حلم و مدينة
يتسلق الطريق من الشرق ويأخذ يصعد من أسفل
الوادي؛ لينهض طالعا باتجاه الجنوب, وكأنك تخرج من واد الأحلام, ثم يتعرج
بين الوهاد والتلال ,ويلتف كأفعى تمتد في حلقات دائرية تتجاوز الحلقات
الست تمتد الواحدة منها مئات الأمتار , وتجد نفسك تنسحب في هذه الحلقات
فتارة تشرق وسرعان ما تغرب، فلاتدري أذاهب إلى تلك المدينة أم عائد منها
!؟ أما إن كنت تزورها للمرة الأولى ستضع يدك على صدرك تريد أن تثبت فؤادك
كي لايخرج من صدرك ,لأنك ستشعر وكأنك على وشك أن تهوي في واد سحيق
لاقرار له , وحتى تصل إلى تلك المدينة تأخذك بسحر حلال, تلال وبطاح, تمتد
إليك بأريجها الرائع؛ لتسقط في حلم لانهاية له , بين تلك الأشجار والرياض
والأطيار التي تدعوك لتتوقف عند روعتها التي تصطف أمامك , ثم ترتفع قليلا
وكأنك تصعد إلى السماء ,ورغم ذلك تظل تناديك عن يمينك وشمالك فهي تحيط بك
من كل جانب. فسبحان الله! ما أجمل تلك المناظر!وما أروعها ! إنها صنع الله
فتبارك الله أحسن الخالقين !
لقد نام المهندس عبد الهادي متأخرا, فقد شغلته
كثرة الحوادث التي تذهب بأرواح بريئة, فالموت يتربص كوحش خرافي على باب
المدينة, فيبتلع في جوفه في كل عام بعض أهل المدينة دون سابق إنذار وبخاصة
في فصل الشتاء حيث الانهيارات وانزلاقات التربة التي تقطع المدينة في أغلب
الأحيان عن العالم.
لقد كلفه رئيس البلدية لأعداد الخطط اللازمة
لأنشاء طريق بديل يضع حدا لما يقع من حوادث ,وعندما كان يضع رأسه على
وسادته أخذ يتذكر أحد أقرانه الذي ابتلعه الوادي عندما هوت سيارتهم في جوفه
,حينها مع الصباح خرجت المدينة لتودع الرجال الخمسة الذين غادروا البلدة
إلى غير رجعة آخذين معهم أحلامهم الغضة ,ليبقوا غصة مرة في حلق الدهر
والأيام , وأخذ يتساءل في حيرة قائلا ، ألم يحن وقت الخلاص من تلك المعاناة
التي تتجدد مع كل صباح!؟ قد يطلع علينا نبأ حزين أو تنقطع المدينة عن
العالم بسبب الانهيارات الأرضية .
لقد أصبح الآن مسؤولا عن أهل المدينة , فهو
المهندس الذي أعاد للمدينة جمالها وسحرها وها هي بصماته واضحة جلية انظر
في شوارعها وفي حدائقها فهي تشدك إليها فلا تشتهي أن تغادرها ,لما فيها من
مناظر رائعة ,تقودك إلى عالم لانهاية له من الراحة والمتعة التي تتدفق
كأطياف الأحلام ,ولكن المشكلة التي تكمن في المدخل الشرقي للمدينة , حيث
ذلك الوحش الخرافي الفاتح فاه المتربص بأبناء المدينة .
ومع بداية الدوام دخل عبد الهادي إالى مكتبه
بعد أن جمع أوراقه ووضعها في حقيبته إنها المخططات التي ستنقذ المدينة
.حينها دخل الأستاذ عامر الذي يعمل في البلدية توجه إلى مكتب زميله عبد
الهادي ، طرق الباب وهو يقول: السلام عليكم ,علت وجه عبد الهادي ابتسامته
اللطيفة ,وهو يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... كيف حالك اليوم
؟ هل أنهيت المخططات الأولية لأخراج هذه المدينة من محنتها حيث صارت
الأمانة في أعناقنا . قال عبد الهادي المخططات جاهزة ولكن التكلفة عالية
ونحتاج إلى دراسة واقعية نتعرف من خلالها على نوع التربة وكيفية التعامل مع
طبيعة الأرض من أجل سلامة المشروع, وتحقيق الأهداف المرجوة منه , ولابد من
معرفة مصادر التمويل والجهة المنفذة .
- لكن أرواح أهل البلدة أغلى فكم من حادث مؤسف
تسبب في نهاية من هو أغلى من كنوز الدنيا! , ويجب علينا أن نتخلص من هذا
الكابوس الذي مازال يلاحقنا خلال الفترة الماضية, أجاب عامر وهو ينظر من
خلال زجاج النافذة إلى جهة الوادي , وتابع قائلا :وهو يهز رأسه الجميع
يثق بك ولابد من الوصول إلى حل قبل قدوم الشتاء .
قال عبد الهادي: سأعرض المخططات الأولية على
رئيس البلدية كي يدعو بعد ذلك الأطراف المعنية لتقديم الدراسات المناسبة,
فلابد من وجود عضو من هيئة الأرصاد الجوية وأخر من هيئة البحوث الجيولوجية,
وبعد ذلك نتوجه إلى الجهات المختصة كي ترصد للمشروع تكلفته, لقد تابع عبد
الهادي قائلا :إن إنشاء جسر في الجهة الجنوبية سيبعد الخطر عن أهل المدينة
حيث يبتعد الطريق عن منطقة الانهيارات الطينية ووادي الموت كما يخدم الطريق
بلدة مجاورة للمدينة في الجهة الغربية ويربطها مع مديتنا بطريق جديدة مما
يحسن من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الجيران.قال عامر :ومتى سيكون
الاجتماع مع رئيس البلدية ؟
قال عبد الهادي: سيكون اجتماعا موسعا يضم كافة
الأطراف المعنية ، ولابد من موافقة الأعضاء جميعهم كي يصبح المشروع قابلا
للتنفيذ وفي اليوم المحدد كان عبد الهادي مستعدا .فبدأ عرضه للمشروع وبين
الأسباب التي دعت للقيام بهذا المشروع والمنافع التي ستجنيها المدينة منه
, لقد كان عرضا موفقا , فقال رئيس البلدية : إنه مشروع رائد ورائع حقا
،وبعدها وضع المجتمعون اللمسات الأخيرة على المشروع, وقد نال موافقة جميع
الأطراف حينها كان عبد الهادي يتنفس الصعداء لقد اقترب تحقيق حلمه فصار قاب
قوسين أو أدنى وفي القريب العاجل سيصير الحلم حقيقة إن شاء الله , ويقصد
السياح المدينة من كل البلدان للوقوف على معالمها الطبيعية والأثرية
الرائعة , وتنام في هدوء وتنعم بالأمن الاطمئنان .
الغد أجمل
خرج محمد في نزهة مع أصدقائه , لقد وقع
اختيارهم التنزه في حديقة المدينة المركزية , وعندما دخل الأصدقاء من
بوابة الحديقة الرئيسة, تلفت حسان يمينا وشمالا وهو يملأ رئتيه بهواء عليل,
قائلا ما أجمل هذه الحديقة ! أجابه أحمد : نعم إنها نظيفة مليئة بالورود
والأزهار المتنوعة ومن الأشجار المختلفة تصطف في حلقات وفي صفوف متناغمة
تأخذ العين بسحرها الحلال وتملأ شغاف القلب بألوان مباركة من الدهشة
والروعة والجمال .
رد محمد قائلا : تبارك الله الذي أنعم علينا
بهذه النعم الكثيرة , فلنتأمل عطاؤه في نفوسنا وما منحنا من نعم تجعلنا
نستمتع بما سخر لنا في هذا الكون من روعة تدخل إلى القلب السرور وتنعش
الروح بروائح تدخل بلا استئذان لتصافح شغاف القلب ولتغفو هناك على لحن
الخلود الرائع الذي يتدفق أنّى نظرت فسبحان الله أحسن الخالقين !لذلك يجب
علينا أن نحافظ على هذه النعم التي سنسأل عنها أمام الله سبحانه وتعالى فهو
الذي سخرلنا الكون بما فيه وجعلنا عن عمارته يوم الدين مسؤولين .
قال حسان : يا أصدقائي الأعزاء, إن الأشجار
الرائعة الجمال هي أيضا رئة الطبيعة ,ومعادلها الحيوي, حيث تصنع من غاز
ثاني أكسيد الكربو ن جمالا وسحرا حلالا, كما تعيد إلى الطبيعة ما تحتاجه
الكائنات الحية الأخرى من أوكسجين لذلك يجب علينا أن نحافظ عليها, ونرعاها,
وفي ذلك شكر بسيط لنعم الله علينا؛ تلك النعم التي لاتنقطع ,ولاتنتهي ,فهي
تحيط بنا ترعانا بلطف وحنو .
وبعد ئذ قال أحمد : يا أصدقائي علينا أن نقدم
الأفكار التي تساهم في رعاية بيئتنا وهذا أقل الواجب , أليس كذلك ؟إن
الأفكار التي تولد معنا تنمو كالشجر لتعطي أكلهاقريبا إن شاء الله فسرعان
ما تصير حقيقة واقعة . إذا نظرنا حولنا نجد السيارات تحيط بنا السيارات من
أهم مصادر التلوث البيئي فأصوات ا لمحركات ملوثات بيئية وكذلك العوادم التي
تحرق الوقود وتبعث في كل الأنحاء سموما تلاحقنا وتنذر بخطر محدق , وأشد ما
أستغربه كيف يضع الناس حجبا على أعينهم, فلا يريدون رؤية تلك المخاطر,
فهاهي الغازات المختلفة التي تنتج عن الاحتراق الناقص للوقود تودي بالحياة
الجميلة وتقتلنا ببطء, لأنها تسممم ذلك الهواء العليل الذي تشتهون, فانظروا
يا أحبابي أي مستقبل تنتظرون أو أي طريق ستسلكون ؟عليكم أن تتدبروا أمركم
,وتضعوا أيديكم على الأسباب التي تودي بالجمال الذي زين به الله سبحانه
وتعالى الكون, فجئنا بزعم حضارتنا نسرق الجمال والحياة ونأخذ الأحلام
الجميلة إلى الدمار المحتوم, فالسيارات والمصانع والغازات والمواد
الكيميائية تنهش صدر الحياة بأنيابها , علينا أصدقائي أن نفكر في مستقبل
الأرض في مستقبلنا فغدا ستؤول الأمور إلينا وعلينا أن نبحث عن غد مشرق ملؤه
الفرح والسعادة والحياة .
محمد: أحسنت بارك الله فيك يا أحمد كلامك يشفي
الروح لابد أن نضع أيديناعلى السبب الرئيسي فالوقود المستخدم في أيامنا عدو
للبيئة , ولابد لنا من البحث عن بدائل صديقة للبيئة وهي الطاقة الصديقة
للبيئة ,وكذلك الطاقة المتجددة ؛ وعلينا أن ننظر في الكون حولنا حتى نجد
البديل المناسب ها هي المياه, وهذا هو الهواء, وها هي الشمس,والرياح
والبحار وسواها من قوى مغناطيسية وغيرها ، ولعلنا نصل من خلال هذه الأنواع
إلى طاقة نظيفة إلى طاقة الحياة التي تؤدي رسالة الإنسان على الأرض رسالة
البناء والتعمير .
قال حسان متسائلا : ألم تسمعوا بالسيارة
الكهربائية؟ يا أصدقائي !.
قال أحمد : نعم نعم السيارة الكهربائية, لكنها
تعتمد على وسائل أخرى لتوليد الطاقة الكهربائية, أي لابد من طاقة أخرى, أو
وسائل تستطيع إنتاج الطاقة الكهربائية ، ولكن علينا أن نتفق على أنه لابد
لنا ,يا أصدقائي من أن نجد بديلا نظيفا للطاقة, فالطاقة تولد الكهرباء, وقد
نصل عن طريق الطاقة المتجددة والرخيصة ,وما نحتاجه البحث البحث
والاستمرار والجد والصبر والتجريب حتى نصل إلى مصدر جديد آمن وحيوي ولانصل
إليه إلا عن طريق البحث والتجريب والبحث في ما أنتج السابقون من علوم
واكتشافات , ومحاولة تطوير ذلك حتى نصل إلى ما نصبو إليه.
محمد : ما رأيكم بمصدر الطاقة الرئيس الشمس ؟
ألا ترون معي أثر الشمس في الهواء والماء وفي النبات إنّ في ذلك رسائل لنا
وعبرة سنصل إن شاء الله من خلالها إلى حلول ,و قد يسبقنا غيرنا إليها .
ألا ترون آثار الشمس في البيئة المحيطة وأثرها على الأجسام التي تتمدد
والماء الذي يتبخر وأنتم تعرفون إن في ذلك طاقة وإن الشمس تجعل النبات ينمو
وينتج الطاقة وأسرار الحياة لاتنتهي وعلينا بالتجريب وحسن التدبير .
حسان :إننا في مقتبل العمر ونسمع عن العلماء
وعن الاختراعات , ونحن سنكون علماء في الغد القريب إن شاء الله ,حينها
سنزرع الأرض أملا وحياة. وقبل الخروج كان الجميع قد تعاهدوا على الاستمرار
في التفوق الدراسي؛ لأن ذلك من مفاتيح الوصول إلى الحلول , والبحث عن
البدائل وفي ذلك واجب أمر به الباري سبحانه وتعالى, والحلول تحيط بنا في
الكون, فالله خلق الكون مسخرا للإنسان وخلق الإنسان حتى يبني الأرض ويزرعها
بالحب والخير والأمن والجمال ,ولابد لمن يسعى أن يصل إلى هدفه ويحقق طموحه
ولا تبنى الحياة إلا بالعلم والأخذ بالأسباب .
عائد إلى يافا
كان يجلس قريباً من الرصيف , يمد رجله اليمنى
,ويتحسس ما تبقى من ساقه اليسرى , ماداً بصره إلى الأمام في شرود وزهو
,وكأنه عاد للتو من مهمته , أطفأ سيجارته بعدما أشعلها مباشرة, قائلاً :
قاتل الله التدخين وساعة التدخين , وهو يخرج النفس الأول من بين شفتيه,
ولكن(( ما باليد حيلة)) ..... عندما أتذكر أيام طفولتي وبيٍٍارات الليمون
وأشجار اللوز والصفصاف التي تحيط بمزرعتنا , كيف لي أن أنسى تلك الأرض ؟!!!
لن أنساها أبداً , بل أصبحت حلم أولادي وأحفادي أيضاً , التصقت بذاكرتهم
صارت كأسمائهم التي لا يتخلون عنها أبداً, حينها اقتربت منه أكثر وصافحته
شعرت بقوة تضغط على أصابعي وأخذت أحدق في حركة أهدابه المستمرة وعينيه
اللتين لا تكفان عن الدوران في كل اتجاه وكأنه يفتش عن شيء عزيز فقده ,
جلست بجانبه على المقعد الخشبي وأنا أقول : ما شاء الله مازلت شابا يا جدي
! قال لا تقل يا جدي! فأنا مازلت شابا, منذ أن توقف الزمن حينما فارقنا
أرضنا. إن شاء الله سأعيش حتى أشم رائحة تراب قريتنا ؛ قريتنا إنها على
مرمى حجر من يافا ؛ وأنت تصعد بوجهك باتجاه الشمال؛ هناك تستلقي على كتف من
الأرض ؛ بيتنا يكشف القرية كلها .
أما الآن فأنا ((محسوبك )) أبا العبد أشعر من بعد
تدبير وثبات أهلنا في غزة البطلة غزة عروس النصر الإنساني ، التي وضعت شهود
على انتصار الحق وانتصار الدماء دماء الشهداء دماء الأطفال التي روت بطهرها
أرض غزة, وانتصرت على همجية الغدر , وعرت الزيف أمام ضمير الإنسانية ,
وأيقظت العالم من جهله وعرت المارقين ,شهودها العالم بأسره بقوانينه
وتشريعاته , وهي تسجل اسمها على رايات النصر , وتملأ القلوب إيمانا بالنصر
القريب . يا ولدي أتذكر في هذه اللحظة عندما كنت طفلا صغيراً, كانت أحلامنا
ترفرف بأمان في أحضان الكون من حولنا وكأننا نملك الدنيا بأسرها , ولكن نحن
لا نملك إلا الحب وبدأنا ندفع الغزاة الحاقدين بصدورنا منذ تلك الأيام
نزحنا مكرهين عن ديارنا خوفا من القتل والإرهاب ,حملت بين ضلوعي وطني
وقريتي وهويتي .
كنت أنصت إلى حديث أبي العبد بتلهف وشوق ، وتابع
قائلا : يا ولدي عندما صرت يافعا اندفعت بالفطرة للالتحاق بصفوف التحرير
والعمل الفدائي , حينها حصلت على شرف الذهاب ثانية إلى مسقط رأسي , وسجدت
شكرا لله وأحسست بها كأم رؤوم , تشم ريح ولدها بعد فراق مر. بعد ذلك ,
زرعت ساقي هناك وعدت , عدت رافعا رأسي , وها أنا الآن أرى قريتي أرى الوطن
أمام ناظريّ قريتي تفتح زراعيها لتحتضنني في شوق من جديد, ولكن الزمن
!........,انتم الأحفاد تستلمون الأمانة الآن .
التفت إلي مرة أخرى ,كمن ينتفض من حلم ما اسمك يا
ولدي؟ اسمي عبد القادر ابن الحاج محمود اليافاوي , ما شاء الله صرت شابا يا
ولدي أعرفك عندما كنت صغيرا , نهض قليلا كمن يريد الوقوف , وكأن قوة جديدة
أحيت في داخله بواعث الأمل , ناسيا عكازته التي يستند عليها ممدة على
الكرسي المجاور , والفرح يملأ وجهه وكأنه امتلك الدنيا , الحمد لله الذي
نصرنا بغزة ,إن الله مع الصابرين الثابتين يمده بجنود من عنده سبحانه
وتعالى , إن أبناءنا في غزة صاروا يعرفون كيف يصنعون النصر , إني أرى يافا
قريبة أكثر من أي وقت مضى إنها أقرب من مرمى الحجر , تلفت يمينا وشمالا ,
قلت يا عم ولكن نحن الآن .................... قال: أعرف... تفصلنا عن
أرضنا آلاف الكيلومترات , ولكنها قريبة قريبة جدا كنت أنظر إليها عندما
اقتربت مني بل وأعيش فيها أطوي البيارات مع أقراني من الأطفال . سنعود إن
شاء الله سنعود . حينها استأذن عبد القادر من الجد أبي العبد , قال أبو
العبد: لكني لم أكمل حديثي بعد ,قال عبد القادر: سأعود غدا إن شاء الله ,
ردد أبو العبد سلم على والدك فهو صديق الطفولة , ركب عبد القادر سيارة
المعمل ,حينها نهض أبو العبد وأسند يده اليسرى على الكرسي وهو يشير بيده
إلى ساقه المبتورة , وهو ينادي بأعلى صوته : عد مرة ثانية يا عبد القادر,
سأحكي لك قصتها كاملة , ثم جلس أبو العبد ثانية على مقعده , شامخا برأسه
,وكأنه نسر يحلق فوق بيارة أبيه في سماء يافا.
الرابعة والنصف من
صباح يوم الخميس 29/1/2009/م
الفراخ الخمسة
قصص للأطفال
كانت الدجاجة ترقب الضوء الذي أخذ يدخل من بين
الشقوق ، عندها تنهدت تنهيدة عميقة ، وقالت في سرها بقي يوم واحد وتخرج
الفراخ من البيض ،وارتسمت على وجهها علامات الفرح والسرور, سأخرج بعدها مع
فراخي إلى الشمس والهواء العليل ، يا الله ما أروع الفراخ ! حينها تذكرت
جارتها أم الريش الأسود وتمتمت قائلة آه لو تزورني ونتسلى قليلا ونتحدث عن
تربية الأبناء،توقفت الدجاجة عن القرْق , لقد سمعت حركة أمام الباب ،توقفت
الحركة ، أحدهم يطرق الباب فقالت: بأعلى صوتها من بالباب ؟ أجابت أم الريش
الأسود أنا جارتك ، فقالت :تفضلي بالدخول يا جارتنا العزيزة فدخلت ، وقالت:
السلام عليكم فردت صاحبة البيت التحية بأحسن منها , وقالت :أهلا بك يا
جارتنا العزيزة تفضلي بالجلوس. حسنا ،ولكن لا أستطيع التأخر فقد جئت لأطمئن
عليك ،متى يفقس البيض و تخرج الفراخ ؟ أجابت الدجاجة قريبا إن شاء الله لقد
بقي لها يوم واحد فقط وتخرج من البيض , عندها أخرج معها لأرعاها وأدربها
على كل شيء.
وأردفت قائلة: بقي يوم واحد فقط وتنتهي الأسابيع الثلاثة
التي رقدت خلالها على البيض أعطيه ا لدفء والحنان وغدا ستفقس الفراخ وتخرج
من البيض إن شاء الله ، وأبدأ مشوارا جديدا معها ،بعد ذلك استأذنت الدجاجة
أم الريش الأسود جارتها قائلة بقي علي بعض الأعمال التي يجب أن أنتهي منها
قبل غروب شمس هذا اليوم , وسلمت على جارتها, وهي تقول : أراك غدا إن شاء
الله 0وجاء الصباح الجديد وأخذت الفراخ تخرج من البيض الواحد تلو الآخر
وكل صوص منها يجمع قوته في منقاره وينقر البيضة بقوة فتنكسر القشرة
الخارجية ويخرج مسرعا, لينضم إلى الفراخ الذين سبقوه وتتلقفه الأم بلهفة
ليحشر نفسه تحت جناحيها,و أخذت تغني لهم لحنا جميلا يتبعوه طول النهار
تناديهم دون كلل أو ملل , لتؤكد لهم أنها قريبة تحميهم من أي خطر فهي تنقض
كالصاروخ على من يقترب من صيصانها , وعندما فقست البيوض جميعها ,جعلت
الدجاجة تخرج لحنا جديدا لحن التحرك ,وراحت الفراخ تتزاحم خلفها وهي تغني
لحن العمل, وبدأت الأم تبحث عن طعام صيصانها بعد أن تناول الجميع وجبة
الإفطار أخذت تجوب في المزرعة المجاورة لتعرفهم عليها ولتدربهم على أسليب
الحياة المختلفة ,وعندما تجد طعاما تنادي بأعلى صوتها وبنغمة جديدة خاصة
معلنة وجود الطعام لتنبئ من تخلف عنها, فتسرع الفراخ إليها دون تردد ،
فالأفراخ تفهم ماذا تريد الأم ولا يخالفوا أمرها أبدا , والأم ترقب جميع
الفراخ والفرحة ترتسم فوق محياها ، وعندما تشعر بالخطر يقترب من الفراخ
تناديهم بلحن خاص ويتجه الجميع ليحتموا تحت جناحي الأم التي تجمع كل قوتها
لتوجهها إلى خصمها الذي يطمع بفراخها الصغار, فالدجاجة أم طيبة وفية
ومخلصة لا تتوقف عن تقديم الطعام المتنوع والحماية والدفء لأفراخها ,ولا
تمل من عملها أبدا .والفراخ مثل الأطفال يحبون اكتشاف العالم المحيط بهم
واستمرت الأمور تسير على ما يرام حتى شارف الأسبوع الثالث على نهايته,
فأرادت مجموعة من الفراخ الخروج على نظام الحماية والرعاية الذي تتبعه الأم
مع صغارها , لقد قررت المجموعة ودون علم الأم أن يبتعدوا في المزرعة ،
وفي غفلة من أمهم التعبة أخذت المجموعة تبتعد عن الأم وبقية الفراخ ، ولم
يستمعوا لنصح أمهم التي حذرتهم من المخاطر الكثيرة التي تنتظر الجاهل الذي
لا يعرف الظروف التي تحيط به , ومن يترك الجماعة ويغريه الأعداء , ومن يسلك
طريق المغامرة دون حذر لابد أن يجني الندم على تسرعه ، وكانت المجموعة
المغامرة تتألف من خمسة فراخ : أما الأول فاسمه نهوم ، وأما الثاني فاسمه
دعبول ، والثالث شرود, والرابع دليل, والخامس فهيم ،وكانوا يتسابقون من
مكان إلى آخر حتى ابتعدوا كثيرا وازدادت كثافة الأشجار ، فقال دليل يا
أخوتي سأقدم لكم نصيحة إن عملتم بها نجونا جميعا ,وإلا فنحن نعرض أنفسنا
للخطر يجب علينا أن نرجع إلى البيت حالا قبل أن أفقد معالم الطريق .
وقاطعه نهوم قائلا : إني أشم رائحة الطعام تنبعث من تلك الناحية
القريبة ، أما فهيم فقال :حقا يجب أن نعود لأننا لا نعرف شيئا عن هذا
المكان ،ومازلنا صغارا ،ولم ينبت علينا إلا القليل من الريش ، ويمكن أن نقع
في مشكلة لا نستطيع التخلص منها فالأعداء كثر ولا نعلم صفاتهم والطامعون
بضعفنا وتفرقنا أكثر.
أما دعبول وشرود فلا هم لهما ولا رأي ،وفجأة قال
فهيم : صه000صه 000 وأشار تجاه شجيرات ملتفة حول بعضها وهو يقول: إنها
الأفعى, وعندما تسمع أصواتنا ، فتهاجمنا وتقضي علينا أما نهوم فمازال
منشغلا بالتهام الطعام ،ولكنه رفع رأسه وقال تريدنا أن نعود إلى أمنا ،أما
دليل فقال يا أخواني الأعزاء: احذروا لقد اقتربت الأفعى منا عندها تنبه
الجميع , وأخذوا يفكرون في حل لما وقعوا فيه ، قال شرود في برود: آه منكم
لو بقينا قرب أمنا كنا في أمان واطمئنان , وسمعت الفراشة الحديث الذي جرى
بين الفراخ وعلمت بالخطر الذي ينتظر الفراخ الصغار ,فأسرعت إلى جارتها أم
الفراخ وأخبرتها بما شاهدت وبما سمعت ,فانطلقت أم الفراخ مسرعة وكأن عقرب
لسعتها , بعد أن أوصت جارتها برعاية بقية الفراخ , وأخذت معها القطة
البيضاء التي تسكن في جوارها ، لقد خيم الخوف والقلق على الفراخ
الصغار,عندما كانت الأفعى تصغي لتعرف مصدر الحركة و تتحين الفرصة لتبتلع
أحد الفراخ , الذين جمدوا في مكانهم من الخوف ، وكعادته فاجأ الجميع عندما
صاح فهيم بأعلى صوته قائلا إنها أمي , وعادت الطمأنينة إلى قلوب الجميع
وهم يشاهدون أمهم تنقض إلى عنق الأفعى , حينها كانت القطة تغرز مخالبها في
ذيل الحية وأخذت القطة تمزقها بأنيابها ومخالبها الحادة ، وبعد ذلك شكرت
الدجاجة جارتها القطة الوفية على وقوفها إلى جانبها ومساعدتها في التخلص من
عدوها , وسارع الفراخ للاعتذار من أمهم على الخطأ الذي وقعوا فيه ، فأخذتهم
بحنان تحت جناحيها وعادوا جميعا سالمين ، وعاهدوا والدتهم أن لا يخالفوها ,
بعد أن تعلموا درسا لن ينسوه أبدا , وعاشوا جميعا في أمان وسلام .
1999م
شجرة التوت
قصص للأطفال
طلع الفجر , وأخذ الضياء يغسل وجه الأشجار والخضرة ،
وأخذت الحياة تدب بكل الكائنات التي تعيش بين الوهاد والسهول وعلى الهضاب
...كل المخلوقات خرجت تسعى في تناغم عذب تظهر فيه قدرة الخالق وعظمته, خرجت
الأم حسونة من بيتها وأخذت ترقب منظر الصباح الرائع ,وهي تردد أناشيد
الصباح الرائعة ، و تسبح الخالق بصوت يملأ القلوب اطمئنانا ....الأصوات
تتردد بصدى عذب جميل في كل الأنحاء , وينتقل الصدى عبر الوديان والهضاب
التي تعيد رجع الأصوات في تناغم رائع .إنها تسمع ولدها تويت ، يا له من
صوت عذب جميل ينساب من خلال الأشجار, لقد غمر الفرح حسونة, وبدأت تقترب من
الشجرة التي يغرد منها تويت وأخذت تراقبه عن كثب , ومن دون أن يراها
فشاهدت علامات الرضا والاطمئنان تعلو جبينه .
حيته وهي تقترب منه وهي ترفرف بجناحيها بصوتها العذب
الجميل, فرد التحية بأحسن منها وهو يبتسم لها.
قالت الأم :كيف أصبحت ؟
تويت : بخير والحمد لله يا أمي الطيبة.
الأم: متى جئت إلى هذه الشجرة الرائعة ؟
تويت : بعد صلاة الصبح يا أمي وها أنا أبحث عن
الرزق, وأعمل بجد ونشاط لأفهم الحياة ، كذلك العمل من الإيمان.
الأم : بارك الله فيك يا ولدي .
انظري ما أجمل هذه الشجرة الرائعة , أوراقها خضراء
وثمارها حمراء ، تبارك الله ،فما أحسن خلقه وما أكثر نعمه ! وبعد ذلك طارت
حسونة, وهي تدعو لولدها المهذب بالتوفيق ,وانتشر تغريدها العذب الجميل بين
البساتين وهي تطمئن على أولادها .
وكانت سلحفاة حكيمة تعيش في جوار شجرة التوت خرجت
تبحث عن رزقها في حذر وترقب, وعندما وصلت إلى تحت شجرة التوت سمعت صوت سقوط
حبات التوت , فنظرت إلى حبة التوت وأسرعت إليها لتأخذها ,وهي تقول يا الله
ما ألذ طعم التوت !الحمد لله على ما رزقني . فسمعها تويت وأحب أن يساعد
جارته الحكيمة السلحفاة ، وعادت إلى جحرها الذي تسكن فيه منذ ولادتها أي
قبل ثمانين سنة دخلت وحمدت الله وشكرته ,أحب تويت جارته , وأخذ يقدم لها
ثمار التوت التي يحبها, وبدأت تقص عليه حكايات وحكما من الأيام الخوالي,
مما جرى معها ومما شاهدته , أحب تويت تلك الحكايات المسلية والمفيدة,
والتي تعلم منها الكثير: عن الأخلاق, وعن الصبر, ومساعدة الآخرين, والكرم
,والشجاعة ,وحب الوطن ولذلك فجارته لا تريد أن تغادر بيتها.
وعندما كانت
الشمس تهرب خلف التلال البعيدة ويبدأ الغروب بالهبوط في أسفل البساتين تذكر
تويت وصية أمه ، حيث أخبرتهم بالتجمع في أصل شجرة الحور الكبيرة، قرب النبع
الغربي ، فطار مسرعا وعندما وصل سمع أمه تقول : لقد بحثت عنك يا لحوم اليوم
كثيرا ولم أجدك ، أين كنت يا ولدي العزيز؟
لحوم :اعتدت يا أمي أن أبحث عن رزقي في الحقول
الواقعة أسفل الهضبة الغربية حيث أستمتع بطعم الديدان والحشرات الكثيرة
هناك .وحينها كان تويت يصل ويلقي التحية على الحاضرين ,وتابعت الأم قائلة
: أتمنى من أولادي أن تجتمعوا في مكان واحد فهو أسلم لكم وتصبحون أقوى
وأجمل وأطمئن عليكم أكثر .حينها قال تويت: حبذا لوترافقني يا أخي إلى
الجهة الشرقية وسْتَعْجَبَك بالتأكيد فالطعام متوفر بكل أنواعه, وينابيع
الماء كثيرة في تلك الجهة, وكذلك فهي منطقة آمنة وبعيدة عن أعين الصيادين.
وكان لعبون الذي تناول طعامه متأخرا مما قد جمعه
والداه , يسترق السمع فهو قد اعتاد أن يقضي أغلب أوقاته في اللعب والتسلية
,ويعتمد كثيرا على والديه في تأمين طعامه فهو لا يحب العمل , ويبقى طوال
الوقت مع أولاد الجيران, وتبقى أمه قلقة عليه ,وتفكر في حل لمشكلته . وبعد
أن ساد الظلام أغمضت العصافير عيونها ووضعت رؤوسها تحت جوانحها واستسلمت
للنوم .وفي الصباح الباكر حلق الأخوين متجهين إلى تلك الشجرة التي اعتاد
عليها تويت ولم يغادرها وقف لحوم على أعلى غصن في الشجرة وأخذ يجول ببصره
في كل الأنحاء ,وقال بأعلى صوته يا الله ما أجمل هذه الناحية وما أروعها
شكرا لك يا أخي الطيب ولكن سأبحث عن طعامي بين الحشائش فقال له تويت
سأرافقك وأخذ الأخوان يتنقلان بين الأشجار المحيطة وعلى الأرض في سعادة
وحبور . وجاءت السلحفاة الحكيمة واستمعا منها على قصص رائعة,قضيا وقتا
رائعا مليئا بالنشاط والتسلية والفائدة , وعندما اقترب المغيب توجه الأخوان
فرحين مسرورين بهذا اليوم الرائع.
أما لعبون فقضى نهاره في اللعب كعادته, ولكنه شاهد
أخويه عندما كان يلعب في ناحية قريبة منهما حيث كانت علامات السعادة والرضا
ترتسم على محياهما, وعندما عاد في المساء, قال لهما باستغراب: أريد أن
أعرف سر سعادتكما , رد الأخوان بصوت واحد: يا لعبون أسعد اللحظات تلك التي
نجني بها ثمار العمل .
لعبون : وأي عمل ؟! لقد كنتما تلعبان وتمرحان...
لحوم وتويت : نلعب! بل نبحث عن طعامنا بأنفسنا إنه
طعام لذيذ ! نعتمد فيه على سعينا وجدنا, وفي الوقت نفسه نتعلم الحكمة من
الكبار ومن الحياة هكذا الحياة ألذ وأشهى وقيمتها لا تنسى.
لعبون: هكذا إذا ! أما أنا فقد اعتدت أن آكل مما أجد
في البيت من طعام جاهز وما كنت أشعر بضرورة البحث عن الطعام , طالما كل شيء
موجود ....
لحوم وتويت : لكن العمل شرف وواجب بل عبادة ، وأطيب
طعام الطعام الذي تحصل عليه بتعبك وجهدك ..
وانتهى الحديث ونامت العائلة السعيدة ، ولعبون أضمر
في نفسه أن يغير طريقة حياته وأن يرافق أخويه إلى تلك التلال الرائعة
الخضرة والمليئة بالأمل والجد والعمل والمرح أيضا .
وما إن أشرق نور الصباح حتى حلق الأخوة الثلاثة
باتجاه تلك الناحية من التلال المجاورة .. وأخذ لعبون ينتقل بين أخويه وهو
يأكل الثمار تارة و يقول سبحان الله ما ألذ هذه الثمار الطازجة ! ثم ينتقل
إلى الأرض ليأكل الديدان مرة أخرى وهكذا امتلأت حياته بالسعادة والفرح
والجد والعمل ،وجاءت السلحفاة الحكيمة كعادتها وتعرفت على الضيف الجديد ،
وقالت بصوت يعبر عن السعادة والاطمئنان : بارك الله بكم فيد الله مع
الجماعة, وانتم يا أحبائي الآن أجمل منظرا وأقدر على مواجهة الحياة .
وقال لعبون لأخيه توتيت ما اسم هذه الشجرة الرائعة
في ظلالها ولونها وثمارها يا أخي الحكيم . فصمت تويت ولم يجب وأخذ يفكر في
هذا الأمر وسرعان ما تغيرت عادات لعبون وتصرفاته فسبحان الله ما أجمل
الحياة بالجد والعمل ! وفي أحد الأيام قال لعبون لأخويه بصوت حازم ينم
على التصميم : أرى أن نجمع البذور من هذه الشجرة الرائعة, ونحملها إلى
الحقول في البلاد المجاورة كي تنعم العصافير بالخير الوفير ,وشرع الأخوة
بالعمل حتى امتلأت التلال والهضاب بأشجار ثمارها شهية وظلالها وارفة هل
تعلمون يا أصدقائي! الأعزاء ما ذا سمى لعبون تلك الشجرة التي أحبها؟ لقد
سماها شجرة التوت لأن الفضل في اكتشافها يعود إلى أخيه تويت
.
عدنان1999/م
الحاسوب
قصص للفتيان
ظافر تلميذ مهذب ومجتهد يحب الكتب والدراسة ، تلقى
هذه الشهادة والد ظافر في زيارته الأخيرة إلى المدرسة , كما أنه أحب مطالعة
الكتب العلمية التي يساعده والده في اختيارها , و يحب قراءة قصص الخيال
العلمي ،يستيقظ باكرا ويقوم بواجباته بشكل منتظم ، ويترك وقتا لممارسة
هواية الرياضة التي أحبها ، قال حامد في سره الحمد لله على فضله ونعمه
الكثيرة, الولد منبته طيب وعلامات التفوق تحيط به حينها كانت السيارة تعبر
إلى داخل الموقف المخصص للسيارات .كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد الظهر
,عندما أنهى حامد التزاماته في الشركة التي يعمل بها ,وعندما دخل البيت
توجه مباشرة إلى غرفة ظافر فوجده معانقا كتابه , لا يريد أن يتركه كأنه
صديق قديم عائد لتوه من السفر، طرق حامد على الباب بهدوء وهو يقول : السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته، نظر ظافر إلى والده بعد أن رد التحية قائلا :
ماذا تريد يا والدي العزيز ؟ الوالد: لاشيء ...لاشيء .............بارك
الله فيك يا ولدي الطيب ! وبعد قليل عاد الأب وهو يحمل كأسا من عصير التفاح
الطبيعي, لابد لك من أن تتناول شيئا وأنت تدرس يا بني! شكر ظافر والده
وشعر بالاطمئنان والرضا , وكانت السعادة ترتسم على وجهه البريء فتزيده
جمالا وإشراقا ,أردف حامد قائلا هل تريد شيئا يا ولدي؟
قال ظافر :لا لا أريد شيئا شكرا لك يا والدي العزيز.
حامد : ولكن عليك أن تستريح في أيام العطل بابني ..
ظافر : يا والدي لاعليك ،لقد وزعت وقتي بشكل مناسب
، ففي الصباح
أراجع دروسي فالجو هادىء والاستيعاب في أعلى درجاته
. هز الأب رأسه معجبا بما قاله ظافر وابتسامة رائعة ترتسم على وجهه ابتسامة
إعجاب وافتخار بولده النشيط والمهذب , وخرج ليترك ظافرا يتابع دراسته
....وفي اليوم التالي عاد التلاميذ إلى المدرسة دخل ظافر إلى المدرسة وهو
يقول في سره يا الله ما أجمل المدرسة ! ففيها نتلقى شتى أنواع المعارف ،
ونحصل على أروع الدروس في التربية والأخلاق ، التي يزودنا بها آباء مخلصون
. دخل التلاميذ بعد طابور الصباح بانتظام وهدوء إلى الفصول , لقد أوشكت
الحصة الأولى على الانتهاء قال ظافر في سره لقد سجلت بالأمس سؤلا لم أفهمه
في مادة الجغرافيا . دخل مدرس الجغرافيا وألقى التحية على التلاميذ وقال يا
أبنائي الأعزاء كان درسنا الأخير عن الضغط الجوي .
رفع ظافر يده بأدب .. قال المدرس ماذا تريد يا ظافر
؟
ظافر: لو سمحت يا أستاذ , أن تعيد علينا فكرة تشكل
الضغط الجوي فإني لم افهمها جيدا ..
المدرس : أحسنت يا ظافر أحب من جميع الطلاب أن
يسألوا عن الأشياء التي لم يفهموها فهذا دليل على متابعة التلميذ لدروسه .
وأعاد المدرس شرح الفكرة التي سأل عنها ظافر ,وبعد ذلك سأل ظافر, هل فهمت
يابني الآن؟ أجاب ظافر نعم شكرا لك يا أستاذ .وفي نهاية الدوام عاد ظافر
إلى البيت وكانت تغمره فرحة كبيرة لأنه فهم كل دروسه دخل ظافر البيت وسلم
على أمه أحست الأم بفرح ابنها , وكانت أمه تفخر بولدها المجتهد والمهذب
الذي يتحلى بأسمى الأخلاق , ولقد أعجبت الوالدة بأصدقاء ابنها وبإخلاصهم
ومتابعتهم لأخبار بعضهم والاطمئنان على بعضهم , لقد أحب ظافر أصدقاءه وأحب
معلميه وأحب كتبه وأخلص للجميع فهو يستمع لنصائح معلميه ووالديه ويعمل بها
ويساعد زملاءه ويتعاون معهم.
مرت الأيام كلمح البصر فالأيام لا تعرف الانتظار
.فالناجح من يعتبر بالوقت وينتفع به أما الكسالى فلا يشعرون بالوقت ولا
يعرفون كيف ينقضي ويرحل العام كاملا, ولا يدري الكسالى به, فيحصدون الندم
والحسرة بتقصيرهم أما الجادين فيزيد هم علما ومعرفة وحسنا وطيبا 0أحب
ظافر الوقت أحب الدراسة ، وأصبح في لهفة كي يخوض الامتحان الذي اقترب وصار
على الأبواب ، الامتحان سيكون في مطلع الأسبوع القادم 0
تعود ظافر أن يستيقظ باكرا وبعد صلاة الصبح يشرب
كوبا من الحليب , و يأكل تفاحة ويبدأ يومه الدراسي الجديد ، لقد تقدم
التلاميذ إلى امتحانات مادة العلوم بقي يومان وينتهي الامتحان. وبعد يومين
كانت السعادة تغمر ظافر, لأنه استعد للامتحان, وكتب بشكل ممتاز في كل
المواد, وعندما وصل إلى البيت وكان قد أنهى المادة الأخيرة سألته أمه :كيف
كان الامتحان في هذا اليوم يا ولدي الحبيب .
قال ظافر : الحمد لله يا والدتي الطيبة ! لقد وفقت
في الامتحان والحمد لله, ولكم يا أمي أنت وأبي كل الفضل في تفوقي لحسن
رعايتكما لي, كما لن أنسى سهرك معي من أجل أن تطمئني على دراستي وتسهري
على راحتي ,وانحنى على رأس أمه وطبع قبلة دافئة تعبر عن شكره وامتنانه لحسن
رعايتها 0
الأم : متى ستصدر النتائج يا بني ؟
ظافر : في الأسبوع القادم إن شاء الله . أخذ صابر
يعد الأيام والساعات حتى يأتي موعد تسليم النتائج في المدرسة وفي صباح
اليوم المحدد وصل ظافر كعادته إلى المدرسة باكرا, يريد أن يرى نتائج تعبه
,التقى في بهو المدرسة بمعاون المدير, سلم ظافر على الأستاذ سالم فرحب
الأستاذ بظافر وقال له عليك أن تراجع المدير يا ظافر, واندفع ظافر باتجاه
غرفة المدير, دق الباب ,فقال المدير: تفضل ادخل دخل ظافر وقال السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته , قال المدير :وعليكم السلام أنت ظافر أليس كذلك؟ قال
نعم يا أستاذ .أردف المدير قائلا: بارك الله فيك وفي أمثالك يا ولدي , كما
يسرني أن أهنئك لنيل الدرجة الكاملة في كل المواد فالوطن يا بني بحاجة
لأمثالك الذين سيساهمون في تقدمه وازدهاره.
ظافر : تعلو وجهه الفرحة وهو يقول: يعود الفضل في
تفوقنا لحرص الآباء المعلمين ولجهودهم وحرصهم على تفوقنا ونجاحنا .وكذلك
بفضل البرامج التعليمية التي حرصت عليها المدرسة لنحقق طموحنا الذي هو طموح
للوطن 0
عاد ظافر إلى البيت وهو يحمل وسام التفوق والشرف إنه
يوم جميل ولن ينساه ظافر وأخذ يقول :سأكون في المستقبل طبيبا أداوي جراح
وآلام الآخرين أقدم لهم المساعدة والفرح ,أو أكون مهندسا يساهم في بناء
الوطن الغالي ,الحمد لله لقد حصدت ثمار التعب وغدا ستكتب الصحف والمجلات
أخبار المتفوقين , يا الله ما أجمل النجاح وما أحلاه!
كل ذلك خطوة في طريق المساهمة في بناء الوطن الغالي
الذي عشت في ظلاله وأكلت من غلاله 0
وفي المساء دخل غرفته, وفاجأه وجود جهاز جديد على
المكتب, وقف برهة مندهشا ,لكنه سرعان ما تذكر وعد والده في أول العام
فقال وهو يتجه صوب المكتب لابد إنه الحاسوب هدية التفوق .
الأصدقاء الأربعة
قصص للفتيان
عاد محمد من المدرسة دخل البيت مسرعا, كان والده
يجلس في الساحة الخارجية تحت ظل شجرة النخيل, قال محمد السلام عليكم, رد
والده التحية بأحسن منها. وقال ولدي العزيز في العام القادم ستكون في الصف
السابع إن شاء الله عليك أن تكون مجتهدا في دروسك وأن تنظم أوقاتك,لأن قيمة
الإنسان بما يملك من معارف وأخلاق وعلوم فالأيام تمر سريعة وقيمتها بما
نتعلمه, قال محمد:اليوم يا أبي أخبرنا معلم اللغة العربية عن قيام مجموعة
من التلاميذ بعرض موضوع تعبير تكون فكرته تهمنا في الحاضر وفي المستقبل,
وترك لنا حرية اختيار الموضوع, وطريقة تقديمه أمام زملائنا,سيقوم التلاميذ
بشرح الدرس الجديد في مادة اللغة العربية ,وسيكون موضوع الدرس من اختيار
التلاميذ وقريبا منهم ويحتاجونه المهم أن يكون النقاش باللغة العربية
الفصحى,كان محمد يخبر أباه وبسمة ملؤها السعادة ترتسم على محياه ,قال الأب
بصوت ملؤه الحنان والدفء : يجب عليك أن تشارك في الدروس يا بني وتنتبه
إلى المعلم لأن الإنسان يجب أن يتعلم كل يوم شيئا جديدا ليكون إنسانا نافعا
وتزداد خبرته في الحياة . كان يوما حافلا لمحمد بعد أن أنهى يومه المنصرم
بالجد والاجتهاد والتنظيم كما تعلم.
،و بعد تناول الغداء , كانت الأم تنظر إليه في سرور
وإعجاب بعد أن غسل محمد يديه عاد إلى الصالة وكانت أمه تجلس هناك قال : يا
أمي سأبدأ بتنفيذ جدول اليوم ,قالت الأم تعال يا ولدي لأرى جدولك الدراسي
لهذا اليوم أخرج محمدا سجلا صغيرا يكتب فيه الواجبات الكتابية وغيرها في كل
يوم دراسي , سأبدأ يا أمي بدراسة الدروس التي أخذناها اليوم ثم أتابع
واجباتي الكتابية , قالت الأم : بارك الله فيك يا ولدي العزيز , وبعد صلاة
العصر كان موعد محمد مع أصدقائه في الحي وكان اليوم موعد الاجتماع لنقاش
موضوع جديد مع أصدقائه خالد وفادي وأحمد وأسامة, يحضر الجميع في الموعد
المحدد في باحة البيت حيث يستمتعون بمنظر الورود والأزهار والأشجار التي
تزين المكان , حيث اعتاد الأصدقاء اللقاء والنقاش في موضوع يقترحه عليهم
المضيف حيث يجتمعون كل أسبوع عند أحدهم ,أحدهم واليوم دور محمد ووقت قدوم
الأصدقاء يقترب بسرعة ,أخذ محمد يزرع الغرفة ذهابا وجيئة يريد أن يناقش مع
أصدقائه موضوعا مهما بل موضوعا خطيرا , دخل الأب من البهو الأمامي للبيت
ولكن محمد لم يلتفت إليه بل كان يجلس وقد وضع يده اليمنى على خده وهو يرسل
نظره عبر الشارع من النافذة اقترب الأب وقال : السلام عليكم , رد محمد
التحية , وفجأة صاح بأعلى صوته وجدتها وجدتها , ماذا وجدت يا محمد ؟
وجدت الفكرة حلقة النقاش لهذا اليوم . صحيح يا ولدي اليوم سيأتي أصدقاؤك
بعد قليل, نعم , يا أبي لقد جاءتني الفكرة من الشارع وجدت فكرة الموضوع
ألا وهي تلوث البيئة يا أبي سنناقش اليوم هذا الموضوع ربما نساهم في أن
نتخلص من السموم التي تملأ البيئة المحيطة بنا , وبذلك نضرب عصفورين بحجر
واحد , بل ربما أكثر ..... يكون اللقاء تسلية ويطرح كل منا فكرة , ثم نختار
الموضوع الأهم , ونعقد حلقة نقاش هادف حر نتابع بها موضوع اليوم ، ولكن في
البداية لابد من تنظيم الحوار واليوم سأكون المسؤول عن ذلك .
قال الأب : لقد جاء أصدقاؤك يا محمد إني أسمع طرقات
على الباب أسرع محمد باتجاه الباب كان الأصدقاء يقفون أمام الباب سلم محمد
على الجميع وأدخلهم إلى المكان المعتاد , كان محمد قد فرش البساط على
الأرض جلس الأصدقاء في المكان المخصص لهم وبعد أن قدم لهم الضيافة المعتادة
واطمأن على أهل الجميع وعن أحوالهم , استأذن زملاءه في بدء الحلقة النقاشية
لهذا اليوم وقال: سنتناول موضوعا نناقشه اليوم على أن يكون الموضوع الذي
نناقشه في المدرسة غداً, وأن يكون مهما يشغلنا جميعا بل يهم كل الكائنات
الحية , من حولنا . قال محمد سنبدأ من جهة اليمين. وقف فادي قائلا: من أهم
المواضيع التي تشغل العالم الغذاء , فكم من دولة يتضور أبناءها جوعا رغم
وجود الأموال الطائلة والتقدم العلمي الذي تنعم به كرتنا الأرضية .
ثم قام أسامة وقال : بل الماء هو من أهم المشاكل
التي تهدد مستقبل البشرية فمن تلوث المياه الذي خلفته الحضارة التي تهدف في
أغلب الأحيان إلى الربح السريع ,ولا تنظر إلى المخاطر المستقبلية .
وقف بعد ذلك أحمد ليدلي بدلوه : قال : أشكر لزميلي
العزيزين ما قدما من اقتراح لموضوع التعبير في المدرسة ولكن رغم موافقتي
على رأيكما ولكني أعتقد أن المشكلة الأخطر هي التي تشترك بها كل البشرية
بل لا يسلم منها الكون بأسره حيث لا يسلم منها بعيد أو قريب, ولا تفرق بين
غني ولا فقير, تحيط بنا في كل مكان إنها مشكلة" تلوث الهواء "، ولابد لنا
من بحث أسباب هذه المشكلة . قال محمد أشكر لكم حسن آرائكم جميعا وأهميتها,
ولكن موضوع تلوث البيئة يشترك مع ما طرحتم من أفكار,فقال محمد : أصدقائي
الأعزاء أشكر لكم حسن اختياركم والآن نبدأ باختيار مشكلة من المشاكل التي
تحدثنا عنها , ما رأيكم أن تكون هذه فكرة موضوعنا في المدرسة. وافق
الأصدقاء على اختيار موضوع تلوث البيئة ,قال محمد علينا أن نقسم الموضوع
إلى أفكار ويتحدث كل واحد منا عن فكرة محددة . قال أحمد : سأتحدث إن شاء
الله عن أهمية البيئة وضرورة المحافظة عليها .
أما محمد فوقف وقال : أما أنا فسأتحدث عن مصادر
تلوث البيئة . أما أسامة فقال : أما أنا فسأتحدث عن المشاكل والأضرار التي
تنتج عن تلوث البيئة , أما فادي فقال: أما أنا فسأتحدث عن وسائل حماية
البيئة . وهكذا تم توزيع الأدوار وبشكل اختياري وصمم الأصدقاء عن طريق
تعاونهم في عرض الموضوع بشكل كامل ، على أن يعد كل منهم الجانب الذي اختار
من الكتب العلمية والمجلات المتخصصة ومن الشبكة العنكبوتية. وبعد ذلك
استأذن الأصدقاء من محمد وكان قد اقترب موعدهم في النادي الرياضي وتوجهوا
إلى النادي لأنه لابد أن من بناء العقل والجسم معا وقد قيل قبلا ((العقل
السليم في الجسم السليم )).
عدنان 7/1/2009م
|