أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

الكاتبة: فاطمه بنت السراة-السعودية

       
       
       
       
       

 

 

نماذج من أعمال الكاتبة

بطاقة تعريف الكاتبة

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتبة

 

المؤهلات

بكالوريوس / جامعة الملك عبدالعزيز بجده

دبلوم تربوي عام/ قسم الدراسات العليا / جامعة الملك عبدالعزيز

 

المشاركات الكتابية الورقية

عدة مشاركات وردود في جريدة المدينة, إضافة الى الكتابة الأسبوعية في جريدة البلاد السعودية.

 

المشاركات الالكترونية

مقالات في ( شبكة الدرر الدعوية ) + مقالات في (جريدة شباب مصر الالكترونية ). لأنني عضوة فيها .

 

الإصدارات الأدبية:

خطوات نحو الشمس – رواية – 1415هـ

لا يدق – مجموعة قصصية – 1415هـ

الرجاء التزام الوقار –  حكاية طويلة – 1419هـ

صالح النجدي وزهراء الجنوبية –  رواية – 1419هـ

بعد المطر دائما هناك رائحة – رواية – 1423هـ

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتبة

دولاب المغسلة الآصفر

 لم يعد بالإمكان

 

لم يعد بالإمكان

 

 

◘ بعد الطلاق حاول كثيرا أن يتكيّف مع وضعه الجديد مع الأهل فلم يفلح.

دقات الساعة تعلن الواحدة بعد منتصف الليل, وجوّ المكان في الحجرة الجديدة عليه, خانق كئيب.

 

أخيراً ترك لها البيت بكل ما فيه .. بكل تحفه التي اصطادها من كل بلد, بكل ذكرياته وأثاثه..

 

حكاية عودتها للدراسة بعد طفلين لم يتجاوز أكبرهما الرابعة سخيفة,

واحتجاجه الذي لم يفد معها أسخف وأسخف,

وخروجها غضبي الى بيت أهلها, وطلبها الطلاق كان أكثر الأمور سخافة.

 

ماذا دهى الجميع!؟

الكل غاضب لما آل إليه مصيرنا!

وأمي تقول: راجعها.

أقول, بشرط. تقول: لا شرط.

وأبي يقسم بالله أنني لو لم أراجعها لـ......

وشقيقتي "صديقتها" لا تقابلني كما في السابق بريق طيّب.

 

الكل مصرّ على رأيه .. وهي مصرة على رأيها .. وأنا أشد إصراراً منهم!

 

صمّ أذنيه عن توسلاتهم ورجائهم وكأنه وحده صاحب القرار: آسف آسف لم يعد بالإمكان.

 

ترك البيت الى الفندق, ثم الى شقة مفروشة معقولة الإيجار, خاصة أننا في غير موسم.

 

لم يسأل أحد عنه .. أم لعلهم سألوا .. لم يهتم, ولا يدري.

 

هو أيضا لم يحاول أن يتنسم أخبارهم, موقفهم العدائي منه لم يعد يهمه: "كأنهم أهلها لا أهلي!"

 

عمله كمعلم في المعهد يأكل أغلب وقته ونشاطه, ولمّا يأتي المساء يكون هناك صمت كثيف, وصور بليدة لطفلين, ودقات ساعة بطيئة الدوران.

 

مضت الأيام به على وتيرة واحدة, وعلى شكل واحد, وانتهت أشهر عدتها دون أي ضجيج .. تنفس الصعداء .. الحمد لله لم يعد بالإمكان.

سيلملم حاجياته القليلة عائداً الى بيت العائلة .. انتهى الكابوس في لحظة وإن كانت جداً طويلة.

 

في الصباح كان أكثر مزاحاً من كل يوم, حتى الساعي داعبه بنكاته .. في أوج سعادتنا كل شيء يطيب لنا, كل وجه.

 

وفي المساء كان يطرق باب البيت القديم, بيت العز والطفولة .. شعر براحة عندما طالعته صالة البيت الخالية من البشر, بأثاثها الجميل الأنيق.

كل ما هو محبب إلينا, له رائحة حنون, وألوان كثيرة مبهجة, بعكس القبيح لا رائحة له, ولا لون.

وقبل أن ينادي على أهله, كان أبوه أمامه بطوله وحزمه, انثنى على الحقيبة الكبيرة التي ألقاها بجانبه, معيدها في يده, موصله -هو والحقيبة وحلم حميم اغتيل بلمح البصر- الى الباب..

سار ذاهلاً .. لم يعترض .. أوجعه حزم اليدين, حاول الحديث, لكن دموعاً خانته, لمعت بشدة في العين, ابتلعها مع إحساس بالإهانة كبير.

 

طردني!

كررها مراراً لنفسه .. كنت سأتحدث معه .. نتفاهم, لكن دموعي....

لم تكن وقتها تلك الدموع, أبداً لم تكن وقتها .. ربما لو كلمته بدموعي لصفح....

لا. أبي أقسم, قال كلمة, وأنا أدرى الناس بأبي.

لكنه طردني, وطردني من أجلها.

 

فكر أن يتصل بها .. يشتمها .. يبصق عليها في مسماع الهاتف منفساً عن غضبه, لكنه تراجع.

ماذا لو أن شقيقتي صديقتها قد أبلغتها بطردي من البيت!

وربما لا. سأتصل بها شماتة لا أكثر قائلا بمرح: آسف. لم يعد بالإمكان. وأغلق سماعة الهاتف في وجهها بعد ضحكة خفيفة منّي.

كاد أن يفعلها, لكنه أيضا تراجع. ماذا لو هي سبقتني بضحكة .. فوزها بحريتها المزعومة قائلة في تأكيد لفرحتها بأنها ستقيم حفلاً بهذه المناسبة – موضة هذه الأيام – ثم تقول بتحد: حمداً لله أنه لم يعد في الإمكان.

الحاقدة اللئيمة مفرقة الجماعات.

 

ترك سيارته الجديدة بجانب العمارة التي سكن بها مؤخراً, عاد الى صاحبها مستأجراً نفس الشقة المفروشة بزيادة ملحوظة.

- خير! اليوم الظهر كانت بكذا.

- يا سيد. - قالها ببطر حقيقي – لم يعد بالإمكان, الموسم على الأبواب, وكما ترى راعيتك طويلا.

ابتلع قهره مع عقد الإيجار الجديد, صاعداً بحقيبته الصغيرة وبعض المستلزمات الضرورية الى مسكن جاف ظن أنه قد ودعه الى الأبد.

 

 

دولاب المغسلة الأصفر

 

 

كان يعمل في النِجارة .. الفرق نقطة واحدة , نقطة واحدة فقط تنقص حرفته التي لم تُطعمه الشهد كما كان يأمل .. نقطة واحدة كانت بين النجارة والتجارة نقطة واحدة كما بين .. فوق , وتحت .لم يعد أحدا يريد ( المحلي ) .. الكل بات يلهث وراء الإيطالي والإنجليزي والأمريكي , حتى الصيني ! ثلاث سنوات كانت قد مرّت على زواجه, وطفلة جميلة ظهرت للوجود ..يده لم تكن ( بطّالة ) .. بل العكس  حرفيّاً ماهراً كان , لكنه الحظ الذي جافاه فأورده الفقر , وكثيرا من الديون ..هل جربت الدَيْن عندما يثقل كاهلك , يحني ظهرك , يؤلم تفكيرك , ويجعل قلبك في رعب وترقب من دقة باب أو رنة هاتف , خاصة آخر الشهر ..كم من القصور و( الفِلل ) الفاخرة دخلها , لا لتأثيثها للأسف , فالأثاث موجود , ومدموغ بالصناعة المستوردة ,  لكن , لكي يصنع تكعيبة عنب , أو مظلة صغيرة من الخشب , أو براويز لأجهزة التكييف القديمة ذات الفتحات , أو حتى فقط , لدهن درابزين القصر بالورنيش ..بالأمس دُعي الى أحد القصور لعمل براويز خشبية حول جهاز التكييف,  قال له المتحدث : تسعة مكيفات . بعملية ذهنية بسيطة ظهر له الناتج  36 قطعة خشبية , ربما لا يزيد طولها عن 50 ,60 سم , وعرضها عن 10سم . حسب الثمن والجهد في ذهنه : مائتا ريال , وإن كان الحال ميسورا جعلناها ثلاثمائة. انطلق الى العنوان المكتوب , كان الوقت صباحاً .. جف الريق لمّا وجده قصر .. ظن أنه سيصعد الى فوق , لكن الخادم الحبشي ذا الثوب الناصع البياض عرج به الى ملحق الخدم الخلفي .. عدّ الغرف , تسع مع المطبخ .. أحضر البراويز المدهونة مسبقاً باللون البني  والعدّة .. وبدأ العمل بإحباط لا يدري كنهه . " هو عَمَل , وأنت مَنْ يُجيده , فقط أنت مَنْ يُجيده " . بهذا أقنع نفسه , لكن الإحباط لازمه . في الحجرة الثانية , وقبل أن يبدأ العمل فيها , كان قد قدِّم له كوباً من الشاي , وثلاث قطع مربعة من الخبز الأبيض ذي الطابقين المحشو بالجبن الفاخر . تأمل الكوب المزخرف , والمناديل الورقية المزركشة التي غطّت قطع الخبز ..انتهى من شرب الشاي الأحمر الفاخر قـالباً الكوب , قارئاً ما تحته بفضول : " صنع في فرنسا  " . في بيته , وعند أوسع أصدقائه رزقا , يشرب الشاي الأحمر الثقيل في فنجان "بادريق"  الشفاف العتيد ..طرد الشبع شعور الاحباط السابق , شعر بخفّة .. ابتسم للشاب الأسمر الذي يناوله الأخشاب تطوعاً منه :

-تعمل هنا ؟

صعّد الحبشي بأنفه الى السماء في شموخ وتقزز لا يراه إلا في التلفاز من بعض كبار الشخصيات :

-ولدتُ هنا .

سكت النجّار لمّا رأى بريق الساعة الثمينة في يد الشاب , وأكمام ثوبه المزرّرة بفصّان أعتقد أنهما من الأحجار الكريمة الثمينة ." اللهم لا حَسَد " .. نفخ بها بحسد , وعاد إليه الاحباط .انتهى من العمل في غضون ساعات ثلاث بدت له دهور ثلاث .. شرب خلالهما وأكل , وعند حجرة المطبخ التي امتلأت بالقدور ورائحة اللحم المشوي والمطبوخ , تجرأ طالباً لنفسه كوب قهوة سوداء معتدل كما في الحلقة الثامنة من المسلسل المصري الذي يتابعه .. طلب النجار كوب قهوة سوداء وظل يتحدث مع صاحبة البيت الشابة الثريّة التي اكتشفت ثقافته والأهم أخلاقه ثم تزوجته راضية سعيدة .." المهم الأخلاق " بهذه الجملة الخالدة زأرتْ في وجه عمّها الذي عارض النسَبْ الوضيع ..

- كم الحساب ؟

 سأل الشاب ببرود . أفاق من أحلام يقظته على الصوت الأجش ..

-تسعمائة ريال . كاد أن يتراجع , لكن الفتى أخرجها بسهولة من جيبه , ورقتان زرقاء من فئة الخمسمائة ريال ..

-الباقي لأجلك .

غمز بها الشاب الأسمر .. كاد أن يغمى عليه فرحا .. أوصله الفتى بنفسه حتى الباب مودعاً وواعداً بعمل آخر في القريب العاجل .. كان يتكلم بثقة من بيده مقاليد الأمور في هذا القصر .. ولوهلة .. شعر نجارنا بأهميته , تبخر الإحباط واختفى الحسد , ثم انطفأ كل شيء فجأة لمّا رأى بريق الساعة الثمينة .. سار ذاهلا الى سيارته المدعوكة بأكثر من لون ويده في جيبه تتحسسان ببطء الورقتان الثمينتان .. هل هي طِيبة منهم , أم سذج ؟ قبل أن يقفل عائدا الى البيت , اشترى لابنته ذات العامان لُعبة تطلق بعض أصوات الحيوانات , وابتاع لزوجته مقاضي البيت المنسيّة , إضافة الى ساعة مُقلدة لماركة شهيرة  أخذها من البنغالي الذي يدور في السوق عارضاً بضاعته بخمس وستون ريالا فقط . بالطبع , لن يُخبرها بسعرها الأصلي , وأبداً لن يُصدقها القول فيما لو ألحت , من سيفكه من شرّ  لسانها ؟ مؤكد ستبهرها الماركة المنقوشة على الميناء الداكن , وحتماً ستتباهى بها عصر الغد أمام جاراتها الثرثارات .عاد الى القصر .. لا يدري لماذا , بالطبع لم يدخله و لكنه دار حوله عدة دورات , ثم عرج على القصور والفلل المتجاورة في تنظيم بديع يتأملها بحسرة وسكون في نفسه قامت آمال كثيرة سرعان ما أسكتتها كركرة محرك سيارته العجوز .غير بعيد عن إحدى الفلل , كان بجانب صندوق القمامة الكبير , دولاب خشبي فاقع الاصفرار لحوض مغسلة , يلاصقه لوح الرخام الثقيل الأبيض الخاص به .. توقف عنده . تلصص بنظراته .. لا أحد هنا ..انسل من السيارة متفحصاً الهيكل الأصفر ولوح الرخام بنظرة نجّار وخبرته ..خشب جيد , صناعة أجنبية جيدة .. حتى لو كانت غير جيدة , يكفي أنها أجنبية .ما كان ينقصه سوى حوض المغسلة الخزفي وصنابيره التي لابد أن تكون مصنوعة من ( استيل أو كروم ) مُطعّم بالذهب , هكذا تخيلها .تفحص المكان جيداً , لا شيء هنا غير الدولاب ولوح الرخام المصقول ..لا بأس , لا باس . حملهم دون تفكير الى حقيبة السيارة الصغيرة , حشرها فيها حشرا , وسار تارك بابها مفتوح لتعلن بوضوح عن أحشائها .. أنا أولى به من عامل القمامة البنغالي الذي لن يُقدّره بحال .. وأثناء الطريق فكر في أن تكون هذه هي مفاجأته الثانية لزوجته ..دخل هاشاً من الباب , طالعته المغسلة بحوضها العتيق المائل الى الاصفرار , وصنبورها الصدئ .. ابتسم لها غامزاً : افرحي . سألبسك الخزّ والحرير , أقسم بالله سأفعل .. ما رأيك بالأصفر الفاقع , أم البني الداكن ليتناسب مع بقية الأثاث ؟ كان بداخله فرحة كبيرة لهذا الحدث الذي سيهز بيته الميت لأشهر طويلة .. ومن فوره بدأ العمل أمام سعادة الزوجة التي ظنت أنها طلّقت أيام الفقر .." لعلّ مغسلة أولئك الناس الـ… كانت أصغر " ..طالعها ثانية بعين الخيال , مغسلة خزفية جميلة دقيقة الحجم , مُطعّمة بالذهب والفضة , يحيط بها هذا الديكور الأصفر البديع ..كان حماسه للعمل فوق المعتاد .. خاصة أنّ الذي بين يديه غير محلي .. عند التركيب بدا الهيكل فضفاضاً على مغسلته .. لابد أن مساحة جدارهم كانت أكبر ." لا بأس , أنا لها " ..كان يحدث نفسه , مدققاً في المقاسات التي أمامه ..وطوال باقي النهار أخذ يعمل بجد واجتهاد مخرجاً أدواته التي كاد الصدأ أن يغزوها .. بينما زوجته كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في الحديث على الهاتف مع الجارات عن المغسلة الخرافية المستوردة من … , سمعها مرة تقول : فرنسا , وأخرى ألمانيا , وثالثة هولندة ! لابد أن الأخيرة التقطتها من علبة جبنة أو حليب ..أفاق من شروده على صوت زوجته تناوله فنجان الشاي , مطرية جهده الشاق بعذب الكلام .. يا للنسـاء  ! بالأمس كنت العاطل الذي غُشّت بالقبول به .. وهي المخدوعة المأسوف على شبابها وجمالها , والآن … تنهد بها بأريحيه :

نسـاء !!  ابتسم لمرأى الفنجان الشفّاف .. رفعه أمامه متسائلاً :" بادريق " ؟

لم تفهم الزوجة .. ابتسم لها وعاد الى عمله ..

انتهى في المساء من تركيب الهيكل الأصفر على حوض المغسلة , ناشراً كثير من أجزائه حتى بدا جداً جميل .. أطبق لوح الرخام عليه .. لازال يحتاج لبعض القص هنا وهناك, انتهى العمل في الحوض , وبقيت أخشاب زائدة عن الحاجة .. تناول منشاره صانعاً أربعة إطارات أحاط بها مرآة الحوض فبدت مشعة باللون الأصفر الفاق انتزع الصنبور الصدئ بعد أن أغلق محبس الماء , وفي نفس اليوم وقد كادت المحلات أن تُقفل كان قد ابتاع صنبورا جديداً مقاوماً للصدأ ..

بدا الحوض الجديد نشازاً في بيت النجار, مما حدا بالزوجة التي كانت ماهرة في الخياطة وأعمال تطريز الإبرة  الى عمل عدة قطع ملونة بأحجام مختلفة من القماش المشجر يداخلها جميعاً اللون الأصفر , نشرتها على الكراسي العتيقة التي أعاد إليها زوجها الحياة بوجه من الدهان وآخر من الورنيش , وعلّقت البعض منها على الجدار , ناثرة عدة قطع منها على كنبات الصوفا الثلاث القابعة في مجلس الرجال , واثنتان بطول المتر الواحد فرشتها على الأرض ..ارتفع صِيت الرجل بعد أن رأت الجارات الحوض الجميل واللون الأصفر المبهر , لكن الحظ والمادة لم يجريا في يده .. مَنْ الذي قال : الصيت ولا الغنى , مَنْ هو ؟! وامتدحت الجارات بيت النجار الذي تغيّر أغلب أثاثه !!

بعد ستة أشهر من السعادة التي خيمت على البيت , تصادف النجار مع زميل له قديم , عرفه صاحبنا على الفور  كان في المكتبة لإحضار دفتر تلوين وعدة أقلام ملونة لابنته الصغيرة , عندما اصطدم به .."حازم" ؟

فلتت منه سريعاً , إذ كان ذا ذاكرة جيدة , لكن الشاب الغني لم يعرفه , عموماً نادراً ما يتذكر الأغنياء , هذا ما عرفه من خبرته الطويلة بالحياة , وإن بدا من نظرات الشاب أن هذا هو اسمه . كان نظيفاً وأنيقاً وذا يد في نعومة الحرير بالكاد أطلقها صاحبنا من يده ..لعل الحاجة لم تلح عليه يوما ما ..أخيراً تذكره الغني :" عِمْران " .

نعم , الشقاوة , الهروب من المدرسة , الحصة السادسة ومدرس اللغة الإنجليزية

, الـ.. والـ.. والـ.. .. انطلقا في ضحك صاخب وذكريات كثيرة ..أسكن هنا خلف المكتبة بشارعين . وأمام هذا التصريح الذي فلت رغماً عنه, لم يكن أمامه بد من اصطحابه الى البيت .." لنركب السيارة " .

صدمته الفخامة , والماركة الشهيرة  واللون الأسود ..غاص قلبه ,ندم على الدعوة ,لكنه , أكمل …استأذن صديقه الذي مرّ به راضياً على محلين .. ابتاع منهما أربعة أرغفة " مطبّق " بالموز والجبنة , ودجاجتان محمرتان يلف كل واحدة منهما رغيف الشامي المحاط بالليمون والفلفل الأخضر وعروق الجرجير .. لم تفته نظرات الباعة الذين أسبلوا عليه مظاهر الاحترام إكراماً للعربة السوداء .." رائحة شهية " .

ابتهج للإطراء , مُثنياً على كرمه . ستفاجأ الزوجة بالضيف , ربما تغضب , لكن وفرة الطعام الذي أحضره معه ستخرسها لمّا دخلا سجلت ذاكرته نظرة دهشة وإعجاب من عين الفتى للحوض الأنيق ..امتد العشاء لأكثر من ساعة , تلاه شرب الشاي ..

وأمام حوض الغسيل وقف الشاب متأملاً , ونبتت في قلب النجار آمال :

-أعجبك ؟

-جميل .

كأنه قالها ببرود .. لعله الحَسَد .. حتى الأغنياء يملكون مثلنا هذه الخصلة , فكلنا أولاد تسعة ..

-كما ترى خشب مستورد و…

تأفف الشاب الغني , وأكمل النجار بتواضع :

-خشب إيطالي فاخر , وصناعة إيطالية جيدة .

-كان في بيتي حوضاً مثله .. تقريباً نفس اللون ..

غاص قلب النجار متذكراً الفيللا الأنيقة ذات ظهر , وغاض لون وجهه وتابع الشاب بلا مبالاة :

-لكن المدام تخلصت منه . أصبح وجه النجار في لون المساء  والشاب يتابع :

-قالت به خدش .. أسفل الدولاب .. أقصى اليمين .وأشار بإصبعه الى الجهة الخالية من أية خدوش ..توقف قلب النجار .. تتبعت عيناه إصبع الشاب في الجهة المشار إليها .. لم يرى أية خدوش .. تنفس الصعداء , معيداً الى وجهه بعض اللون ..  الكرامَة غالية يا رجال ..أكمل الشاب الذي بدا أن سِعْر الدولاب قد أحرقه :

-تتخلص من دولاب ثمنه بضعة آلاف من الريالات من أجل خدش !! يا للنسـاء !

 

***

ودعه بسكون الى حيث الباب , وقليل من الشارع , لاعِنَاً في سِرَّه الصدفة التي ألقته في طريقه .. تطايرتْ المجاملات من فاه الغني على أمل تجديد اللقاء .. لم يلحظ أبدا الفتور والخزي الذي اعترى مضيفه .. وفـي الصمت عَلا صوته مودعاً ولائماً :

-أخجل والله أن أقول أين تخلصت منه المدام !

***

عاد الى حوض الغسيل يتأمله بغلّ وشعور آخر لا يدري كنهه , إذن كان لعِمران , لعن الصدفة التي عكرت مزاجه وأوجعت كرامته .. والجهة اليمين بالذات التي أشار الرجل إليها , فحصها بإمعان ثم اليسار  لم يجد أية خدوش .. الحمد لله على الستر ..

سار الى زوجته ليُسكت فضولها , لكنه تذكر الأجزاء الزائدة التي أحاط بها المرآة .. مشى واجف القلب إليها .. تتبع الأضلع الصفراء الأربعة بنظرات زائغة .. فوق , تحت , شمال , يمين , وأفكار كثيرة مُكلّفة تدور في رأسه حول الحوض الجديد : ( نُدمِّره , أو نصبغه , نُدمره , نُدمره ) . بالصدفة , وجد في الجهة اليمين خدش جداً بسيط , لعله شكّة إبرة , أو حَكّة ظفر .

 

أضيفت في14/05/2005 /  خاص القصة السورية/ المصدر الكاتبة

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية