بنية السرد في القصص الصوفي3
المكونات والوظائف والتقنيات
بقلم الكاتبة: د. ناهضة ستار
الفصل الثالث
آليات السرد القصصي
توطئة
محاور العمل في هذا الفصل، تنصب على الإحاطة بالكينيات التي اشتغل
عليها نظام القصة في موضوع التصوف، بعد أن جرى تحديد مكونات البناء السردي،
وتشخيص أساسيات المثال الوظائفي في القصة، فمحور الفصلين الماضيين كان
(ماهية) الأركان السردي؛ المكونات والوظائف والشخصية. ليستقر بنا المقام
هنا عند (كيفية) اشتغال هذه الأركان في نظام القصة على اعتبار أن للقصة
نحواً وترتيباً منطقياً تخضع له آلية السرد فيها، ولأسباب فنية تذوقية
استقبالية يحدث خللاً في هذا النظام النحوي القصصي فيقدم ما من حقه التأخير
أو العكس، أو حذف ما يجب أن يذكر أو العكس... وهكذا. هذه (الكيفية) يتسنم
النظر فيها والبحث في تمظهراتها إلى سطح النص، هو مبحث فحص آليات السرد في
القصة، التي تركز النظر على دراسة العلاقات القائمة بين عناصر المتن
الحكائي ووحداته الوظائفية بغية كشف أساليب السرد وأنماطه وصيغه التي تشتغل
بها في إجراء مضمون الحكاية. استناداً إلى حقيقة كون الحكاية وصلت إلى
مستقبلها وهي (أحداث) (مروية) أي أفعال ووظائف لها صيغة سرد خاصة تختلف من
راوي إلى آخر فضلاً عن اختلاف الرواية من راوٍ واحد، من وقت إلى آخر وفي
ظرف إلى غيره. هذه النسبية تجعل للحكاية، من أي صنف كانت. ذات خصوصية مائزة
لها من سائر الأصناف الأخرى. حيث تمثلت في ذات الصوفي، المؤلف جملة ركائز
(أراد) إزجاءها في القصة وعليها تركزت جهوده في توجيه الجملة وتتابع
الأحداث وتوظيف الشخصية لخدمة تلك الأهداف.
من هنا نجد أنفسنا أمام حقيقة أن المؤلف وغاياته وأهدافه هي الأساس
في توجيه العناصر اللسانية في النص. فالمؤلفون هم (الذين يقررون أو يسألون
أو يفصحون عما في أنفسهم، وأن الأفكار والعلاقات هي أساس حالات إتباع
الإجراء، التصنيف، ما أشبهها وليس التراكيب النحوية هي أساس ذلك، لهذا لا
يمكن للتقسيمات المعتادة للجمل أن تمدنا بوسائل تصنيف للنصوص بوصفها وقائع
في سياق التفاعل الاتصالي)( ). وبما أن أهداف المؤلف القبلية هي الموجهات
الأساس للمنهج التأويلي في النقد، لذا نسير هنا على وفق ما انتهجته نهج
الرسالة في فصولها السالفة، أن نبدأ بالهيكل وننتهي بالدلالة والتأويل، لكي
نحتاط من مهاوي الوقوع في الذاتية وسوء التأويل ولي النصوص إذا ما فقدنا
عدة (المؤوِّل) التي ينبغي أن تكون واسعة وشاملة، وعميقة، وموضوعية. لهذا
جاء موضوع هذا الفصل حلقة منطقية مكملة للمكونات التي سبق الحديث عليها في
الفصلين السابقين. الذي جرى تقسيمه منهجياً إلى المباحث الرئيسة المبينة:
الأول تناول النظام الزمني في الحكاية الصوفية، وجرى فيه الفصل بين
مفهومي (زمن الحكاية) و (زمن السرد)، وأهمية (الترتيب) في دراسة العلاقة
القائمة والجدلية بين زمن الحكاية وزمن النص. بخطيها الاسترجاع الداخلي
للأحداث وبين الاستشراف والسرد اللاحق ثم الثاني يتركز على دراسة تقنية
الإيقاع الحكائي من خلال تتبع تدرجات ترتيب الأحداث وتواليها وما يعترضها
من خلاصة أو استراحة أو قطع أو حوار مشهدي..
ثم المبحث الثالث في صيغة السرد في القصة الصوفية، التي تظهر
الحكاية المروية في شكل قصة أي كشف صفات المبنى الحكائي وكيفية تقديمه
لمتنه الحكائي بمعنى الطريقة التي تحول الخبر السردي إلى قصة، من خلال
مصطلحات المسافة والمنظور وأنماطه. من خلال طروحات مناهج النقد السردي،
وبخاصة البنائي الفرنسي جيرار جينيت، في خطاب الحكاية، والعودة إليها،
ونظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير.
المبحث الأول
النظام الزمني
1-زمن الحكاية وزمن السرد:
تقف موضوعة البحث في تقنية النظام الزمني في القصة أو الرواية أو
الأنواع السردية الأخرى، على جانب من الأهمية تشخص من خلالها عوامل متعددة
تعطي بمجملها خصائص العمل ذاته ومنتجه أيضاً ثم علاقة الاثنين معاً
بالمتلقي ومستوى إدراكه واستقباله.
فهي تكشف عن ذكاء القاص أو السارد في (إدارة) سرد الحكاية التي وصلت
إليه بشكلها التجريدي غير الفني، فيضفي –بسرده الخاص لها- عليها روحاً
جمالية فنية تأثيرية من خلال التنويع في وحدات القصة وترتيبها المنطقي
تبعاً لتسلسل أحداثها في الواقع. من هنا مثلت أهم مفردة في بحث تقنية
النظام الزمني في القصة هي سمات التمايز بين زمنين في القصة هما:
-زمن الحكاية
-زمن السرد
والأمر هنا ليس بجديد؛ فكل دراسة تعرضت لنقد القصة أو الحكاية أو
الرواية لا بد أن يكون لها حضور في معرفة حدود هذا التمايز بين الزمنين
والذي عرف بـ مشكلة الزمن في القصة. الأمر الذي يقود إلى إيضاح الفرق بين
الزمنين المذكورين، فزمن الحكاية منطقي رياضي يسير فيه الزمن على وفق
الترتيب الميقاتي للأحداث، فكما لا يكون البطل في مكانين في وقت واحد،
وبنفس الشيء لا يمكن أن يسرد عدداً من الأحداث في وقت واحد إلا في فنية
السرد الروائي الحديث. وزمن الحكاية هو زمن تاريخي واقعي كالزمن في الجملة
النحوية: فأنت في التركيب النحوي لا يجوز لك أن تقول: آتيك أمس، أو جئتك
غداً، أيضاً في زمن الحكاية لا يجوز القفز على الحدود الزمنية المنطقية
للأشياء فالطلاق لا يحدث إلا بعد أن تكون رابطة الزواج... وهكذا.
أما زمن السرد أو زمن القصة، فلا يفترض احترامه لتسلسل الزمن
الميقاتي الذي جرت فيه أحداث الحكاية، بمعنى أنه يتجاوز على (نحو) الزمن
التاريخي بأساليب متعددة كاستباق الأحداث المستقبلية أو استرجاع ما مضى عند
طريق الوعي أو الرؤيا... الخ فهذا كله لعب فني بزمنية الأحداث الحكائية
ولهذا اللعب أهداف جمالية وفنية لولاها لما تمايزت أساليب القصاص
والروائيين والساردين بكل أشكالهم وفيه يكمن ذكاء السارد وحسن إدارته
لمفردات الحكاية حتى تؤدي هدفها التأثيري الايصالي الجمالي.
على اعتبار ذلك انطلقت رؤية البنائيين إلى قضية الزمن في القصة، من
حقيقة الاختلاف بين الزمنين لما لها من أثر على الفاحص النقدي في تأثير
عناصر التمايز والتمييز من قاص إلى آخر ومن روائي إلى آخر. حين يسردان
حكاية واحدة: والحق أن الدواعي الفنية التي يجدها السارد في ضرورة كسر
التتابع الطبيعي للأحداث، لا تتعارض مع أمانة الكاتب أو المؤلف في عرض
الأحداث كما وقعت في واقعيتها، فهو يعيد تشكيل الحدث الحكائي بطريقة لافتة،
مثيرة، تبعث استجابة جمالية عند متلقيها( ) ، لأن الترتيب المنطقي للأحداث
يضفي عليها روحاً من الرتابة بسبب واقعيتها الشديدة، والتذوق لأي جميل لا
يتم إلا بإيقاظ ملكة التخيل والإدهاش وروح المتابعة والترقب، يخلقها جميعاً
عنصر خلخلة الترتيب المنطقي لجريان الأحداث.
وحين يصب التحليل التقني لأنماط السرد في القصة في تكوين كلي يضع
أصول ومحددات نظامها السردي الذي اتبعته القصة في إجراء مضمونها في خطاب
لساني معين وله تأثير. على هذا ترتب وضع مفاهيم موحدة لثلاثة مظاهر سردية
تعرض لها (جينيت)( ) حين شرع بالبحث في المعاني المتعددة لكلمة (قصة) في
اللغات الأوربية، كي يستخلص منها ما يشير إلى (النص) بمفهومه الشامل
والدقيق فكانت المظاهر تلك( ):
-الحكاية وهي المضمون السردي أي المدلول.
-القصة وهي النص السردي أي الدال.
-القصّ وتطلق على العملية المنتجة ذاتها، وعلى مجموعة
المواقف المتخيلة المنتجة للنص السردي.
ومنها استخلص، أن عملية التحليل وموضوعها يتركز في فحص العلاقة
ودراستها بين الحكاية والقصة، وبينها وبين عملية القص، وعلى أساس ذلك دعا (جينيت)
إلى تعديل ما اقترحه قبله (تودوروف) حين اقترح دراسة القصة على وفق
المستويات الآتية هي: الزمن والمظهر والصيغة( ) إلى المستويات الآتية:
الزمن، ويشير إلى دراسة العلاقة بين القصة والحكاية والصيغ، أي الكيفيات
والأشكال السردية. ثم الصوت ويعني به الطريقة التي يتدخل بها كل من المرسل
والمتلقي في عملية السرد
أي أن الزمن والصيغ
يشير إلى علاقة القصة بالحكاية
أما الصوت
يشير إلى العلاقة بين القص والحكاية والقصة.
على وفق التحديد الذي حدده قبلاً لكلمة (قصة).
من هنا كانت دراسة البنية الزمنية للنص السردي تتمركز على مستويين:
زمن الشيء المحكي، وزمن السرد ذاته، أي زمن المدلول وزمن الدال، وبين
الزمنيين تداخل وترتيب وانحراف عن الترتيب بحسب مقتضيات عملية القص وأهداف
المؤلف أو السارد وما يستغرق سنوات من حياة البطل لا يأخذ من مساحة النص
جملتين أو أكثر. وعلى زمن السرد يتحدد زمن النص، وهو الوقت الذي نستغرقه في
قراءة النص( )، ويعتمد أساساً على زمنية النص لأنه الزمن المتجسد في النص،
أما الزمن الحكائي فهو زمن فالت من الزمام، زمن متخيل يقع في عهده السارد
في صحته أو دقته أو عدمها. أما زمن النص أو السرد فهو مجسّد لساني في النص
مرصوف في كلمات وجمل وتراكيب لغوية تحمل مداليل معينة. وحيث ما أمكن فحص
مستويات زمن النص الثلاثة من: الترتيب والاستمرار والتكرار أمكن أن نقف على
البنية الزمنية للقصة، والتي من دونها (يقتل) النص- على حد تعبير جينيت-( )
.
من هنا تجيء أهمية البحث في البنية الزمنية للقصة لأنها مجلى (حياة)
النص وديمومة تأثيره في مختلف الأوقات والأزمنة في مختلف الأذواق والعقول
والانتماءات.
في القصة الصوفية، فعل زمني، وحضور لهذه الجدلية المهمة بين زمن
الحكاية وزمن السرد. ولا أدعي تفوق القصة الصوفية في هذا الجانب البنائي
المهم، إنما لقد تمثلت فيها مجمل مستويات البنية الزمنية في السرد وإن لم
تبلغ تقنية الرواية الحديثة، أو القصة الحديثة وتلك موازنة ضيزى، فلكلٍ
عصره ودوافعه، وأهدافه وأساليبه وثقافته، ومعطياته التي إن اتفقت في سياقها
الإنساني العام فلا تتفق في تفصيلاتها المتعددة المتباينة. ولا يعني هذا
–بحال- إن التفكير الفلسفي في موضوعة الزمان، أو تجسداته في النصوص
الحكائية للمتصوفة أو عند من سرد عنهم، لم يكن ذا حضور وعناية من لدنهم، بل
إن الصوفي على وجه الخصوص، يمتلك إحساساً عالياً بالزمن( ) فيما يتعلق
الأمر بتجربته الصوفية خاصة، فهو في حقيقة الأمر يحيى بين الناس متوزعاً
بين كينونتين: كينونة مادية محسوسة أنسية تمارس ما يمارس الناس من حولها
لديمومة أسباب الحياة. وكينونة أخرى غير محسوسة روحية تجوس عوالم لا تراها
إلا هي بعين القلب لا بالعين الباصرة. وهنا جوهر عناء المتصوفة ومشكلته مع
مجايليه؛ إنه يعيش بتجربة يعيها تماماً ويعيشها كأنها موجودة بينما الناس
تجد ذلك محض خرافة أو وهم أو مبالغة وانحراف.
من هنا كان المتصوف يحيى في زمنين: زمن خاص مفتوح ينفتح فيه على ما
مضى والآن والآتي، وزمن عام مغلق محدد بمواقيت السنين والأشهر والأيام
والساعات والليل والنهار.
2-الترتيب:
منطق الأشياء والأحداث يخضع لقوانين الزمن الميقاتي: الماضي،
الحاضر، الآتي. فهل يفترض بالقصة –من منحى الدراسة الزمنية- أن تسرد على
وفق ترتيبها الزمني الطبيعي؟ جواباً على ذلك، يجب التأكيد على حقيقة أن
القصة لا وجود لها من دون صورتها المروية المسرودة. هذا الشكل المروي
للحكاية الأصل لا ننتظر أن يمنحنا صورة طبق الأصل عن الحكاية الأصل. فتلك
حال مثالية نموذجية لا وجود حقيقياً لها فزمن الحكاية زمن كاذب –على تعبير
جينيت- يقوم مقام الزمن الحقيقي وعد هذا الزمن الكاذب هو من متطلبات اللعبة
السردية التي كلما كان الزمن فيها افتراضياً، كان للقصة أن تكون فناً( ).
وإن وجد، فإن القصة تصبح بلا قيمة فنية أو تأثيرية. ولا يتخلق ذلك
البعد النسبي الاختياري الذي يؤهل الأعمال القصصية للموازنة والمقارنة. فمن
جهة أخرى، يكشف هذا (اللا ترتيب) في القصة عن أهمية دور الراوي في إدارته
لأحداث القصة وتوجيهها بما يخدم غايات القص، كأن يقوم الراوي بـ (كسر زمن
قصة، أو يكسر حاضر هذا القص، ليفتحه على زمن ماضٍ له، وقد يكرر الراوي هذه
اللعبة، فيكسر زمن القصة أكثر من مرة... ويداخل بين الأزمنة كي يحقق غايات
فنية منها التشويق، والتماسك، والإيهام بالحقيقي)( )، ومما يجعل هذه
العملية ميسورة السبل أمام الراوي فهو يستخدم تقنيات خاصة تكون مقنعة
للقارئ حين يجعل الشخصية التي تعيش حاضراً ما تتذكر حادثاً، أو أمراً وقع
لها في الماضي أو تضمين أحداث تاريخية تورد لتدعيم حقيقة أو شهادة على
موقف.
من هنا، يبرز مستويان من الترتيب( ):
الترتيب الأول: مستوى الوقائع، وهو ترتيب الأحداث كما وقعت
تاريخياً.
الترتيب الثاني: مستوى القول: وهو الذي يرتأيه الراوي أي الوقائع
التي وصلت إلى القارئ من خلال وجهة نظر الراوي والخلاف بين الترتيبين قائم،
لأنه في حالة غلبة المستوى الأول على القصة فإنها تتحول إلى تسجيل تاريخي
حرفي للوقائع وهذا ليس وكد القاص أو الراوي فقط إنما غايته تسجيل ما يؤثر
ويفيد ويمتع، وإذا ما أردنا تقصي مستويي الترتيب في القصة الصوفية، تلجأ
إلى قراءة قصة صوفية في مستواها الوقائعي ومستواها القولي ليستبين لنا
الفرق بين المستويين وأيهما الذي يمثل صورة القصة الحقيقية. ومثالنا في ذلك
قصة إبراهيم الخواص الصوفي والنصراني( ).
3-القراءة الوقائعية
كان إبراهيم الخواص في سفر فلقي نصرانياً اصطحبه في رحلته، وحين أخذ
التعب والجوع منهما مأخذاً أراد النصراني اختبار المسلم في استجابة الله
تعالى لدعوة المسلم إذا سأل الله طعاماً، فسأل الله الخواص فأنزل الله
تعالى عليهما طعاماً، ثم بعد مدة بادر الخواص ليمتحن النصراني ويسأل ربه
العطاء فآمن النصراني وأيقن بمكانة هذا الصوفي وصحة معتقده، فأنزل الله
تعالى طعاماً ضعف ما أنزل في المرة الأولى، فالوقائع في هذه القصة تشير إلى
وظائف سردية معينة فيما كانت على وفق وقوعها الطبيعي ويمكن إيجازها على
النحو الآتي:
1-الصوفي والنصراني اصطحبا في سفر.
2-اختبار النصراني لصحة معتقد الصوفي المسلم.
3-تحقق الاختبار واستجاب الله لدعاء المسلم.
4-أسلم النصراني.
5-المسلم يختبر النصراني.
6-يتحقق الاختبار، فيأتي العطاء مضاعفاً.
7-يخاف المسلم ويداخله الشك.
8-يأتي الحل بمعرفته بإسلام النصراني.
4- القراءة النصية:
الراوي في هذه القصة يلجأ إلى زحزحة مواقع بعض الوقائع ليحقق
أهدافاً تشويقية مثيرة. كان يستخدم الوصف للتأكيد (حكي عن إبراهيم الخواص
قال: دخلت البادية مرة فرأيت نصرانياً على وسطه زنار فسألني الصحبة) فعبارة
(على وسطه زنار) وصف وضع ليس اعتباطاً فسوف يأتي دوره في نهاية القصة. ثم
يفسح مجالاً من الأيام يختزلها في كلمتين (فمشينا سبعة أيام فقال لي يا
راهب الحنفية، هات ما عندك من الانبساط فقد جعنا، فقلت إلهي لا تفضحني مع
هذا الكافر...) فجعل الراوي صيغة الحوار المشهدي هي تمثيل طبق الأصل لصورة
الواقعة ذاتها حين تخاطب الاثنان. (فرأيت طبقاً عليه خبز وشواء ورطب وكوز
ماء فأكلنا وشربنا ومشينا سبعة أيام) وعودة إلى الرقم سبعة رغبة في جعل
الاختبار للبطلين متكافئاً (ثم بادرت وقلت يا راهب النصارى هات ما عندك فقد
انتهت التوبة إليك) وهنا يحدث (قطع) فعند نزول الطبق يسكت الراوي عن ذكر أي
رد فعل من النصراني على هذه المعجزة ليرجئها إلى نهاية القصة. (فاتكأ على
عصاه ودعا فإذا بطبقين عليها أضعاف ما كان على الأول وقال فتحيرت وتغيرت
وأبيت أن آكل) هنا عودة إلى الحوار وتحقق الاختبار (فالح علي فلم أجب فقال:
كُلْ فإني أبشرك بشارتين أحدهما أني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله وحلّ الزنار، والأخرى أني قلت اللهم إن كان لهذا العبد
خطر عندك فافتح علي بهذا...) فأتى بسبب ذكر الوصف ودور الزنار في القصة، ثم
استرجاع حدث وقع قبل هذا الحوار أدى إلى حيرة الصوفي وشكه.
التقنيات المستخدمة في هذه القصة تنوعت بين الحوار والوصف واستباق
الأحداث والموازنة الزمنية بين فترة اختبار المسلم وفترة اختبار النصراني،
وهي سبعة أيام، ولا يخفى لما للعدد(7) من رمزية خاصة لها دلالاتها الدينية
والأسطورية والنفسية في النفس البشرية لمختلف أجناسهم شأن عدد (40) أو
(70) أو غيرها، كما استخدم الراوي تقنية الاختزال والقفز... بغية
التركيز على الأحداث الرئيسية واختزال الوقائع الممهدة.
هذه القصة من نمط (الكرامة) التي تظهر على شكل تعبير فني ونتاج أدبي
من لون معين يحكي دون أن يحلل، وهي بذلك -المتصوفة- قد خلفوا نوعاً أدبياً
وأسلوباً جديداً في التراث الأدبي يحتاج إلى دراسة مطولة لأنهم عالجوا
مأساة الإنسان ووجوده على الأرض عن طريق (الكرامة) في لغة رمزية تهم بني
الإنسان جميعاً( ).
في القصص الموضوعي نلحظ أن تقنية السرد في ترتيب الأحداث تكون أعلى
لأن المجال التخييلي فيها أوسع، وحرية الراوي في إدارة الوقائع التي لا
تشترط واقعاً فعلياً طبيعياً الذي إن قصرت في سرد أحداثه تكون غير أمين في
السرد لأن السرد في القصص الذاتي قريب من نمط السيرة الذاتية التي يكون
فيها طابع (التسجيلية) هو الأسلوب المهيمن في السرد. لذا نجد في قصة
(اليهودي والمجوسي) التي حللنا مثالها الوظائفي في الفصل السابق، استخدام
تقنيات سردية متعددة يتم من خلالها الكشف عن أخلاق كل من المتصاحبين.
وأكثر ما اعتمد فيها هي تقنية استباق الأحداث حين يعرف كل منهما
أصول مذهبه؛ فاليهودي يعتقد بوجود إله في السماء يطلب منه الخير لنفسه ولا
يفكر في من خالفه بل يحل له دم مخالفه وما له ولا ينصر أحداً أو ينصح أو
يعاون أو يرحم أو يشفق، أما المجوسي فمذهبه يعتقد بحب الخير للنفس وللناس
ويكره السوء لغيره لأصحابه أو مخالفيه وإن الله عادل حكيم خبير يجازي
بالإحسان إحساناً ويكافأ المسيئين على اسائتهم( ). هذا التشخيص لأصول كلا
المذهبين إنما هو استباق يشعر بأن ثمة وقائع آتية ستثبت صحة ذلك، وتتم هذه
الوقائع في سفره، وسبقت الإشارة إلى أن السفر (النأي) وظيفة سردية أساس
هيمنت على القصص بأنماطه الثلاثة. هذا فضلاً عن أن الترتيب في الوقائع بلغ
درجة المطابقة مثلاً في تقنية المشهد أو الحوار، فالزمن الذي يستغرقه
المتحادثان في الحوار هو ذاته الزمن الفعلي مقاساً بالكلمات والجمل. سواء
أكان مضمون الحوار حقيقياً أم متخيلاً. أما في القصص الاسترجاعي من رؤى
ومنامات، فإن اللعبة الزمنية تكون في أوجه تطورها، لأن الرؤيا أساساً هي
فعل لا زمني داخل الزمن أي هي خروج الروح من إطار الزمنية إلى مطلق اللا
زمنية واللا حدود.
على هذا الأساس فإن الترتيب السردي في القصة الصوفية يتدرج بحسب بعد
الحكاية عن التسجيلية والواقعية، فتطور البنية الزمنية في القصة الصوفية
يكون في المرتبة الأولى القصص الاسترجاعي –ثم الموضوعي- ثم الذاتي، الذي هو
أقلها تطوراً وتعقيداً في قضية الزمن لأنه فن أقرب إلى التسجيل الذاتي
للتجربة. وكلما اتسع مجال الخيال أمام الراوي، كان ذلك ادعى إلى تقنية أعلى
وأكثر تعقيداً وتنوعاً.
ففي المنامات والرؤى أن يكون الرائي –في مدة رؤياه- هو في زمن
الحاضر، أما رؤياه فهي ضمن زمن المستقبل. وهو ليس المستقبل القريب بل
البعيد الذي يصل إلى يوم القيامة والحساب. من هنا كان مبدأ الرؤيا سردياً
يتناول حال الراوي قبل انتقال اللا وعي إلى المستقبل، فيبدأ الراوي بوصف
حاله (قبل الرؤيا) تمهيداً لتأويل دلالات الرؤيا بفعل وضع مهيمنات الوقائع
في الرؤيا الناتجة عن حالة نفسية أو ظرف عسير يَعْتَوِرُ حال الرائي لنفسه،
أو من يرى لآخرين رؤى ومنامات( ). هذا الأسلوب في نقد البنية القصصية قريب
من مفهوم (استباق الأحداث). فهو يهيئ القارئ نفسياً لاستقبال حدث أو واقعة
ما، يعطيك مفاتيحها في استهلال الرواية، كما يحدث من صور لـ (حديث النفس)
لنفسها من الصوفي عن صحة مذهبه وطريقته فتأتيه الإجابات رؤى على لسان
متصوفة كبار توفاهم الله تعالى وهي في الغالب إجابات إيجابية تدل على (صحة)
الطريقة الصوفية وترغيب الاعتدال فيها وفي سلوك طرائقها( )، وفي البعض
الآخر من المنامات تبدو فيها الصياغة الفنية جلية في ترتيب الأحداث كما
نجدها في رؤيا (الوهراني)- التي سبقت الإشارة إليها في الفصل السابق- إذ
اشتملت على اشتغال زمني ترتيبي جاء على المحاور الآتية:
1.صوت الراوي هو شخصية موضوعية (مؤلف) ينقل عن رائي الرؤيا، فزمنه
حاضر قريب إلى زمن المروي له بل يتطابق الزمنان.
2.استهلال يمهد لدلالات الرؤيا بوصف حال الرائي (ولقد فكر الخادم
ليلة وصول كتابه إليه في سوء رأيه فيه، وشدة حقده عليه، وبقي طول ليلته
متعجباً من مطالبته له بالأوتار الهزلية... وامتنع عليه النوم لأجل ذلك
هزيع من الليل ثم غلبته عينه بعد ذلك فرأى في ما يرى النائم..)( ).
3.يصل إلى الجزء الأكبر والمهم من الرؤيا وهو رواية استرجاعية لما
رؤي في المنام ولكن بلسان الرائي الذي أصبح الآن الرائي/ الراوي يتحدث بلغة
الآن.. (فخرجت من قبري أيمم الداعي إلى أن بلغت إلى أرض المحشر وقد الجمني
العرق...) من هذه النقطة يبدأ (زمن آخر) غيبي جرى في اللا وعي ساعة نوم
الرائي، عن (زمن) هو غاية الأزمان المستقبلية (يوم القيامة) وهذه مركزية
الفكرة الزمنية في الرؤى والمنامات وبقدر ما يوفق الراوي في توظيف عناصرها
بشكل مقنع يرتفع بالنص إلى المستوى الفني، وكذلك هو حال الوهراني في هذه
الرؤيا فعلى مدى (43) صفحة تجري وقائع الرؤيا فتنقطع الصلة بين الرائي
والراوي والزمن الحاضر ولحظة النوم، ليسرد أحداث المستقبل كما يصورها اللا
وعي.
4.العودة إلى الزمن الأول –ما قبل الرؤيا-، تتم بفعل صياغة لغوية
متقنة تتضمن انتقالاً موفقاً إلى عالم الوعي: (فبينما نحن في أطيب عيش
وأهناه، وإذا نعمة عظيمة قد أقبلت وزعقات متتالية وأصحابنا يهربون فقلنا:
ما لكم؟ قالوا علي عليه السلام قد أخذ الطرقات على الشاميين وجاءنا سرعان
الخيل فيها محمد بن الحنفية يزأر... فلما انتهى بنا صاح بنا صيحة عظيمة
هائلة، أخرجتني من جميع ما كنت فيه فوقعت على سريري فانتبهت من نومي خائفاً
مذعوراً...)( ).
هذه الانتقالة السريعة التي حدثت فيها العودة إلى زمن الوعي تمت
بمجرد مغادرة الزمن الأول في اللا وعي (الحلم)، جسدتها جملة بسيطة (أخرجتني
من جميع ما كنت فيه ووقعت على سريري...) ففي جملة مكثفة أمكن فيها التخلص
من زمن والعودة إلى الزمن الطبيعي الذي هو أيضاً غير زمن القراءة.
بناء على ما سبق، يمكن أن يقف الباحث على حقيقة أن عنصر (الترتيب)
في بنية القصة زمنياً هو محض خرافة، إذا ما أريد به تتبع الحدث أو الواقعة
الحكائية تفصيلاً وبتسجيلية مقننة ناقلة للواقع كما هو؛ فالقصة –على الورق-
لها مقتضياتها القرائية التي يسير الراوي على وفق نتائجها التأثيرية وليس
محكوماً بنقل حرفية الوقائع الحكائية التي تؤدي نقلها حرفياً –على عسر هذه
المهمة- إلى سذاجة الطرح، وبدائية التفكير عند ذلك تصبح كأنها قصة موجهة
للأطفال الذين يجدون رغبة في تقصي التفاصيل الدقيقة لأحداث القصة
وشخصياتها، ويجدون صعوبة في الالتفات إلى الحدث أو الربط بين الواقع والحلم
أو الوقائع المسترجعة أو المسترجعة التي يقتضيها فن القص الأدبي المؤثر.
في فقرة سابقة تم الربط بين (نحو الجملة) و (نحو القصة)، الأمر الذي
أدى إلى تطور كبير لحق نقد القصة الحديثة، ففي هذه المسألة الزمنية للقص،
أيضاً يظهر الأثر النحوي في تقنية القصة وروايتها، فلو أخذنا على سبيل
المثال الأثر البلاغي الذي يحدثه، (التقديم والتأخير) في تركيب الجملة
النحوية( ). هو كبير الشبه مع بنية (الاسترجاع) و (الاستباق) والاستشراف في
القص من الناحية الزمنية فالهدف التسجيلي الساذج عند القص يقابل منطقية
الوضع الأولي لأركان الجملة. قبل أن تلحقها أساليب التقديم والتأخير والحذف
والإضمار والتعريف والتنكير وغيرها. فنجد في تقنية القص –فضلاً عن
الاسترجاع والاستباق- شيئاً يدعى بالاصطلاح النحوي بحذف ما يستغني عنه من
الكلام لإفهام السامع. أو ما يعد من فضول الكلام لا يحتاج إليه في إفهام
السامع المراد من الكلام.
فنجد في القصة هناك الكثير من المواقف والوقائع الثانوية لما يستغني
عنه السامع ويسأل إذا ما بالغ القاص في تفصيل الحديث فيها. وهذا كثير في
القصة الموجهة لهدف ما، كما هو حال القصة الصوفية التي تعنى بهدف أخلاقي
مذهبي معين أو فلسفي عام.
ففي حكاية عن (إبراهيم الخواص) الصوفي، إن رجلاً ضريراً يدنو من
جماعة من الناس يتداولون الآيات القرآنية في مسجد النبي ()، فتقدم إليهم وقص لهم حكايته (اعلموا أنه كان لي صبية وعيال وكنت
أخرج إلى البقيع احتطب، فخرجت يوماً رأيت شاباً عليه قميص كتان ونعله مرقوع
من إصبعه، فتوهمت أنه تائه فقصدته أسلب ثوبه، فقلت له انزع ما عليك فقال:
سر في حفظ الله. فقلت الثانية والثالثة فقال: لا بد، قلت: لا بد فأشار
بإصبعه من بعيد إلى عيني فسقطتا...)( ).
فأنت تجد، إن لجوء الراوي إلى التقنيات الآتية تقف دليلاً على أن
نظامية الترتيب في النظام الزمني في القصة غير موجودة بل إن عدم وجودها هو
في صالح فن القص:
1.قص حكاية الرجل الضرير للجماعة كان (استرجاعاً) لما حدث في واقعة
سابقة.
2.(ذكر قميص الكتان) والنعل، والتوهم بأن الرجل تائه كلها تدل على
(استباق) الأحداث لتكوين تصور عن الشاب أدى إلى حدوث فعل كان المحفز له هو
الفكرة التي استبق فيها الراوي الأحداث ليكون تصوراً خاطئاً عن الرجل.
3. حذف ما يفهم من السياق حتى لا حاجة للتكرار في عبارة (فقلت
الثانية والثالثة) أي إن الواقعة تكرر فيها قول (انزع ما عليك) ثلاث مرات،
فعوض عنها الراوي اختصاراً، بـ (الثانية والثالثة) تأسيساً على ذلك، فإن
فنية القص الأدبي، لا بد لها إن تتعارض مع قانون الترتيب المنطقي، فالتعارض
معه يؤدي فائدتين:
الأولى: خلق نسبية الطرح القصصي للحكايات وبذلك يتخلق التمايز
والتميز بين الرواة المتعددين لحكاية واحدة وهذه بنية أسلوبية وبلاغية.
الثانية: اجتذاب تذوق القارئ أو المروي له وكسب حسن تلقيه للنص بفعل
تقنيات النص ذاته وتكثيف الوحدات اللغوية لتؤدي معنىً كبيراً.
المبحث
الثاني
تقنية الإيقاع
الحكائي
إذا كان الإيقاع مصطلحاً نقدياً ترى آثاره على صعيد الصوت والتركيب
والأعاريض والقافية في الشعر، فإن الإيقاع في فن القصة له شأن آخر. يتجسد
في تقنية حكائية مخصوصة أو جملة أساليب إجرائية متعددة قد تتجسد كلها في
النص أو بعض منها، تخلق إيحاء عند المروي له (القارئ) إن ثمة سرعة سردية قد
تتناسب أو تختلف وتتعارض بين زمن الحكاية وزمن القصة. هذه السرعة المتفاوتة
هي في الاصطلاح النقدي عند جينيت تدعى بـ (المدة)( ) والتي تعني قياس المدة
التي يستغرقها الحدث الحكائي في الوقوع، مع مدة القصة التي تروي تلك
الحكاية. وتلك مسألة متفاوتة ونسبية بسبب إن القرّاء يختلفون في طرائقهم
الأدائية في القراءة أو الرواية بهذا لا يمكن قياس سرعة زمنية واضحة
المقاييس فضلاً عن فقدان درجة الصفر أو النقطة المرجعية( )التي كانت في
حالة الترتيب تزامناً بين المتتالية الحكائية والمتتالية السردية، ما عدا
في حالة (المشهد) التي تصور ناقلة حواراً بين شخصيات الحكاية ففيها الزمن
المعبر عنه بكلمات الحوار هو ذاته الزمن المستغرق في الواقعة الحكائية
والتي سيفصل الكلام فيها لاحقاً.
والحق، إن افتراض قياس السرعة السردية بين الحكاية والقصة له افتراض
يتعذر تطبيقه لأنه في حاجة إلى قياسات مختبرية لحساب المدة المستغرقة لحدث
معين مع طريقة قصه بالكلمات يصدق الأمر في حالة التمثيل المسرحي حين يتم
استحضار المكان وتخيل الزمان الواقع فيه الحدث (عن طريق الديكور والملابس)
والحدث مسروداً على لسان الشخصيات الحية على خشبة المسرح، فالحدث يساوي
القول زمنياً. أما القصة المقروءة أو المروية فإن قياسها متعذر فكان إن
استقصى الناقد البنائي مجموعة تقنيات تعمل منفردة أو مجتمعة، في تحقيق
إيقاع حكائي عن طريق السرد، من خلال استثمار الإمكانات السردية ذات البعد
الزمني الذي يجعل من القص أسلوب قريباً من (التمثيل) والمشاهدة لكي يتقرب
أو يتداخل زمن القص مع زمن التلقي، فصورة (المشهد) حواراً بين الشخصيات له
بعد زمني متطابق مع زمن الحكاية، ودلالة الوقفة أو الحذف والإجمال كلها
وسائل تقنية تؤشر ارتفاع أو توسط أو انخفاض إيقاعية السرد تحقيقاً لأغراض
متعددة يهدف إليها السارد. وكعهدنا في الفصول السابقات، في توخي الجانب
الدلالي أو الإشاري الذي يبعث على توجيه أي من مكونات السرد أو تقنياته أو
وظائفه.
فسيكون لهذا المبحث عناية مخصوصة بالجانب الدلالي الذي يبعث على
التقلب بين إيقاعات زمنية للسرد ولا سيما إن القص الصوفي –بفضل مرجعيته
الدينية والفكرية وطريقة المتصوفة في النظر إلى قضايا الوجود والدين
والإنسان –والقاص الصوفي معني بقضية الزمن بشكل مخصوص( )بفعل رؤيته الخاصة
والمختلفة.
تتأتى صعوبة البحث في ماهية (المدة) في زمن القصة، من تعذر وضع قياس
محدد ودقيق بين المقطع الحكائي والمقطع السردي، الأمر الذي يكون أيسر في
المسرح وفن التمثيل. بناء على ذلك صير إلى القول بـ (التواقتية)( ) بوصفها
طريقة أو كيفية يقاس بها ثبات السرعة أي العلاقة بين قياس زمني وقياس
مكاني، فتحدد سرعة الحكاية بالعلاقة بين (مدة الحكاية) مقاسة بالساعات
والأيام والشهور والسنين، وبين (طول النص القصصي) المقيس بالسطور والصفحات،
وعلى الرغم من صعوبة ذلك لأن القضية في حاجة إلى مقياسٍ للسرعة خاصٍ. إلا
أن الاعتماد على مفهوم التواقتية سيمنح البحث في زمنية القصة بعداً قريباً
من الواقع الحكائي.
في تجربة التصوف موقف من الزمن يظهر ضمناً في الأحوال والمقامات
الصوفية من تسامٍ روحي وفناء وتوحد والعشق الإلهي والإشراق... كلها لها
موقف ضمني من الزمن هو الشعور بـ (اللا زمن) حين يرتقي الإحساس والحدث فوق
الحواجز المادية من نفس ومكان ومحددات الزمان الميقاتي يصبح الصوفي إزاء
إحساس لا زمني يقع في نقطة الصفر وكأنه يحيى في مركز الكون.
مسألة الزمن الصوفي تبقى من القضايا المهمة والطريفة وجمع من
المصادر عرجت على موضوعة الزمن الصوفي.
فضلاً عن أن الركون إلى مؤشر آلي يقيس مدة القصة ومدة الحكاية، يقطع
الطريق أمام (قراء النص) لكي تختلف استجاباتهم ويكون الناقد واحداً من
هؤلاء القرّاء، فتجربة (قراءة) قصة مكتوبة بصوت مسموع تبين إن إيقاع
(القراءة) يخضع لمكنونين:
الأول: إمكانية القارئ ومقدار فهمه للنص. (عمراً، ثقافة، قومية،
ميولاً نفسية).
الثاني: خصوصية النص ذاته.
ولا يمكن الزعم أن استخدام تقنيات الإيقاع الحكائي، هي مما يقع في
قصد مسبق من لدن الراوي أو المؤلف، إن ثمة دواعي وأهدافاً تجعل الركون إلى
مثل هذه التقنيات ضرورياً لتحقيق تلك الغايات والدلالات لهذا سيكون بحثنا
الدلالي والغائي متزامناً مع الحديث عن الحركات الأربع الأساس في قياس
المدة الزمنية وهي:
أ.الحركات الزمنية وتقسم إلى أربع( ):
1.الحذف.
2.الوقفة الوصفية.
3.المشهد الحواري.
4.المجمل.
الحركات الثلاث الأولى تمثل عناصر ثابتة وأساسية في بنية الزمن في
القصة، أما (المشهد) الحواري فهو وسيط قد يتخلل الحركات الأساسية ويقع في
ضمنها. في حين يكون (المجمل) الذي يشكل حركة متغيرة تعمل بمرونة كبيرة
بالمجال المتضمن بين المشهد والحذف.
وليس استباقاً لنتائج هذا المبحث، إنما بدءاً أؤكد أن التفاوت حاضر
في احتمالية وجود الحركات الأربع جميعاً في القصة الصوفية والسبب إن:
1-إن (النص) سابق على (التنظير والفحص) وليس العكس.
2-إن استخدام هذه الحركات قد يخضع بأكثر الأحيان إلى عفو الخاطر
وحاجات السارد وغاياته. لهذين السببين، أجد إن مجال حرية التحرك على أرضية
هذا المبحث ينبغي أن تكون مفتوحة وذات طابع وصفي، يبتعد قدر المستطاع عن
تعسّف المعايير المسبّقة أو لَيْ النصوص.
أ.1.الحركة الأولى: الحذف
وتترجم أحياناً بـ (القفز)( )، ويعنى به الحركة الزمنية التي يكتفي
بها الراوي بإخبارنا إن سنوات قد مرت أو شهوراً من عمر شخصياته من دون أن
يخبر عن تفاصيل الأحداث في السنين. فالزمن على مستوى الوقائع طويل (سنوات
أو أشهر...) أما الزمن على مستوى القول فهو صفر. ويميز (جينيت) بين نوعين
من الحذوف (حذوف صريحة) يذكر فيها الراوي إن قدراً من السنين مر على
الأحداث من دون تفصيل. و (حذوف ضمنية) وهي التي لا يصرح بها في النص وإنما
يستدل عليها القارئ من خلال ثغرة في التسلسل الزمني أو انحلال في استمرارية
السردية( ).
في القص الصوفي- العربي منه والمترجم إلى العربية- هناك شبه شيوع في
استخدام تقنية الحذف أو القفز على الأحداث فعند جرد القصص الصوفية فيما
تيسر للباحثة من مظان صوفية( )، تبين إن هذه التقنية متوفرة بشكل ملحوظ.
سنأتي إلى ذكر دلالات هذا التوافر والشيوع بعد عرض بعض من النماذج على ذلك،
ففي قصة (الخواص والنصراني)( ) يتكرر ذكر مدة زمنية (المشي سبعة أيام) من
دون إعلام عن الأحداث التي تضمنتها هذه الأيام السبعة ولا سيما أن الموضوع
عن كرامة خصها الله تعالى لإبراهيم الخواص والنصراني بعد إسلامه بأن ينزل
لهم طعاماً وفيراً يسد جوعهم وعطشهم ليوم واحد.
فالواضح هنا إن المدة التي استغرقها الفعل (الحدث) لا تتناسب مع
القول فيها؛ فـ (المشي سبعة أيام) ثلاث كلمات على سطح النص لا تتناسب مع
مشقة الفعل ذاته، وكذلك الحال في قصة (الجنيد والحاج)( ) حين سأل الحاج
الجنيد أن يعطيه شيئاً يحج به فأعطاه درهماً فسهل الله تعالى له حجة فهو في
كل موضع يجد أصحاباً يتكلفون بالطعام وإيوائه وما احتاج إلى صرف الدرهم
أبداً، ثم جملة يذكرها الراوي على لسان الرجل (فلما حججت وعدت إلى بغداد
دخلت على الجنيد...) فيرى إن المدة المستغرقة للحج- بطقوسه الكثيرة
المعهودة ومدته المعلومة، فضلاً عن طريق العودة من بيت الله الحرام إلى
بغداد، كل هذا يستدعي وقتاً ليس باليسير، وبه حاجة إلى تفصيل وإطالة شرح...
فإذا ما تيسر أمر الحج في قلة فما شأن العودة وكيف عاد مجاناً...؟ كل هذه
التساؤلات يقف عليها المروي له ولا يجد لها جواباً شافياً وفي قصة (الخواص
والسبع والبقة)( )، الحدث فيها مرتكز على بنية زمنية لحدثين تتوقف دلالة
القصة على ناتج حكمتهما: الحدث الأول- في الليلة الأولى يبيت الخواص وصاحبه
في البرية فيجدون سبعاً فيخاف صاحب الخواص ويصعد إلى شجرة ولا يأتيه النوم
بتاتاً، في حين الخواص يظل نائماً هادئاً والسبع يشمه من رأسه إلى قدمه.
أما الليلة الثانية فبات الاثنان في مسجد في قرية أزعجت فيه (الخواص) بقة
وحرمته النوم عند ذلك استفسر الصديق عن الأمر عن احتمال الخواص (للأسد)
وانزعاجه وصياحه من (بقة) فيجيبه إنه الليلة في حال مع نفسه، في غير حاله
البارحة فكان مع الله. وفي قصة يرويها شعراً (سعدي شيرازي)( ) عن ذي النون
المصري في مسألة التواضع حين قدم عليه أهل مصر يرجونه أن يدعو الله أن ينزل
المطر لأنه مقرب فلا يرد الله كلامه. (بعد مرور مدة من الزمن سمعت أي
(الراوي) إن ذا النون توجه تلقاء (مدين) ولم تنقضِ مدة طويلة حتى سخت
السماء أمضى بمدين عشرين يوماً، جاء الخبر...) وحين سمع نزول المطر عاد ذو
النون إلى مصر، وحين سُئل عن سبب رحيله قال: (سمعت إن الرزق يضيق على النمل
والدواب والطير بما يقع من آثام فعل الأشرار ففكرت كثيراً فلم أر في هذا
الوطن من هو أسوأ عملاً مني...).
في هذه القصة ثلاثة مواضع يقفز فيها الراوي على الحدث فيختصر الزمن
بكلمات معدودة (مدة الزمن، مدة غير طويلة، عشرين يوماً) هذه الأقوال من حيث
مفهوم المدة هي لا تنهض بواقع الحدث الذي استغرقه فعلاً في هذا الزمن،
فيقفز الراوي لينقل منطقة الصراع إلى حيز مكاني آخر ويجعل تغير الزمن أو
مرور مدة ما من الزمن مسوغاً لتغير حدثي ما يخدم دلالة أخلاقية عامة أو
صوفية خاصة.
لهذا الاختصار الشديد والقفز الزمني على الحوادث المتضمنة في ردح من
الزمن يصرح به الراوي ويحجب عن التفصيل في تفاصيله وحيثياته، لدلالةٍ يمكن
الوقوف عليها استنتاجاً من مجمل أهداف الراوي من رواية قصصه على الشكل
السردي الذي جاءت عليه أوجزها في الإضاءات الدلالية الآتية:
1-الراوي الصوفي محكوم –موضوعياً- بجملة أهداف أخلاقية وصوفية يكرس
فنه القصصي لإزجاء هذه الأهداف وإيصالها إلى المروي له. تحقيقاً لفائدة،
وإذاعة لخلق كريم، وأعلاماً عن صحة طريق التصوف. هذه الغايات يوجه الراوي
إليها بصره فهو (يتجاوز) التفاصيل ليعلن عن الجوهر. فكأن صورة السرد في
القصص الصوفي أشبه بلهاث الراكض خلف هدف يلوح له في الأفق، فهو يتجاوز
العثرات الصغيرة وأحجار الطريق، وموانع الطبيعة لأنه يوجه نظرة صوب الأفق.
2-الراوي الصوفي سواء أكان أديباً عربياً أو من ترجم إلى العربية
نصوصاً تصوفية غير عربية. هو صاحب لغة عتيدة في متنها اللفظي الثري،
وبلاغتها وبيانها، وفصاحتها،... ومن أسباب البلاغة الأسلوبية هي الإيجاز،
وحذف فضول الكلام، وما لا يحتاج إليه السامع، وما يقع في دائرة الأمر
البديهي الذي لا يحتاج معه إلى ذكر.
3-حركة (الحذف) في الإيقاع الحكائي الزمني –بنيوياً- تتسق مع النأي-
وظيفياً- كما مر الحديث على ذلك في الفصل السابق. معنى ذلك إن القصص
الصوفية تبدأ بوظيفة النأي والسفر والابتعاد لهدف ما، يتسق ذلك مع حركة
الحذف أو القفز على الزمن لأن النأي حين بدأت به القصة، فإنها ألغت الأحداث
السابقة عليها وبدأت من لحظة (النأي)، فالقصة الصوفية قصة (حدث) مركز
ومكثف، وليست قصة تفاصيل ماتعة.
4-إن الاحتكام إلى هدف يسعى إلى تحقيقه، ووقوفه على ناصية بلاغية
ولذلك أدى إلى (قصر) نسبي في القص الصوفي- نستثني من ذلك القصص الفلسفي-
هذا القصر صفة ناتجة من الدلالات الثلاث.
أ.2. الحركة الثانية: الوقفة
أو ما يسمى بـ (الاستراحة) التي تقع على النقيض من الحركة السابقة
(الحذف) أو القفز. وتتبدى في القص على هيئة قص الراوي (وصفاً) يصبح فيها
زمن القص أطول من زمن الواقعة أو الحدث، وحسب رمزية المعادلة التي وضعها (جينيت)
هي على النحو الآتي( ):
زمن القول (القص) > زمن الوقائع
ز / ص > ز / ق
وهذه الوقفات الوصفية تختلف من حيث العدد في القصة الواحدة، إذ
ينقطع سير الأحداث ليتوقف الراوي عند زاوية معينة فيصف مكاناً أو شخصاً ولا
يمكن الادعاء إن هذه الوقفات الوصفية زائدة تشف عن قدرة بلاغية للراوي حسب.
كلا فإن الأمر يتعدى ذلك إلى أهداف سردية يعمل الوصف فيها على إضاءة الحدث
القادم بعد الوقفة. وهو قريب الشبه من مفهوم (الوضع الأولي)- الذي سبق
الحديث عنه في الفصل الأول ضمن الاستهلال القصصي- والحقيقة إن هذه الحركة
الزمنية أكثر ما توجد في (فن الرواية)( ) الحديثة التي فيها سعة في التعبير
وسخاء بالأوصاف فقد يستغرق وصف شارع أو مدينة أو شخص عدة صفحات من الرواية.
تتحدد أهمية الوقفة الوصفية في أن السارد يوقف مجرى الأحداث ليجند
طاقاته ليصف منظراً أو شخصاً أو شيئاً، لا يستطيع أي أحد آخر النظر إليه
ونقل نعته إلى المروي له. محاولة من الراوي (السارد) أن يصطحب المروي له
(القارئ) لمعاينة ما عاين. لفرض خلق حالة مشتركة من التفاعل والموقف
والإحساس، على الرغم من هامش النسبية في هذه الأوصاف واضح ووارد، فالسارد
ينقل لنا المشهد الوصفي من وجهة نظره هو، التي قد لا تتفق مع رؤية أخرى
للمشهد نفسه.
أكثر ما وجدت هذه الحركة الزمنية في النص القصصي الصوفي، في نوع
القصص الموضوعي الذي يتسم طابع السرد فيه بالطول نسبياً إذا ما قيس بـ
القصص الذاتي الذي يتمحور حول تجربة محددة في الأعم الأغلب تكون شخصية
ذاتية ذات مرجعية تاريخية أي أن شخوصها لهم حضور تاريخي وحقيقي.
هذه السمة التي طبعت القصص الموضوعي بالطول، جعلت فيه متسعاً لحركة
(الوقفة الوصفية) التي يستغرقها الراوي بوصف الأمكنة والأشخاص والأحوال
التي تمر بالشخصيات. ولعل الطابع التخيلي في هذا النوع من القصص يجعل
المجال واسعاً أمام الوصف والوقفات الوصفية، كالذي نجده ماثلاً بوضوح في
القصص المتضمنة في رسائل أخوان الصفا ذات المعنى الأخلاقي العام والفلسفي،
ففي قصة المدينة( )، نجد الوصف يسبق أي حدث في تحديد الإطار العام لمدينة
كانت على رأس جبل في جزيرة من جزائر البحر: (مخصبة كثيرة النعم، رخية
البال، طيبة الهواء، عذبة المياه، حسنة التربة، كثيرة الأشجار، لذيذة
الثمار، كثيرة أجناس الحيوانات...) بعد هذا العرض الوصفي يبين الحال
المضادة إذ إن حال هذه المدينة هو ليس مثل البلد التي فيها (تنغيص من الحسد
والبغي والعداوة وأنواع الشر، كما يكون بين أهل المدن الجائرة المتضادة
الطباع، المتنافرة القوى، المشتتة الأهواء، القبيحة الأعمال، السيئة
الأخلاق) وكان يكفي وصفين في جملتين لتعطي صورة بينة عن حالة التضاد هذه
بدلاً من هذه المترادفات الكثيرة.
وبعد هذا العرض يكون مستهل الوظائف النأي، بـ إن (طائفة من أهل تلك
المدينة الفاضلة ركبوا البحر فكسر بهم المركب ورمي بهم الموج إلى جزيرة)
يصفها بـ أنها (في جبل وعر، فيه أشجار عالية، عليها ثمار نزرة، فيها عيون
غائرة، ومياهها كدرة، وفيها مغارات مظلمة، وفيها سباع ضارية، وإذا عامة أهل
تلك الجزيرة قردة...) وبعد ذلك انسوا المقام فيها وعاشروا القرود... حتى إن
بعضهم رأى رؤيا الخلاص في المنام كأنه عاد إلى أهله وذويه، وبعد أن اتفق مع
أصحابه على الهرب جاء طائر ممن يخطف القرود ليأكلها وخطف الرجل ولما فطن
أنه ليس من الجنس الذي يأكل ألقاه على سطح بيت فكان هو بيت الرجل الذي
غادره قبل غرق السفينة، وظل يتمنى لأخوانه نفس المصير، حين كانوا هم هناك
يبكون عليه لظنهم أن الطير قد افترسه.
ومن قصة (بيراست الحكيم)( )، نجد أن الوقفات الوصفية أخذت حيزاً
أكبر من عملية السرد، فالراوي فيها يطيل الوقوف عند الأماكن في المملكة
التي يحكمها بيراست بـ أنها (طيبة الهواء والتربة، فيها أنهار عذبة، وعيون
جارية، وهي كثيرة الريف والمرافق وفنون الأشجار والألوان من الثمار والرياض
والأنهار والرياحين والأنوار...) بعد هذا الوصف المسهب لطبيعة هذه المملكة،
يقول الراوي إن جماعة من البحارة غرقت سفينتهم على شاطئ هذه الجزيرة فعاش
من نجا من الغرق من البحارة على هذه الجزيرة لكنهم بدءوا يثقلون على
الحيوانات ويحملونها ما لا تطيق، فشكت ذلك إلى ملكها بيراست، فبعث الملك
إلى أهل السفينة من يدعوهم إلى حضرته، فحضر منهم نحو من سبعين رجلاً من
بلدان شتى فأكرموا ثم أوصلهم إلى مجلسه بعد ثلاثة أيام) هنا يحدث (قفز) في
زمن السرد فحذف الراوي تفاصيل الأيام الثلاثة التي قضاها البحارة في كنف
الملك قبل وصولهم إليه.
بعد ذلك يذهب الراوي إلى وصف الملك فهو العادل، الحاكم المنصف
السمح، من يقري الأضياف، ويؤوي الغرباء، ويرحم المبتلى، ويمنع الظلم ويأمر
بالمعروف، وينهى عن المنكر، ولا يبتغي في ذلك غير وجه الله تعالى ومرضاته.
وبعد ذلك تبدأ المحاكمة بين الملك والبحارة وطرح حججهم العقلية والنقلية
على أن الله خلق الحيوانات وسخرها لتكون عبيداً للإنسان وهو ملك عليها. في
شكل خطب مسهبة في الحمد والديباجة وذكر الدلائل، ثم يرد عليه (البغل)( )
بخطبة مشابهة يفند فهم الإنسان لمعاني الآيات القرآنية الخاصة بالأنعام
والحيوانات... ثم يحكم الملك بعد ذلك بجور الإنس.
ولا يقتصر الأمر على القصص الموضوعي، ففي (قصص الرؤى والمنامات)،
تشخص واضحة الوقفات الوصفية كثيراً، وهو أمر مستحب بل ومطلوب في مثل هذا
النوع من القصص التي يكون فيها الخيال جانحاً نحو السعة والامتداد ثم
الرغبة في كسب قناعات المروي له بما يروى؛ فيكال له الوصف والنعوت ليقترب
ذهنه ومخيلته من واقع الرؤيا المتخيلة في ذهن الراوي. وتقريب صورة الحلم
التي كان الشاهد الوحيد عليها هو الراوي/ الرائي فقط. ولكون الرائي الصوفي
ينقل صورة رؤياوية لا يراها الآخرون فهو معني بتفصيل الأوصاف ونعوت الأمكنة
التي شاهدها في رؤياه- سواء أكانت هذه الرؤيا حقيقية أم متخيلة-( ).
هذا وقد نظر التحليل النفسي إلى مسألة (الحلم) عند المتصوفة
وارتباطه بالكرامات، فوجد أن (الكرامة والحلم) تخضعان إلى الطرائق عينها
لكونهما من طبيعة متشابهة ويقومان بوظائف نفسية متقاربة فالحلم والكرامة لا
يخضع لمقولتي المكان والزمان( ) وهما تعبير عن حاجات اللاوعي والقلق
والإسقاطات الناتجة من الهموم المستقبلية فينطلق عند الصوفي (تداعي
الأفكار) فيعبر بكثافة وبرمزية شديدة عن محتوى ثري من الدلالات النفسية
والعقلية والفكرية.
فيحرص الصوفي على رواية الكرامات في شكلها الرؤياوي، ويعيش تفاصيلها
وينقلها إلى الناس، لأنها دليل اقترابه من الله، أو إن الله تعالى جعل من
هذا الصوفي مجلى لمحبته لعباده المخلصين.
في القصص الاسترجاعي، ثمة تفاوت في حضور الحركة الثانية من الزمن،
الوقفة الوصفية؛ ففي القصص الاسترجاعي القصير تكون مساحة النص محدودة
والاتجاه فيها يكون مصوباً بشكل رئيس ومباشر إلى الفعل الخارق الذي تنتهي
به الرؤيا أو الكرامة. فتقل الحاجة إلى الوصف لأن (الحدث) هنا يعلو على
(الوصف) الذي يستدعي استرخاء وفسحة مناسبة للتلقي سيستعرض منها الراوي/
الرائي/ قدراته الأطول فيما تيسر للباحثة من مصادر التصوف.
ففي مستهل الرؤيا التي وجد نفسه فيها في أرض المحشر وعند إحساسه
بالهول والتعب والغرق، تمنى أمنية حدث فيها نفسه فقال: (... هذا هو اليوم
العبوس القمطرير، وأنا رجل ضعيف النفس خوار الطباع ولا صبر لي على معاينة
هذه الدواهي، كنت أشتهي على الله الكريم في هذه الساعة في هذا المكان
رغيفاً عقيبياً( )، وزبدية( ) طباهجة( ) ناشفة، وجبن سناري( ) ونعارة نبيذ
صيدناني( )، والحافظ العليمي( ) ينادوني عليها بأخبار خوارزم وقمر الدين بن
هلال يغني لي:
يا أهل نعمان إلى وجناتكم
تعزى الشقائق لا إلى النعمان...)( )
ونجد هذا الاستغراق في تفصيل الأمنية التي تمناها على الله تعالى
بالأسماء والتفصيلات. والحقيقة إن هول ما يراه الرائي من مشاهدة يوم
القيامة والحساب تجعل المرء في مبعدة عن ذكر الطعام والشراب والشعر والسمر
والأصدقاء، فتلك حال يود أن يفتدي نفسه بأمه وأبيه ويتبرأ من أصحابه وذويه.
فكيف بالأمنيات وليس هذا المثال اليتيم في الرؤيا، ونما هنالك الكثير من
الوقفات الوصفية( ) التي تشتمل على الأقوال والآيات القرآنية وأبيات الشعر
بموضوعات شتى لأن الرؤيا تكتنفها انثيالات ذهنية كثيرة يسترجع فيها الرائي
الحال السابق قبل مجيئه إلى الآخرة، لأصحابه وشخصيات تاريخية معروفة في
تاريخ الإسلام منهم الخلفاء ومنهم القادة ومنهم القتلة ومنهم الأولياء
والأئمة والمتصوفة وغيرهم كثير. فهو يرى شكل عذابهم وصيغته في الآخرة
فيسترجع حالهم في الدنيا وصنيعهم فيها حتى أهلهم ذلك لهذه الألوان في
العذاب الأخروي.
من هنا، أجد إن الوقفات الوصفية، فضلاً عن كونها حركة زمنية فيها
ارتداد وفيها استرجاع واستغلال لفسحة الزمن المتداخل بالماضي والحاضر
والآتي، أجد فيها مجلى لأسلوبية المؤلف/ الراوي، فهي مسبار جيد يظهر لنا
أسلوبية الكاتب وثقافته اللغوية والتعبيرية وكذلك حافظته وخزينه الذهني.
وطغيان شخصية الأديب المؤلف، التعبير فيه يعلو على الحدث.
أ.3. الحركة الثالثة: المشهد
المعادلة الزمنية في هذه الحركة تأخذ شكل التعادل، فتتطابق مدة زمن
الوقائع مع المدة المستغرقة على مستوى القول، ويكون ذلك في صيغة الحوار بين
الشخصيات، وبحسب رمزية جنيت: فإن:
ز / ص = ز / ق( )
زمن القص زمن الوقائع
فالراوي في هذه الحركة الزمنية يتنازل عن مكانه ليترك الشخصيات
تتحاور فيما بينها، وهذا المقطع الحواري يأتي في تضاعيف السرد، ويؤكد (جينيت)
عدم إغفال الفرق بين مدة الحوار الحقيقي الفعلي والجمل المعبرة عنه في النص
القصصي، فالحوار الواقعي الذي يمكن أن يدور بين أشخاص معينين، قد يكون
بطيئاً أو سريعاً حسب طبيعة الظروف المحيطة، مع مراعاة لحظات الصمت أو
التكرار مما يجعل الاحتفاظ بالفرق بين زمن الحوار وزمن القصة قائماً على
الدوام( ). على الرغم من ذلك، فإن درجة الاقتراب من بقية الحركات الزمنية
الأخرى، بسبب أنك لا تملك مقياساً ثابتاً تقيس به السرعة السردية للنص مع
واقعه الفعلي. ويبقى هذا التقارب افتراضياً لأن الحوار سمة المتحاورين أي
هو ذو طبيعة نسبية تختلف من شخص إلى آخر، ومن ظرف إلى آخر عند الشخص ذاته
وهكذا. والذي يجعل من المشهد أقرب الحركات إلى التطابق مع الزمن الفعلي،
إنه يشتمل على خاصية (التفصيل)؛ فالمشهد المفصل يمعن في تقصي حرفية الحوار
المتبادل بين الشخصيات على العكس تماماً مع الحركة الزمنية الرابعة التي
سيأتي ذكرها بعد حين، (المجمل) أو الملخص المركز، ويجد بعض الباحثين إن
التقابل بين (المشهد) المفصل و(المجمل) المركز، يحيل إلى تقابل مضموني بين
ما هو درامي في السرد وما ليس بدرامي( ) بمعنى أن الإيقاع الزمني في السرد
بشكله الممطوط المفصل والمجمل المكثف هو تناسب مضموني لواقع القصة أو
الحكاية فيجمل ما ليس للسرد به حاجة كبيرة، في حين ينفتح السرد ويطول ويفصل
في المشاهد الدرامية التي تقوم بدور فاعل ومؤثر في سير الأحداث.
من هنا كان الشكل رهين المضمون، والإيقاع الزمني استجابة لقانون
الفائدة والغاية من ذكره أم عدم ذكره، وذلك يعني أن توافر هذه الحركات
الزمنية غير إلزامي في النص القصصي، فالحاجة- التي تقررها ذهنية المؤلف
وأهدافه وقدرته التعبيرية وذكاؤه الأدبي- هي التي تفرض وجود حركة أو
الاستغناء عن أخرى. أو إن تتجاور حركتان في فقرة نصية واحدة. من هنا، كانت
نسبة هيمنة بعض الحركات الزمنية في القص الصوفي، ذات طغيان واضح من نمط
قصصي إلى آخر بسبب التعلق الدلالي بين (شكل) الحركة الزمنية و(مضمون) الحدث
والغاية منه. بناء على هذه الفرضية الدلالية، نجد أن حركة (المشهد) الحواري
في القصة الصوفية تشغل حيزاً مهماً وكبيراً في الأنماط القصصية الثلاثة،
الذاتي والموضوعي والاسترجاعي.
في القصص الصوفي الذاتي، تطغى فيه صورة مقطع مكثف لقصة طويلة، أو ما
يطلق حديثاً بمصطلح (المشهد) بلغة أهل الدراما والمسرح( )، أي لقطة أو
مجموعة لقطات مكثفة الدلالة، ووفية أيضاً لنقل تفاصيل تلك اللقطة بحوارها
وكلماتها، وشخوصها وحركاتهم وانفعالاتهم... وهي قائمة كذلك على قدرة
أسلوبية تعبيرية تسجل ما بقي في الذاكرة من واقعية الحوار ذاته كما جرى في
الحكاية، وتتخيل ما لم يصمد في الذاكرة، ولا سيما إذا مر على الحكاية- من
حيث هي حدث واقعي فعلي- زمن وتواتر عليها رواة ونقله متعددون، فكلما بعد
الزمن وكثر الرواة، ضعفت الثقة بالنقل الأمين الدقيق لواقعية الواقعة
الحكائية.
فيعتمد هنا الراوي على مخيلته القصصية- بعد أن أمسك بخيوط الفكرة
والمضمون والفحوى- في صياغة حوار قصصي بين شخوص الحكاية.
من هذا الجانب، أجد (حركة المشهد الحواري) واحدة من أهم المظاهر
(القصصية) للفن الحكائي؛ فضلاً عن أنها دليل مضاف إلى (قصصية) الحكاية
الصوفية، رداً على من يقولون بـ(حكائية) القصة الصوفية ولم تبلغ درجة القصة
من حيث التقنيات البنائية والفنية والدلالية.
وفي الآتي بيان تطبيقي على قصص صوفية تنبني على أهمية الحوار في
صياغة الحدث وتوجيهه وبلورة إيقاعه بحيث يتناسب مع واقعية حدوثه. ونشير هنا
إلى مسألة سبق الكلام عليها في الفصل الأول حول الراوي والمروي له، هو ذلك
الاقتراب الكبير بين شكل رواية القصص الصوفي ورواية الأخبار والأحاديث من
حيث مراعاة الدقة في النقل والحرص على مصداقية الناقل ومعرفته وذكره
بالاسم. وتلك من ملامح التوثيق الروائي والدقة العلمية. في مجال العلوم
الدينية والأخبارية والأدبية. فالتزم الراوي الصوفي- قدر المستطاع- بالنقل
الصحيح القريب من الواقعة الفعلية. فكثرت عبارات قال، وقلت وقيل وروي عن
وسمعت ورأيت... ففي قصة صوفية ذاتية محبوكة البناء وكثيرة الأحداث في فسحة
زمنية قصيرة (يوم واحد فقط) وهي قصة (السمك والصبي)( ) عن عبد الواحد
الورثاني يقول سمعت محمد بن علي المقري بطرسوس يقول: سمعت أبا عبد الله بن
الجلاء يقول: اشتهت والدتي على والدي يوماً من الأيام سمكاً فمضى والدي إلى
السوق وأنا معه، فاشترى سمكاً ووقف ينتظر من يحمله فرأى صبياً وقف بحذائه
فقال: يا عم، تريد من يحمله؟ فقال: نعم فحمله ومشى معنا، فسمعنا الآذان،
فقال الصبي: أذّن المؤذن وأحتاج أن أتطهر وأصلي فإن رضيت وإلا فاحمل السمك،
ووضع الصبي السمك ومرّ، فقال أبي: فنحن أولى أن نتوكل في السمك، فدخلنا
المسجد فصلينا وجاء الصبي وصلى، فلما خرجنا فإذا بالسمك موضوع مكانه فحمله
الصبي ومضى معنا إلى دارنا فذكر والدي ذلك لوالدتي فقالت: قل له حتى يقيم
عندنا ويأكل معنا، فقلنا له، فقال:
-إني صائم، فقلنا:
-فتعود إلينا بالعشى، فقال:
-إذا حملت مرة في اليوم لا أحمل ثانياً، ولكني سأدخل المسجد إلى
المساء ثم أدخل عليكم.
فمضى فلما أمسينا دخل الصبي وأكلنا فلما فرغنا دللناه على موضع
الطهارة ورأينا منه أنه يؤثر الخلوة...) وتستمر القصة حتى يقوم الصبي
بكرامة يشفي فيها بنتاً مصابة بالحمى المزمنة ويذهب من دون فتح أبواب
ويختفي.
أوردنا قصة كاملة، لحاجتنا إلى الحوار الذي جرى في هذه القصة
القائمة على حوار الشخصيات فيما بينها ويكاد لا يخلو سطر من هذه القصة ليس
فيه حوار متبادل وسؤال وجواب يعبر عن سرعة زمنية متساوية مع سرعة الحدث
ذاته الذي يستغرق بضعاً من الكلمات، هذا على الرغم من وجود حركات زمنية
أخرى تكتنف القصة سابقة أو لاحقة للحوار، وبخاصة (الحذف)؛ فثمة حذوفات
كثيرة مثل (فذكر والدي ذلك لوالدتي) فقالت له قل له حتى يقيم عندنا...
(فقلنا له، فقال،...) وبعد الحوار مباشرة يدخل زمن جديد بدون تمهيد (... ثم
أدخل عليكم. مضى فلما أمسينا...) فدخول وقت المساء لم يستغرق إلا كلمتين في
حين أن الزمن يستغرق ساعات من وقت الغداء حتى المساء مروراً بالعصر.
ولا يعني الباحث هنا، صحة الحوار المنقول وصدق ناقله، لأننا نعاين
نصاً أدبياً يحمل فكراً صوفياً، وليس نصاً فكرياً بحتاً. لما كان الأمر
كذلك، فإن في القصص الموضوعي فسحة للتخيل وعرض المقدرة البلاغية
والتعبيرية، لأن الأمر لا واقع له إلا الحكمة والهدف والمخيلة. وليس حياة
شخص بعينه أو سيرة متصوف معين، فالشخصيات في القصص الموضوعي (مرسلة) لا
راوي لها سوى المؤلف، ويخصص الشخصيات بذكر دينها أو اعتقادها أو صفة مادية
فيها، أما قصص الحيوان والطير، فلكل حيوان أو طير اسم يتسمى به. ففي قصة
(اليهودي والمجوسي) مثلاً، نجد أن الحوار الذي يسود في هذه القصة محاولة
حثيثة لإقناع المتلقي بواقعية هذه القصص الخيالية. حتى إن الراوي يلح في
هذه المحاولات فنجد أسلوب النداء ذا حضور بين في هذه القصص، فاليهودي يخاطب
المجوسي بـ: يا مغا، والمجوسي يخاطبه بـ(يا خوشاك)، فكثرة ورود أسلوب
النداء تدل على القرب والحضور والواقعية. وفي قصص الطير كذلك، فإن الراوي
يسلم زمام الرواية للشخوص لتقول ما عندها ليكون هو ناقلاً فقط، وبعد انتهاء
الحوار يتدخل اختزال الزمن ومتابعة تطورات الحكاية.
أما قصص الرؤى والمنامات، فالحدث أمسى ماضياً وليست القصة فيه إلا
استرجاعاً لما جرى في المنام، ودقة رواية الرؤيا أكثر ما تحتاج إلى
(الوقفة)، والوقفات الصوفية التي تقرب صورة المنام في مخيلة المروي لهم.
وهذا لا يعني انعدام صورة المشهد في الحلم والمنام، إنما يأتي تقصي المشهد
والحوار ونقله أشكالاً لهيئة الرؤيا وشخوصها وأحداثها وأجوائها.
فزمن المشهد الحواري متقاطع مع زمن الرؤيا والمنام، فالأول متطابق
مع حدثه، والثاني متقاطع مع زمن الحاضر واليقظة.
أ-4- الحركة الرابعة: المجمل
في هذه الحركة الزمنية وتسمى (الإيجاز) أحياناً( ) تبدو السرعة
السردية على الضد تماماً من حركة (المشهد)، ففيه تختزل بضع سنوات ببضع
كلمات أو أسطر فيجمل ما لا حاجة للسرد فيه تفصيلاً وإمعاناً في المفردات.
وغالباً ما تكون هذه الحركة هي (وسيلة انتقال كثيرة الشيوع بين مشهد وآخر،
والنسيج الذي يشكل اللحمة المثلى للحكاية الروائية التي يتحدد إيقاعها
الأساس بتناوب المجمل والمشهد)( ) لهذا فهي حركة متغيرة السرعة غير محددة
لأنها في الغالب، تشغل الحيز ما بين المشهد والحذف، فتختصر أو توجز الأحداث
أو المتغيرات الواقعة بينهما( ). ولإيضاح الفرق بين المجمل والحذف، نقيم
المعادلة الآتية:-
الحذف
يجعل زمن السرد أصغر من زمن الحكاية (الوقائع).
المجمل
يجعل زمن السرد أقصر من زمن الحكاية.
فالفرق بين الاثنين يتحدد بـ(الصغر) و(القصر)؛ أي هو الفرق بين
(الحجم) و(الامتداد)، فالراوي يقص في بضعة أسطر ما مدته سنوات أو أشهر أو
أيام من دون تطرق إلى التفاصيل. لهذا كانت معادلته الرمزية:
ز/ص < ز/ق- زمن القص (السرد) أصغر من زمن الوقائع. والفارق الدقيق
بين (المجمل) و(الحذف)، إن الحذف يلغي سنوات أو أشهراً من عمر الأحداث
فيقول (ومرت ثلاث سنوات) أما في (المجمل) فإن الراوي لا يحذف ولا يلغي
وإنما يجمل ولا يفصل بذكر الحدث ولا يقول كيف حدث كان (البطل يذهب إلى سفرة
ويعود ويتزوج وينجب أربعة أولاد...) في جملة وسطر واحد ما مدته سنوات من
عمر الإنسان.
وتهيمن على هذه الحركة الزمنية صيغة السارد العليم، الذي يرى
الأحداث من الخارج فيجمل لنا المهم منها بحسب اعتقاده. وهذا الإجمال لا
يأتي عفو الخاطر أو استجابة لرغبة تعبيرية ذاتية أو مفروضة. إنما ثمة
دلالات ووظائف سنلقي عليها الضوء كاشفين في ذلك عن غايات الراوي، فهو كما
(حذف) لأسباب ودواع سردية وموضوعية، وأطال (الحوار) وتقصاه، و(وصف) واقفاً
عند بعض المشاهد أو الشخصيات. فهو هنا (يجمل) لأسباب ودلالات سنبينها من
خلال التطبيق على نماذج صوفية.
ففي قصة (الخواص والنصراني صاحب الزنار)( ) التي مر لها ذكر في حركة
(الحذف) لذكره في موضوعين (فمشينا سبعة أيام...) من دون تفصيل ما حدث في
الأيام السبعة من السفر، وبعد انقضاء المدة التي تصاحبا فيها وتبينت كرامة
الاثنين على الله عز وجل التي على أثرها أسلم النصراني وشهد الشهادتين وحل
الزنار، أكمل الراوي سرد القصة بعد انتهاء الوقائع الرئيسية فيها (...
فأكلنا ومشينا وحج وأقمنا بمكة سنة ثم إن النصراني مات ودفن بالبطحاء)( )
فجمع في هذه الجملة ما يستوعب زمنه سنوات من عمر البطل فالأكل والمشي والحج
والإقامة بمكة سنة وموته ودفنه. كل هذا أجمل في جملة.
وكذلك قصة (الزجاجي والجنيد)( ) حين خرج إلى الحج وأعطاه الجنيد
درهماً صحيحاً فلم يحتج إليه طول مدة حجه وحين عودته رغب في إعادة الدرهم
إلى الجنيد، فيروي الراوي القصة على النحو الآتي: (... ولم أحتج إلى الدرهم
فلما حججت ورجعت إلى بغداد دخلت على الجنيد فمد يده وقال هات...)، فمدة
الحج وهي أشهر وطريق العودة من مكة إلى بغداد بحسب وسائط النقل القديمة هي
طريق شاقة وسفرة طويلة مرهقة، لم تستوعب من الراوي إلا جملة ببضع كلمات
فقط. لاغياً فيها تفاصيل الأحداث والوقائع التي من المحتمل أن تقع لأي
مسافر وحاج في هذه الطريق الطويلة. والقصة الثالثة التي أجد الاستشهاد بها
ذا مغزى وفائدة في هذه الفقرة من البحث. قبل أن نتطرق إلى الجانب الدلالي
والوظيفي لحركة (المجمل) في زمنية القص الصوفي. القصة هي (الصبي والسمك)( )
والتي مر بنا تحليلها على موضوعة (المشهد) وتحمل هذه القصة ميزة كونها
حكاية مجملة كثيرة الأحداث تتم في غضون يوم وليلة (من آذان الظهر حتى فجر
اليوم الآتي) وكل هذه الأحداث جرت في مساحة عشرة أسطر كتابية صغيرة، فبعد
ذهاب الأب والابن (الراوي)، لشراء سمك من السوق ولقائهم بالصبي الذي وقف في
منتصف المسافة ليصلي في المسجد ويتبعه الولد وأبوه للصلاة وبعد الانتهاء
حمل الصبي السمك ووصلا إلى البيت وقص الوالد خبر الصبي للوالدة فقالت: قل
له حتى يقيم عندنا ويأكل معنا فقلنا له: فقال: إني صائم، فقلنا فتعود إلينا
بالعشى، فقال: إذا حملت مرة في اليوم لا أحمل في اليوم ثانية ولكني سأدخل
المسجد إلى المساء ثم أدخل عليكم فمضى فلما أمسينا دخل الصبي أكلنا فلما
فرغنا دللناه على موضع الطهارة ورأينا أنه يؤثر الخلوة فتركناه في بيت فلما
كان في بعض الليل كان لقريب لنا بنت زمنة فجاءت تمشي فسألناها عن حالها،
فقالت: قلت يا رب بحرمة ضيفنا أن تعافني. فقمت فمضينا لنطلب الصبي فإذا
الأبواب مغلقة كما كانت ولم نجد الصبي فقال أبي: - فمنهم صغير ومنهم كبير.
ثمة ضرورة دعت إلى إيراد القصة بأكملها لكي يتبين للقارئ مقدار
كثافة الأحداث التي اشتملت عليها القصة وسرعة إيقاع توالي الأحداث، وتشذيب
الثانوي واستخدامه لخدمة الحدث الرئيس والبطل القصصي الرئيس، فعبارة (قلنا
له) عوضت عن حرفية قول الأم ودعوتها للصبي للأكل عنده. وعبارة (فلما
أمسينا) دخول إلى زمن متقدم من دون تقديم تفصيلي للمدة الفائتة أو مجرياً
أحداثها، أما قصة الفتاة المريضة ودخولها في أحداث القصة جعل مجرى الأحداث
يميل إلى الكثافة أكثر والتوتر، فضلاً عن توجيه العناية والاهتمام لمركز
الأحداث في القصة ألا وهو (الصبي) فيتم توظيف الأحداث الثانوية لخدمة حدث
رئيس وماهية هذا الصبي الذي هو في هيئة فتى فقير وهو في الحقيقة ولي صالح
وذو مقام وخطر.
فحاول الراوي في هذه القصة تكثيف عناصر السرد والسرعة لتوتير إيقاع
الأحداث الكثيرة في مدة زمنية قصيرة. وهذه الصفة تسم النماذج الثلاثة التي
اخترنا أن تكون تطبيقاً على مقولة الحركة الرابعة في الإيقاع الزمني في
القصة الصوفية، أما في القص الاسترجاعي، فإن المنامات تكثر فيها صيغ السؤال
والجواب سواء أكان الرائي شخصية في الرؤيا أم أنه الراوي الشاهد على مجرى
أحداث رؤياوية فقط ينقلها المروي إليهم، كما مر ذلك في الحركة الزمنية
الثالثة، لحاجة يجدها الراوي لإقناع سامعيه أما في قضية الإجمال فنجد
حضورها ضئيلاً في الرؤى والمنامات ولهذا الأمر دلالة ومغزى أجدها في رغبة
الرائي في كسب ثقة المروي له وتصديقه لمجرى أحداث غيبية جرت في عالم
الرؤيا. فلا ينفع هنا الإجمال والتكثيف الذي يضفي على السرد سمة الغموض
والمجهولية التي تؤول طبعاً إلى عدم التصديق فرواية الرؤى تستلزم البسط
والإطالة وتقصي التفاصيل بوصفها وسائل إقناعية يجد الحاجة إليها الراوي
ماثلة ومطلوبة على الصعيد السردي.
من هنا، نجد أن عنصر التفاوت له حضور في هيمنة الحركات الأربع
للإيقاع الزمني في القصة الصوفية، وهذا التفاوت طبيعي لأن دلالية القصص
فرضت وجوده، ودعت إليه حاجة السارد الفكرية والنفسية من خلال احتساب وقع
هذه الآليات في ذات المتلقي والعمل على استيفاء شرائط تأثيرها ووصولها.
ب- التّواتر
بعد مقولتي الترتيب والمدة والإيقاع الزمني في القصة، من الضرورة
الوقوف عند مصطلح التواتر بوصفه مقولة تقع ضمن إطار البحث في زمنية القص.
على الرغم من وقوع الاختلاف في عد التواتر مقولة زمنية أم أسلوبية على
اعتبار أن التواتر هو علاقات التكرار بين الحكاية والقصة( )، وهذا التكرار
أو التواتر ذو طابع زمني وعددي أيضاً. لذا أكد (جينيت) على عده مظهراً من
المظاهر الأساسية للزمنية السردية، ولا يمنع ذلك أن يكون مظهراً أسلوبياً
يكشف عن دلالات مخصوصة موضعية أو ذاتية نفسية من خلال التقلب على المحاور
الأربعة لعلاقات التواتر في السرد.
تنطلق محورية عمل هذه المحاور الأربعة لعلاقات التواتر من جهتين:
الحدث، والقول من ناحية التكرار أو عدم التكرار.
وبعبارة أخرى تبسيطية أكثر يفصل (جنيت) المحاور الأربعة كالآتي:
1.تروي مرة واحدة ما وقع مرة واحدة.
2.تروي مرات عديدة ما وقع مرات عديدة.
3.تروي مرات عديدة ما وقع مرة واحدة.
4.تروي مرة واحدة ما وقع مرات عديدة( ).
من خلال هذا التناوب التكراري بين الوقائع والسرد، يتم الكشف عن
أهداف غاية في الأهمية والدقة بحيث تعين على استيعاب وتلقي مضمون القصة
وطريقة سردها حيث يمتاز الراوي أو يجد نفسه مختاراً لمحور معين دون آخر في
موضوع يختلف عن الأمر في موضوع آخر. وقد تكتشف قصة واحدة الأنماط الأربعة
جميعها. يشير ذلك إلى حقيقة أن استخدام الكاتب لهذه الأنماط إنما يأتي
لدواع ذاتية وفنية يجد لها حاجة في طريقة سرده للحدث. فتكرار الحدث الواحد
عدة مرات يستدعي أن يلجأ المؤلف/ الراوي إلى تعديلات أسلوبية ولغوية
وصياغات تعبيرية بحيث يصل إلى قمة أسلوبية يتوفر فيها عنصر الكثافة اللغوية
في التعبير بعبارة واحدة عن شيء يتكرر حدوثه أكثر من مرة.
من هنا، أتت العلاقة بين زمنية البحث في عنصر التواتر في السرد،
ومتعلقاته الأسلوبية. فثمة وظيفة فنية أسلوبية للتكرار، كأن تكون تأكيداً
أو إلحاحاً. (وكان الراوي مسكوناً بفعل يعاوده فيشير إليه في أكثر من عبارة
وبأكثر من صيغة، وقد يشكل هذا الفعل بؤرة محورية في بنية العمل القصصي)( ).
بناءً على ما تقدم، تتأكد ضرورة بحث موضوعة التكرار في السرد في ضوء
متعلقاتها الدلالية الأسلوبية؛ لأن الراوي محكوم بالفكرة والمتلقي فهو يجند
طاقاته لكي (يصل) إلى الفكرة أسلوباً وبأقصر درجة بلغة مؤثرة. و(يوصل)
الفكرة إلى متلق متعطش، ملول، سؤول، ومثقف أيضاً. لهذا لا أجد خلافاً بين
مقولة (زمنية) التواتر أو (أسلوبيته)، إذا ما وجهنا الأنظار إلى حقيقة كون
العمل الأدبي التأليفي إنما هو إبداع متكامل يكمل بعضه بعضاً، ويفسر بعضه
بعضاً، وكل مفصل من مفاصل هيكليته العامة إنما يعمل ويسير وفقاً لوظيفة
يؤديها تفسر وجوده في النص، الغاية تفسير اللجوء إلى القرارات دون غيرها
ولا وجود هنا لمعيارية تحدد سلفاً ما سيقوم به المؤلف إنما الأمر على العكس
تماماً، تنظر إلى عمل الأديب وتشتق منه قوانينه.
ما عد أنموذجاً ينضوي تحت القصص الموضوعي، في قصة (الرجل المترف
والرؤيا)( ) الذي عاش حياة الترف والسفه والطيش حتى أتاه البيان بشكل رؤيا
تتكرر عليه كل ليلة تفزعه وهو بين خدمه ورجال قصره والمعزمين والراقين
والأطباء. فنجد في القصة تكرار ذكر حضور الرؤيا المفزعة بوصفها حدثاً
محورياً في القصة لأنها تكون سبب الصحوة والالتفات للأخطاء ومحاسبة النفس.
على صعيد القصة الصوفية فمن خلال النماذج المختارة للبحث، يلحظ أن
النمط الأول في التواتر بشكل طبيعي هو الأكثر في الحالات التي لا تستدعي
تكراراً، فتقول مرة واحدة ما يقع مرة واحدة كطالع قصة (الصبي والسمكة):
(اشتهت والدتي على والدي يوماً من الأيام سمكاً) فالحدث وقع مرة واحدة- على
الرغم من احتمالية وقوعه إلا أن في القصة حدث مرة واحدة- وعبر عنه بعبارة
واحدة دون تكرار لأن الواقعة لا تستدعي تكراراً في أي نمط كان لأنها واقعة
بسيطة يمكن لها أن تحدث مع أكثر الناس وبسهولة، هذا فضلاً عن أن دور هذه
الواقعة في الحكاية لم يكن سوى محفز ودافع إلى نمو الأحداث واللقاء بذلك
الصبي الذي هو محور القصة وجوهرها.
أما معكوس النمط الأول وهو رواية متعددة لما وقع مرات متعددة فيندر
وجود هذا النمط في السرد لما يشتمل عليه من خاصية التكرار المؤدي إلى السأم
والملال من لدن مروي له. فضلاً عن خاصية الإيجاز والتكثيف التي وجدناها في
القصص الصوفي التي تدعو إلى الاختصار وعدم التفصيل أو التكرار؛ فما حدث
أكثر من مرة بالإمكان روايته مرة واحدة إذا كان الحدث واحد في المرات
جميعها. واللغة العربية والأسلوب العربي ميال إلى خصيصة الإيجاز والتكثيف
فلا ترهل في جملته وكل زيادة في المبنى لا بد دعتْ إليها زيادة في المعنى
سوّغت وجودها. هذا من وجهة نظر عامة تخص أسلوبية الخطاب العربي.
أما من ناحية خاصية تتعلق بالفن القصصي الصوفي فإن احتكامه إلى
(غائية السرد) أكثر من تبنيه لمقولة (فنية السرد) فهو /الراوي الصوفي/ وإن
كان أديباً سارداً حين روى القصص إلا أن هدفه كان هو المعنى والمغزى
والدلالة وما تؤديه القصة من دلالات أخلاقية خاصة وتربوية ودينية عامة
وتصوفية خاصة. وعلى عكس ذلك، وتأسيساً على ما سبق ذكره. نجد أن النمط
الرابع هو الأكثر وروداً لوجود دواعي المعنوية إن يروي مرة واحدة ما وقع
أكثر من مرة. وهذا ما يتناسب مع طبيعة الأسلوب العربي الذي يختصر الدلالات
الكثيرة في أقل ما يمكن من الألفاظ. فحين يكون الحدث متكرراً ذاته في سبعة
أيام مثلاً كقصة (الخواص في البادية) حين اصطحب أحد أصحابه بقوا فيها على
حال واحدة( ) فلما كان اليوم السابع ضعف صاحبه فسأله الخواص عن حاله، فقال:
ضعفت، فقال له: أيما غلب عليك الماء أو الطعام؟ فقلت: الماء. فقال: الماء
وراءك فالتفت فإذا عين ماء كاللبن الحليب فشربت...).
فحين كانت الحال واحدة في سبعة أيام والجوع والعطش والضنى، اختزل
الراوي ذلك ولم يكرر القول سبع مرات إنما تبين ذلك واكتفى بذكر عدد الأيام
وتحصلت المعرفة عند المتلقي أن الحالة ذاتها توزعت على الأيام السبعة
جميعها فضلاً عن رمزية العدد (7) في الميثولوجيا الدينية الإسلامية وغير
الإسلامية- فلان اليوم الذين حدثت منه إضافة في الأحداث وتجدد واختلاف،
واستدعى ذلك ذكراً تفصيلياً عنه. وفي هذا إشارة رمزية إلى أن نهاية الخلق
تمت في اليوم السابع وهو أجل كاف لأن يكون رمزاً للصبر والأناة، فالخالق عز
وجل بكل جلاله وعزته وجبروته استغرق إنشاء الكون والخلق عنده سبعة أيام.
نستنتج مما سبق إن الطابع العفوي، ومراعاة الجانب الدلالي للحكمة
القولية، والإحساس بكثافة الأسلوب العربي وإيجازه... هذه الأشياء والطوابع
هي التي وسمت القصص الصوفي في موضوعة التواتر وأنماطه الأربعة، وبرزت حرية
الراوي الصوفي في أن الدلالة اختارت أشكالها وليس العكس وهذه واحدة من أهم
سمات صدق التجربة الإبداعية والأدبية.
المبحث الثالث
صيغة السّرد
توطئة
استكمالاً لموضوع تقنيات السرد في القصة، تعرج الدراسة إلى فحص جانب
مهم من تقنيات السرد وهو ما يعرف بـ الصيغة السردية أو هيئة السرد وما
يتعلق بها من مفاهيم: المنظور والمسافة، والتبئير أو وجهة النظر. وكلها
تتوحد في رصد الكيفية التي يروي بها الراوي ما يرى. أو سرد ما يراه من خلال
وجهة نظره لا ناقلاً نقلاً فوتوغرافياً للحدث الحكائي. ومؤكد ما وجهة النظر
هذه تتحدد بنوع العلاقة التي تربط الراوي بالقصة أو شخصياتها أو أحداثها.
وكذلك ماهية الراوي نفسه وموقعه من عملية السرد من حيث الحضور (شاهد على
الأحداث) أو الغياب (يروي ما يراه من دون علم بما سيجري ولماذا جرى).
تحت مقولة هيئة السرد تختفي علاقة جدلية وحيوية أيضاً بين (المؤلف)
و(الراوي)؛ فالمؤلف يختفي تحت جلباب الراوي وينطق بلسانه هو فيكون الراوي
وسيلة تقنوية تحت تصرف المؤلف يصرف من خلالها وجهة نظرة (المؤلف) حتى كأن
الراوي هو الروح الناطقة للمؤلف. لهذا قيل أن (تقنية الراوي الشاهد في
السرد الروائي تعادل تقنية آلة التصوير في العمل السينمائي، والوظيفة في
كلتا الحالتين هي التقاط المرئي ونقله إلى القارئ أو المشاهد)( ).
ولعل مقولة هيئة السرد من المقولات المهمة في علم السرد الحديث( )
لأنها كشفت عن جانب مهم وأساس في طرائق السرد القصصي والروائي حين ميزت بين
المؤلف والراوي من جهة، وكشفت عن البعث الذاتي في سرد الأحداث، فالمؤلف لا
يمكن أن يكون موضوعياً لأن العمل الأدبي الذي يسرده إنما يصل إلى متلقيه من
خلاله هو فلا بد أن يكون مطبوعاً بروحه ووعيه ودرجة ثقافته ومواقفه تجاه
الأشياء الواعية منها وما يستنبطه عالم اللاوعي العميق. واشتقت كلمة (صيغة)
من (mode)
التي يدل معناها النحوي على أشكال الفعل المختلفة التي تستعمل لتأكيد أمر
مقصود، وللتعبير عن وجهات النظر المختلفة، إذن فهي القدرة على رواية ما يرى
وطرق ممارسته من وجهة نظر معينة، وهي عند (جينيت) تعني (شكل الخبر السردي)(
) ودرجات تمثيله للحكاية فهي تفيد معرفة كمية التفاصيل ومستوى المباشر
ودرجتها، وبعد المسافة التي تفصل بين الراوي والحدث، فضلاً عن تنظيم الخبر
المختار للرواية، بمعنى تحديد المسافة الفاصلة بين الراوي والحدث والحدث
رؤية ومكاناً وموقفاً. فكان هذا المفهوم مسهماً في حل إشكالية موقع المؤلف
والراوي في عملية السرد بين الذاتية والموضوعية، فالموضوعية الصرف لا وجود
لها في العمل الأدبي إذا كان المقصود بالموضوعية التجرد التام وعدّ الأدب
شهادة لغوية يدلي بها المؤلف. ولا الذاتية المحضة التي تتجوهر حول الذات
وعنها. إنما تتم عملية السرد (عن طريق) الذات وليس (عنها)، فالذات المبدعة
هي صاحبة الرؤية وهي المتصرف في توجيه عناصر القص في ضوء البواعث والمحفزات
والأهداف.
لهذا كان مصطلح (المنظور) أهمية خاصة في بحث هيئة السرد لأنه يتقصى
ذلك (الاختلاف) في وجهات النظر الأمر الذي يسهم إسهاماً فاعلاً في علاقة
المرسل/ المتلقي منطلقاً من النص ويحيل إليه( )، وعلى الناقد أن ينطلق من
قناعة كون المؤلف القاص فناناً، من هنا كانت الضرورة قائمة على فهم أسلوبية
هذا الفنان من خلال نصوصه وتصوراته التي أنجز بها أعماله، وهذه الأعمال
والنصوص هي مخلوقات هذا الفنان وتجسدات قدرته وإبداعه، فما عليه هو الفعل
والخلق ثم يأتي الناس بعد ذلك ليتأولوا ويتفحصوا ويتذوقوا. لهذا نظر بعض
النقاد الفرنسيين إلى وظيفة السارد في القصة كفعل الخلق الإلهي فيقول (يجب
على السارد أن يقلد الله في إبداعه، أي أن يفعل ويصمت)( ) يذكرني هذا القول
بالحديث القدسي (كنت كنزاً مخفياً، فأحببت أن أُعرف، فخلقْتُ الخلق لكي
أُعرف).
من هنا كانت عملية الخلق الأدبي عملية موجهة إلى متلق مفكك لسننها
موئل لدلالاتها لذا كان حضور المتلقي في النص هو الإطار الذي يجب أن ينطلق
منه الناقد في تسبيب استخدام بعض التقنيات دون غيرها، من كاتب لآخر ومن نص
لآخر، منطلقين في حقيقة الفارق المهم بين الحكاية والسرد، فما دامت القدرة
قائمة على كتابة الحكاية الواحدة بملايين الطرق والأساليب والاتجاهات، فإن
الحاجة لا شك قائمة في الحديث عن مفهومات (المسافة) و(المنظور) وتمنظراتها
الإجرائية، بوصفها جميعاً يشكّلان مظهراً من مظاهر (الأدبية) في النص
القصصي. وباجتماعهما يتشكل ما يعرف بـ(الصيغة السردية) التي تشكل الجانب
الثاني من منظومة البحث في السرديات، وهو ما يطلق على الكيفية التي يتم بها
سرد ما يحكى في القص من معلومات. فالقصة تبث للقارئ بشكل مباشر أو غير
مباشر مع المحافظة على (مسافات) تختلف في قربها أو بعدها من حالة إلى أخرى.
يكون الراوي متحكماً بكم ودرجة المعلومات التي يبثها تبعاً لدرجة معرفة
الشخصيات المشاركة في الحدث بها..
حيث يقوم ما يعرف بـ(الرؤية) أو (وجهة النظر) أو (نقطة الرصد)
بتحديد منظور الأحداث المروية( ).
من هنا، برز في موضوعة الصيغة السردية، مصطلحان في صيغ السرد هما:
المسافة (distance)
والمنظور (perspective) تتحدد على أساسهما المعلومات التي يقدمها النص السردي. وفيما يأتي
عرض اصطلاحي مع استيفاء الجانب الإجرائي على متون القص الصوفي.
1-المسافة السردية:
مصطلح يعنى بتحديد البعد الذي يفصل بين الفاعل والمشاهد أو بين
الراوي والقائم بالحدث. وهذه المسافة هي التي يستند إليها (منظور) الراوي
في وجهة نظره التي يروي المروي في ضوئها. والمسافة السردية من المصطلحات
السردية المهمة ولا يعني ذلك أنها تخص الحقل السردي فقط إنما تدخل في فن
الرسم والتشكيل والسينمائيات والبلاغة والتصوير أيضاً( ). ويرى (جينيت) أن
أول من كان قد تناول هذه المسألة هو أفلاطون في جمهوريته، وهو يتحدث عن
الشاعر حين يكون بين صيغتين سرديتين ساعة يكون المتكلم هو الشاعر نفسه( )،
ودعا أفلاطون هذه الصيغة بـ حكاية خالصة، حين يبذل الشاعر جهوده ليحملنا
على اعتقاد بأنه ليس هو المتكلم، بل شخصية ما، وما عدا ذلك من الأقوال
فيسميه أفلاطون محاكاة. وعلى الرغم من كون وقفة أفلاطون لا تتعلق بالنص
السردي. إلا أن سلامة النظر إلى جهة الراوي، يمكن أن تكون أول بادرة إلى
تقصي هذا الجانب بشكل أكثر تحليلاً وأكثر دقة. كما حدث في أميركا وانكلترا
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حين تأصلت أساسيات نظرية
الرواية على يد هنري جيمس وتلاميذه وبخاصة في مصطلحيه: العرض والقول، ففرق
بين تمثيل النص ومحاكاته، وروايته. والقول إنما هو لغة واللغة تدل وترمز
وتشير دون أن تقلد وتحاكي.
من هنا، كان لزاماً التمييز بين مقولتين وصيغتين في السرد:
(حكاية الأحداث وحكاية الأقوال)( )، وتتم الصيغة الأولى بسرد
المقاطع غير الحوارية في القصة التي إذا ما أعيدت كتابتها (روايتها) من
الناقد أو أي قاص آخر، لأمكن اختزال عدد الكلمات إلى حد كبير من خلال تحكم
المؤلف بنمط أو تحديد مجالات القص وتكثيف الحدث والتركيز على المهم من
الأحداث. وفيما يأتي إجراء تطبيقي على هذا التحكم بالسرعة السردية على
الطريقة التي اصطنعها أفلاطون مع النص الهوميري( ) فلو أخذنا- على سبيل
المثال- قصة (عطاء الأزرق وجراب القمح)، وطبقنا عليها طريقة أفلاطون لظهرت
على النحو الآتي:
رواية الباحثة رواية المؤلف
دفعت إليه امرأته درهمين ليشتري لهم دقيقاً، فوجد في الطريق جارية
تبكي أضاعت درهمين دفعهما إليها مولاها، وقضى عطاء نهاره إلى ما بعد العتمة
في حانوت صاحبه النجار شاكياً له حاله وخوفه من سوء خلق زوجته فدفع إليه
جراباً فيه نشارة إذ لا يساعده الإمكان في شيء آخر. فحملها إلى داره وإذا
به حين يعود إلى بيته ليلاً يجدهم يخبزن خبزاً مما كان في الجراب من
دقيق... (دفعت إليه امرأته درهمين من ثمن غزلها ليشتري الدقيق فخرج
من بيته فلقي جارية تبكي فقال لها: ما بالك؟ فقالت: دفع لي مولاي درهمين
أشتري لهم شيئاً فسقطا مني فأخاف أن يضربني. فدفع عطاء الدرهمين إليها ومر
على حانوت صديق له ممن يشق الساج وذكر له الحال وما يخاف من سوء خلق زوجته.
فقال له صاحبه: خذ من هذه النشارة في هذا الجراب لعلكم تنتفعون بها في سجر
التنور إذا ليس يساعد في الإمكان في شيء آخر، فحمل النشارة وفتح باب داره
ورمى بالجراب ورد الباب ودخل المسجد إلى ما بعد العتمة ليكون النوم أخذهم
ولا تتطيل عليه المرأة. فلما فتح الباب وجدهم يخبزون الخبز...)( )
يتضح الفارق بين الروايتين من حين المسافة السردية المستغرقة في
فضاء اللغة (91 مفردة مقابل 57 مفردة بين الروايتين) ويحدث مثل هذا التكثيف
من خلال حذف فضول الكلام ونوافله كالأوصاف وشرح الأسباب، وكلام النفس
والحوارات، والتكرار بغية التوكيد... وهكذا، وهذا لا يعني بحال، عدم حاجة
السرد إلى هذه النوافل؛ فهي تؤدي وظائف سردية ودلالية لها أهميتها على
الصعيد الفني والموضوعي والبنائي في أي قصة فهي تدخل في تشكيل مكونات
البنية السردية، والوظائف والمحفزات والزمن أيضاً. إلا أن المقصود به هنا
هو إيضاح ذلك الجانب النسبي الذي يشخص في كل عملية سرد لأي حكاية فهذه
النوافل هي مهيمنات أسلوبية السارد التي لا تشبه بالضرورة، أي سرد لسارد
آخر. فهو يروي حدثاً من خلال نظره هو.
ولعل اقتراب صيغة السرد الصوفي من رواية الخبر أو الحادثة من حيث
التركيز على الخبر الرئيس والحدث المركزي وربط المكونات الأخرى بخيط سردي
يؤول إلى مهمة لها علاقة بالحدث المركزي،.. هو الذي يجعل صيغة حكاية
الأحداث تميل إلى التركيز على الحدث وليس اللغة، وعلى الفحوى وليس التقنية
إلى حد ما، لا كما نجد ذلك معكوساً في القصص الروائي الحديث الذي يعمد
وسائل تقنية للتأثير وإبراز أسلوبيته التي تطيل السرد لا لغاية تخص أحداث
الرواية قدر ما تخص براعته الأسلوبية، وذكاء إدارته لآليات عمله السردي( ).
أما (حكاية الأقوال)( )، فهي تخص طرائق سرد المشهد والحوار وتفاصيل
الحدث الخاص المنقول بلفظه من على لسان الشخوص بوصفه حكاية عن الحوار
الفعلي الذي تداولته الشخصيات فعلاً في الحكاية. والراوي في هذا النوع من
الحكاية يحول الخطاب السردي إلى أقوال سواء أكان منها مونولوجاً داخلياً أو
حواراً خارجياً مسموعاً. وفي هذا اللون من الخطاب يفترض الراوي تطابقاً بين
الواقعة المشهدية الفعلية وسرعة الخطاب المعبر عنها، ويكون في إمكان السارد
أن يكتفي باختزال الحدث وتكثيف العبارة من خلال حذف الأقوال الحوارية بين
الشخصيات لتتكثف في بضع جمل تشير إلى الحدث إجمالاً. لكن الراوي في هذا
اللون من الحكاية، يهدف إلى جملة مرام من أن التناسب بين كمية البيانات
(الأحداث) والأدنى من المرسل إلى المتلقي، يميل بدوره إلى مشكلة الزمن في
السرعة السردية، لأن كمية المعلومات تمضي في اتجاه واحد معاكس لسرعة
الحكاية، لهذا ميز (جينيت)( ) بين ثلاث حالات للخطاب الملفوظ أو الداخلي
للشخصيات في السرد وهي:
1-خطاب مسرود أو محكي وهي الأكثر بعداً والأكثر إيجازاً فالراوي
يجمل الفكرة ويستغني بذلك عن حوار الشخصيات.
2-خطاب منقول بأسلوب غير مباشر، سواء ما كان حواراً داخلياً أم
ملفوظاً كأن تقول: قلت لصديقي أنه علي القيام بأمر ما، أو خطر في بالي أن
أقوم بهذا الأمر... ميزة هذه الحالة أنها لا تضمن نقلاً حرفياً للحكي.
3-الخطاب المنقول وهو محاكاة خالصة للحكاية الشخصية فيه تتحدث
بنفسها عن نفسها خلال الحكاية الأقوال تفصيلاً وكأنه يلتقط مشهداً واقعياً
جرى بين الشخصيات، ونستطيع إجمال بعض هذه المرامي في اللمحات الآتية:
1-أن الراوي يناور في هذا الأسلوب لكي لا تأتي صيغة السرد على شكل
واحد وطريقة واحدة تؤدي إلى السأم.
2-كسب تصديق المتلقي، المروي له من خلال نقل (حرفي) لواقعية المشهد
وكأنه (يمثل) أمامه وبسيناريوه الخاص.
3-دافع جمالي تذوقي يوحي بسعة خيال الراوي وقدرته على التقمص، وكلما
كان هدف الراوي محاكاة الواقع إلى أقصى درجة ممكنة كان التزامه أكثر بحكاية
الأقوال.
ويبقى عنصر المناوبة والمناورة أو ما يسمى بـ(تعدد الصيغ) هو الأهم
في توجيه السرد هذه الوجهة. وكلما تنوعت صيغ السرد وتعددت، كان أدعى إلى
نجاح عملية السرد، وتفوق القصة فنياً وتذوقياً. في القص الصوفي يتوفر
النوعان على حضور واضح في نماذج كثيرة منه، فكلما وجدت حكاية الأحداث كذلك
توجد حكاية الأقوال، فيلجأ الراوي إلى التنوع الأول لاختزال بعض المواقف
والأحداث وصولاً إلى الحدث المركزي، ويكون استخدامه للصنف الثاني أحد
الدواعي المهمة لكسب تصديق المتلقي وتفاعله مع مضمون القصة، إذا ما نقلت
له- حسب رواية الراوي طبعاً- نقلاً مشهدياً حرفياً وكان الراوي شاهداً على
الحدث فنقله بجمله، وعباراته، وحواراته ووقفاته... ويغلب نوع حكاية الأقوال
على القصص الذاتي والاسترجاعي، أما حكاية الأحداث فتغلب على القصص
الموضوعي. ولا يعني ذلك خلوها من النوع الأول، فالنوعان من الرواية يتوزعان
على مجمل الأنواع القصصية الصوفية بوصفه أسلوباً فنياً تقنياً يملك زمامه
الراوي.
2-المنظور:
تأتي دراسة (المنظور) من حيث كونها ضرورة متعلقة بدراسة البعد أو
المسافة السردية، وهي قضية لها قدرها من الأهمية لكونها تكشف عن مستويات
عرض الحكاية من خلال موقعية الراوي بإزاء الحدث والشخصيات، هذا على الصعيد
المنهجي، من وجهة نظر فلسفية ثقافية عامة، نجد أن عقلية الإنسان تتحكم إلى
حد كبير في تجسيد المجردات أو محاكاة التجسدات، فيظهر البعد الذاتي النسبي
الخاص الذي يطبع بميسمه العمل المحكي. والإنسان لا ينقل الحدث (كما هو)،
إنما ينقله (كما شاهده هو).. أو المقدار الذي استوعبه منه وهذا يسوغ
(اختلاف) الرواة لحدث (واحد). وهذا أمر تتوفر عليه مجمل نواحي الحياة
وميادين العلوم الإنسانية التي يدخل الاجتهاد والبعد الذاتي في فهمها
وتحليلها ونقلها.
ويقصد بالمنظور أو وجهة النظر اصطلاحاً نقدياً بأنه (حيلة تقنية،
ووسيلة للوصول إلى أهداف أكثر طموحاً، وهي الوسيلة التي في متناول المبدع
ليكشف عن نواياه الخاصة لكي يؤثر في الجمهور (حسب رغباته). ولا يحكم على
هذه التقنية إلا من خلال علاقتها بالمفاهيم الأكثر عمومية للمعنى والأثر
الذي استخدم لتحقيقه( ).
ويبدو أن هذه الضرورة العامة والخاصة، هي التي دعت إلى اهتمام
الدارسين والمنظّرين لمشكلة المنظور عند تحليلهم للتقنيات السردية كما يرى
ذلك جينيت( ) حين عرض للنظريات التي سبقته وبخاصة نظرية (بروكس ووارين)
الانكليزيين حين عرضا لمصطلح (وجهة النظر) تحت تسمية (البؤرة السردية) وهي
تسمية موفقة على رأي جينيت- والإجابة على سؤال مهم: من الشخصية التي توجه
وجهة نظرها المنظور السردي؟ أو من الرائي؟ ومن المتكلم؟، فوضعا تنميطاً
رباعي الأطراف ومجدولاً بحسب موقع المنظور داخلي أو خارجي والمستوى الثاني
يتصل بالشخصية الراوية على أساس غياب الراوي أو حضوره في الحدث. فيتحدد
موقع البؤرة والمنظور وتبع هذه النظرية مقولات أخرى كثيرة عرض لها جينيت( )
نظراً للارتباط القائم بين الصيغة والصوت أي بشخصية الراوي، فلا بد أن يقوم
هناك تنويع سردي يمزج بين الصيغة والصوت، لهذا قر قرار (جينيت) على التعامل
بثلاث مصطلحات توفر هذا المزج، وتغطي مجمل الصيغ التي يتبناها أي راوٍ سواء
في القص القديم أو الحديث. وهي: ونصطلح عليها بتسميات الفرنسي (بويون):
1-الرؤية من الخلف، وتسمى باصطلاح النقد الانكلوساكسوني بـ(الراوي
العليم) تكون فيه الشخصية الراوية محيطة علماً بكل الأحداث لهذا يرمز لها
بـ(الراوي > من الشخصية).
2-الرؤية مع، يكون الراوي معرفة فيها تتساوى معرفة الشخصية ويرمز
لها (بالراوي = الشخصية).
3-الرؤية من الخارج، يكون الراوي فيها أقل معرفة من الشخصية ويرمز
لها بـ(الراوي < الشخصية).
وفق هذه المصطلحات يمكن تحديد بؤرة سرد كل نمط رؤيوي منها. فكان
النوع الأول: قصة معدومة البؤرة والثاني: قصة مبأرة، والنوع الثالث: قصة
ذات بؤرة خارجية حيث يمارس البطل أعماله من غير أن نعلم نواياه وأهدافه
ومشاعره.
إن ما قيل في موضوعة (المسافة السردية) يصح ذكره هنا من حيث أن
القصة الواحدة لا نفترض أن يتصيغ منظورها السردي على نمط واحد، وهذا دليل
مرونة، وطبيعة نقية عند المؤلف، فهو يتقلب بين هذه الصيغ بحكم حاجة السرد
إليها أو إحساسه بحاجة السرد إليها مما يثبت في النهاية السمة الأسلوبية
الخاصة التي تميز سرداً عن آخر.
وفق هذه الرؤية التي تؤمن أن مضامين الأشياء وأهداف الخالق هي التي
تفرض شكلية الأشكال، فلا نملي قناعات ونخلق منها قانوناً، إنما ننظر في
طبائع الأشياء، وتختلف في تأويل أسباب اللجوء إلى تلك الأشكال اعتماداً على
الغايات والفحوى والدلالة. فعلى صعيد القص الصوفي، نجد أن بؤرة السرد في
منظور الراوي وموقعه من شخصياته والأحداث، ذات صفة مهيمنة يحددها النوع
بمعنى أن الأنماط الثلاثة التي اقترحناها نموذج إجرائي للدراسة، قد تشكلت
وفق المنظور الذي يتخذه الراوي من مرويه: ذاتي وموضوعي واسترجاعي، وعليه
تكون البؤرة السردية تابعة لنمط القص ونوعه.
جدول رقم (5)
موقع البؤرة السردية ضمن أنماط القصة الصوفية
الاسترجاعي الموضوعي الذاتي الأنماط
البؤرة
أكثر أكثر أكثر الرؤية من خلف
أقل أقل أكثر الرؤية مع
لا توجد أقل أقل الرؤية من الخارج
هذا المخطط يبين بلغة مكثفة نسبة تحديد وجهة النظر في الأنماط
السردية. ولكن أسباب اختلاف هذه النسب وتفاوتها، يعود إلى القراءة والتأويل
التي يمارسها: الراوي أولاً من خلال تحديده لزاوية نظره وموقعه من الأحداث
والشخصيات من ناحية الحضور والغياب، ثم يمارسها القارئ/ الناقد معتمداً على
واقع النصوص، وما يمكن استشفافه منها استنتاجاً وتأويلاً. ففي القصص الذاتي
مثلاً، يظهر واضحاً أن أسلوب الراوي العليم الذي يدرك جميع الأشياء هي
الزاوية التبئيرية المهيمنة في هذا النمط، لأن القصص الذاتي إما يكون بلغة
الأنا- الراوي نفسه، وهو في سرده إنما يقص شيئاً قد وقع له فامتلك زمام
العلم به. أو أن يرويه عنه شاهد رافق الصوفي أو كان واحداً من شخصيات
الحدث، فرؤيته قريبة من رؤية البطل نفسه. وكذلك الرؤية (مع) حين يكون
الراوي حاضراً لكنه ليس عليماً، وهذا يوجد بكثرة بسبب نظام التلمذة
الصوفية، فلكل صوفي مريدون وتلامذة ومؤيدون، يراقبون تجربته، ويتحرون
حركاته وسكناته لأنه نموذج مجسد للفكرة الصوفية.
أما القصص الموضوعي فلا وأن يلائمه شكل الرواية بصيغة (الراوي
العليم). فهي حكاية مصنوعة، متخيلة في الغالب- لأهداف حكمية لا يعلم
أسرارها وأحداثها وتطوراتها إلا الراوي، أما القصص الاسترجاعي فهو قريب
الشبه بالنمط الأول الذاتي، لهذا فالراوي /الرائي فيها هو البطل والشاهد
معاً على أحداث الرؤيا/ الحكاية. لهذا لا يمكن أن تكون معرفة الراوي بالحدث
من الخارج أو أقل من الشخصية بسبب ذلك الازدواج في الأدوار والمهمات، ويظهر
في نوع آخر من الرؤى والمنامات بأن (يُرى) فيها البطل في منام من قبل
آخرين، تكون الرواية فيها بمعية البطل/ المرئي وليس الراوي/ الرائي إلا
شاهداً متزامناً مع الأحداث ينقل ما يراه (في رؤيا) بحسب المقدار الذي
تمنحه إياه الشخصية الرئيسية. فهو شخصية ثانوية في داخل الرؤيا، وراوٍ في
عالم اليقظة.
نخلص من هذا، إلى تقرير حقيقة استنتاجية تؤكد أن وجهة النظر التي
يتبناها الراوي هي التي تحدد نمط المنظور وصيغته التي لا بد أن تتسق
وتتناسب مع طبيعة النص ومراميه ودلالاته.
3-تعددية الصيغ:
تمت الإشارة في فقرة سابقة إلى أن عنصر المرونة في تنوع الصيغ
السردية والأصوات في القصة، يعد من المظاهر المحمودة في مستويات السرد في
القصة الواحدة تدعو إليه ضرورات نصية تشير- فيما بعد- إلى الوظائف التي من
أجلها سرد السارد على تلك الصيغة أو على غيرها- سيكون لها موضع خاص في هذا
الفصل تستوفي فيه وظائف السارد- وقد عني بمسألة تعدد الصيغ ووظيفتها في
سياق السرد الدارسون وأصحاب المناهج، فـ(سارتر) مثلاً يرى: أن المحكي
المبهم الضمير ينزع إلى الميل ببساطة إلى الرزانة واحترام حرية الشخصيات.
حين يبدو السارد فيها جاهلاً بنيات شخصياته وأفكارهم( ). أما على الصعيد
السير-ذاتي فلا وجود لداعٍ إلى احتجاب السارد لأن القصة أساساً هي كشف عن
الذات تعني بالواقع الفعلي الذي يرغب السارد بسرده، فيكون موضع التبئير
مركزاً على وظيفته سارداً وليس بطلاً. على هذا فهو متوزع بين ذاكرة الفاعل
وذاكرة السارد في تنظيم الخبر السردي. وبحسب موقع الشخصية وعلاقاتها
بالسارد فالخبر السردي يمكن أن يبث بأشكال وصيغ أربع:
1-أن تكون الشخصية لسان حالها.
2-أن يقدم الشخصية شخص آخر في القصة.
3-أن يقدم الشخصية سارد.
4-أن تقدم الشخصية نفسها بنفسها والسارد والشخصيات الأخرى جميعاً(
).
وترتبط صيغ السرد وأشكاله بموقع التبئير في السرد، فعلى أساسه يتحدد
صوت السارد للشخصيات. وتعدد هذه الصيغ لا يمنع تداخلها وتفاعلها في خبر
سردي واحد بل يكون ذلك أدعى إلى تفنن السارد في إدارة عناصر النص وشخصياته
وأحداثه، فضلاً عن أن مقدار تقبل المروي له والمتلقي يكون أكثر استجابة
وتفاعل وتأثر( ).
وكثيراً ما ترد في القص الصوفي صيغة سردية تبدأ بـ(الراوي)- (حكي
أن)، (قيل أن...) (سمعت أن فلاناً...)... الخ، فيعرض لنا نفسه واسطة لتشخيص
ماهية (السارد)، ثم يسلم زمام السرد إلى السارد ليسرد الحكاية بلغة الأنا-
على أكثر النماذج الصوفية- مضامين الخبر السردي وشخصياته وحوارها، وليس
ضرورة أن يكون السارد بطلاً، إنما يجوز كونه أحد الشخصيات المحاورة للحدث
أو الملازمة للبطل، كقصة (الصبي والسمك)( ) فالراوي أبو عبد الله ابن
الجلاء يسلم قياد السرد إلى إحدى شخصيات الحكاية وهو ابن صاحب الدار الذي
ضيف الصبي الصوفي حين اكتروه ليحمل لهم السمك إلى الدار، فتمر جميع الأحداث
إلينا من منظور هذا الابن/ السارد الذي يعلم علماً محيطاً بجميع الشخصيات
والأحداث والأقوال والنيّات وحديث النفوس. وبدا التعدد في صيغ السرد على
نحوٍ أكثر وضوحاً في رؤيا الوهراني في مواضع متعددة:
أ-راوٍ عليم يستهل السرد بـ(فغلبته عينه بعد ذلك فرأى فيما يرى
النائم...)( ).
ب-يبدأ السرد مع السارد الذاتي( ).. (فخرجت من قبري أيمم الداعي إلى
أن بلغت إلى أرض المحشر...).
جـ-متن الرؤيا ينصب في قالب (الرؤية المصاحبة) عن طريق نقل الحوارات
والأقاويل والهواجس في لحظات الفزع الأكبر.
وكذلك الأمر في القصص الموضوعي، فإنه يتراوح بين السرد من السارد
العليم، والرواية المصاحبة في نقل (أو تخيّل) الحوارات والأحداث التفصيلية
والمجملة التي تشير إليها رموز القصص الموضوعي.
4-وظائف السارد:
يستقرئ (جينيت) خمس وظائف يؤديها السارد في تنظيمه وإدارته للحدث
السردي، بحسب نموذجه الإجرائي( ).
والوظائف هي:
الوظيفة السردية، وظيفة الإدارة، وظيفة الوضع السردي، والوظيفة
الانتباهية أو التواصلية، والوظيفة الأيدلوجية.
هذه الوظائف الخمس المستنبطة من النموذج الإجرائي الذي اعتمده (جينيت)،
لا يفترض وجودها معاً( )، فقد تستغرق وظيفة واحدة مجمل الحدث السردي لحكاية
ما، ولكن التنوع دليل حرية السارد في تأدية مهمات متعددة في إمكانها
الارتفاع بمستوى النص القصصي إلى مستوى النص المفتوح الذي يقبل التعدد
والتنوع في الاستجابة والقراءة والتلقي، فيكون بذلك قد اكتسب صفة السهل
الممتنع في كثرة متلقيه واختلاف مستوى تلقيهم.
في القص الصوفي تطغى (الوظيفة)( ) الفكرية الأيديولوجية في توجيه
عناصر القص، ونيّات السارد، وإدارة آليات السرد لكي تتبنى الفكرة الصوفية
وتحمل محتواها الروحي والوجداني والعرفاني لكي تكتسب القيمة الإقناعية
المطلوبة من لدن المريدين وسالكي الطريق الصوفي، من هنا ارتبطت (الوظيفة
الأيديولوجية) بـ(الوظيفة التواصلية) ففي التجربة الصوفية هناك شيخ ومريد
وهذا لا يمنع وجود الوظائف الأخيرة وكل ما يصدر عن هذا الشيخ هو محط اهتمام
واستلهام وتدبر وتقليد من المريد. فكانت القصص والحكايات والسير القصيرة
واحدة من وسائل (التعليم الصوفي. ليستضيء بها المريد في أثناء سلوكه.
الطريق ليتدبر عثراته ومخاطره، بله حلاوته ويقينه.
إن تفاعل وانسجام الوظيفتين الفكرية والتواصلية، عند السارد في
القصة الصوفية، يشكل نظرة إجمالية للقص الصوفي بشكل عام يؤطر التفكير
الصوفي اعتمدها البحث في مجرى فصوله ومباحثه السالفات، فإن (السارد) في
القصص الصوفي الذاتي) يأخذ مهمة مركزية؛ فيكون السارد هو الموجه للأحداث
والمتابع واللولب الذي تتمحور حوله الأحداث ومن أجله- في حالة كون السارد
سارداً ذاتياً أو سارداً عن سواه في أعلام التصوف ومشايخ الطريقة، نجد هذه
الوظيفة المركزية مهيمنة على أغلب القصص في حكايات الرسالة القشيرية التي
ضمنت الكم الأكبر في أقاصيص التصوف.
أما في القصص الموضوعي، فإن شخصية (السارد) تتحد مع (الراوي) في
عملية السرد، فيكون السارد هو القائد بوظيفة (الإدارة) وتنظيم كيفية سرد
الأحداث، فهو الراوي العليم الوحيد، وتتجلى فيها أيضاً الوظيفة التواصلية
بفعل وجود (مسرود له) داخل الحكاية كما في قصص الطير، وأخوان الصفا، و(مروي
له) خارج الحكاية (القارئ أو المتلقي)، يختلف الأول عن الثاني، في أن
(المسرود له) في الحكاية هو شخصية فيها يشهد بعض أحداثها ولا يعي مغزاها
الرمزي والتأويلي فيقوم الراوي/ السارد بفك شفرات القصة، وهذا ذاته ينتقل
تلقائياً إلى (المروي له). وهذه التفاتة ذكية من لدن (السارد) الصوفي، في
التوجه غير المباشر للمروي له احتياطاً لمنازع النفس الإنسانية في نبوها عن
الأمر المباشر والنهي المقرع، والإفهام أو إشهار جهلها بأمر من الأمور.
فتتسرب إليه الحكمة أو النصيحة أو المعلومة بطريق غير مباشرة بينما، هيمنت
الوظيفة الفكرية على قصص الرؤى والكرامات بشكل واضح؛ لتوجه اهتمام السارد
صوب الموضوعة الدقيقة التي يمتاز بها (المرئي) أو (صاحب الكرامة) وليس ثمة
تعارض بين الفكر والطابع التخيلي في قصص الرؤى والكرامات لأن فلسفة الرؤيا
والكرامة عند المتصوفة تتركز في أن المتصوف في هاتين الحالتين المخصوصتين
تتكشف فيهما درجة وصوله، ومستوى صفائه، ومرتبة من المحبوب؛ فالرؤيا
والكرامة لحظتان يتحد فيها الغيب بالعيان.
وتبرز الوظيفة التواصلية في قصص الرؤى والمنامات التي تعتمد إيقاع
(المشهد) بحضور (المسرود له) وحوار متبادل يكشف عن دلالات الرؤيا أو
الكرامة أو أسبابها ومكانة صاحبها.
الخاتمة:
نتائج البحث وأفق المستقبل
لكل مطاف ختام، ومطاف هذا البحث حطت رواحله عند هذه الورقة التي
تحاول إيجاز أهم ما خرجت به الأطروحة من نتائج، وما وقفت عليه من فوائد،
بحسب ترتيب مفاصل البحث التي ترتبت على وفق التدرج المنطقي الذي تفرضه
طبيعة المنهج المتبع، والنتائج تفصح عنها الإضاءات الآتية:
1-إن اختلاف المناهج الحديثة وتنوعها وتشعب مداليل مقولاتها هو نتاج
تفكير، وخلاصة تأمل، واستكمال لجهد السابق منهم.. يجب أن لا يكون حائلاً
أمام الباحث لخوض مضمارها، واستيعاب فضاءاتها المترامية. إنما الرؤية
الواضحة، وسلامة القصد، وصحة الانتماء، والقناعة بسمو ما نمتلك من أدب
رفيع.. هي الواجب توافرها في ذات الباحث وعقله كي تتحدد مواقفه إزاء مشكلات
البحث ولا سيما حالات نفور (المتن) عن الاتساق مع (القالب) المنهجي فيثري
الجهد، ويكد الخاطر كي يتوصل إلى (دلالية) يخفيها هذا النفور تتعلق بخصوصية
المتون الأدبية والمرجعية التاريخية والنفسية الاجتماعية والدينية
والإبداعية المخصوصة الصادرة عنها.
2-مفهوم التصوف ارتبط جدلياً بالمراحل التي مر بها من نشأة وتأصيل
وتطور مغاير لروح المفهوم الأول، فعبرت القصة الصوفية عن هذه المراحل
تصريحاً أو رمزاً، فانطبعت ملامح القصة بمراحل النشأة والتأصيل هذه التي
ظهر أجلاها في البداية الدينية والانتهاء بالأفكار الفلسفية. فكان موقف
الباحثة منطلقاً من قناعة- للآن لم أجد ما ينقض أو يناقضها- ترى في التصوف
نزوعاً إنسانياً فطري الطابع والاختلاف إنما يقع في المقولات أما المفاهيم
فهي واحدة عند شعوب العالم وقومياته وأديانه. ويكون تطور مفهوم التصوف بحسب
طبيعة المراحل التاريخية مع القناعة المؤكدة أنه انطلق بوصفه حاجة إنسانية
للخلاص والتطهر.
3-القصة الصوفية نوع أدبي ضمن جنس (القصة)، لتوافرها على مقومات
النوع القصصي: الحكاية والسرد والخطاب، وتكاملت مكوناتها من حيث البنية
القصصية من راوٍ ومروي ومروي له، ابتدأت القصة الصوفية شفاهياً بوصفها
وسيلة من وسائل جذب قلوب المريدين وتثبيتهم على الطريقة، ثم دونت فتوقفت
بذلك صيرورتها لتتحدد بصيغة لغوية خطابية مخصوصة يمكن فحصها وتحليلها
نقدياً.
4-برزت للاستهلال القصصي أهمية واضحة بوصفه مكوناً بنائياً من خلال
خلق مهاد أولي لشفرات القصة ولحلولها أيضاً، فيمكن من خلال الاستهلال
استشفاف ما ستؤول إليه أحداث القصة بحسب أنماطها الثلاثة التي ارتأت هذه
الدراسة جعلها في الأشكال الآتية: ذاتي، موضوعي، واسترجاعي، ويعد الاستهلال
من مؤشرات ذكاء الراوي في خلق منبهات نصية تختزل المهم من الأحداث وأنماط
الشخصيات وعقدة القصة وحلها، مع الاحتفاظ بقيمة (النهايات المفتوحة) التي
تكسب القص الصوفي مزية وطرافة حين يتعلق الأمر بالكرامات أو الخوارق أو
المنامات.
5-وضحت في القص الصوفي من حيث مكوناته البنائية وثاقة العلاقة
الرابطة بين الراوي والمروي له، لأن هذا النمط الأدبي هو من حيث الأساس أدب
توجيهي نابع من قيمة (نظام التلمذة) التصوفية بين القطب أو الشيخ وبين
المريد والطالب أو السالك. على هذا تنوعت مواقع الراوي إزاء مرويه بين كونه
عليماً أو أحد شخصيات القصة يقوم بوظيفة نقل الحدث وتفسيره وحل شفراته
أيضاً.
6-بنية المروي الصوفي لا تتوفر على مصداقية لها مخصوصة في البحث،
إلا إذا تمَّ عدّ ذلك التفاعل بين المروي والشخصيات ووجهة النظر التي ينهض
بها الراوي في تسطير وظائف القص ليتم تكامل عناصر القص بوصولها إلى المروي
له. ويقع اختلاف (سرد الخبر الحكائي) على وفق حاجة الراوي إلى التركيز عند
ثيمة حكائية ما، أو العكس حين يختزل ما يتكرر حدوثه برتابة وكذلك الاسترجاع
والاستباق، فوسائل سرد الخبر هي أدوات يستخدمها الراوي بحسب تقدير الحاجة
والأهمية.
7-من حيث البنية الوظيفية للقصة الصوفية، وجد البحث توافر القصة
الصوفية على أساسيات الوظائف السردية التي استنبطها (بروب) من الخرافات
الروسية، التي تبدأ بوظيفة (النأي) وتنتهي بوظيفة الحل أو (المكافأة)
والتمجيد. وليست العبرة في تطابق المثال الوظائفي الخرافي مع المثال
الوظائفي الصوفي، فلكل طبيعته ومنتجيه ومتلقيه، وبرغم ذلك توصل البحث إلى
توافر الاختبارات الثلاثة الرئيسة في القصة الصوفية وهي: الاختبار الترشيحي
والرئيسي والتمجيدي. ووجدت الباحثة ضرورة الربط بين أنماط الوظائف
ودلالاتها لكون القص الصوفي قصاً موجهاً مقصوداً لبث حقائق وأفكار يقصد
إليها قصداً.
8-توفرت القصة الصوفية على نمطي البنيات الكبرى والصغرى لشخصيات
وعواملها الستة الرئيسية: الذات والموضوع والمرسل والمرسل إليه، والمساعد
والمعارض، فبرزت فيها بنية خاصة هي اعتماد شخصيات ذات حضور مرجعي في
الثقافة الدينية العامة أو الإسلامية أو الصوفية خاصة.
9-وكشف البحث في آليات السرد القصصي في القصة الصوفية عن بنية
النظام الزمني بين زمن الحكاية وزمن السرد الذي يكون الاختلاف والتفاوت
فيما بينهما خالقاً بنية جمالية تأثيرية صادرة عن إدارة ذكية لآليات السرد
من لدن الراوي، فليس بالضرورة أن يتفق الزمن الميقاتي والزمن القصصي لجملة
دواعٍ؛ منها: حاجة الحذف لما يفهم من السياق فلا حاجة لذكره لأن في ذلك
تعريضاً بذكاء المتلقي في كشف الجانب المسكوت عنه في النص. فضلاً عن
الاختلاف بين الزمنين يعد وسيلة للكشف عن أسلوبية القاص أو الراوي.
10-كما أن للشعر بنيته الإيقاعية، فللقصة إيقاعها أيضاً، ولهذا
الإيقاع تقنية مخصوصة تتمثل في أربع حركات هي: الحذف، والوقفة الوصفية،
والمشهد الحواري، والمجمل. وتفاوت حضور هذه الحركات الأربع، يدل على حرية
الراوي في استثمار معطيات هذه التقنية بما يخدم ثيمة القص، وهدف الراوي،
فعلى سبيل المثال، إن حضور (الحركة الثانية) في القصص الموضوعي، أجلى منه
في القصص الاسترجاعي بسبب أن الأخير قصير ومكثف مساحة النص فيه محدودة
ومصوبة نحو الفعل الخارق الذي تنتهي إليه الرؤيا أو الكرامة. بينما
(الموضوعي) فالحاجة إلى الوصف والتفصيل ماثلة ومطلوبة لأن مقدار الصدق فيه
نزر يسير. فثمة حاجة إلى الإمعان في حث خيال المروي له لتصور مسرح الأحداث.
11-لا يتم الوقوف على كامل بنية السرد القصصي من دون البحث في هيئة
السرد أو صيغته التي تجلى بها على سطح النص. فالخبر السردي يتم توصيله
بكيفيات متعددة تكشف عن الفرق بين (حكاية الأحداث) و(حكاية الأقوال) ليتضح
من خلالها أن المسافة السردية المستغرقة في فضاء اللغة هي غير ما تستغرقه
الأحداث ذاتها لو اختزلت بصيغتها الحكائية البسيطة. وهذا التفاوت يؤدي إلى
تحقيق مرامٍ متعددة منها؛ أن الراوي فيها يمارس دور (المناورة) حتى يبعد
السأم عن المتلقي. ثم كسب تصديق المتلقي من خلال نقل الحدث الواقعي وكأنه
يمثل أمامه على مسرح. ثم يأتي الدافع الجمالي التذوقي لدى المتلقي الذي
يبعثه على ذلك قدرة الراوي على (تقمص) ومحاكاة الواقع جمالياً.
12-كشف مصطلح المنظور السردي من خلال تطبيقه على الأنماط القصصية
الصوفية الثلاثة، عن نقاط تبئير ثلاث هي رؤية العليم، والرؤية المجاوزة،
والرؤية من الخارج، وتفاوت هذه الرؤى في نقل الخبر السردي من منظورها؛
فالمنظور الذي يتبناه الراوي هو الذي يحدد نمط السرد وصيغته، فعلى سبيل
المثال، فإن نمط القصص الاسترجاعي لا تناسب رؤية الراوي العليم، لأن
الرواية تكون بمعية البطل، المرئي، وليس البطل/ الرائي إلا شاهداً متزامناً
مع الأحداث ينقل ما يراه، فهو شخصية ثانوية في عالم الرؤيا، وراوٍ في عالم
اليقظة.
على أساس ذلك توفّر القص الصوفي على تعددية في الصيغ السردية بين
الراوي والمروي الصوفي، نتج عن تنوع الأغراض الصوفية في القصص، ويعد هذا
دالاً على نضج هذه التجربة وأصالتها. الأمر الذي يجعل أفق المستقبل مشرعاً
أمام نوافذ بحثية تبدأ من حيث انتهت هذه الدراسة، لتكشف عن جوانب التأويل
وسيمياء المعنى الصوفي في إطار القصة على نحو خاص. بعد أن تم تحديد مكونات
الأساس البنائي الوظائفي والزمني للقصة الصوفية، فضلاً عن البحث في أسلوبية
القص الصوفي، الأمر الذي به حاجة إلى كبير جهد، وطول معاناة، وسعة إدراك.
.. وبعد، فإن أجلَّ نتيجة في البحث هو البحث ذاته ومزاولته،
ومعاناته، فضلاً عن أن دراسة تراث الصوفية الأدبي مهم من جوانب التفكير
والإبداع والجمال في الذات العربية الأصيلة والإسلامية الخالدة.
مصادر البحث ومراجعه
-القرآن الكريم.
-أ-
-أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث: توفيق الزيدي،
الدار العربية للكتاب/ 1984.
-إحياء علوم الدين: الغزالي، مصر/ 1939.
-أخبار الحلاج: ماسينيون وب.كراوس، باريس/ 1936.
-الأدب الصوفي في مصر في القرن السابع الهجري: علي صافي
حسين، دار المعارف بمصر/ 1064.
-الأدب في موكب الحضارة: مصطفى الشكعة، دار الكتاب
اللبناني، بيروت، ط2/ 1974.
-الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي: ياسين النصير، دار
الشؤون، ط1/ 1993.
-الأسس النفسية للإبداع: مصطفى سويف، منشورات جامعة علم
النفس التكاملي، دار المعارف بمصر، ط3/ 1969.
-الأسطورة والمعنى: كلود ليفي شتراوس، تر: شاكر عبد الحميد،
بغداد/ 1986.
-أسلوبية الرواية: حميد لحمداني، منشورات دراسات سيمائية
أدبية لسانية، المغرب، ط1/ 1989.
-الأسلوبية والأسلوب: عبد السلام المسدي، الدار العربية
للكتاب، ط3/ 1982.
-إشكاليات القراءة وآليات التأويل: نصر حامد أبو زيد،
المركز الثقافي العربي، ط4/ 1996.
-أقنعة النص: سعيد الغانمي، دار الشؤون الثقافية العامة،
ط1/ 1991.
-الألسنية والنقد الأدبي: موريس أبو ناضر، دار النهار
للنشر، بيروت/ 1979.
-الله: عباس محمود العقاد، دار المعارف بمصر، ط4/ 1964.
-الأنا والهو: فرويد، تر: محمد عثمان نجاتي، ط4/ 1982.
-الأنثروبولوجيا البنيوية: كلود شتراوس، تر: مصطفى صالح،
دمشق/ 1977.
-الإنسان ورموزه: يونج وآخرون، تر: سمير علي، دار الشؤون
الثقافية، بغداد/ 1984.
-أنواع التجربة الدينية: وليم جيمس، تر: محمود حب الله، دار
الحداثة، بيروت (د.ت).
-ب-
-البديع في نقد الشعر: أسامة بن منقذ، تحـ: أحمد بدوي وحامد
عبد المجيد، القاهرة/
1960.
-بلاد الرافدين (الكتابة والعقل والآلهة): جان بوتيرور، تر:
الأب ألبير ابونا، دار الشؤون الثقافية، ط1/ 1990.
-بلاد ما بين النهرين: وليم اوبنهايم، تر: سعدي فيضي عبد
الرزاق، دار الشؤون الثقافية، ط2/ 1986.
-بلاغة الخطاب وعلم النص: صلاح فضل، عالم المعرفة، الكويت/
1992.
-البلاغة الأسلوبية: محمد عبد المطلب، الهيئة المصرية
العامة/ 1984.
-بناء الرواية: ادوين موير، تر: إبراهيم الصيرفي، مراجعة:
عبد القادر القط، الدار المصرية للتأليف والترجمة (د.ت).
-بناء الزمن في الرواية المعاصرة: مراد عبد الرحمن مبروك،
الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1983.
-بناء النص التراثي: فدوى مالطي، مشروع النشر المشترك،
بغداد، القاهرة/ 1983.
-البنية القصصية في رسالة الغفران: حسين الواد، الدار
العربية للكتاب، ليبيا، ط3/ 1977.
-بنية اللغة الشعرية: جان كوهن، تر: محمد الولي ومحمد
العمري، دار توبقال، الدار البيضاء/ 1987.
-بنية النص السردي: حميد لحمداني، المركز الثقافي العربي،
ط2/ 1993.
-البنيوية التكوينية والنقد الأدبي: غولدمان وآخرون، تر:
محمد سبيلا، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1/ 1984.
-البنيوية وعلم الإشارة: هوكز، تر: مجيد الماشطة، دار
الشؤون الثقافية، ط1/ 1986.
-بهجة الأسرار: الشطنوفي، تونس سنة 1302هـ.
-البوستان: سعدي شيرازي، تأليف محمد موسى هنداوي، القاهرة/
1951.
-البيان والتبيين: الجاحظ، تحـ: عبد السلام هارون، القاهرة،
ط5/ 1985.
-ت-
-التأويل بين السيميائيات والتفكيكية: امبرتوايكو، تر: سعيد
بنكراد، المركز الثقافي العربي، ط1/ 2000.
-تاريخ العرب: جواد علي، بغداد/ 1955.
-تاريخ الفلسفة الغربية: برتند رسل، تر: زكي نجيب محمود،
ط3/ 1965.
-تحليل النص الشعري: محمد فتوح، النادي الأدبي الثقافي،
جدة، ط1/1999.
-التحليل النفسي للذات العربية: علي زيعور، دار الطليعة
للطباعة والنشر بيروت، ط2/ 1978.
-التحليل النقدي والجمالي للأدب: عناد غزوان، دار آفاق
عربية للصحافة والنشر، العراق/ 1985.
-التخييل القصصي: شلومين ريمون كنعان، تر: لحسن أحمامة، دار
الثقافة، المغرب، ط1/ 1995.
-تراث الإسلام: شاخت وبوزورث، تر: حسين مؤنس، إحسان صدقي
العمد، سلسلة كتب ثقافية، الكويت، ط2/ 1988.
-التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق: زكي مبارك، مطبعة
الاعتماد، مصر، ط1/
1938.
-التصوف الثورة الروحية في الإسلام: أبو العلا عفيفي، دار
المعارف، ط1/ 1963.
-التصوف طريقاً وتجربة ومذهباً: محمد كمال إبراهيم، دار
الكتب الجامعة، ط1/ 1970.
-التعبير القرآني: فاضل السامرائي، مطبعة جامعة بغداد/
1987.
-التعرف لمذهب أهل التصوف: الكلاباذي، مصر/ 1960.
-تفسير الأحلام: فرويد، تر: مصطفى صفوان، مراجعة: مصطفى
زيور، دار المعارف، مصر/ 1950.
-التفسير النفسي للآداب: عز الدين إسماعيل، دار العودة، ط4/
1981.
-التفكير الفلسفي في الإسلام: عبد الحليم محمود، مكتبة
الانجلو المصرية/ 1968.
-تقنيات السرد الروائي: يمنى العيد، ط1، بيروت- لبنان/
1990.
-تلبيس إبليس: ابن الجوزي (ت 597هـ)، مكتبة الشرق الجديد،
مطبعة الوسام، بغداد/ 1983.
-التلقي والتأويل: أبو يعرف المرزوقي، دار الطليعة للطباعة
والنشر، بيروت، ط1/ 1994.
-تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية: مصطفى عبد الرزاق،
القاهرة/ 1959.
-التيار الإسلامي في شعر العصر العباسي الأول: مجاهد مصطفى
بهجت، الكتاب الثامن عشر، ط1/ 1982.
-ث-
-ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحقيق: محمد خلف الله محمد
ومحمد زغلول سلام، دار المعارف بمصر، (د.ت).
-جـ-
-الجانب الإلهي في التفكير الإسلامي: محمد البهي، مكتبة
وهبة، ط3/ 1962.
-جدلية الخفاء والتجلي: كمال أبو ديب، دار العلم للملايين،
ط1/ 1979.
-حـ-
-الحب العذري نشأته وتطوره: أحمد عبد الستار الجواري، دار
الكتاب العربي بمصر/ 1948.
-الحقيقة في نظر الغزالي: سليمان دنيا، دار المعارف بمصر/
1965.
-الحكاية والتأويل: عبد الفتاح كليطو، دار توبقال للنشر،
المغرب، ط1/ 1988.
-حكمة الصين: فؤاد محمد شبل، دار المعارف بمصر، مكتبة
الدراسات الفلسفية/ 1967.
-حلية الأولياء: أبو نعيم الأصبهاني، مصر/ 1932، بيروت/
1967.
-الحياة العاطفية بين العذرية والصوفية: محمد غنيمي هلال،
مكتبة الانجلو المصرية، ط2/ 1960.
-الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور: جورج لونتينو، تر:
سليم طه التكريتي، دار الشؤون الثقافية/ 1979.
-خـ-
-ختم الأولياء: الحكيم الترمذي، تحـ: عثمان إسماعيل، بيروت/
1965.
-خطاب الحكاية: جيرار جينيت، تر: محمد معتصم وآخرون، المجلس
الأعلى للثقافة، ط2/ 1997.
-الخطيئة والتكفير: عبد الله الغذامي، النادي الأدبي
السعودي، ط1/ 1985.
-د-
-دائرة المعارف الإسلامية: مجـ 9، نقلها إلى العربية محمد
ثابت وآخرون، مطبعة الشعب، القاهرة.
-دراسات في تاريخ الفلسفة: عبده الشمالي، دار صادر بيروت،
ط4/ 1965.
-دراسات في الفلسفة اليونانية: إنعام الجندي، مؤسسة الشرق
الأوسط للطباعة والنشر (د.ت).
-الدراما والدرامي: س.دبليو. دوسن، تر: عبد الواحد لؤلؤة،
موسوعة المصطلح النقدي، دار الرشيد للنشر/ 1981.
-درة التنزيل وغرة التأويل: الخطيب الاسكافي، منشورات دار
الآفاق، بيروت، ط1/ 1973.
-دليل الناقد الأدبي: ميحان الرويلي وسعد البازعي، المركز
الثقافي العربي، ط2/ 2000.
-دينامية النص: محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط1/
1987.
-ر-
-الرؤى المقنعة نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي:
كمال أبو ديب، الهيئة المصرية للكتاب/ 1986.
-رسائل أخوان الصفاء وخلان الوفاء، دار صادر، بيروت/ 1957.
-الرسالة القشيرية: القشيري (ت 465هـ)، دار الكتاب العربي،
بيروت/ 1957. وبتحقيق: عبد الحليم محمود ومحمد بن الشريف، القاهرة/ 1966.
-رسالة الملامتية: أبو العلا عفيفي، القاهرة/ 1945.
-رواية الأصول وأصول الرواية: مارت روبير، تر: وجيه أسعد
منشورات اتحاد الكتاب العرب/ 1987.
-الرواية العربية واقع وآفاق: مجموعة مؤلفين، دار ابن رشد،
بيروت، ط1/ 1981.
-روضة التعريف بالحب الشريف: ابن الخطيب، الدار البيضاء/
1970.
-روض الرياحين في حكايات الصالحين: أبو السعادات، تحـ: عبد
الرزاق السعدي، بغداد/ 1985.
-ز-
-الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم: حسام الألوسي،
بيروت، ط1/ 1980.
-الزمان والأزل: والتر ستيس، تر: زكريا إبراهيم، المؤسسة
الوطنية للطباعة والنشر، بيروت، نيويورك/ 1967.
-س-
-سايكلوجيا القصة في القرآن: التهامي نفره، الدار التونسية
للنشر/ 1971.
-السردية العربية: عبد الله إبراهيم، المركز الثقافي
العربي، ط1/ 1992.
-السمو الروحي في الأدب الصوفي: عبد المنعم الحلواني، شركة
البابي الحلبي بمصر، ط1/ 1948.
-ش-
-شخصيات قلقة في الإسلام: عبد الرحمن بدوي، ط3، وكالة
المطبوعات الكويت/ 1978.
-شطحات الصوفية: عبد الرحمن بدوي، مصر/ 1949.
-الشعر الصوفي: عدنان العوادي، دار الشؤون الثقافية، ط1/
1986.
-الشعر والصوفية: كولن ولسن، تر: عمر الديراوي، منشورات دار
الآداب، بيروت، ط3/ 1979.
-شعرية التأليف: بوريس أوسبنسكي، تر: سعيد الغانمي وناصر
حلاوي، المشروع الثقافي للترجمة/ 1999.
-الشمس والعنقاء: خلدون الشمعة، منشورات اتحاد الكتاب
العرب، دمشق/ 1974.
-ص-
-صحيح مسلم: تحـ: محمد فؤاد عبد الباقي، دمشق/ 1955.
-صفة الصفوة: ابن الجوزي (ت 597هـ)، ط1، حيدر أباد/ 1355هـ.
-الصلة بين التصوف والتشيع: كامل مصطفى الشيبي، بغداد/
1963.
-صنعة الرواية: بيرسي لوبوك، تر: عبد الستار جواد، دار
الرشيد للنشر/ 1981.
-ط-
-طبقات ابن سعد: بيروت/ 1957.
-طبقات الأولياء: ابن الملقن سراج الدين المصري (ت804هـ)،
تحـ: نور الدين شريبة، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1973.
-طبقات الصوفية: السلمي، تحـ: نور الدين شريبة، القاهرة/
1953.
-الطبقات الكبرى: الشعراني، مصر (د.ت).
-ظ-
-ظهر الإسلام: أحمد أمين، القاهرة/ 1964.
-ع-
-عقائد ما بعد الموت: نائل حنون، بغداد/ 1986.
-العقل السياسي العربي محدداته وتجلياته: محمد عابد
الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، ط3/ 1995.
-علم النفس في حياتنا اليومية: محمد عثمان نجاتي، دار
القلم، ط12/ 1985.
-عمر اليافي قطب العصر: عمر موسى باشا، اتحاد الكتاب العرب،
دمشق/ 1993.
-عناصر القصة: روبرت شولز، تر: محمود الهاشمي، دمشق/ 1988.
-العنوان وسيموطيقا الاتصال: محمد فكري الجزار، الهيئة
المصرية العامة للكتاب/ 1998.
-عوارف المعارف: السهروردي، بيروت/ 1966.
-عودة إلى خطاب الحكاية: جيرار جينيت، تر: محمد معتصم،
المركز الثقافي العربي، ط1/ 2000.
-عيار الشعر: ابن طباطبا، تحـ: طه الحاجري ومحمد زغلول
سلام، القاهرة/ 1956.
-ف-
-الفتوحات المكية: ابن عربي، دار صادر.
-الفكر السياسي في العراق القديم: عبد الرضا الطعان، دار
الرشيد، بغداد، 1985.
-الفلسفة الصوفية في الإسلام: عبد القادر محمود، دار الفكر
العربي، ط1/ 1967.
-فن الشعر: أرسطو، تر: عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة،
بيروت/ 1973.
-الفن القصصي في القرآن: محمد خلف الله، مطبعة النهضة،
القاهرة/ 1957.
-فن كتابة القصة: حسين القباني، المؤسسة المصرية/ 1965.
-الفهرست: ابن النديم، مطبعة الاستقامة، (د.ت).
-في أصول الخطاب النقدي الجديد: أحمد المديني، دار الشؤون
الثقافية، ط1/ 1987.
-في تراثنا العربي الإسلامي: توفيق الطويل، عالم المعرفة/
1985.
-في الخطاب السردي: محمد الناصر العجيمي، الدار العربية
للكتاب/ 1993.
-في معرفة النص: يمنى العيد، منشورات دار الآفاق، بيروت،
ط2/ 1984.
-في نظرية الرواية: عبد الملك مرتاض، عالم المعرفة، الكويت/
1998.
-ق-
القاص والواقع: ياسين النصير، بغداد/ 1975.
-قال الراوي: سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، ط1/ 1997.
-القصة والحكاية في الشعر العربي: بشرى الخطيب، دار الشؤون
الثقافية، ط1/ 1990.
-قصص العشاق النثرية في العصر الأموي: عبد الحميد إبراهيم،
دار الثقافة مصر/ 1972.
-قضية البنيوية: عبد السلام المسدي، دار أمية، ط1/ 1991.
-ك-
-الكتابة الفنية في مشرق الدولة الإسلامية: حسيني ناعسة،
مؤسسة الرسالة، ط1/ 1978.
-كتاب المنزلات: طراد الكبيسي، دار الشؤون الثقافية، ثلاثة
أجزاء، بغداد/ 1992.
-الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم: علي زيعور، دار
الأندلس، ط2/ 1984.
-الكلام والخبر: سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، ط1/
1997.
-ل-
-لطائف المنن والأخلاق: عبد الوهاب الشعراني، تحـ: عبد
الحليم محمود، وطه عبد الباقي، منشورات دار الحكمة، دمشق، بيروت/ 1985.
-اللمع: السراج الطوسي، مطبعة السعادة/ 1960.
-م-
-مثنوي: جلال الدين الرومي، الكتاب الأول والثاني، تر: محمد
عبد السلام كفافي، ط1، بيروت/ 1966.
-المدخل إلى أدب التصوف: عبد العزيز سيد الأهل، معهد
الدراسات الإسلامية/ 1391هـ.
-مدخل إلى أدب التصوف: مجموعة من الكتاب، تر: رضوان ظاظا،
عالم المعرفة/ 1997.
-مدخل إلى نظرية القصة: سمير المرزوقي وجميل شاكر، مشروع
النشر المشترك، بغداد/ 1986.
-المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك: عبد العزيز
حموده، عالم المعرفة/ 1998.
-مرايا نرسيس: حاتم الصكر، المؤسسة الجامعية للدراسات، ط1/
1999.
-معالم التحليل النفسي: فرويد، تر: محمد عثمان نجاتي، ط5/
1983.
-معايير تحليل الأسلوب: ريفاتير، تر: حميد لحمداني، منشورات
دراسات سال، ط1/ 1993.
-المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة: سعاد الحكيم، ط1،
بيروت/ 1981.
-المعجم الفلسفي: جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني، ط1/
1971.
-معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة: سعيد علوش، دار الكتاب
العربي، ط1/ 1985.
-معجم المصطلحات في اللغة والأدب: مجدي وهبة، لبنان/ 1974.
-المعرفة الصوفية: ناجي حسين جودة، دار الجيل، بيروت، ط1/
1992.
-مقدمة ابن خلدون: دار الكتاب اللبناني، بيروت/ 1960.
-مقدمة في أدب العراق القديم: طه باقر، بغداد/ 1976.
-مقدمة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية: لوسي مير، تر: شاكر
مصطفى سليم، دار الشؤون الثقافية/ 1983.
-ملامح النثر العباسي: عمر الدقاق، دار الشرق العربي،
بيروت، (د.ت).
-ملحمة كلكامش: طه باقر، بغداد/ 1975.
-منامات الوهراني ومقاماته ورسائله، تحـ: إبراهيم شعلان
ومحمد نغش، دار الكتاب العربي/ 1968.
-منطق الطير: فريد الدين العطار، تر: بديع محمد جمعة، دار
الأندلس، ط3/ 1984.
-المنقذ من الضلال: الغزالي، تحـ: أحمد غلوش، مصر/ 1952.
-مورفولوجيا الخرافة: فلاديمير بروب، تر: إبراهيم الخطيب،
الشركة المغربية للناشرين المتحدين، ط1/ 1986.
-موسوعة عباس محمود العقاد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1/
1971.
-ميزان العمل: الغزالي، مطبعة كردستان/ 1328هـ.
-ن-
-النثر الفني في القرن الرابع الهجري: زكي مبارك، المكتبة
التجارية الكبرى، ط2/ 1934.
-نشأة التصوف الإسلامي: إبراهيم بسيوني، القاهرة/1969.
-نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها: عرفان عبد الحميد، مطبعة
الكتب الإسلامية، بيروت/ 1974.
-النص والخطاب والإجراء: روبرت بوجراند، تر: تمام حسان،
عالم الكتب، ط1/ 1998.
-النص الروائي: بيرنار فاليط، تر: رشيد بنحدو، المطبعة
الأمرية/ 1999.
-نظريات السرد الحديثة: دالاس مارتن، تر: حياة جاسم، المجلس
الأعلى للثقافة/ 1998.
-النظرية الأدبية المعاصرة: سلدن، تر: سعيد الغانمي،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1/ 1996.
-نظرية البنائية: صلاح فضل، دار الشؤون الثقافية، ط3/ 1987.
-نظرية التلقي مقدمة نظرية: روبرت هولب، تر: عز الدين
إسماعيل، النادي الأدبي الثقافي، ط1/ 1994.
-نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن: رشاد رشدي، مكتبة
الانجلو المصرية، القاهرة/
1968.
-نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير: جينيت وآخرون، تر:
ناجي مصطفى، منشورات الحوار الأكاديمي، ط1/ 1989.
-نظرية المنهج الشكلي نصوص الشكلانيين الروس: تر: إبراهيم
الخطيب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، ط1/ 1982.
-نقد استجابة القارئ: جين. ب. تومبكنز، تر: حسن ناظم وعلي
حاكم، المجلس الأعلى للثقافة/ 1999.
-النقد البنيوي: محمد سويرتي، أفريقيا الشرق، ط2/ 1994.
-نقد الحداثة: الان تورين، تر: أنور مغيث، المشروع القومي
للترجمة/ 1997.
-النقد الروائي والايديلوجيا: حميد لحمداني، المركز الثقافي
العربي، ط1/ 1990.
-نقد الشعر في المنظور النفسي: ريكان إبراهيم، دار الشؤون
الثقافية/ 1989.
-النقد والأسلوبية: عدنان بن ذريل، منشورات اتحاد الكتاب
العرب/ 1989.
-نهج البلاغة: جمع الشيخ محمد عبده، منشورات مكتبة النهضة،
بغداد/ 1984.
الأطاريح الجامعية
-البناء الفني في الرواية العربية: خالد سهر، أطروحة
ماجستير، مخطوطة في كلية الآداب جامعة بغداد/ 1996.
-الزمن في شعر الرواد: سلام الأوسي، أطروحة ماجستير مخطوطة
في كلية التربية جامعة بغداد/ 1985.
-قصص الحيوان جنساً أدبياً: خالد سهر، أطروحة دكتوراه
مخطوطة في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية/ 1999.
-النثر الصوفي في الأدب العربي: فائر طه عمر، أطروحة
دكتوراه مخطوطة في جامعة بغداد كلية الآداب/ 1990.
الدوريات
-آفاق عربية، مايس/ 1994، ص 58، (العنوان في النص الأدبي)،
ياسين النصير.
-أبحاث اليرموك: الأردن سلسلة الآداب واللغويات، مج16، ع2،
لسنة 1998 (السيرة الذاتية عند الصوفية)، فائز طه عمر.
-الأقلام: ع3/ 1978، (التحليل البنيوي للسرد)، سامية أحمد.
-التراث الشعبي: ع2/ 1992، (ألف ليلة وليلة بلاغة السمع)،
مالك المطلبي.
-التراث العربي: اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ع 73/ 1998،
(التصوف في إيران القديمة)، تر: نهاد خياطة.
-الثقافة الأجنبية: ع2/ 1992، (السردية حدود المفهوم).
-دراسات سيميائية أدبية لسانية: ع6/ 1992، (الصورة الروائية
والمتلقي)، محمد انقار.
-مجلة جامعة القادسية: ع2/ 1999، مجـ4، (الرؤية الصوفية في
الشعر العراقي الحديث)، حمزة فاضل.
-مجلة كلية الآداب جامعة بغداد: ع48/ 2000، (الحيوان في
الحكاية الصوفية)، فائز طه عمر.
-المورد: ع4/ 1999، مجـ26، (حكاية صوفية)، قيس كاظم الجنابي.
-الموقف الأدبي: ع276/ 1994، السنة الثالثة والعشرون، اتحاد
أدباء دمشق (دلال الجمال مقاربة لفكر الحلاج)، رضوان السح.
المراجع الأجنبية
-Lambert,
Babylonian Wisdom Literature (Great Britain: oxford university) press,
1960.
-Lexicon
universal Encyclopeida, (New York), 11.
ABSTRACT
This study
is consisted of two levels: theoretical and practical. The first one is
embodied in defining the study’s method with the formalist, constructive
method in criticizing story and this method approved it’s outstanding
presence in the methods of modern criticism in analysing story, novel,
legends, superstitions and the achievements of tale peoples as for the
examination of their tale structures on the linguistic, narrative and
semiotic level, in addition to the lfexibility of this method which
gives the researcher the opportunity to move between his sayings and
obtaining the formula which balances the modern method mode with the
antiquity of the studied theme and it’s clear contrasting with the
structures of its models which their methods depended there up on, as
for intellectual, social and religious references which the mystical
fictional depended there up on. The second is the practical level which
is devoted to mystical and fictional models of prosperous century of the
arabic Ages, the Abbasside Age which witnessed a great development in
the Age’s Scientific, intellectual, literary and civilizational nature.
The famous of these stories are depended and they are classified into
two classes.
1)Fictional
models divulged in the mystical classification between history and
sociology’s books and the history of literature and scientific
encyclopedia.
2)fictional
collections compose acomplete compilation specilalized for these models
like the bird stories and animals otherwise.
This study
is divided into an apreliminary, three chapters and concussion.
The
preliminary discusses the genesis of mystical story as aliterary genre
depends on the essentails of the story and according to what has been
defined by the scholars of literary gener. It connects this genesis with
the concept of mysticism and its development across epoches, beginning
religious therein and ended philosophical. The study of this
developmental aspect shows the important side in the development of
fiction techniques with the development of the levels of genesis and
originality of mystical story.
The
chapters of the study is presented with theoretical preface discusses
the sayings of the constructive method in criticizing story and its most
important directions and the chosen there from for this study and the
justification of this choice.
The text of
this study has three constructive levels to criticize the story>
The first
defines the components of narrative sturcture and these components
include three elements: narrative preface, narrator, receiver, and the
mystical narrated, and it is followed with detailed study of the
functional aspect of story’s criticism by depending on the method of
“Brobe” and “Rolan Barth”, thus, the fuctions of narration, their forms
and significances are defined. Chapter three examines narrations
mechanism and its techniques and especially the story’s chronological
order and the four chronological movements and arrangement included in
the tale rhythm of the story and the characterization of narration’s
modes which appeared therein to the reader.
Results
1)Creating
harmony between the western modem methods and the old arabic texts- the
matter which is considered by the ancestoral grammarians as a type of
mperfection and despotism by depending the consciousness of choice and
confirmation from the critical theses.
2)Defining
the seperationg line between the two sayings the mystical tale and
mystical story, and the hypothesis of the study is the confirmation of
the fictionality of the mystical story by depending the sayings of the
story’s new criticism.
3)The
mystical story depended on the basic of narrative sturcutre as for the
basics of narration. The narrator, the receiver and the nature of the
narrated inspite of the spontaneaous character of narration and its
remotness from the verbal decoration and expressive invocation.
4)Mystical
story depended on the essentials of story’s functional example which
beging with the function of outlying and ends with glorification or
reward, the issue which confirm the fact that the mind of man and human
affection harmonizes in it’s general sturctures inspite of the
difference of sex, beliefe and nationalities.
5)Narration
techniques and it’s mode in mystical story are consistent with the
concepts of mysticism and its ideas which the mystist expresses them
frankly field saying therein his word.
6)The
study is not possible with out the classification of types of my story’s
genre according the position of the narrator as for event, thus it is
classified into three classes subjective, obhective and retospective.
I don’t
claim that I mode my final decision in this study but I made my affort
and I hope that I served the heritage of my immortal Islamic doctrie and
put it the proper position, that the Arabic fictional heritage is not of
less value than the fictional achievment in the world, thus it can be
studied in the light of the modern western methods.
If there is
afavour that eneloses the neck of the study and the researcher, it is
the favour of the superisor. Dr Enad Ghazwan who enriches the study with
the favours of his scientific graces and avoids the zeal which may by
prejudice the essence of the scientific research, and I ask the Almighty
God to lengthen his age to be a candel in the way of generations.
Nahidha
Sattar Ubaid
أضيفت في
07/06/2006/ خاص القصة السورية / عن اتحاد الكتاب العرب
|