أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

الكاتبة: بثينة محمد نور إدريس-السعودية

       
       
       
       
       

 

نصوص أدبية

نماذج من أعمال الكاتبة

بطاقة تعريف الكاتبة

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتبة

 

الميلاد: المدينة المنورة .

 

نقطة الإنطاق الكتابي:

بدأت مشوار الكتابة الصحفية والأدبية منذ عام 1405 من خلال الصحف والمجلات المحلية.

 

نوع الكتابة:

القصة القصيرة -  المقالة -  الخاطرة - النقد .

المشاركات الكتابية والإذاعية :

أذيعت بعض القصص ببرنامج ( قصة من الأدب السعودي ) بالبرنامج الثاني ، من إعداد / حامد عباس – ومحمد علي قدس .

أذيعت بعض المقالات ببرنامج ( خمس دقائق ) بالبرنامج العام .

 

كتبت في الصحف والمجلات المحلية :

 شاركت في إعداد صفحة ( قوافل النهار ) بملحق الأربعاء في بداياته .

المدينة " الأربعاء "- عكاظ  - الندوة –– الرياض – البلاد – الجزيرة – النخبة- المجلة العربية – مجلة المنهل – مجلة اقرأ –  قافلة الزيت – مجلة الفراشة - مجلة الأمانة الصادرة عن أمانة المدينة المنورة -مجلة المدينة المنورة الصادرة عن الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة -  وبعض دوريات وملفات الأندية الأدبية – والواحات المشمسة الصادرة عن نادي القصة القصيرة بالرياض .

 

المجلات العربية:

كل الناس – العربي – الرجل – بلقيس .

عملت كمحررة صحافية بالصحف والمجلات التالية :

الندوة – المسلمون – اليوم - الرياض – البلاد – مجلة اليمامة – مجلة الفراشة –

مجلة المدينة المنورة الصادرة عن الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة – مجلة الأمانة الصادرة عن أمانة المدينة المنورة .  

 

الزاويا:

حررت زاوية بمجلة " بلقيس " اليمنية بعنوان " همس الفراشة " .

حررت زاوية بمجلة " الفراشة " المحلية بعنوان " مرآيا " .

 حررت زاوية أسبوعية بجريدة البلاد بعنوان " عبر الورق " .

ثم انتقلت بالزاوية إلى جريدة " الندوة " من عام هـ 1419إلى 1420هـ .

المشوارالكتابي الحالي:

تحرير زاوية " عبر الورق " بجريدة المدينة المنورة منذ عام 1421هـ ، وحتى الآن .

الكتابة ببعض الصحف والمجلات المحلية والعربية .

الكتابة ببعض المجلات و المنتديات الثقافية الإلكترونية .

 

الجوائــز:

حصلت على بعض الجوائز منها :

الجائزة الأولى في برنامج " المستمع يضع النهاية " من إذاعة البرنامج الثاني لعام 1406.

الجائزة الثالثة مناصفة لمسابقة القصة القصيرة بجمعية الثقافة والفنون بالمدينة المنورة لعام 1417هـ .

المؤلفــات:

مجموعة قصصية بعنوان " أواه يازمن الصمت " صدرت عام 1417.

مجموعة قصصية مخطوطة بعنوان  " هل جاء ليسرق أحلامي؟؟"

خواطر مخطوطة بعنوان " همس الفراشة " .

ومؤلف أدبي بعنوان " خطوات امرأة " .

 

العضويات واللجان:

عضو مؤسس للمدارس النسوية للجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة 1407هـ

عضو مؤسس"  للجنة الزواج النسائية " بالجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية 1410هـ.

عضو مؤسس وفعال برابطة أديبات وكاتبات المدينة المنورة 1412هـ

عضو بجمعية طب الأسرة بالمدينة المنورة 1415هـ

عضو باللجنة النسائية لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة 1421هـ .

عضو بالجمعية السعودية للإعلام والاتصال 1424هـ

عضو بالهيئة الإسلامية العالمية للإعلام 1425هـ

المدينة المنورة – ص.ب 20571

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتبة

أكتم أنفاسك... لا تصرخ

أمي التي لم تمت

تجمع هداياه ويعاد إلى بلده

اللحظة الباقية 

أأخبره الحقيقة؟؟؟

صدى الذكرى

فارس الحي المنكسر

وهم الحب

هل جاء ليسرق أحلامي؟

 

 

اللحظة الباقية

 

 

ابتسمت سراُ وأنا أردد " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا من غير حول ولاقوة منا "  ورحت ألملم بقايا الطعام من على الأطباق ، تماما كما ألملم لحظة غضبى متلفحة بالبسمة   قال منفعلاً:

هيا قرري الآن .. لاوقت لدي ..

إما الاستمرار .. ! إما البدء من جديد .. ! أو الافتراق .. !

تجاهلت ما قاله، وأنا أحمل بعض الأطباق باتجاه المطبخ ، وقلت بصوت يعلو على صوته:

" اللهم أحفظها نعمة وأدمها من الزوال " .

عاد وكرر كعادته ثلاث :

هيا .. فقد اتفقنا أن يكون القرار بعد الغداء ..

تنحيت جانباً أفسح له الطريق إلى الحمام وأنا لازلت أتفقد ملامح وجهه أبحث عن شئ ما ، وهو منكس الرأس والعينين ، فلم يجرؤ على صد نظرات عيني أو حتى ترك العنان لعينيه لتلتقي وعيني .

تبسمت مرة أخرى بصمت !! فقد كان ما يكمن خلف ابتسامتي ذكرى يوم إصراره على اختياراته الثلاث لقراري .. يوم أن فاجأته يجلس وحيداً بعد خلافاً لنا ، وقد كان يفكر بصوت مسموع فلم يشعر بدخولي  إلى الغرفة ، كان يردد :

يارب تلزم الصمت .. يارب يكون قرارها الاختيار الثاني وترفض الافتراق.

لحظتها تنحنحت إثباتاً لوجودي داخل الغرفة معه .. تلعثم .. ثم ارتبك .. ففقد توازنه ونظر إلي ، ثم لم يجد بداً من الضحك ، فقهقهنا سوياً وضحكنا كثيراً في ذلك اليوم ، فلم نتمالك أنفسنا وحتى نسينا في غمرة ضحكاتنا كل شئ غير جميل ، نسينا خلافنا وكان تتويج تلك اللحظات الجميلة دعوة عشاء خارج المنزل ..

منذ تلك الليلة ونحن كلما غضبنا أو تشاجرنا وهممنا بالفراق ، تذكرنا ذلك اليوم فتغتصبنا الضحكات من دواخلنا وننسى في عمقها خلافاتنا وغضبنا من بعضنا ..

ها أنا أتذكر وهو كذلك يتذكر .. لذلك لا يقوى على مواجهتي أو ترك عينيه لحضن عيني وحتى لا تراوده لحظة الذكرى عن نفسه ، فتحتويها ابتساماتنا وضحكاتنا ونعود مرة أخرى بغير خصام ..

خرجت من لحظة الذكرى وسندت باقي اللحظات لئلا تسقط من علو الخصام وتنهار ، وكنت قد فرغت من لملمت بقايا الأطباق .. ثم سكبت في جوفي قليل من الماء ثم رددت " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " مرات ثلاث .

كان كل شئ يسير بهدوء تام ، فقد لزم الصمت منذ دخولي إلى المطبخ لصنع الشاي .. تساءلت هل هو هدوء ما قبل العاصفة ؟؟ أم بركان خمد ؟؟ يممت وجهي إليه وأنا أناوله كوب الشاي ، قلت له مشاكسة لأجل لحظات مستديمة من الود والبقاء :

تفضل .. يا حبيب العمر المراوغ ..

يبدو أنني قد دست على زناد التأهب والغضب بدون أن أشعر ، فقد شمر عن اندفاع كلماته ليقول لي منفعلاً :

لست مرواغ .. لست مرواغ .. لست مرواغ ..

كررها ثلاث ،  ثم لزم الصمت برهات وشخص ببصره ثم عاد ليواصل انفعاله وقال :

لأني  أطالب ببعض العدل.. بتحديد قرار ، أصبحت مراوغاً .

وعاد إلى شروده ورحيله ببصره وعقله .. وقد يكون لقلبه مكانا في تلك الرحلة  فضلت أنا الأخرى الصمت ، ولكن طال أمد صمتي قليلا عن لحظات صمته ، عله يهدأ بعض الشيء فقد عدت أدراجي إلى بعض شئوني بالمنزل ، فهو يريد أن يختلق شيئاً من اللاشئ، يريد إضرام ناراً بغير ثقاب ، يريد ان يلتهم وريقات الذكريات الجميلة التي بيننا.

فكلما أسررت له بشوقي لباسم أبننا ، حين زياراته إلى جدته أضرم لي ناراً ، لا يريد قط أن ينسى أن اسم ابننا " باسم " هو اسم زوجي السابق وصديق عمره ، الذي مضى على وفاته عشر سنوات ، تثيره كلمات الحنين إلى صغيري باسم ، رغم انه هو من اختار له هذا الاسم وفاء لصديق عمره الراحل  "باسم ".

كلما ذكرت له شوقي لصغيري ، هددني بتلك الاختيارات الثلاث :

إما الاستمرار ‍‍..‍‍‍‍‍‍‍‍ أو البدء من جديد .. أم الانفصال ..

فإما الاستمرار على عدم ورود كلمة الشوق لباسم على لساني .

أو البدء من جديد بغير حنين لباسم .

أو الافتراق لأجل باسم .

وقد طلبت منه مراراً كحل حاسم لما يحدث بيننا من خلافات ، أن يغير اسم باسم .. ولكنه دائم الرفض ، وتدور دورتنا إلى خلاف آخر .

عدت إلى مجلسي في الغرفة .. وقد توصلت لقرار حاسم ، يقطع دابر خلافات الذكرى  وقد اكتسى وجهي عن ابتسامة رضى لقراري وأنا أقول له :

لقد قررت ..

تأهب مشدوهاً ، تعلو وجهه مسحة خوف وريبة من قراري الذي قدمت به ، طال صمتي وطال تأهبه وازدادت مسحة الخوف انتشارا في وجهه البريء .. فقال :

ها .. ماذا قررت  ..؟ ماذا قررت ؟؟ ماذا قررت ؟؟

أعاده سؤاله ثلاثاً فمن عادته أن يعيد أي حديث أو كلمات يقولها ثلاث، لذلك تساءل ثلاث مرات وعدل من جلسته.. وقد تسللت مسحة من الخوف  إلى حلقه.

ولكي أثير من قلقه واستفز به مكامن الخوف والريبة ، حركت شفة واحدة فقط. واحدة لأرى من خلف كلماتي المنحدرة نحو قلبه ردات الفعل في ملامح وجهه .. ثم قذفت بالكلمات في وجه طفل .. هادئ .. وديع .. محب لحنان أمه لا يريد مفارقته .. يهددها بأن يغضب .. ويشهر سلاح الخصام ويقول لها أنا لا أحبك ماما .. لكنه دائماً يعود ليلوذ في حضن حبها وحنانها المتدفق .. يرتوي من نبعه .. يهدئ ثورات جنونه حين الخوف ويثيرها حين المشاكسة والتحرش بها .. قلت :

نغير اسم باسم وهذه المرة قرار بلا تراجع ، ولأنني أعرف وفاءك واخلاصك  لصديقك ، ثم رفضك لتغير اسم باسم .. فقراري هو أن نغير اسمه في تعاملنا ومناداتنا له .. وتخاطبنا معه وتبقى حقيقة الاسم في الهوية ..

كررت عليه ما قلت ثلاث ثم قلت :

هذا قراري ولارجعة فيه .. هذا قراري ولارجعة فيه .. هذا قراري ولارجعة فيه .

باغتته عينيه بنظرة نحو عيني وبغير أن نشعر اجتذبتنا الضحكات من داخل القرار .. فضحكنا .. ضحكنا كثيراً .. حتى نسينا في لحظة الذكرى ماكان بيننا من مبعثرات خلاف .. ولكننا أبدا لم ننسى "باسم " سر خلافنا وسر ضحكتنا ولم ننسى أيضاً " لحظة الذكرى" يوم أن تناهى إلى مسمعي دعواته بالأ أقرر وإلا أختار سوى الاستمرار ..

حتى تعالت ضحكاتنا من جديد .. وارتشفنا الشاي وعدنا لممارسة الضحكات بغير اختيارات ثلاث .. سوى اختيار أن يكون اسم باسم منذ تلك اللحظة " حاسم ".

أضيفت في12/04/2005 / خاص القصة السورية / المصدر: الكاتبة


 

 

 

أأخبره الحقيقة ؟؟؟

 

 

يتثاءب يمتطى كسله لا أعذار اليوم ،، ولا تخلص من الذهاب إلى المدرسة يحاول أن يقول شيئا .. يتلعثم ..تدل نظراته الخائفة أن شيئا ما سيحدث داخل مساحات مدرسته .. ترى واجبا لم يُحل؟ أم كراساً لم يُشترى؟

يحاول بشدة أن يخبرهم بما يقلقه قبيل ذهــــابه للمدرسة لكنه يعود فيتذكر أن  لا مجال أمامه لكل ذلك فلــن تــكون هــــناك جدوى لمعاذيره وربما يزداد العقاب فيكون عقابين منزلي ومدرسي ...

يحمل على قسماته براءة الطفو لة ونظرات حائرة .. خائفة .. يرتدي ملابسه يتناول فطوره وكأس الحليب المفـــروض علـــيه ،، ثم يغادر وعلى ظهره ترتـــاح حقيبته الصغيرة التي حملت أحلام الطفولة وأمنيات الغد تظلله بعض الغيوم .. يرتــــــاد بعضه ، يتعمق بأفكاره خوف وحزن وبراءة تتلألأ

يا الهي هل كتب لي الشقاء .....؟

هل حملت الحزن في عمقي رداء ؟

هل تمنيت ظلاما للمساء  ؟

يتخطى سنواته التســــــــع بما يحمله قـلبه الصغير جراء ما يقاسي تسبقه خطواته نحو الغـــد تبادره بالتحدي .. تلقى عليه تحية الشقاء .. تحتضنه .. وتهمس له : الغد قريب..

وصل بوابة مدرسته رافعا رأسه بنظرات مشدودة نحو السماء يدرك الناظر إليه انه يطلب شيئا منها .. ربما فذلك المدرس الذي يزرع الصف ذهابا وإيابا يترصده ، وهاهو الآن قد أتى إليه وليس في جعبته إلا أمواج من الخوف ومـــثلها من الأمنيات التى تقول ليت المدرس لا يأتي اليوم .. ليتني أصاب بمرض مفــاجئ .. وكل تلك ليست إلا أمنيات غادرت الصف حين دخله المدرس ....

للتحية التي يلقيها المدرس موضوع آخر يجتذبها لتُردد  على مسامع أولئك الصغار.... مكرهاً مدرسك لا بطل .. كل ذلك ليست أهميته كأهمية اليوم المنتظر .. الغد .. اليــــــوم .. الغد آتي ...

في الركن الواقع في مؤخرة الصف ثلاثة أطفال يقفون ... بملامح خائـــفة تدل على انه قد خانتهم الذاكـــرة مع مدرسهم فلم يقوموا بواجب ما كان مفروضا عليهم ....

هاهو المدرس يسير متباطئا نحوه .. ودقات قلبه تزداد خوفـــــــا ورهبة ، ترتعد فرائصه.

أنت قف : توضأنا فكيف نصلي  ؟ 

حمل إليه السؤال الذي لشد ما كان يقلقه ......

كيف نصلي ؟ كيف نصلي..؟؟   لكنني لا اعرف كيف نصلي .. ماذا أقول له ..؟  تلعثم عدة  مرات قبل أن ينطق .. شيء يملأ رأسه... شبه دوار..... اغماءة .. فشل ذريع.. تحرك قل كيف نصلي..

آ......آ......آ......آ ..... لازال يتلعثم..

ليس أمامه متسع للهروب من أسئلة المدرس خاصة وأن تلك العـصا تعقد صداقة دائمة معه.. هاهي بين يديه يلوح بها ..انها إعــــلان لمعركة حامية الوطيس تردد ... خوف..... حذر  .... أن تهوي عليه بين لحظة وأخرى لكن يا أستاذ ...

أنا لا اعرف كيف أصلي .. لم استوعب الدرس..

تباً لك أيها الغبي .. أبغير الدرس لاتعرف الصلاة ؟؟؟

نعم .. ( والخوف ينظر من بين شفتيه ) أنا لا أصلي ..

يتطاير الشرر إلى عصا المدرس لتهوي على ذلك الجسد الصغير الماثل أمامه ....

ألم يعلمك أبوك الصلاة ....  أيها الأحمق ....؟؟؟

يتلعثم الصغير بأحرف كلماته ،، يختنق ،،، يجهش بالبكاء .. يعاوده ثانية ذلك الدوار الممزوج بالخوف.... يتحدث إلى نفسه .... أأخبره الحقيقة … ؟

قال لي صديقي طــــارق .. أن الذي يــــكذب يدخل النار وأنا لا أريد أن أكذب .. أخاف أن أدخل النار … يا الهي ماذا أقول له …؟؟؟

أأحدثه بالحقيقة ؟  أم ألــوذ بالصمــت وأتـابع عــدد المرات التـــي ستهوي فيها العصا علي جسدي …

قالوا لي أن من يشرب الحليب عن رضــا يصبح قوياً .. هــــل ذلك معناه أنني لن اشعر بلسعات هذه العصا ..؟؟؟

تستحثه نظرات المدرس الغاضبة بأن يتحدث وبسرعة ... لا فائدة سأقول الحقيقة .. حتى لا أدخل النار … يستجمع ما وهبه الله من شجاعة ليقول: ..

لكن يا أستاذ .. أبي لا يصلي.. وأمي أيضاً.. واخوتي لا احد في منزلنا يصلي ... !!!!

 

 

اكتم أنفاسك ... لاتصرخ

 

 

الإهداء: إلى كل أم يتقطر قلبها ألما وحزنا على أطفالها .. إلى كل أم في عمق أمومتها وفي لحظات إحساسها بأطفالها وإرضاعهم الحب والعطف والحنان……….. إلى أم فارس ليلة أن كتّم أنفاسه لئلا يصرخ   ………

 

تقوقع فارس في زاوية الغرفة وأجهش بالبكاء صمتا، غسلت دموعه خديه ومسحت قاذورات يديه حتى احمرت عينيه... انتحب أكثر فأكثر فتلك العصا قد مارست معه ألوانا وألوان من الاحتضان حتى لم يبقى في جسده النحيل مساحة لم تحضنها عصا أمه…

اقتربت خطوات أخيه فراس نحوه ضمته يديه الصغيرتين وقال له:

لا تبك .. أنا احبك يا فارس..لا تبك كف عن البكاء ، كف وهيا لدي حكاية جميلة رواها لنا المعلم اليوم سأرويها لك ، وأريد أيضا أن اريك شيئا سيعجبك ..

صرخ صامتا في عمق وجهه حين حرك شفتيه ولا زالت يديه تغتسل في نهر دموعه وتحترق وجنتيه ألماٍ من حرارة دموعه قال :-

لكن ماما لا تحبني …. ماما لا تحبني .. فهي تضربني كثيرا .. تضربني دائما ثم لا تريدني أن أبكي.. دائما تقول لي اكتم أنفاسك لا تصرخ.. أرأيت يا فراس كيف ضربتني اليوم أن جسدي يؤلمني….

اكتم أنفاسك   ………...            لا تصرخ……

عبارة ترددها دوما راوية على مسامع صغارها بل ولا زالت حتى حفرت لها جذورا في قاع نفوسهم الصغيرة البريئة لتتسلل من أعماق خوفهم حين يكون الضرب عقاباً لهم لحظات يمارسون الشقاوة... استخدمت معهم الضرب كوسيلة وحيدة تعاملهم بها وعلمتهم نصيحة حيــن العــقاب ( اكتم أنفاسك … لا تصرخ ) وليس من وسيلة أمامهم لكتم الأنفاس خوفا من أمهم إلا وضع أيديهم على أفواههم والتزام الصمت أو البكاء بغير صوت ...

مسح فراس دموع أخيه وابتسم في وجهه وسحبه من داخل حزنه وبكاءه إلى حيث يطلعه على الشيء الذي حدثه عنه ،،  اخرج من جعبة حقيبته المدرسية دباٍ أهداه إياه قائلاً :

فارس هذه الهدية لك كنت قد نلتها لأنني اُخترت تلميذا نشيطاً ومجتهداً في الصف ثم قال له : لا تحزن يا فارس … فأنا احبك  .. احبك  كثيرا…. اسمع ماذا روى لنا المعلم اليوم:   وراح يروي له القصة التي رواها لهم المعلم في المدرسة.

سرح فارس بخياله الصغير يستعيد منظر العصا وهي تتفقد أنحاء جسده النحيل ولازالت مسحة الحزن تكتسيه وعينيه محمرتين وقبل أن ينهي فراس قصته فاجأه فارس  بسؤال  :

فراس لماذا ماما دائما تضربنا ؟؟؟

وحين لم يجد فراس لسؤال أخيه إجابة تابع سرد قصته دون أن يجيبه وتغافل طرح السؤال حتى لم يجد فارس بد من الانتباه لأحداث قصة أخيه والتقط خيطها وراح يعيش أحداثها في خياله حتى أبتسم.. أبتسم أكثر وقبل أن يطلق ضحكته الطفولية تذكر أمه وهى تقول : أكتم أنفاسك …لا تصرخ… خشي أن تكون تلك النصيحة للبكاء وللضحك أيضاً ، سارع بوضع يده على فمه وكتم ضحكة كادت تفلت منه شيئا فشئ زال حزنه وعاد يعيش حياته من جديد مع أخيــه فراس وتناسى أمر بكاءه والعصا حتى شقاوة أخرى لم يتحدد موعدها بعد.. 

حتى جاء ذلك اليوم الذي غاب فيه فارس عن الأنظار تفقده أخيه فراس في غرفته وفى أنحاء المنزل لم يجد له أثر...كان فارس قد مارس شقاوته مرة أخرى عندما اعتلى صهوة جدار في منزلهم وسقط من أعلاه أرضا ولم يعلم بأمره أحد وحين ساورته نفسه في الصراخ دوى صوت أمه في أذنيه وهى تحذره قائلة:

لا تصرخ ……أكتم أنفاسك .... أكتم أنفاسك …………لا تصرخ،،، وظل فارس يكتم أنفاسه لئلا يصرخ ولم يصرخ خوفاً من عصا أمه التي تتلذذ في ملامسة جسده الصغير …………

أكتم أنفاسك     ………. لا تصرخ ... أكتم أنفاسك ……… لا تصرخ

لا يزال الصوت يدوي في رأسه وكتم أنفاسه وظل يكتم أنفاسه حتى وجد ميتاً ويده الصغيرة على فمه يكتم أنفاسه لئلا يصرخ ……..

 

 

أمي التي لم تمت

 

 

الإهداء: إلى روح جارتنا التي ماتت تختـنق في دخان حريق … مساء ذات يوم من عام يلملم بقــايا أيـــامه الأخيرة ليرحل.........

 

 

استطعت قراءة ملامح وجــه أمي لمــراحل زمنــية متعددة كما أستطيع تلاوتها على كل البشر فملامحها لا تزال تسكن فكري احفظها عن ظهر قلب .

أمي تلك السيدة الجميلة المحيا التي آثر الزمن إلا أن يطمس بـعض من معالمـها في سنـواتها التي قضتها بيننا على ظهر تلك البسيطة الأرض "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " صدق الله العظيم ، ردد على مسمـعي تلك ألآية ذلك الــرجل العجوز الذي سجل الزمن بصمــاته على ملامحه بعدما رحل أبنائه عن الدنيا ولم يبقى سواه ..كان يقف قريبا من قبر أمي. جاء يرتل فاتحته على فلذات كبده الذين يـــرقدون تحت تراب " البقيع " .

جففت متبقى أدمـعي والتفت إلـيه بشفـاه متمتمة وعينان نطقت تقول:  لم تمت أمي بل قتلت..اختنـقت يـوم أن جعـل الله لهـا في اشتعـال الحريق سبباً , وفى بطء رجـال المطافئ سبباً آخـر حيث قال تعالى " وجعلنا لكل شئ سببا " ، أردف قلبي يـردد "  الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه"… " الحمد لله الذي رزقنا الصحة والعافية "

وانسللت من بـين قبر أمـي بعدما تـلوت لهـا فاتحة الكتاب ودعوت لها بالرحمة والمغفرة وان ينزلها الله منازل الشهداء …

تلك أمي التي ما فتئت تفــتح ذراعيها لي واخوتي حتى بعد أن تجاوز بـنا الـعمر وخطت بـنا السنون وتراكض أبنائنا أمامنا , وحتى واريناها التراب , شحذت هممي ودثّرت دمعاتي التي سكـبت في داخل نفسي ، ثم حملت جسدي المتعب المتكأ على وتيرة الآهـات وعدت تلملمني الــذكرى لغيــاب أمي حمامتنا المحــلقة دائما حولنا... ما أمّر فراقك أيتها الأم ،  وما اصعـب ذلك الـزمن الذي دثرّك عنا في دقـائق معدودات تـشابه تـلك الدقائق أحلام نومنا , ما أقسى تلك النيران وما أقسى أولئك الرجال…شقيقتي المكلومة لا تزال كـل صبـاحا ومساء تروي لنا قصتها مع أولئك الرجال وكـيف ماتت أمي…كثيرا ما ترددها على مسامعنا قائلة :

تخبطت يمنياً وشمالاً , شمالاً ويميناً .. وما مـن مـغيث بعد الله حتى تجمع مـن حولي صبية صغار  وما مـن شئ يفعلوه ..

سارع أحدهم لاقرب هاتف يطلب فرقة الإنقاذ.. تململ المجيب ثم صرخ بـه وقـبل أن يـغلق في وجهه الهـاتف قــــال:

أما من شخصاً كبير يتحدث إلينا ؟؟؟

وتقول دارت بي الدنيا دورتها وعدت أدراجي مـرة أخرى لأهـيم عـلى وجهي مـن جديـد أتخـبط في كـل المتجهات يميناً , شمال , شرق , غرب ...  وحتى رحـت استـعطف رجـلاً يـتسكع بهاتفه المـتنقل , أردت الهـاتف منه أشـاح بوجهه عني وغـادر بعد أن قـال لي : ابحثي عن هاتف ....

ولازلت أجوب الشارع وما من سواي وأولئك الصبية الصغـار يبحثون مـعي عن مغيث لأمي التي قـتلت في بطءأولئك الرجال حتى أصطد مت بأحد الأبواب أمامي ،، اتجهت للهـاتف لتصدمني كلمات رجـال الإنقاذ مـرة أخرى وأعذارهم الواهية حين قال أحدهم :

أليس هناك رجلا يبلّغ .. ثم استدرك قائلا لي :

دعي رجلا يتحدث إلينا …

أمي بالداخل … أمي بالداخل … أمي بالداخل

تلك الكلمات ترددها شقيقتي كثيرا .. رددتها طويلا حين اختنقت أمي وحتى بقيت لنا صدى في ذكرى أمــي التي لم تمت لكنها قتلت تختنق في نيران الحريق وقسوة أولئك الرجال وبطء حركتهم ………

 

 

 تجمع هداياه ويعاد إلى بلده

                                                                                                                                

                                      

تعالت النداءات في صالة المطار تهيب بالمسافرين سرعة مغادرة الصالة باتجاه الطائرة:

- المغادرين على رحلة رقم 414 الاتجاه للبوابة رقم 4.

ازدحمت البوابة ببـعض المسافرين ، فيما انـشغل الآخـرون بمراسم وداع زوجاتهم وأبنائهم , وبـازدياد الضجيـج عنـد البوابة ، تزداد نـداءات التوجه للطائرة .

انحنى " فريد " يودع أصغر أبنائه " معتز "ذو السنوات الأربع ، احتضنه وهو يذرف دموعاً لا تحصى ، ظلت مـشاعره تتدفق فـي حضن ابـنه الـذي راح يـردد بصوت مزجه الأسى    وخنقته الدموع:

بابا .. لماذا تسافر .. أنا احبك وأريدك أن تبقى معي  .

تـــهاوت قليـلا أمنـيات " فـريد " أمـام كلـمات صغيـره حتـى أوشك الرضوخ لها ،عــاد والتقطها من جديد ،حين فاق على نداء المغادرة يدوي بأرجاء الصالة ، انسحب مـن وداعـه لأبـنائه ، ودموع الوداع تغطي عيـنيه ، فلم يكن في أسرته الصغيرة المكونة من أبنائه الثلاثة وزوجته من يؤيد مشروع سفره لخارج بلاده ، حتى " فادية " زوجته طالما رددت عليه :

لسنا بحاجة للمزيد من المال ، فلدينا ما يسد حاجتنا , فقط اكفنا اخطبوط الشوق و ليال الفراق المدثرة في ثياب الغربة.

و"رمزي " له ابنه الأوسط قال:

من سيسأل عني بالمدرسة ؟ ومن يمازحني فاطرحه أرضا ؟ ومن يحلل مشاكلي ؟؟

وقالت ابنته الكبرى " وداد " :

مازالت حاجتي مستمرة .. سأحتاج من يأخذني للطبيب عند مرضي ؟؟ ومن يحميني من وحوش الظلام ؟؟

تناثرت مرة أخرى حيرة " فريد " أمام أمنيات أسرته وتساؤلاتهم المسللة  إليه في لحظات الوداع , ففريد رجلا ميـسور الحــال ، استطاع قبل تقاعده من عمله كمستشارا لإحدى الإدارات الحومية ببلده أن يجمع ثروة صغيرة , وتلك الثـروة تـسد رمـقه وأبنائه ، لكنه مــنـذ رأى بعض أقربائه ومعارفه يغادرون ليعودوا محمــلين بالهدايا وأشياء عــديدة ، وفكــرة السـفر تــراوده ،حتى شجـعـه صـديقه " سـامي " عليها فاستسلم لها تماماً .

عاد الصغير " معتز " مرة أخرى يهتف :

بابا .. لا تسافر .. فأنا أحبك بحجم ألعابي ..

لم يبقى مـن الـوقت ما يمـكن " لفريد " أن يقضيه مع تلك الأسرة المحبة ، فالنداءات في الصالة يعلو صداها على أصوات أبنائه ، ورغبته بالسفر أكبر مـن مشاعرهم .

 وأخيراً تصدى " فريد " لتلك المشاعر ، رافعاً راية النصر أمامها ، أجتذب نفسه من بين أبنائه وحـمـل حقيبته مـهـرولا  ليلحق بالطائرة , قبل تراجعه عن قرار السفر .

 لاحقته صرخات "معتز" .. بابا .. بابا .. بابا ..

ركض "معتز " ركض أخوته خلفه ليمسكوا به وهو يحاول اللحاق بأبيه ، وقد ألزمت صــرخاته الصالة الهدوء .

أتـــخذ فريد مقعده في الطائرة قـرب النافذة ، ليرى منظر صغيــره واخوته يمنعونه من اللــحاق به ، انحدرت من عينيه بقايا مشاعــر لم تسكب بأرض المطــار ، لم يقاومها هذه المرة ، بل تركها تتـفوق على كبــريائه وتــمرده وعلى رغبات أسرته ، فهي الآن أقوى من تحجّره أمام "معتز" , انهار بنيان المشاعر حين أجهش بالبكاء .

غـادرت المطـار بأبنائها ، يرافقهم حزنهم ولوعة الفراق ، و في أعماقهم تجلجل كلمات " فريد ":

سنوات أعود …  سنوات أعود

عل تلك الكلمات تكون جســرا للصبر تعتليـه فادية وصغارها ، حتى يعود بعد سنواته الموعودة .

التف الصغار حول أمهم بأشباح دمع جف من مأقيهم ، وبقي منه القليل , أسندت " فادية " رأسها على الجدار ، وهي تلف حولها صغيرها  " معتز " الذي قال :

ماما … أنا حزين لسفر  بابا .. . هل سيعود قريبا ..؟؟

قالت لتلجم حزنه :

سيعود قريبا………. أن شاء الله

أسكتت " فادية " أحاديث صغارها ، وطلبت منهم النوم مبكرا لأن غداً يـوم دراســــــــــــي ، كانت تلك ليلة الغربة بالنـسبة لأسـرة " فـريد " ، لأنها الليلة الأولى التي ينامها منذ سنوات مضت خارج منزله ، فقد أغدقت عليهم الأيام الماضية بالحب والحنان ورغــد العــيش حتى تلبــسه شيـطان السفر خلف أشياء تُبعثر وهدايا تسكن أسواق البلدان .

وصلت الطائرة بــ " فريد " لذلك البلد المدون اسمه في أوراق سفره وأمنياته المسافرة معه ، ووصل إلى سكنه وقد داهمته نوبة مرض ألزمتــه السرير منذ يـــومه الأول بذلك البلد  الذي لم يرتوي بعد من أنهاره , ولا يربطه به سوى رابط الدبن والعروبة .

أعاقت تلك النوبة المرضية " فـــريد " عــن ممارسة حياته الجديدة , فلكي يطمئن زوجته على وصوله ، جعل زميلاً له ، يكتب الرسائل لزوجته وأبنائه نيابة عنه وحتى تماثله للشفاء.

سارت الحياة بـ" فريد " برتــم حزين لم تتخلله بوادر سعادة ، فكيف بها تأتي وأسرته بعيدة عنه ؟؟ تناغمت كلمات الشوق والحنين مع قصص العمل ومتاعب الغربة حتى استأثرت على رسائله لزوجته وأبنائه.

تبا لذلك السفر الذي يطغى على حـــب الأبناء ، ويدفع بالإنسان ليــغادر أسرته ركضا خلف أموال ، يجمعها بغربـة الروح والوطن والأهل .

تـــدور عجلة السنوات ب" فريد " ، وتلك الطيبة " فادية " غدت هي الأم والأب لأبــنائها تعــانقهم بأمومتــها وتحضنهم بــين طيات الأيام, وتعيش القدر الذي جعلها الأم والأب في آن واحــد .

 تتوقف زيــارات " فـــريد " لأسرته بأيــام يقتطفها من دورة الأيام , ليواصل مسيرته الأسرية عبر الرسائـل , تواكب زمــن الرحيــل مع زمن نمو الأبناء في مراهقتهم وفي خطوات الصغير نـــحو عتبات الدراسة لسنة أولى .

 لم تنقطع رسائل " فريد " لزوجته وكذلك رسائلهـــا والأبنــــاء تســافر بأشواقهم للقاء يستمر ، وتـعود ببعض الشوق ، وكثيرا من أمنيات المستقبل الذي ستشرق شمسه عنـدما يـعود .

لا تــساوي شيــئا الأشواق والأحلام أمام بقاءه الدائم بين أطفاله العطشى لحــبه وحنــانه , لأبــوته التـي انزوت منذ سنوات مضت في بلاد الغربة..

- سنوات وأعود …

حتى أعلنت السنوات الموعودة رحيلها ليعود " فريد "  إلى أسرته حسبما قال , أيـــام قــلائل ويعود إليهم محققا للأمنيات ، محملاً بالهدايـــا وأشياء أخرى ، وأموال تضاف لثروته الصغيرة , فيبني بقايا أحلامه في بلاده الحبيبة .

ازدهرت فرحاً نــفس "فــادية " وأبنــائها ، واتــشحت قــلوبهم بلباس الانتظار ،المنطوية صفحاته على كؤوس فرح تروى للغائب الحبيب نظير غربة وتعب ، حتى غزلت ضفائر أيامها الباقية لتلقاه بأرض ذلك المطار الذي كان شاهدا على قرار رحيــله , فقد استلمت بــــرقية تقول :

أصـــل مســـاء الخميس القادم على رحلة (420 ).. انتظروني  .

لم ينتبه " فريد " لتلك العربة القادمة من الاتجاه الأخر ، التي ارتطمـت بعامــود الكهربــاء ، حيث كان يعبر محملاً ببعض الهدايا ، وما كان ليفوق من صدمته ،حتى سقط عليه ذلك العامود الذي فغاب عن الدنيا .

تمت مراسم استلام جثمانه من قبــل الجــهات المسئــولة في بـلد الغربة وترحيله على ذات الرحلة ( 420 ) ترافقه برقية تقول:

تُجمع هداياه ويعاد إلى بلده .

في قاعة المطار داعبت الأفراح " فــادية " أبنائها الذين لم تسعهم فرحة عودة الغائب، 

مع هبوط الطائرة بأرض المطار ، هبطت التماعة الفرح في أعين أبناء فريد ، تبحث بين ركاب الطائرة عــــن أبيهم ، و تعالى النداء في صالة الإنتظار :

حرم السيد / فريد أحمد حسين , عليها مراجعة الادارة .

ركضت " فادية "  للإدارة ، وترتعد فرائص قلبهاخوفاً من ذلك النداء ، فقد زاد من خوفها غياب " فريد " عن صفوف المغادرين .

ناولها الموظف البرقية ، وهو يشير إلى صندوق أخذ مكانه في جانب من المطار ، قائلاً :

هذه البرقية لك ، وصلت مع ذلك الصندوق .

لم تحمل البرقية " لفادية " سوى بضع كلمات تقول :

" تجمع هداياه ويعاد إلى بلده " .

 

 

 صدى الذكرى

 

 

أفل الليل ململماً بقاياه إيذاناً لبزوغ فجر يوماً جديد ، وقد أُرخى الحزن ستائره مظللاً سجادة الكآبة ، تاركاً لناقوس الذكرى أن يدوي بعالم النسيان ، ينبش قاع الذكريات . 

على غير عادتها استقيظت "شروق" ، وقد خيم عليها الملل ، نفضت عنها نثار الكسل ، وأعتدلت في جلستها متكأة على طرف السرير ، تحاول جاهدة النهوض لصلاة الفجر ، فوقت صلاة الفجر جداً قصير ، وتخشى ألا تستطيع جمعه إن تفلت منها .

توضأت للصلاة ولاتزال تتململ في حركاتها ، في انحناءة الركوع ، والوقوف منه، و جلوسها بعد السجود ، حتى اتمت صلاتاً سألت الله أن يتقبلها قبولاً حسن .

اجتذبت مصحفها الصغير  الذي لايفارق الطاولة ، لتتلو وردها المعتاد عقب صلاة الفجر ، تلت سورة يس وسورة الملك والدخان ، فالواقعة التي تقرأها صباحاً إن انشغلت عن قراءتها مساء اليوم السابق ، ولأن اليوم هو يوم الجمعة ، فقد اختتمت قراءاتها بسورة الكهف .

ها هي قد فرغت من القراءة ، وما تزال تنحني بلهفتها لقراءة أي شيء  ، تناولت صحف الأمس، وهي تهجس :

 تثيرنا عناوين الصحف ، ولا نجد مايدعو للإثارة ، وتنطوي الصفحات على بعض الأخبار السارة ، وكثيراً من أخبار الزالزل والطوفانات وقتلى الآراضي الإسلامية المباغتة إحتلالاً.

القت بالصحف جانباوتناولت بعض الكتب ، فقد داهمها الحنين للحظات رومانسية هادئة تختلفت عن أجواء الكوارث .

دون أن تشعر انتشلت نفسها من براثن الأصوات الصاخبة ، لتنغمس معتقلة في حبر غادة السمان " عاشقة في محبرة " - اعتقال لحظة هاربة "، تستكين بعض الشيء ، فتندس داخل الذكرى لسنوات الحـــب التي قضتها في كنف زوجها " سامي " ، مرة أخرى تعتقلها غادة الســـمان في ركنها " أعلنت عليك الحب " لتجرعها بعضاً من " الحب من الوريد إلى الوريد" ولتطلق مجدداً سراحها ، وتتركها لتتوه بين الكلمات بحثاً عنه ، علها تجده مع فاروق جو يده " في عينيك عنواني ".

غادرتها لحظاتها الحالمة ، لكن التماعة طيفه ظلت ترواح بريق عينيها ، منذ فتحت صندوق ذكرياتها معه :

( رباه أشياءه الصغرى تعذبني     وكيف أنم مع الأشياء رباه ؟؟

هنا جريدته في الركن مهملة    هنا كتاب بعدما قرأناه )

دلفت لفوضوية الكلمات ببعض المجلات قرب السرير ، لتصطخب بها عل ضجيجها بنتشلها من ذكرياتها قليلاً ، قلبت الصفحات صفحة وأخرى بحث عن شيء ما ، شيءمجهول أم معلوم ؟؟ ليس لذلك أهمية ، فهي تبحث عنه ، منذ غادر ها للرفيق الأعلى لا ينكفئ صدى الذكرى يجسّد لها صوته ، في كل موقف حين ......  وحين ........ وحين طلب منها ترك العمل والتفرغ له :

لسنا بحاجة لتلك النقود التي تتقاضينها . دعي عنك هذه الوظيفة .

بأوجه عديدة قد م طلبه لها لترك العمل :

أتلمس لبقائك في المنزل ..أريد أن أجدك في انتظاري كلما عدت .

 كان " سامي " كثير السفر لأعماله ، منذ عرفته ، يعود ليغادر ، ويغادر ليعود ، وطالما زجرت تساؤلاتها طلبه للبقاء بالمنزل :

لمن أبقى وأنت  تسافر ؟؟؟ وما من أطفال لدي يؤنسون وحدتي و ينتظرون عودتك معي !!!

رفرفت الذكرى على جناح طائر الصباح ، وأنسدلت الأشجان تتسرب لروح " شروق " حتى جعلتها تبدو كالمعتوهة مرة ، ومرة أخرى نسيج إخلاص لامرأة ليست كباقي النساء ، فقد مضى من العمر سنوات عشر ، وهي تلملم شتات الذكرى من جميع الزوايا ، لتعيد بعثرتها من جديد .

جثت على نفسها ندماً لعدم تركها العمل تحقيقاُ لرغبته بالبقاء في المنزل انتظاراً لعودته ، وتمنت لعجلة الأيام أن تدور بعكس الزمن ، لتنفّذ له ذلك الطلب .

ظل الصدى قابعاً في ردهة الذاكرة ، وظلت " شروق " تبعثر حزنها في جوانب الغرفة ، تلك الغرفة التي لزمناً تصبح قبراً نابض ، وزمناً آخر مستودع للذكريات ، وبينهما واحة مظلة من عناء البشر ، تنطوي على نفسها مغلقة منافذها المشرعة ، فتلك الأضواء الباعثة للهدوء تستفزها تطفئها وتطفئ ضوءها الأحمر الوحيد على طاولة خالية مما سواه ومصحفها الصغير ..

يطرق هاجسها رنين كلماته ، وهو  يكرر عباراته لترك العمل في آخر لقاء معه ، قبل رحيله ..قبل أن يحملون لها نبأ وقوع الطائرة التي أقلته :

هراء .. هراء .. كل ما تفعلينه هراء..ليس من داعي لكل ما تفعلين .

فقد صورت له خيالاته إنها تعمل لأجل المال ، بينما تدثر حنينها للأمومة وتغالبه ، وهي أيضاً بعملها تقاتل الوحدة وتدمر الفراع الذي يلازمهاكلما حمل حقيبته للرحيل ، لم تنكر طلبه لها بالانفصال ، فقد يكتب لها الله الأمومة من سواه ، ولكنها حين زفت إليه لم ترد غيره ، حتى بعد مماته .

تفقدت هاجس الكلمات ، قد تجده في إغفاءة حرف ، وأمعنت النظر طويلاً بمجهر الحب ، فقد يكون أختبأ خلف آهة مخنوقة ، أو شهقة شوق مجروحة .

تسير بها قوافل العمر وتتوقف لتتزود بزاد الطريق ، فالطريق بدونه جداً طويلة ، وهو ليس مع ركب القوافل ولا في أمتعتها .

تثاءبت مرات كحلمها الغافي ، وعاودت اجتذاب اللحظات الجميلة لتستوقظها عند صدى الذكرى ، لتعيشها بكافة تفاصيلها لئــــــــلا  تنســـــــاه..

 

 

فارس الحي ... المنكسر

 

وصلـــت أخبار فارس للأحياء المجاورة حتى أطلق عليه " فارس الأسد " يتأسد فارس دائمًا في حيه ليل نهار ، ليس مــن يستطيع صده أو الوقوف بوجه شجاعته المستبدة بالبشر .. يتطاير الأطفال مـن أمامه مثلما يطير الحمام هرباً من شقاوتهم ومن كل من يقترب منه ، فحال الناس أمام العـم فارس الركض والخوف ... لفارس صيت لا يجهله إلا الجاهل به ، فهو معروف في جميع الأحياء المجاورة حتى أنه استطاع أن يجعل له مكانة بين أعالي القوم وأواسطهم من هول جبروته وشدته التي يطغي بها على البشر مـن حوله ، وحتى عــرف الحي باسم "حي فارس"وقليلاً ما يعبره العابرون خوفا من فارس والاحتكاك به ..

وفارس هـذا مفتول الشارب ، مـتوسط القامة، ليس مما يخيف أحـدٍ في هيئته لكنه بصوته الضخم وتدخله الـدائم فيما لا يعنيه وبقاءه عـلى الدوام للتحـرش بالـغادي والقادم جعل له هذه السمعة الغير حسنة وأوجد له تلك الشخصية القوية المستبدة ، له من الأبناء خـمس .. ثلاث بنات تزوجن ومضين إلى أزواجهن كما له ولدان تناهز أعمارهم البعض ، وكثيراً  ما يخجل هؤلاء الأبناء من تصرفات أبيهم ولكن ما من حيلة لهم سوى الرضوخ والصمت عنها ..

انزوى فارس في ركناً مـن جنبات منزلـه المقابل للشـارع الـعام ، وقد بدت يديه ترتجفان ويتلعثم لـسانه حين الحديث فقـد تمكنت منه الشيخوخة وبدأت ذاكـرته تخونه شيئاً فشيء..

 " مامن قوي إلا وهناك من هو أقوى منه "

عبارة رددها أحد المارة وهو يتأمل فارس بشخصيته الجديدة متفقدا فتوته السابقة وجبروته المنطفئ .. عاد فهتف مرة أخرى في قرارة نفسه :

" سبحان الذي يغير ولا يتغير .. أهذا فارس ".؟؟؟

سبحان الله ، فارس ؟ الذي كان يرعب الآخرين ويميت قلوبهم هلعاً سماع صوته على بعد مسافات ليست قصيرة ..

نظر فارس باتجاه اللاشيء نظرة بائسة منكسرة وحاول أن يقول شيئا خرجت منه أحرفا منكسرة :  أ..ن..ت… م..م..ماذا   …ت….تت….تريد…؟؟؟

وحتى اختفى من أمامه ذلك الرجل الـذي أراد فارس محادثته وهو لا يزال يتوكأ جملته المتكسرة على بوابة شفتيه …

أخرج سجائره من جيبه فالذي لم يمت في حياة فارس هو عشقه لعلبة سجائره ..حاول مراراً إشعال سيجارة واحدة … فقط واحدة ولارتجاف يـديه انطفأت الأولى ثم الثانية وأخيراً استطاع إشعال الثالثة ، بصق حوله وحتى سال متبقى بصاقه على ملابسه ، أراد فارس أن ينادي ابنه احمـد ماتت الأحرف عـلى حنجرته وحتى ابن الجيران الذي أراد فارس تجاذب أطراف الحديث مـعه اختفى مـن أمامه متجاهله …

" لاحول ولاقوه إلا بالله … لاحول ولاقوه إلا بالله …أهذا فارس "..؟؟

حوقل بائع اللبن كثيراً وهو ينادي على بضاعته في الحي وتساءل في نفسه عـن حال فارس فمنذ فترة لم تقع عينيه عليه .

سبح الله وكبر وهلل .. وعاد ينادي على بضاعته من جديد وما تزال تساؤلات عديدة في نفسه لم تصمت فما من إجابة تصمتها ..

انكسر فارس…… نعم انكسر فارس ….

هتف بائع اللبن حين التقى أحد رجال الحي ، عاد يتساءل معه :

أهذا فارس .. يا سبحان الله .. أين تلك الأيام التي لم يكن يعلو صوتاً في الحي سوى صوته، الكل كان يخشاه ويهابه، الآن مامن مجيب لكلمته ولا سامعاً لصوته أو مهاباً له ، كثير الصمت .. ساهم .. شارد الفكر .. لم يعد يعي من حوله ، يغيب عن وعيه لحظات فيعود ليطلب شيئاً أو يشعل سيجاراً .

ذلك مـا قاله جار فارس لبائع اللبن وكأنه يؤكد له نظرته التأملية في شخص فارس ويبصم على استنتاجاته التي توصلت إليها مخيلته منذ أن رأى فارس ..

تنفس فارس الصعداء بعد أن أشعل عدة سيجارات واطفئها مرات عديدة.. وأخيراً حمل نفسه إلى داخل منزله….

ازدادت حالة فارس سوء فما عاد يفرق بين الليل والنهار ، فهو مستيقظ بالليل ونائماً بالنهار … اعتاد أبنائه إغـلاق باب المنزل خـوفاً عليه من مغادرته وعـدم العودة فكثيرا ما كان يغادره ولا يستطيع العودة إلا بمحاولات جـادة للبحث عنه والعثور عليه .

انتهى الأمر بفارس بأن ادخله أبناءه المستشفى النفسي طلباً للعلاج وتفادياً لطلباته ،  فما من معيل له، أو من ينظر في أمر طلباته والقيام بواجباته على خير وجه  … فكانت نهاية انكساره خلف أسوار تلك المستشفى …

 

 

 

وهم الحب

 

 

الإهداء: إلى صديقتي .. ليلة أرقتها لحظات الفراق.

 

جرت خلفها أذيال الخيبة ، وهي تجر مشاعرها المتكومة في تجاويف روح  ثم أطفأت شموع الحقيقة عن ما قالته لها صديقتها "منى " حين التقتا في حفل زفاف صديقتهما " آمال " :

إنما يريد التسكع داخل حجرات قلبك ، بحثاً عن مأوى يحتويه ، بحثاً عن قصيدة فهو لا يريد دفء المشاعر ، وما جاء ليلتحف الحب والإخلاص ....واسألي عنه " آمال " فهي قصيدته الأولى .

 اتكأت على جراحها التي قد نكأت .... وقالت تخاطب منى :

نكأت جرحاً كان مني قد غفا

حتى تواريت في دجى الليل البهيم

هل قال حباً ؟.. هل تعاطى وما اكتفى؟؟

هل دارت الأيام في الجرح الأليـم؟

ماكان مني من صدود أو جفا

ماكان مني ما تبعثر في النســيم

وماكان لمنى ما تفعله أمام جراحات صديقتها " أحلام " إلا أن قالت في محاولة منها  أن تبلسم الجرح الذي نكأ :

يبدو أننا في زمن لا يعترف بالحب ، زمناً قد ولت به المشاعر والعواطف حتى غدت مجرد جمادات .. هل تلاشت مشاعرنا من جنباتنا ؟؟؟ أم تخثرت في برد الصقيع وجليد التبلد وانطوت بلا عودة وبغير عزاء ..

بددت خيوط الشمس بعضاً من أمنيات " أحلام " ، فحين غادرتها أمنياتها بقي حلم .. وحين غادرتها لحظاتها بقيت ثانية واحدة ..

فالأمنية أن تجمعهما نسائم العمر سوياً .. والحلم أن تحضن يديها يديه أبد الدهر         لا يفرقهما سوى الموت .. أما الثانية هي التي لا يختار فيها من النساء سواها ... ما عادت تقوى على مقاومة دمعتان التمعت على سطح عينيها ، كما أنها لم تستطع أن تصم أذنيها عن معسول الكلام الذي طالما همس به فيها .... فليس أجمل لديها من لحظة تجده فيها وقد تبسمت أساريره وأضاء وجهه وراح يضفر لها الكلمات :

يا أنت .. يا أجمل اللحظات وأحلاها … يا ملهمتي وشاعرتي الأبدية ..

لطالما تحدّرت كلماته تلك باتجاه نهر الحب الذي جرفها نحوه ، حتى قلبها المسكون به لم يستطع أن يشرّع بوابات نبضاته ليعبر سواه ..

حين استيقظت " أحلام " من شرودها كانت " منى " قد فرغت من نصائحها وتحذيراتها المخلصة التي ما فتئت تكررها لها دائماً حين تتلقيان ،، تحاول أن تنتزع فتيل الحب الكبير المخبأ بصدر صديقتها وأن تقتصه من جذوره رأفة بها.. وراحت تعزف لها على لحن الوفاء وهي تقول لها :

عزيزتي : أدرك تماماً أن الأيام بدونه ستمر بك على غير عادتها ..  مملة .رتيبة .... مبعثرة في جميع الاتجاهات ، وأعلم أن لا طعم لحياتك بدونه..وأن دنياك بغير وجوده وهمساته التي ينثرها في قلبك وروحك تبدو مظلمة حالكة السواد ،، ثم أردفت تقول لها :

سوف تبدى لك الأيام مالا ترغبين .. فهو ليس لك .. لا يستحقك .. إنه لعوب .

التفتت " أحلام " تستظل بكلمات صديقتها ،، تبحث عن الراحة في صدقها .. حتى قالت :     

لازلت أفتش في حروفك عن طوق للنجاة لأتشبث به .. أبحث عن قوة الإرادة في معانيها، لأستطيع أن أقذف به خارج منافذ القلب .. لكنني لم أراه سوى ماثلاً بحجر عيني .. حتى جئت دموعي أرجوها الشهادة على خديعة ما اكتملت أحداثها ..فوجدتني في عمق حبي له أغوص ، وأغرق في وهني من الخروج من دائرته المغلقة ..

وعلى غير ما أشتهت " أحلام" جاءت سلحفاة الأيام ... لا يطرق طارق الليل بابها لينفث سموم كلماته العذبة في أذنيها ..

وحين تبخرت في سماء حياتها جميع الأمنيات ، وتبددت مشاعر كانت تنسكب في اتجاهات ليس لها .. حينها فقط أدركت ما رمت إليه صديقتها " منى " أنها أحبت من لم يكن ليحبها يوما .... وأنها لم تكن سوى قصيدة مكتملة القوافي غير موزونة في ديوان شاعر ،، كانت له الملهمة ، وكان لها الجرح الغائر بعمق الحب الذي حملته له في قلبها الصغير ..

كل ذلك تأكد لها حين حملت الصحف والمجلات نبأ إعلان عقد قرانه على كريمة إحدى الأسر ، لتدرك أنها لم تكن سوى قصيدة سميت باسم " واهمة بأمر الحب " وأسدل الستار عن أبيات شعر مقفى بلا وزن ..

 

 

 

هل جـــاء ليسرق أحلامي ؟؟؟

 

 

هشمت بيديها الكأس الماثلة أمامها صامتة لا تحرك ساكنا بعد أن فقدت وعيها ، حين صفق الباب في وجهها بعنف وغادر المنزل بعد أن مزق أوراقها وكتبها حتى خواطرها التي ما فتئت تنطق باسمه تناثرت بقاياها في كل مكان ...

تبعثر زجاج الكأس في جوانب الغرفة وسالت من يديها قطرات الدماء، لم تستطع البكاء حتى تخثر دمعها بمقلتيها وما بقى منه تناثر على وجنتيها مثل شظايا الكأس المهشم أمامها... لكنها وعت ما يدور في غرفتها حين هرع صغيرها إليها فزعا ...ماما ……ماما …  ماما……… ما بك !!

احتضنته بكلتا يديها كالمستجير به …… تراءت أمام عينيها كلماته في بداية الأحلام وقبل أن يصفق بوجهها باب الرفض وباب الحب المنهار , أبواب كثيرة أغلقـــها بوجهها بعد أن كانت كلمـــــاته دافعاً لها للاستمرار :

منك تعلمت لغة الكلام ..... وبهذه اللغة أحيا……

وحين قال لها في منتصف الأحلام:

دائما بك افخر …… أريد أن يشار لك بالبنان … البنان …… البنان……… البنان …

صدعت رأسها هذه الكلمة في تكرارها مطارق ؟ نواقيس ؟ كوابيس ؟ هواجس؟

ولكنها هي حقيقة اندفعت منه في بعض الأيام حيث مارس الأحلام معها …… لم تنسى كلمات سطرتها له يديها ذات يوم... يوم أن أهدته خطوتها الأولى في عالم الكتابة حين قدمت إليه طفلها الأول من رحم الكلمات وأسمته: (حين أحببتك )

( حين أحببتك) عبارات رقصت في طرقات القلب وانتقت أجمل تجاويفه وتربعت في حضنها حين أحبته سألته البقاء للابد .. انطوت السنوات داخلها.

 

ومارست أنواعا مختلفة من الكـــــتابات ثم راحت تبعثرها في تلك الصحيفة تارة وعبر تلك المجلة تارة وحتى لمع نجمها بالتماع بريق عينيها .

علامات للشهرة والنجاح وإشارات البنان حتى اصبح ما من رسالة يحملها البريد سوى لها ولا من عبارات إطراء إلا فيها.

( العبارات المنغمة ) اتخذت لها زاوية تمارس مـــن خلالها كتابة وجدانياتها له حين تداعبه الكلمات وتهفو لها النفس تسللها له عبر مجلتها المفضلة "دفء الكلمات" استرقت السمع لهواجسها وراحت تلملم بقايا كلماته بعد أن انسلخ من صورته لواقع انقشع عن وجه آخر له وحقيقة وحيدة تقول : هذا الغثاء الذي تمارسينه وتسمينه كلمات , هذا العبث النسائي المهدر من صفحات الزمن وتطلقين عليه نغم الحروف , وذاك المتأنق الذي تسمينه كتاباً .

حتى طفلها الأول " حين أحببتك" لم يترك له أن يهنأ بتلك الذكريات الجميلة دون أن يهزأ به وغفل أنه الرباط الأقوى الذي جمع بينهما ذات مساء فما زالت تذكر يوم أن غلفته له بورود الحب والإخلاص وعلى طبــق التمنان قدمته له ليلة عقد قرآنهما …….

تنحت بابنها " ناغم " جانبا وهدأت من روع قلقه وأخذت تلملم متناثراتها في الغرفة حتى أفزعها صوت الهاتف ، ها هي المرة الأولى التي لا تجيب للهاتف نداء .. فما تراها تقول لمن حدثها بأمر الكتابة ... وما  تلك الأعذار التي ستقولها عبر سماعة الهاتف...  لازالت تقيد رغبة بأن لا تجيب الهاتف …

 ألقت بتلك الأسلاك الهاتفية جانبا وتابعت جمع متبقى الأوراق المتناثرة في أرجاء الغرفة .

يتلهف نبضها شوقاً لبعض الحروف .. ماذا ستحمل  الحروف  ؟ تساءلت في نفسها … فهي المرة اليتيمة التي لا تجد للحرف صدى في نفسها ولا تجد حنين يديها لضمة قلم … فما تراها تقول وما عساها تكتب…

أقوى من تجاهلها ذلك الحب الذي يسكن عمقها لقلمها وأوراقها … انقضت من جمع مبعثراتها وشظايا الكأس وحبات دم سقطت من يديها...  اتخذت من قلمـــــــها واحة تتكئ فيها من تعب المفاجآت حتى سطرت الكلمات باختلاف روحها الغاضبة , اختلفت كلماتها هذا المساء … فما عساها تسطر ؟ كلمات تقذف بها في نفسها ولا تزال تحضن قلمها تعزف على وتيرة النغم الحزين …

هل جاء ليسرق أحلامي ؟ أم جاء يبعثر فوق الأرض شظايا من عمر مقامي ؟ أم جاء ليسرق مني الفرح ويعيد الحزن لأيامي؟ أم جاء يساومني بالحب ما بين الحرف وأقلامي ؟

 

أضيفت في 08/05/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتبة

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية