن حالها فلم تقل له شيئاً عن معاملة
أمه وأخته.
وأرادت أمه
وأخته أن يكيدا لها، فأخبروه أن زوجته عاشقة ولها صاحب وقد مرضت من أجله، فغضب
أشدّ الغضب وهمّه الأمر والتفكير، وحتى يتفادى الفضيحة في القبيلة قرّر أن يرسل
زوجته إلى أهلها ويتركها عندهم. عرفت حسنة بالمكيدة التي دبرتها أمه وأخته لها,
فسكتت وصبرت وتأكّدت أن زوجها سيبعثها إلى أهلها ولن يعيدها، وأرسل معها قافلة
لتوصلها.
في منتصف الطريق
نزلت القافلة على عين ليستريحوا من عناء السفر، فطلبت منهم أن يتركوها ويعودوا
إلى ديارهم لأنها أصبحت قريبة من مضارب قبيلتها فأطاعوها، وبقيت وحدها إلى
المساء فصعدت إلى شجرة، ونامت عليها حتى الصباح.
صادف في هذا
الوقت أن ورد شاب اسمه فجر هو ابن الشيخ صالح شيخ القبيلة، ومعه ثلّة من فرسان
قبيلته، وبينما كان يجلس تحت الشجرة وهو ينظر إلى الماء لمح شبح حسنة في ماء
العين، فتعجب ورفع نظره إلى الشجرة، فرآها وأنزلها وحملها معه إلى قبيلته،
وأسكنها مع أمه وأعطاها الأمان، لكنها لم تحك له قصتها، وطلبت منه ألاّ يسألها
عن أمرها شيئاً فوافق على ذلك، ومع الأيام أحبها الأمير فجر وأخذ يطلبها
للزواج، لكنها كانت تمهله وتؤجّل الموضوع بشتّى الحجج، حتى كادت أن تيئس من
المماطلة، وخافت أن تضعف وترضى قبل أن تعرف ما حلّ بزوجها وتبرئ نفسها.
لكن الأمور جرت
سريعاً فقد قامت قبيلة الشيخ صالح بغزو قبيلة بشر زوج حسنة بعد أن أنهكهم الفقر
والجوع فنهبوها، وأسروا فرسانها ومن بينهم الشيخ بشر وأمه وأخته، وعادوا بهم
إلى مضارب القبيلة مكبّلين
.
وفي ليلة مقمرة
كانت حسنة تنشد قصيدة حزينة تحكي قصتها، وعذابها سمعها الشيخ بشر في أسره، فطلب
مقابلة الشيخ صالح، وقصّ عليه حكايته وطلب منه أن يسمح له بمقابلة زوجته حسنة،
فلما اجتمع الجميع حدّثتهم عن قصتها مع أمه وأخته فثار الشيخ بشر، وأراد قتلهما
فمنعه الشيخ صالح، وعقد الجميع اتفاق صلح بين القبيلتين على أن تعود حسنة إلى
زوجها بعد موافقتها، وأن تبقى أمه وأخته في هذه القبيلة، فتزوج ابن الشيخ صالح
أخت بشر، والشيخ صالح تزوج أمه، وعاد بشر وأفراد قبيلته إلى الديار محملين
بالهدايا والمؤن والمال، ولمّ الشيخ بشر شمل قبيلته من جديد، ووجد أرضاً خصبة
وفيرة المياه والمراعي، وعاشوا في أحسن حال وخلًفوا الصبيان والبنات
.
فـطـوم
الراوي: حيان
شبان
كان في شيخ عرب
وعنده بنت وحيدة وجميلة وصاحبة دين وأخلاق حميدة اسمها فطوم، وكانت تحب أباها
وتخدمه، وتصنع له القهوة المرّة ولها دقّة مهباج رائعة ومميزة ومشهورة بين
الناس، وكان عندهم عبد أسود يخدمهم ويلبي حاجاتهم
.
في أحد الأعوام
أراد الشيخ أن يذهب إلى الحج، فجهّز نفسه وأوصى العبد بابنته خيراً وودّعهم
وسافر، وفي أحد الأيام عاد العبد إلى البيت فوجد فطوم بالحمّام، فلعبت نفسه
عليها وأراد منها الفاينة، فقاومته وضربته بالعصا، فكسرت رجله وقعد بالأرض لا
يتحرك، فحقد عليها وصمّم على الانتقام منها
.
لمّا عاد أبوها
من الحج رأى العبد مكسوراً, فسأله عن السبب ؟ فطلب منه الأمان، فأعطاه الأمان
فقال له: يا سيدي ابنتك صاحبت رجلاً وأحضرته إلى البيت، فلما أردت منعها ضربتني
هي وصاحبها، فكسرا رجلي وقعدت على الأرض منذ ذاك اليوم، فغضب الأب وفار دمه
وطلب ثلاثة رجال من القبيلة، وأمرهم أن يأخذوها إلى البرية ويذبحوها، فأخذها
الرجال ولما ابتعدوا عن المضارب أرادوا أن يفعلوا معها الفانية قبل أن يذبحوها،
وصاروا يتقاتلون عليها، فقالت لهم: أنا أحلّ الخلاف بينكم سأرمي حجراً بالمقلاع
ومن يسبق ويعود بها أكون له، فوافقوا ورمت الحجر بعيداً، فتسابقوا عليها ولمّا
ابتعدوا ركبت الفرس وسابقت الريح وهربت منهم، ومرت في طريقها على عين، فنزلت
عليها وغسّلت وشربت، وجلست ترتاح تحت شجرة ونامت
.
مرّ أحد أمراء
العرب فشاهدها وأعجبه حسنها وجمالها، فعاد بها إلى القبيلة وكتب كتابه عليها،
وتزوجها على سنة الله ورسوله وبعد أعوام ولدت له ولدين، بعد فترة من الزمن وفي
أحد الأيام قالت لزوجها: إنها اشتاقت لأهلها وتريد أن تذهب إليهم لتطمئن على
والدها، وكان الأمير مشغولاً فطلب من أخيه أن يوصلها إلى أهلها، ويبقى معها
عندهم مدّة أسبوع ثم يعيدها إلى القبيلة.
أخذها شقيقه
وسارا في طريقهم إلى ديار أهلها، وفي الطريق نزلا قرب بئر ماء ليأكلا ويشربا
ويرتاحا قليلاً، فطلب الأخ منها الفاينة فرفضت، وهدّدها بأن يرمي أولادها في
البئر، فلم تقبل، فرمى الأولاد واحداً بعد الآخر وهي مصرة على موقفها، ثم رماها
وراءهم في البئر وعاد إلى دياره، وقال لأخيه: بأن زوجته هربت منه في البرية،
وهو نائم وبحث عنها كثيراً فلم يجدها، فغضب زوجها كثيراً وحزن لأمرها، وصمّم أن
يبحث عنها ويجدها ليذبحها ويغسل عاره منها.
أما المرأة
والأولاد فقد جاء أحد الرعاة ليسقي غنمه، فسمع صوت أنين في البئر فنزل وأخرجها
من البئر وأنقذها وأخرج الولدين ميتين، وأخذها إلى مضارب قبيلته ورعاها حتى
صحّت، فأخذت ثياب من الراعي، ولبست ثياب الرعاة، ووضعت على رأسها عقالاً وحطّة
وتلثّمت، وتابعت طريقها حتى وصلت مضارب أهلها فدخلت ضيفة على أبيها، فرحب بها
وأضافها ثلاثة أيام بعدها قالت له: إنها غريبة ومقطوعة، وترغب أن تبقى عنده
تخدمه، وتعمل عنده بأكلها فقط، فوافق الرجل فصارت تنظّف وتكنس وتطبخ له وتصنع
القهوة المرّة، وعندما كانت تدق على المهباج تذكّر الرجل ابنته فبكى عليها.
أمّا العبد فقد أحس بالشؤم من سماع دقة المهباج، وتذكّر فعلته مع ابنة سيده،
فكره هذا الرجل الدخيل والغريب، وصمّم على التخلص منه بأقرب فرصة
.
لم يمض عدة أيام
حتى حضر زوجها وأخوه الذي خرج للبحث عنها إلى بيت هذا الشيخ، فرحب بهما وقدّم
لهما الطعام، وسألاه عن امرأة معها ولدان هربت منهما فنفى أنه شاهد أحداً، وفي
المساء اجتمع أفراد القبيلة عند الشيخ، وبينهم الرجال الثلاثة الذين أخذوا فطوم
ليذبحوها وزوجها وأخوه والعبد وطالت السهرة، فطلب الشيخ من ابنته أن تقص عليهم
حكاية لتمضية السهرة، وكانت تنتظر الفرصة لتكشف نفسها وتفضح الجميع أمام والدها
وزوجها، فبدأت برواية قصتها دون أن تذكر الأسماء، ولما وصلت لذكر ما فعل العبد
صرخ بها، واتهمها العبد بالكذب وأن حكايتها قبيحة، وأراد الخروج فأمره الشيخ
بالجلوس، وقد أحس بأن قصة هذا الرجل الغريب تشبه قصة ابنته، ولما وصلت إلى
الرجال الثلاثة قاموا ليسكتوها ويضربوها، فأمر رجاله باحتجازهم، فتابعت الحكاية
إلى أن وصلت إلى قصة الأمير زوجها، فعرف أنها تحكي قصته، ففرح بها كثيراً
واستبشر خيراً وعندما بدأت بقصة أخيه قام أخوه غاضباً وسحب سيفه، وأراد أن يضرب
عنقه فأوقفه رجال القبيلة، وعندها قامت ورمت العقال والحطّة عن رأسها، فعرفها
الجميع وفرح الأب والزوج لنجاة فطوم من كل هذا الظلم، وحاكموا الجميع وأعدموهم
جزاء أفعالهم الشنيعة وانتقموا لشرفهم، ثم أقاموا الأفراح من جديد وعاد
العروسان إلى ديار القبيلة وجدّدوا الأفراح والليالي الملاح، وعاشوا بالثبات
والنبات وخلّفوا صبيان وبنات
.
مـوفق وجـنية
المـلك الأحـمر
الراوي: حيان
شبان
كان أبوه شيخاً
للقبيلة وصاحب ثروة كبيرة وشخصية مشهورة بين العرب بالكرم والجود، يعطي المحتاج
ويطعم الضيوف ويفك الضيق ولا يرد طلباً لأحد. دارت الأيام وتغير الزمان، فأصيبت
قطعان الشيخ بالوباء وأضاع ثروته بالسخاء، وشحّت موارده حتى اضطر لبيع أملاكه
ليسد حاجته، فضاقت به الأحوال وانسدّت أمامه السبل، فجمع زوجته وابنه وقال لهم:
كما ترون لم نعد نملك ما يسد الرمق والجوع ولا نستطيع أن نمد يدنا إلى أحد،
لذلك سأخرج وأفتش عن عمل بين القبائل حتى الله يفرجها علينا.
عارضه ابنه موفق
وطلب منه أن يبقى مع أمه، وسيخرج هو للعمل وتجادل الأب وابنه حتى اضطر الأب أن
يوافق ابنه. في الصباح ودّع موفق والديه وطلب منهما الدعاء، وسار في الصحراء لا
يعرف إلى أين يذهب، وبقي على هذه الحال حتى شارف على مضارب إحدى القبائل فلجأ
إلى مضافة الشيخ، الذي استقبله بالترحاب وصب له القهوة وقدم له الطعام، ثم جلس
مع الحاضرين ساكتاً طول النهار إلى أن بقي وحده مع الشيخ، عندها قال للشيخ: إنه
غريب ومقطوع في هذه الديار ويبحث عن مأوى وعمل، ففكّر الشيخ وقد توسم في هذا
الشاب خيراً، وعرض عليه عملاً أن يصبّ القهوة في المضافة أو الطبخ أو التنظيف،
وهو يعتذر عنها حتى وافق معه أن يعمل راعٍ عند الشيخ مع باقي الرعاة.
في الصباح خرج
موفق مع الرعاة إلى المراعي، وهناك ابتعد بغنمه عن القطيع وجلس تحت شجرة، وأخرج
الناي من جيبه، وبدأ يعزف عليه أحلى الأنغام والأغنام ترعى حوله. وفي المساء
جمع قطيعه وعاد خلف بقية الرعاة إلى المضارب، وبقى على هذا الحال خمسة أيام
خلالها كانت وطفة بنت الشيخ تراقب تصرفاته وأفعاله، وقد أعجبت بحسنه وأخلاقه،
وقالت في نفسها: إن صفات هذا الشاب ليست صفات الرعاة. فحملت منسفاً من أحسن
الطعام إلى المرعى، وجمعت الرعاة ودعتهم إلى الطعام، لكنها لم تر موفقاً بينهم
فسألتهم عنه، فأشاروا إلى مكانه تحت الشجرة غير بعيد عنهم، وقالوا لها: إن هذه
عادته, يقضي اليوم وهو يعزف على الناي، فأرسلت في طلبه فاعتذر عن الحضور وعن
الطعام، فتعجّبت أكثر من تصرفاته وزاد حبها له أكثر.
وفي أحد الأيام
بينما كان يعزف على الناي، خرجت من الأرض غمامة بيضاء ثم تحولت أمامه إلى صبية
مثل القمر، تمشي بغنج ودلال فسلّمت عليه، وجلست بجانبه تستمع إلى ألحانه الشجية
حتى انتهى، فعرّفته على نفسها بأنها بنت ملك الجن الأحمر، وأنها سمعت أنغامه
الساحرة فاشتاقت إلى رؤيته فاستأذنت أباها بالخروج إليه والاستمتاع بقربه، وفي
المساء ودعته وعادت إلى مكانها، وبقيت تزوره عدّة أيام وفي كل يوم يزيد حبها
له، وتعلقها به حتى إنها دعته لزيارتها، والتعرف على أهلها وقصرها فوعدها
بتلبية طلبها في اليوم التالي، وعندما حان الموعد حضرت إليه كالعادة وأمسكت
بيده، وطلبت منه أن يغلق عينيه، وتحولت إلى غمامة بيضاء تغلغلت في شقٍّ صغير في
الأرض، ولما فتح عينيه وجد نفسه في قصر عظيم لم ير مثله على وجه الأرض، أحجاره
من الياقوت والمرمر وفرشه من الديباج، وستائره من الحرير ووسائده من ريش
النعام، فظن نفسه في جنة من الجنان، ورأى في القصر صناديق من الذهب والجواهر لا
تعد ولا تحصى، وطلبت له الطعام فحضرت مائدة عظيمة عليها أطيب الطعام، وأشهى
المأكولات لم ير مثلها في حياته، فأكل وشرب وجلس مع مضيفته وكأنه في الأحلام.
عندما حلّ موعد
الرحيل قالت له الجنية: أنا عشقتك وأرغب في أن نتزوج على سنة الله ورسوله، وهذا
القصر وكلّ ما أملك هو ملك لك، فوعدها أن يفكّر في الموضوع وأنه عليه أن يشاور
والديه. فأعطته سواراً من المطاط المذهّب، وقالت له: إذا احتجتني اضغط على
السوار أحضر فوراً أمامك. ثم ودعته وأغمض عينيه ثم فتحهما فوجد نفسه وحيداً
تحت الشجرة، وكان الوقت مساءً فلم يجد أحداً من الرعاة في المراعي، فظن أنهم
عادوا وتركوه وعاد إلى مضارب القبيلة، فوجد الناس مجتمعين عند الشيخ وهم
صامتون، وكأنّ على رؤوسهم الطير والحزن بادٍ على وجوههم دون أن يدري سبب هذه
الحال، فدخل وجلس في طرف المجلس، وكان العبد يدور بالقهوة على الحضور فلا يشرب
القهوة أحد، ولما وصل إليه أخذ فنجان القهوة وشربه، فصاح الجميع: والله أنت
قدها يا موفق ما في غيرك لها. فعرف وقتها أنه أوقع نفسه في قضية كبيرة دون أن
يدري، وعرف أنه جاء غزو على الديار وساق معه كلّ الحلال، ولم يتجرأ أحد أن يلحق
به، والعادة أن يجتمع رجال القبيلة في مضافة الشيخ يتباحثون في الأمر، ويدور
فنجان القهوة عليهم فمن يشربه معناه أنه يتكفّل بإعادة الحلال، فكان فنجان
القهوة من نصيب موفق، فقال والله علقت وما حدا سمّى علي، ولم يستطع التراجع
أمام الناس فركب فرساً وأعطوه سيفاً وسار وراء الغزاة، ولما ابتعد عن المضارب
ضغط السوار فحضرت الجنية أمامه، فأخبرها بما جرى وصار، فوعدته خيراً وأعطته
صندوقاً من الذهب وقالت له اخل على شيخ القبيلة وأعطه ما يريد من الذهب مقابل
رد الحلال، واعرض عليه باقي الذهب مقابل أن يذهب لعند شيخك، ويصالحه حتى تزيد
قيمتك عنده، فإن شيخ هذه القبيلة يحب المال فتكون قد حققت هدفين معاً، رجعت
الحلال وصالحت القبيلتين.
ثم أمسكت بيده
وأغلق عينيه وفتحهما فوجد نفسه أمام بيت شيخ القبيلة الغازية، فدخل وسلّم عليه
وعرفه بنفسه وعرض عليه ألف ليرة ذهبية مقابل إعادة الحلال، فوافق معه وأمر
الرعاة أن يجمعوا الحلال ويعيدوه للقبيلة بأنفسهم، وقبل أن يرحل موفق دعا شيخ
القبيلة أن يذهب لعند شيخ قبيلته على الغداء ليتصالح معه ويعتذر له مقابل ألف
ذهبية أخرى، فوافق أيضاً ووعده أن يكون في الغد عند الشيخ مع كبار قبيلته، وعاد
موفق بالحلال فاستقبله الجميع بالزغاريد والهتافات، وعمت الفرحة والاحتفالات
وأجلسه الشيخ قربه، وهنأه بالسلامة والانتصار على الأعداء، وسأله أن يقصّ
للجميع حكاية بطولته، فروى لهم قصة أقرب إلى الخيال، وقال له في نهاية الحديث:
غداً يكون شيخ القبيلة الغازية عندك على الغداء حتى يصالحك ويعتذر منك، فطار
عقل الشيخ من الفرحة، وفي اليوم التالي استقبل الشيخ ووفده وصحبه وعمل وليمة
كبيرة وتصالح الطرفان، وراقت بينهم الأحوال وزادت قيمة موفق بين أفراد القبيلة.
أما فضة بنت
الشيخ فقد زاد حبها له، وطلبت من موفق أن يخطبها من أبيها ويستغل هذه الفرصة
الثمينة، فتقدم موفق إلى الشيخ وطلب يد ابنته، فأمهله عدّة أيام حتى يردّ له
الجواب، وعندما اختلى الشيخ بابنته أخبرها بطلب موفق لها، فوافقت في الحال، لكن
الشيخ قال لها: إن موفقاً مجرّد راعٍ وغريب لا نعرف أصله، وفصله فكيف تتركين كل
الشيوخ والأمراء وترضين بهذا الراعي، فأصرّت فضة على موقفها، فأجل البتّ
بالموضوع إلى بعد عودته من ردّ زيارة شيخ القبيلة التي تصالح معها على يد موفق،
لإكمال الصلح كما جرت العادة.
بعد يومين ركب
الشيخ مع كبار أهل القبيلة وعلى رأسهم موفق لتلبية دعوة شيخ القبيلة الثانية،
وبقيت فضة في البيت وحدها فخرجت في المساء إلى العين لتملأ القربة، فصادفها أحد
عبيد والدها ولما رآها وحدها حاول الاعتداء عليها، فقاومته وتعارك معها فضربها
على رأسها فأغمي عليها، وظن أنها ماتت فخاف وحملها إلى بئر مهجور ورماها فيه
وعاد وكأن شيئاً لم يحدث.
عاد والدها آخر
الليل فاعتقد أن فضة نائمة فلم يفتقدها، وفي الصباح لم يرها فسأل عنها، وبحث مع
أفراد القبيلة فلم يجدها فاعتقد أنها اتفقت مع موفق على الهرب، فطلب موفقاً
واستجوبه فأنكر فأمر بتعذيبه حتى أغمي عليه، فاعتقدوا أنه مات فحمله بعض
الرجال، وألقوه في البئر المهجور مع فضة.
في اليوم التالي
تعرضت القبيلة لغزو من قبل قبيلة قوية قتلت أكثر الرجال، وأسرت الباقي ونهبت
الحلال، وهرب الشيخ مع بعض الغلمان في الصحراء لا يعرفون أين يتوجهون، إلى أن
وصلوا إلى قرب البئر المهجورة وهم عطشى, فحاولوا نشل بعض الماء من البئر، ونزل
أحد الرجال في البئر فوجد فيه جثة شخصين في أسوأ حال، فنادى على أصحابه
وانتشلوهما فإذا هما فضة وموفق، فتعجب الشيخ من هذه الصدفة العجيبة وفحصوهما
فوجدوا فيهما بعض الرمق من الحياة فعالجوهما حتى شفيا. أخبرت فضة والدها بقصتها
مع العبد، فندم الشيخ على ظنه السوء بموفق ومبادلته المعروف بالأذى وقال: الله
حكيم فقد جازاني على ظلمي، واعتذر من موفق وطلب منه السماح وقص عليه ما تعرضت
القبيلة من الغزو والقتل والنهب.
طيّب موفق خاطره
ووعده أن ينتقم له من القبيلة ويعيد له الحلال، فرح الشيخ وعاهده أن تكون فضة
من نصيبه بعد أن تنجلي هذه المصيبة وتعود الأمور كما كانت، وفي الحال أخذ موفق
فرس الشيخ وطلب أن ينتظروه حتى يعود، فركبها وغاب عن الأنظار، ثم ضغط على
السوار فحضرت بنت ملك الجن الأحمر، سألته عن حاجته فأخبرها بكل ما جرى، فقالت
له: الأمر بسيط وستفوز بكل ما تريد إن شاء الله، لكن أريد منك وعداً أن تتزوجني
مع فضة أيضا، وتحقّق لي رغبتي في أن أكون معك ولو مع ثلاثة نساء. فرح موفق من
قولها وعاهدها على ذلك، فأعطته سيفاً سحرياً يحارب فيه جيشاً بكامله، ثم أغمض
عينيه وفتحهما فإذا هو في مضارب القبيلة التي غزت جماعته، وقد تجمع الفرسان
والرجال في مضافة الشيخ يحتفلون بالانتصار والغنائم، فدخل عليهم وقال للشيخ:
أنا من القبيلة التي غزوتها وقتلت رجالها وسلبت أموالها وحلالها وأريد منك في
الحال أن تعيد كل ما أخذته ولا تقترب من هذه القبيلة لأنها في حمايتي.
ثار الرجال
وغضبت الجموع وهجموا على موفق يريدون قتله، فأشار عليهم بالسيف فوقعت رؤوسهم
على الأرض، فهجمت عليه دفعة أخرى فجرى لهم ما جرى للسابقين وامتلأت الساحة من
رؤوسهم، خاف الشيخ وباقي الرجال فأمر الشيخ رجاله أن يعيدوا كل ما أخذوه من
القبيلة، وفوقه مثله ويوصلوه إلى مضارب قبيلة أبو وطفة، ركب موفق وسار على
مقدمتهم طوال الليل، وفي الصباح كان عند الشيخ أبو وطفة فاستقبله بالفرحة
والابتهاج، وضمه وقبّل رأسه وقال: والله فعالك فعال الجبابرة وليس فعال رعيان،
وعاد الجميع إلى المضارب وأقاموا الاحتفالات والأفراح، وذبحوا الذبائح وأقاموا
الولائم. وعقد كتاب موفق على وطفة وقدم له موفق صندوقاً من الذهب مهراً لها،
وعرّفه موفق على نفسه وأنه ابن شيخ قبيلة جار عليه الزمان، وخرج يطلب العمل
فساقته الأقدار إليه، فرح الشيخ أكثر وصنع له عرساً لم تر مثله القبائل في كل
البادية وزفّه على وطفة، وبعد عدة أيام طلب موفق الرحيل إلى أهله ودياره فحزن
الشيخ على فراقه وحمّله بالهدايا والحوائج، وودعهم وسارت القافلة حتى وصلت إلى
المراعي، فضغط على السوار فحضرت بنت ملك الجان، وهنأته بالسلامة وبالعروس
وأنزلته مع عروسه إلى قصرها، وأحضرت والديه ففرحا برؤيته سالماً غانماً بعد هذا
الغياب الطويل، ثم عقد قرانه على بنت ملك الجن الأحمر التي بنت له قصراً فوق
الأرض وجدّدوا الاحتفالات والأفراح، وعاشوا جميعاً باللذة والنعيم وطيّب عيش
السامعين.
مـن زعـل إلى
فـرح
الراوي: فرحان
العموري
كان زعل أصغر
أخوته بسيط أبله، بالي الثياب تظهر عليه الوساخة في كل الأوقات, مكانه قرب
العتبة يقوم بخدمة الجميع، وينفّذ الأوامر وكان ملطشة للصغير والكبير، وكان
اسمه زعل ويسمونه راعي البقر
.
أخوته فارغو
الأشغال كسولون لا عمل لهم ولا حركة, همهم التمتع باللباس والطعام والراحة،
وجدوا له فتاة بسيطة مثله، طيبة درويشة، اسمها وطفة رضيت به وتزوجته، وتحمّلت
معه بعض الأعمال، فكان هو يرعى البقر ويخدم والديه وأخوته، وهي تنظّف الإسطبل
وتصنع "الجلّة" من "الزبل" لاستخدامها في وقود التنور والموقد، وتخدم أمه
وزوجات إخوته .
طال هذا الحال
على المرأة سنوات، وهي تعمل بجد واجتهاد دون تذمّر ولا شكوى حتى كدّها التعب
فلم تعد تتحمّل، فقالت لزوجها يوماً: أنا سأذهب زعلانة لعند أهلي وعندما سيأتي
أهلك ليراضوني سأطلب منهم بعض الطلبات، وما عليك سوى أن توافقني، وتتمسك بي
مهما كلّف الأمر إن كنت تريدني ؟ فوافق زعل
.
ونفذت وطفة ما
خطّطت له وذهبت إلى أهلها زعلانة، وبعد أيام ذهب أهله لمراضاتها وإعادتها إلى
البيت فاشترطت عليهم أن تسكن وحدها، وأن يعطوهما بقرة ويعيشون مستقلّين عن
العائلة، رفض الأهل وأصرّت هي، فطلبوا من زعل أن يطلّقها، فأبى وأصرّ على
التمسك بزوجته فسبّوه وعنّفوه وتركوه عند أهل زوجته
.
احتضنته زوجته
وباعت أساورها واشترت له بقرتين، وقالت له: قم ارع بقرك بدلاً من أن ترعى بقر
أهلك، فعمل هو وزوجته بكل جدٍّ ونشاط، وبعد عدّة أعوام أصبح عنده قطيعاً من
البقر يدرّ عليه كمية كبيرة من الحليب، فتصنع الزوجة منه الجبن والزبدة وتبيعه
في السوق، وجمعت كمية من الأموال فاشترت له "جلابية" غالية وشروالاً وجاكيتاً
وحطّة وعقالاً فلبسها وبدا كالأمير، وبنت له مضافة كبيرة فرشتها بالمساند
والسجّاد ووضعت له كانوناً كبيراً وقهوة مرّة وجلس فيها كأنه شيخ عرب، ثم طلب
والديه ليعيشا معه ويخدمهما بنفسه، بعد أن ساءت أحوال أهله وأخوته باعوا البقر،
وصرفوا ثمنه وقعدوا على الحديدة، فعاش والديه عنده معززين مكرمين يخدمهم زعل
وزوجته ولم يتركهما يحتاجان شيئاً وصارا يدعوان له بالتوفيق والنجاح
...
وبعد مدة جاء
أخوته يهنئونه ويباركون له واجتمعوا حوله يستجدونه بعض الطعام والمال بعد ما
عانوا من الفقر والجوع، فعرض عليهم أن يعملوا عنده ويرعوا البقر، ويخدمونه
مقابل إعالتهم وصرفه عليهم فرضوا بذلك
...
وعاش عيشة كريمة
لم يحسد الشيوخ عليها، وذلك بفضل زوجته الحكيمة والكريمة وتدبيرها الحسن، فصار
أفضل من إخوته وأحبه الناس واحترموه، وأصبح له قيمة كبيرة بين الناس...
ومن وقتها تغير
اسم زعل وأصبح اسمه الشيخ فرح
.
ســت الكـل
الراوية: نزهة
الصوفي
كان تعيش امرأة
عجوز وعندها ثلاث بنات، الصغيرة اسمها ست الكل، لما حضر العجوز الوفاة، وزّعت
رزقتها على بناتها، فأعطت الكبيرة الطاحونة، والوسطى أعطتها المعصرة، أما
الصغيرة فأعطتها الموقدة. تزوجت الكبيرة وصارت تشتغل بالطاحونة هي وزوجها،
وعاشوا أحسن عيشة. وتزوجت الوسطى وصارت تشتغل مع زوجها بالمعصرة، وتعصر زيتون
وعاشا بأحسن حال.
بقيت الصغيرة لم
يتقدم لخطبتها أحد لأنها فقيرة الحال، والموقدة القديمة لا تنفع شيئاً.
في
يوم من الأيام ضاقت عليها العيشة، فقالت في نفسها: هذه الموقدة لم تنفعني وسببت
لي الفقر، فهدمتها وإذ تحتها حلقة سحبتها، فإذ بها معلّقة بحجر تغطي تحتها
سرداباً، رفعت الغطاء ونزلت به فرأت حديقة غناء فيها أشجار وفواكه من كل
الأنواع، فصارت تأكل حتى شبعت، وبينما هي فوق إحدى الأشجار جاء فارس فنزل تحت
الشجرة، وربط فرسه وخلع حذاءه وأخرج منه دودة، قرأ عليها فتحولت إلى امرأة
جميلة فجلس معها، وأنزل منسفاً عليه خروفاً محشياً، فأكلا وانبسطا، ثم سقته
المرأة شراباً فنام لوقته فحملت المنسف، وذهبت به إلى مغارة قريبة فيها عفريت،
سلّمت عليه وجلسا فأكلا الطعام وانبسطا وناما.
اقترب موعد
استيقاظ زوجها من النوم عادت إليه، فسألها ماذا حدث؟ أجابته أنه نام ونامت
جنبه، ثم أعاد المرأة على شكل دودة، وضعها في الحذاء وركب فرسه وعاد إلى بلده
.
رأت ست الكل من
مكانها على الشجرة كل شيء، فتألمت على وضع الزوج المسكين المخدوع، في اليوم
التالي وفي الموعد نفسه حضر الفارس ونزل تحت الشجرة، وأخرج الدودة من الحذاء
وتحولت إلى امرأة وفعلت مثل المرّة الماضية وسألها وأجابته بذات الكلام، غضبت
منها ست الكل وهي تكذب على الفارس بهذا الكلام، فأخذت ليمونة من الشجرة وضربت
المرأة على رأسها فأصابت عينها، وصرخت من الألم، فصعد الفارس إلى الشجرة وأنزل
ست الكل وربطها، وقرّر أن يقطع رأسها فقالت له: قبل أن تقطع رأسي اسمع مني هذه
الحكاية. فقال: نعم سأسمع منك آخر حكاية في حياتك، أحكيها لكن بسرعة.
فروت له ست الكل
قصتها بالكامل حتى وصولها إلى الشجرة، وما رأته من المرأة التي معه وكيف كانت
تسقيه فينام، وتأخذ المنسف لعند العفريت وأنها تكذب عليه في كل مرة.
عندما سمع
الفارس القصة غضب، وسحب سيفه وقطع رأس امرأته، فتدحرج على الأرض إلى أن وصل إلى
مغارة العفريت، فلما رأى العفريت ما حدث لصاحبته جن جنونه، ولحق آثار الدم إلى
الشجرة، فشاهد الفارس وست الكل. فعزم عليه ورشّه بكأس من الماء فحوله إلى دودة،
فوضعته ست الكل في حذائها، وأخذهما العفريت إلى المغارة وصار يعذبها أشد
العذاب، فقالت له ست الكل: المرأة التي كنت تعشقها ماتت وأنا صبية وأحلى منها،
فما رأيك أن نتزوج ؟ وأبقى أخدمك طول الحياة، فكّر العفريت قليلاً وقال في
نفسه: هذا الكلام صحيح وقد ماتت صاحبتي وانتهت، وهذه أحلى منها فوافق على
فكرتها وحلّ رباطها، وطلب منها أن تجهّز نفسها، فقامت وكنّست المغارة وعملت له
أطيب طعام، فأكل حتى شبع وعملت له شراباً، ووضعت له منوماً فيه فشربه ونام.
قامت ست الكل
لتهرب فنظرت إلى العفريت، فرأت في يده خاتماً قديماً ففركته، فظهر خادم الخاتم
وهو مارد عملاق ضخم، فعرض عليها خدماته، فطلبت منه أن يحول العفريت إلى دودة،
ويعيد الفارس كما كان، فرشّ على العفريت ماء وحوله إلى دودة، فوضعته في حذائها،
وأعاد الفارس كما كان وطلبت من المارد أن يحملها إلى ديار أهل الفارس، وهناك
أمرت العفريت أن يبني لها قصراً مثل قصر السلطان وفيه خدم وحشم دخلت عليه هي
والفارس، فرأته أجمل قصور الدنيا وتزوجها الفارس، وعاشوا بثبات ونبات وخلفوا
صبياناً وبناتاً .
الليمـونات
الثـلاث
الراوي: وردة
الشيشكلي
كان يا ما كان
في قديم الزمان يحكى أنه يوجد ملك من الملوك، وله زوجة جميلة يحبها كثيراً،
ولكنها لم تنجب له أولاداً فعاشت الملكة حزينة مهمومة، تدعو الله ليل نهار أن
يرزقها صبياً لتفرح به ويطمئن قلب الملك. جاءتها في يوم عجوز فقيرة على البركة،
جلست مع الملكة وسايرتها، وعرفت مشكلتها فقالت لها العجوز: اندري لي ندراً
وسيرزقك الله تعالى بصبي أحلى من القمر، فندرت لها الملكة أن تعطيها خابية عسل،
فدعت لها العجوز وانصرفت.
بعد فترة من
الزمن حملت الملكة بإذن الله وأنجبت صبياً جميلاً أسمته علاء الدين، فرحت
الملكة وفرح الملك وأقام الاحتفالات والزينة، وفرش الموائد وأطعم الناس سبعة
أيام ...
مضت السنين
والأيام ونسيت الملكة ندر العجوز وشبّ الصبي، وأصبح يلعب في الشارع مع الأولاد.
في يوم من الأيام جاءت العجوز إلى الملكة، وذكرتها بندرها، فاعتذرت منها الملكة
وأحضرت لها خابية عسل حملتها العجوز وخرجت من القصر.
كان علاء الدين
يلعب مع الأولاد في الطريق، فرمى حجراً أصابت الخابية في يد العجوز فكسرتها،
وسال العسل على الأرض، غضبت العجوز عليه ودعت عليه أن يبتلى بحب عروسة
الليمونة، وصارت العجوز تلم العسل من الأرض
.
كبر علاء الدين
وأصبح شاباً، في أحد الأيام قالت له أمه: لقد كبرت وأصبحت رجلاً فاختر من تريد
حتى نزوجك ونفرح بك، فتذكّر علاء الدين دعوة العجوز، فقال لأمه: أريد عروسة
الليمونة. فسألته أمه: ومن تكون عروسة الليمونة ؟ فأجابها: لا أعرف المهم لن
أتزوج غيرها.
صار علاء الدين
يفكّر في عروسة الليمونة ليل نهار حتى مرض واعتل جسمه، فأخبرت الملكة الملك
بقصة ولده، فتعجّب الملك وأحضر وزيره واستشاره في الموضوع، فقال له: لا يوجد
سوى الحكيم العجوز الذي يسكن في الجبل القريب يعرف حكاية عروسة الليمونة، وهو
معتزل عن الناس.
سمع علاء الدين
الكلام فحزم أمره على الذهاب إلى الحكيم، وطلب من أمه أن تجهّز له زوّادته
ليرحل في الحال، حاولت الأم أن تثنيه عن قراره فأصر على الرحيل.
في الصباح أسرج
حصانه، ووضع في الخرج زوادته وكيساً من الذهب، وسار في طريقه إلى الجبل. كان
الحكيم يعيش في مغارة على سفح الجبل، فصعد إليه علاء الدين وسلّم عليه،
فاستقبله الحكيم وقد عرفه، وقال له: أنا أنتظرك منذ سنوات يا علاء الدين والحمد
لله أنك أتيت قبل أن أموت، قد تبين لي في الكتاب أنك أنت الذي ستفوز بعروسة
الليمونة، الموجودة في حديقة التنين في بلاد الواق الواق، وبين له أن الطريق
طويلة وخطيرة، ويجب أن يمر في طريقه إلى كبير العفاريت، فإن استطاع أن يكسب وده
ويحصل منه على السيف المسحور، فإنه سيستطيع أن يقتل التنين ويحصل على عروسة
الليمونة، وإذا لم يرض عنه كبير العفاريت فسيهلك على يده، ولن يصل إلى غايته.
فهم علاء الدين
حقائق الأمر، وجلس يتناول الطعام مع الحكيم، ثم استراح تلك الليلة وفي الصباح
أعطاه كمية من الذهب، وودعه ومضى في حال سبيله.
في الطريق عانى
علاء الدين كثيراً من العقبات، والمخاطر وتغلّب عليها بشجاعته وصبره، حتى وصل
مغارة كبير العفاريت فوجده ضخماً مخيفاً، وقد طال شعره وأظافره وكان صوت زفيره
يُسمع على مسافة بعيدة، فسلّم عليه علاء الدين وأخرج مقصاً من جيبه، وقص له
شعره وأظافره ونظّفه، ووضع له طبقاً من اللحمة الشهي، فارتاح كبير العفاريت من
علاء الدين وأحبه، وقال له: اطلب واتمنّى. فقصّ عليه قصته، وعرض عليه غايته
ورغبته بالسيف المسحور، ففكّر العفريت طويلاً ثم قال له: يبدو أنك أمير مهذّب
وكريم وتستحق كل خير، ولن تجد عروسة الليمونة أفضل منك، ثم أعطاه السيف ودلّه
على الطريق، وأوصاه أن يصبر في عراكه مع التنين فيغلبه.
شكره علاء الدين
كثيراً وحمل السيف، ومضى في طريقه إلى أن وصل إلى بلاد الواق الواق، وتجول في
الجزيرة حتى وجد حديقة التنين، فدخل إليها وفتش بين أشجارها، حتى رأى شجرة
الليمونة الكبيرة في وسط الحديقة، والليمونة في أعلى غصن في الشجرة، والتنين
الحارس نائم تحتها.
لم يمض وقت قليل
حتى اشتم التنين رائحة علاء الدين، فاستيقظ ونهض مهتاجاً، وهو ينفث النار من
فمه، وحصلت معركة حامية بينهما، ثبت فيها علاء الدين وصبر كما أوصاه العفريت
إلى أن حانت منه فرصة، فضرب عنق التنين بالسيف المسحور فقطعها، ومات التنين في
الحال .
ووقف علاء الدين
فرحاً بانتصاره وأشار بالسيف إلى الليمونة، فسقطت من أعلى الشجرة فتلقاّها بين
يديه، فتحولت إلى صبية أحلى من القمر، حملها وراءه على الحصان وعاد مسرعا إلى
بلاده سالماً غانماً، وأقام الملك الاحتفالات والأعراس والليالي الملاح استمرّت
سبعة أيام وتزوج من العروسة الليمونة وعاشوا بالفرح والنعيم وطيب الله عيش
السامعين .
الكـلب صاحـب
النذر
الراوي: كرجية
رسلان
كان يا مكان في
قديم الزمان رجل كبير السن يعيش مع زوجته مبسوطين، لكن الله لم يرزقهما بولد
وكان عندهما كلب أسود ضخم يحرسهما، ويعيش ويأكل معهما ولا يفارقهما. في أحد
الأيام المرأة كانت جالسة في أرض الدار، تذكرت الخلفة فبكت وحزن الكلب وبكى
معها، ودعت الله أن يرزقها بخلفة بعد هذا العمر، ثم نظرت إلى الكلب فرأته
حزيناً يهزّ بذيله، كأنه يدعو معها فقالت: ندراً علي لو رزقني الله ببنت سأزوجك
إياها، فهزّ ذيله موافقا .
مرت الأيام وإذ
بالمرأة حامل، فبشرت زوجها الذي طار عقله من الفرحة، وبدأ يرعاها ولا يدعها
تعمل شيئا، والكلب يلازمها ويعتني بها حتى وضعت بنتاً كالبدر، ففرحت بها
وربتها، حتى أصبحت صبية جميلة ليس لجمالها وحسنها مثيلاً في البلد، أما الكلب
فكان يلعب معها ويلازمها أينما توجهت. في أحد الأيام صار الكلب يجرها إلى أمها
بلطف ويهزّ لها ذيله، استغربت الأم ثم تذكرت ندرها وعدها أن تزوجه إياها،
فأخبرت زوجها بالأمر، فاستنكر منها هذا النذر غير المعقول وقال: على أي حال أنا
لا أزوجها بدون مهر، فمن أين للكلب أن يأتي بمهرها.
سمع الكلب هذا
الكلام فغاب عدة أيام، ثم عاد وهو يحمل على ظهره خرجاً مليئاً بالذهب ووضعه
أمام أبي البنت، فتعجب من أمره ووافق على زواجه مرغماً، فجهزت الأم ابنتها
بأجمل الثياب وقالت لها: اذهبي مع زوجك الكلب.
خرج الكلب
والفتاة تلحقه بثياب عرسها, وسار يقطع بها الغابات والوديان، وكلّما حاول أحد
أن يعترض عروسه يكشّر عن أنيابه، ويهجم عليه فيهرب فزعاً، وتابع سيره حتى وصل
إلى قصر فخم، كثير الغرف مفروش بأفخم الفرش فيه كثير من الخدم والحشم وله حديقة
كالجنة. استقبله الخدم وعملوا له عرساً عظيماً، وأدخلوا العروس إلى الحمام،
وألبسوها أجمل الثياب فبدت كالأميرات، وأدخلوها إلى غرفة النوم المفروشة
بالحرير وتركوها وخرجوا
.
في المساء دخل
الكلب وأطفأ الشموع، واندسّ بجانبها في الفراش فأحسّت كأنه رجل كامل رقيق
الجانب، لم يكلمها ولم يمسها ونام حتى الصباح. استيقظت الفتاة من نومها فرأت
الكلب يتمشّى قرب سريرها بخيلاء فتعجبت من أمره، ثم تركها وخرج من القصر. سألت
كبير الخدم عن حكاية وحقيقة الكلب ؟. فردّ عليها: أرجو ألاّ تسأليني عن هذا
الأمر يا مولاتي، ولا تحاولي كشف سرّه فتندمين أشد الندم. فسكتت وبقيت على هذا
الحال شهراً من الزمان
...
مرة قالت للكلب:
إنها تريد أن تزور أهلها، فحمّلها بالهدايا وصحبها إلى أهلها، ففرحوا برؤيتها
وعندما انفردت بها أمها وسألتها عن أمرها وحياتها ؟. روت لها قصتها، فقالت لها:
عندما ينام قربك أشعلي عود كبريت واكشفي حقيقته.
لما عادت الفتاة
إلى القصر فعلت كما قالت لها أمها، فرأت شاباً جميلاً كالقمر في الحسن والجمال
فطار عقلها، ولمّا أحسّ الشاب أنها كشفت سره غضب أشد الغضب، وأخذ الكرباج
وضربها حتى أغمي عليها، ثم حلف أن يبيعها ثلاث مرات فإذا خلّصت نفسها تعود
أميرة القصر، وإلا تبقى عبدة طوال العمر، ثم قادها إلى السوق فباعها لرجل لكي
تعتني بأمه المريضة بعد أن فقدت ابنها، وقبض ثمنها وتركها ومضى
.
عملت الفتاة على
خدمة سيدتها بكل جد وأمانة ولم تتركها تحتاج شيئا، بعد فترة من الزمن رأت إحدى
الخادمات السود تخرج من البيت، ومعها حزمة قضبان من الرمان وكسرة خبز وماء
فتبعتها سراً، فدخلت خربة مهجورة وإذ بابن سيدتها الشاب مربوط بالحبال، وهو في
أسوأ حال قالت له العبدة: هل تتزوجني ؟ فأجاب بالرفض، فضربته بالعود حتى انكسر
ثم أعادت السؤال مرات ومرات وهي تضربه بالأعواد حتى انكسرت كلها عليه، وهو يصرخ
من الألم ثم رمت له بكسر ة الخبز وإبريق الماء، وعادت إلى القصر.
لما ابتعدت
الخادمة دخلت الفتاة إلى الخربة ففكّت قيوده، وقادته سراً وأدخلته القصر
فغسّلته وأطعمته، وألبسته ثياباً جديدة وداوت جروحه، ثم ذهبت إلى سيدتها
وسألتها طلباً مقابل أن تعيد لها ابنها المفقود، فطارت الأم من الفرحة وقالت
لها: لك ما تريدين. فقادتها إلى حيث يوجد ولدها، فلما رأته أغمي عليها، ولما
أفاقت حكت لها القصة وأخبرتها بأمر الخادمة فقبضوا عليها وأدخلوها السجن، وطلبت
الفتاة من سيدتها أن تعتقها، فأعطتها حريتها وعادت إلى قصر زوجها محملة
بالهدايا. فقال لها زوجها الكلب: نجحت في التجربة الأولى وبقي لك اثنتان.
في الصباح
أنزلها إلى السوق وباعها لرجل، لتعتني بزوجته المريضة بنوبات الصرع، فلازمت
الزوجة واعتنت بها على أكمل وجه، وبعد أيام شكّّّت الفتاة أن المرأة مسحورة،
وبدأت تفتش عن السحر في كل مكان دون جدوى، وبقيت تبحث عدة أيام، حتى وصلت إلى
أطراف القرية، فرأت عفريتاً مخيفاً يجلس أمام قدر كبير يغلي فيه الماء، ويخرج
منه السحب والدخان، ويرمي البخور في النار ويكتب الأوراق السحرية ويضعها في قدر
الماء، ويحركها بعصا طويلة ويدمدم بالرموز والطلاسم، فسلّمت عليه فنظر إليها
مستغرباً، وقال لها: لولا سلامك ما سبق كلامك لأكلتك وفصفصت عظامك.
جلست الفتاة
قربه وعملت نفسها بردانة، وأخذت تتدفأ على النار، وبعد قليل قالت تتحايل على
العفريت: إن قدرك مثقوب انظر كيف يتسرب منه الماء على النار. اقترب العفريت من
القدر ليدقق فيه وهي تؤشر له على المكان، ثم غافلته ودفعته في القدر فاحترق فيه
ومات من فوره، فقلبت القدر على النار وأطفأتها، وعادت إلى البيت فوجدت سيدتها
قد شفيت، ولم تعد تعاني من شيء، فحكت لها قصة السحر والعفريت وما فعلته به،
فشكرتها وكافأتها وأعتقتها.
عادت الفتاة إلى
زوجها الكلب فتعجب لأمرها فقال لها: باقي لك الثالثة، وقادها في الصباح إلى
السوق، وباعها إلى سيدة لتعتني بابنتها الفاتنة الجمال والمقعدة والخرساء،
فاعتنت بها جيداً ورعتها، وبعد أيام شكّت في أمرها فأخذت تراقبها، وبعد منتصف
الليل سمعت طرقاً على الشباك، فقامت البنت من مقعدها، وفتحت الشباك فدخل عفريت
من الجان، وجلسا معاً يتسامران حتى الصباح، فودّعته وعادت إلى مقعدها.
في الصباح دخلت
الفتاة إلى سيدتها وقالت لها: لقد كشفت سر ابنتك سأشفيها لك إن شاء الله، فلا
تتدخلي مهما فعلت معها، وراقبينا فقط من خلف الستار، على شرط إن نجحت في شفاء
ابنتك أن تعتقيني، فوافقت معها الأم كما تريد، فأتت بحزمة قضبان من الرمان،
وقالت للفتاة: اسمعي الكلام وإلا سأضربك بالقضبان، قومي وامشي.... فلم ترد
عليها، فأخذت القضيب وضربتها على جسدها حتى انكسر وقالت لها: لقد عرفت سرك مع
العفريت، وأنت ليس بك شيئاً... فلم ترد الفتاة فضربتها بالثاني حتى انكسر ثم
الثالث والرابع، فصرخت من الألم ووقفت ليس بها شئ, وطلبت العفو منها وأن تستر
عليها... فدخلت أمها من وراء الستار، وهي تكاد تطير من الفرحة لما رأت ابنتها
تمشي، فضمتها وشكرت الفتاة على عملها، وأعتقتها وأعطتها الهدايا فحملتهم، وعادت
إلى القصر فرحة بنجاحها في هذه الاختبارات وبعودتها إلى بيت زوجها.
عندما شاهدها
زوجها قادمة فرح كثيراً واستقبلها بالأحضان، وكانت تضحيتها وحبها للكلب بداية
حل اللغز الكبير في حياة الكلب الذي كان مرصوداً ولا ينتهي رصده حتى تحبه فتاة
وتضحي في سبيله، فانفكّ السحر عنه، ولم يعد إلى صورة كلب بعد ذلك، وأتى بأهلها
ليعيشوا معهما في القصر، وأقام الأفراح والليالي الملاح وعاشوا بثبات ونبات
وخلّفوا الصبيان والبنات.
فـرط الرمـان
الراوية : وردة
الشيشكلي
كان يا ما كان
في قديم الزمان كان يوجد ملك عنده زوجة جميلة وحلوة مثل القمر، وكانت تتغندر
وتتزيّن وتلبس أحلى الثياب، ثم تدخل إلى قصرها وتسأله: هل يوجد بين النساء من
هو أحلى وأجمل مني ؟. فيردّ عليها: لا يوجد أحلى منك بين نساء العالم. لم يأتها
أولاد في البداية، فنذرت نذراً إن أتاها ولو بنت أن تسميها فرط الرمان، بعد
شهور حبلت وولدت بنتاً مثل البدر التمام. ربّتها وكبرت حتى صارت صبية مشهورة في
تلك البلاد. دخلت الزوجة مرة إلى القصر وسألته: إن كان في أحلى منها في البلاد
؟. ردّ عليها: لا يوجد أحلى منك بين النسوان في كل البلاد إلاّ فرط الرمان.
فغضبت وثارت كثيراً وغارت من بنتها حتى إنها قرّرت أن تتخلص منها، وكان يوجد
غولة تسكن قريبة من قصرها يقال لها أم شعلان، فقالت لها: اذهبي إلى جارتنا أم
شعلان واملئي من عندها ( قنينة ) زيت، وهى تقصد أن تمسكها الغولة وتأكلها.
ذهبت فرط الرمان
إلى بيت الغولة، وقالت لها: تسلّم عليك أمي وتريد من عندك ( قنينة ) زيت. رحبت
بها (الغولة ) أم شعلان لما رأتها صغيرة وجميلة، وملأت لها القنينة فعادت بها
إلى أمها. انزعجت الأم كثيراً، وأرسلتها مرة ثانية حتى تأتي بقليل من الطحين.
ذهبت الفتاة وسلّمت على أم شعلان، وطلبت منها الطحين، فأعطتها وعادت به. فزاد
غضبها وقهرها، فأرسلتها مرة ثالثة لتجلب لها السكر. عندما رأتها أم شعلان في
المرة الثالثة، فكّرت بقصة هذه الفتاة وشكّت بنوايا أمها، وكانت قد أحبت فرط
الرمان لحسنها وجمالها، وتعلّقت بها منذ أن رأتها، فقالت للفتاة: إن أمك تريد
أن تتخلص منك، وتبعثك لعندي حتى آكلك، وإذا لم أفعل ستبقى وراءك حتى تجد لك
صرفة، ما رأيك أن تبقي عندي مثل ابنتي ؟ وتعتقد أمك أنني أكلتك وارتاحت منك.
وافقت فرط
الرمان وبقيت عند الغولة أم شعلان، وصارت تغسل وتطبخ وتنظف البيت، وتعتني
بالعجوز حتى زاد حبها وتعلّقت بها الغولة أكثر، وصارت تدلّلها، وتقدّم لها كل
ما تطلب وتتمنى .
بعد سنوات دخلت
الملكة إلى القصر وسألته: هل يوجد أحلى مني في كل البلاد ؟. رد عليها: ما في
أحلى منك بين النسوان إلاّ فرط الرمان. فعرفت أن فرط الرمان ما زالت حية في بيت
الغولة، فأخذت خاتماً مسحوراً من الألماس، ورمته في بيت أم شعلان، فوجدته
الفتاة وفرحت به وقالت: هذا الخاتم جميل، ووضعته في إصبعها فماتت لوقتها.
عادت الغولة
فوجدت البنت ميتة، حزنت عليها كثيرأ وغسلتها بالورد والصابون، وألبستها ثياب من
الحرير وأحضرت ثلاثة جمال سألت الأول: كم تحمل على ظهرك فرط الرمان ؟. فقال:
أحملها شهراً، فأكلته. وسألت الثاني: كم تحمل على ظهرك فرط الرمان ؟ فقال:
أحملها سنة، فأكلته. وسألت الثالث: كم تحمل على ظهرك فرط الرمان ؟. قال: العمر
والدهر. ففرحت بهذا الكلام وشكرته، وأعطته ما يريد ثم وضعت الصبية في صندوق من
العاج مع كثير من الذهب والجواهر، وحملته على ظهر الجمل وأوصته أن يمشي بها،
وأن لا يتوقف لأحد إلاّ إذا قال له أحد: ( شو ما كان حملك الله لا يؤبك )، ومضى
الجمل في حال سبيله.
كان ابن الملك
يصيد مع جماعته فرأى الجمل، فقال لجماعته: كل الصيد لكم إلا هذا فهو لي. ولحق
بالجمل وحاول إيقافه فلم يتوقف، وبقي يلحق به من مكان إلى مكان حتى تعب منه،
فألهمه الله أن يقول له: ( شو ما كان حملك الله لا يؤبك ). فتوقف الجمل حالاً
فأمسك به، وأخذه إلى القصر وأنزل الصندوق وأدخله إلى غرفته، وعندما فتحه رأى
فيه صبية مثل البدر التمام في الحسن والكمال، تبدو كالمستغرقة في النوم ولكنها
ميتة لا تتحرك، فحزن وأخذ يبكي عليها ليل نهار، حتى ضعف جسمه وصار وجهه أصفر
مثل الليمون. لاحظت أمه تغيره فسألته عن السبب، فلم يقل لها شيئا، فتركته عندما
خرج من القصر دخلت إلى غرفته، وفتشت فيها فوجدت الصندوق وعرفت السر، فأمرت
الخدم أن يغسلوها ويكفنوها ليدفنوها، وبينما هم يغسلونها، شاهد أحد الأطفال
خاتماً في يد الصبية، فقال لأمه: انظري ( الدح ). فقالت له: يا ابني كلها ( دح
). ونظرت إلى المكان الذي يشير إليه، فرأت الخاتم سحبته من إصبعها، فقامت
الصبية من وقتها وهي تقول: أشهد ألا إله إلا الله، فصاحوا على الملكة، فلما رأت
ذلك قالت: سبحان الله يحيي العظام وهي رميم، ثم أخذتها إلى الحمام وألبستها
أحلى الثياب وأجلستها في غرفتها لترتاح
.
جاء
ابن الملك فوجد الصندوق فارغا، فطار عقله وسأل أمه عنها ؟. فقالت له: دفناها
فحزن وغضب، وصاح بأمه أن تدلّه على قبرها حتى يخرجها منه، وإلاّ فإنه سيدفن
نفسه معها، عندها أخذته أمه إلى الفتاة، فلما شاهدها أغمي عليه من الفرحة، ثم
أقاموا الأفراح والأعراس وتزوجها وحملت منه وأنجبت له ولداً سمته محمد ابن
السلطان أجمل من القمر بدر التمام.
أما
أم فرط الرمان بعد فترة من الزمان دخلت القصر، وسألته: (مين أجمل مني بين
النساء ؟ فأجابها: لا يوجد أحلى منك بين النساء إلا فرط الرمان زوجة سلطان هذا
الزمان )، فعرفت أنها على قيد الحياة، ولم تمت. فقالت: هذه المرة يجب أن أتخلص
منها مهما كلفني الأمر، وذهبت تبحث عنها حتى وجدتها في قصر السلطان، وقد ذهب
الملك في رحلة صيد، فدخلت إليها وسلمت عليها، واعتذرت منها وقالت لها: نحن أهل
وإذا الدهر فرق بيننا، يجب أن نعود كما كنا، فنحن لا نستغني عن بعضنا، والدم ما
بيصير مي، وبقيت تتودّد إليها حتى رضيت، ونامت الفتاة بحضنها ووضعت رأسها على
فخذها. فصارت تفلّي شعرها ثم شكّتها بدبوس مسحور، فصاحت ابنتها: آخ أوجعتني يا
أمي. فقالت لها: لا تخافي يابنتي فعست لك قملة، ثم شكّتها بالثاني، ثم الثالث،
فتحولت إلى حمامة بيضاء في الحال، وجلست مكانها في القصر وحملت الطفل، لكنه
كان يبكي على أمه ولا يسكت، وكانت الأم ما تزال تظهر صبية مثل ابنتها.
عاد الملك فوجد
زوجته كأنها كبرت قليلا وتصرفاتها غريبة، فسألها عن ذلك؟ فقالت له: من طول
غيبتك عني، ومن كتر ما فكرت فيك أثناء غيابك عني. وكان الولد يبكي ولا يسكت
معها، فشكّ الملك في أمرها وأخذ يراقبها. أما الحمامة فجاءت ووقفت على شباك
المطبخ وقالت: عشّي يا عشّي.؟ فأجابها يا عين العشّي. فقالت: "مين عم يرضع محمد
ابن السلطان ؟ هرّي يا عيوني لولو ومرجان على محمد ابن السطان". فنزل من عيونها
دمع غزير ولولو ومرجان، وبكي معها الطباخ، ثم طارت. فعاد العشّي إلى ( طنجرة )
الطبخ، فوجد الطعام ( شايط ) محروقاً. ولما عاد ابن الملك وجد الطعام محروقا،
وتكرّر هذا الأمر ثلاثة أيام. فغضب ابن الملك وأحضر الطباخ، وسأله أن يخبره عن
حقيقة ما يجري، وإلا سيقطع رأسه، فحكى له قصة الحمامة، وما تقول له كل يوم ؟.
فقال: إن لم يكن كلامك صحيحاً سأقطع رأسك، أريدك أن تضع قليلاً من الصمغ في
المكان الذي تقف فيه الحمامة حتى تلصق به، ثم اختبأ الملك في مكان قريب، فجاءت
الحمامة وقالت مثلما قالت في المرات السابقة، وبكت كثيراً وبكى معها العشّي
وابن الملك أيضاً، وعندما أرادت أن تطير لصقت أرجلها بالصمغ ولم تستطع الطيران،
فأمسك بها الملك وأخذها بحضنه، ودخل بها إلى غرفته، فرأتها الأم وعرفتها، فقالت
له: أنا عما أتوحّم على الحمام، فاذبحها لي حتى آكلها. فقال لها: حرام نذبح هذه
الحمامة الجميلة سأطلب لك غيرها فأصرّت عليها، فشكّ في أمرها، وبينما هو يمسح
ريشها وجد دبوسا في رأسها، فسحبه ثم سحب الثاني والثالث، فتحولت الحمامة إلى
فرط الرمان، وحكت للملك ما فعلت بها أمها من البداية إلى النهاية، فحبسها الملك
وعذبها وجوع كلابه ثلاثة أيام، ثم ربطها بذيول الخيل وأفلت الكلاب عليها، فكانت
الخيول تركض والكلاب تنهش، حتى لم يبق منها شيئاً، وصنع من عظامها قبقاباً،
تلبسه فرط الرمان. عندما كانت تسير به يصدر صوتاً على شكل ( زيق). فتقول له:
زيق يزقك، عزا يدقك إنت متّي وأنا استوفيت. وعاشوا باللذة والنعيم وطيب الله
عيش السامعين.
الأمـيرة
المسـحورة
الراوية: كرجية
رسلان
كان يا ما كان
في قديم الزمان، ملك عنده شاب جميل مثل القمر، وكان ابن الملك هذا يقضي معظم
وقته بالصيد والقنص والسهرات والحفلات.
في أحد الأيام
خرج الشاب إلى الصيد مع بعض حاشيته وأصحابه في الغابة، فساروا مسافة طويلة حتى
وصلوا إلى بحيرة وسط الغابة، فرأى سرباً من الإوز يطير فوق البحيرة، وفي مقدمته
إوزّة جميلة ساحرة ذات عيون واسعة وكحيلة، على رأسها تاج صغير يبرق تحت الشمس،
فخفق قلبه لرؤيتها وتعلّق نظره بها حتى غابت عن الأنظار، فعاد الشاب إلى قصره
وعقله مشغول بالإوزة الجميلة الهيئة والعينين الساحرتين.
في اليوم التالي
عاد في الموعد ذاته إلى البحيرة فرأى الإوزات تسبح، وفي وسطهم الإوزة ذات
التاج، فجلس يراقبهم ويتمتع برؤيتهم حتى حلّ المساء، فاجتمعت الإوزات وطارت في
السماء، وفي مقدمتهم الإوزة الأميرة، وقبل أن تبتعد لمحت الأمير بين الأشجار
ينظر إليهم بشوق وهيام، فدارت حوله وصفّقت له بجناحيها، ثم تابعت طريقها مع
رفيقاتها، فأطارت عقل الأمير وانخلع قلبه وزاد تعلقه بها.
في اليوم الثالث
عاد الأمير إلى البحيرة، وحدث معه مثل ما حدث بالأمس، ولكنه شعر أن الإوزة
تدعوه إليها، فركب حصانه ولحق بالسرب الذي غاب وراء الجبل، فقطع الجبل بعد جهد
وتعب كبير، فظهر أمامه قصر ضخم عالي الأسوار، كأنه قلعة وسط الغابة، وهناك رأى
سرب الإوزات ينزل أمام باب القصر، وبدأت الإوزات بالدخول إلى القصر، فأسرع
الأمير وأمسك بالإوزة، فتحولت بين يديه إلى صبية رائعة الحسن والجمال، جسدها
كعود الخيزران، وشعرها أشقر طويل كالحرير تلبس ثوباً من الكتان الأبيض زادها
فتنة وجمالاً، فتعجّب الأمير من حالها وسألها عن قصتها، فقالت له: إن قصّتها
طويلة لا تستطيع أن ترويها له الآن، حتى لا يراهما العفريت الساحر فيقتلهما
معاً، فأدخلته إلى القصر وألبسته ثياب وصيفاتها واختبأ معهم.
بعد قليل أرعدت
الدنيا ونزل العفريت في القصر فقال لها: أشم رائحة أنس، من الغريب في القصر ؟
فأجابته: من أين لنا بالأنس في هذه البلاد البعيدة التي لا يصل إليها أحد. لم
يصدق العرفيت وفتش غرف القصر واحدة واحدة حتى اطمأن أنه لا يوجد غريب بينهم
...
بقي العفريت
يسهر مع الأميرة إلى بعد منتصف الليل، وهو يحاول أن يسترضيها لتقبل أن تتزوج به
وهي ترفض، وبعد أن يئس من موافقتها أمسك بالكرباج، وأخذ يجلدها حتى أغمي عليها
ثم تركها، وقام إلى غرفته واستغرق في النوم وأخذ شخيره يسمعه كل من في القصر.
بعد أن صحيت
الأميرة جاءت إلي ابن الملك، وجلست معه في غرفتها، وأخذت تقص عليه حكايتها،
وكيف أن أباها ملك المدينة وكانت تعيش بسلام وترفض كل من يتقدّم لخطبتها، وأن
أباها يحبها كثيراً ولا يرفض لها طلباً إلى يوم حضر هذا العفريت إلى المدينة من
الجبل المجاور لنا، بعد أن سمع بها وبجمالها ودخل إلى والدها، وطلبها منه وأنه
يريد أن يخطبها، فرفض الملك وطرده من القصر. غضب العفريت الساحر وخرج من
المدينة، وقرّر أن ينتقم من أهلها وذهب إلى النهر الذي يمرّ من المدينة، وهو
يحمل قربة من الماء وعزم عليه ورشّ النهر بالماء المسحور، فشرب منه أهل المدينة
فتحول الجميع إلى تماثيل من الحجارة، وحوّلني أنا ووصيفاتي إلى إوزّات وحبسنا
في هذا الحصن، ونحن كل يوم في الصباح نذهب إلى البحيرة التي رأيتنا فيها نلهو
ونسبح، ونعود في المساء إلى القصر، فنتحول إلى طبيعتنا البشرية في الليل ونبقى
حتى الصباح فنعود أوزّات، وفي كل يوم يعود العفريت في المساء، فيطلب مني أن
أوافق على الزواج منه، فأرفض فيعذبني ويضربني بالكرباج حتى يغمى علي ويتركني
ويذهب إلى غرفته وينام، ونحن هكذا منذ سنوات ننتظر الفرج من الله تعالى.
اندهش الأمير من
هذه القصة العجيبة، وحزن على حالة الأميرة وصمّم أن يساعدها، ويقضي على العفريت
ويريحها منه، فقد أحبها ولن يستغني عنها مهما كلفه الثمن. فقالت له الأميرة:
لقد أحببتك أنا أيضاً، ولكني خائفة عليك من العفريت أن يراك فيقتلك أو يحولك
إلى تمثال، فأموت حسرة عليك.
فكّر الأمير
قليلاً ثم قال لها: اطمئني لابد أن أواجه هذا العفريت، وأخلّصك منه وأريح الناس
من شرّه وسيعينني الله عليه، والآن دليني أين أجده وأعلميني بأحواله ؟.
عندما رأته
الأميرة مصمماً على عزمه قالت له: إن العفريت نائم الآن في غرفته في آخر الممر،
فإذا فتحت الباب سيصدر صوتاً قوياً وسيتحرك العفريت، فلا تخشى شيئاً فهو لن
يسمع الصوت ثم اقترب منه، فإن رأيت عيناه مفتوحتين، فهذا يعني أنه مستغرق في
النوم، فاضربه بسيفك مرة ولا تثنّيها فيموت في الحال، وإن كانت عيناه مغمضتين
فهذا يعني أنه منتبه، فخذ حذرك واتركه إلى مرة قادمة.
أخذ الأمير سيفه
وفتح باب غرفته، فأصدر صوتاً عالياً فتقلّب العفريت على جنبه الآخر، لكن الأمير
تشجع واقترب منه، فوجد عينيه مفتوحتين، فضربه وقطع رأسه وتدحرج على الأرض. فقال
العفريت: تنّي يا أمير، فأجابه: أمي لم تعلمني ( التني ) وتركه يتخبّط بدمائه.
خرج الأمير وعاد
إلى الأميرة فأخبرها بما جري، ففرحت وزغردت الوصيفات، وخرجوا جميعاً من الحصن،
ودخلوا إلى المدينة، فوجدوا الناس قد عادوا بشراً ودبّت الحياة فيهم من جديد،
ودخلت الأميرة على والدها فاستقبلهم الملك وضمّ ابنته، وبكوا جميعاً من فرحتهم
بالسلامة وانتهاء المصيبة، وعرّفت الأميرة والدها على الأمير وقصّت عليه
حكايتها المريرة مع العفريت، وكيف جاء الأمير فقتل العفريت، وأنقذهم من هذا
البلاء.
شكر الملك
الأمير على شجاعته وفضله، وعقد له على الأميرة وزوجه إياها، وأقاموا الأفراح
والليالي الملاح في المدينة مدّة سبعة أيام، لا أحد يأكل أو يشرب إلاّ من مائدة
السلطان، ودخل الأمير على عروسه، فوجدها درّة مكنونة وجوهرة مصونة، وعاشوا
مسرورين وبثبات ونبات وخلّفوا الصبيان والبنات.
التفاحـات
الـثلاث
الراوية : نزهة
الصوفي
كان يا ما كان
في قديم الزمان كان هناك ملك وله ثلاثة أولاد، وكان في قصره حديقة، وفيها شجرة
تفاح كبيرة تحمل في كل عام أربع تفاحات كبيرة وجميلة ونادرة، وكانت هذه
التفاحات غالية على الملك يرعاها ويحرسها ويعتني بها كثيراً طوال العام.
في أحد الأيام
فقد إحدى التفاحات الثلاث فحزن عليها، ولم يعرف من الذي قطفها، فطلب من أولاده
أن يعرفوا من الذي سرق التفاحة وإلا سيقطع رأسهم، فجلس الولد الكبير للحراسة
لكنه بعد منتصف الليل نام، فجاء اللص وسرق تفاحة، وفي الليلة الثانية جلس
الثاني للحراسة، ولكنه نام أيضاً بعد منتصف الليل وسرقت التفاحة الثالثة، فغضب
الملك كثيراً وأمر ابنه الصغير علاء الدين أن يكتشف الحرامي، وإلا سيقطع رؤوسهم
جميعاً.
تلك الليلة جلس
علاء الدين للحراسة منتبهاً ومفتح العينين، وعند منتصف الليل وجد نفسه أنه
سينام، فجاء بكيس من الجلد وملأه بالماء، وعلّقه على الشجرة فوق وجهه، وصار
ينقط عليه كل دقيقة نقطة ماء، فبقي مستيقظاً وسيفه في حضنه، وبعد ساعة من الزمن
رأى يداً تمتد نحو التفاحة، فهبّ مسرعاً وضربها بالسيف فقطع اليد، وهرب الحرامي
فلحق آثار الدماء حتى وجدها تنتهي عند البئر، فجلس على فتحة البئر ينتظر حتى
الصباح .
جاء الملك
وأولاده في الصباح لتفقد التفاحة وعلاء الدين، فشاهدوا آثار الدماء فعرفوا أن
علاء وجد الحرامي ولحق به، فطلب الملك من أولاده أن يتبعوا آثار الدماء، ففعلوا
حتى وصلوا البئر، فشاهدوا علاء الدين جالساً هناك، فقص عليهم ما حدث معه فأتوا
بحبل، وأدلوا الأخ الأكبر في البئر لكنه بدأ بالصراخ فسحبوه، فنزل الأوسط
وأيضاً صرخ عليهم فسحبوه، فقال علاء: أنزلوني وإن سمعتم صراخي لا ترفعوني،
فأنزلوه حتى وصل إلى قاع البئر، وكان الجو معتماً لا يرى فيه بصيص نور فخاف في
البداية لكنه تشجع، وسار قليلاً يفتش في القاع فوجد طاقة يدخل منها الهواء
البارد، فدخل فيها فوجد نفسه في برية واسعة، ورأى آثار الدماء فتتبعها فصادف في
طريقه عنزتين تقتتلان، ففضّ بينهما وصالحهما، فشكرتاه وأعطيتاه قطعة من وبرهما،
وقالتا له: إذا احتجت لأمر ما أحرقهما فنحضر إليك حالاً
.
وسار في طريقه
فصادف شجرة كبيرة، وعليها أفعى تسطو على عش صقر وتريد التهام فراخه، فضربها
بالسيف فقطع رأسها فشكره الصقر، وأعطاه إحدى ريشه وطلب منه أن يحرقها إذا احتاج
إليه. وتابع طريقه فأوصلته الدماء إلى قصر كبير فدخله، فوجد فيه ثلاث فتيات
جميلات مثل الأقمار، فسلّم عليهن وسألهن عن حالهن. فقالوا له: إن العفريت خطفهم
وسجنهم في القصر، وهو الذي سرق التفاحات، وقد جاء اليوم ويده مقطوعة والدماء
تنزف منه، وهو نائم الآن وما عليك سوى أن تدخل وتضربه، وتقطع رأسه بضربة واحدة
فقط فيموت في الحال.
دخل علاء الدين
وقطع رأسه وأراح الناس من شره، وأحرق قطعة الوبر فحضرت العنزات في الحال، فركب
عليهما مع الفتيات وحمل من القصر ما غلا ثمنه وخفّ حمله، وأوصلتاه إلى قاع
البئر وتركتاه، فحرق الريشة فحضر الصقر وتعلّق به الواحد تلو الآخر، حتى
أخرجهما ووضعهما عند فتحة البئر. فرح أخوته بعودته بالسلامة وعادوا جميعاً إلى
القصر غانمين، ففرح الملك واحتفل بعودتهم سالمين غانمين، وزوج أولاده من
الفتيات وعاشوا باللذة والنعيم وطيب الله عيش السامعين.
فـريط الرمـان
الراوية : كرجية
رسلان
كان في قديم
الزمان امرأة مشهورة بجمالها وحسنها ومغرورة بنفسها ومتكبرة على النساء، تعتني
بنفسها فتتعطّر وتتزيّن، وتلبيس أغلى الثياب ثم تجلس أمام مرآتها السحرية كل
يوم، وتنظر فيها وتسألها: مين أجمل النساء في البلد ؟ فتردّ عليها المرآة: ليس
هناك أجمل منك بين النساء.
كانت المرأة لا
تنجب أولاداً وهذا الأمر ينغّص عليها حياتها، إلى أن سمعت في أحد الأيام بائعاً
متجولاً ينادي: رمّان الجبل للحبل ... رمان الجبل للحبل. فأطلّت عليه من
الشبّاك، فرأت مع البائع عربة مليئة بالرمّان الجميل مما تشتهيه النفس ويسرّ
العين، فطلبت من زوجها أن يشتري لها رمانة واحدة، فجلب لها رمّانة كبيرة رائعة
المنظر ساحرة الألوان، فشقّها نصفين وظهرت حباتها الحمراء مثل اللؤلؤة، فأكل
كلّ منهما نصف الرمانة، وحمدا رب العالمين وتوكلا على الله وناما معاً تلك
الليلة، فإذا بها حامل بإذن الله.
بعد أيام صارت
تعاني من الوحام، وزوجها يكاد يطير عقله من الفرح، ويلبّي لها جميع رغباتها حتى
مضت أشهر الحمل، فوضعت بنتاً جميلة، تشعّ حسناً وبهاءً شعرها كالحرير لونه كلون
الذهب وعيناها زرقاوتان أسمتها فريط الرمان.
فرح الوالدان
بالبنت كثيراً واعتنوا بها أحسن عناية وألبسوها أجمل الملابس، فشبّت بسرعة
وكبرت وهي على هذا الدلال، لكن الأم بدأت تنظر إلى ابنتها نظرة حسد لما رأت
حسنها وجمالها، وخافت أن تصبح ابنتها أحلى منها.
في إحدى الليالي
تزينت المرأة وتجمّلت ونظرت في المرآة، وسألتها عن أجمل النساء ؟ فردّت عليها:
لا يوجد أجمل منك في هذا الزمان غير فريط الرمان. فانزعجت وطار عقلها، وصبرت
حتى الأسبوع الثاني، وقفت أمام المرآة وسألتها مرة ثانية ؟ فأجابتها أيضاً:
فريط الرمان. وسألتها مرة ثالثة فكررت الجواب، فزاد انزعاجها وقهرها، ولم تعد
تتحمل هذا الحال وكسرت المرآة، من حقدها وغيرتها، ثم قالت لزوجها: إما أنا وإما
ابنتك في هذا البيت، وأمرته أن يأخذ البنت إلى الغابة، ويذبحها ويأتيها بكأس من
دمها.
لم يستطع الرجل
أن يثنيها عن عزمها ورجاها كثيراً دون فائدة، فنفذ أمرها وحمل ابنته على
الحصان، وقلبه يتقطّع عليها، ومضى بحجّة أنه سيأخذها إلى الصيد، وسارا على
الحصان مدة النهار، وفي المساء جلسا تحت شجرة ليستريحا ويتناولا الطعام، ثم صار
يفكر بما سيفعله، ولما حلّ الظلام قرر أن ينام وابنته في ذلك المكان، ثم يتركها
نائمة ويعود إلى البيت.
شكّت البنت بأمر
والدها وأنه يفكر بشيء ما فخافت، وربطت خصلة شعرها بيده ونامت، بعد منتصف الليل
فكّ خصلة الشعر وربطها في غصن بجانبه، وتركها وعاد إلى البيت، وفي الطريق اصطاد
بعض العصافير، وملأ من دمها كأساً وأعطاه لزوجته التي فرحت بالأمر، ونامت
مطمئنة ومبسوطة لأنها قد تخلصت من منافستها بالحسن والجمال، وبقيت وحدها أجمل
النساء.
أما فريط الرمان
فإنها استيقظت في الصباح فلم تجد أباها، فحزنت كثيراً وبكت على حالها، وأخذت
تفتش عنه في الغابة، فلم تجده ولكنها وجدت مغارة دخلتها، فرأتها مسكونة وأهلها
غير موجودين، فرتّبت أغراضها وكنّستها ونظّفتها، ووجدت فيها لحماً فطبخته،
وأكلت منه حتى شبعت، ثم رأت ( قفورة ) كبيرة، فدخلت تحتها ونامت.
كان سكّان
المغارة سبعة أقزام يذهبون كل يوم إلى الصيد ويعودون في المساء، عندما رجعوا
ذلك اليوم وجدوا المغارة مرتّبة ونظيفة، والأكل جاهز فاستغربوا وتعجبوا من هذا
الأمر، وبحثوا في أنحاء المغارة فلم يجدوا أحداً، فصرخوا جميعاً وبصوت واحد:
اظهر وبان وعليك الأمان، إن كنت ولداً فأنت أخونا، وإن كنت بنتاً فأختنا في عهد
الله. لما سمعتهم فريط الرمان اطمأنّت لهم، وخرجت من تحت القفورة ففرحوا بها
ورحبوا بمجيئها إليهم، وجلسوا يأكلون ويتسامرون مبسوطين ويستمعون لحكايتها حتى
وصولها إليهم، وأصبحوا كل يوم يذهبون إلى الصيد، وتبقى البنت تنظّف المغارة
وتغسل لهم وتطبخ، ويعيشون بسرور وهناء وراحة بال.
أما أمها فقد
تزينت في ليلة الجمعة وتعطرت، ولبست أحسن الثياب وصعدت إلى "العليّة" وأمسكت
المرآة، وهي تكاد تطير من الزهو والخيلاء بحسنها وجمالها، وسألتها عن أجمل
النساء فردت عليها: ليس أجمل منك أحد في هذا الزمان سوى فريط الرمان. فغضبت
وعرفت أنها لا تزال على قيد الحياة فنزلت مسرعة إلى زوجها، وسألته وألحّت عليه
أن يحكي لها الحقيقة وماذا فعل بالفتاة ؟ فحكى لها القصة فجلسا في ندم على ما
فعلاه بابنتهما، وصمّما أن يبحثا عنها وإعادتها إلى البيت.
أما فريط الرمان
فقد فقدت الكبريت لتشعل به النار، فأخذت تبحث عن نار لتشعل به الموقد لكي تطهوا
الطعام، فذهبت إلى أعلى المغارة فرأت دخاناً وراء التلة، فنزلت مسرعة وذهبت إلى
المكان، فوجدت غولاً متربعاًً أمام الموقدة، وقد وضع قدراً من الماء على النار
وهو يغلي ليطبخ الطعام، وقد طال شعره وأظافره حتى وصل الأرض فنزلت إليه، وقصّت
شعره وأظافره وسلمت عليه فقال لها: لولا سلامك لم يسبق كلامك لأكلتك وفصصت
عظامك. فطلبت منه شعلة من النار فاشترط عليها أن يمصّ منها نصف كيلو دم كل
أسبوع، فوافقت فمصّ منها الدم وأعطاها الشعلة، وملأ لها كيساً من القمح وخرقه
من الأسفل، فحملته فتساقط الحب طول الطريق، فتبعه الغول حتى عرف مكان المغارة،
فأخذ يتردد إليها كل أسبوع ويمصّ منها الدم، ويعطيها شعلة النار ويعود إلى
مغارته، وبعد عدة أسابيع بدأت الفتاة تتغيّر وينحل جسمها، ويصبح لونها أصفر
كأنها مريضة، فسألها إخوتها عن السبب فتحججت بالتعب والعمل طوال النهار، فلم
يقتنع الأقزام بهذا الجواب واجتمعوا، وقرّروا أن يبقى كل يوم واحد منهم يراقب
الفتاة، ليكشف السر حتى شاهدوا الغول يحضر في إحدى الليالي، ويعطيها الشعلة
ويمص منها الدم ويعود، فكمنوا له في الليلة الموعودة ومعهم سيوفهم ورماحهم،
ولما حضر هجموا عليه فقطعوه، وعبؤوه بالكيس ودفنوه في الأرض وتخلصوا من شره،
وفرحت الفتاة وشكرتهم على معروفهم وحضر والداها إلى المغارة، بعد أن بحثوا عنها
كثيراً حتى وجدوها على قيد الحياة، فسلموا عليها واعتذروا منها، وعادت معهم إلى
البيت بعد أن ودّعت الأقزام، وتقدم لخطبتها ابن السلطان فتزوجت وعاشت في سرور
وهناء.
الليمـونة
العروسـة
الراوية: أم
مريم
كان يا مكان في
سالف العصر والأوان كان هناك ملك عظيم الشان، عنده ولد شاب وحيد وسيم الوجه
مليح الأوصاف، وكانت الأم تدلل الشاب كثيراً، وعندما كبر طلبت أن تزوجه، فعرضت
عليه بنات الملوك والأمراء فلم تعجبه واحدة منهن، وقال لها: لا أتزوج إلا أجمل
بنات هذا الزمان، وسأجدها بنفسي إن شاء الله. بعد أيام طلب الأمير من أمه أن
تجهّز له الحصان والزوّادة وخرجاً من المال، ليسافر ويبحث عن عروسته في البلاد.
فجهّزت له أمه كل ما طلب، وركب فرسه وسار أياماً وليالي كثيرة لا يعرف إلى أين
ينتهي، وكان يأكل وينام ويرتاح في الطريق ويسأل الناس عن أحلى البنات، فيدلون
على صبيايا جميلات فيراهم ولا تعجبه واحدة منهم.
في أحد الأيام
صادف كوخا يعيش فيه عجوز، فسلّم عليه ونزل عنده وأخرج الطعام، وأكل هو والعجوز
وبعد أن ارتاح سأله العجوز: عن أخباره ومن أين ؟ وماذا يريد ؟. فأخبره بقصته.
فقال له العجوز: أنا أدلّك على المكان الذي تجد فيه مطلبك، تسير على هذه الطريق
ثلاثة أيام، فتجد أمامك مغارة في سفح الجبل، فيها غولة عظيمة الخلقة كبيرة
الهيئة، فتسلّم عليها وتعتني بها، وتسألها بعد ذلك عن حاجتك فتدلك عليها،
فأعطاه الشاب بعض المال وشكره، وتابع طريقه إلى أن وصل المغارة، ورأى الغولة
المخيفة وشعرها طويل متدلي إلى الأرض، وأظافرها عدة أشبار، فسلّم عليها وقصّ
شعرها وأظافرها. فقالت له: لولا سلامك ما سبق كلامك لأكلتك وفصفصت عظامك، أطلب
الآن ما تريد؟. فقال لها: إنه يبحث عن أجمل فتاة في هذا الزمان. فأجابته: في
الطرف الثاني من هذا الجبل يوجد قلعة حصينة ولها سور عظيم، اصعد فوق السور تجد
حديقة كبيرة فيها من جميع الأشجار والثمار، تفتّش بين الأشجار عن شجرة ليمون
كبيرة، تجد في أعلاها ثلاث ليمونات، فتقطف واحدة وتقطعها نصفين، فتخرج لك صبية
أجمل من البدر، فتطلب منك الصبية طلباً يجب أن تلبّيه لها في الحال، وإلاّ
ستختفي وتضيع منك.
شكر الشاب
الغولة وركب فرسه وسار، حتى وصل إلى الحصن، فتسلّقه بواسطة الحبل ونزل في
الحديقة، وبحث فيها حتى وجد شجرة الليمون، صعد إلى أعلى الشجرة وقطف ليمونة
ونزل، فقسمها إلى قطعتين فخرجت منها صبية لا مثيل لها في البلاد، فطار عقله
وتاه لبّه فطلبت منه الصبية وردة بيضاء، فكان شارداً ولم ينتبه إلى طلبها،
فاختفت في الحال. حزن على فقدها وصعد إلى الشجرة ثانية وقطف الليمونة الثانية،
وفعل مثل الأولى فخرجت صبية أجمل من الأولى، وطلبت منه وردة صفراء، أيضا لم
ينتبه إلى طلبها، فاختفت من بين يديه، فحزن أكثر من الأول، وعاد إلى الشجرة
وقطف الليمونة الثالثة وصمّم أن ينتبه إلى نفسه ويحافظ عليها لأنها آخر ليمونة
في الشجرة، وجلس قرب حوض الأزهار وقسم الليمونة إلى نصفين، فخرجت صبية أجمل من
سابقتيها أضاءت الحديقة بأنوارها، فطلبت منه وردة حمراء، فمد يده إلى الحوض
وقطف لها وردة وقدمها لها في الحال، فأخذتها مسرورة وشمّتها ووضعتها على رأسها،
وقالت له: أصبحت زوجتك منذ الآن، ففرح بها وأنزلها من القلعة وأركبها وراءه على
الحصان، وسار عائداً إلى دياره.
في طريقه مرّ
على الغولة الكبيرة فرحبت به وبعروسه، وأعطته زجاجة فيها ماء مسحور وقالت له:
احتفظ به ولا تستخدمه إلا عند الضرورة، فشكرها وتابع طريقه حتى وصل إلى العجوز
صاحب الكوخ، فنزل عنده وارتاح مع عروسه وشكره على معروفه، وأراد أن يتابع سفره
فقال له العجوز: احذر يا بني عند تغيّر الأحوال وقتها ستحتاج إلى الماء المسحور
وليرعك الله.
تابع طريقه
عائداً إلى بلده حتى وصل إلى قرب النهر، فنزل وطلب من عروسه أن تصعد إلى الشجرة
وتنتظره حتى يعود مع أهله، لتدخل البلد في موكب عظيم يليق بها، وتابع طريقه
بينما صعدت العروس إلى الشجرة وجلست عليها، فجاءت عبدة سوداء قبيحة المنظر إلى
النهر لتملأ جرّتها، فرأت وجه العروس في الماء فظنّته صورة وجهها، فقالت
لنفسها: أمي تعيرني بأنني قبيحة سوداء، وأنا ذات حسن وجمال. فسمعتها العروس
وضحكت ضحكة قوية فسمعتها العبدة، ونظرت إليها فرأت صبية أجمل من البدر، حسدتها
وحقدت عليها وأمرتها بأن تنزل فرفضت, فأخذت تهز الشجرة حتى سقطت العروس على
الأرض، فنزعت عنها ثيابها ولبستها وتزينت بزينتها ثم قرأت عليها، ورشتها بماء
مسحور فتحوّلت العروس إلى حمامة بيضاء، ثم صعدت العبدة إلى الشجرة وجلست مكانها
وغطت وجهها بنقاب.
عاد الأمير في
موكب عظيم، وأنزل عروسه عن الشجرة وأركبها في هودج كبير من الديباج، ولكنه تعجب
لأنها تغطّي وجهها، فظنّها مستحية من الناس، وفي المدينة أقام الأفراح والزينة
والأعراس ثم دخل على عروسه، ورفع عن وجهها النقاب فوجدها سوداء قبيحة، فتعجب من
حالها، وحزن كثيراً وتذكر كلام العجوز عن تغيير الأحوال، فشكّ في أمرها وأغلق
عليها الغرفة، وجلس في الحديقة وحده يفكر مهموماً من هذه القصة العجيبة.
بينما كان
الأمير جالساً حزيناً مهموماً وقفت بجانبه حمامة بيضاء، فسرّ الأمير من منظرها
ورقّ قلبه لها، وأخذ يمسح بيديه على ريشها وهي تتمسح به بحنان، ورأى في عينيها
دمعة حزينة، وكانت عيناها تشبهان عينا عروسه الليمونة، فقال في نفسه: والله إن
أمر هذه الحمامة عجيب.
شاهدت العبدة
السوداء الأمير من الشباك وبيده الحمامة فعرفتها، وطلبت منه أن يذبحها لتأكلها،
فإنها تتوق كثيراً إلى لحم الحمام. شكّ الأمير في الأمر وتذكّر زجاجة الماء
المسحور التي أعطتها له الغولة فقال للعبدة: أعطني السكين لأذبحها لك، فذهبت
إلى المطبخ لتحضر له السكين، عندها أخرج الزجاجة ورشّ الحمامة بالماء المسحور،
فتحولت فوراً إلى عروسه الليمونة، وقد أضاء القصر من حسنها وبهائها، ولما عادت
السوداء بالسكين شاهدت ما حصل، وعرفت أنه قد فضح أمرها وبانت مكيدتها، فضربت
نفسها بالسكين وماتت، فأمر الأمير أن يحملوها ويلقوها في البريّة لتكون طعاماً
للوحوش والطيور الجارحة، وأعاد من جديد الأفراح والليالي الملاح، وفرح أهله
كثيراً بعروسه الجميلة التي ليس مثلها في البلاد، وجاء الناس من كل الأنحاء
ليروا العروس ويتمتعوا بجمالها، ويهنئون الأمير ويحملون له أثمن الهدايا وأغلى
الأحمال، وعاشا معاً في هناء وسرور وقضيا حياتهما في فرح وحبور، وطيب الله عيش
الجمهور.
أبو فـريوة
وجـلد النمـلة
الراوي: أمين
صطوف
في يوم من
الأيام دخلت خادمة الملك إلى المطبخ فشاهدت فيه نملة، وحتى لا يراها أحد أمسكت
بها ووضعتها في ماعون الزيت لتموت، وغطته وتركتها. بعد عدّة أيام تذكّرت
الخادمة النملة، ففتحت غطاء الزيت، فوجدت النملة قد أصبحت كبيرة مثل الخروف،
وقد شربت الزيت كلّه، فصاحت على زوجة الملك لترى هذه العجيبة، فاندهشت الملكة
ونادت على الملك فحضر ورأى ما حدث، فأمر الحراس أن يمسكوا النملة ويذبحوها
ويسلخوا جلدها، ويعلّقوها على باب القصر وأن ينادوا بالناس من يعرف هذا الجلد
لأي حيوان يتزوج بنت الملك، ومن لا يعرف يحبسه الملك ويصادر أمواله.
وبقي الناس أيام
كثيرة يتقدمون طمعاً ببنت الملك، ويتحزرون عنها ويعدّون جميع أنواع الحيوانات
دون أن يصيبوا الحقيقة، فامتلأت السجون بالشباب وصادر الملك أموالاً طائلة،
وكانت بنت الملك تحب أحد الشباب، فبعثت له بورقة تعلمه فيها بحقيقة هذا الجلد،
وطلبت منه أن يحضر إلى القصر ويحزر الجلد ويتزوجها، وفي اليوم التالي جاء الشاب
إلى القصر وطلب أن يعرف الجلد، فحذّره الملك من العاقبة فأصرّ على طلبه، وأخذ
يدقّق في الجلد ويلمسه ويتفحّصه باهتمام، ثم قال للملك: إنه جلد نملة. فوافق
الملك على تزويجه ابنته.
كان الشاب اسمه
أبو فريوة وهو ساحر ومشعوذ، وكان عنده مجموعة من الكلاب فحولهم إلى حاشية وخدم
في القصر، وعندما عرف سرّ الجلد تزوج الأميرة وأخذها إلى قصره، فعاشت فيه
معزّزة مكرّمة وتحت تصرفها كل ما تريد وتطلب.
في أحد الأيام
قال لها: خذي هذه المفاتيح الستة للقصر افتحي خمسة أبواب، ولا تفتحي الباب
السادس تندمين وتركها وخرج. وقامت الفتاة بفتح الأبواب ووجدت فيها كل ما تشتهي
وتطلب نفسها، وبعد أن انتهت وشبعت من الفرجة، جلست تفكّر وتقول في نفسها: غريبة
أن يمنعني من فتح هذا الباب سأفتحه وأعرف ما به، ففتحته فرأت فيه نهراً من ماء
الذهب، فمدّت يدها فيه فتحولت إلى ذهب، فتعجّبت من الأمر وخرجت، وأغلقت الباب
وربطت يدها وعملت حالها مريضة.
عاد أبو فريوة
فسألها عن سبب مرضها وسوء حالها وهل تريد أن ترى أحداً من أهلها، فوافقته وطلبت
رؤية أهلها. خرج بعيداً وحول نفسه إلى أخيها وعاد فدخل عليها، لكنها لم تسر
لرؤيته ولم تقل له شيئاً فودعها وخرج، وبعد قليل عاد ثانية وحول نفسه إلى أمها
أيضاً لم تحدثها عن شيء. فخرج وتحول إلى أبيها وعاد فسلّم عليها فسرت برؤيته،
وروت له قصتها وأرته اصبعها وطلبت منه مساعدتها.
عرف أبو فريوة
أنها فتحت الغرفة السادسة، فصمّم على قتلها وحبسها في الحمّام. نظرت الفتاة من
نافذة الحمام، فرأت نهراً يجري من تحت القصر، ففتحت النافذة وألقت نفسها في
النهر فحملتها المياه إلى ديار أهلها.
أحد الرعيان
يرعى بجانب النهر فشاهد الفتاة تطفو على سطح الماء، فأنقذها وهي بين الحياة
والموت وحملها إلى القصر، أحضر والدها أمهر الأطباء الذي عالجها حتى شفيت،
فقصّت على أبيها حكايتها فغضب كثيراً وأرسل جنوده، فقبضوا على أبي فريوة
وحاشيته، وأحرقوهم في النار وخلّص العالم من شرّهم. وطلب الملك الراعي الذي
أنقذ ابنته وشكره على فعله، وألبسه أجمل اللباس وبنى له قصراً بجانب قصره وزوجه
ابنته، وعاشوا باللذة والنعيم وطيّب الله عيش السامعين
.
أبو فـريوة
وجـلد القمـلة
الراوية : نزهة
الصوفي
كان يا ما كان
في سالف العصر والأوان، كان في البلد تاجر كبير يبيع زيت الزيتون في دكانه. في
أحد الأيام قرصته قملة وهو يعمل فأوجعته، فغضب منها وأمسك بها ورماها في خابية
الزيت وغطاها وتركها، وفي المساء أغلق دكانه وعاد إلى البيت.
أما القملة فقد
أعجبها العيش في الخابية، وبقيت طول الليل تشرب من الزيت الأصلي وتكبر وتشرب
وتكبر، حتى أصبحت ضخمة قد الكبش ولها قرون، فانكسرت الخابية وخرجت منها، وأصبحت
تكسّر(خوابي) الزيت وتشرب منها، حتى نفد الزيت من الدكان.
في الصباح جاء
تاجر الزيت وفتح دكانه، فوجد القملة أصبحت بحجم العجل، وقد شربت الزيت كله من
الدكان، فجنّ جنونه وطار عقله، وأمسكها وذبحها وسلخها، ونشر جلدها على باب
الدكان، ونادى بين الناس من يعرف صاحب هذا الجلد يزوجه ابنته الصبية الجميلة،
ومن لا يعرف يدفع له ديناراً، فصار الناس يأتون إلى الدكان ويتفرجون على الجلد
ويتحزّرون عليه: فيقولون هذا جلد غزال وهذا جلد حمار وجلد حية وجلد تيس وجلد
كبش وجلد نمر وغيره ويعدون من الحيوانات المعروفة، حتى جمع أول يوم ألف دينار.
في اليوم الثاني
جمع أكثر من ألف دينار، ولم يعرف أحد ما نوع الجلد. في اليوم الثالث جمع أكثر،
لكن بعد الظهر جاءه رجل غريب الشكل والأطوار يلبس فروة من رأسه حتى قدميه، وقف
على باب الدكان فنظر في الجلد وقلّبه ولمسه، ثم قال له: هذا بسيط إنه جلد قملة
معلوفة على الزيت.
تعجب التاجر من
أمره وطار عقله، وأخذ الرجل معه إلى البيت وقال لابنته، هذا الرجل قد عرف حقيقة
الجلد وأصبح زوجك حسب الشرط والاتفاق, فجهّزي نفسك حتى تذهبي معه.
جهّزت الأم
ابنتها وأغراض العرس, وأقاموا حفلة بسيطة، ثم حمل أبو فريوة الأغراض، ومضى مع
زوجته وساروا في الطريق من بلد إلى بلد ليل نهار، يرتاح قليلاً للنوم والراحة
وتناول الطعام, حتى وصل إلى قصر فخم وضخم ليس مثله في البلاد، دخلا إلى القصر
وكان كبيراً كثير الغرف ناما فيه تلك الليلة من التعب، وفي الصباح تركها في
القصر نائمة ومضى في سبيله، بينما قامت الفتاة من النوم فكنّست القصر ونظفته
ورشته بالماء، وصنعت الطعام وجهزت المائدة، وجلست تنتظر حتى حضر أبو فريوة،
فأكل وفرح من شغلها واهتمامها
.
في الصباح خرج
وتركها أيضاً فقامت واشتغلت مثل البارحة، ولما حضر زوجها في المساء تعشّيا
وناما إلى الصباح، واستمر هذا طوال الشهر, فاطمأن أبو فريوة لزوجته ووثق بها
فسلمها مفاتيح القصر، وقال: افتحي كل الأبواب وخذي ما تريدين، وما تشتهي نفسك
إلاّ هذا الباب إيّاك أن تفتحيه. بعد ذهابه بدأت تفتح الأبواب، فرأت العجائب في
الغرف من الذهب والجواهر والفضة، وثياب الحرير وأقمشة منوعة، وطعام مما لذّ
وطاب, فلبست أحلى الثياب وتحلّت بالأساور والعطور، وأكلت وشربت كل ما تشتهي
وتريد، وبقيت طول الشهر حتى انتهت من الغرف.
في أحد الأيام
جلست تفكر في كل هذه الغرائب والعجائب، فتذكرت الباب الذي منعها من فتحه, فشغل
فكرها سبب منعها من فتحه، فلم تصبر وفتحت الباب وقلبها يرتجف من الخوف، فرأت
أمامها برية واسعة موحشة ليس فيها سوى الشوك، والأحجار وصفير الرياح وصوت أنين،
فشعرت بالخشعة والانقباض، وصارت في حزن وهم، وندمت على فتح الباب، ورأت البرية
كأنها مقبرة أموات قديمة، فيها قبور مهدومة ومنبوشة وأكفان مشقوقة، وحفر وعظام
أموات، ثم مرّت جماعة من الناس يحملون نعشاً عليه ميت، والناس شكلهم غريب
وثيابهم مهترئة، ووجوههم صفر من الخوف، وعلى وجوههم علامات الشحوب، وتمشي وراء
الجنازة عجوز على عكاز تقول بصوت حزين: الموت من الله والخوف من أبي فريوة. لم
تعد تتحمل وكاد أن يغمى عليها فهربت، وأغلقت الباب ونامت وهي مرعوبة ، وأصبحت
في اليوم التالي مريضة ووجها أصفر شاحب، ولم تعد تقدر على الحراك.
عاد أبو فريوة
من سفره فرآها على هذا الحال، تعجّب من أمرها وشك بها، وسألها عن سبب حالها،
فلم ترد عليه، فسألها إن كانت تريد أن ترى أحداً من أهلها، فأومأت له
برأسهابالموافقة.
خرج أبو فريوة
وبعد أن غير شكله، وصار يشبه أخاها، دخل عليها وسلّم وسألها عن حالها، فلم
تخبره شيئا، فودعها وخرج. ثم دخل أبو فريوة وسألها: إن رأت أخاها. فأجابت: نعم،
فسألها: إن كانت تريد أباها، فأومأت بالإيجاب، فخرج وبعد مدة دخل على هيئة
أبيها, فسلم عليها وسألها: عن حالها، فلم تقل له شيئا، فخرج وعاد وسألها: إن
كانت تريد أمها فوافقت، وخرج بعد مدة وعاد على شكل أمها، ففرحت بها، وسألتها عن
حالها وسبب مرضها، فتنهدت وبكت على صدرها، وحكت ما رأت في غرفة الأسرار، فهمهم
أبو فريوة مزمجراً، فقالت لها الفتاة: دخيلك يا أمي أخفتني. فردّت عليها: لا
تخافي يا بنتي معي مرض في الصدر أكملي كلامك. فتابعت حكايتها حتى وصلت إلى كلام
العجوز، الموت من الله والخوف من أبي فريوة، فعاد أبو فريوة إلى شكله الحقيقي،
وقال لها: كشفتك يا ملعونة لقد حذرتك أن لا تفتحي هذه الغرفة، وقد عشت معي أحسن
عيشة، والآن حفرتي قبرك بإيدك، جهزي نفسك حتى أجمع حطباً وأشويك علي النار
وأكلك وأخلص منك، ثم خرج وأغلق عليها الأبواب.
جلست الفتاة
تفكر بمصيبتها وكيف تهرب من القصر، ثم جمعت الشراشف وربطتها ببعضها كحبل طويل،
وتدلّت منه حتى وصلت إلى الأرض، ثم رفعت ثوبها عن سيقانها، وأخذت تسابق الريح
من حلاوة الروح، حتى قطعت مسافة كبيرة فتعبت، ووقعت مغمية على الأرض، فمرت
عليها قافلة من الجمال تحمل خيشاً من القطن, فحصوها ووجدوا فيها روح، فرشّوها
بالماء حتى أفاقت، وحكت لهم القصة واستجارت بهم ليحموها، ويخبئوها من أبو
فريوة، فوضعوها في خيشة القطن وحملوها على الجمل ومضوا في طريقهم.
جهز أبو فريوة
الحطب وعاد إلى القصر فاكتشف هروب الفتاة، فغضب كثيراً وحمل سيفه وطار كالريح
وراءها حتى لحق بالقافلة، فأوقفهم وسألهم عن الفتاة، فأنكروا أنهم رأوها, فأخذ
يفتّش خيش القطن واحدة واحدة، فيغرز فيها سيخاً من الحديد ويخرجه، حتى وصل إلى
خيشة البنت، فأدخل فيها السيخ فانغرز في فخذها، فتحملت الألم الشديد وأمسكت بعض
القطن، ومسحت الدم عنه فخرج نظيفاً. ترك أبو فريوة القافلة ومضى يبحث عن
الفتاة. في الطريق وقفت القافلة لتستريح وضربت خيامها، فشاهدوا قربهم مخيم
الأربعين قزماً، أخوة كلهم جدعان يعيشون على الصيد، والقنص وتهابهم الوحوش
والجان, فقالوا للفتاة: اذهبي واحتمي عند الأقزام، ولن يتجرأ أبو فريوة أن يدخل
عليهم.
ذهبت الفتاة إلى
الأقزام واستجارت بهم وطلبت حمايتهم من أبي فريوة، ففرحوا بوجودها وجعلوها
أختهم وبحمايتهم، فأقاموا لها خيمة وصارت تصنع لهم الطعام، وتكنّس المخيم
وتنظفه، ويبقى كل يوم واحداً من الأقزام ليحميها، والآخرون يخرجون للصيد
ويحضرون لها الهدايا الثمينة والملابس الغالية.
فتّش أبو فريوة
كثيراً على الفتاة، حتى وصل إلى مخيم الأقزام، فشك أن الفتاة عندهم لكنه لم
يتجرأ على الاقتراب منهم لخوفه من بطشهم، وفكر بحيلة للوصول إليها، فحول نفسه
إلى جرّة ماء على باب المخيم، رآها أحد الأقزام، فحملها ووضعها أمام خيمة
الفتاة لتشرب منها، لكنها لم ترتح لرؤيتها، وفي الليل نام الجميع، فدخل أبو
فريوة إلى خيمة الفتاة، فأحسّت به وصرخت على الأقزام، فهبّوا لنجدتها، فهرب أبو
فريوة واختبأ في الغابة، وعاد الأقزام وتركوا أحدهم يحرس خيمتها.
بعد أيام وجد
أحدهم باقة ورد جميلة في الغابة، فحملها ووضعها في مزهرية في خيمة الفتاة ففرحت
بها، لكنها في الليل شعرت بالخوف منها، وتذكرت حيل أبي فريوة، فبقيت طوال الليل
تراقبها ورأتها تتحول إلى أبي فريوة، فصرخت وهبّ إخوتها لنجدتها فاختفى ثانية.
بعد أيام وجد أحدهم خروفاً سميناً، يرعى قرب المخيم فأحضره وربطه أمام خيمة
الفتاة ليذبحوه ويتعشوا به، فشاهدته الفتاة ورأت فيه عيون أبي فريوة ذاتها
فعرفته، ونادت إخوتها وأخبرتهم بحقيقة أمره، فأحضروا الجنازير وربطوه بها،
ووضعوا حارساً عليه حتى الصباح، فذبحوه وسلخوه، وأشعلوا النار وشووه وأكلوه
ورموا عظامه خارج المخيم، وارتاحوا من شرّه.
فرحت الفتاة
بخلاصها من أبي فريوة وانتهى خوفها، وصارت تخرج من المخيم، وتتمشى في الغابة
فرحة مسرورة، إلى أن وقعت مرةً على الأرض، فدخلت عظمة صغيرة من عظام أبي فريوة
في يدها، فماتت لوقتها.
حزن الأقزام
لموتها وعملوا مناحة على فراقها، وألبسوها أحلى الثياب ووضعوها في تابوت من
العاج، وأغلقوه وحملوه على جمل كبير، وطلبوا منه أن يسير جهة الغرب، وأن لا يقف
لأحد إلا لمن يقول له: ( وحق من عليك في التابوت أن تقف ولا تفوت ). سار الجمل
أياماً وشهوراً لا يلتفت أحد إليه إلى أن وصل ديار ابن الملك، فرآه الغلمان
وحاولوا إمساكه فلم يقدروا ولم يقف لهم، فأخبرو الأمير فركب فرسه ولحق به، فلم
يقف له حتى تعب، فألهمه الله تعالى أن يقول:( وحق من عليك في التابوت أن تقف
ولا تفوت). وقف الجمل فعاد به إلى القصر وأنزل التابوت عنه، وأدخله إلى غرفته
وفتحه فرأى صبية رائعة الحسن والجمال، كأنها نائمة وليست ميتة، فأخرجها ووضعها
على فراشه، وجلس قربها يسبح الله على هذا الجمال، وشعر أنها نائمة نوماً
عميقاً، فأحبها من كل قلبه وتعلّقت بها روحه، فأغلق عليه الباب، وترك النوم
والطعام والشراب واعتزل الناس، فضعف جسمه ونحل عوده، وأصابه مرض عجيب، لم يقدر
أمهر الأطباء على شفائه
.
حزنت
أمه وانشغل فكرها عليه وأرادت أن تعرف سرّه، فدخلت إلى غرفته فرأت الفتاة
الميتة على الفراش، كأنها البدر التام، فعرفت سبب علّته وأمرت الخدم أن يغسلوها
ويكفنوها ويدفنوها بغياب ابنها، وبينما هم يغسلونها أحسّت الخادمة بشيء في
جسدها، فأخبرت الأم فدققت بها ورأت طرف العظمة في يدها، فعلمت أنها مسحورة
وليست ميتة، أمرت الخدم أن يدخلوها إلى فراشها، ويلبسوها أجمل الثياب، ثم أمسكت
بالعظمة وسمّت عليها وأخرجتها, فبدأت الفتاة تفيق وتفتح عينيها، وتتحرك شيئاً
فشيئاً، حتى جلست وتشاهدت وصارت تسأل: أين هي وماذا حدث لها ؟ فرح الجميع
وحمدوا الله، وعرفوا منها قصتها، وذهبت الأم مسرعة وأيقظت ابنها وبشرته بالخبر
العظيم فنهض من فراشه نشيطاً، فلما رآها طار عقله وسجد شكراً لله، وأقاموا
الزينة والأفراح سبعة أيام لا يأكل أحد ولا يشرب إلا من بيت السلطان، وعاشا
معاً أجمل ليالي العمر، وخلّفوا الصبيان والبنات، وعاشوا بالسعادة والنعيم وطيب
الله عيش السامعين.
جـارنا الـهندي
الراوية: نزهة
الصوفي
كان يا ما كان
في قديم الزمان كان رجل يعيش مع ابنته فاطمة في كوخ فقير، كانت الفتاة صبية
جميلة مطيعة تخدم والدها وترعاه وكان جارهم الهندي صاحب دين وأخلاق. عندما حان
وقت الحج قرّر الرجل أن يذهب إلى الحج، فجهّز أغراضه وراحلته، وذهب إلى جاره
الهندي وأخبره بعزمه، وأوصاه أن يعتني بابنته، ويرعاها خلال فترة غيابه، طمأنه
الجار وقال له: تروح وترجع بالسلامة وابنتك ستكون في عيني وحمايتي حتى ترجع.
سافر الرجل إلى الحج مرتاح البال.
أما فاطمة بعد
سفر والدها فكانت تعمل في البيت طول النهار تمسح، وتكنّس وتنظّف وتشطف، وتغزل
الصوف وإذا احتاجت أي شيء تذهب إلى جارها الهندي وتطلب منه ما تريد فيلبي طلبها
برحابة صدر، وكان جارهم يمرّ عليها كل يوم ليطمئن عليها، ويؤمّن لها كل حاجاتها.
في أحد الأيام
مر من أمام بيت فاطمة عفريت أسود، فشاهد الصبية وعرف أنها وحيدة في البيت، فطمع
بها وأراد أن يخطفها فعمل نفسه شحّاذاً، وطرق بابها وطلب منها بعض الطعام,
فدخلت لتجلب له الطعام, فدخل وراءها وأغلق الباب وتأكد من عدم وجود أحد معها،
فكشف عن نواياه وطلب منها أن ترتدي ثيابها، وتلم حوائجها لتذهب معه، فرفضت
ومانعت لكنه أجبرها وهدّدها بالقتل، ففكرت أن تحتال عليه، وكان على الجدار دفّ
يستخدمه أبوها في الحفلات والموالد، فقالت للعفريت: قبل أن أذهب معك أحب أن
أرقص، وأغني للمرة الأخيرة وأودع البيت، فوافق على طلبها وأعطته الدف وصار يدقّ
لها وهي ترقص وتغني: " يا جارنا الهندي، عندي وما عندي، عندي عبيد أسود, يريد
ياكلني ".
كان بين بيتها
وبيت جارهم طاقة، فسمع جارهم صوت الدق والغناء من بيت جارهم، فاستغرب الأمر،
وأنصت قليلاً وفهم معنى الغناء، فأخذ سيفه وتسلّل إلى بيت جارهم، فرأى الغول
يدقّ في الدف والصبية ترقص وتغني، فغافل العفريت، وضربه فقطع رأسه، فتدحرج على
الأرض وخرج من البيت وذهب بعيداً. هنأ الهندي جارته على سلامتها، وأوصاها أن
تكون حذرة ولا تدخل غريباً إلى البيت.
أما رأس الغول
فبقي يتدحرج إلى أن وصل إلى مغارة الغيلان، رأته أمه الغولة الكبيرة، فغضبت
وقررت أن تنتقم من قاتله، فلبست ثياب امرأة وحملت قرطلاً فيه أساور، وعقوداً
وحلقاً وأمشاطاً ولوازم الزينة، وصارت تدور في الشوارع، وتنادي على بضاعتها،
وأنها تبيع كل قطعة بحكاية غريبة، وصلت إلى أمام بيت فاطمة، فنادتها لتشتري
منها، فأعطتها كل ما تريد, لكنها طلبت منها أن تحكي لها حكاية غريبة مقابل ذلك،
فكرت فاطمة وبدأت تحكي لها قصة ذهاب والدها إلى الحج ومجيء العفريت، وومحاولة
خطفها حتى جاء جارهم وقتله، وتدحرج رأسه في البرية.
عرفت الغولة
غريمتها فتظاهرت بأن الحكاية أعجبتها، وأعطتها مزيداً من الأغراض، وسألتها عن
اسمها وعن عائلتها وحياتها، فحكت لها فاطمة كل شيء، ثم تركتها الغولة وعادت
فأخبرت أولادها.
في اليوم التالي
لبست الغولة وتزيّت بزيّ عمة فاطمة، التي تسكن في قرية بعيدة، لم ترها منذ سنين
طويلة، وأتت فطرقت باب بيت فاطمة ففتحت لها وادعت أنها عمتها وسلّمت عليها
بحرارة، فرحبت بها فاطمة وفرحت بزيارتها، جلست تطمئن على أحوالها، فقالت لها
الغولة: ما دام أخي في الحج، ستذهبين معي وتبقين عندنا حتى يعود أخي من الحج
فنعود معاً، وافقت فاطمة وذهبت إلى جارهم الهندي وأخبرته بالأمر، ثم جمعت
أغراضها وخرجت مع عمتها.
في الطريق قالت
لها الغولة: سنمرّ على مغارة قريبة نرتاح فيها قليلاً ثم نتابع طريقنا وعندما
وصلت باب المغارة دفعتها الغولة وأدخلتها بعنف، فعرفت فاطمة أنها وقعت في فخ
نصبته لها الغولة، وربطتها الغولة وأولادها إلى عمود وسط المغارة، وصاروا
يعذبونها ويضربونها حتى أدموا جسدها، وهي تصيح وتستريح ولا أحد يسمعها أو
ينجدها.
وفي الصباح ذهب
الجميع ليجمعوا الحطب، ويحرقوها ويأكلوها، وبقيت الغولة الصغيرة الغبية
لتحرسها، فضحكت عليها فاطمة وعرضت عليها أن تعطيها ملابسها الجديدة، وتأخذ هي
ملابس الغولة المهترئة، فوافقت الغولة وفكتها وبدّلت الملابس معها ثم احتالت
عليها وربطتها في العمود وركضت هاربة بأقصى سرعتها، وبعد مسافة طويلة شاهدت
راعياً يرعى غنمه في البرية، فاستجارت به وحكت له قصتها، ففكّر الراعي قليلاً
ثم ألبسها فروته بالمقلوب، ووضعها بين الغنمات، وكان لديه كلب جارح وضعه في كيس
وأغلقه عليه.
بعد ساعة وصلت
الغولة وهي تركض لاهثة تبحث عن فاطمة، فسألت الراعي: إن كان رأى فتاة صفاتها
كذا وكذا، وادعت أنها ابنة أختها فرّت من البيت وتريد أن تعيدها لأمها.
فأجابها: نعم أتت فتاة إلي وقد أمسكت بها ووضعتها في الكيس، وأشار إليها إلى
مكانه، فركضت الغولة مسرعة فرحة إلى الكيس وفتحته، فهجم عليها الكلب وقضم
رقبتها فماتت في الحال.
شكرت فاطمة
الراعي وعادت إلى البيت، وكان والدها قد عاد من الحج، وافتقدها وحزن عليها بعد
أن سمع بقصتها، ومرض من البحث عنها دون جدوى، ففرح برؤيتها وردّت له روحه
وعافيته، وجاء جارهم الهندي وسلم على الفتاة وهنأها بالسلامة، وجلس الجميع
يحتفلون بنجاتها، وحكت لهم فاطمة قصتها مع الغولة، وعاشوا بالفرح والنعيم وطيب
الله عيش السامعين.
عـلاء الـدين
والعفاريت الـثلاثة
الراوية : كرجية
رسلان
كان يا مكان، في
قديم الزمان كان هناك تاجر كبير أراد أن يذهب في تجارة إلى بغداد، فجمع أولاده
الثلاثة ليودعهم وسألهم عن طلباتهم ؟، فأوصاه الكبير بثوب من الحرير، وأوصاه
الأوسط بثوب من الديباج الهندي، أما الصغير علاء الدين فقال له: أريد لفّة
مقصّبة بالذهب تلتفّ على الرأس سبع لفات، وتوضع في علبة كبريت، فوعدهم خيراً
وسافر التاجر وباع تجارته، ثم اشترى ثوب الحرير وثوب الديباج الهندي لولديه،
وسأل تاجراً عن لفّة تلتف سبع لفات، وتوضع في علبة كبريت، فضحك التاجر وقال له:
طلبك لا يطلبه واحد فيه عقل. فذهب إلى تاجر أكبر منه، فضحك منه وظن أن في عقله
خللاً فتركه وذهب إلى شيخ التجار فقال له: إن طلبك لا يناسب مقامك وسلامة عقلك،
هل يوجد في الدنيا لفّة مقصّبة بقدر سبع لفات، ثم توضع في علبة كبريت.
خجل التاجر
وتصبّب عرقه وغضب من ولده، لأنه تسبّب في بهدلته وجعله مهزلة بين التجار، وصمم
على الانتقام منه وقتله جزاء فعلته. عاد التاجر إلى بلده وسلّم على أولاده، ولم
يسلّم على علاء الدين، وأمر من رئيس العبيد أن يذهب به إلى البرية ويذبحه
ويأتيه بكأس من دمه، فأخذه العبد إلى الغابة وجلس تحت شجرة يفكر، وقال في نفسه:
ربما بعد مدة يرضى أبوه عنه ويتراجع عن موقفه ويطلبه مني فماذا سأفعل عندها ؟،
فتركه في وادي الغيلان وذبح طيراً وملأ كأساً من دمه وأعطاه لوالده.
ترك العبد علاء
الدين نائماً ولما أفاق وجد نفسه وحيداً، فخاف ومشى في الوادي مسافة طويلة فوجد
قصراً فخماً كبيراً, دخله فوجد فيه صالوناً كبيراً فيه ثلاث أسرّة، وفي الوسط
طاولة كبيرة عليها ثلاثة خرفان محشية بالرز، ومحمّرة تفوح منها رائحة شهية. كان
علاء الدين جائعاً، فأكل من كل خروف قطعة من اللحم، وبعض الرز حتى شبع وحمد
الله، وبعد ساعة أرعدت الدنيا وأظلمت، ودخل ثلاثة غيلان منظرهم يثير الخوف
ويقطع القلب، فارتعب علاء الدين واختبأ تحت السرير، وجلس العفاريت على الطاولة
وأكلوا الخرفان، ثم جلسوا يتسامرون ويتحادثون.
قال العفريت
الأول: أنا مررت على مدينة دار السلام، وجدت الناس في ضيقة وشدّة عظيمة، فسألت
عن أخبارهم فقالوا: إنه حلّ عليهم غول وحبس عنهم نبع الماء، ولا يعطيهم الماء
إلا إذا قدّموا له فتاة جميلة عذراء يتزوجها ليلة واحدة ويأكلها في اليوم
الثاني، وقد قدّموا له كثيراً من البنات، ولم يبق عندهم بنات، وقد نشفت الأرض
ومات الزرع، وعطشوا عطشاً شديداً، ورغم ذلك فالحل بسيط ولا يعرفه أحد سواي، فلو
كان فيهم رجل شجاع لذهب إليه وهو نائم وتحت رأسه سيف خشبي، فيسحبه ويضربه ضربة
واحدة، فيقطع رأسه ويريح الناس منه.
وقال
العفريت الثاني: وأنا جئت من عند ملك الشام ووجدت عنده بنت أصابها العمى، وعجز
الأطباء عن شفائها، وقد قطع الملك رأس الأطباء، ولم يعد أحد يتجرأ أن يعالجها،
ولكن دواءها بسيط وقريب منها، فقد سبّبت لها العمى قطتها السوداء التي تربيها،
فإذا ذبحوها ودهنوا عينيها من دمها شفيت.
قال العفريت
الثالث: وأنا مررت على وادي النيل، فوجدت الناس في هرج ومرج وهمّ كبير، وعلمت
أن لدى ملك مصر مشكلة خطيرة، فقد بدأ يفقد منذ مدة كل أسبوع أحد أفراد عائلته
حتى كادوا أن ينتهوا، ولا يعرف ما يحلّ بهم، ورغم ذلك فمشكلته داخل قصره، فقد
ولدت زوجته بنتاً نصفها إنسيّة ونصفها جنيّة، وبعد أن كبرت أخذت تخطف كل مرة
واحداً من إخوتها، وتأكله ولا ينتبه أحد إليها.
نام العفاريت
الثلاثة فقام علاء الدين، وسار في طريقه إلى مدينة السلام، وهناك وجد الناس في
حزن وهم كبير ينوحون، ويبكون ومعهم عروس مثل القمر، فسألهم عن القصة، قالوا: لم
يبق في المدينة إلا بنت الملك عذراء سنقدمها لعفريت النبع ليجري لنا الماء.
فقال علاء الدين: ما رأيكم إذا خلصتكم منه، وأنقذت الأميرة من العفريت ؟. قال
له الملك: أزوّجك إياها وأعطيك نصف مملكتي. أخذ علاء الدين الأميرة على فرس إلى
قرب النبع ولبس ثيابها وتسلّل إلى حيث يكمن العفريت، فوجده نائماً نوماً عميقاً
وشخيره يملأ الوادي، فمدّ يده بهدوء وسحب السيف الخشبي من تحت رأسه، وضربه فقطع
رأسه، فصاح العفريت ( تنّي ) يا علاء الدين، فأجابه ( أمي ما علمتني التني )
وجرى دمه حتى لوّن مياه النهر ووصلت إلى المدينة، فرأى الناس المياه المصبوغة
بالدم، وظنوا أن العفريت ذبح الأميرة وعلاء الدين، لكن بعد قليل رأوا علاء
الدين قادماً يحمل الأميرة على الفرس، ففرحوا كثيراً وزغردوا ودبكوا، وأقاموا
الاحتفالات والأعراس وتزوج علاء الدين الأميرة وعاشا في هناء وسرور.
بعد شهر تذكّر
علاء بنت ملك الشام، فقال لصهره الملك لقد اشتقت إلى أهلي، وبلدي وأريد أن تسمح
لي بالسفر، فطلب منه الملك أن يبقى عندهم، فلم يرض وعزم على الرحيل، وخيّر
زوجته بين أن تبقى عند أهلها أو أن تسافر معه. فقال له الملك: النساء عندنا
يتبعن رجالهم أينما ذهبوا. وحمّله الأموال، وقافلة من الأحمال، وودعه أهل البلد
وهم في حالة بكاء وحزن عظيم على فراقه
.
وصل علاء الدين
إلى بلاد الشام فنزل في ضاحية المدينة، ونصب الخيام وترك أهله وجماعته هناك،
ولبس زيّ الأطباء وحمل حقيبته، ونزل إلى المدينة ينادي: أنا الطبيب أنا المداوي
أنا طبيب العيون. حتى وصل الخبر إلى الملك، فطلب من حاشيته إحضارالطبيب، فحضر
فقال له: عندي بنت عمياء فإذا شفيتها سأعطيك ما تريد، وإلا سأقطع رأسك، فقال
علاء: أريد أحسن غرفة في القصر تطل على الحديقة أبقى فيها مع الأميرة وأعالجها
لمدة ستة أيام، وأريد كل يوم أطيب المأكولات وألذ الشراب، ولا يزعجني أحد ويقطع
علاجي للأميرة، وفي اليوم السابع ستخرج الأميرة معافاة بإذن الله.
وهكذا كان بقي
علاء الدين وحده مع الأميرة في الغرفة، يتأمل جمالها وحسنها ويحكي لها الحكايات
ويسليها في الليل والنهار حتى أحبته دون أن تراه، في اليوم السادس أمسك بالقط
الأسود، فذبحه ودهن به عيون الأميرة، ففتحت عينيها وأبصرت وعادت كما كانت، وكان
أول ما رأت أمامها علاء الدين فأحبته وشكرته وأرادت الخروج إلى أهلها، فطلب
منها أن يبقيا حتى صباح الغد كما اتفق مع أبيها، فوافقت وأمضيا ليلة جميلة،
كلها فرح وسرور حتى الصباح، وعندما خرجا كان الملك وحاشيته ينتظرونهما على
الباب، والسيّاف شاهر سيفه ليقطع رأس علاء الدين إذا فشل علاجه، فبانت الأميرة
في أحسن حال وقد شفيت عيناها تماماً، وأصبح بصرها أحسن مما كان، فعمّت الفرحة
الجميع وزغردت النساء، وضم الملك ابنته وحمد الله على سلامتها. قالت له
الأميرة: إن الفضل للطبيب وأنها أحبته ولن تتزوج غيره، فأعلن قيام الزينة
والأعراس وزفّت الأميرة إلى علاء الدين.
أمضى شهراً بعد
زاوجهما، فتذكر ملك مصر فطلب من عمه الملك أن يأذن له بالرحيل لأنه اشتاق
لأهله، وخيّر زوجته بأن تسافر معه أو أن تبقى عند أهلها، فاختارته. حزن الملك
على فراقهم وأعطاهما أموالاً كثيرة، وقافلة محمّلة بما خفّ حمله وغلا ثمنه
.
عاد علاء إلى
جماعته ففكّوا رحالهم، وسارت قافلتهم أياماً وليالي حتى وصلوا إلى مملكة مصر،
فرأى الناس في هم وحزن كبير، فسألهم عن أمرهم، فقصوا له قصة اختفاء أهل القصر
دون أن يعرف أحد السر، ولم يبق للملك إلا زوجته وابنته فقط , فذهب إلى القصر
وعرض على الملك أن يكشف له السرّ، وأن يسكن معه في القصر لمدة ثلاثة أيام في
آخرها يكشف له المستور، وافق الملك وأفرد له جناحاً نام فيه، فكان يراقب ابنة
الملك الجنية دون أن تراه إلى ليلة الجمعة، حيث خرجت ابنة الملك من غرفتها بعد
أن تحوّلت إلى غولة، ودخلت إلى مخدع ابيها الملك وبيدها كيس لتضعه فيه، وتحمله
إلى غرفتها وتأكله، هجم عليها علاء الدين وضربها بالسيف، فقطع رأسها وتدحرج على
الأرض فصاحت ( تنّي) يا علاء الدين، فقال لها: موتي يا ملعونة أمي ما علمتني
"التني" فماتت في الحال .
أفاق
الملك ورأى ما حدث فعرف أن ابنته غولة خطفت أهلها وأكلتهم، وكانت تضع عظامهم في
حفرة حفرتها في غرفتها، وشكر علاء على شجاعته وفرح بخلاصه، وجعل علاء الدين ولي
عهده من بعده، وأحضر علاء زوجاته وجماعته، وأقام في القصر لمدة عام إلى أن
تذكّر أهله وبلده فقال للملك: لقد اشتقت إلى أهلي وأريد أن تأذن لي بالسفر،
فانزعج الملك من طلبه وقال له: أنت الملك من بعدي فكيف ترحل وتتركني وحدي ؟
فوعده علاء الدين أن يرجع إليه بعد أن يطمئن على أهله وبلده، فسمح له الملك
بالرحيل على هذا الشرط، وزوّده بالأموال والأحمال، وسار في طريقه إلى بلاده.
في الطريق توقفت
القافلة لترتاح، فضربوا الخيام وأرادوا أن يشعلوا النار فلم يجدوا الفتيل، فركب
علاء الدين فرسه يفتّش عن شعلة نار حتى شاهد من بعيد بصيصاً من النار فذهب
إليها، فوجد عندها عفريتاً ضخماً، فتعوذ من الشيطان وطلب العون من الرحمن، فدخل
وسلّم عليه فردّ العفريت السلام، وقال: أهلا بعلاء الدين أنا انتظرك منذ زمن
بعيد، والحمد لله أنك أتيت، فشكره علاء الدين وقصّ شعر العفريت وأظافره ونظّفه،
فأعطاه الغول ثلاث شعرات، وقال له: إذا احتجتني احرق واحدة واطلب ما تريد فتحصل
عليه حالا، وعاد إلى قومه بشعلة النار، وأمضوا الليل وفي الصباح تابع طريقه حتى
وصل إلى مدينة، فوجد أهلها في غم وهم يتأهبون للحرب، وينتظرون ملكاً جباراً
ظالماً يريد أن يحتل بلادهم، وكانت ابنة ملك المدينة تجهّز لاحتفال كبير لتختار
لنفسها عريساً من شباب المملكة، لكن الحرب جعلها توقف المهرجان، فسمع عن حسنها
وجمالها، فأقام هو وقومه على مشارف المدينة، ثم غير زيّه وذبح خروفاً، ولبس
جلده ولفّه بالمصران، ووضع الكرشة على رأسه، ليظهر كالأقرع، ونزل إلى السوق،
وصار يسأل عن عمل له في المدينة حتى وصل إلى سور القصر، فسمع به معلم العمال
فأخذه إلى بيت السلطان، فكرهت الأميرة رؤيته وطلبت من المعلم أن يأخذه إلى
البستان، ليعمل فيه ويعتني بالزرع والأشجار وبقي هنالك عدة أيام، ولما وصل
الغزو وهجموا على قوات الملك واشتّد الكرب على الناس، حتى كادوا أن ينهزموا أشد
هزيمة، عندها أحرق علاء الدين شعرة وطلب حصاناً وعدّة فرسان وسيفاً مسحوراً،
فحضر طلبه في الحال، ركب فرسه وهجم على الغزاة، فقتل الفرسان وجندل العساكر،
حتى امتلأت الأرض بالقتلى والجرحى وانهزم الأعداء، وقتل الملك الظالم وفرح
الجميع بالنصر، وعاد علاء الدين إلى بستانه كما كان وكأن شيئاً لم يحدث
.
كانت ابنة الملك
تشاهد ما يفعل الأجير صاحب الكرشة فعرفت سرّه، وشأنه، وكتمته في نفسها ولم تخبر
أحداً.
أما الملك فقد
رأى ما فعل الفارس المغوار، فطار عقله فرحاً بهذه النجدة التي نزلت عليه من
السماء، وبعد المعركة طلب الفارس فلم يجده، فأمر العساكر أن يفتشوا عنه في كل
مكان، دون جدوى وحزن الملك لأنه فقد زوجاً مناسباً لابنته، وأمر الناس بإقامة
الزينة والأفراح بالنصر، وطلبت بنت الملك أن يقام المهرجان، وأن يمرّ من أمامها
جميع الفرسان في أحسن الزينة والثياب، لتختار منهم زوجاً، ومن يعجبها ستضربه
بالتفاحة على رأسه ليكون زوجها، فطلب منها الملك أن تؤجل المهرجان، فلم توافق
على ذلك، وبدأ الشباب يمرون في أحسن هيئة أمام بنت الملك فلم يعجبها أحد، وسألت
إن كان بقي أحد من الشباب ؟. فقالوا لها: لم يبق سوى الأجير في البستان فأمرت
بإحضاره، فجاء وهو على هيئته أقرع الرأس ووسخ الثياب، فلمّا مرّ من أمامها
ضربته بالتفاحة على رأسه، فصاح: أخ أوجعتني يا بنت الملك. وغضب الملك منها على
هذا الاختيار، وتأسف أن يختفي الفارس المغوار، لكنها أصرت على الأقرع، فأمرت
حاشيتها أن يأخذوه إلى الحمام، ويلبسوه أحسن الثياب، فصار يصيح: اتركوني أنا
درويش الحال، ومالي ومال بنات السلطان، وبعد أن حمّموه وألبسوه أحسن الثياب،
ظهر كأنه ابن ملوك، فأدخلته على أبيها فعرفه وفرح به، وضمّه إلى صدره وشكره على
فعاله، ثم زفّه على ابنته. أمضى علاء الدين مع عروسه شهراً من الزمان، بعدها
قال لعمه الملك: اشتقت إلى أهلي وبلدي، وطلب أن يسمح له بالرحيل، فحزن الملك
على فراقه وطلب من ابنته أن تلحق بزوجها لأن النساء عندهم تلحق بالرجال، وحمّله
الهدايا والأموال وقافلة من الجمال، ومضى إلى قومه وحل المضارب، وجمع الرحال،
وسارت قافلتهم الكبيرة التي أصبحت قبيلة إلى مدينة أهله حتى وصل إلى مشارفها،
فأمر بإقامة المضارب للاستراحة وبثّ العيون ليأتوه بالأخبار، فعادوا وقالوا له:
إن الأخبار سيئة والناس في فقر وضيق، وهم يموتون من الجوع، فحزن على حالهم
وأخرج شعرة وأحرقها وطلب قافلة من الحنطة والسمن والزيت والعسل، وأرسلها إلى
أبيه الملك ليوزعها على الناس على أساس أنها من فاعل خير ونجدة من السماء. فرح
الناس واستبشروا بالفرج بعد الحرج، وأخذ كل منهم حصته من الغذاء، فأكلوا وشبعوا
وحمدوا الله، وسأل علاء الدين عن أمه زوجة الملك فقالوا له: إن حالتها ساءت
ومرضت بعد أن فقدت ابنها علاء الدين ومن كثرة البكاء عميت، فحزن عليها وطلبها
إليه فأحضروها في الحال، وحرق الشعرة الثالثة وطلب لأمه الدواء فحضر في الحال،
فدهن لها وسقاها منه فشفيت بإذن الله، ولما فتحت عيناها ورأت علاء أمامها عرفته
أنه ابنها، ففرحت به وضمّته وباسته، وعادت إليها صحتها، فألبسها أحسن اللباس،
وجهز موكباً عظيماً يليق بالملوك، وأجلس أمه بجانبه ودخل إلى قصر أبيه السلطان،
فعرفه الملك وفرح برؤيته وعودته، واعتذر منه وأجلسه مكانه على عرش المملكة،
وحضرت زوجاته كالأقمار، وفرش لكل منهن جناحاً في القصر وعاشوا في ثبات ونبات،
وخلفوا كثيراً من الصبيان والبنات.
عـلاء الـدين
والـغولة الصـغيرة
الراوية: كرجية
رسلان
كان يا ما كان
في قديم الزمان كان هناك رجلاً كبير غني، وعنده ثلاثة أولاد أصغرهم اسمه علاء
الدين، صاروا شباباً يرعون قطيع الأغنام الكبير الذي يعيشون منه، وبعد سنوات
ماتت زوجة الرجل فحزن عليها، وبعد فترة من الزمن تزوج امرأة أخرى.
في البداية
عاملت المرأة الأولاد معاملة حسنة وكأنهم أولادها، ومضت سنوات لم تلد المرأة،
فاشتاقت للخلفة فدعت ربها أن يرزقها ببنت ولو كانت غولة، وبإذن المقادير تحمل
المرأة وتلد بنتاً غريبة الشكل، فحزنت المرأة على ابنتها لكنها رعتها، وربتها
مثل باقي الناس، لكن الطفلة لم تكن تشبع من حليب أمها، فصارت تطعمها من حليب
الغنمات لتشبع، ثم بدأت تطعمها من طعام البيت فلا يكفيها وكانت تنمو بسرعة
كبيرة، وبعد عدة أشهر صار الأب يلاحظ أن الغنم ينقص، ولم يعرف أين تذهب ومن
يأخذها، فطلب من أولادها أن يسهر كل واحد منهم ليلة حتى يكتشفوا السارق.
بدأ الأخ الكبير
بالحراسة أول ليلة، لكنه نام آخر الليل فلم ير أحداً، وحرس الأخ الأوسط في
الليلة الثانية لكنه أيضاً نام ولم ير شيئاً، وجاء دور الصغير علاء الدين في
الحراسة، وعند منتصف الليل فكّر في طريقة تبقيه مستيقظاً، فجرح إصبعه وسال الدم
منها، ولفّها بخرقة، فأطار الألم النوم من عينيه، لكنه أغمض عينيه وجعل نفسه
نائماً.
بعد ساعة من
الزمن أحسّ بحركة قرب الغنمات، ففتح عينيه فرأى أخته الصغيرة أمسكت غنمة، ودقّت
رقبتها ثم مصّت دمها، وأكلتها وطمرت عظامها في حفرة، فطار عقله وذهب إلى والده
فأخبره بما رأى فلم يصدّقه، وظن أنه يفتري على أخته أو أنه رأى مناماً، أما
خالته فقد غضبت منه واتهمته بتشويه سمعتها وسمعة ابنتها، وطلبت من زوجها أن
يطرده، فأمره والده أن يجمع أغراضه ويرحل من البيت ويقصر الشر، فقال علاء
الدين: أنا سأرحل لكن أحذركم أن أختي الغولة ستأكلكم جميعكم بعد أن تنتهي من
الغنم.
ركب علاء الدين
حصانه ورحل عن أهله، ومضى في طريقة لا يعرف إلى أين، وبقي يسير في البرية حتى
المساء فرأى على البعد ناراً فقصدها، فوجد خيمة فيها عجوز وحولها بعض الغنمات
النحاف الهزال لا يكادون يقفون على أرجلهم، وتحاول العجوز أن تحلبهم فلا يخرج
منهم نقطة حليب. سلّم علاء الدين عليها، فرحبت به العجوز أجمل ترحيب وفرحت
بقدومه، وأخرج علاء الدين طعامه ودعا العجوز لتأكل معه، وخلال الطعام قصّ عليها
حكايته، وطلب منها أن تأويه عندها وتعتبره ولدها، وسيساعدها في رعاية الأغنام،
فوافقت وناما حتى الصباح0
عند شروق الشمس
جمع الأغنام ليسرح بها، فأوصته أن يرعى في كل مكان، لكن لا يقرب من وادي
السباع، ولا من وادي الضباع، ولا من وادي النمور، فوعدها خيراً ومضى مع الغنمات
في البرية، فوجد الأرض قفرة نفرة ليس فيها عرق أخضر، ونظر إلى وادي السباع،
فرأى الربيع فيه لعند الركبة. فقال في نفسه: لهذا تأتي وتعود الغنم جائعة دون
أن ترعى شيئاً، فأدخل الغنم إلى وادي السباع، وبدأت تأكل حتى ملأت بطنها،
وامتلأ ضرعها بالحليب، وعند المساء سمع صوتاً غريباً، تبعه فرأى السبعة في حالة
ولادة وحالتها صعبة، فحلب لها بعض الحليب فشربته، وساعدها حتى ولدت ثلاثة صغار
فشكرته على صنيعه، وأعطته واحداً من صغارها، وقالت له: أن يأتي ويرعى في الوادي
متى يشاء. حمل علاء الدين فرخ السبع في الخرج وعاد إلى الخيمة، فلما رأته
العجوز ورأت الغنم شبعان والحليب يشر منها، وعرفت أنه دخل إلى وادي السباع
فخافت على غنمها، فطمأنها وقال لها: لا تشغلي بالك بهذا الموضوع، وسلّمها ابن
السبعة لتربيه وترعاه حتى يكبر، وزرع علاء الدين في الوادي ثلاث شجرات من
الصفصاف، وصار يسقيها من الحليب، فصارت تكبر كل يوم عن سنة.
في اليوم التالي
نزل في وادي الضبعة، فصار معه مثل ما صار في وادي السبعة، وعاد بفرخ ضبعة
وسلّمه للعجوز لتربيه، وفي اليوم الثالث نزل في وادي النمور ورعى فيه، وعاد في
المساء بفرخ نمرة وسلّمه للعجوز، وكثر الخير عند العجوز، وصار لديها غنم كثير
بعد ما ولدت كل غنمة ولدين، وكبرت شجرات الحور.
في أحد الأيام
جلس علاء الدين تحت ظل الشجرة يفكر، فتذكّر أهله واشتاق لرؤيتهم ومعرفة
أخبارهم، وأخبر العجوز بنيته وأعطاها خاتمه، وقال لها: إذا ضاق على إصبعك،
فافتحي الباب للسبع والضبع والنمر، وقولي لهم ألحقوا بصاحبكم. وودعها وركب
حصانه ومضى إلى بلده.
وصل قريته
فوجدها خربة ليس فيها أنس، وشاهد أخته الغولة تلحق بديك من مكان إلى مكان
لتأكله فلا تستطيع الإمساك به، فلما شاهدته رحبت به، وأدخلته إلى البيت وربطت
الفرس في الحديقة، فسألها عن أهله، فقالت: الله يرحمهم ما بقي غيري وغيرك من
العيلة، ثم تركته وذهبت إلى الحصان وأكلت إحدى قوائمه وعادت، فقالت له: حصانك
بأربع أرجل أم بثلاث ؟ فخاف منها وقال لها: بل بثلاث. وجلست تسايره قليلاً ثم
ذهبت فأكلت رجلاً ثانية وعادت، فقالت له: هل حصانك بثلاثة أرجل أم باثنتين ؟.
فقال لها: بل باثنتين. ثم أكلت الرابعة وعادت فسألته، فقال لها: بل بدون أرجل،
ثم أكلت رقبة الحصان وسألته: هل حصانك برقبة أم بدون رقبة ؟ فرد عليها: بدون
رقبة، وبعد أن أكلت الحصان، سألته: هل أتيت ماشياً أم راكباً ؟. فقال لها: بل
ماشياً.
أخيراً جاء دوره
وجهّزت نفسها لتأكله، فقالت له: لم يعد لي غيرك وأنا جائعة ولا بد لي من أكلك،
فقال لها: يا أختي أعطني بعض الماء حتى أتوضأ وأصلي ركعتين لربي، وأتودع من هذه
الدنيا وتأكليني وأنا على طهارة. فقالت: هذه بسيطة لكن لا تطول الصلاة فأنا
جائعة. وأعطته إبريقاً من الماء فدخل إلى الحمام، وعلّق الإبريق في السقف وتركه
ينقّط الماء، ثم خرج من طاقة الحمام، ورفع ثوبه بأسنانه، واللي بحب النبي يخلي،
وصار يركض بكل عزمه حتى وصل إلى شجرات الحور، فصعد على أول شجرة، وكانت الغولة
اكتشفت خديعته وشمّرت، ولحقته ورأته على شجرة الحور، فطلبت منه أن ينزل فرفض،
فبدأت تقرض الشجرة بأسنانها حتى قربت أن تسقط. فقال للشجرة: بحق الحليبات اللي
سقيتك، ميلي على أختك، فمالت الشجرة على أختها وانتقل إليها، فصارت تقرض
الثانية، وأيضاً قال لها متل ما قال للأولى، فمالت على أختها فصار فوق الثالثة.
عندها ضاق الخاتم على إصبع العجوز، فعرفت أن علاء الدين في ورطة، ففتحت الباب
للسبع والضبع والنمر، وقالت لهم: الحقوا صاحبكم. وفي لحظات كانوا عند علاء
الدين، قبل أن تقع الشجرة الثالثة، فهجموا على الغولة ونتّفوها وأكلوها، وما
خلّوا منها غير العظام، ونزل علاء الدين وحضن الحيوانات وشكرهم، وقال لهم: كل
واحد يرجع لعند أمه الله يعطيكم العافية عملتم ماعليكم وزيادة. وعاد لعند
العجوز فقصّ عليها ما جرى معه، فحمدت الله على سلامته، وعاش عندها مثل ابنها
يخدمها، حتى الله أخذ أمانته، فحزن عليها كثيراً ودفنها وباع الغنمات ورجع إلى
بلده، وعمر بيته من جديد وتزوج، وعاش بثبات ونبات وخلّف صبياناً وبنات
.
عـلاء الـدين
وطـرنجة بنت الـغول
الراوية : كرجية
رسلان
كان يا ما كان
في قديم الزمان, كان هناك سلطان وزوجته لم يرزقهما الله بولد ولا بنت، فندرت
ندراً لله إذا رزقها الله بولد ستجري ساقية من السمن وساقية من العسل. بعد مضي
عدة شهور حملت زوجة السلطان، وولدت طفلاً جميلاً كالبدر وسمّته علاء الدين.
فرحت به كثيراً وأقاموا له حفلة كبيرة استمرّت سبعة أيام، واعتنوا به وأحسنوا
تربيته حتى شبّ وكبر، وصار يخرج للعب في الحارة مع الأولاد، فشاهدته مرة إحدى
العجائز, أمسكته بقوة وقالت له: ( قل لأمك أن توفي نذرك أحسن ما الله يقصف عمرك
). نسي الولد أن يقول لأمه, فقابلته العجوز مرة أخرى، وطلبت منه أن يقول لأمه،
لكنه نسي مرة أخرى, في المرة الثالثة وضعت له بعض الحصى في جيبه كي يتذكر,
وعندما كانت أمه تخلع له ثيابه وجدت الحصى في جيبه فسألته عنها, فتذكّر قول
العجوز وقال لها: قالت لي العجوز: ( قل لأمك أن توفي بنذرك أحسن ما الله يقصف
عمرك ). فقالت له: عندما تقابلها قل لها أمرك يا ستي، ستوفي أمي بالنذر في وقت
قريب إن شاء الله.
بعد عدة أيام
أجرت الأم من القصر ساقية من السمن وساقية من العسل، وجاء الناس من كل مكان
ليحصلوا على نصيبهم منها، ولاحظت العجوز حركة الناس غير العادية، فسألت أحد
الشباب عن الأمر ...؟. فأجابها بخبث: إن عزرائيل دخل إلى البلد وهو يفتّش عن
العجائز، ليقبض روحهم فإذا شاهدك سيقبض روحك، فاختبئي عنه حتى لا يراك. فزعت
العجوز وخافت على روحها، ودخلت وأغلقت عليها الأبواب، وبقيت حتى قرب غياب الشمس
وظنت أن عزرائيل قد انتهى من عمله، فخرجت بهدوء تستطلع الخبر, ومشت في الشوارع
تسأل عما حدث، فأخبروها بقصة ساقية السمن والعسل، وعرفت أن الشاب قد ضحك عليها،
فأسرعت غاضبة تضرب بعكازها، وتحمل معها صحناً من الفخار وبعض القطن، وصلت إلى
الساقية فوجدت بعض آثار السمن والعسل, فأخذت تجمع بالقطن وتعصر في صحن الفخار،
حتى جمعت كمية قليلة، وكان الأولاد يلعبون بالكرة قريباً منها، فضرب علاء الكرة
فسقطت على صحن العجوز، وكسرته وسال ما جمعته على الأرض. بكت العجوز وأمسكت علاء
وقالت له: روح الله يبليك بحب ( طرنجة بنت الغول
) .
رجع الشاب إلى
أمه وسألها عن طرنجة بنت الغول ؟. فأجابته: أنها سمعت بها ولا تعرفها، فأمضى
الليل يفكّر بها. وفي اليوم التالي قابل العجوز وسألها عن طرنجة ؟. فقالت له:
إنها أجمل فتاة في العالم، وقد خبأتها أمها وراء سبع بحور, حتى لا يصل إليها
أحد.
عاد الولد
حزيناً مشغول الفكر، وقد سيطرت على مخيلته صورة الفتاة وجمالها، وأصبح يمضي
وقته في التفكير بها، وحاولت أمه أن تسري عنه وتصرفه عن التفكير دون جدوى بل
ازداد تعلقاً بها.
في أحد الأيام
طلب من أمه أن تجهّز له فرسه وزاده وماله، ليرحل ويفتش عن فتة أحلامه، حاولت
أمه منعه وصرفه عنها لكنها فشلت، فملأت له الخرج طعاماً وركب فرسه، وسار في
طريق مجهول لا يعلم أين يتجه, فكان يسير طوال النهار وينام قليلاً من الليل،
ويأكل بعض الطعام.
بقي على هذا
الحال عدة أسابيع حتى نفد ما لديه من الطعام، وشارف على الهلاك وعجزت فرسه عن
السير، فرأى على البعد كوخاً في البرية، ينبعث منه بصيص من النار فجرّ نفسه
بصعوبة, حتى وصل إليه فتلقته عجوز تسكن في الكوخ, سلّم عليها وقبل يدها وسقته
بعض الماء والحليب، ونام تلك الليلة إلي الصباح, فكنّس الكوخ ونظّفه ورشّه،
وأطعم الغنمات وحلبهم وصنع الطعام، وجلس يأكل معها وهي مسرورة من عمله، وبقي
عندها على هذا الحال عدة أيام، فتذكّر حبيبته وطلب من العجوز أن تأذن له
بالسفر، فسألته عن وجهته، فقص عليها قصته من أولها إلى أن وصل إليها، فحاولت أن
تثنيه العجوز عن عزمه ليعود إلى أهله لما بينه وبين غايته من الأخطار والمصاعب
فرفض, فدلته على الطريق الذي يمشي فيه نحو المغيب ثلاثة شهور، فيصل إلى مغارة
في سفح الجبل، فيها عفريت كبير يتقدم إليه ويسلم عليه، ويعتني به ويسأله حاجته
فيساعده.
شكر علاء الدين
العجوز وأعطاها بعض المال، وسار في الطريق باتجاه الشمس، وأمضى أياما وليالي
صعبة لاقى فيها المصاعب والأهوال، حتى وصل المغارة، ووجد فيها غولاً كبيراً
مخيفاً شعره طويل يجرّ على الأرض، وأظفاره طويلة كالخناجر, سلّم عليه فقال له:(
لولا سلامك ما سبق كلامك لأكلتك وفصفصت عظامك) ثم غار عليه وقصّ شعره وأظافره
ونظف المغارة ورتبها, ففرح به الغول وسأله عن طلبه، فحكى له قصته، فأعطاه (
كبكوبة ) خيطان وقال: دحرجها أمامك، والحقها فتوصلك إلى مغارة الأخ الكبير فهو
أعرف مني ويدلك على طلبك، ففعل ولحق بها أياما وليالي حتى أوصلته إلى مغارة
أخرى أكبر، وفيها غول أكبر وشعره وأظافره أطول، وفعل به ما صنع بالأول, فردّ
عليه كما رد الأول, وأعطاه كبكوبة خيطان أكبر، وقال له: الحقها فتوصلك إلى أخي
الأكبر، فهو أعرف مني، فتابع طريقه وراء الكبكوبة حتى أوصلته إلى المغارة، وجد
فيها عفريتاً هائل الضخامة مخيفاً، فسلّم عليه وهجم على شعره فقصّه، وقلّم
أظافره ونظّفه ورتّب له المغارة, فشكره العفريت وقال: ( لولا سلامك ما سبقك
كلامك، لأكلتك وفصفصت عظامك ). اطلب الآن ماذا تريد وما الذي أتى بك إلى هذه
البلاد ؟. فحكى له قصته من أولها إلى آخرها, وأن غايته طرنجة بنت الغول. فقال
له العفريت: طرنجة هي بنت أخت الغولة الكبيرة، وهي شرسة وساحرة كبيرة لا
يستطيع أحد أن يتغلب عليها، فأنصحك أن تحافظ على روحك، وتعود إلى بلدك وتفتش عن
زوجة غيرها، فردّ عليه: بأنه يحبها وسيضحي بروحه من أجلها. لما وجده مصراً
أعطاه كبكوبة خيطان، وقال له: خذها ودحرجها أمامك فتوصلك إلى قصرها دون أن تشعر
بك الغولة، وتصرّف واعرف كيف تصل إلى هدفك .
لحق علاء الدين
بالكبكوبة ثلاثة أيام ولياليها فوصل إلى القصر، ووجده عالي الأسوار ليس له سوى
نافذة عالية لا يطالها الإنسان, وبينما هو يدور و يفتّش عن منفذ يدخل منه، فإذا
الدنيا أرعدت والسماء أزبدت وقرقعت, فاختبأ بين الأشجار وإذا بغولة هائلة مخيفة
قبيحة وقفت تحت النافذة، وتلفّتت حولها وشمّت الهواء، وصاحت:( طرنجي برنجي بنت
الغول، مدي شعرك طول وطول )، انفتحت النافذة وأطلّت منها صبية أحلى من القمر،
دلّت شعرها الطويل، فتعلّقت به الغولة وصعدت إلى القصر.
بقي علاء في
مكانه إلى الصباح فشاهد الغولة تدلّت، ونزلت من نافذة القصر كما صعدت، وذهبت في
حال سبيلها، فانتظر حتى انتصف النهار، وقف تحت النافذة وقلّد صوت الغولة وقال:
( طرنجي برنجي بنت الغول مدي شعرك طول وطول ) فتدلّت خصلة الشعر مثل الحرير،
فتعلّق وصعد إليها، فوجد أمامه صبية رائعة الحسن كأنها البدر، عليها عيون كحيلة
وخدود جميلة وجسم شفّاف. فزاد حبه وهيامه بها، وأحبته طرنجة أيضاً لحسنه
ووسامته، وجلسا معا يتناجيان وحكى لها قصته من أولها إلى آخرها، وأخذا يفكران
بطريقة ليتخلصا من الغولة ويهربان معا, وهما على هذا الحال سمعا الدنيا قد
أرعدت وأظلمت، فعرفا أن الغولة قد وصلت، فخبأت علاء الدين في الخزانة. ونادتها
الغولة فدلّت شعرها وصعدت إلى القصر، فقالت لها فوراً: أشمّ رائحة أنس عندك،
فردّت عليها: من أين يأت الأنس في هذه البلاد ؟ وكيف يستطيع الصعود ؟. وجلست
الغولة في حضن الصبية، وأخذت تفلّيها فوجدت بين شعرها شعرة بيضاء فنسلتها
وخبأتها، فسألتها الغولة ما هذا ؟ فقالت لها: إنه برغوت، ثم رأت واحدة أخرى
فسحبتها فتأوخت الغولة، فقالت لها مثل الأولى، وفي المرة الثالثة أوجعتها فقامت
غاضبة ودخلت غرفتها ونامت.
في الصباح ذهبت
الغولة إلى عملها المعتاد، فأخرجت طرنجة علاء من مخبئه، وجمعت حوائجها وأدلتهم
من النافذة ثم أنزلت علاء الدين، وصنعت حبلاً وتدلّت به، وركبا الفرس وأسرعا في
طريق العودة ينهبون الأرض نهباً، يريدون الوصول قبل أن تلحق بهم الغولة.
أما
الغولة فعادت إلى القصرمساء ولم تجد ابنتها، فعرفت أنها هربت مع الإنسي، فشمّرت
عن ساقيها وركضت وراءهما ثلاثة أيام لا تقف ولا تنام، ولا تذوق الطعام حتى رأت
خيالهم من بعيد.
شاهدت طرنجة
وعلاء الغولة لحقت بهم، خاف علاء الدين وسحبت طرنجة شعرة من شعرات أمها الثلاث
ورمتها عليها، فأصبح بينها وبينهم سهل ممتليء بالشوك، وأحجار الصوان، فأخذ يغرز
فيها الشوك، ويجرحها ( البلاّن )، وتتوجع من الألم، فأخّرها ذلك ثلاثة أيام، ثم
قطعتها وأسرعت وراءهما، حتى كادت أن تصلهما، فرمتها طرنجة بالشعرة الثانية،
فاشتعلت بينهما نار قوية، فأخذت الغولة تبصق وتبول عليها، وتحترق منها حتى
أطفأتها، وتابعت لحاقها بهما، حتى كادت أن تصل إليهم، فرمتها طرنجة بالشعرة
الثالثة، فأصبح بينهما سبعة بحور كبيرة أخذت تخوض فيها وتشرب منها، وبقيت تشرب
وتشرب حتى انتفخت، ثم انفزرت وماتت فتخلصا منها، وحمدا الله على السلامة،
وتابعا طريقهما، ومرّا على العفاريت الثلاثة، فارتاحا عند كل منهما قليلاً،
وتزوّدا بالطعام وتابعا السفر, حتى وصلا إلى العجوز، ففرحت بهما كثيراً
وأكرمتهما، وقصّا عليها ما حدث معهما, وأقاما عندها عدة أيام ثم تابعا طريقهما
حتى وصلا إلى عين قرب بلدهما، فترك علاء حبيبته عندها ليدخل بلده، ويخرج مع
أهله في موكب عظيم لاستقبال حبيبته والاحتفال بها، وصعدت طرنجة على شجرة تنتظره.
في
غيابه وصلت خادمة سوداء ساحرة إلى العين لتملأ جرتها, فوجدت في الماء خيالاً,
فاكتشفت وجود العروس, فصعدت إليها وعرفت قصتها، وأبدت إعجابها بها وأخذت تتفرّج
على شعرها الجميل، وغافلتها وغرزت فيه دبوساً فشلّتها، ثم دبوساً ثانيا فنبت
لها ريش، ودبوساً ثالثا فتحولت إلى حمامة.
لبست الخادمة
ثوبها وجلست مكانها.
عاد علاء الدين
في موكب عظيم، فوجد عروسه متغيرة كثيراً، ولم يعرفها، فسألها: كيف أصبحت سوداء
عاتمة ؟. فقالت: من شمسكم الحارة. وسألها: لم أصبحت أصابعها طويلة ؟ فقالت: من
كثرة ما أشرت بها أنك تأتي من هنا أو من هناك. وسألها: لم أصبحت عيناها حول؟
فأجابته: من كثرة ما بحثت عنك، فحزن علاء الدين وغطاها بالعباءة، وأركبها على
الفرس وعاد، ولم يدع أحد يراها.
في القصر وضعها
في غرفة وأغلق عليها الباب، وكان الناس يحتفلون ويقيمون الأفراح، والولائم
والطبخ والنفخ، وحلقات الدبكة، وبينما هم كذلك جاءت حمامة وقفت على شباك
المطبخ، وصاحت: ( يا حسرتي يا علاء الدين، حبيبتك صارت حمامة وستتزوج العبدة
الئيمة ) وطارت ثم رجعت ثانية وقالت ذات الكلام ثم ثالثة، ولم يستطيع أحد
إمساكها، فأخبروا علاء الدين بالأمر فسمعها، وعرف أن في الأمر سراً، فاقترب
منها فلم تهرب، أمسك بها وحضنها بين يديه، وأخذ يمسح ريشها ويقبل شعرها، فشعر
بوخزة دبوس، فقال: الله يساعد هذه الحمامة على هذا الدبوس. ثم سحبه فبان الآخر
بجانبه، وبان الثالث فسحبه، فتحولت الحمامة إلى طرنجة حبيبته الحقيقية. فرح
علاء الدين وحكت له القصة، فغضب من العبدة، وضرب عنقها وأقام الأفراح والليالي
الملاح، لا يأكل أحد ولا يشرب إلا من بيت السلطان، وأجرى ساقية سمن وساقية عسل،
وأحضر العجوز التي دعت عليه من أول القصة، فملأت جرارها، ودعت له وعاشا بهناء
وسرور، و بثبات ونبات وخلفوا صبيانا وبنات.
الرجـل الفـقير
والـغولة
الراوية : نزهة
الصوفي
كان يا ما كان
في قديم الزمان، كان هنك رجل فقير الحال، له زوجة وسبعة أولاد وكان يعمل ليلا
نهاراً حتى يؤمّن لقمة العيش لعائلته، ويبيع الفجل على حماره في المدينة
المجاورة لقريته ويبقى طوال النهار, ينادي على الفجل ويبيعه حتى يهدّه التعب
والجوع, فينام على ظهر حماره, ويعود به الحمار إلى البيت, فيفتح له الأولاد
الباب وينزلون والدهم، ويضعونه على الطرّاحة وبتابع نومه, حتى يفيق ويأكل ويسهر
قليلاً، وينام حتى الصباح .
في أحد الأيام
نام الرجل على الحمار آخر النهار ، وعطش الحمار وصار يفتش عن الماء, فطرق أحد
الأبواب ففتحت صاحبته الغولة، ورأت أمامها الحمار والرجل نائم عليه، فأنزلته
وأدخلته إلى البيت، وسقت الحمار الماء وأطعمته، وعندما استيقظ الرجل رحبت به
كثيراً وقالت له: أين هذه الغيبة يا ابني انتظرتك طويلا بعد أن تزوجت ورحلت عني
؟. ووضعت له أطيب الطعام والشراب فأكل وشبع وحمد الله كثيراً، وسألته عن أحواله
فأخبرها عن فقره وتعبه وشقائه في الحياة. فأظهرت حزنها لما سمعت حسرتها على
عيشته، وطلبت منه أن يحضر عائلته للعيش معها، فخيرها كثير وأموالها لا تأكلها
النيران، ففرح بكلامها وأحسّ أن الفرج جاءه أخيراً وسيرتاح ويتمتع بالدنيا.
عاد الفقير إلى
بيته وجمع أولاده وأخبرهم الحكاية, فأنكرت زوجته هذا الكلام الذي لا يدخل في
العقل, وقالت له: إن أمّه ماتت من زمان، فأسكتها وقال لها: أنت لا تعرفين أمي
أكثر مني ؟.
ثم حزموا
أمتعتهم ورحلوا من وقتهم إلى بيت الغولة, فرحبت بهم وباستهم وحضنتهم وأظهرت لهم
الحب والحنان، وقدمت لهم الطعام والشراب والحلويات والفواكه، حتى شبعوا لأول
مرة في حياتهم، ومدّت لهم الفرش الصوف، وناموا في هناء وسعادة حتى الصباح،
فأفاقوا مبسوطين وكأنهم في منام, غير مصدقين ما حصل لهم، وقبل أن تخرج الغولة
إلى عملها أعطت مفاتيح أبواب البيت للزوجة، وقالت لها: البيت بيتك افتحي جميع
الأبواب ما عدا هذا الباب, وتركتهم ومضت في حال سبيلها.
بقي الرجل
وزوجته يتنعمون بالخيرات، وينامون في أحسن حال إلى يوم من الأيام, حدّثت المرأة
نفسها أن تفتح الباب الذي منعتها العجوز من فتحه، وبعد تردّد فتحته ، وإذا هي
في برية قفرة نفرة, لا فيها وحش يسير ولا طير يطير، وفيها مغارة فاقتربت منها
فرأت الغولة تأكل ولداً صغيراً وترمي عظامه في حفرة، فرجعت مسرعة وقد اصفرّ
لونها وانقطع حيلها، وأخبرت زوجها بما حصل فضحك منها، وقال: لا بدّ أنك رأيت
مناماً في الأحلام، ولما عادت العجوز سألها الرجل: أصحيح أنك غولة يا أمي ؟
وتأكلين الأولاد كما تقول زوجتي؟، ضحكت ضحكة أرعدت لها الأرض وقالت له: هل شكلي
شكل غولة ؟ وهل تصدق أن أمك تأكل الأولاد ؟ فلا بد أن زوجتك رأت مناماً وتهيأ
لها فلا تشغل بالك، قم أنت والأولاد لتناول الطعام، والبسوا الثياب الجديدة
التي أحضرتها لكم من السوق فانشغل الأطفال بالملابس الجديدة و الهدايا والطعام،
أما الأم فبقيت خائفة ومشغولة البال .
عرفت الغولة أن
المرأة قد فتحت الباب الذي منعتها منه واكتشفت حقيقتها, فقرّرت أن تأكلهم هذا
المساء، فقالت للمرأة: أنها ستحّمم الأولاد ووضعت قدراً كبيراً من الماء على
النار، حتى أصبح يغلي ويتصاعد منه البخار.
أدخلت الأولاد
إلى الحمام فدخلت معها الأم لتراقبها وتحمي الأولاد منها, وقررت سراً أن تحتال
عليها وتتخلّص منها، وبينما الغولة تخلع ملابس الأولاد، وتتحسّس لحمهم الطري
وقد سال لعابها لالتهامهم ، قالت لها الأم: انظري يا خالتي ما سقط في القدر ؟
فاقتربت الغولة لتنظر فيه وانحنت عليه كثيراً, فدفعتها المرأة وسقطت في قدر
الماء المغلي, فماتت من ساعتها وفرحت المرأة بخلاصها وخلاص أولادها من الغولة
الشريرة، وعاشوا في بيت الغولة يتنعمون بخيراتها مبسوطين وطيب الله عيش
السامعين.
البياع وأخـته
الـغولة
الراوية: كرجية
رسلان
كان يا ما كان
في قديم الزمان كان هناك رجل فقير الحال، كبير في السن، يبيع الحلوى على الحمار
في القرى المجاورة، ويتعب طول النهار ويعود في الليل إلى بيته حيث ينتظره
أولاده، ليحضر لهم العشاء فيتعشون وينامون، ثم يستيقظ عند طلوع الفجر ليتابع
عمله كالمعتاد.
في يوم من
الأيام ساقته الأقدار إلى دار كبيرة في البرية، وكان قد شعر بالجوع والعطش،
فقرر أن يطلب بعض الماء من أصحاب هذه الدار، ولم يكن يعرف ما كانت تخبئ له
الأقدار. طرق الباب فخرجت عجوز قبيحة، سلّم عليها فردّت عليه السلام، وأدخلته
إلى الدار دون سؤال ووضعت له الطعام والشراب، وهو متعجب من هذا الترحاب، الذي
لم يخطر على بال، وبعد أن شبع وملأ بطنه قالت له: لا تستغرب هذا فأنا عرفتك
وأنت لم تعرفني ؟. أنت فلان ابن فلان وأنا أختك فلانة من لحمك ودمك، وقد رحلت
من عندكم وأنت صغير ومضت ثلاثين سنة لم أرك فيها، فما هي أخبارك وكم ولداً
أنجبت ؟ فأجابها وهو يزداد تعجباً من الأمر: عندي ثلاث بنات ولكن أحوالي صعبة،
والفقر ضارب أطنابه، والتعب هدّ الحيل. فأسفت عليه وأظهرت له الحزن والهم وقالت
له: هذا لا يجوز يا أخي فأنا حالتي ميسورة، وعندي مال كثير، وأنت فقير ومعدوم
الحال، يجب أن تأتي أنت وبناتك وزوجتك، وتعيشوا معي لتؤنسوا وحشتي وتشاركوني
داري الكبيرة.
فكّر الرجل
بكلامها ووجده عين الصواب وأنه فرج أتاه من السماء، فقام من وقته وذهب إلى
بيته، وأخبرهم القصة. فقالت له زوجته : لا أصدق هذا الكلام، فأنت ليس لك أخت ،
وهذه عجوز شريرة وتدبر لنا أمراً مكروهاً، فصاح بها وأسكتها وأمرها أن تجهز
أغراضها دون كلام، لكي يرحلوا في الصباح إلى بيت أخته الغنية والكريمة، فخضعت
لأمره وهي غير راضية ...
في الصباح حملوا
أغراضهم على الحمار وساروا حتى وصلوا دار أخته، دقوا الباب ففتحت لهم العجوز
ورحبت بقدومهم، واستقبلتهم أحسن استقبال وضمتهم وأظهرت شوقها لهم، وأدخلتهم
ووضعت لهم ما لذّ وطاب من الطعام والشراب، فأكلوا حتى امتلأت بطونهم ومدّت لهم
الفرش الوثيرة، فناموا أجمل نومة ونسوا أيام التعب والشقاء، وبقوا على هذا
الحال عدة أيام .
في كل يوم كانت
العجوز تكرمهم أكثر، وتطعمهم طعاماً أحسن من الأول، فقالت له زوجته: أنا لست
مطمئنة لهذا الكرم والعجوز تعلفنا لنصح وتأكلنا في النهاية، فنهرها وقال: أنت
تعجبك حياة الفقر والتعب، ولا تعجبك حياة النعيم، اسكتي أفضل لك.
في ليلة من
الليالي استيقظت البنت الصغرى بعد منتصف الليل، لتقضي حاجتها فسمعت حركة وصوتاً
غريباً في الزريبة، فنظرت فيها فرأت الغولة راكبة على الحمار وتأكله من رقبته.
ففزعت الفتاة وذهبت إلى أمها، وأيقظتها وأيقظت والدها، وأخبرتهم بما رأت،
فذهبوا لكي يروا الزريبة فوجدوا الحمار بمكانه، فقال لها والدها: عيونك تريك
أشياء غريبة. وعادوا إلى النوم.
في اليوم التالي
قصَّ الأولاد للعجوز ما رأته البنت الصغرى في الليل، فضحكت، وقالت: إن النوم في
البرية يريكم أشياء غريبة وعجيبة، وعند الظهر أحضرت الطعام والشراب والحلوى
ليأكلوا، فلم ترض الأم أن تأكل، وقالت لزوجها: والله إنها تطعمنا كي تسمننا
وتأكلنا ؟ فضحك عليها ولم يصدقها.
في الليل نام
الجميع نومة ثقيلة، فجاءت الغولة وحملت الرجل، ووضعته في غرفة المونة وبدأت
تأكله. وكالعادة استيقظت الفتاة لقضاء حاجتها، فسمعت صوتاً غريباً في بيت
المونة، فنظرت من النافذة فرأت الغولة تأكل والدها، فذهبت مسرعة إلى أمها
وأحضرتها لكي ترى ما رأته، ولما حضرت الأم ورأت ذلك المنظر طار عقلها فركضت إلى
بناتها، وأيقظتهم وخرجت بهم من النافذة، وبدؤوا يركضون طوال الليل من خوفهم حتى
وصلوا إلى مضارب قبيلة بدو، لجؤوا إليهم واستجاروا بهم، وحكت الأم قصتها لشيخ
القبيلة، ففهم قصتها، وكان لديه ثلاثة كلاب جوعانة، فوضعهم في كيس كبيرة وربطهم
ووضعهم جانباً.
أما الغولة فقد
استيقظت في الصباح فلم تجد الأم والبنات فغضبت كثيراً، وقالت: لعنهم الله لقد
هربوا بعد أن أطعمتهم وعلفتهم بأحسن الطعام والشراب، والله سأحضرهم ولو كانوا
تحت الأرض.
ذهبت الغولة
للبحث عنهم حتى وصلت مساءً إلى مضارب القبيلة، فدخلت على شيخها وسألته عن الأم
وبناتها الثلاث وعرفته أنها عمتهم، وأنهم خرجوا من عندها زعلانين وتريد أن
ترضيهم وترجعهم إلى البيت. أجابها شيخ القبيلة: إن المرأة أتت إلى القبيلة،
ووضعت البنات الثلاث أمانة عندنا، وذهبت لا يعرف إلى أين، ولكنها ستعود لأخذهم.
فطلبت الغولة منه البنات فأعطاها الشيخ الكيس الذي يحوي الكلاب. فشكرته على
معروفه وقالت له: عندما تعود زوجة أخي أخبروها أنني قد أخذت البنات وتعود إلى
البيت لتراهم. في الطريق حدثت نفسها: سوف آكل البنات و بعدها أفتش عن أمهم.
في البيت فتحت
الكيس لتخرج البنات، فهجم عليها الكلاب وقطعوها، وأكلوها وأراحوا العالم من
شرها، ورجعت الكلاب إلى القبيلة، ولما رأى الشيخ آثار الدماء على أفواههم، عرف
أنهم قد أكلوا الغولة، فذهب وأخبر المرأة وبناتها، ففرحوا كثيراً وكان عند
الشيخ ثلاثة شباب فزوجهم البنات، وتزوج الشيخ أمهم وعاشوا في ثبات ونبات وخلفوا
الصبيان والبنات
.
الـغولة
والـبنات
الراوية: كرجية
رسلان
كان في قديم
الزمان حتّى كان، رجل حطّاب فقير الحال، مرضت زوجته وماتت وتركت له ثلاث بنات،
بقي يعيلهن ويرعاهن، حتى كبرن وكبر هو أيضاً وشاخ وأصبح عاجزاً عن العمل وتأمين
لقمة الطعام لبناته، فقرّر أن يبيع البنت الكبرى بـ500 درهم، لكن لم يشترها أحد
إلاّ غولة كانت تسكن في الجوار، فدفعت له ثمنها ألف درهم ففرح، وقبض المبلغ
وبقي يصرف منه حتى انتهى، فعرض بيع البنت الوسطى فجاءت الغولة واشترتها، ودفعت
له ثمنها ألف وخمسمئة درهم, فطار عقله وأعطاها البنت، واستمر يصرف منه حتى
انتهى، وجاء دور الصغيرة فباعها للغولة بألفي درهم، فأخذتها الغولة إلى بيتها،
فلم تر أخواتها فسألتها عنهم فلم تجبها الغولة، ونامت عندها إلى الصباح
فأيقظتها باكراً، وطلبت منها أن تنظف البيت وتشطفه، وترتبه وتنتظرها حتى تعود،
ففعلت البنت بكل جد ونشاط، وجلست تنتظر الغولة في المساء عادت الغولة ومعها
سختورة، وسلّمتها إلى البنت وقالت لها: خذي السختورة ونظفيها وأنت تضحكين
واحشها وأنت تضحكين، واطبخيها وأنت تضحكين، وكليها وأنت تضحكين، إن نجحت بذلك
سلّمتك مفاتيح القصر وأصبحت سيدة القصر, وإن فشلت سأشبقك من بزازك في الغرفة
السرية بجانب أخواتك، ففعلت البنت كما أمرتها الغولة إلى أن حان وقت الطعام،
فتذكّرت أباها وأخواتها، فغصّت لكنها صبرت حتى تفوز وتنقذ أخواتها. فرحت الغولة
منها وسلّمتها مفاتيح غرف القصر جميعهم، وقالت لها:الآن أنت سيدة القصر وكل ما
فيه تحت تصرفك، وبإمكانك أن تفعلي ما تريدين، وتحصلي على ما تريدين، ولكن أحذرك
من أن تفتحي هذه الغرفة فتخربين سعادتك بنفسك.
الغولة كانت
تخرج كل يوم من الصباح إلى المساء، بينما البنت الصغيرة كانت تفتح غرف القصر
واحدة بعد أخرى، فترى فيها أشياء غريبة وعجيبة لم تحلم بها في حياتها من أجمل
الثياب، وأنفس المفروشات، وأندر الجواهر واللؤلؤ والحلي والألماس وأدوات
الزينة، وأشهى المأكولات مما لذّ وطاب فتمتعت ولبست وأكلت وتزينت وعاشت أسعد
الأوقات، وبقيت على هذه الحال أياماً طويلة
.
في أحد الأيام
تذكرت والدها وأخواتها، فحزنت وشعرت بالانقباض والاكتئاب، وتذكّرت أمر الغرفة
التي منعتها الغولة من فتحها، فقامت في الحال وفتحتها، فذهلت عندما رأت أخواتها
معلّقات من أبزازهن في سقف الغرفة، وقد هدّهم الجوع والعطش، ونحلت أجسادهن وشحب
لونهن، فأنزلتهما وأطعمتهما وسقتهما وداوتهما، حتى صحّا قليلاً وحكين لها كيف
أتت بهن الغولة، وقدمت لهن السختورة واشترطت عليهن مثلما اشترطت عليها، ولكن
عندما جلسن ليأكلنها تذكرن أهلهن فبكين، ففعلت بهن الغولة ما رأت، وعدتهما
الصغيرة بأنها ستجد وسيلة لإنقاذهما، وقبل أن يحين وقت عودة الغولة أعادتهما
كما كانتا، وجلست تفكر بطريقة للتخلص من الغولة
.
وجلست تراقب
الغولة فرأتها تحمل صينية طعام إلى برج القصر، وتدخل وتغلق الباب لساعة من
الزمن، وتعود إلى غرفتها وتنام، أثارت فضول الفتاة لمعرفة ما تفعل الغولة في
البرج، فانتظرت بعد أن نام الجميع، أشعلت شمعة وتسللت إلى البرج، فرأت صالة
كبيرة مفروشة بأحسن الأثاث، وفي إحدى الزوايا رأت شاباً جميل الطلعة وسيم
الملامح، مقيداً من يديه ورجليه، ومعلقاً على الجدار وكان نائماً وقد أنهكه
التعب، فاستغربت الأمر وأيقظته، وسألته عن قصته فأخبرها أنه ابن ملك أحبته
الغولة وخطفته، وأرادت الزواج منه لكنه رفض فقيدته وعذبته، وهي تدخل عليه كل
يوم بالطعام وتراوده عن نفسه وتطلب الزواج منه فيرفض، فتعذبه وتضربه حتى يغمى
عليه، وسألها الشاب عن سبب وجودها في قصر الغولة، فأخبرته بحكايتها وحكاية
أخواتها، واتفقا على التعاون والخلاص من الغولة، فأخبرها أن روح الغولة موجودة
في عصفور، وضعته في قفص في غرفة نومها، وعليها أن تتسلّل إلى غرفتها في غيابها،
وتجلب العصفور المطلوب، وتبدله بعصفور آخر وتترك له الباقي، ثم عادت الفتاة
بهدوء ونامت في غرفتها.
في اليوم التالي
خرجت الغولة إلى عملها، فأمسكت الفتاة بعصفور، ودخلت غرفة الغولة فرأت فأخذت
العصفور من القفص، ووضعت الآخر مكانه، وحملته إلى الأمير ففرح به، وفكّت قيوده
وجلسا معا يتسامران إلى أن اقترب موعد عودة الغولة، عاد الأمير مكانه ولفّ
الحبل حول يديه ورجليه، وأخفى العصفور بيده، وعادت الفتاة إلى غرفتها وكأن شيئا
لم يحدث .
بعد الغداء حملت
الغولة صينية الطعام إلى البرج ودخلت على الأمير، فأطعمته وسألته أن يتزوجها
فرفض، فغضبت منه وقالت له: إنها صبرت عليه كثيراً وأن صبرها نفد، فإن لم يوافق
فستقتله وتتخلص منه، ورفعت قضيباً لتضربه وتعذبه، ففك قيوده وضربها ضربة قوية
أوقعتها على الأرض، وأمسك العصفور بيده، وضغط عليه فتألمت الغولة وأحست
بالاختناق، ورجته أن يبقي على حياتها، وله كل ما يطلب ويريد، وكانت الفتاة
تراقب ما يحدث فدخلت وصرخت بالأميرأن يتخلص منها ولا يصدق وعودها، فضغط بقوة
على العصفور فخرجت روح الغولة وماتت في الحال. فرح الجميع بخلاصهم، وحررت
الفتاة أخواتها وهنأتهم بالسلامة، وحمل الجميع ما غلا ثمنه وخفّ حمله من القصر،
وعادوا إلى ديارهم، وأقاموا الاحتفالات والأعراس وتزوج الأمير من الفتاة، وله
أخوان تزوج كل منهما فتاة، وأحضرت الفتاة والدها، وعاشوا جميعاً بالهناء
والسرور وطيب الله حياة الجمهور.
---------------------------------------------------------------------
إلى (حكايات
شعبية بالعامية المحكية1)
|