العشاق: رواية البشارة والثورة
|
بقلم الكاتبة:
رابعة حمّو*
تطل علينا رواية "العشــاق" للأديب الفلسطيني رشاد أبو شاور في طبعتها
السادسة (2004)، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت، في زيها
الفلكلوري الفلسطيني. ويحمل هؤلاء العشاق وردة حمراء تعتلي سطح الرواية
كعربون محبة وإخلاص لمعشوقتهم. صورة مفتاح تشكل خلفية بصرية للعنوان
لتُرسخ من فكرة الحب والتفاني الذي ينصهر في معمار الرواية مكوناً
ملمحها العام وعنوانها الرئيسي. |
لكن أي عشـاق هؤلاء؟ وأي معشـوقة تلك؟ سرعان ما نكتشف من أولى اسطر الرواية
أنهم عشاق الأرض الفلسطينية الذين تماهوا وتشبثوا بهذه الحبيبة الغالية.
وتكبدوا لهيب هذا العشق في أقدم مدن التاريخ "أريحـا".
تنفرش الرواية على ثلاثة أقسام منفصلة شكليا ومتداخلة فنياً لتشكل في مجموعها
281 صفحة، هي مجموع صفحاتها من الحجم المتوسط الكبير. ويحتل عنوان "مدينـة
القمـر"، اسم القسم الأول منها الذي يتفرع عنه سبعة عشر جزءا مرقما من 1 إلى
17. يبدأ في الصفحة 33، وينتهي عند الصفحة 142، مكونا بذلك أكبر أقسامها.
ويتقدم هذا القسم سبع عشرة صفحة تعد بمثابة مقدمة وتمهيد لديناميكية السرد في
للرواية.
" في الألـف الأول بنـيت أريحـا". عبارة استهلالية تفتح بها الرواية أبوابها
على أقدم مدينة في التاريخ. ويأخذنا أبو شاور من يدنا لنجول معه وكأنه دليل
سياحي ليطلعنا على هذه المدينة العريقة. بل نكاد نسمع صوته وهو يقص على مسامعنا
معلومات تاريخية وطريفة.
"أعاد الكنعانيون العرب تشييد أسوارها وأبراجها، لحمايتها من الغزاة"."ارتفعت
أسوار أريحا وحدا وعشرين قدما، وعند زوايا السور جثمت الأبراج حيث يطل الحراس
من الشقوق المائلة لمراقبة السهول الفسيحة، وسفوح جبال مؤاب شرقي الأردن" ص5.
"أريحا مدينة القمر، تنبت أشجارا استوائية وجبلية وساحلية، مدينة جهنمية،
غريبة، خصبة، أريحا ليست مدينة، إنها تاريخ، في تربتها تمتزج الأساطير بالواقع
التاريخي. إنها مدهشة، البحيرة الوحيدة الميتة في العالم". ص 8
" لقد وجد علماء الآثار بقايا عظام أطفال في جرار فخارية تحت جدران البيوت في
أريحا، فظنوا أن أهالي أريحا كانوا يذبحون أطفالهم أضحيات للآلهة كي تحفظ
بيوتهم من الانهيار... أما موتاهم الكبار فكانوا يوارونهم في مقابر جماعية كي
يدرأوا عنهم الوحشة". ص9.
ويتدرج أبو شاور في تعريفه بأريحا منذ عهد أجدادنا الكنعانيين الذين عمروا
الأرض، وغرسوا الأشجار، وحصّنوا المدينة بالأسوار والأبراج. فرحلوا وخلّفوا
وراءهم هذه المدينة، وحكمتهم الخالدة: الحجــارة لا تحصـن المدن، الأســوار لا
تـرد الغـزاة". ثم ينتقل إلى العصر الحديث، فيروي لنا عن سجن أريحا الذي شيده
الانتداب البريطاني. وخلَّفه لقائد المقاطعة الأردني الذي تركه بأوراقه
وأضابيره وملفاته ليصبح مقراً للحاكم العسكري الإسرائيلي بعد حرب 1967. ولا
ينسى أبو شاور أن يعرج بنا على مخيمات اللاجئين الذين تدفقوا على أريحا بعد
نكبة عام 48 وهي: عين السلطان، مخيم النويعمة، ومخيم عقبة جبر أكبرها وأكثرها
كثافة سكانية.
أما القسم الثاني من الرواية فيحمل اسم "الحـرب: القسـم الأول". وقد قُسَّم هذا
القسم إلى ثمانية أجزاء. يبدأ من الصفحة 144 وينتهي عند الصفحة 182. وفيه نتعرف
على استعدادات حرب 1967. فتطل علينا أم كلثوم بأغنيتها الوطنية:
" جيش العروبة يا بطل الله معك
يا ويل ... يا ويل من يمنعك
ودي فلسطين الحزينة بتنتظر
جايين نحرر البلاد ...
جايين نطهر الحمى
طالعين كما طلع الصباح
من بعد ليلة ظلمة" ص144
وفي هذا القسم نستجلي ضعف الجيوش العربية المشاركة في هذه الحرب. فالجيش المصري
لا يعرف جغرافية البلاد. والجيش الأردني انقطع عن جنوده الطعام في أولى أيام
الحرب. فينتهي هذا القسم بالهزيمة، واحتلال الضفة، ومرتفعات الجولان، وقطاع
غزة. ويصبح أهل فلسطين في زنزانة واحدة تضمهم بعد أن تقطّعت أوصالهم تسعة عشر
عاما من الاحتلال الأول لأراضيهم عام 1948. وتستمر وقع أحداث النكسة إلى القسم
الثاني من الرواية الذي يبدأ من الصفحة 148 إلى الصفحة 281. وفيه تتبلور حركة
الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال برفض الذل والاستكانة. فيبدأ العمل
الفدائي والسعي من أجل خلاص فلسطين وإعادة أبناءها إليها.
وعند تتبعنا للحدث السردي في الرواية، نلاحظ أنه يبدأ من نقطة مغلقة، يتسع
شيئاً فشيئاً، حتى يصل إلا ما لا نهاية. فالرواية تبدأ من أريحا، تتسع مروراً
بحرب الأيام الستة، وتنتهي إلى ما لا نهاية ممثلة بالأمل، وفعل المقاومة الذي
وُلد بعد هذه الهزيمة.
أريحا
حرب 67 ميلاد المقاومة ( الأمل)
تحمل اللوحة النهائية في الرواية دلالات عدة. فارتباط محمود وندى بالزواج ورغبة
الأب بإنجابهما الكثير من الأطفال، تشبه الارتباط والزواج الروحي الذي تم بين
شطري فلسطين المحتل احتلت عام 48، والتي احتلت بعد حرب 67. وما خلَّف هذا
الارتباط المقدس من ولادة الطفل الذي يمثل حركة المقاومة الفلسطينية التي أخذت
زمام المبادرة وقادت آمال وطموحات الشعب الفلسطيني بالتحرر من رقبة الدول
العربية أولا وإسرائيل ثانياً. فصوت الطفل الذي يملأ الآفاق، هو البشرى بميلاد
المقاومة الفلسطينية عام 67، التي كانت ضرباتها الموجعة في العمق الإسرائيلي،
ولعللعة رصاصها الحل الوحيد للتحرر.
محمود
و ندى = أهل فلسطين 48 وأهل 67
الارتباط/ الزواج ( بعد خروج محمود من السجن) = الارتباط / الزواج
الروحي (بعد انشطار دام 19 سنة)
صوت الطفل/ ميلاد الطفل = صوت الرصاص هو
حركة المقاومة
البشارة / أمل المستقبل = البشارة /
الأمل في التحرير
الأبعاد السياسية في رواية العشـاق:
تشغل الأبعاد السياسية في رواية "العشــاق" جانباً مهماً. بل نجزم القول أنها
تؤرخ لهزيمة 1967. وتبين الظروف السياسية التي فُرضت على الشعب الفلسطيني في
الضفة والقطاع قبل هذه الهزيمة. إذ تفضح الشخصيات الروائية من خلال أحداث
الرواية أسباب النكسة. ولا تقف عند هذا فحسب، بل وتفندها إلى 3 أقسام رئيسة.
وهنا يترك أبو شاور لشخصياته العنان لتكشف عن هذه الأسباب. فنسمع صوت الأستاذ
محمود وهو يميط اللثام عن تواطؤ الدول العربية مع إسرائيل، وتسهيل مهمتها في
التهام ما تبقى من الأراضي الفلسطينية. وذلك بزرعها بالعملاء والجواسيس
والمارقين واللصوص الذين تسلَّطوا على رقبة الشعب الفلسطيني، وساهموا في طحنه،
وتعطيل قواه الوطنية، وملاحقة الفدائيين والمثقفين أينما كانوا. كشخصية أبـي
صــالح/ رئيس بلدية أريحا. وأحـمد خطّـاب / الضابط في السجن الأصفر. والمختار /
خال الأستاذ محمود. وإدريس/ ضابط الشرطة في المقاطعة. فكل واحد من هذه الشخصيات
كانت معولاً في ظهر الشعب الفلسطيني وأذاقه الأمرين. فأبو صالح لا يهتم
بالسياسة. لكنه يجب أن يمثل الشعب في البرلمان. فالسياسة عنده مجرد وجاهة وليست
مسؤولية وطنية، ومشروع مقاومة لطرد العدو. بل هي وسيلة:
"لاستدراج كبار المسئولين في النظام من أمراء وضباط مخابرات ووزراء، وبعد
الاحتلال استقبل في المحفل كبار اليهود إخوته في الماسونية"ص17.
أما شخصية احمد خطّاب، الضابط الفلسطيني في سجن عقبة جبر كان سوطاً يُجلد به
أبناء المخيم. ويفضح محمود أفكاره المتواطئة مع السلطة بالمونولوج الذي دار
بينه وبين أحمد خطاب وقت خروجه من السجن.
"نحن جميعا نحب فلسطين. ولكن لكل أمر أوانه. ثم نحن لا نعرف من هم هؤلاء الذين
يتسللون عبر الحدود. يدعون أنهم يقاتلون إسرائيل، حسناً، ولكن فليسفروا هؤلاء
عن وجوههم. لماذا يتحركون في الظلام. يريدون جرنا إلى حرب لم نقرر خوضها بعد"
ص37.
ولم يقف موقف العملاء على الوشاية والجاسوسية. لكن تعداه إلى اللصوصية والسرقة
من قوت الشعب الفلسطيني، الذي يقبع في المخيمات ويلحقونه على "لحسة الحليب".
فها هو الشيخ أبو نعمان ناطور المخيم، ومؤذن الجامع يتلقى الضرب المبِّرح على
رأسه من الجواسيس واللصوص. لأنه كان يراقب تحركات كبار المسئولين والموظفين في
مخازن الاونروا، ويعرف سرقاتهم ودسائسهم.
"هذا شقيقي، الشيخ أبو نعمان، لقد هاجمه مجهولون ليلة أول أمس وانهالوا بالعصي
على رأسه، وظهره، كادوا يقتلونه... ولكنه لم يخبر الشرطة... الشرطة ورئيس
المخفر ومدير المخيم، ومساعد مدير المخيم يشكلون عصابة، أما المخاتير فواحد
منهم شريك في العصابة، لأنه قوي ويعرف قائد المقاطعة" ص 61.
ومن مهام هؤلاء الجواسيس أيضاً خنق الشعب الفلسطيني، وبعثرة آماله في الحياة،
وقتل كل شيء جميل في حياته. فمحمد الفنان الذي يتأبط عوده وكأنهما عاشقان،
يتلقى الضرب والاهانه لأنه يغني في الحفلات الأغاني والأهازيج الفلسطينية ولا
يغني لملك البلاد.
"هي أنت، يا ولد تعال. ارتجف قلب محمد، توجساً وغضباً، فهذا الشرطي إدريس،
اشتهر بالاعتداء على شباب المخيم، وإهانتهم أمام الفتيات.
ها ماذا تريد يا سيد إدريس. قال إدريس: نريدك أن تنظف لنا المرحاض... أدار محمد
ظهره، خطا خطوة واحدة، وإذا إدريس يمسك به من ظهره ويثبته... يا ابن الكلب،
ستنظف المرحاض... قال إدريس: هاتوا المقص... احضر احد الشرطة المقص وناوله
إدريس، الذي اخذ يجذب شعر محمد وهو يضحك... تغني في الأعراس، ها سيدنا لا
يعجبك" ص 98.
أما السبب الثاني الذي تُفصح عنه الشخصيات في الرواية، فهو قلة الاستعدادات
العربية لخوض معركة كبيرة وحاسمة كهذه. فالإذاعات العربية خاضت حربا إعلامية
هزّت الوطن العربي بطوله وعرضه، ووعدت الشعوب العربية بنصر مظفر على إسرائيل،
والادهى من هذا النصر استعادة فلسطين من قبضة إسرائيل. بينما الواقع على أرض
المعركة شيئاً آخر. فقد هُزمت الجيوش العربية الثلاث في ستة أيام، واحتلت
إسرائيل ما تبقى من فلسطين وسيناء والجولان.
" إذا كانت الاستعدادات العسكرية بقوة الأغاني، وجودة الألحان، فالنصر حليفنا،
أما إذا كانت الأغاني أفضل من الاستعدادات فالويل لنا" ص 146.
" ارتفعت أصوات في الخارج: سلاح، سلاح، نريد سلاح" ص 153.
"والله العصا أفضل من بنادقكم التي خاضت الحرب العالمية الثانية.
هذه بنادق أكلها الصدأ. إنها لا تنفع لصيد العصافير ص 161
ولم تقف قلة الاستعدادات على قلة الأسلحة وعدمها في مناطق أخرى. كذلك قلة
التموين. فأنـّى لجيش يتقدم في المعركة وينتصر ولم يصل له الطعام منذ أول يوم
في الحرب؟! وبدل أن يدافع عن الشعب، أصبح عبئاً عليهم ينتظر امدادات الطعام
منهم. صورة مقلوبة، تؤدي إلى نهاية معكوسة!
" يا شاويش المغفر هل ستعيدون فلسطين بجيش انقطع عنه التموين في اليوم الأول
للحرب؟ يا شاويش المخفر، أمس سألني احد ضباط الأمن عن الطريق المؤدي إلى "عين
الديوك"، أنه ضابط استطلاع ولكنه لا يعرف أين تقع عين الديوك، وهل توجد طريق
ترابية عريضة توصل إليها أم لا. ومع ذلك تقول أنها حرب" ص158.
أما ثالث هذه الأسباب فهو عدم وجود قيادة فلسطينية سياسية وعسكرية تقود الشعب
الفلسطيني في الداخل والشتات. فمنذ الثورات الأولى في فلسطين، وقيام الاضرابات
الكبرى فيها. افتقدت الحركة الثورية الفلسطينية لقيادة تقود الشعب الفلسطيني
نحو التحرير. فاحتلت الدول العربية القضية الفلسطينية. وأصبح حال الفلسطينيين
"كالأيتام على مائدة اللئـام". وبقيت أمورهم كذلك حتى بزغت شمس المقاومة بعد
نكسة 67. وأثمر صبرهم عن ميلاد حركة المقاومة التي ولدت من رحم المخيمات،
وعزائم شبابه ونسائه. وولَّدت تحركات الفدائيين المتسللين أملا في الخلاص من
الاحتلال. وتشير آخر فقرة في الرواية على ميلاد هذه الحركة الثورية التي مثلت
الأمل في التحرير وعودة الحقوق المغتصبة.
"أخذ المساء يهبط ناعماً، رطباً بالنسمات المنعشة، تمتم أبو خليل وهو يسير
بمحاذاة الجدول، مصغياَ للخرير: ( تزوجا يا محمود أنت وندى، وأنجبا كثيرا من
الأطفال)، أنا اعرف انه موافقة. سمع ضحكة طفل، ضحكة طفل جذلى، مرحة، ولكن
الرصاص كان يقطع تلك الضحكة، التي كانت تعود لتنطلق من جديد، حلوة ومرحة" ص281.
الأستاذ محمود وفعل المقاومة:
تعج رواية "العشــاق" بالشخصيات، وتتحرك بين دفتي الرواية بطقوس كرنفالية
مهرجانية تضبط إيقاعها شخصية الأستاذ محمود، الذي يمثل مركز الرواية وثقلها،
وترتبط به وكأنها فتات الحديد في حقل جاذبيته. لكن من هو الأستاذ محمود الذي
يقود دفة الشخصيات في الرواية؟
يشي اسم الأستاذ محمود بمهنته. فهو أستاذ للغة العربية في مدرسة الوكالة في
المخيم. سجن لأنه كان يحرض الطلاب ضد الحكومة.
"ما كنا نستطيع فعل شيء العين بصيرة واليد قصيرة، لنفرض أنك حرضت الطلبة على
الاضطراب. لماذا حرضتهم؟ لأن وطنهم امتهن. والمواطن أذل على يد الغاصبين، ماذا
في ذلك؟ ص80
اغتيل والده عباس عام1955 على أيدي حرس الحدود الأردني عندما كان طفلاً صغيراً.
" والدنا الذي اغتاله حرس الحدود الأردني، وهو يعود من الأرض بعد أن قاتل مع
رفاق له ضد الاحتلال" ص82.
ويعتبر عضواً فعّالاً في الجبهة الشعبية ـ نستدل على ذلك من أحداث الروايةـ
المحظورة من السلطات الأردنية في الضفة آنذاك. أحب ندى المعلمة أيضا في مدرسة
الوكالة. فخططا للزواج، وبعد حلول النكسة عام 67 قررا البقاء في أريحا والصمود
فيها.
ونلاحظ أن الأستاذ محمود هو بؤرة العمل الوطني/ الايجابي في الرواية الذي تلتقي
عنده جميع الشخصيات الايجابية والوطنية. فهو يؤسس مع أخيه مقهى ليتخذه غطاءاً
لتحركاتهم الفدائية. ويشكل مع صديقيه (حسن و زياد) خلية للعمل الفدائي في
أريحا. كما يرتبط بعلاقة صداقة قوية مع الأب الياس الذي يساعد الفدائيين ويعمل
على تغطية تحركاتهم ويبارك عملهم. كذلك يحب أبو خليل والد ندى (حبيبته) المتشبث
بأرضه وزيتونته، الرافض التعاون والتجسس لصالح داوود الإسرائيلي. فالأستاذ
محمود هو عصب الرواية وعمودها الفقري الذي ترتبط به بقية الشخصيات الأخرى:
الأستاذ زياد / حسن
محمود ندى /أبو خليل المقاومة
الأب الياس/ محمد
كذلك نلاحظ أن الرواية تنفتح به وتنغلق به. إذ تنفتح اللوحة الأولى في القسم
الأول على خروجه من السجن بتهمة التحريض ضد الحكومة، ومساعدة الفدائيين في
التسلل من أغوار الأردن إلى الضفة الغربية. فخروجه من السجن يمثل تحرره من رقبة
العساكر الذين كسروا أضلاعه وضربوه في السجن. أما اللوحة الأخيرة فتغلق المشهد
السردي برغبة والد ندى أن يتزوج محمود من ابنته، وان ينجب الكثير من الأطفال.
وبهذا يصبح الأستاذ محمود حاملاً لدلالات عدة:
1. الأستاذ محمود = فلسطين
تحرر من السجن = تحررت من رقبة
الدول العربية
2. محمود وندى = فلسطين 48/ فلسطين
67
3. ارتبطا بالزواج = ارتبطا بعد
انفصال دام 19 عاما
محمود وندى = فلسطين
رغبة الأب بإنجاب الأطفال = أنجبت
المقاومة
الشخصيات الدينية في الرواية:
تتوزع الشخصيات الدينية في الرواية على أربعة شخصيات محورية هي : الشخصيات
الإسلامية. ممثلةً بالشيخ أبو نعمان. والشخصيات المسيحية ممثلةً بالأب حنا
والأب الياس. والشخصيات اليهودية ممثلةً بداوود. وتضفي هذه الشخصيات المِسحة
الدينية على الرواية. ونلاحظ أن دخول هذه الشخصيات ليس من قبيل المصادفة، بل هي
تأكيد على دورها الذي لعبته أثناء نكبة الفلسطينيين. فالشيخ أبو نعمان فقد
زوجته وأولاده في حرب 48، يعمل مؤذناً لجامع مخيم النويعمة وناطورا لمخازن
أغذية الاونروا التي كانت تصرف المؤن للاجئين الفلسطينيين. فكان لحسِّه الوطني
وخوفه على لقمة الطعام للأطفال الفلسطينيين، انه اكتشف العملاء والجواسيس الذين
طالت أيديهم مؤن الاونروا. فكان نصيبه تهشيم رأسه وضربه وفي النهاية قتله.
"الشيخ أبو نعمان، لقد هاجمه مجهولون ليلة أول أمس وانهالو العصي على رأسه...
ضربوه لأنه يحرس مخازن توزيع مؤن الوكالة، إنه يراقبهم بحزم، لقد رفض أكثر من
مرة أن يسمح لهم بإخراج المسروقات" ص 60
" اليوم الجمعة، قلت أروح واصلي مع خالك ابو نعمان... رحنا إلى المسجد. كنت أنا
داخل المسجد أصغي لآذانه حين دوى الرصاص، تمددت على الأرض، وبعد قليل انقطع
الرصاص، فنهضت وركضت بلا وعي ... فرأيت خالك وقد سقط عن المئذنة والدم يبلله،
وجسده ساكن بلا حراك" ص 264.
أما الأب حنا فقد ساعد الفلسطينيين اللاجئين عام 48. ودلّك أقدام أطفالهم عندما
هجم الثلج في تلك السنة، وبحث عن الحطب في بيوت أهالي بيت لحم.
" جسده الصغير ووجهه الطيب السمح، وعينيه الحزينتين، أتذكر كيف عمل بدأب وشجاعة
لمواساة اللاجئين عام 1948" ص123.
" مسكين الأب حنا، ظل يعمل ليل نهار، يدَّلك أقدام أطفال بالماء الساخن، يحضر
الطعام، يتفقد الأسر المكدسة لصق بعضها... والله انه مات شهيدا لقد أحب المسيح
فيكم وأحبكم في المسيح" ص 88.
أما الأب الياس " فهو حزين جداً وشارد الذهن لا يأكل ولا ينام، يدور في شوارع
المخيم وأزقته، كأنما يبحث عن الناس" ص 199. لكنه يستعيد قوته وهمته بعد أن
بدأت هجمات الفدائيين، كأنما أحييت الأمل في صدره من جديد بعودة الوطن." أنا مع
حمل السلاح في سبيل تحرير الوطن" ص127.
أما رابع هذه الشخصيات فهو شخصية داوود اليهودي. القادم من عصير الأساطير
والخرافات ليثبت حقه في ارض فلسطين. فهو ينقب عن الآثار، ويبحث في الأرض، ويروي
الخرافات ليثبت وجوده في فلسطين. وتمثل هذه الشخصية دور الشخصيات الدينية التي
تستند على التوراة والأساطير لتثبت حقها في فلسطين. لكنه يتلقى ضربة على رأسه
بعظمة كبيرة أخرجها والد ندى" أبو خليل" من جوف الأرض، وكأن أبو شاور أراد لهذه
الشخصية أن تموت بعظمة مستخرجة من باطن الأرض كرد منها أن هذه الأرض ليست له،
وأنها "تتكلم عربي".
المفارقة في رواية العشاق:
يحمل مصطلح المفارقة في طياته معانٍ عدة. كالسخرية، الغمز، الهزء، اللذع،
والقبض على التناقض، الهجوم على المستقر الراكد، خرق السنن، قلب الدلالات،
وأخيرا تجريد الخصم من المميزات بطريقة هزلية. وحين نعيد النظر في "العشـاق"
نجد أن مظاهر المفارقة بادية في كل شيء. في الشخصيات، في الموقف، وفي وصف
الأحداث. وهذا ما يشيع روح السخرية في عروقها، وما يفتح من فكاهة سوداء ترفع من
نبض النص الروائي، فتترك وراءها أسئلة وأسئلة قائمة في النفس بحثاً عن المعنى
المقصود. ويقلب السرد عند أبو شاور ذلك النفس الفكاهي في الجمع بين النقائض
حيناً، والانتقال المفاجئ بين حالتين لا تنتميان إلى حالة مزاجية واحدة أو وضع
روحي واحد، أو من خلال الجمع بين الجدِّ والهزل، أو غير ذلك مما يصعب حصره إلا
بمواجهة الرواية. وسأبدأ بأولى لوحات السخرية عند أبو شاور وهي:
1. السخرية في الشخصيات:
نلاحظ أن أبو شاور سلَّط السخرية على الشخصيات العميلة والجاسوسة في الرواية.
وهذا ما يطمح إليه المبدع. الانتقام من شخصية الطاغية والمستبد بالضحكة السوداء
التي توجه كالسهام إليه وتنتقص من قوته، بل وتذله أحياناً. وتثير الهزل
والسخرية منه أمام الضعيف صاحب الحق. حتى يحقق التوازن السردي في الرواية. إنها
مفارقة خفية تجعل الابتسامة تتسلل بخفةٍ إلى الأعماق لتخرج من بين الشفتين في
لحظة، وتتركنا تنفجر بالضحك في لحظة أخرى. أمام موقف مبني على الحقد والكره
لهذه الشخصية المنهزمة أمام نفسها وأمام محتلها، الذي جعل منها ألعوبة بين
يديه. فتتبدد الضحكة السوداء وتنطلق كالسهم آخذة بثأر الضعيف الذي لا حول له
ولا قوة.
نتوقف عند أولى هذه الشخصيات. وهي شخصية "أبـو صـالح". فأبو صالح الذي فتح كراج
بيته مرتعاً للماسونية، وكبار الموظفين، ووكالة الغوث ودوائر الدولة في أريحا.
وقدم نفسه رخيصة للمحتل ضد أبناء شعبه. لا يفهم بالسياسة، لكنه يجب أن يمثل
الناس في البرلمان. علاوة على ذلك أنه ألثغ اللسان ينطق الكلام بطريقة مضحكة.
وهنا نلاحظ أن أبو شاور جمع بين النقائض. فأبو صالح لا يفهم بالسياسة لكنه
ماسوني( وهو حزب سياسي يرتكز على أسس دينية). ويجب أن يمثل الناس في البرلمان
(وما يمثل البرلمان من عرض لمطالب الناس والدفاع عن حقوقهم) إلا أنه ألثغ
اللسان ينطق الكلام بطريقة مضحكة. إذا، كيف سيمثل شعباً تحت قبة البرلمان وهو
يحتاج إلى من يفسر له كلامه؟!
لكن وفر لنا أبو شاور هذا الجهد فهو الذي يقوم بهذه المهمة ففسر لنا كلامه بين
قوسين بدل أن نقع في "حيص بيص"!
ـ يا ثمير ( سمير)، اذهب واثرخ ( اصرخ)، قل لهم : غداً إضراب، بأمر رئيث (رئيس)
البلدية. ص14
ـ أطرق أبو صالح ثم رفع رأسه ببطء وقال ... آ، ثحيح (صحيح)، لا تذهب. ص15
ـ لقد أحرقتم الاقثى( الاقصى) ... انتثرتم (انتصرتم) في الحرب معلش، استوليتم
على البلاد، ماشي الحال. لكن أن تحرقوا مثاجدنا(مساجدنا)
ـ قال أبو صالح: أنا اثكر (أسكر) وأيضاً أحب النثوان (النسوان) واقترف كل
الموبقات، لكن لا اقبل الاعتداء على الدين.
قال أبو صالح: غدا إضراب يا حالكم عسكري... ستحبس إذا حدث إضراب يا رئيس
البلدية.
ـ الحبث (الحبس) للرجال يا حاكم عسكري.
ولا تقف السخرية من شخصيته المضحكة. كانت حملته الانتخابية كذلك:
"ففي كل يوم ومنذ الصباح، يدور سمير منادي البلدية والطلبة على جنبه والأولاد
خلفه وهو يتأوه ويتحشرج ويلهث، والعرق يتصبب من كل جسده:
يا بو صالح عزك دام
يلبق لك البرلمان
أما النسوة الريحاويات المستأجرات، فكنَّ يغنين داخل ساحة البلدية تتوسطهن (
فتحية) ذات السمعة السيئة، وهات يا خلع وغناء، ونقر درابك وتفقيش ولوي قدود.
لكن أكثر أطراف الحملة انبساطاً هم شلة السواقين والزعران والحشاشـين، لقد
كانوا يدورون بالباصات وفي سـيارات تزينها، أو تغطيها صور المرشح المـسقل أبو
صالح...
كانت الباصات تمخر شوارع المخيم الترابية بسرعة جنونية مخلفة الغبار والضجيج،
بينما الأبواق تمرق في الفضاء، فيتقافز الناس مبتعدين ويطلقون اللعنات على
المرشح المستقل وشلته. بعدئذٍ كانت قافلة الباصات وسيارات الشحن والتاكسي تتجه
نحو البحر الميت، وهناك تأخذ الشلة في السكر والتحشيش، والعربدة، ويعودون بعد
هبوط المساء مترنيحين فيسألهم أبو صالح أين كنتم يا أولاد؟
فيجيبون وقد تعتعهم السكر:
كنا نعمل دعاية في مخيمات اللاجئين.
فينبسط الرجل، ويهتز جسده الضخم، وترتعش شراشيب طربوشه" ص13.
فهذه الحملة الانتخابية التي تتقدمها الدرابك، والراقصة فتحية، ويروج لها
السكيّرين والحشاشين أجدى بحملة دعائية لافتتاح مرقص أو ملهى ليلي وليس حملة
انتخابية للترشيح في البرلمان. هنا تنطلق الضحكة من هذه الحملة المشبوهة.
أما الشخصية الثانية التي سأتناولها فهي شخصية بكر بيك الشركسي المثيرة للضحك،
القريبة من الرسم الكاريكاتيري. فهو "متوسط القامة، له رأس كبيرة، تستقر على
منكبين ضيقتين، متحفز النظرات، بذيء، كرشه كبيرة، قبضتاه كبيرتان، في الخمسين،
خداه مكتنزان، شعرأسه قصير أشيب، يضع (قلبقاً) على رأسه في الشتاء. ويتدثر
بفروة دائما" ص20
ورغم غلظة شكله وجلافته التي توحي بالجِدْ والصلابة والقسوة، إلا أنه " أكل
قتلة من زوجته أمام العسكر، في الدور الثاني من سجن أريحا، حيث كان يسكن،
فتحطمت هيبته. لقد وشى أحدهم. للمرأة، بأن بكر بيك كان يخونها مع امرأة ريحاوية،
وأعطاها العنوان، فداهمت زوجها في بيت الريحاوية ولكنه لاذ منها بالفرار، وفي
الليل عاد مؤملاً العفو، لكنها تناولته حذائها، فسال دمه" ص 21.
نلاحظ الانتقال المفاجىء بين حالتين لا تنتميان إلى مزاج واحد. فبعد أن عرفنا
غلاظة بكر بك وجلافته وشكله القاسي، ننتقل مباشرة إلى وضع مضحك. لقد أكل قتله
من زوجته. فنحس أن أبو شاور أراد الانتقام من هذه الشخصية بالسخرية منها أمام
الجميع فهو قد أكل هذه القتلة أمام عسكره، لذا انكسرت هيبته ورحل من المنطقة
كلها.
وقد استطرق أبو شاور في هذه اللوحة. ففي إحدى المرات جلس بكر على مقهى الدحمس
الملاصق للمخفر مباشرة. فسأله احد الوجهاء عن سبب كرهه للشيوعين! فاحمر وجهه
وقال: " اكرههم فقط ... لقد كانوا يلاحقوننا من مكان لآخر، كنت طفلا ولكني
أتذكر ... لقد كان أبي يدافع مع ألوف الرجال عن القيصر والدين الإسلامي.
فسأله الوجيه مرة أخرى: وما علاقة القيصر بالدين الحنيف. فقال: " القيصر ما كان
يريد الاستيلاء على الأرض التي تخص والدي، ولكن الحمر كانوا يريدون الاستيلاء
على كل شيء من أجل الرعاع"
وضحك الوجيه، فما كان من بكر إلا أن نادى حرسه، والشرطة من المخفر، وهو ملاصق
للمقهى، وطلب إليهم اعتقال الوجيه لأنه احمر.لكن المخاتير ترجوا بكر بيك،
وباسوا لحيته، بل إن أحدهم عمد إلى تقبيل (قلبقه) بأسلوب تبجيلي، ثم انتهت
بتغريم الوجيه بدعوة بكر بيك والمخاتير على خاروف" ص 21.
وبهذه النهاية تنفجر الضحكة فمن ملاحقة على مدار ايام، وخوف، وغضب، واحمرار
وجهه، وحرب ضد قيصر روسيا، ينتهي الموقف إلى دعوة على خاروف. فالانتقال من
الجاد إلى الهزل هو ما يبعث على الضحك المتشفي من بكر بيك "عدو الحمر".
2. السخرية في الموقف:
تظهر مفارقة الموقف الهادفة حين يكون هناك قلب في المواقف. فالكوميدي يصبح
تراجيدي، والجد يتحول إلى الهزل. وأمثلة ذلك في الرواية كثيرة، ولكن سأكتفي
بذكر حادثة واحدة. إذ يذكرنا أبو شاور بالمظاهرات التي قامت ضد حلف بغداد عم
1955، ويصف لنا حال الشعب الفلسطيني في تلك الفترة:
" في تلك المظاهرات حمل الناس الشهداء، والجرحى واندفعوا يهتفون والدم الساخن
ينزف أمامهم، ويحني ملابسهم وأجسادهم لكن الجنود أطلّوا برؤوسهم الصغيرة من
وراء الصخور البركانية السوداء، وقد طلّوا وجوههم بالهباب الأسود وسددوا فوهات
بنادقهم، ثم حيث تقدم الناس أطلقوا عشرات العيارات النارية فسقط المزيد من
الجرحى ولاذ الناس بالفرار... وفي اليوم التالي تدفقت الجموع الغاضبة من
المخيمات الثلاث، وهدرت ألوف الحناجر، وتمكن الناس من بلوغ الساحة الرئيسة في
المدينة ... وفيما كان احد الحزبين يلقى خطاباً يدعو فيه إلى الوحدة العربية،
ويمتدح جمال عبد الناصر، ويكيل اللعنات للجنرال (تمبلر) ونوري السعيد، وحلف
بغداد ارتفع صوت مجهول:
ـ إلى مشروع العلمي يا شباب. لندمر العملاء يا شباب ... بلغ الناس البوابة
الخارجية، تدفقوا إلى الداخل، واقتلعوا الأشجار، حطموا سيارات الأمريكية
الأنيقة، لكنهم لم يسيئوا للعمال المقيمين.
فتحوا أبوب المداجن، وتدفقوا ليمسكوا كل واحد منهم دجاجة سمينة بيضاء أو
اثنتين" ص19.
وتنطلق الضحكة من المفاجئة والمباغتة في انقلاب الموقف. فمن أجواء متوترة
ومشحونة بالغضب، ورائحة البارود التي تزكم الأنوف، وصورة الجنود طليي الوجوه
بالهباب الأسود، وأصوات الهتافات، وسقوط الجرحى والشهداء ننتقل من هذا التوتر
والوضع المتأزم. فتنقلب الصورة رأساً على عقب. حين نرى هذا "الانقلاب الأبيض"
في خبر جريدة اليوم التالي للمظاهرة: ذهبوا يهتفون، وعادوا يكاكون" ص 19.
3. السخرية بالحدث
تستعرض رواية العشاق أوضاع الشعب الفلسطيني في المخيمات قبل حرب 67، وتعود قبل
هذا التاريخ الذي ينبني على أسلوب التداعي واسترسال الذكريات ثم العودة إلى زمن
القص عند سرد الأحداث لنكسة 67. التي يغوص بها إلى أدق أسبابها. ومن هنا تتجلى
السخرية في حدث الرواية. إذ تجسد الأغاني الوطنية، والمهرجانات الغنائية،
وابتهالات الدروايش، والاجتماعات السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
استعدادات الدول العربية للحرب. فصوت أم كلثوم يقابله صوت أزيز الطائرات
الإسرائيلية بطل النكستين. وابتهالات الدراويش يقابله قصف المعسكرات والطيارات
العربية الرابضة في المطارات. والاجتماعات الكوميدية للزعماء العرب يقابله
انتصار إسرائيل في حربها واحتلالها الشطر الثاني من فلسطين. وبدل استرجاع ما
اغتصب من فلسطين، تحتل إسرائيل أراضٍ عربية أخرى.
وبعد هذه الوقفة القصيرة مع رواية "العشـاق"، حريٌ بنا أن نسلط الضوء على ما
رسخت له هذه الرواية التي تعدُّ احد علامات الطريق في الرواية الفلسطينية، وهو:
أن الشعب الفلسطيني ليس عابر سبيل، ولم يولد من الحائط، بل هو وريث حضارة قديمة
تركت آثارها في باطن الأرض كما على وجهها، وما السبيل لاستعادة الحقوق المغتصبة
إلا بالمقاومة والسلاح، وبذل النفس، وليس بالخطب الحماسية، والأغاني الوطنية،
كما رأينا في ثنايا الرواية.
*الكاتبة:
رابعة حمّو باحثة في الأدب العربي
أضيفت في13/04/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتبة (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
سامي ميخائيل روائي صهيوني يسرق رواية
"عائد إلى حيفا" في طريقه إلى نوبل
بقلم الكاتب:
عدنان كنفاني
ليس غريباً أن نسمع بين وقت ووقت عن عملية سطو جديدة على قيمنا وتراثنا الوطني
الفلسطيني والقومي العربي من قبل الصهاينة، المشبعين بعنصرية لم ير التاريخ
أبشع منها، إذ إنها تقوم وتتأسس على تذويب كل من هو غير يهودي صهيوني لبقاء
الصهاينة فقط قادة للعالم وما عداهم ليس أكثر من خدم وعبيد وحجارة.
كان أول ما سطوا على الأرض مستخدمين دعم القوى العالمية والحجج الواهية الكاذبة
بأنهم يملكون هذه المنطقة ولهم فيها التاريخ والجذور الشيء الذي نفته إطلاقاً
كل الوقائع على الأرض من بحوث وتنقيب وذاكرة، فكان أن تمدد السطو ليسرقوا
تاريخنا وحضارتنا وتراثنا حتى ملابسنا التقليدية وعاداتنا وأغانينا ومواويلنا
بعد إجراء بعض التزييف ليتماشى مع تطلعاتهم العنصرية.
اليوم تأتينا معلومات وإن لم تكن على هذه الدرجة من الجدّة إلا أنها تشير بوضوح
أكثر على مفهوم السرقة بتفسيراتها المتعددة لتطال في هذه المرة أدبياتنا
وإبداعات مبدعينا ورموزنا..
فجأة تكتشف دار النشر اليهودية (عام عوفيد) علاقة أثارت الكثير من الجدل في
الأوساط الأدبية الإسرائيلية بين الرواية الأخيرة (حمائم في ترافلجار) للكاتب
اليهودي الشهير سامي ميخائيل، وبين رواية الأديب الفلسطيني الشهيرة أيضاً (عائد
إلى حيفا) التي كتبها غسان كنفاني وصدرت في العام 1969.. أي قبل رواية ميخائيل
بعشرات السنين، وقد حذف عنوان رواية كنفاني من الإعلام الصهيوني بناء على طلب
من سامي ميخائيل كما ورد على لسان مجرية الحوار مع الكاتب.
من الواضح أن رواية سامي ميخائيل حمائم في ترافلجار تقوم في أساسها على رواية
غسان كنفاني عائد إلى حيفا. حتى في بعض التفاصيل الصغيرة كما أوردتها دار النشر
التي أعلنت عن عملية السرقة بالصورة والتوثيق، ولكن رواية الـ"حمائم" وتماشياً
مع التوجّه العنصري الإسرائيلي أهملت المعنى والهدف الأساسي الذي رمز إليه
غسان. ونحتت صوراً أخرى غريبة كما يقول سامي ميخائيل في حوار أجرته معه الصحفية
داليا كاربل ونشر في صحيفة هآرتس اليهودية بعد فضيحة سرقته أفكار غسّان فيقول:
(أحياناً تبدأ في كتابة رواية لمجرد سماعك لحناً بالصدفة أو جملة يقولها شخص لا
تعرفه، فتكون هذه هي الطلقة الأولى، واختياري لكنفاني لم أكن أدركه..!).
وفي متابعة لمقتطفات من ذلك الحوار أورد بعض ما يفيد موضوعنا:
سؤال: وما الذي غيّرته في رواية غسان كنفاني الأصلية..؟
جواب: -روايتي تبدأ من نظرة الأم الفلسطينية، الصراع عند كنفاني صراع رجولي لا
يعرف الجانب الأمومي، فهناك رجلان يدخلان في مواجهة في حين أن الأمهات يتصرفن
بنوع من البلاهة، ولا توجد في روايته ولو بقية من الحب من جانب الأم تجاه
الابن، في حين أنني كتبت روايتي عن الأمومة، والأم في الرواية هي التي تبادر
بالاتصال بالابن وترعاه وأمومتها تتفجر لحظة المواجهة بين زوجها والابن
الإسرائيلي، هو أراد أن يمحوه من حياته في حين أنها لم تتنازل عنه. لقد انحزت
إلى الأم في الرواية لأكثر من أي شخصية أخرى.. انتهى).
وقد تفتق ذهن الكاتب سامي ميخائيل في تعريف التضحية التي قامت بها الأم
اليهودية التي تبنّت الطفل الفلسطيني في رواية غسّان من خلال هذا الشرح
الإشكالي الذي ربما يعطينا الصورة الأوضح لتوجّه الأدب الصهيوني برمته فيقول
بعد أن تسأله الصحفية:
سؤال: لماذا أقحم موضوع الكارثة النازية في روايته؟:
جواب-(كنفاني أملى عليّ ذلك، لقد جئت إلى "إسرائيل" عام 1949، وشاهدت كيف
استقبلت الدولة الناجين من الكارثة النازيّة بتعال، فلقد رأوا فيهم مثالاً لما
يلزم الصهيونية، وأنا لن أسمح أبداً أن تسيطر الصهيونية على الكارثة النازيّة
التي كانت حدثاً مروّعاً للشعب اليهودي، إن الاتجار الرخيص بالكارثة وهو ما
يغذي الكثيرين من الأدباء هو شيء بغيض في نظري، وكما سبق أن قلت أخذت هذا
المعطى كحقيقة مسلم بها من كنفاني، والأم التي تقوم بالتبني في روايتي كانت
جميلة للغاية وتناوب الجميع على مضاجعتها رغماً عنها في معسكر الاعتقال، وألمحت
شقيقتها إلى أنهم جعلوا منها عاقراً حتى لا تحمل، والطفل المُتبنى أعطى حياتها
مذاقاً بعدما لم تستطع العيش بصورة طبيعية..).
سؤال-أي نوع من الحوار أجريته مع كنفاني في روايتك.؟؟
جواب-(لم أقم حواراً معه، وأنا لم أدخل في الكتاب إلى المشكلة الكبرى والمؤلمة
لكلا الشعبين، لم أتبن مواقف كنفاني الذي يرى في نفسه المتضرر الوحيد في
النزاع..!).
سؤال-كيف أثّرت الانتفاضة على قرارك الخاص بكتابة حمائم في ترافلجار...؟.
جواب-الانتفاضة كان لها بالطبع أثرها على قراري، إن الإسرائيليين والفلسطينيين
أصبحوا متشابهين للغاية، لدرجة أن موجة العداء للساميّة تطولهم معاً..
والفلسطينيون مثل اليهود فلديهم الحيوية والوعي والتطلّع إلى الأمام، في حين أن
العرب في معظمهم نائمون وغير منفتحين للمستجدات، أعتقد في النهاية إذا ما رجحت
كفّة العقل من الجانبين فسوف ينشأ هنا اتحاد فيدرالي بين الشعبين وهو نفس
المشروع القبرصي اليوتيبي الذي يتبناه زئيف بطل روايتي..
سؤال-وهل هذه رؤيتك أيضاً؟..
جواب-إنني أحلم باتحاد فيدرالي بين الشعبين، المستشفيات تكون مشتركة
والفلسطينيون مؤهلون لذلك، فالمسيحيون منهم فاقوا اليهود الشرقيين في
إنجازاتهم، ومن الممكن تركيز العمل المصرفي هنا بدلاً من نقله إلى أوربا، وفيما
يتعلق بالعلم لا يهمني في شيء، أي خرقة قماش يعلقونها فليكن هناك علمان وعملة
واحدة.. انتهى).
ومن الغريب أن يتجاهل كاتب وأديب مشهور كسامي ميخائيل الذي يوحي بأنه ينادي
بالفدرالية المعتدلة والإنسانية والأحقية لتكريس واقع مستجد وغريب وهو يضع السم
في الدسم ويطلق لنفسه العنان بتعميق الفجوة بسرد أحداث الكارثة النازية(الهولوكوست
المسوّرة بسؤالات وغرائب أكثر من أن تُحصى)، ليس لنا فيها ناقة ولا بعير لندفع
نحن الثمن بفعل المُحدث على الأرض من خلال العنف والسطو والكراهية..! أن يتجاهل
ذلك الأديب الألمعي مجرد الإشارة إلى تلك العلاقة بين الروايتين لتخرج علينا
دار "عام عوفيد" للنشر بهذه المعلومة لتؤكد نظرية السطو التي تطال كل ما في
حيواتنا من أشياء جميلة.
وسامي ميخائيل أديب يهودي، من مواليد 1926، ولد بإحدى ضواحي العاصمة العراقية
بغداد، شيوعي هاجر إلى "إسرائيل" عام 1949، وأقام في ضاحية وادي النسناس في
مدينة حيفا وتخرّج من جامعتها قسم علم النفس والأدب العربي، أصدر العديد من
الروايات نشرت أولها في عام 1974 وحصد الكثير من الجوائز العالمية، والمرشح
حالياً إلى جائزة نوبل.
وكل ما جاء تبريراً وحفظاً لماء الوجه هو ذلك الإعلان في صحيفة "هآرتس" عندما
قال سامي ميخائيل: (إنه خلال المقابلة التي أجرتها معه الصحفية داليا كاربل
بادر بالإشارة إلى العلاقة بين روايته الجديدة حمائم في ترافلجار وبين رواية
غسان كنفاني عائد إلى حيفا لكن الصحفية "الإسرائيلية" جعلت من المعلومة التي
أبلغها بها بخصوص العلاقة بين الروايتين على ما يبدو اكتشافاً لها، وأضاف
ميخائيل أنه في كل المنابر الأدبية التي ظهر بها كان يشير إلى هذه العلاقة،
وعندما أبلغت الصحفية دار النشر بهذه العلاقة عثر "وياللمصادفة الغريبة" على نص
حديث كان قد أجراه مع الملحق الأدبي لصحيفة يدعوت أحرونوت في شهر إبريل قبل
عامين جاء فيه على لسانه: "أنا الآن في المراحل النهائية من كتابة رواية جديدة
ستكون بمثابة تكملة لرواية الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، وأنا أقفز في هذه
الرواية عشرين عاماً إلى الأمام". لذلك فإن أي ادعاء من جانب السيدة كاربل
بخصوص إخفاء العلاقة يضرّ باسمي ولا يوجد له أي أساس من الصحة".).
ولو عدنا إلى ذلك الحوار الذي أجرته معه الصحفية داليا كاربل عندما سألته لماذا
لا يرجع الفضل لأصحابه أجاب:
(إن كنفاني لم يكتب روايته بصورة جيدة..!.. وأنا لا أحكي قصة كنفاني، ولم يطرأ
في ذهني أنه من الواجب الإشارة إليه في كتابي واكتفيت بذكر ذلك في مقابلاتي
الصحفية..!).
أليس من الغريب أن رجلاً معجوناً بالسياسة مثل ميخائيل لم يشر في كتابه لا من
قريب ولا من بعيد إلى رواية الشهيد الأديب الفلسطيني غسّان كنفاني التي استند
إليها وكانت مصدر إلهامه ولا يحمل مخطوط روايته أي إشارة إلى ذلك..!؟..
ولابد لي من باب الأمانة أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى الأستاذ حسين سراج نائب
رئيس تحرير مجلة أكتوبر المصرية والباحث في الشؤون الإسرائيلية الذي أفرد صفحات
لهذا الموضوع في مجلة أكتوبر العدد 1493 تاريخ 4/6/2005 تحت عنوان (عندما يقع
الأديب "الإسرائيلي" تحت تأثير كاتب فلسطيني)، وليعذرني صديقي الأستاذ حسين فقد
كنت أتمنى منه أن يتوخى الدقة عندما عرج بالقليل بالتعريف عن سيرة الشهيد غسان
كنفاني وأجد من واجبي أن أصحح بعض ما ورد في مقالته من معلومات فقد جاء بأن
غسان دفع حياته ثمناً لعضويته في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.؟ دون التنويه
بأن غسان دفع حياته ثمناً لأنه لامس العمق الإنساني الذي شرد وتسبب في معاناة
الشعب الفلسطيني والذي فرض بالتالي الفعل المقاوم المشروع للهجمة الصهيونية
العنصرية الماحقة!.. وكان فلسطينياً وإنساناً وممثلاً عالمياً لضمير ووجع
الفلسطينيين وقلماً عرّى فأوجع..
وقال: "بأن غسان ظهر في الصور التي نشرتها الصحافة اللبنانية مع المشاركين في
العملية الفدائية التي نفذها الجيش الأحمر بمطار اللد في شهر مايو 1972"، وهذا
أيضاً ليس حقيقياً وإنما مستقى مما ادعته في حينه ماكينة الإعلام الصهيوني
(وليس الإعلام اللبناني) لتبرير عملية الاغتيال لأن غسّان كان أديباً وكاتباً
وصحفياً ولم يكن مقاتلاً بالبندقية ولا مشاركاً في أي عملية فدائية اللهم إذا
كان العمل الصحفي الصادق والأدبي الإبداعي المقاوم عملاً قتالياً موجعاً جاء
بسببه قرار تصفيته جسدياً.
كما أن الصبية التي استشهدت معه كانت لميس نجم ذات الـ17 ربيعاً وهي ابنة أخت
الشهيد غسان وليست ابنة أخت د.جورج حبش..؟
ولم يحدث أبداً أن اقترحت السيدة آني أرملة الشهيد غسان كنفاني بأن يقوم أديب
إسرائيلي وأديب فلسطيني بكتابة سيناريو يستكملان به رواية عائد إلى حيفا، بل هو
ادّعاء باطل ليس له أي أساس من الصحّة..
إن هذه الأخبار التي تصلنا تباعاً، وغالباً عن طريق الصدفة أو من أصل خلافات
تجري هناك بين الصهاينة أنفسهم عن سرقة أدبية كانت أو تاريخية أو تراثية أو
فنيّة تخصّنا لتصبّ في مصلحة العدو بكل الأبعاد والمفاهيم تفرض على مؤسساتنا
الثقافية والإعلامية الرسمية والخاصّة، وعلى الأدباء والباحثين والمترجمين
الحذر الدائم والعمل على ترجمة أي نتاج أدبي لنكون على مستوى الحدث والقدرة على
التصدي وتبيان الحقائق.
إن هذا السطو البّين على الفكر الفلسطيني هو في الحقيقة تأصيل للتوّجه الصهيوني
في السعي لتبرير وجود وتحقيق هوية وإعلان انتماء لا يحمل أي مشروعية لابد يضر
بمصالحنا الوطنية والقومية العربية التي تعاني الآن ما تعاني من تغييب وإلغاء.
أضيفت في13/04/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر
الأسبوع الأدبي 07/01/2006
(للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
نماذج أخرى من القصة القصيرة والانتفاضة
بقلم الكاتب:
السيد
نجم
قصة "الأرض".. تأليف "طلعت سقيرق"
"الأرض" ليست الحيز المكاني, هي "الإنسان" بعد أن تصبح وطنا. وتبقى
من مرتكزات جوهر "الهوية" إذا أصبحت محل الصراع. وعندما صادرت إسرائيل 20 ألف
دونم في الجليل (في تشرين الأول 1975م), أعلن في 30- 3- 1976م ليصبح يوم الأرض.
وان أعلن "حاييم هرتزوج" في مؤتمر مدريد مقولته السلبية التي سار
وراءه الأوروبيين بعدها, حين قال: "إرهاب الإسلام".. لم يتنازل الفلسطيني عن
مطالبته بأرضه. يكفى أن نصف القضية الفلسطينية بأنها قضية شعب سلبت منه أرضه.
كان من الطبيعي أن تصبح "الأرض" موضوعا ورمزا في الإبداع الأدبي في
الانتفاضة, منها قصة "الأرض" للقاص "طلعت سقيرق".
نص القصة
"أطلق الجندي الاسرائيلى الرصاص.. وأطلق هو الرصاص.. تطلعت "أريحا"
بقلق.. سقطا معا.. قال الجندي هذه الأرض لي.. قال هو: كان جدي يحب السنديان..
أصر الجندي, إنها لي.. وحكى هو عن جدته التي كانت تتجول كل يوم في شوارع
"أريحا".. شعر الجندي ببرودة الأرض.. وكان هو يحس بدفء لا مثيل له.. قال الجندي
الأرض باردة.. وضحك هو ضحكة طويلة, طويلة.. وما أن همدت حركة كل واحد منهما..
حتى سحبته الأرض إليها, شدته بعمق.. وبقى الجندي معلقا على أطراف بندقيته
الباردة!"
انتهت القصة القصيرة جدا, الدالة جدا!!
قراءة
ولد القاص في حيفا, نشأ في دمشق, عمل بالصحافة منذ عام 1976. يبدو
تأثره بتقنيات الكتابة الصحفية الموجزة الدالة, فكانت القصة على عمق الفكرة,
وسعة التناول لموضوع معقد ومتشعب..أشبه بقيرورة زجاجية تحمل رماد لكائن كان سوف
يعود إلى الحياة حتما, بحسب المعتقدات البوذية.
إن اختيار "الأرض" موضوعا للقصة, وهى هنا ليست موضع صراع ورمز موظف
في العمل الأدبي..إنها أحد أطراف وعناصر تشكيل القصة, عضو عامل, مثل "الجندي
الاسرائيلى" و"هو العربي الفلسطيني". وهذا التناول لفكرة الأرض يعد في ذاته
تناولا جديدا وطرحا ايجابيا لتوظيف الأرض في أدب المقاومة.هذا فضلا عن كون
"الأرض" في ذاتها, من أهم عناصر تشكيل "أدب المقاومة", شعرا أو نثرا.
لقد بدأ الجندي الاسرائيلى بإطلاق النار من بندقيته(البداية
عدوانية).. فبادله الفلسطيني ورد عليه بالرصاص أيضا (العين بالعين والسن بالسن
والبادىء أظلم).. بينما كانت "أريحا"/ المدينة/ الأرض (المتابعة عن بعد) تتطلع
وربما تنظر.. فلما سقطا معا من جزاء إطلاق النار, دار الحوار التالي:
"الجندي: هذه الأرض لي..
هو: كان جدي يحب السنديان..
الجندي بإصرار ومكابرة وعناد: إنها لي..
فاضطر هو لأن يحكى حكاية أجداده (جذوره وأصوله): كانت جدتي تتجول في
شوارع أريحا.
الجندي بعد سقوطه شعر ببرودة الأرض (الأمر ليس هينا), يبدو أنها غير
متعاطفة معه, ولا تريده في جوفها.
والا لماذا شعر "هو" بدفء لا مثيل له..؟!! أليس الحضن الدافىء هو
حضن الأم أو الحبية, الأصل والوصل معا. وأن الدفء هنا يحمل دلالات الحياة
النابضة الحية.
عاد الجندي يصرخ: الأرض باردة!! سؤال استنكاري أم اعتراض ودهشة؟؟
كان رد هو ضحكة طويلة..طويلة/ واثقة وتعبر عن الطمأنينة والسعادة.
ما حدث أن همدت الجثتان, الجندي والفلسطيني وهذا أمر طبيعي
ومنطقي..لكن ما حدث بالضبط أن لعبت الأرض دورها الذي قررته هي بنفسها..أن شدت
"هو" إليها, شدته بعمق إلى باطنها واحتوته. بينما بقى الجندي الاسرائيلى معلقا
بطرف بندقيته الباردة, لفظته الأرض ورفضته."
وهكذا فهمنا تلك القصة القصيرة جدا, الجميلة لدلالاتها, بلا صوت
زاعق وبلا رفع شعار ايديولوجى مباشر.
..................
قصة "إمبراطورية زينب"..للقاصة "جار دينيا الحمران"
النص:
"تجلس متشبثة ببعض كرامة وبقايا عنفوان يعكسهما بريق عينيها المتحدى
وقد استوطن القهر والألم مجرى الدماء منها. وهاهي تمعن في أنقاض بيتهم المتهاوي
أمام ناظريها.
رأيتها داخل خيمة جادت بها وكالة غوث اللاجئين بعدما أصبحوا في
العراء, لكنها خيمة عصرية ليست ككل الخيام, بها من أسباب الرفاهية والتطور
التقني ما لا يتوقع.
في زاوية منها تشرئب ثلاجة 20 قدم, بها كل ما تهفوا إليه البطون.
وفى زاوية أخرى جهاز (تليفزيون) ملون 30 بوصة يبث مئات القنوات خاصة الفضائيات
العربية المواكبة لكل متطلبات العرى والخلاعة إلا من رحم ربى.
أما الركن الثالث ففيه مكتب زينب, وبقربه مكتب أخيها أحمد, وعليه
زهرية حمراء منقوش عليها (كوكا كولا) فيها وردة بيضاء, وبيد زينب زهرة بنفسجية
قطفتها من حديقة خيمتهم, تنتظر أن تأتى أمها بزهرية جميلة من تلك التي على مكتب
أحمد. فقد ذهبت الأم لتمارس هواية (shopping) في أحد المراكز القريبة من خيمتهم, ربما تحضرها من "جنين سنتر" أو
"رفح مول".
وضعت زينب زهرتها البنفسجية وقامت تتراقص فوق السجاد الشيرازي على
أنغام (كليب آ ااا ه ونص). هي تعيش سعيدة بحياتها في ظل ما يحويه القرن الواحد
والعشرون من رفاهية العولمة والديمقراطية وحريات الشعوب, خصوصا حرية الإنسان
العربي.
عادت الوالدة بسلة الأمنيات ذات الثقوب الكثيرة, فمال النسيم بأفراخ
زينب جذلا ونامت على متكأ الأحلام.
في الصباح أشرقت شمس الشموس فتبخرت قطرات الندى المنثورة على أزهار
الحديقة وكأنها لؤلؤ من اللجين, كذلك من شعاع رقيق على وجوه النائمين فاستيقظت
زينب ونهضت عن سريرها, طوت لحافها الوثير ورتبت مفرشه ثم راحت تغسل وجهها وعادت
تقول:
-أحمد..
أستيقظ أحمد بسرعة.
- هيا يا أخي لا أريد أن أتأخر عن المدرسة فاليوم لدى حصة إضافية.
أيقظته واتجهت إلى مكتبها وإذا بها تصيح:
"يا ألهى لقد نسيت أن استخرج حقيبة كتبي من تحت الركام. وعادت تمسح
الحقيبة من غبار الأمس, وتسكب كؤوس الواقع في مجرى المحال."
قراءة:
ترجع خصوصية تلك القصة أنها لاسم أظن أنه جديدا على الساحة
الإبداعية الفلسطينية, يتميز بالصدق والبساطة والرشاقة مع خيال بكر لافت.
صوت الراوي أنثوي, يرصد مشهد مأساوي من مشاهد الانتفاضة, وما
أكثرها. وعلى تكرار مشهد هدم البيوت, التقطت الراوية جزئية منه تتصل بعالم
الطفولة, وهو ما أعطى بعدا خاصة لأفاعيل العدو في أطفالنا/ مستقبلنا.
جلست الطالبة الصغيرة "زينب" أمام حطام البيت تبكى كل شيء...
تدخلت الراوية, توقعت ما يمكن أن يكون عليه الحال بعد ذلك..سوف
تتبرع وكالة غوث اللاجئين بخيمة !!
"رأيتها داخل الخيمة" بتلك الكلمات القليلة انتقلت القاصة من زمن
الماضي/الحاضر إلى زمن المستقبل, وهى نقلة فنية بسيطة وفاعلة.
وتبدأ في رسم صورة وردية للحياة داخل تلك الخيمة.. وهنا بداية تفعيل
"السخرية" مما أكسب العمل بعدا للتأمل والتخيل والتفاعل.
هاهي ذي زينب داخل خيمتها, على سريرها الجميل, وفوق السجاد الشيرازي
الشهير, وأمام مكتبها ومكتب أخيها الفخم, والورود تحفهم من كل جانب.
ولأن "الأم" من هواة التسوق!!, خرجت حالا للتسوق من "المول" أو "السنتر"
التجاري الممتلىء بكل ما تتمناه العيون والقلوب والبطون.
كل هذا بفضل "العولمة" التي أتاحت للجميع ممارسة الديمقراطية
والحياة الرغدة الهنية.ز فكل الحديث من التليفزيون والثلاجة وغيرها متوفر داخل
الخيمة.
ولا تنسى الكاتبة الإشارة إلى "الكوكاكولا" التي تجمل الزهرية من
الخارج, ذاك المشروب الذي طالبت لقوى الوطنية مقاطعته بسبب دعم الشركة المنتجة
لإسرائيل.
انتهى كل شيء بسلام وسعادة.. فنامت "زينب".
إلا أنها استيقظت كربة في الصباح الباكر, تذكرت أنها يجب أن تحضر
حصة اضفية قبل بداية اليوم الدراسي, وهو ما حدث بالفعل. أيقظت أحمد, وانتبهت
إلى حقيبتها, وأزاحت التراب من عليها بسبب فعلة الأمس!!
أين السجاد والمكتب والتليفزيون وغيرها؟.. لا شيء غير الواقع المؤلم
الذي هو بين الحلم والحقيقة.
وهذا هو الوصف الحقيقي لكل ما يحدث على أرض الواقع من هول ما يحدث!!
ومع ذلك..لا يبقى إلا العلم والعمل, وهذا ما فعلته "زينب", عندما
أسرعت إلى مدرستها في الصباح الباكر لهدم بيتها لحضور الحصة الإضافية."
هذه القصة القصيرة, وربما القصيرة جدا, تحمل الخصائص التالية:
-تخلو القصة من الرصد المباشر والتسجيل غير الفني للوقائع القاسية
والمؤلمة.
-بعدت القاصة بقصتها عن الصراخ بالشعارات واكتفت بالفن ووسائله
للتعبير عن فكرتها.
-تتميز القصة بالسلاسة والانتقالات الرشيقة بين الأزمنة الحقيقية
والفنية.
-على الرغم من كآبة الموضوع إلا أن روح السخرية غلبت وأضافت بعدا
جماليا داخل القصة.
أضيفت في15/04/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
قراءة نقدية لقصة
جسد بين الغيوم
لناجي
ظاهر
بقلم الكاتب:
د . فاروق
مواسي
من القصص القصيرة التي أثارت اهتمامي "جسد بين الغيوم" للقاص ناجي
ظاهر، وذلك لبنيتها ومضمونها وموضوعها ، كما تراءت لي من خلال قراءة نقدية
فاحصة. وقبل أن أستطرد في التعليل والتحليل أرى لزامًا عليّ تلخيصها قدر ما
يسمح به التلخيص من غير إخلال بالمعنى والرمز.
يتساءل الراوي من أين أتى القنفذ ، وكيف احتل المساحات الكبيرة من
فكره؟
ولماذا هذا التساؤل الملحّ؟
لأنّ الراوي يراه في كل مكان، ومنذ وضع قدمه في بحر كهولة فإنه قد
كان يخرج لسانه شامتًا به كأنما يقول له: "أنت لا تستطيع أن تلمسني". إنه ساحر،
شعاع لا ينتهي في لحظات تعاسته وحزنه، كان الراوي يراوغه، ويعده - "لك بحار من
الفرج والنشوة". ولكن القنفذ لم يستجب. وقد لاحظ الراوي أنه وبعد أن شرب ثلاث
كؤوس من الخمرة أخذَ هذا يقترب منه، وعندما فرغت الكؤوس أقبل القنفذ يحمل بيده
زجاجة عسلية، وأخذ يكرع منها، ودعا الراوي صاحبه لمشاركته الشراب، وهنا تحدث
ملامسة، ولم يختفِ القنفذ هذه المرة ولم يخف. هما يشربان ويشربان والزجاجة لا
تنفد.*
وفي حوار طريف بينهما يؤكد له القنفذ أنه يريد أن يكون شعاعًا من
فرح كهولة الراوي. ويقرر الراوي فجأة أن يذهب إلى رأس الجبل، فيقول له القنفذ:
"هذه الليلة أنا معك حتى الفجر"، وكانت الزجاجة العسلية اللانهاية ملتقى يجمع
الحبيبين ويسقي الواحد منهما الآخر.
ويقرر الراوي أن يلقنه درسًا حتى يندم على كل لحظة اختفى بها وتركه
وحيدًا، يقترح عليه أن يخلع كل منهما ثيابه. يخلع القنفذ، ويظهر الراوي الآن
متحديًا إياه في رهان. يقترح القنفذ أن يرفع أحدهما الآخر، والذي يرفع مرات
أكثر يكسب التحدي، ويكون له ما يبغي من الآخر. لكن الراوي يدرك أنّ هذا الرهان
يخسره، فهو كهل، ولكنه يقبل التحدي على أساس القدرة على الرفع (وليس بعدد
المرات)، ومن يرفع الآخر إلى الأعلى أكثر يكسب التحدي.
وبكل ما لدى الراوي من سنوات مختزنة وأحلام مكبوتة يرفعه إلى أعلى
وأعلى.... فأعلى حتى لم يعد بإمكانه رؤيته. اختفى جسد القنفذ بين الغيوم
السابحة بالفضاء، وظلّ يرفعه بضعة أيام، ثم يطلب هذا أن ينزل، فأنزله الراوي لا
على الأرض وإنما على جسده العاري وناما معًا.
قال الراوي بعد أن حقق نصرًا: كان بإمكاني أن أرفعك عشر مرات،
فيجيبه القنفذ وهو يفتح عينيه لأول مرة منذُ أيام: "مرة واحدة مثل تلك تكفي".
***
في رأيي أنّ هذه القصة رمزية ذات دلالة جنسية محضة، فهي تعبّر أولاً
عن جوع الرجل للجسد الأنثوي، وتعبّر ثانيًا عن خضوع المرأة لمن يمتلكها برجولته
حق الامتلاك. وعلى ذلك فالقصة تكتسب بعدًا إنسانيًا، ولا أغالي إذا جعلتها في
الصف الأول من القصص العالمي، وخاصة في التعبير عن الجنس بصورة فنية مميزة.
ومن ميّزات القص والإبداع فيها أن تكون الصور مؤداة بإيحاءات
متلاحقة والإيحاءات قد تزداد كما يزداد التأويل في كل عمل راقٍ.
فما هو القنفذ؟ وما هي زجاجة الخمر التي لا تنتهي؟ ولماذا شطح الجسد
إلى أعلى حتى غاب بعيدًا؟ ولماذا – قبل ذلك – أراد الراوي أن يذهب إلى الجبل؟
والقنفذ في موروث لغتنا الشعبية مفتاح لفهم النص، ولكن ثمة مفاتيح
أخرى تؤدي بنا إلى هذا التصور، فهو قريب بعيد "كأنما يقول له أنتَ لا تستطيع أن
تلمسني"، ونحن نرى أهمية الحديث عن الملامسة فيما بعد، ومجرد الحديث عن خلع
الثياب والتحدي والرفع والانتشاء والخضوع بعد الامتلاك، كل هذه جعلت هذا التصور
في حيّز الإمكان.
ولكن ثمة تضليلاً ذكيًا يحاول أن يبعد القارئ عن الاسترسال في هذا
التصور، فالسؤال منذُ البدء: "ذلك القنفذ لا أدري من أين أتى، ولا كيف احتل
المساحات الشاسعة الواسعة من فكري"، وكذلك في الختام: "ومرت الأيام وأنا
أرفعه.... وهو يسبح بملكوته المفتوحة على الأبدية".
مثل هاتين الجملتين وكثير غيرهما تبعد القارئ عن محدودية التصور،
وتجعل الآفاق مفتوحة لأبعاد رمزية أخرى تنافس الذي أشرنا إليه إن لم تزحه عن
موقعه..... لكن هذا في تقديري إشاحة مقصودة أو إزاحة عن المباشرة، وبذلك يظل
النص مفتوحًا.
وهنا أعيد القول إنّ النص كلما فتح نوافذه على التأويل كان أبدع
وأروع. سأعود إلى تسلسل القصة مركّزًا على تصرفات القنفذ وردّ الفعل لدى
الراوي، فمن مجمل الأحداث وردود الفعل ستتبين لنا مقومات هذا الرأي الذي ذهبنا
إليه:
***
ويستطيع القارئ أن يتقرى موتيفات "مترددات" مختلفة، منها عنصر
الخمرة في القصة، فالخمرة نموذج على المتعة والنشوة، ففيها يجد الإنسان الجرأة
والصراحة، وفيها كشف للذات بأخرى، يقول الراوي: "نظرت إلى المرأة فوجدتني
شابًا". وبعد مواصلة الشراب تدب فيه النشوة، ويقول للقنفذ أولاً بنوع من
التعميم: "أريد أن أرى الدنيا"، ثم ما يلبث أن يعترف له مخاطبًا إياه بالذات
"أنت من حرمتني النوم"، ولكن هذا الاعتراف الصريح المعبّر عن تعلقه به يجذب
القنفذ وكأنه مغناطيس، فعندما يقول الراوي بنوع من التهرب أو الانتقال المرحلي
الشعوري: "أريد أن أذهب إلى رأس الجبل "يطلب القنفذ مرافقته.
وهناك على رأس الجبل يشربان كالعشاق، ويجد الراوي جرأة تتقدم به
خطوة إلى الأمام ، فيقترح أن يخلع كل منهما ثيابه،...
لقد وفق الكاتب باستخدام "الخمرة" واسطة "Medium"
للتعبير عن محموله.
وقد انتبهت إلى تناص كثير (Interextuality) يتداخل في ثنايا أو خيوط العمل الأدبي وأنسجته. فثمة قصة لزكريا
تامر قصة "الرجل الزنجي*" من مجموعة "صهيل الجواد الأبيض" – ص18، نجد فيها
بذورًا مشابهة، واقرأ معي ما يكتبه تامر:
"والرجل الزنجي صديقي الأوحد، وهو يحبني بصدق، ولا يفارقني لحظة،
إنه قابع في داخلي، إنه طيّب بريء كطفل ولد بعيدًا عن المدن، ولكنه يغدو في بعض
الأحيان شريرًا إلى حد يبعث على الازدراء، وأنا أتحدث معه باستمرار، نتناقش
معًا ونضحك ونبكي. وقبل أيام كنت جالسًا في غرفتي أتحدث معه حين دخلت أمي بهدوء
جعلني لا أنتبه إليها ، فقالت ضاحكة: "هل جننت؟ إنك تحدث لوحدك". وبالطبع
فالأسلوب هنا ورد على طريقة "السرد الذاتي"، بينما كانت قصة ناجي تروي حكاية
الـ"أنا" مع الـ "هو".
وثمة تناص آخر، وذلك حين نجد الراوي يسأل محبوبه فيما إذا أراد أن
يعرف، فيهز رأسه بالنفي. إذا ليس مهمًا "من أنت"؟ وإنما "ماذا تفعل؟" ، وهذا
المشهد ألفيناه في قصيدة لصلاح عبد الصبور:
يا شعرها الأبيض قل :أأنت صوت؟
يا كم تجولت سعيدًا في حدائقك
...
وحين شارفنا ذرى الميدان، غمغمت بدون صوت
كأنها تسألني... من أنت؟!
(صلاح عبد الصبور، المجموعة الكاملة، ج1- دار العودة ص 215)
ثم إن حكاية الصعود هذه ومساعدة المحبوب في الوصول إلى الملكوت،
تذكرني بمسرحية "جبهة الغيب" لبشر فارس حيثُ أن "فدا" يتحكم بشحنه الحياة
...يصرفها إلى غاية يريد الناس فيها أن يحدقوا إلى العلاء، بينما "زينة" حبيبته
حاولت (هناك) أن تصده عن رحلة المجد أو أن ترافقه فيها.
ولن استرسل في مقارنة بين المسرحية وبين هذه القصة، وبالطبع فهذا
ليس ما أقصده هنا (انظر تلخيص المسرحية في كتابي: دراسات وأبحاث في الأدب
العربي الحديث، دار آسيا- 1992، ص233).
لكن هذه الإشارات الثقافية تظلل المعاني والصور التي قد ينتبه لها
المؤلف أو لا ينتبه، ولكنها بالنسبة لنا تدخل ضمن التجربة الإنسانية على مدى
الأدب وتشابكاته.
ولعل ما يعيب القصة وخاصة في بنيتها أنّ الراوي يستعمل في الحوار
"قلت"، "قال" أكثر من مرّة، وفي رأيي أنها ليست ضرورية، وذلك بسبب تلاحق الصور،
مما يحتم عليه الاختزال اللغوي لمواءمة الاختزال الموقفي..... حتى يصل بنا إلى
تفاعلية الحدث.
وقد وردت جملة أظن أنّ الخطأ فيها كان بسبب العجلة: يقول المؤلف:
"والذي يرفع مرات أكثر يكسب التحدي، ويكون له ما يريد، ورهن إشارة
الآخر".
وبالطبع فإنّ قصد المؤلف أن يقول: "ويكون الآخر رهن اشارته"، ذلك
لأنّ الخاسر هو رهن الإشارة، وليس الفائز في التحدي.
وعتاب أكبر: لماذا نكتب (نورا) إملائيًا بالألف المقصورة؟ وما هي
هذه الآفة التي تلحق الأسماء "لينة" ، "ديمة" ، "نادية" ، "فادية" ، "نورة" حتى
وصلنا إلى "رانيا" و "ساميا" ؟؟! من جعلها أسماء مقصورة.... فأخرجها عن أصولها
العربية، بينما هي عربية الأصول؟ وما رأي السادة المتحمسين لها أن نكتب من الآن
فصاعدًا "آمنا" ، "عائشا" ، "نادرا" ...؟
أضيفت في15/04/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر
د فاروق مواسي (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
رؤية المبدع الفلسطيني للسلام
بقلم الكاتب:
السيد
نجم
إذا كانت "المقاومة" شكل من أشكال العنف. تبدأ ب "إرادة" ثم "قرار"
ثم "فعل".. فان هذا الفعل على اتجاهين.. إلى الآخر أو المعتدى المباشر, وربما
إلى الأنا أو ألذات. لتصبح المقاومة بالتالي على شكلين:"المقاومة
الايجابية".."المقاومة السلبية."
أولا: المقاومة الايجابية..
وهى الصورة الأقرب إلى الأذهان لفعل المقاومة, حيث تعد الجانب
الايجابي والمرغوب من "العدوان". وان كان "العدوان" مذموما بالعموم, إلا أنه لا
يعد كذلك عندما يصبح دفاعا عن ألذات الجمعية أو تكيفا مع القدرة على الصمود أو
عملا فاعلا لمواجهة خطر ما من آخر عدواني. هذا الخطر يتسم بتهديد مصالح
"الجماعة" الحيوية أو يسيء إلى القيم العليا المتفق عليها, وقد يهدد حرية
الجماعة وربما بقائها في الوطن الآمن.
يوصف فعل العنف في المقاومة الايجابية, بذاك الفعل الذي يتجه إلى
الآخر العدواني أساسا, والواعي بحدود جماعته وهويتها وقيمها, والنابع عن إرادة
الدفاع عن الجماعة ومصالحها الحيوية. وهو لتحقيق ذلك يتخذ كل السبل حتى يتحقق
الهدف الأسمى.
ثانيا: المقاومة السلبية..
هي (أيضا) فعل العنف النابع عن إرادة وقرار ثم فعل, هذا الفعل
"القوى" يعبر عن نفسه بالعنف, إلا أن هذا العنف يتجه إلى "الأنا" أو "ألذات"..
وقد يتجه الفعل إلى نقد الآخر وفحصه وتحليله من أجل كشف الجوانب السيئة في هذا
الآخر العدواني, دون أن يتسم الفعل بالعنف المباشر, على هذا الآخر. بينما قد
يصل إلى ذروة عنفه مع الأنا أو ألذات.
ويمكن إجمالا تحديد عناصر المقاومة السلبية بالتالي: "البدء بتحديد
الهدف – تعضيد ألذات بالوعي والفهم للقضية/القضايا محور الصراع مع الآخر
العدواني – كشف صورة الآخر العدوانية – القدرة على تحمل المعاناة المتوقعة من
الآخر الأقوى – تفهم الواقع المعاش مع تحمل المشاكل الطارئه حتى يتحقق الهدف
الأسمى – العمل على أسس خطة مدروسة للمواجهة بأقل خسائر ممكنة..وأخيرا تفهم
جوهر التاريخ الانسانى, حيث انتصار الخير والسلم والحرية.
بالعموم للمقاومة أشكالها المباشرة وغير المباشرة.. ومنها البسيط
كإزالة عائق ما أمام ألذات كي تتحرك للامام, من أجل حياة أفضل.. أكثر رقيا
وكرامة ورفاهية, ومنها المعقد إلى حد الصراع العنيف والحروب.
ماذا عن السلم؟
"السلام" هو مطلب الإنسان في كل زمان ومكان, هو فطرة الإنسانية, في
مقابل "العنف" الذي يرفضه كل عقل راجح.
كم عانت الإنسانية من العنف, حتى أن بعض الدارسين أكدوا أن الإنسان
عاش في صراع إلى حد الحروب, بما يمثل 80% من جملة أيامه وسنين تاريخ البشرية
على الأرض.
تمثل العنف في تلك الحروب التي لم تفرق بين المقاتل والضعيف من
أطفال ونسوة وشيوخ, حتى رصدوا بالإحصاء أن الضعفاء هم الأكثر تضررا من
المقاتلين أنفسهم. ربما آخر إحصاء حول حروب القرن العشرين الميلادي ترصد
175مليون نسمة قتلوا بسبب العنف الغاشم الذي استتبع المعارك..لم يفرق بين سكان
المدن والمسلحين في ميدان المعركة, ولا بين مقاتل وغيره من الضعفاء.وقد سعت
الإنسانية إلى محاولة مواجهة العنف بكل صورة, بوازع ديني, وعاطفي إنساني, وأيضا
كل الأيديولوجيات الأكثر تقدما, وبعيدا عن تلك العنصرية التي تذكر في كتب
التاريخ من مدخل التذكر والاعتبار.
ربما يجدر الإشارة إلى بعض التعريفات:
"العنف": ضد الرفق (وقد أبرز د.سيد عويس في دراسة منشورة له حول
العنف أن المقصود بالعنف في الخطاب العام الإعلامي..أنه ذلك العنف الإنساني, أي
الذي يصدر عن البشر..حيث يوجد العنف في الحيوان أيضا).
وقد يحدث العنف بين الأفراد كنمط سلوكي, أو بين الهيئات والمنظمات
والجماعات مثل التنظيمات السياسية أو المهنية وغيرها. ومن مظاهر العنف "الثأر"
أو المشاجرات العنيفة..وكلها ترتكن على ثقافات اجتماعية تزكى العنف.
"السلام": هو ضد مفهوم العنف. والطريف أن البعد الأنثروبولوجي لبعض
الشعوب "أي بعد الجنس الإنساني لشعوب ما"..قد يكون أميل إلى السلام, بينما شعوب
أخرى أميل إلى العنف إلى حد الحرب. وقد أوضحت الأساطير والحكايات الشعبية للصين
أنها من النوع الأول, بينما الهند من النوع الثاني!
وربما من المجدي الإشارة إلى مصطلح "الصراع"..حيث أن العنف يتبدى
بالصراع جليا, والسلام يجعل من الصراع تنافسا شريفا كما في الصراع الرياضي.
فالصراع يعد عند رجال الاجتماع, نوعا من العمليات الاجتماعية وفيه يحاول أطراف
الصراع أفرادا أو جماعات أو حتى الدول تحقيق كل الرغبات التي يحتاجها, ومنع
الآخر من تحقيقها. وهو على درجات منها اليومي والهين والشديد إلى حد العداوة.
كما أن مصطلح "الضمير" يتداخل لتفضيل العنف أو السلام أو حتى الصراع
أو العداوة. وهو البوصلة التي ترشد الأفراد والجماعات إلى الخبيث والى الطيب من
الأعمال والأقوال والأفكار.. به يستقبح المرء أمرا أو يقبله ويندفع نحوه.
والضمير يتشكل يوما بعد يوم منذ اليوم الأول لمولد الإنسان, بفضل الثقافات
والخبرات المتوارثة والمكتسبة.
وبالتالي فما أحوجنا الآن للإشارة إلى مصطلح "التربية" التي اختلفوا
حوله, فليس هو التلقين اليومي من الكبار إلى الصغار, بقدر أن التربية هي
الخبرات المكتسبة والقابلة للتعديل والتبديل إلى الأفضل بفضل سعة الأفق, وعملية
التقييم المستمرة.. حتى تزدهر ملكات الإنسان ليحقق إنسانيته التي فطره الله
عليها.
هناك العديد من الأمثلة والتي أوردها د.سيد عويس (في الدراسة المشار
إليها سلفا), لبيان مظاهر العنف عند الأفراد, وبالتالي تعبر عن أسلوب من أساليب
العداوة:
" الإثارة", "التسلط", "التعبيرات البدنية", "المعارضة المطلقة",
"مركز الانتباه", "التمييز ضد", "المعاملة في غير احترام", "الأنانية", "إرباك
الآخرين", "التعبير عن الإحساس بالسمو", "المزاح العنيف", "المعاملة النفعية",
"الجزع الزائد عن الحد", "الاعتداء البدنى", "الوقاحة", "التحكم التام مع
التسليم يذلك", "تحميل شخص ضعيف خطايا غيره", "عقاب ألذات", "المعاملة
الصامتة", "إفساد ذات البين", "لهجة الحديث", "الإذعان دون اقتناع".
أما الأمثلة حول العنف عند الجماعات أو الدول, فقد أورد منها:
"التفرقة اللاإنسانية مثل التفرقة العنصرية بسبب لون البشرة",
"السجون باعتبارها مؤسسة قمعية وليست تهذيبية", "الحروب على كافة أشكالها
المحلية منها والعالمية", "المؤامرات والدسائس العنيفة"...
كما جاء "السلم" في معجم "مختار الصحاح" بالمعاني التالية:
السلم (بكسر السين وسكون اللام)= السلام (أدخلوا في السلم كافة)
وذهب بمعناها إلى الإسلام.
السلم (بفتح السين وكسرها)= الصلح.
السلام (بفتح السين)= اسم من أسماء الله تعالى.
وقد عمق الإسلام مبدأ السلام والدعوة إليه, يقول الرسول (صلعم):
"السلام قبل الكلام".."إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل
ذمتنا"
ومن دعوته لنا في ميدان الحرب والقتال, إذا أجرى المقاتل كلمة
السلام, وجب الكف عن قتاله.. يقول تعالى:
"ولا تقولوا لمن ألقى أليكم السلام لست مؤمنا"
"والله يدعو إلى دار السلام"
"لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما, إلا قيلا سلاما"
ثم تعدى مفهوم الإسلام للسلام من التوجه العام إلى منهج في مناحي
الحياة..فكانت الدعوة إلى الدين بالعقل والإقناع (بالسلام), ولا إكراه في
الدين.
كما أن "السلام" هو جوهر علاقة المسلمين بعضهم ببعض: "إنما المؤمنون
إخوة", "المسلم أخو المسلم"..
أما وقد أصبح السلام منهجا للفرد والجماعة, بات المنهج في علاقة
الجماعات بعضها ببعض: "وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا, فأصلحوا بينهما, فان
بغت أحدهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله"..
ثم كانت العلاقة بين المسلمين مع غيرهم:
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم, إن الله يحب المقسطين".. سورة الممتحنة آية 8.
ومن أجل أن يكون "السلام" بين الناس والجماعات, كفل الإسلام جميع
حقوق الإنسان..
:حق الحياة.."من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا
بغير نفس أو فساد في الأرض, فكأنما قتل الناس جميعا, ومن أحياها فكأنما أحيا
الناس جميعا"..سورة المائدة آية 32
:حق صيانة المال.. "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"..سورة النساء آية29
:حق العرض.. "ويل لكل همزة لمرة.." سورة الهمزة آية1
:حق الحرية.. والمتمثلة في حق المأوى وحق التعلم وإبداء الرأي
وغيره, يقول تعالى:
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا, إن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف, أو ينفوا من الأرض ذاك لهم
خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم, إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا أن
الله غفور رحيم"..سورة المائدة33
وفى القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحض على القيم العليا
الإنسانية:
"ولا تستوي الحسنة ولا السيئة, ادفع بالتي هي أحسن, فإذا الذي بينك
وبينه عداوة كأنه ولى حميم" (فصلت-41)
"وان الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء
والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (النحل- 90)
إذا كانت القاعدة هي "السلام" فلا مبرر للحرب في نظر الإسلام إلا في
حالة الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن, وكذا رد العدوان مع الدفاع عن
الدعوة إلى الله.
مما سبق كانت العلاقة بين المقاومة والدعوة إلى السلام.. بمعناها
الشامل (سلبية وايجابية) ركيزة للحياة الكريمة, كما أن السلام هو جوهر تلك
الحياة ومحركها. وفى الدعوة إلى السلام دعوة لإزكاء المقاومة (السلبية) التي
تعضد ألذات الفردية/الجمعية لترسيخ قيم الانتماء وحب الأرض والجماعة والوطن,
وبالتالي رفض العدوان, والتأهب لمواجهته. إن كانت الدعوة للسلام فعل غير عنيف
موجه إلى الآخر, فهو فعل في حاجة إلى مجاهدة لتبعات تلك الدعوة, فلا سلام مع
ضعف, ولا تكون الدعوة إليه إلا بقوة ترتكن على قوة مادية ومعنوية في حاجة إلى
مكابدة ومثابرة, ومن هنا كانت الدعوة إلى السلام..مقاومة أيضا.
وغالبا ما تكون الدعوة إلى السلم..رائجة وضرورية (ربما), في حالتين:
أثناء فترات استشعار الخطر أو فترات التهديد مع عدم الرغبة في المواجهة العنيفة
(صراع), أو حتى أثناء فترات الصراع والحروب..رغبة في إزكاء روح التسامح والقيم
العليا (حيث القاعدة للحياة الإنسانية هي السلام).
قصة "سلام الجنرال".. "تيسير نظمى"
وهى قصة تتناول فهم "السلام" من المنظور العبري, إلا أن القصة تبرز
أيضا: كيف يتناول فلسطيني الخارج قضايا سكان الداخل, وكيفية معالجتها فنيا؟؟
فقضية "السلام" عامة/خاصة بالنسبة للفلسطيني, وقد كتبها بلا مكان أو
زمان (تاريخي), كما بدت تصلح لمعالجة مفهوم "السلام" على العموم..وهو ما أكسب
القصة نكهة ومذاق خاص. تبدو بلا انفعال أو افتعال على الرغم من سخونة موضوعها..
تقدم نفسها من خلال تجربة مفترضة وبسيطة, إلا أنها معبرة وساخرة ودالة.
نص القصة:
"جزع الجنرال من تكرار مشاهدته لزرقة الحمامة أحيانا, أو زرقة
العصفور على زجاج سيارته النظيف اللامع تماما مقابل سحنته تماما وبالضبط عند
التماعة ضوء الشمس على شعار خوذته العسكرية, ترجل وتفحص للمرة الثالثة,
والنتيجة زرق يدل على أن الطير هذه المرة يأكل البرغل والمفتول, في المرة
السابقة كان زرق الطير يحتوى على شيء من الفريكة, في المرة قبل السابقة كان
يحتوى على بضع حبات من العدس, والأمر بات واضحا أن الطير مرسل به من مناطق
يسكنها الفلسطينيون.
إذا كان الأمر هكذا, فكر الجنرال, فمعنى ذلك أن الطير إن ترك مواد
كيماوية أو تناولها أو حمل معه أسلحة جرثومية فان الجنرال لا يكون قد أنجز شيئا
من وراء بناء الجدار ولا أنجز شيئا من وراء بناء الجدار ولا أنجز شيئا بتسلحه
المعنوي والاستراتيجي والنووي إذا ما ضاع كل هذا بزرقة لعصفور مستهتر عابث. إما
إذا جرى تفجيره عن بعد فسوف يأتي على أنف الدولة إلى مهزلة, كأن يظهر الجنرال
في مؤتمر صحفي بأنف مقطوع. جزع الجنرال أكثر عندما تفحص زرق اليوم الرابع الذي
سح سحيحا ناشفا بعد أن كان طريا, فشروط في ذات المكان المتعمد في الزجاج
المواجه لوجه الجنرال, ودون أن يظهر لبقية الجنرالات الآخرين أسباب انزعاجه جرى
تكليفه للشرطة وجهاز الاستخبارات بسرية تامة وعلى نطاق محدود بمراقبة توقيت
مجيء الطير وتوقيت تعمده لتوجيه الإهانة تلو الأخرى لمهابة الجنرال, كما من
المهم أيضا متابعته من أين يأتي والى أين يذهب, ومن يرافقه قبل الإطاحة به
والقضاء عليه.
الجندي المكلف أمسك فورا بالناظور وراح يتفحص السماء فوق سيارة
الجنرال التي قام بتنظيفها وتلميع زجاجها الأمامي تحديدا مقابل الشعار. كانت
السماء رائقة صافية والطيور تناغى بعضها البعض فوق الشجرات, عصافير أخرى كانت
تنط على السور وتتقافز في كل الاتجاهات وتحديدا في أعلى السور الواقي تكاثرت
العصافير, مما جعل المهمة ليست بالسهلة لمراقبة ماذا يجرى خلف السور.
هل يقوم الأولاد هناك بعلف العصافير متعمدة لتكسر مهابة علو السور؟
هل هذا عمل تخريبي قيد الإعداد لاستبدال انتفاضة العصافير بانتفاضة الحجارة,
ومن ثم انضمام بقية الطيور في زعزعة استقرار الدولة؟ هل أصبحت الدولة غير قادرة
على حماية سمائها وأجوائها ثم ماذا سيقول العالم إن قامت طائرات الأباتشى بقصف
عصفور بال على سيارة الجنرال أو نياشينه ورتبه على الكتفين؟
وإذا ظهر الجنرال بملابسه المدنية ألن تلاحظ زوجته تلك الإهانة التي
قد يكون منشغلا عنها في أعماله واجتماعاته وعملياته وتخطيطاته لاجتثاث الإرهاب
من جذوره؟
وقبل أن ينقضي اليوم الأول من مراقبة الجدار ومراقبة الأسوار
ومراقبة الأشجار ومراقبة كل متحرك في السماء, مد الجنرال يده مصافحا الجندي
المكلف الذي أدى التحية بدوره لسيده مبتسما لإنجازه المهمة بدقة متناهية وعدم
تجرؤ أي عصفور على التبرز على زجاج سيارة الجنرال فوق المقود بنحو خمسين سم,
وقبل أن يرد الجنرال على ابتسامة الجندي بمثلها وقبل أن تنسحب الأيدي المتشابكة
بالسلام راح كل منهما يتحسس السائل الساخن فوق قصبة أنفه ماسحين برازا متشابها
بأصابعهما والطيور تطير من فوقهما في كل الاتجاهات."
قراءة:
إذا كان الفاصل بين الملهاة والمأساة خط رفيع, كذلك الحال بين
السخرية والتهكم, بين التراجيدي والكوميديا. عندما تعددت تعريفات "الكوميدي"
دون تحديد واضح لها, قام الناقد الفرنسي "بيير فولتز" بتعريفها عن طريق السلب..
فهي في نظره, نوع وسيط شديد المرونة يمكن تعريفه بتعارضه مع الأنواع الأخرى مثل
التراجيديا أو الدراما.
على هذا تكون الكوميديا "وعاء" يمكن أن يصب فيه جميع أشكال القص
والمسرح غير النوعان الموضحان.
و"الفكاهة" أكبر وأوسع مجالا من أن تحصر في "الكوميديا" وفنونها
المختلفة, سواء الفكاهة الشعبية التلقائية, أو حتى المقننة في الفنون مثل
المسرح مثل "كوميديا الفودفيل" و"البولفار".. تلك التي تعتمد على المفاجأة
والمفارقة والحيلة (التكرار- اللبس.. الخ).
وقد فسر "فرو يد" الدعابة إلى أنها ترجع إلى "اقتصاد المجهود الذي
يفرضه علينا الكف أو الكبت"...
كما فسر الفيلسوف "برجسون" الضحك واعتبره ظاهرة اجتماعية, وأنه ينشأ
لحظة انتصار الجسد على الروح (أو انتصار الثقل على الخفة). ويقوم الضحك على
المبالغة والتعميم, وتبدو المبالغة في فن الكاريكاتير. كما يفرق بين السخرية
والتهكم, فالأولى تقوم على نظرة مثالية..مثل تقديم السام على أنه الواقع,
والتهكم على العكس, تقديم المتدني على أنه مثالي أو الأمثل.
يبدو أنه من الضروري الإشارة إلى تلك المقدمة السريعة حول الفكاهة
والضحك قبل تناول القصة أعلاه. فالقصة تحمل في طياتها جوانب فكاهية ومثيرة..من
الابتسام حتى القهقهة, بلا افتعال أو ادعاء صنع قصة كوميدية..وان بدت كذلك.
فالقصة "حدوتة" مسلسلة ومباشرة, بين جنرال عسكري همام ونشط مع
عصفورة!. تماما كما حواديت "ألف ليلة وليلة", وان وظفت عناصر الواقع الفلسطيني
المعاش والآني.. الجنرال, السور المشيد عنوة على الأرض, العصفورة, مع الجندي
ونظارته المكبرة والسيارة العسكرية ثم السلاح القاتل.
وان كان جوهر الموضوع مثيرا للصوت الزاعق والمقولات الجاهزة, إلا أن
القاص جعلها قصة فكهة وطريفة, فبدت طازجة الفكرة والتناول الفني. فلما نشطت
أفكار الجنرال, تخوف من الإرهاب الذي قد يكون قد دبر حيلة مع, وتواطأ مع
العصفورة, كأن يجعلها تحمل المواد الخطرة والبيولوجية الممرضة.. وغيرها. لذا
قرر تكليف الجندي بمتابعة ما وراء السور, من يطعم العصافير؟ من أين تجيء؟
وغيرها من الأسئلة الواجبة والتي تعنى فهم الجنرال لمهام وظيفته تماما.
لكن.. تكاثرت العصافير فوق السور تتناغى, بحيث لم أصبحت مهمة الجندي
صعبة!.. كما انقضى اليوم الأول, ولم تحضر ألعصفوره الشيطانية.. فشعر الجميع
بالنشوة والانتصار.. وفى النهاية قرر الجنرال مصافحة الجندي على نجاح مهمته..
وهو هكذا يصافحه, عادت العصفورة وتبرزت فوق أصابعها المتشابكة!!! لتتجدد مفاجأة
لم تكن في الحسبان, كانت هناك في السماء مجموعة من العصافير تطير فوق رأسيهما,
ولم تكن عصفورة وحيدة!
كتبت القصة خلال عام 2004م, حيث وطأة المواجهة بين العسكرية
العبرية, والشعب الأعزل الفلسطيني, بل بينهم وكل عناصر الوجود والطبيعة على
الأرض الفلسطينية, هاهي ذي بينهم وبين عصفورة!!
إذا كان السور المشيد ارتفاعه سبعة أمتار وبطول قرابة الألف
كيلومتر, يخترق القرية فيمزقها, ويتمدد فيقطع أوصال الضفة الغربية كلها.. هذا
السور الخرساني وحده قد يوقع القاص في التسجيلية غير الفنية, ويجعل من العمل
الابداعى مجموعة من الكلمات الحماسية الرافضة. إلا أن المعالجة جاءت بمواجهة
الجنرال الكبير مع العصفورة الصغيرة, والتي يبدو أنها تتعمد التبرز على زجاج
سيارته اللامع النظيف, وتماما أمام عينيه!!.. حتى انتهى الأمر بالتحدي وكان
البراز فوق الكفين المتصافحين, بينما السماء لمجموعة عصافير.
تعد القصة من القص المقاوم المدافع عن الحياة, والداعي إلى السلام,
ولكن بمفهوم أعم وأشمل من السلام المحفوف بالخطر, أو السلام المفروض بالقوة,
انه السلام المعبأة بدلالات معنى "أدب المقاومة".
قصة: "بوابة السلام".. "بشرى أبو شرار"
"من حي الزيتون... عين الحلوة.. تل السلطان.. مخيم البرازيل.. يتحرك
جسمه الصغير بين الأقدام المتدافعة, نحو الأكوام المردومة على رمال يتفجر من
باطنها حواف مغبرة لأغطية صوفية كانت تلم أجسادهم في ليال باردة......أوراق
تناثرت لدفاتر فتحت للريح صفحاتها, شاهدة على عيون قرأت وخطت عليها.. واليوم
جاءت تبحث عنها..... والمرأة تقترب جبهتها من الحائط الخرساني المتهدم, تمد
يدها لأحجار ثقلت في كفها.. تنادى بحنجرة مذبوحة:
-قد تكون هنا.. ارفع معي يا باسل.
.....تخرج أوراق تنظرها, تقربها من ملامح وجهها فتتصلب عيناها عليها
يقترب منها باسل فتريه ما بيدها قائلة:
-بيتنا في الرملة.. واليوم تهدم هذا البيت...
-أمي لا تنس أنه كان بإذن من وكالة الغوث والأمم المتحدة, ولم تكف
أياديهم تلاحقنا.
انظري إلى جيدا يا أمي قد أكون الآن مسجيا في ثلاجة الخضار مع رفاق
لي ينامون على تلال رملية زهرت وأخصرت بأياديهم.. لم تعد تسعهم ثلاجات الموتى
في مستشفى يوسف النجار..... صرخ أبو جابر رافعا سقف بيته بكلتا يديه.. قطعة من
الصهريج الصدىء..
-هجرة أخرى لنا.. كثير علينا بيت من صفيح.
وألقى بما حملت يداه وعاد يدوى بكلماته:
-قد يرضى الآخرون.. قد يرضون.
لمت جوالها الكتاني في صدرها بنظرات راحلة لأبعد من قرص الشمس وراء
قوس قزح آفل.
وتعود من رحلتها الطويلة لتحط على موطىء قدميها تنظر تنظر إلى
الصغير وقد عثر على لعبته البلاستيكية وجاروفه.. يجرف به الرمال ويهيل بها في
العربة, يتعثر بالأحجار..... ويعود يرفع الرمال بجاروفه يلقى بها في عربته
البلاستيكية حيث سيمضى بها بعيدا نحو أمه الراحلة نحو الشرق حيث مدينتها
البعيدة..."
تتناول القصة واقعة هدم بيوت من صفيح لبعض الفلسطينيين, شيدت البيوت
بتصريح من وكالة الغوث, وهدمت بفعل القوات الإسرائيلية. تجمع الأم أشياءها,
والكل ملهوف على شيء ما, الكبار والصغار.. وعلى أمل يرجونه يعاودون الرجال إلى
الشرق, إلى هناك, إلى حيث الرجاء, ولكن بلا يقين حقيقي.
التقطت عيون "الكاتبة" بطفل بين الأجساد المنهكة الحزينة, سجلت
انشغاله بلعبته.. العربة البلاستيكية.. وهنا بيت القصيد كما يقولون. كل ما فعله
الصغير, أن ملأ عربته بالتراب والركام, وجرها أمامه. بينما تعلق الجميع بأشياهم
الحياتية الضرورية واليومية.. تعلق الصغير بتراب بيته, بتراب الأرض. كأنه شاء
أن ينقل البيت والأرض إلى حيث يحط ثانية, ولا شيء غير ذلك.
عنوان القصة "بوابة السلام", فلا حيلة لنا إلا أن نفهم أن بوابة
السلام هي الحفاظ على الأرض. فالعنوان دال وموحى وراصد للمغزى.. أو معنى
"السلام" عند الفلسطيني. كأنها أرادت أن تقول: لا سلام إلا باحتفاظ الفلسطيني
بحقه في الحياة على أرضة.
قصة "وفى فلسطين من الموت تولد الحياة".. "سناء أبو شرار"
" وجدت هويتي في أعماق زنزانتي, وهويتي الجديدة هي فلسطيني مجاهد,
لم أدرك المعنى الحقيقي للهوية إلا بعد دخولي هذه الزنزانة!!......وبعد زمن لا
أرقام له ولا ساعات يفتح ذلك الباب الصدىء, وتسحبني أيد خشنة, فيرقص قلبي فرحا,
لأن حبسي في تلك الزنزانة قد انتهى واستعد لاستقبال المرحلة التالية....
أوقفوني أمام باب آخر, وقذفوا بي إلى الداخل, إنها زنزانة طولها متر واحد فقط,
وعرضها متر واحد, ويوجد مقعد صغير يجب أن أجلس عليه, وأمامي ضوء أحمر قان يرسل
شعاعا حارا ومزعجا للعيون..... أجلس على المقعد الصغير, ويوجه جهاز التكيف
البارد باتجاهي, وتزداد برودة الهواء, كلما مرت الدقائق ازداد ارتعاش ركبتي
واصطكاك أسناني..... يفتح الباب الملعون من جديد وينقلونني إلى غرفة واسعة
معلق في وسط سقفها ضوء أصفر له رائحة العفن والموت. الجالس مقابلتي: "لا تبحث
عن مقعد... ولن تقف على ساقيك الاثنتين.." ويضحك!.... لم أكن أتصور من قبل أن
للعصا لغة طليقة, وواضحة بتلك الصورة, وأنها أشد تعبيرا عن القسوة والحقد من كل
كلمات الأرض.... يعرفون حضور الموت أكثر من أي شخص آخر, يتوقفون عن الضرب
ويقذفون بي في أحد أركان الغرفة, ولا ينسون بالطبع رفسي بنعالهم.... ساعات أو
أيام أو ربما سنوات أعتقد أنها مرت منذ أن قذفوا بي في أحدى الزنزانات,
واستسلمت إلى نوم, تتصارع فيه الكوابيس والآلام.... لم أعد أذكر عدد الأيام
التي مرت, أو الأعوام, أو الساعات فلم يعد للزمن أي منظومة.... لأول مرة أعرف
ما المعنى الحقيقي للجنون وأكره ضعفي الشجاع أمام قوته الجبانة, ولأول مرة أسمع
صوته المليء بالحقد: "هل تريد النوم أيها القذر.."..... ويحضر شخص آخر, واشتم
رائحة العطر الثمين: "هل تنوى الاستمرار طويلا في تلك اللعبة الصعبة..؟"....
تحسست عظامي فبدت كأنها ملتصقة بذلك المقعد الخشن... أحاول أن
أنهض, فيرتطم رأسي بسقف الزنزانة المنخفض... تمضى الساعات, وأقاوم حاجتي
الطبيعية... يفتح الباب يوميا وتقذف إلى داخل الزنزانة صينية بها شيء ما من
الطعام....
داخل زنازين الموت, وفى أعماق هذه الألوان السود, وديدان المقابر
تنبت الحياة من جديد بعروقي... لقد تعمدوا تسليط ذلك الضوء دقائق طويلة... ربما
مرت ثلاثة أيام... لم يعدهناك شعور بالوقت..... نزعوا ملابسي, وربطوا قدمي
بعضها ببعض, ثم حملوني وعلقوني في سقف شرفة... أصبح جسدي يترنح في الهواء طوال
الليل, والبرد قارس ينهشه..... غبت عن الوعي... لم ادر كم مر من الوقت.... "
تتابع القاصة في حوار هام بين المعتقل والطبيب, حيث تثار قضية
"السلام":
" ونفس ذلك الوجه الغريب, سمعته يقول لي بلهجته العربية المكسرة:
"حسنا يا أحمد, انك بخير الآن. هيا انهض قليلا, ولتحاول شرب الدواء.."....
سألته شيئا: "لماذا تصر على مساعدتي ؟ ألست واحدا منهم؟ انك لا تساعدني, بل
تشارك في التعذيب"
"أنا أفهم ما تريد أن تقوله, ولكن عملي يجبرني على ذلك....."
"ربما لديك شيء من الضمير الانسانى, لكنك لا تعرف شيئا عن الضمير
الوطني..."
"أنت معي في غرفة مخصصة للعلاج, لا في ساحة حرب.... "
" وفى غرفة التحقيق لن تكون إلا مخلصا لصهيونيتك...."
ثم قال الطبيب الاسرائيلى:
"لأول مرة أقول هذا لعربي, ولكنني لست مع ما يجرى هنا, وأنا أرفض كل
هذا العنف, وأؤمن بالسلام بيننا!!"
"أنت ترى في حلم السلام راحة لضميرك الذي يؤلمك, وأنا أرى به مهزلة
كبيرة, فعن أي سلام تتحدث؟... وليبدأ هذا السلام بإزالة غرف التعذيب.."
وتابعت القصة أحداثها بمزيد من التعذيب حتى دمرت شيئا ما في جسد هذا
الشاب قد لايمكن علاجه. وهو ما جعل المعتقل – فيما بعد – لا يتحمل حياة
الاستقرار في منزله, وخرج للجهاد ثانية ضد الاحتلال.
الآن ترى كيف يرى العربي المعتقل تحت التعذيب والطبيب الاسرائيلى
المعالج "السلام"؟
يعبر الفلسطيني عن دهشته, أن يفيق بعد التعذيب ليجد أمامه طبيب
اسرائيلى يعالجه؟
يسأل مستفسرا: هل هو "الضمير"؟!..إلا أن الكاتبة اشتقت صفة جديدة
استبدلت بها المعنى المباشر للضمير..ألا وهو "الضمير الميت", "إن الطبيب
الاسرائيلى يحمل ضميرا ميتا, يدفعه لعلاج العربي حتى يعاود رحلة العذاب
الجديدة!". وهى رؤية تحمل في طيها عدم الثقة في سلوك الطبيب وان بدت لعلاجه.
لذلك أخبره: "انك لا تساعدني, بل تشارك في التعذيب" حيث يتجدد التعذيب بعد
الشفاء.
بينما يرى الطبيب الاسرائيلى أنه مخلص لعمله, وليس في الأمر استدعاء
لمعنى "الضمير", بل هي الطاعة لأوامر القادة العسكريين, حيث يعمل في الجيش.
مجددا يسعى المعتقل أن يجد تفسيرا: "ربما لديك شيء من الضمير الانسانى, لكنك لا
تعرف شيئا عن الضمير الوطني"
كأنه بذلك يفصل الطبيب كونه إسرائيليا وكونه صاحب مهنة إنسانية..وهى
قضية قابلة للمناقشة, وتعبر عن سعة صدر وتفهم لبعض الإسرائيليين (حسب رؤية
القاصة).. إلا أن المعتقل ردد مقولته في أسلوب دهش معبرا عن الحيرة, مما يشير
إلى عدم الثقة.
أما الطبيب الاسرائيليى فلا يرى في سلوكه ما يسبب الدهشة, وبرر
سلوكه بقوله: أنت معي في غرفة مخصصة للعلاج, لا في ساحة حرب".
عاد وعبر الطبيب عن رفضه كل هذا العنف في معاملة المعتقلين
الفلسطينيين..حيث أنه يؤمن ب"السلام" بين الفلسطينيين والاسرائليين.
عاد وفسر الفلسطيني سلوك الطبيب بأن مفهوم "السلام" عند الطبيب
"ذاتي" محدد بإطار إراحة الضمير, وهو مفهوم ضيق للسلام, ولا يعبر عن الرغبة في
السلام الحقيقي والشامل.
عاد وأكد الفلسطيني على "السلام" الحقيقي بقوله: "ليبدأ هذا السلام
بإزالة غرف التعذيب"..إذن مفهوم السلام عند الفلسطيني ارتبط بتوفير الحقوق
المدنية والحق في الحياة المستقر للشعب الفلسطيني..(وهى رؤية تضاف إلى ما سبق
من الرؤى في مفهوم السلام).
أضيفت في05/05/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة
كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع
ورواية الآخر
بقلم الكاتب:
عايد عمرو-
رام الله
ما زلنا كعرب عموماً وفلسطينيين خصوصاً نعيش على أوهام غابرة، ونتباكى على تراث
عظيم كبير ضيعناه، مازلنا نستذكر مثقفينا وكتابنا ومفكرينا وفلاسفتنا الذين
مضوا، بعد أن أناروا بإبداعاتهم وكتاباتهم طريق العلم في شتى مناحي الحياة.
ما زلنا وسنبقى إلى أمد بعيد نقرأ وننبش في هذا التراث، فلا تخلو مكتباتنا من
بعض إن لم يكن جل هذه الأعمال الخالدة، ما زلنا مشدوهين بسحر البيان في
أعمالهم، وأشعار المتنبي والمعري والصعاليك وأبي نواس، لا زلنا نقرأ ونقلد ابن
عربي ولم نستغني بعد عن رحلات ابن بطوطة التي كتبها ووثقها من على ظهر (فرسه أو
جمله) رغم المسافات، مثلما لم نستغن أيضاً عن التراث الديني والتفاسير للقرآن
الكريم (القرطبي) السيوطي، وغيرهم... لا زلنا معتمدين على الأئمة الأربعة أو
الخمسة في الفقه).
لقد مرت الأمة بانكسارات كثيرة، وأحبط الجميع، مما ساعد على تكالب الثقافات
الغازية, ومحاصرة الثقافة العربية والإسلامية في زاوية حادة لم تستطع الخروج
منها إلا في مدد قليلة ولمدة محدودة وفي القرن المنصرم لم تستطع الثقافة أن
تشكل نفسها من جديد، ولم تستطع أن تواكب عصر التكنولوجيا والمعلومات، ولم تستفد
أيضاً من إمكانياتها الطبيعية العظيمة، لمواجهة والوقوف في وجه الثقافات
الغازية، وفي طليعتها المشروع الصهيوني.
في أواسط القرن الماضي، واجه المشروع الثقافي العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً
تحدياً كبيراً وذلك من خلال بروز المشروع الثقافي الصهيوني الاستعماري، وقيام
دولة إسرائيل، واستمرأ المثقفون بترديد كلمة إسرائيل وكأن إسرائيل (مجرد لغة)
ونسي أو تناسى المثقفون أن إسرائيل دبابة ومدفع وحدود وطائرات وصواريخ وعلم
ونشيد وقنابل نووية، وإسرائيل هذه ما فتأت تطور مشروعها الثقافي، إسرائيل التي
نرددها تدعي بأن عمرها (4000)سنة من التوراة، و(1000) سنة من الصهيونية ونصف
قرن أو يزيد على إنشائها.
كل ذلك يأتي في ظل (انصهار الثقافات المتعددة الوافدة إليها من مواطني الشتات،
ويوجد فيها ما يقارب 70 جماعة ثقافية وعرقية).
لقد استفادت إسرائيل من هذا التنوع الثقافي، إضافة إلى تعدد اللغات فيها، مما
أعطاها ميزة تنافسية ثقافية ممثلة في إمكان التعامل مع الجمهوريات الإسلامية
التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي بعدتفكيكه.
ويضيف د.نبيل علي في كتابه (الثقافة العربية وعصر المعلومات –سلسلة عالم
المعرفة-260) أن إسرائيل ترتكز على مرتكزات أخرى، فهي صاحبة خبرة واسعة في
إنشاء الأسلحة الثقافية خلال مراحل صراعها مع العرب وكثرة العلماء والمفكرين
والفلاسفة اليهود في الجامعات العالمية، وعلماء الآثار، منهم على سبيل المثال،
إميل دوركايم مؤسس علم الاجتماع الحديث وتشومسكي صاحب أكبر مدرسة في علم
اللسانيات، وجاك دريدا رائد الفكر الفلسفي مابعدالبنيوي، إضافة إلى علاقات
ثقافية واسعة مع العالم.
إن إسرائيل فيها حركة تعليمية نشطة، من خلال رعاية الطلاب بدءاً من الحضانة،
وحتى ما بعد المرحلة الجامعية، وفيها نشاط إعلامي مميز، فمراكز الانترنت منتشرة
في طول البلاد وعرضها وفي المهاجر، وفيها بنية فنية ثقافية قوية، من دور للنشر
ومراكز للدراسات والتوثيق ومتاحف ومعارض متنقلة ومسارح. يقول د.نبيل علي: إن
إسرائيل تأتي في مرتبة متقدمة عالمياً بعد الدانمارك في معدل نشر الكتب، إضافة
إلى وجود حركة ترجمة قوية من اللغات الحية والمنتشرة إلى العبرية، وشبكة
متاحفها مرتبطة مع 120 ألف شبكة متاحف في العالم، وهناك اعتناء بالموسيقى
الكلاسيكية والشعبية إضافة لمحافظتها على موروثها الديني والأعياد اليهودية.
على الجانب الآخر/ العربي الفلسطيني ماذا يوجد؟...
في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) لا يوجد سوى مركزين ثقافيين كبيرين (رشاد
الشوا في غزة، وقصر الثقافة /العلي في رام الله)، لا يوجد أي دار للسينما، ولا
حتى مسرح سوى مسارح غير وطنية (غير تابعة للسلطة)، وهي مسارح ممولة وتنظر
للتطبيع مع إسرائيل، لا يوجد في فلسطين مكتبة وطنية، أو دار نشر وطنية، أو
مؤسسة توزيع، لا يوجد فيها حماية للملكية الفكرية، ولا ضمان للكاتب والمثقف، لا
يوجد كتب تنشرها المؤسسة الرسمية تعنى بالتاريخ والثقافة الفلسطينية، وكل ماهو
منشور ماهو إلاَّ جهد شخصي على نفقة الكاتب الخاصة، وانتشرت في فلسطين
(الدكاكين، والبقاليات والسوبر ماركت، والميني ماركت)، الثقافية، ولا يوجد هناك
استراتيجية ثقافية وطنية، فالاستراتيجيات الثقافية محمولة على إقصاء الرأي
الآخر، وهي عبارة عن مشاريع مكتوبة على ورق، تناقش من قبل واضعيها، مع عدم وضوح
في الرؤية، وعدم مشاركة أغلبية المثقفين والشعب، لأن (التناحر) على المناصب
العليا جعل من الثقافة جسراً لكل راغب في الحصول على تقاعد مبكر!!...
لم تستطع الثقافة الفلسطينية من التنوع الذي حصل في المشهد الثقافي خصوصاً بعد
أوسلو 1993، ولم تصل الثقافة الفلسطينية إلى حيث أماكن تواجد الفلسطينيين في
الشتات، إذ ما عرفنا أن ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني يعيش في الشتات، ولم تطبع
المؤسسة الثقافية الرسمية أي كتاب لأي مثقف فلسطيني يعيش في الشتات بعد 11
عاماً على قيام السلطة الفلسطينية سوى (خمسة كتب)، أحجم عن نشر الأسماء بسبب
حساسية الموضوع، والطباعة في فلسطين ليست قائمة على قوة النص بل قائمة على قوة
العلاقة بين المسؤول والكاتب وعلى طريقة (حكلي لأحك لك)!!، وهناك مثقفون
فلسطينيون في الشتات لا يعرف عنهم شيء حتى من المثقفين أنفسهم في الداخل،
والإقصاء موجود، فكل من يخالف أي مسؤول ثقافي يدفع الثمن والثمن معروف الحرمان
من النشر وتغييبه عن الفعاليات والمهرجانات المحلية والعربية والعالمية،
و(وتشويه السمعة) والاتهامات التي أصبحت في خانة النسيان.
في فلسطين يستبعد المثقف الوطني الملتزم بالثوابت، ويقدم عليه المثقف المدفوع
له، والمستثقف، والدعيّ، وهناك مثقفون يحملون شهادات عليا لا يجدون عملاً لهم
والأسماء في القائمة تطول.
*في ظل هذا الخراب، عن أي مشروع ثقافي نتحدث؟...
*نحن الفلسطينيين مثقفين وشعراء وكتاب وباحثين وصحفيين، أين نحن من كل هذا
الموجود الآن في إسرائيل؟..
من هنا توجهنا بعدة أسئلة صغناها في سؤال واحد على جمهرة من المثقفين والكتاب
الفلسطينيين، الفاعلين في المشهد الثقافي الفلسطيني ومنهم صاحب القرار، وربما
السؤال قد طرح في ساحات أخرى، ولكنني ارتأيت أن أطرحه هنا في فلسطين لأننا
كفلسطينيين أول المتأثرين والمؤثرين بالمشهد الثقافي الإسرائيلي، وذلك بحكم
الصراع الطويل معه، وتشابكنا الديمغرافي العجيب، وتأثرنا به سلباً وإيجاباً،
بشكل مباشر أكثر من أي ساحة أخرى وطرحنا السؤال الكبير: كمثقفين وشعراء ومفكرين
وباحثين وكتاب وصحفيين ونحن نعيش الآن في الألفية الثالثة، كيف لنا أن نبني
المشروع الثقافي الفلسطيني، وأن نخرجه من دائرة الفراغ والتمني إلى واقع
الحقيقة؟.. وكيف يمكن لهذا المشروع أن يواجه المشروع الثقافي الغربي والصهيوني
الغازي، وماهو تعريفكم لمصطلح التطبيع ومعرفة الآخر، النقيض وقراءة روايته
والرد عليها، هذه الرواية التي كتبها على أشلاء الشعب الفلسطيني؟...
المتوكل طه
-شاعر-
رام الله
الشاعر المتوكل طه يرى ابتداء أنه لا بد أن تكتمل تسمية ومواصفات الأدلة في
اللحظة التي تتبلور فيها المؤسسة الرسمية والأهلية، حتى يتمكن العاملون على
مختلف الصعد من تأصيل استراتيجية قادرة على الإحاطة والتكامل وتحقيق الاختراق
المطلوب.
ويضيف: في حالتنا الفلسطينية، فإن كلتا المؤسستين الرسمية والأهلية لم تتبلور
إلى الحد الذي تستطيع فيه أن تضع استراتيجية قادرة على النهوض بالمشهد الثقافي
في فلسطين، لكننا نمتلك من التراث الثقافي والعمل والحراك في هذا المجال، ما
يكفي لكي نبلور إرهاصات أولية واجبة الوجود، لتمتين الجدار الثقافي المتبقي
لمواجهة الاستلاب والتطبيع ومحو العالم، حيث باستطاعة وزارة الثقافة والمراكز
الثقافية الرسمية من الاجتماع غير مرة على أسس أهمها:
1-عدم الخضوع للتقسيم السياسي الجغرافي للمناطق الثقافية الفلسطينية، بل وحدة
الثقافة الوطنية الفلسطينية.
2-مواجهة التطبيع بكل أشكاله، ومنع هرولة بعض المؤسسات والأفراد لهدم الجدار
الثقافي الباقي.
3-تهيئة البنية التحتية والآليات الكافية، لخلق أجواء مواتية للإنتاج الثقافي
من قبل المثقفين والمؤسسات الأهلية.
4-تعميم النص الثقافي بعد تحقيقه ونشره من خلال كل التقنيات والمناهج والمنابر
في الداخل والخارج.
ويؤكد الشاعر طه أن هذه الأسس كافية الآن على الأقل لبلورة ملامح الاستراتيجية
المطلوبة، لمواجهة الاستراتيجية الاحتلالية.
أما بخصوص التطبيع فيرى طه أن ثمة لبساً حول هذا المصطلح، الذي هو بحاجة إلى
تحديد في المعنى والدلالة، لأن التطبيع هو قبول رواية الآخر/الاحتلال، عن نفسه
وعنا ويضيف: وبهذا المعنى، فإن المطبعين قليلون، غير أن التطبيع بهذا المفهوم
يختلف عن معرفة الآخر الضرورية، التي يجب أن تتم بصورة حذرة ومحددة لا توحي
بالتعاطي الطبيعي مع الاحتلال.
كما أن التطبيع بهذا المفهوم، يختلف عن العلاقة القسرية الإجبارية المفروضة
علينا، نحن الفلسطينيين في الضفة والقطاع والقدس وأراضي 1948، حيث أن العلاقة
مابين الاحتلال وبيننا هي علاقة غير طبيعية بل إجبارية، فهي علاقة مابين السجين
والسجان، ومابين الجلاد والضحية، ولهذا على الأشقاء العرب أن لا يأخذوا علينا
أننا قمنا بتطبيع علاقاتنا مع الاحتلال، حتى يعطوا لأنفسهم الحق في إقامة علاقة
معه، على اعتبار أن (أصحاب الشأن) قد سبقوهم في التطبيع ويستدرك الشاعر طه
بقوله: إلاَّ أن الكثير من المؤسسات غير الحكومية، وقعت بشكل ساذج أو بسوء نية
في شرك إقامة علاقة تبادلية، مع مؤسسات مشابهة إسرائيلية، كشرط مسبق، ليتم
دعمها من قبل الدول الأوروبية.
أما عن كيفية رواية الاحتلال، فأعتقد بأن المناداة بإقامة جبهة عربية من المحيط
إلى الخليج لمواجهة التطبيع بكل أشكاله، هو الحل اللحظي، الأكثر عافية ومناسبة،
إضافة إلى أن يتنطح النص الثقافي لكل الأشكال الداعية إلى قبول هذا الآخر،
اقتصادياً وسياساً وأمنياً وجعله جسماً (طبيعياً) في المنطقة.
عبد الله تايه
-روائي-
غزة
بانت وسائل الألفية الجديدة لكل من يريد العبور، نشتكي من هيمنة الإعلام الغربي
على وسائل الإعلام، ونشتكي من الرقابة في بلادنا العربية، الألفية الثالثة رسخت
وسائلها لنشر النمط الثقافي، الفضائيات، الانترنت، المؤتمرات، الترجمة، دخول
المعاهد ومراكز الدراسات واستطلاعات الرأي والجامعات إلى مراكز جذب وتوجيه
واستقطاب، منظمات عالمية وغير عالمية للثقافة والعلوم تشجع أنماطاً ثقافية
فتبرزها، وتستهين بأنماط أخرى من الثقافات الإنسانية التي تنتجها شعوب لا توافق
على سياستها في عالم السوق والاستهلاك ووصل الأمر لمحاولة فرض شروط ثقافية في
اتفاقية منظمة التجارة الحرة العالمية (الجات)، بهدف سيطرة نمط ثقافي واحد على
أنماط سائدة بما يحقق التبعية الثقافية الغربية على العالم، وتحديداً لصالح
الولايات المتحدة حتى على النمط الأوروبي.
المشروع الثقافي الفلسطيني يقع ضمن المشروع الثقافي العربي، نحن جزء من الثقافة
العربية ومن الأمة العربية، وعلينا أن نطور علاقاتنا الثقافية مع العالم العربي
وقد كنا ولا نزال فاعلية ثقافية، وقدمنا في المجال الإبداعي عدداً من الكتاب
والمبدعين لكن المشروع الثقافي الفلسطيني هل هو المجال الإبداعي في الأدب فقط؟.
وحتى هذا المجال ماذا قدمنا فيه على صعيد حركة النشر المحلي داخل فلسطين خلال
أعوام السلطة الفلسطينية؟ وماذا قدمنا فيه على صعيد التعاون مع دور النشر
العربية، لتصل مساهماتنا إلى القراء العرب؟، وأين نحن من حركة الترجمة؟ ترجمة
الكتاب الفلسطيني –الذي يستحق- إلى اللغات الأخرى، وأين نحن من الدخول بصفحات
أدبية وثقافية إلى الانترنت؟.. وأين نحن من تسوية الكتاب محلياًوعربياً من خلال
شبكات التوزيع والتسويق على الانترنت، منذ عامين طرحنا مبادرتنا الشخصية بتشكيل
الهيئة العامة للكتاب، لنقفز بموضوع الطباعة والنشر والترجمة والتسويق إلى
الدول العربية، فاشتغل علينا (البعض) من دافع أنها فكرة يمكن أن تحقق لهم
مطمحاً شخصياً، ومطامع في الوظائف والامتيازات، لم يستطع أحد إقامة مؤسسة ذات
وزن في هذا المجال، وظل طالبو الطباعة من المتنفذين قادرين على الوصول إلى دور
الطباعة والنشر من الدول المجاورة هم هم.. من ثلاثين عاماً.. اللهم لا حسد...
ومنهم ليس لمجرد قدراتهم الإبداعية فقط ولكن لأن لهم قدرات أخرى.
من يريد بناء مشروع ثقافي عليه أولاً أن ينجح في عمل برامج إعلامية تثقيفية
وجوائز تشجيعية، فما بالنا إذا كنا نتحدث عن ثقافة شعب يتصدى لقضية وجود منذ
أوائل القرن الماضي حتى الآن ونحن ندخل قرناً جديداً.
إن دور الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات والتوثيق هام في هذا المجال، ووسائل
الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزيون عليها تبعة ثقيلة في الموضوع الثقافي بحيث
يقوم به متخصصون ذوو كفاءة، إن الدول تكرس كثيراً من الوقت والجهد والمال
لمختلف المجالات ولكنها مقصرة تجاه الثقافة، التي تشتكي دوماً من ضعف
الموازنات، وكذلك المؤسسات الثقافية وعلى رأسها اتحاد الكتاب.
الكتاب والمثقفون الفلسطينيون يقومون بدور فاعل ويواجهون الرواية الصهيونية
المزورة بكشف زيفها طوال فترة الصراع،هم مستمرون في ذلك، وهم يرفضون التطبيع،
متمسكون بالثوابت الوطنية، ولم تثنهم الاتفاقيات السياسية عند ذكر قراهم ومدنهم
والمطالبة بالعودة إلى يافا وحيفا وحمامة وبيت دراس، إن الصراع مع الآخر/
النقيض يفرض علينا أن نعرف ما يقول وكيف ينظر إلينا لنتمكن من فضحه.
أحمد رفيق عوض-روائي وإعلامي-
رام الله
في الألفية الثالثة، في الأدب لا إشادة بالبطولة، ولا إشادة بالمقاومة ويتحول
الأدب إلى جلد الذات، وصدى حقيقي للهزيمة، اختفاء الإيديولوجيا من أجل الذات،
وسيادة الايروتيكيا مقابل الهموم المجتمعية، وحصلنا على أدب ضعيف متردد خائف،
لا يوجد هناك سؤال، ولا إجابة.
قرأت رواية (....)، لروائية ما، تتحدث عن القدس وعن مدينتها، وكأن الاحتلال غير
موجود، حصلنا على أدب غني أفقياً فقير عامودياً، ولا أحس أن هذا الأدب
فلسطينياً، هذا أدب يليق (بهامبورغ) على سبيل المثال، وليس أدباً لرام الله!
الدم يسيل في الشوارع ولكن الأدب هنا هو أدب خيبة الأمل والتقصير.
في أدبنا اختلفت فكرة الضحية والجلاد، اختفت فكرة تمجيد الضحية، لا يوجد هناك
استراتيجية ثقافية، هناك حكومة ظل اسمها
NGOS،
الثقافة في فلسطين يتوزعها اثنان الحكومة والـNGOS،
فعن أي ثقافة وأية استراتيجية نتحدث، وثقافة الـNGOS،
تفرض علينا فرضاً.
د.علي الخواجه
-ناقد-
رام الله
السياسة محرك أساسي في عملية الحراك الثقافي الفلسطيني في الألفية الثالثة، على
خلفية تداعيات اتفاقات أملتها رؤية (حق القوة) في فرض هيمنة قوامها "دئمنة"
تماسكات فكرية واجتماعية باتت علامة فارقة في نهج أصيل معاصر تتبناه شريحة
مثقفة مؤدلجة في قوالب مرنة مطواعة تتحدى نشوء تعالقات تبعية وخنوع، تتموضع في
خندق منافع ذاتية ضيقة، تنكر على نفسها موروثها الثقافي وإمكاناته المختلفة في
تقرير مبدأ التأصيل ورفده بمعطيات جديدة عبر تلاقحات موضوعية مستوعبة مما يحقق
منظوراً ثقافياً معتماً.
يجب استنهاض عقلية الفلسطيني فرداً وجمعاً، بما يولد ما يسمى "تنمية ثقافية"
تراعي جذورها وامتداداتها، وتتفتح على غيرها هاضمة مايلبي ذوقها ويحقق
احتياجاتها، في بلورة نسق ثقافي يواصل حراكه في المنظمة الاجتماعية كقاعدة
رئيسة في بناء مجتمع دينامي يماسك منظومة قيمه العليا التي تمحو من معجمه دال
الهزيمة وتعضد نقيضه، وتضمن ثقافة تحرر وطني أولاً وقومي ثانياً وإنساني ديني
آخراً، وفق نهج مقاوم للتطبيع، ومتصد لثقافة العولمة، ومتحصن بشفافية شعارها
الـ(نحن)، قبل الـ(أن).
رجب أبو سرية
-روائي-
غزة
حتى نقترب من تحديد ملامح وطبيعة المشروع الثقافي الفلسطيني، لا بد أولاً من أن
ندرك الأهمية الاستثنائية لهذا المشروع في هذا الوقت بالذات ليس بالنسبة لنا
نحن المثقفين وحسب. ولكن بالنسبة لنا جميعاً، مواطنين ومؤسسات، وأن ننطلق من
حقيقة كون هذا المشروع في الوقت الذي يحدد فيه شكل ومضمون وطبيعة الثقافة
الفلسطينية حاضراً ومستقبلاً، فإنه في الوقت نفسه، يحدد جوهر وإطار الهوية
الوطنية ذاتها.
أكثر من ذلك يعتبر دعامة وركيزة أساسية للذات الوطنية، وتزداد أهمية ذلك، في
الوقت الراهن حيث الصراع على أشده على جوهر وشكل هذه الذات التي سيحدد الصراع
السياسي الدائر الآن صورتها الأساسية على الأقل.
شخصياً أعتقد أنه منوط بالمثقف الفلسطيني في هذه اللحظة مهمة جسيمة للغاية،
تتمثل في إعادة تنشيط المشهد الثقافي ليلعب دوراً فاعلاً ورائداً في المجتمع
والتجمعات الفلسطينية أينما وجدت، وإطلاق المبادرة لكل الفعاليات الممكنة، عبر
الجماعات والمنتديات والمراكز والاتحادات المختلفة، بصرف النظر عن كون هذه
المبادرات ذات طبيعة فردية أو جماعية، المهم أن تكون غير انتظارية، ولا زالت
مسكونة بهاجس المشاريع العامة والوطنية، وما زالت ترى تحقيق الذاتي والفردي
أمراً ممكناً في إطار العام والجمعي.
باعتقادي، مشروعنا الثقافي يجب أن يعتمد على ركيزتين: الأولى ذات طبيعة تأصيلية،
الهدف منها تثبيت الهوية الوطنية الثقافية، من خلال تأصيل المنجز منها، وتجميعه
في إطار إقامة المكتبة الوطنية والمكتبات العامة، وعبر التأكيد على الانتماء
العربي الإسلامي التنويري، والثانية ذات طبيعة تنويرية حداثية، يكون هدفها بعد
أن توضع الثقافة المعاصرة على طريق التواصل مع الأصول، فتح الآفاق لتطور هذه
الثقافة، انسجاماً مع متطلبات العصر والتحديث والإجابة على أسئلة الواقع،
ولمواجهة استحقاقات المستقبل والتبشيرية.
ويمكن من خلال عملية التأصيل أن يجد الجيل الثقافي الشاب، الذي سيقوم بمهمته في
الحاضر والمستقبل، من خلال المكتبات الوطنية والعامة، كل ما أنجزته الأجيال عبر
المئة عام الماضية، على الأقل، حتى يجد هذا الجيل وعيه وذاكرته ويؤسس عليهما،
وحتى تتحول بذلك الذاكرة إلى سند ثقافي منيع في وجه ثقافة التغريب والاستلاب
العولمي المترافق مع الغزو الثقافي الصهيوني.
بالنسبة لي أنا أقرأ مصطلح التطبيع ضمن إطار معنى واحد لا ثاني له، وهو أن
يتحول اليهود الإسرائيليون إلى أناس طبيعيين، وهذا يتطلب منهم أن يتحرروا من
آرائهم وثقافتهم العدوانية، وأن يتخلوا عن دولتهم اليهودية، وأعتقد بالمقابل
بأن مفهوم التطبيع القائم على قبولهم، بالصورة الحالية التي هُم عليها الآن،
إنما هو وصفة للتصالح بين المتناقضات، وهذا أمر مستحيل بالطبع، فضلاً عن أنه
اقتراح لاستمرار الصراع إلى ما شاء الله، لأنه يشترط التحول والتغيير في طبيعة
وثقافة وإرث كل المحيط ، ليتكيف مع الجزء الطارئ بدلاً من أن يطالب هذا الجزء
بالتكيف مع المحيط، حتى يمكن قبوله.
معرفة الآخر بالنسبة لي، هي تندرج في إطار المجابهة الثقافية الواجبة، على
المثقفين الفلسطينيين والعرب باعتبارهم يدافعون عن الجوهر الإنساني للثقافة.
في مواجهة ثقافة التزوير والتزييف، التي تتطلب متابعة وقراءة كل ما ينتج عن
المجتمع (الإسرائيلي)، من إنتاج ثقافي، يكتشف ويدلل في الوقت ذاته على الطبيعة
العنصرية والاختلالية لدولة الكيان الإسرائيلي.
محمد نصار
-روائي-
غزة
لعل أحد أهم الأسباب التي أدت بنا كفلسطينيين وعرب إلى الولوج في هذا النفق
المظلم، هي حالة انعدام الوزن التي تمثلها على الصعيد الدولي، فالانهزام
السياسي الذي تعيشه الأمة ككل أدت إلى حالة من الإفلاس الثقافي –بما ترقى إلى
نوع من التبعية الثقافية.
وهذا أمر واضح يمكن تلمسه في كافة مناحي الحياة.. نحن نعيش في حالة انحدار
ثقافي شبيهة بتلك التي سادت أيام العهد المملوكي... لا شيء سوى كوننا أمة
مهزومة.. وما ينطبق على الأمة ينطبق علينا نحن الفلسطينيين... بل الصورة عندنا
أكثر سوداوية خصوصاً أننا نواجه عدواً يمتلك كافة المقومات التي تؤهله للانقضاض
على ما تبقى من أنقاض مشروعنا الثقافي العربي والفلسطيني على السواء.
أما كيف نقاوم ذلك فالأمر ليس بالهين نظراً للمعطيات التي أشرنا إليها سابقاً،
إضافة إلى ما يمارسه المتآمرون من ظلاميين ومطبعيين وغيرهم، من هدم لما تبقى من
تلك الأنقاض. ويستدرك بقوله: غير أن الأمر لن يكون على هذا النحو من القتامة لو
تكاتفت جهود الشرفاء في هذه الأمة محاولة إيقاف هذا الزحف المدمر والذي إن
استمر على نفس الشاكلة سيجعلنا في القريب العاجل أمة بلا ثقافة وبلا هوية.
التطبيع لا يبتعد كثيراً عن العمالة، وكل الدعاوي التي يتسلح بها أولئك النفر
للنفاذ من خلالها إلى تحقيق تلك الغاية هي دعاو زائفة يراد بها التضليل والتستر
على جرم يرتكب في حق الأمة وتاريخها، فقراءة الآخر أياً كان لا تشترط التطبيع
معه، وروايته لا تحتاج لأكثر من التعامل معها بحذر يوازي حذر التعامل مع
رصاصه.
زياد خداش
-قاص-
رام الله
لا جديد يشي بتطور على صعيد البناء الثقافي والعكس تماماً هو الصحيح، فقد تعمقت
أمراض الثقافة الفلسطينية، واتخذت طابعاً كاريكاتورياً، لا أتخيل أن الشاعر
الفلسطيني "مثلاً" الموظف في دائرة حكومية يمكن أن يساهم في إنتاج مشروع ثقافي
جاد وجديد، لا أتخيل أن المشروع الثقافي المحلوم به يمكن أن يخرج من مكاتب
الأدباء... المدراء العامين (وهم كثر والحمد لله على هذا السخاء الحكومي) !...
إلا إذا كان المقصود بالمشروع الثقافي الجاد هو فعاليات ثقافية تتمثل في طباعة
دواوين شعر، إصدار مجلات، توزيع جوائز، توقيع عرائض. تبادل ثقافي مع دولة
أجنبية، حملات اعتصام تضامن... لا يمكن أن نبني مشروعاً ثقافياً حقيقياً طالما
نحن نتعامل مع هذه الكلمة المقدسة الشفافية على أنها منزل شخصي لكل منا. نمارس
فيه مصالحنا الضيقة، نحقق أغراضنا اليومية العابرة، ونستغله لإشباع نهمنا
المريض للمجد الشخصي. لا يمكن أن نبني مشروعاً ثقافياً حقيقياً يستنهض روحنا
الحضارية الدائرة، يشكل جبهة دفاعية منيعة ضد المحاولات المستميتة لاستلاب
هويتنا وتقيم ضياعنا التجديدي على مدى تاريخنا
تاريخنا الإبداعي وقتل ثقتنا بطاقاتنا الفكرية الأدبية طالما نحن نتعامل مع
الثقافة على أنها ميدان رحب للعلاقات العامة وعقد الصفقات وحبك المؤامرات
وتبادل المنافع الشكلية والعائلية والسياسية.
ما زلت أذكر بمرارة كيف تعامل المثقفون مع انتفاضات شعبنا العظيم، الفعاليات لم
تتعد الاعتصامات والمناشدات وتوقيع العرائض، وما زالت تدور في عيني صورة شديدة
البريق لأطفال شديدي الرفاهية والترف يتكئون على الأرض بركبهم السمينة وتظهر من
الخلف أحذيتهم الرياضية الفاخرة كانوا يرسمون لوحة قماشية عريضة لوحات تعبر عن
تضامنهم مع شهداء وجرحى الانتفاضة... وعندما سألت منظم حفل التضامن عن أطفال
المخيمات الذين يشاركون بأجسامهم الصغيرة في القتال دفاعاً عن مستقبل وطنهم.
مستفسراً عن سر غيابهم لم يستطع الإجابة وتلعثمت كلماته.
لا أظن أن سلوكاً كهذا يمكن أن يصنع مشروعاً ثقافياً ولا أعتقد أن هؤلاء
الفنانين الذين نظموا هذا الحفل ا لتضامني مع الانتفاضة في (مركز بلدنا) في رام
الله يعرفون عناصر ومكونات وأسس المشروع الثقافي المحلوم به، كما أنني لا أعتقد
أن سكوت الكتاب والمثقفين والفنانين عامة على ذبح (سينما دنيا) في رام الله
وتحويلها ببساطة إلى مرآب للسيارات لا يعني غير عدم وجود رغبة أو نية لإنتاج
مشروع ثقافي جديد نحترم فيه تاريخنا وهويتنا وآثارنا.
إننا شعب مخترق ومباح للجميع، لا أحد يجادل في ذلك، قد يُفهم عجز وصمت
السياسيين وقد تبرز تناقضاتهم وألا عيبهم لكني لا أستطيع فهم تقاعس وتواطؤ
ومراوغات بعض المثقفين. الذين يجب أن يتحسسوا الأوجاع مبكراً ويتعمقوا أمراض
المرحلة ويحثوا على الرفض والمقاومة والتصدي للبليد والمبتذل والفاسد والمزيف
والمتآمر والعابر والضحل. لا أدري كيف سنواجه مشروع الغرب الاستعماري الثقافي
قبل أن نواجه أمراضنا. كيف نتصدى لمشروع الصهيونية الثقافية ونحن نتجاهل أقدس
أبعاد المشروع الثقافي الفلسطيني، وهو البعد القومي، وطالما نحن نقتات على
ولائم رموزنا السياسية.
إن إحدى إشكاليات وأمراض مشروعنا هو تخبطه وعجزه عن تحديد المفاهيم حتى الآن،
ما زالت كلمة ا لتطبيع تحمل أكثر من معنى ما زال المثقفون يهيمون كل في صحراء
معناه، رأيي الشخصي أن العلاقة الطبيعية مع الإسرائيلي الإنسان الذي يعترف بحقي
في أرضي والحياة هي ضرورية جداً.
أما العلاقة مع منكري حقوقي فهي محرمة أخلاقياً ووطنياً ودينياً وحسب كل شرائع
العالم، ونحن بذلك نعري رواية الآخر إلى جانب التمسك بروايتنا، والدفاع عنها
بالأسنان قبل الوجدان.
ماجد أبو غوش
-شاعر-
رام الله
إن من أشد ما لمسته في المشهد الثقافي، هو تعثر هذا المشروع الذي يتحدث عنه
الجميع، فالمشروع الثقافي أي مشروع يحتاج إلى آليات وروافع، عندنا لا يوجد
آليات ولا روافع فكل يغني على ليلاه، حتى في مجال الطباعة للكتاب لا يوجد هناك
استراتيجية واضحة للطباعة، علاوة على العلاقات الشخصية التي تحكم الأشياء هنا،
كنا قبل أوسلو نكتب عن حلم، وبعد أوسلو اكتشفت أن الحلم قد سرقه أوسلو.
الإستراتيجية الثقافية غير موجودة في فلسطين، في ظل غياب/ تغييب المثقف عن
المشاركة في اتخاذ القرار الثقافي، القرار الثقافي ليس بيد المثقف والمبدع
الحقيقي بل هو في يد موظفين رسميين، يتماشون في طرحهم مع الخطاب السياسي
الرسمي، الذي هو أيضاً خطاب متعثر.
الرواية الفلسطينية من يكتبها؟... هنا لا أحد مهتم بالرواية الفلسطينية، وكل
ماهو منشور لا يتعدى أشعار وحكايات مكرورة لا تغني ولا تسمن من جوع، على ذكر
الرواية الفلسطينية، أرى أن المتلقي مهتم بشكل جيد، وأذكر كيف أنني طبعت كتاباً
للزميل عايد عمرو بعنوان (معركة الحزام الأخضر)، هذا الكتاب لم يستقر في السوق،
بل إن هناك من جاء وطلبه من المطبعة، لأن مثل هذه الروايات ليست موجودة في
السوق المحلي الفلسطيني، أيضاً رواية الزميل حسن حميد(جسر بنات يعقوب) وهي
رواية مهمة في الرد على الرواية الصهيونية، إلاَّ أن الحاصل والمؤسف رغم أهمية
هذه الرواية لم يكتب عنها هنا في فلسطين سوى مرة واحدة، عكس ما هو متعارف عليه،
لأن العلاقات كما قلت هي التي تحكم المشهد الثقافي هنا.
للأسف انتشرت هنا ظاهرة الدكاكين الثقافية، فهل هذه الدكاكين قادرة على خلق
مشروع ثقافي فلسطيني؟.. أشك في ذلك لأن جلّ هذه الدكاكين ملك شخصي للمسؤول عنها
ولحاشيته.
في ظل تشرذم الكتاب لا أرى أية فرصة لنجاح مشروع ثقافي فلسطيني، أما التطبيع
فهو كما تعرف محاولة من المطبعين للمماهاة والانحياز إلى الحل السلمي المفقود
برأيي إن التطبيع لا يمكن له النجاح هنا، وإن المطبعين لا يشكلون حيزاً مهماً
في المشهد الثقافي، وهم منبوذون...
باسم أبو سميه
-صحفي-
رام الله
اقترح لبناء مشروع ثقافي فلسطيني أساسين مهمين:
1-تجمع حقيقي للكتاب والمثقفين يقوم بأرشفة الثقافة الفلسطينية وتجميعها منذ ما
قبل التاريخ، ضمن أسلوب علمي مدروس.
2-أن يكون هناك اهتمام إعلامي في احترام الذات أي احترام المثقف نفسه، لتعميم
إنتاجه، لأنه لا يجب أن تبقى الثقافة الفلسطينية في دائرة محدودة ومغلقة، من
خلال تقييمها عربياً وعالمياً، وترجمة الأدب الفلسطيني إلى لغات العالم الحية.
ويرى أبو سمية أن ثمة مشكلة تتمثل في عدم الاعتراف بثقافتنا المحلية، حيث لا
إعجاب بالثقافة، في ظل غياب حركة نقدية جادة.
وحول مواجهة المشروع الثقافي الصهيوني، يرى أبو سمية أنه يجب الاتفاق على مصطلح
ثقافي فلسطيني واحد، وحقيقي، حيث أنه على كافة المثقفين التعامل معه بصورة
جادة، ويجب أن تكتب الرواية الفلسطينية الحقيقية الغائبة، أي تجسيد الرواية
الشفوية وتوثيقها على الانتباه من عدم السقوط في المصطلحات السائدة الموسومة
فنحن نستخدمها مثل (الأماكن)، وأن نكرس جزءاً كبيراً من هذا الإنتاج للتعريف
بها، بعيداً عن الشعارات والواقع المعيش. أما بخصوص التطبيع، فيرى أنه يعني
الاندماج بالمفهوم الإسرائيلي، والتعامل معه بشكل مسلم فيه، في الوقت الذي لا
يوجد فيه ثقافة إسرائيلية على الإطلاق، بل هنالك كتابات مفبركة وغير صادقة
ومبتعدة عن الحقيقة وبالتالي التطبيع ليس لقاء أو أكثر هنا وهناك، فهذا لا يعني
تطبيعاً، والتطبيع فكرة ابتدعتها إسرائيل أو النظام العالمي الجديد، لتفريغ
الإنسان العربي من فكرته، التي يجسد من خلالها هويته وثقافته العربية.
ويضيف: تهدف إسرائيل من وراء التطبيع الدخول إلى فكر الشخص متماهية بأكذوبة
أهمية السلام، والرفاه الاقتصادي، ومحاربة العنف وفي النهاية تصب كلها في
القناة السياسية.
فيصل قرقطي
-ناقد
وشاعر-
رام الله
المشروع الثقافي لا ينبني بمقالة أو قصيدة أو بوصفة سحرية، بل هو تكثيف لحالات
تراكمية عبر عشرات السنين والذي من شأنه أن يخلق آليات فهم وصوغ كتابي جديد،
ويعزو قرقطي خصوصية المشروع الثقافي وتميزه عن غيره إلى كونه يخوض منذ قرن
وأكثر معركة المصير الوطني الفلسطيني، بحيث ظل مرتبطاً بحالة من التنوير الشعبي
والوطني، بحيث أنه إذا تم إفراغ الميزة الوطنية من هذا المشروع فإنه لن يبقى
منه إلا القليل وتأسيساً على ذلك يقول قرقطي بأن المشروع الثقافي يتخبط بين
التقليدية الوطنية والعشائرية، التي تطغى على المفهوم بل وتجسد مفاهيمها الخاصة
التي تأسر هذا المشروع.
ويضيف: هذا الارتهان جعل وضعنا الثقافي بكامله أشبه بنملة ما زالت تحبو لالتقاط
قوتها.. وينسحب هذا الأمر حتى على التفكير السياسي والاجتماعي والإبداعي
عموماً.
نحن مأزومون في علاقتنا مع الثقافة... ومع الكتاب... بل ومع القراءة... نحن لا
نقرأ أنفسنا... إلاَّ في المناسبات وعبر محفزات المحدث ليس إلاَّ... أين هم
المثقفون عندنا؟!... انهم في أحسن أحوالهم قراء نشيطون ومن هم في التصنيفات
كتاب ومفكرون هم في أحسن الأحوال أيضاً قراء جادون...
هذا الوضع غير الطبيعي الذي يمر به مجتمعنا على الصعيد الثقافي يشير بوضوح أي
أننا بحاجة إلى تحديدات وتعريفات أساسية للانطلاق منها والبناء عليها لأن
المشروع الثقافي مجموع التراكمات الاجتماعية والسلوكية والنفسية الهائلة منذ
مئات السنين.
والعملية الثقافية لا تقتصر على الكتاب والمبدعين والشعراء وإنما تمتد لتطال
كافة قطاعات المجتمع، وكيف هذه القطاعات كونت رأيها وأرسلت طريقة التعامل فيما
بينها لذلك لا أجد أن دخولنا الألفية الثالثة سيغير من الأمر شيئاً، إلا هذا
النبض شبه الميت والذي يلهث في دروب التطور كلهاث عدو السلحفاة.
أما بخصوص مواجهة المشروع الثقافي الغربي والصهيوني، أعتقد أن الإرث الذي راكمه
مشروعنا الثقافي الوطني العام خلال مئات السنين والطريقة والفهم اللتين ناضل
الإنسان الفلسطيني عبرهما مكنته من البرهان على ذاته... وجعلته أكثر اهتماماً
لمصيره والعمل على حريته للوصول إلى مصير ومستقبل أفضل وأهم مسألة برأيي يجب
على المشروع الثقافي الفلسطيني أن يكثف من صياغتها وصيانتها هي تجذر هذا
المشروع في إطار تاريخانية المشروع الثقافي العربي كجزء أساسي لا ينفصل البتة
عنه ولا بأي حال من الأحوال. إضافة إلى الربط الممنهج تحليلاً وتركيباً
واستنتاجاً بروحية الخطاب الميثولوجي العربي.
أما مصطلح التطبيع فهو بحاجة إلى إعادة نظر جذرية لما أثارته من طروحات ومفاهيم
وبالتالي إعادة النظر لهذا المصطلح من الزاوية الطبيعية له... وليس معنى هذا
الكلام سوى الرفض التام للتطبيع ليس على أساس الخوف من الآخر وروايته، وإنما
لأن الظروف الطبيعية لم تنضج بعد.
يوسف قزاز-شاعر وإعلامي-
رام الله
إن المشروع الثقافي يتأتى من خلال الارتقاء بالوعي، لأن الثقافة بمجملها
وتعريفاتها الزائدة والكثيرة هي الوعي أي الوعي بقضيتنا الوطنية دون أن نتكئ
عليها كملهم وحيد في عملنا الثقافي. أتمنى أن نبني أركان المشروع الثقافي
الفلسطيني على أعمدة التوثيق، ذلك أن التوثيق هو الذاكرة أي أن لا ننسى أن
فلسطين بلد له أبعاد ثقافية كونية، بحكم أنه وطن الميلاد ووطن الإسراء
والمعراج، وهذا شد العالم لهذه البقعة.
نستطيع أن نواجه المشروع الثقافي الغازي، بأن نخرج ونوسع دائرة ثقافتنا
المكتوبة، إذ إن معظمها شفاهي، وهذا ما أثر على انتشارها، وحصرها قط باللغة
العربية الأم، علينا التوجه للعالم بلغاته الحية لمواجهة العولمة التي ترسل
وتبث لنا ثقافات عديدة.
أما موضوع التطبيع فيخلص إلى القول: أن تكون حالتنا الفلسطينية متوائمة مع
الحالة الإسرائيلية التي ترفض روايتنا رواية الحرية والاستقلال.
أضيفت في12/05/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الأسبوع العربي (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
درس في النقد
عن واقع النقد الأدبي في الثقافة العربية في اسرائيل
بقلم: نبيل
عودة
كتب الزميل الناقد الدكتور بطرس دلة ( من قرية كفرياسيف في الجليل -
بدأ يكتب النقد وبكثرة بعد تقاعده من سلك التعليم ) مراجعات نقدية عن ديوانين
شعريين للشاعر رشدي الماضي ( من سكان مدينة حيفا , بدأ كتابة الشعر بعد ان
تقاعد هو أيضا من سلك التعليم ) الذي ينشر في الفترة الأخيرة بكثرة وفي عدة صحف
محلية .
يقول الزميل الناقد في بداية مقالة نقدية عن ديوان للشاعر رشدي
الماضي : " وهو في جميع ما يكتب تتجلى شاعريته بخصوبة الفكر والكلمة التي باتت
تميز ما يكتب . وهو انسان واسع الاطلاع مثقف وقاريء كثير القراْة والمطالعات .
ونحن نلمس ذلك من خلال قصائده والتلميحات الكثيرة لمصطلحات ادبية عالمية
ولأسماء لامعة في الابداع في أدب الغرب والشرق على حد سواء , وهو الى جانب ذلك
متبحر في قواعد اللغة العربية وبحور الشعر على مختلف تفعيلاتها ."
امام هذه المقدمة للمقال "النقدي ", لم نقرأ نقدا , انما سجودا
وتأليها , وهذا حق مشروع للناقد على المستوى الذاتي , ولكن عندما تتحول هذه "
الفتوى" الأدبية الى مقال نقدي ينشر كنقد ادبي موضوعي , يصبح من حق القاريء ان
يفهم القاعدة التي ينطلق منها هذا التأليه وعبادة الصنم المتمثل بالشاعر وشعره
موضوع " النقد ".
الملفت ايضا ان الناقد يثبت في نقده مسائل شخصية تماما قبل الحديث
عن المنقود . يكتب : " واسع الاطلاع مثقف " ( هل هناك شعراء غير مثقفين ؟- ن.ع.
) و " نلمس من خلال قصائده التلميحات الكثيرة لمصطلحات ادبية عالمية ولأسماء
لامعة في الابداع " ( من يستعمل الاصطلاحات الأدبية العالمية ويكرر اسماء ادباء
لامعين يصبح شاعرا كبيرا ؟ أصلا لم أجد في شعره لا اصطلاحات ولا اسماء لامعة –
ن.ع .) و " متبحر في قواعد اللغة " ( هل من شعر بلا قواعد عربية ؟ - ن . ع . )
ونجيء للسؤال الأساسي : هل حقا عثر الناقد على كنز شعري .. وهل في كتابات رشدي
الماضي شيء من الشعر يستحق هذا المديح المنفلت والتقريظ غير المعقول ؟
تعالوا نقرأ القصائد التي الهمت الناقد هذه الفتوى النقدية
التأليهية , وهي القصائد التي اعتمدها الناقد في " دراسته الموضوعية " وذلك حتى
لا يتهمني بسوء النية في اختيار النماذج . يقول رشدي :
واذا انتابتك ؟! ( علامتا السؤال والتعجب في الاصل وليسا من اضافتي)
فائض من شهوة
فاجعل رأسك منجنيقا
سيظل فينا طفل
يأبى ان ينحني
وأن يركع
هل أطربكم هذا الشعر ؟ ما العلاقة بين الشهوة التي تنتابك والطفل
الذي يأبى ان ينحني ؟ لا تسألوني الآجابة واقسم بكل الأنبياء اني لاأعرف .
بالطبع لا ترابط بين المعاني .. وهي امور لا يفهمها الا ناقد هذه القصائد ,
بارك الله فية وبجهوده النقدية , وأمد في ابداعه النقدي ! وجاء في قصيدة اخرى :
البس قميص الغدر !!
واغسل لونه الأحمر (اللون الحمر لون الغدر ام لون الثورة ؟ - ن .ع)
أنا ... وان رميتني في برية
الموتى
انا هنا قيثارة صبر لنواح
الذاكرة
انا هنا وقد عدت الى هاتيك الحكاية
سأظل في غيابته
"يوسف " يمسك ...
بالخروج
حتى مرور المعجزة...
حتى مرور المعجزة...
فهمتم شيئا ؟! الناقد فهم وطرب وكتب : "الشاعر في هذا الديوان انسان
مرهف الحس , فكل كلمة لديه لها وزن خاص ووقع خاص ايضا "
بالله عليكم اعيدوا قراءة ما يسمى شعرا . هل لمستم شيء من الحس
المرهف للشاعر ؟ وهل باستطاعتكم الان معرفة الوزن الخاص لكل كلمة ووقعها الخاص
أيضا ؟!
لا تضيعوا وقتكم في القراءة للمرة الثالثة , يكفي اني ضيعت وقتي
وجلبت لنفسي وجع الرأس .
عن ديوان آخر لنفس الشاعر ( رشدي الماضي )يكتب الزميل الناقد ما يلي
ببداية المقال "النقدي الموضوعي ":
عزيزي الاستاذ الشاعر الكبير رشدي الماضي "!!" أنت تفاجئنا من حين
لآخر بهذا الابداع الزاخر وهذ الاطلالة المشرقة في عالم الشعر المحدث , حتى
باتت قصائدك التي تنشرها في صحفنا المحلية محط أنظار الجميع , تلفت الانتباه
بشكل كبير , فيهتم بها القراء الذواقة , ويحتفظون بها الى أن ترى النور في
ديوان من بنات افكارك !"
ماذا تبقى للنقد بعد هذه المقدمة التي شمل فيها كل القراء ( وانا
منهم ) وادعى اننا نحتفظ بقصائد الشاعر المنشورة حتى تصدر في ديوان . لماذا لا
تتحدث باسمك عزيزي الناقد ؟ وأي ابداع زاخر واطلالة مشرقة ؟؟ بحثت وقرأت ,
وللأسف لم أجد الا قصائد ما دون المتوسط بكثير ... ولو كنت محررا ادبيا لما
نشرتها .
الأمر الأخير عزيزي الناقد الدكتور بطرس دلة , انت تتحدث عن " شعر
محدث ", أي حداثة هذه التي تعنيها ؟! وهل حقا تفهم ما هي الحداثة ؟! ام ان
استعمال الاصطلاحات بات لعبة أدبية في ظروف الأزمة الأدبية الشاملة التي تعيشها
ثقافتنا المحلية ( داخل اسرائيل )؟ حقا لماذا التردد في الكتابة , ولماذا
التفكير النقدي العقلاني ما دام لن يقرأ النقد الا المنقود وبعض الانتحاريين
أمثال نبيل عودة , بعد ان انفض القراء عن قراءة الشعر ونقده ؟!
عزيزي الناقد المحترم ... ما كتبته لرشدي الماضي ليس رسالة شخصية
اخوانية , انما تقييما ادبيا نقديا , وفي هذه الحالة انت تنطلق من الخاص بينك
وبين الشاعر الى العام الذي يخص ثقافتنا (المسكينة) أو خطابنا الثقافي اذا ظل
لهذا الخطاب حدودا مدركة... ومع ذلك يفترض الحذر الشديد والالتزام بالمنطق
النقدي البديهي , التجرد من العلاقة الشخصية وعدم تحويلها الى قاعدة نقدية
اساسية .. او الصمت لمن لا يملك القدرة على الالتزام بالصدق والاستقامة النقدية
... والمهم عدم الرعونة في تتويج الملوك على ثقافتنا , لانه لا ملوك في الثقافة
.. ولأن الملوك تسقط ولن يتبقى الا ملوك اوراق اللعب .
من حقك عزيزي الناقد ان تطرب لقصائد زميلك في التعليم والتقاعد رشدي
الماضي , ولكن ليس من حق أحد ان يفرضه ملكا للأبداع الشعري " مهما تجلت شاعريته
بخصوبة الفكر " كما كتبت .
للأسف لا شعر في كتابات رشدي الماضي ولا حتى نثر قريب للشعر او
للأدب . ومع ذلك الموضوع ليس موضوع رشدي الماضي , انما نهج خاطيء ارجو ان يكون
زلة قلم وحماسة زائدة مصدرها الزمالة التاريخية في سلك التعليم , وما يميز
الناقد والمنقود كونهما من جيل "اكتشف" الأدب ," ابداعا ونقدا" بعد التقاعد من
سلك التعليم .
تحياتي للناقد والمنقود ... والموضوع ثقافي عام ويخصنا جميعا . لذا
اقتضى التنويه !!
2
لا اريد ان يتوهم القاريء اني استاذ في النقد الادبي , انا قاريء
متذوق للأدب , وحسب مارون عبود , الذائقة الأدبية هي أفضل معيار نقدي , وعلى
اساسها مارس أعظم النقاد العرب ( مارون عبود ) عمله النقدي الثقافي الابداعي
الخالد , ونفس الظاهره نجدها لدى الناقد الكبير محمد مندور .
يؤلمني حتى النخاع التضليل الأدبي الذي يقوم به بعض مثقفينا , تحت
نصوص تسمى بالنقد , يغيب عنها النقد , وتغيب عنها الذائقة الأدبية البديهية,
وأكثر ما يغيب عنها المصداقية والاستقامة الادبية , وهذه الظاهرة تتسع باضطراد
في الثقافة العربية داخل اسرائيل , ويساعد على ترويجها في الفترة الأخيرة بعض
الأدباء العرب في مقدماتهم التي تفيض بالمدائح غير المعقولة لبعض الكتب لأدباء
من العرب في اسرائيل .
لست ضد رعاية الناشئين من كتاب وشعراء , بل هو واجب مقدس . ولكن بين
الرعاية والدعم , والمديح المنفلت لدرجة تنمية الوهم المجنون , بانهم بلغوا قمة
الابداع الأدبي , ببعض النصوص التي تفتقد لأي لون أدبي حقيقي , ولا تتعدى كونها
تجارب ومحاولات لصياغة ادبية , بات يشكل في ثقافتنا ظاهرة مقلقة , أصبح الصمت
عليها جريمة أدبية وأخلاقية .الناقد الذي لايفقه مهمته وأثرها الكبير على مسار
ثقافتنا , يجب ان يصمت , وأن يمارس ما يشاء من الالوان الثقافية ... ليلعب
لعبته بعيدا على ان لا يتسلل لتوجيه الأهداف غير المشروعة , التي تكرارها يشكل
خروجا عن المفاهيم الأدبية وأخلاق الابداع الأدبي .
وحتى لا يفهمني خطأ الذين اتعرض لهم بكتاباتي في اطار حرية الرأي
والتعددية الفكرية والذوقية ,اود ان اوضح باني أحب كل المساهمين ببناء صرح
أدبنا , كتابا وشعراء ونقاد , لا فرق بين الذين يوفقون في ابداعهم او يتعثرون
... طريق الابداع ليست " اوتسترادا "للانطلاق السريع ,انما طريق جبلية بالغة
الصعوبة , وتفترض مسوى من الوعي وتطوير الوعي , الى جانب تطوير الخصائص الشخصية
, خصائص السيطرة على النص وقيادته , بدل ان يقودنا , وخصائص تنمية الملكات
العقلية , وهذا ليس وقفا على المثقفين الشباب , بل وعلى كل مثقف يزين صدره
بالألقاب الأكاديمية العليا أيضا .. لأنه ببساطة لا حدود للوعي والادراك في
العقل البشري .
الثقافة لها مدلولات ابعد كثيرا من مجرد الابداع الأدبي , الأدب هو
الجانب الروحي للثقافة ,والثقافة بمفهومها التاريخي تشمل الابداع المادي ايضا
,أي انجازات الانسان العمرانية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة , وهذا يحمل
الناقد على الاخص , وكل المبدعين في مجال الثقافة الروحية , مسؤولية كبيرة ان
لا يغرقوا في المبالغات المرعبة في بعدها عن الواقع , تماما كما في العمليات
الاقتصادية والاجتماعية , ولا يمكن تجاوز الواقع بالكلمات الجميلة فقط
هذه المقدمة الطويلة كان لابد منها, لأهمس في أذن الزميل الدكتور
منير توما
, ما سبق وقلته لزميل آخر . من حقك أن تطرب لقصائد شاعر او شاعرة
معينة , ولكن ليس من حق أحد أن يفرض ملكا جديدا , ما تكتبه عزيزي الناقد د.
منير , ليس رسالة شخصية , انما تقييما ادبيا نقديا , وعندما أقرأ القصائد التي
أطربتك اصاب بالصدمة والذهول , اذ لا شيء من الشعر فيها ... مجرد محاولات كان
من المبكر جدا ان تجمع في ديوان , وحتى يكون كلامي واضحا أعني ديوان الشاعرة
آمال عواد – رضوان : " بسمة لوزية تتوهج ".
أتمنى لآمال رضوان مزيدا من الابداع الشعري , ولكن ديوانها لم
يتجاوز كونه تجربة شعرية , قد تبشر بالخير , أما ان نجعل منه عبقرية شعرية ,
فأنت تلحق الضرر بآمال نفسها وبمستقبلها الشعري ..
انت تتحدث عن شفافية شعرية .. وأنا في حيرة , لم أجد شعرا , فكيف
اهتديت الى
الشفافية ؟ والحمد لله انك لم تستعمل تعبير "الحداثة "أيضا , الذي
يحب استعماله البعض بمناسبة وبغير مناسبة .
حتى لو كان الديوان عبارة عن نصوص حب وانصهار وأحلام في الصبابة
والغرام , فهذا لايجعله شعرا حتى لو أثار حماستك " الثقافية ", ولا يعني كشف
خلجات النفس الانسانية انها شفافية شعرية , ومن , ايها الشاعر باللغتين ,
العربية والانكليزية , يعرف صحة ذلك أكثر منك ؟!واذا كان لابد فهذا استشهاد من
مقالتك "النقدية " عن القصائد التي سحرتك وأمتعتك :
" لم يتأوه حبيبي
والنار تتآكل في دمائه ولا تأكله؟
أما كان الأولى بنيرانه أن تتأوه؟
افتح لي قلبك الذهبي حبيب قلبي
واسكب أحشاءه على راحتي ..
بالأسى,
سمعت وعولك تناغي ظباء حزنك
آه يا رحم روح
أتولد فينا ؟"
حتى لو كانت الفتاة العاشقة كما تقول , التي تتحدث الشاعرة بلسانها
: " تجسد بركانا من الألم ولهيبا من النيران ... وبحرا من الدموع " وأن : "
صورة الوعول والظباء تمثل الرغبات العاطفية ". ( الويل لنا من هذه الرغبات
والويل لنساءنا ) ثم ما الذي أعجبك ناقدنا العزيز بالصورة الشعرية التي تتحدث
عن : " واسكب احشاءه على راحتي "؟ طبعا لمنير استنتاجات أمتنع عن ذكرها احتراما
للشاعرة , لأنه يسيء اليها في خلطه النقدي .
ومع ذلك هذا لا علاقة له بالشفافية الشعرية , او بالشعر البسيط .
ولابد من سؤال للدكتور الشاعر والناقد منير توما : هل العشق والحب
يحولنا الى وعول وظباء ؟ أو ربما يعيد الانسان الذي فينا الى الغابات ؟! وهل
ممارسة الحب باسلوب الوعول والظباء هو التعبير كما تكتب في نقدك : " عن خلجات
نفس شاعرتنا وأنين مشاعرها "؟!... وهو ما جعلك تختتم نقدك العبقري بالاستخلاص
بأن الشاعرة : " تتمتع بموهبة شعرية أنيقة , رومانسية النزعة "؟!
لا أريد ان استرسل حتى لا أظلم الشاعرة آمال عواد , فنقدك اساء لها
كثيرا , وحالنا مع نقدك مثل المثل العربي الذي يقول: "جاء يكحلها عماها ".
وأقول لكل المبدعين الشباب , اياكم والغرور , أفضل ان لايعالج
نقادنا الأوادم أعمالكم الأدبية , من أن يعموا عيونكم عن الحقيقة وعن الابداع
الأدبي الحقيقي !!
أضيفت في30/01/2007/ خاص
القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
الثقافة النقدية والنقد الثقافي
بقلم: نبيل
عودة
اشغلني موضوع النقد الأدبي في ثقافتنا العربية في اسرائيل من جوانبه
المختلفة ، وخاصة جانب المتابعات النقدية للأعمال التي يصدرها الأدباء المحليين
.
ربما يكون بعض الأدباء من المتعاملين مع النقد او الابداع ، ، يرون
في كتاباتي ومواقفي اتجاها عكس التيار ، ومهما بدى ذلك صحيحا الا انه بعيد عن
الصواب .
لا يستطيع احد ان ينفي الجهود التي كرستها للمبدعين الشباب ،
ومتابعة انتاجهم في ظل تجاهل كامل تقريبا ، للحركة النقدية المحلية ، لكتاباتهم
، خلال العقود الماضي ،وكان التجاهل نفسه هو دافعي للتورط في الكتابة النقدية..
واعترف اني غير نادم ( رغم ما تعرضت له من هيجان غاضب ) اذ اعطاني ذلك ادوات
عدة في التعامل مع النصوص ، وتطوير قدراتي الذاتية على تحسس الأبداع ، والتمييز
بين المبدع الجاد والموهوب وبين مدعي الابداع ، الضحلين نصا وفكرا ، وتشكيل
آرائي النقدية والثقافية والابداعية العامة ، حول كل ما يتعلق بالثقافة من
امتدادات فكرية واسلوبية ..
كان النقد وقفا على نخبة ، لا انفي اهليتها له ، ولكن ما التزموا به
من انغلاق نقدي ثقافي ترك ترسبات سلبية ، وهي تجربة ذاتية عبرتها ، دفعتني في
لحظة ما الى الاهتمام بالنقد ، وكتابة المراجعات النقدية والثقافية ، ومحاولة
استجلاء العالم الفكري الواسع للثقافة ، ليس بمضمونها الروحي فقط ، كابداع
نثري او شعري ، انما بمضمونها الفكري والفلسفي العام .. بصفتها شكل من اشكال
الوعي الاجتماعي ، ومحورا للنهضة الفكرية والثقافية العامة لمجتمعنا خاصة ،
ولكل المجتمعات العربية التي نتواصل معها بحكم اللغة والواقع السياسي
والانتماء القومي والحلم الواحد .
يمكن نصنيف ما قمت به ضمن مفاهيم " الثقافة المضادة " التي تقود
الى خلق موجات متعددة من ردود الفعل الثقافية . نسبيا كاد الامر ان يكون قريبا
من الانجاز . . لكن غياب المنابر القادرة على التماثل مع هذا الزخم المضاد ،
والتلون الفكري لدى العديد من المثقفين ، والجبن الذي يميز البعض ، مع الأسف
الشديد .. حال دون تحقيق اندفاعة مؤثرة للثقافة المضادة ، لدرجة تسمح
بتحولها الى رافد ثقافي آخر في مواجهة " الثقافة النخبوية " التي روجت عن
طريق وكلاء حزبيين ..
دخلت وقتها في نقاشات حادة مع ممثلي تيار الثقافة النخبوية ، كان
نقاشا حادا وممتعا كشف الضحالة الفكرية التي يعتمدها ممثلي هذه الثقافة، او من
تبوأ "الدفاع " عنها ، دون ان يعي اللعبة الثقافية وراء دوافعي ، حيث انني
سياسيا كنت من نفس التنظيم ، وهذا كشف لي حقائق كثيرة ، ساعدتني فيما بعد
بتكوين شخصيتي الثقافية والسياسية والفكرية المستقلة ..
من المستهجن انه حتى الذين لهم مصلحة شخصية في ما حاولت ان اعطيه
من دفعة للثقافة المضادة ، في مواجهة الثقافة النخبوية ، التي لم تسلم من
انتقاداتهم .. لم يصل وعيهم للأسف الى مستوى يجعلهم يشكلون رافدا ثقافيا قادرا
على فرض نفسه في الساحة الادبية ، كتيار ثقافي مضاد ، ولا اقول معاد ، لأن
الثقافة تفترض التكامل ، وألأضداد في الثقافة تقود الى الوحدة الثقافية ، عبر
خلق ديناميكية من النشاط الفكري والثقافي المتعدد الوجوه . هذه هي على الأقل
رؤيتي وقناعتي الفكرية ، بدون حوار لا تطور , التماثل المطلق يخلق الركود (
وهذا ما قضى على الثقافة النخبوية ) .. حتى في الفلسفة ، احد القوانين
الفلسفية الاساسية ، يتحدث عن وحدة وصراع الاضداد ، وهو بالمفهوم الفلسفي ،
قاعدة التطورفي كل مجالات الحياة .. فهل تكون الثقافة شواذا لا تخضع لهذه
القاعدة ؟!
من المهم ان يترسخ وعي اساسي بان الثقافة ليست للنخبة الاجتماعية او
السياسية ، وليست لنخبة يختارها حزب ما او دولة .. مررنا على هذه التجربة ..
وما تركته لنا اليوم فقر فكري وثقافي .. وحياة ثقافية بائسة .
ان العملية النقدية تشترط ما هو أعظم وأكثر امتدادا من مجرد تكرير
اصطلاحات ، او الادعاء الذي يكرره البعض: " بأني اكتب واتعامل مع النصوص حسب
معايير نقدية .. الخ " . لا يا اصحابي ، هذا ادعاء فارغ !!
العملية النقدية تحتاج الى رؤية اكثر اتساعا من موضوع العمل الذي
نتناوله بالتحليل او الاستعراض النقدي . النقد هو عملية فكرية اكثر اتساعا من
صفحات الكتب موضوع النقد ، النقد له سياقه الفكري وله امتداداته الاجتماعية .
كل التقدير والاحترام للمناهج الأكاديمية في النقد ، ولكن هذه المناهج تتحول
الى سجون للتفكير وقيود على الوعي وتشتيت للذائقة الادبية ، اذا لم نحولها الى
منطلق فكري ننطلق منه نحو الأصالة والتجديد في رؤيتنا الثقافية العامة . ما
يحدث في نقدنا المحلي ، بما فيه من يدعون الاكاديمية في نقدهم ، هو خلق نظام
نقدي منغلق على ذاته ، ومنغلق على القارئ المفترض ان يتواصل مع الابداع ومع
النقد . ما يحدث ان الناقد يكتب رسالة شخصية لصاحب العمل موضوع النقد ، وارضاءه
هي المهمة النقدية للناقد ، وهي القيمة الكبرى للكتابة النقدية .
الثقافة ، ابداعا او نقدا ، يجب ان تكون فعل اجتماعي وعمل لاثراء
الوعي التقافي والفكري للانسان . والنقد هو احد الادوات الهامة في هذا الفعل .
اما نقدنا المحلي في السنوات الاخيرة ، فيتميز بأكثريته المطلقة بالعلاقات
العامة ، والتشريفات الاجتماعية والدهلسة والنفاق .. ويفتقد للقيمة الثقافية
كمعيار هام للعملية النقدية .
النقد اذا لم يتحول الى تيار ثقافي قائما بذاته ، وليس كتغطية فقط
لبعض الاعمال الادبية ، يظل ظاهرة غير مجدية ومضرة ، تحول النقد الى ظاهرة
سلبية يجب مواجهتها ثقافيا .
هناك علاقة عضوية بين النقد والايديولوجيا ، واعني بالايديولوجيا
ليس فقط المنظومة الفكرية ، انما القدرة على الربط بين الثقافة والمجتمع ، بين
الثقافة والانسان . وهذا هو الغائب الكبير عن الممارسات النقدية .. وعن فكرنا
وثقافتنا عامة !!
أضيفت في30/01/2007/ خاص
القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
تسالي
بقلم: نبيل
عودة
تنتشر في السنوات الاخير , في الثقافة العربية داخل اسرائيل , ظاهرة
ادبية لاأظن ان لها رديف في آداب اخرى , لااقصد ابداع نوع ادبي جديد , انما
اقصد ادباء بداوا يمارسون ما يقع مجازا تحت صيغة الادب , بعد تفرغهم وخروجهم
للتقاعد , وبالأساس تقاعدهم من سلك التعليم .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا تلقائيا : هل يفعلون ذلك كنوع من التسلية
؟ هل صمتهم كان خوفا من فقدان وظائفهم ؟.. او تقدمهم في مراتب الوظائف ..
فزجروا شيطان الأدب في نفوسهم , وربما اقتلعوه ؟ وهل ما يطرحوه اليوم من شعارات
قومية فضفاضة يعبر حقا عن مشاعرهم , أم هي صحوة متأخرة بعد ان استقر امن
معيشتهم ؟
انا لااقرر بالحق الانساني المشروع بان يساهم المرء بالابداع الادبي
, او المشاركة بالحياة السياسية والاجتماعة , بأي جيل كان ومتى رأى في نفسه
القدرة على العطاء . الأدب والحياة الثقافية ليست احتكارا على احد , والمساهة
بالحياة السياسية لا يتطلب اذنا من احد , واختيار الموقف القومي والفكر القومي
او اي فكر آخر يساري او ديني هو اختيار حر. والجيل ولحظة القرار في المساهمة
الثقافية او السياسية هي مسألة ذاتية تفرضها ظروف الانسان ومستوى وعيه وقدراته
على العطاء والبذل .
المشكلة التي تطرحها هذه الظاهرة , ليست في اكتشاف البعض لمواهبهم
في هذا الجيل المتأخر... ولكن من متابعتي لما ينشرونة من كتابات مختلفة , وفي
ظل واقع ادبي مأزوم لأسباب عدة , لست الآن في باب طرحها , لم أجد اية موهبة
تذكر , انما اعمال فجة , وكتابات ركيكة المضمون ومهتزة الفكر , بلا رؤية ثقافية
واضحة , وبلا مضمون اجتماعي بسيط , وغني عن القول انها تفتقد للعناصر الجمالية
البديهية التي يفترض ان تشملها الكتابات الأدبية , وتفتقد حتى للانشاء البسيط
.. الخطاب الأدبي شبه غائب ومن الصعب الاشارة الى الخطاب التاريخي .. الا اذا
اعتبرنا التلويح بالشعارات القومية الجوفاء والمفردات التراثية او السياسية
ابداع بحد ذاته .. الذي اعنيه بوضوح أكبر , نفتقد في اعمال اصحابنا المتقاعدين
للعناصر الأساسية في الأدب. ثرثرتهم وشعاراتهم القومية التي يحشون فيها
كتاباتهم , في التلخيص الأخير هي بلا اي مضمون انساني وجمالي بسيط , والتفسير
الوحيد لها انهم يريدون التعويض لأنفسهم عن فترة " الخوف السياسي "... الآن
تقاعدوا وتلقوا تعويضاتهم وأصبحوا "أحرارا" في التعبير عن خلجات نفوسهم التي
زجروها أثناء عملهم وزجروا طلابهم من اي تعبير عن مشاعرهم أو القيام بنشاطات
يشتم منها رائحة الانتماء الوطني او الثقافي , رغم ان مساحة الحرية التي تتمتع
فيها مدارسنا اليوم .. ومنذ عقدين على الاقل .. تفتح ابوابا واسعة للنشاطات
السياسية والثقافية الوطنية داخل المدارس .. وللأسف بعض "قوميي" اليوم ظلوا على
خوفهم ومنعهم لأي نشاط توعيي ثقافي , واليوم جاؤوا يتاجرون ببضاعتهم التي فات
موعد تسويقها .
لا اعتقد بان ادبنا ستزداد مكانته بمثل اولئك " الأدباء" , كانوا
وسيبقون هامشيين , حتى لو بلغ صراخهم القومي في كتاباتهم التافهة اعلى مراتب
الزعيق والصراخ. ليس بهذا الشكل نفهم الانتماء للأرض والوطن , وليس بهذا الشكل
يبدع الأدب .. حتى لو اصبحت الصفحات "الأدبية " في صحافتنا المحلية المحروسة
وقفا على ثرثراتهم العبقرية . للأسف الصحافة اليوم تلعب دورا سلبيا في الحياة
الثقافية للعرب في اسرائيل بشكل عام , حتى الصحف التي كان لها دورها الكبير في
اعلاء شأن الأدب الفلسطيني للعرب في اسرائيل تتخلى عن طليعيتها ويفقد الأدب
مكانته كسلاح ثقافي ساهم في صيانة وتقوية هويتنا الوطنية والثقافية ولغتنا ,
وصيانة ترابطنا الاجتماعي والسياسي , وهو موضوع يستحق وقفة خاصة .
بالطبع اصحابنا لايكتبون فقط شعارات قومية .. انما شعارات عشق ووله
, بعد ان لم يعد ينفعهم عشقهم في الممارسة , تماما كما في السياسة .
المميز في هذه الظاهرة ( غير الأدبية ) هو كونها اضافة مقلقة
للرداءة الأدبية , وتحويل الأبداع الأدبي الى ممارسات تسلية . ربما يعتقدون
انهم يلحقون انفسهم ويصطفون الى جانب شعبهم , لذلك صارت الشعارات القومية ,
شعرا ونثرامميزا للتفاهات التي تتراكم تحت صيغة الادب أو السياسة ... كما قلت
صحافتنا المسكينة ملومة وتتحمل مسؤولية هذا الاسفاف وهذه الرداءة .ولكن هل توجد
لدينا صحافة مسؤولة اليوم ؟وهل من صحيفة تعطي للمواد الأدبية حقها ؟ ما ألاحظه
هو السباق على نشر نصوص رديئة, حتى في الصحف التي سمت محررا ادبيا لها .. ام لم
تفعل ذلك , الأمر سيان , اكتبوا ما تشاؤون , واياكم ان يكون مفهوما حتى لكم ..
وأنا اضمن ان تنشر تفاهاتكم , وأن "تشتهروا " بسرعة البرق ( وقد جربت ذلك
باسماء مستعارة وفي عدة صحف ).
أما "الأدباء" بعد طيرت العشوش فراخها .. فأنصحهم بالراحة , التي
قضوا زهرة عمرهم تحت خيمتها , خوفا وانكفاء .سيظلون مجرد تافهين فيما ينشرون ,
فلم يبق من العمر قدر ما مضى , فهل يطمعون بتجديد شبابهم بعد ان اكتشفوا "
فجأة" انهم أدباء ؟
أضيفت في30/01/2007/ خاص
القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب
دراسة أدبية تاريخية عن نهضة ونشؤ الأدب الفلسطيني للدكتور سليمان جبران:
بقلم: نبيل
عودة
صدرت عن سلسلة منشورات الكرمل – جامعة حيفا ، ودار الهدى – كفر قرع
دراسة نقدية ادبية تاريخية ، هي الاشمل في موضوعها وموضوعيتها ، تلقي الضوء ،
بمنهجية ادبية نقدية تاريخية علمية على نشؤ ونهضة الادب الفلسطيني ، عبر دراسة
للخصائص المميزة لهذا الادب ، والعوامل التي ساهمت في خصوصيته الوطنية والفنية
..
صاحب هذه الدراسة ، الدكتور سليمان جبران ، هو ناقد وباحث ادبي
معروف ، وهو استاذ الادب العربي الحديث في جامعة تل أبيب ، وكان رئيسا لقسم
اللغة العربية وأدابها في الجامعة بين ( 1998 – 2002 ) ويرأس اليوم مجمع اللغة
العربية في اسرائيل ، وصدرت له كتب عدة من الابحاث والدراسات الادبية النقدية
من ابرزها كتابه عن احمد فارس الشدياق – " الفارياق : مبناه واسلوبه وسخريته "
( صدرت طبعته الثانية عن دار قضايا فكرية – القاهرة – 1993 ) وكتابه عن محمد
مهدي الجواهري – " صل الفلا : دراسة في سيرة الجواهري وشعره " ( صدرت طبعته
الثانية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت وعمان – 2003 ) الى جانب
مؤلفات ، ابحاث ودراسات مختلفة عن اللغة العربية وعن الاعمال الادبية لأدباء
عرب من اسرائيل وفلسطين وغيرها من الاقطار العربية ..
اعترف من البداية ان هذا البحث فاجأني في عرضة واستنتاجاته ، وفي
عدم لجوء الباحث الى الاستنتاجات التي لا تعتمد على الحقائق الموضوعية ،
والامتناع عن صياغة المواقف بناء على الذاتية او الحماسة الوطنية التي تميز
الكثير من الدراسات او المراجعات الثقافية المشابهة ..
الباحث يلتزم بالحقائق والوقائع المثبتة ، ولا يذهب نحو التأويلات
الحماسية . من هنا اهمية هذا البحث ، الذي دفع صاحبه الى قراءة كل ما وقع تحت
يده من نصوص ومراجع ذات صلة ، في مكتبات الجامعات والاصدقاء في البلاد وفي
مكتبة الجامعة الاردنية في عمان ، كما يشير الكاتب في مقدمته .
طبعا لن اتحدث عن كل مضمون الكتاب ( 217 صفحة من الحجم الكبير ) ،
انما ساحاول التعرض لابرز ما يطرحه الباحث .
يقسم الباحث كتابه الى قسمين اساسيين ، الاول ويشمل دراسة تتقصى
المميزات المضمونية والاسلوبية ، وتحديد نشوء ونهضة الادب الفلسطيني بمفهومة
ادبا وطنيا يعبر عن القضايا الوطنية للمجتمع الفلسطيني ، وليس مجرد كتابات لا
تحمل سمات فلسطينية ، انما سمات اسلامية عامة لا هوية وطنية له ..
ويعالج بتوسع الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب وشعراء هذه الحقبة
التي بدأ يتجلى فيها الادب الفلسطيني بمفهومه الجغرافي والاجتماعي كمعبر عن
واقع فلسطيني بدأ يتبلور سياسيا واجتماعيا ، وتقف امامه تحديات مختلفة تهدد
كيانه وصيرورته المستقبلية .
يشير الباحث الى كثرة عدد الشعراء من مطلع القرن العشرين وحتى
النكبة ، وهي الفترة التي يرى انها كانت الحاسمة في نشوء الادب الفلسطيني
وتميزه القومي والجغرافي ، ويتناول اربعة شعراء يرى انهم يمثلون الشعر
الفلسطيني في عهد الانتداب خير تمثيل ، سواء في مضامين هذا الشعر او اساليبه
الفنية ، والشعراء هم : وديع البستاني ، الذي يرى به رائد للشعر الفلسطيني ،
والشاعر ابراهيم طوقان – شاعر فلسطين الاول ، والشاعر عبد الرحيم محمود – الذي
اتبع القول بالفعل ، والشاعر عبد الكريم الكرمي - الذي عاش نصف حياته مشردا
بعد نكبة فلسطين وهو شاعر الغنائية في الشعر الفلسطيني ، كما يصفه .
القسم الثاني ملحق شعري لقصائد الشعراء الاربعة الذين تناولتهم هذه
الدراسة ..
الفصل الذي يفتتح هذه الدراسة والمعنون ب :" نهضة الادب الفلسطيني "
هو رؤية ثقافية تاريخية ، شديدة التركيز لنشوء ما صار يعرف اليوم بالادب
الفلسطيني . صحيح ان فلسطين لم تعدم في تاريخها الادب والادباء ، وهناك اسماء
معروفة في الادب الذي انتجه ادباء عاشوا فوق الارض الفلسطينية ، ولكن السؤال
الذي يشغل الباحث ، هل يمكن اعتبار هذا الادب ادبا فلسطينيا لانه انتج جغرافيا
فوق المساحة التي تعرف بفلسطين ؟ ام ان لنشؤ الادب القومي ( الفلسطيني في
حالتنا ، الذي يطرح قضايا المجتمع الفلسطيني ، ومسائل المصير الفلسطيني )
شروطا ومميزات خاصة لم تكن قد نشأت تاريخيا ؟
اعتقد ان هذا الفصل هو المميز الهام والاساسي في هذه الدراسة ....
حيث يتابع ما دار من نقاش في الصحافة العربية والفلسطينية حول الحياة الادبية
في فلسطين ، وتجاهل العديد من الدراسات العربية لنشوء ادب فلسطيني وظهور ادباء
فلسطينيين .. ويسجل ملاحظة هامة للدكتور اسحق الحسيني الذي كان سكرتيرا للجنة
العربية الثقافية في فلسطين ، التي نظمت المعارض والنشاطات الثقافية المنوعة
، وذلك بدءا من الربع الاول للقرن العشرين وحتى النكبة ، يشير فيها الحسيني
الى ان : " الناحية الثقافية في فلسطين لم تظفر بما تستحقه من عناية ، ولم توضع
في منزلتها من مظاهر الحياة الاخرى، ولم يعرف مبلغ تأثيرها في حياة الامة .."
الى ان يقول : " ان الامة العربية في فلسطين شاركت في قديمها وحديثها في التراث
العربي مشاركة اصيلة . "
الاستنتاج الذي يصل اليه الباحث ان الادب الفلسطيني حتى الاربعينات
من القرن العشرين لم يظفر باعتراف الاوساط الأدبية المهيمنة في القاهرة وبيروت
، بل اعتبر رافدا " تابعا " ، حتى في نظر بعض ابناء البلاد انفسهم .
ويستنتج الدكتور جبران ان : " النظرة الموضوعية تقتضينا الاعتراف
بأن النهضة الثقافية في فلسطين قد تأخرت فعلا واختلفت عما شهدته مصر ولبنان من
انبعاث ثقافي في العصر الحديث ، وذلك لعوامل تاريخية هامة .."
يرى الدكتور جبران ان : " اول هذه العوامل واجلها خطرا ... هو ان
فلسطين لم تكن كيانا جغرافيا سياسيا متميزا حتى الحرب العالمية الاولى ، فقد
كانت فلسطين بحدودها "الانتدابية " منذ الفتح الاسلامي ، تشكل مع الاردن جندين
من أجناد بلاد الشام " .... " وفي الامبراطورية العثمانية بقي هذا التقسيم
مرتبطا بوحدة بلاد الشام .. "
الاستنتاج الذي يصل اليه الباحث ان فلسطين : " لم تكن في الواقع
كيانا مستقلا ، او شبه مستقل ، لا قبل الفتح الاسلامي ولا قبل المسيح في العصور
القديمة ايضا " و " كان موقعها الهام وبالا عليها بصفتها جسرا بريا يربط بين
اسيا وافريقيا او بين امبراطوريات وادي الرافدين وامبراطوريات وادي النيل "..."
وبحريا بين اوروبا وآسيا " ... " وغدت ممرا للغازين والمستعمرين خاضعة لهذا
الفاتح او ذاك دون ان تعرف استقلالا تاما او استقرارا حقيقيا منذ فجر التاريخ
... حتى مكانتها الدينية الرفيعة في الاديان الثلاثة كانت عاملا سلبيا في نشؤ
كيان فلسطيني مستقل .. الى جانب ضيق رقعة فلسطين الجغرافية وانعدام السهول
الخصبة الواسعة والمياه العذبة الوفيرة ، كما هي الحال في مصر والعراق ، مما
حال ايضا ، كما يستنتج الباحث .. دون استقلالها سياسيا ، او الظفر بكيان ذاتي
متميز فعلا . وهذا خلق معوقات للنهضة في فلسطين بوجه عام والنهضة الثقافية بوجه
خاص ..
في هذه المراجعة لهذا الكتاب القيم من المستحيل ان اسجل كل التفاصيل
التي اعتمدها الدكتور جبران في بحثه واستنتاجاته ، لبداية النهضة والعوامل
السلبية في تعويقها .. ولكن من المهم الاشارة الى ان العديد من الباحثين رأوا
ما أكدة هذا البحث من استنتاجات ، وبأن ما انتج من ادب في فلسطين حتى بداية
القرن العشرين كانت موضوعاته تقليدية لا تحمل سمات فلسطينية .
الدكتور سليمان جبران لا يقبل استنتاجات بعض مؤرخي الأدب الفلسطيني
الذين حددوا بداية الادب الفلسطيني بمنتصف القرن التاسع عشر ، ويقدر ان السبب
قد يكون ان هذا التاريخ كان بداية لظهور وانتشار مفاهيم القومية العربية ...
ويؤكد رؤيته بأن الشعر الفلسطيني ، بمعناه الوطني الدقيق ، لم يكتب قبل مطلع
القرن العشرين .. اما شعر القرن التاسع عشر ، فلا يعكس مجتمعا فلسطينيا وانتماء
فلسطينيا ، انما هو شعر اسلامي في معظمه ، لم يجدد شيئا في مفاهيم الشعر ، او
مضامينه او اساليبه .
اما الاستناج المثير والهام برأيي فهو تأكيده ان بداية الشعر
الفلسطيني الحقيقية كانت في مطلع القرن العشرين ، استجابة لاحداث كبرى ...
اهمها المشروع الصهيوني الذي أخذ يتحقق للعيان ، ثم الدستور العثماني ( 1908 )
ونشوب الحرب العالمية الاولى و"الثورة العربية الكبرى "( 1916 ) ثم وعد بلفور (
1917 )حتى بداية الانتداب البريطاني ( 1922 ) – هذه هي الاحداث الكبرى التي هزت
المجتمع الفلسطيني من الاعماق وشكلت العوامل الحاسمة في بلورة الانتماء
الفلسطيني بعيدا عن الانتماء الاسلامي العثماني ، ومتميزا عن الانتماء القومي
العربي . ويسجل جبران قصيدة ( كتبت عام 1910 ) للأديب محمد اسعاف النشاشيبي ،
يرى انها قد تكون اول شعر فلسطيني يكتب ،رأيت ان اوردها في هذه المراجعة :
يافتاة جودي بالدماء بدل الدمع اذا رمت البكاء
فلقد ولت فلسطين ولم يبق يا اخت العلا غير دماء
ان الاستعمار قد جاز المدى دون ان يعدوه عن سير عداء
انها اوطانكم فاستيقظوا لا تبيعوها لقوم دخلاء
اذكروا ان غركم مالهم عزة الانفس دوما والاباء
في القسم الثاني من الدراسة يتناول د. سليمان جبران موضوع : " الشعر
الفلسطيني في عهد الانتداب " وهي دراسة نقدية تحمل من الاثارة الثقافية والرؤية
النقدية الموضوعية ما يستحق مراجعة اخرى مستقلة .
ولكن المميز الاعظم لهذه الدراسة التاريخية الثقافية ، هو وضع
النهضة الثقافية الفلسطينية في مكانها وسياقها الصحيحين ، برؤية موضوعية بعيدة
عن الاستنتاجات العاطفية التي تغرق الكثير من الدراسات . ما اود ان اسجله اضافة
لما سبق ، ملاحظة عابرة ، بان هذه الاستنتاجات اعادتني الى كتاب " الثقافة
والامبريالية " للمفكر الفلسطيني الكبير ، المرحوم ادوارد سعيد ، حيث لاحظ ان
الثقافة الاستعمارية قادت دائما الى نشؤء " ثقافة مضادة " لدى الشعوب المغلوبة
على امرها ( المستعمرة ) ، وان هذه الثقافة المضادة تطورت الى ثقافة وطنية لكل
شيء ، لها ميزاتهاواساليبها ومضامينها وطابعها الخاص.
كتاب هام ونادر في موضوعه وموضوعيته ، وهويشكل قاعدة هامة لدراسة
الادب الفلسطيني والحياة الثقافية في فلسطين قبل النكبة وبعد النكبة ، وخاصة
تطور الشعر العربي والأدب العربي عامة داخل اسرائيل بعد (1948) ، وهو الموضوع
الذي يشغل الدكتور سليمان جبران الان ..
كتاب " نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب" للدكتور
سليمان جبران ( اصدار منشورات الكرمل - جامعة حيفا / 2006 )
من قضايا الجماهير العربية في اسرائيل*
أضيفت في30/01/2007/ خاص
القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
نهوض مبارك في الحركة الفنية وقصور مخجل في الدعم
*اجحاف
في الميزانيات الحكومية الرسمية .. وغياب الدعم من مؤسساتنا العربية
*42
مليون شاقل دعم للفرق الموسيقية في اسرائيل ، حصة فرقة الناصرة للموسيقى
الشرقية 380 الف شاقل فقط ، ولا دعم للفرق الاخرى
*هل
تعي مؤسساتنا واحزابنا وجمعياتنا القيمة التربوية التعليمية الاجتماعية
والوطنية للنشاط الفني الثقافي والموسيقي ؟؟*
بقلم: نبيل
عودة
تشهد الحركة الموسيقية والفنية والمسرحية المحلية ، داخل المجتمع
العربي في اسرائيل ، نهضة موسيقية فنية ومسرحية غير مسبوقة ، والمؤسف له ، ان
التنظيمات السياسية والمؤسسات الصحفية تتخلف عن ركب هذه الانطلاقة ، واحيانا
تشكل عائقا في تطورها، بقصورها بأن تعكس ، فكريا ، ادبيا وصحفيا اهمية هذه
الانطلاقة ، وتأثيرها ايجابيا على واقعنا الاجتماعي ، ولا تتابعها في النصوص
المناسبة مثل التغطية الاخبارية المناسبة ، المراجعات ، النقد والتقارير
الثقافية . وبعض ما يكتب من متابعات ، هو دون المستوى المناسب والضروري ،
ويعتمد اساساً على الكتابات الاعلامية التي توزعها الفرق المسرحية والفنية
نفسها . أي نستطيع القول انه يوجد شبه انقطاع ثقافي وصحافي عن الانطلاقة الفنية
المسرحية والموسيقية المباركة . بالمقابل نجد تغطية واسعة لاخبار " فنانات
روتانا " و "نتألم" عندما ن- " شوف الواوا" كيف يلوي جسد هيفاء وهبه .. بينما
مسارحنا تغلق لغياب الميزانيات وغياب التخطيط .
الانقطاع الذي اشير اليه ليس فقط انقطاعا ثقافيا واعلاميا ، انما
انقطاع عن الواقع الذي تعيشه فرقنا الفنية وصراعها من اجل البقاء والاستمرار في
ظروف مادية صعبة للغاية ، تتسم بشحة مصادر التمويل وصعوبة الوصول اليها ، الى
جانب سياسة التمييز الواضحة وضوح الشمس في توزيع الدعم من وزارة التعليم
والثقافة ، والتي ساعرض بعض تفاصيلها في مقالي هذا . ولكن قبل ذلك اريد ان
اتعرض لمؤسساتنا ، وسؤالي بسيط وملح بنفس الوقت :
هل تعي مؤسساتنا الرسمية والشعبية اهمية النشاط الموسيقي والثقافي
والفني ، والقيمة التربوية والاخلاقية والتعليمية من هذا النشاط ، وانعكاسة
السياسي والاجتماعي على واقعنا ؟!
ويبدو ان السؤال يجر افكارا اخرى مشروعة ، تفرض علي طرحها بدون
مواربة، وبما لا يعرضني لطائلة القانون :
اعرف عن وجود جمعيات عربية اهلية نقشت الثقافة والفن على "
فاتريناتها ".. وميزانياتها تبلغ ملايين الدولارات ، دولارات نفط ، ودولارات
دعم مختلفة . لا اعتراض لي على مصادر الدعم ، على شرط ان يجد هذا الدعم طريقه
لمن يستحقه فعلا ، بحيث نرى انعكاسه الثقافي والفني على واقعنا الاجتماعي . .
ويساهم في احداث نقلة نوعية في مجتمعنا ، نحن بأمس الحاجة اليها .
اذا لم نستطيع ان نتغلب على قصورنا الذاتي فهل نكتفي بالبكاء على
واقع التمييز القومي الذي يطول كل نواحي حياتنا ؟!
لا ابرر سياسة التمييز الفاضحة ، انما ارفض قصورنا الذاتي ودجلنا
الثقافي والسياسي الذي هو التعبير الواضح ، والذي لا يفسر على وجهين على
رؤيتنا الثقافية المشوهة ، وعلى اولوياتنا المشوهة والعشوائية ، وربما على عدم
وجود رؤية ثقافية لدى "قادتنا " ومؤسساتنا (!!).
ما هي حاجتنا الى جمعيات ثقافية وفنية تحصل على تمويل من مصادر
عربية ودولية مختلفة ؟ هل تقدم لنا الجمعيات الاهلية المحترمة عرضاً لنشاطها "
العظيم " في خدمة ثقافتنا وفننا المحلي ؟!
استطيع ان اقول فقط ان ميزانيات الثقافة التي تتدفق عليها تذهب الى
خدمة جيوب ومشاريع لا شيء ثقافي فيها ....
اما مؤسساتنا الرسمية السلطات المحلية مثلا : فبينها وبين الثقافة
عداء مستفحل . اقول هذا بشكل عام رغم ان بعض السلطات المحلية تجهد نفسها حقا
لتقديم ما تستطيعه من دعم .. حقا تدعم كرة القدم ويا ليت فرقة فنية بارزة ،
بالمسرح او الموسيقى او الرقص ، تحصل على جزء يسير مشابه لدعم فرق كرة القدم .
لا اريد ان يفهمني احد انني ضد الرياضة وضد كرة القدم ، اكثر رياضة
شعبية بغياب تخطيط عام للرياضة في الوسط العربي ... انما اسجل فقط ما اراه من
نهج يميز المشرفين على مجتمعنا وقدراتهم العقلية والتنويرية في فهم واجباتهم
نحو شعبنا الذي يعاني الامرين ، من السلطة مرة ، ومن انفسنا أكثر من مرة !! .
لا يا سادتي لسنا بحاجة الى شوارع فقط ، ولسنا بحاجة الى شبكات
تحتية فقط .. حقا كلها ضرورية لنا ، كلها مهمة ، ولكن عليكم ان تكونوا على علم
كامل بان غياب برامج تنمية الثقافة والفنون يضر بتطورنا ووعينا الاجتماعي
والسياسي والاخلاقي ، ويولد مجتمعاً مقهورا متخلفا ، حتى لو سافر في احدث
موديلات السيارات .. أو استعمل افضل احذية ايطالية لقدميه ..
اذكركم فقط .. تنشط في الناصرة ( وآخذ الناصرة كنموذج انا مطلع علية
جيدا ، وهذا لا ينفي وجود فرق فنية ممتازة في العديد من البلدات العربية ) عدة
فرق موسيقية وفنية ورقص شعبي بارزة تشمل فرق للرقص الشعبي وفرق موسيقية ابرزها
"فرقة الناصرة للموسيقى العربية" التي يديرها الاستاذ سهيل رضوان منذ اكثر من
عقد ونصف من السنين وهناك فرق ممتازة اخرى عدا فرق المسرح . وبالطبع لا يمكن
تجاهل جمعية " اورفيوس " التي يديرها الاستاذ دعيبس عبود اشقر وتهتم اساسا
بتنمية وتطوير الثقافة الموسيقية الغربية الكلاسيكية ، وتقوم بنشاط اسطوري في
مقاييسه واتساعه في التوعية الثقافية الموسيقية لطلاب المدارس . وبحق تخلق جيلا
جديدا للمستقبل .. ومن اخر نشاطاتها استضافة الفلهورمونيا الإسرائيلية بقيادة
المايسترو المعروف عالميا زوبين ميتا في مدينة الناصرة ، بامسية رائعة حضرها
طلاب وجمهور عربي ويهودي واسع جدا ... الى جانب برامجها الموسيقية والثقافية
المميزة .
المؤسف ان مدينة الناصرة رغم الجهود البلدية الكبيرة ما تزال تفتقد
لقاعه ملائمة لهذه النشاطات ، وكثيرا ما تضطر الفرق لاقامة برامجها في الناصرة
العليا اليهودية ،او في قاعة كيبوتس المزرعة الذي لا يزيد عدد سكانه عن عشر
سكان الناصرة . لا يوجد أي تبرير يمكن قبوله على غياب قاعة " اوديتوريوم "
مناسبة للعروض الموسيقية والمسرحية والفنية في مدينة الناصرة خاصة والوسط
العربي عموما ( مثلآ عروض " فرقة سلمى للرقص الشعبي " تقام في الناصرة العليا
اليهودية لجمهور الناصرة العربي ) مثل هذه القاعه كان يجب ان تقوم بعد انتصار
الجبهة في بلدية الناصرة الذي مضى عليه 31 سنة (!!) حقا اقيمت مراكز ثقافية
ولكنها لا تف بالغرض ، ولا بالمتطلبات الروحية الابداعية المتزايدة .
اذا كانت الناصرة ، المدينة العربية الأساسية في اسرائيل ( عاصمة
الجماهير العربية ) في هذا الوضع السيء ، فقس على ذلك وسطنا العربي كله ... حيث
يبلغ حد المأساة في بعض البلدات العربية .
من الناصرة لوحدها استطيع ان اعدد اسماء فنانين وصلوا الى العالمية
... بل الى قمة العالمية .. مثلا عازف البيانو المبدع سليم عبود اشقر , وفنانين
في صعود متواصل ويحتلون مكانة فنية موسيقية مرموقة في الموسيقى الشرقية ايضا ،
وامتنع عن ذكر الاسماء حتى لا انسى احدا ، مكانتهم الموسيقية تضاهي ، على الأقل
... المستوى في العالم العربي .
هل يتوقع احد ان نحافظ على تطورنا بجهودنا الذاتية فقط ؟!
انا اعرف ماذا يعني تعليم احد ابناء العائلة الموسيقى او المسرح او
الانضمام لفرقة رقص شعبي . عدا الجو الذي يتركه الفن داخل البيت ، وتأثيره
الايجابي المؤكد على التحصيل العلمي والدراسة لكل ابناء العائلة ، وعلى الدخول
الى عالم حضاري حدودة السماء ثقافيا وفنيا ، الا انه يقتضي مصروفات ضخمة جدا ،
ليس من السهل للعائلات متوسطة الحال تدبرها، واعرف ان بعض العائلات ذات الوعي
المتقدم لأهمية التثقيف الفني لأبنائها ، تتبع سياسة تقشف صعبة ، وتغطي نفقات
التعليم بالاعتماد على القروض المالية .. من أجل ضمان عدم حرمان ابنها الموهوب
من تطوير قدراته وتقدمه الفني .. وقد تحرم الابناء الاخرين من امكانية مسار
فني مشابه او مختلف ... ولكن على الأغلب هذا المجال يكاد يكون وقفا على
العائلات الميسورة .
بالطبع جمعيات الثقافة والفن المتنوعة تعيش سعيدة باموالها وهي "لا
في العير ولا في النفير" .. اهتماماتها تقع بعيدا عن حاجات مجتمعها التي "
شحدوا" الاموال من أجل "دعمه " ودعم الموهوبين من ابنائه !!
السلطات المحلية شبه عاجزة عن تسديد معاشات موظفيها فمن اين لها ان
تهتم بهذه المسائل الفوقية " التافهة " !!
الاحزاب وقادة الاحزاب ابطال قوميون صناديد يقاتلون الصهيونية في
عقر دارها ويقضون في الطائرات متجولين بين الأنظمة العربية ... وجولات "
نضاليه " سياحية في العالم ، اكثر مما يقضون من وقت بين " جماهيرهم " ...
ولتذهب الثقافة والفن والمثقفون والفنانون الى الجحيم .
اذن ما تبقى لنا ، الاستعداد الشخصي في تحمل مشاق طريق الفن ،
والدعم الرسمي الذي يعاني من حالة تمييز مقلقة جدا ايضا .. وللأسف الشديد هذه
الحالة لا تلفت انتباه نوابنا في الكنيست واحزابنا وسلطاتنا المحلية والجمعيات
الاهلية المتخصصة في النضال ضد التمييز .
تعالوا نستعرض التمييز في توزيع الميزانيات.
اخذت هنا نموذجا فرقة الناصرة للموسيقى العربية ( جمعية تنمية
وتطوير الموسيقى الشرقية ) التي مقرها الناصرة ، وهي من ابرز الفرق الموسيقية
الشرقية في نشاطها الواسع في الوسطين العربي واليهودي وفي برامجها في مختلف
انحاء العالم .
وقعت بين يدي وثيقة تشمل تفاصيل الدعم من وزارة المعارف والثقافة
لعام 2006 لفرق الموسيقى المختلفة الناشطة في اسرائيل . من بين 19 فرقة موسيقية
هناك فرقة موسيقية عربية واحدة هي فرقة الناصرة للموسيقى العربية .
تبلغ ميزانية الدعم باكملها 41,569,390 مليون شاقل ( أي واحد
واربعين مليون ونصف المليون شاقل تقريبا ) توزع على الفرق الموسيقية الناشطة .
حصة فرقة الناصرة للموسيقى الشرقية التي تمثل الجماهير العربية
رسميا في قائمة الدعم للموسيقى تبلغ 381,229 الف شاقل ( أي ثلاثمائة وواحد
وثمانين الف ومائتين وتسعة وعشرين شاقلا ) أي أقل من 2 % من ميزانية دعم الفرق
الموسيقية ، والمعروف ان نسبة العرب 20 % من السكان !
وقمت بمقارنة اخرى مع فرقة شبيهة بفرقة الناصرة ، وهي فرقة "اندلوسيا
" اليهودية ، وتتخصص بالموسيقى المغربية بالاساس ، وعدد عازفيها حسب معلوماتي
هو نصف عدد عازفي فرقة الناصرة العربية ، عدد فرقة الناصرة هو 18 عازف غير
المغنين والمغنيات .
ميزانية فرقة "اندلوسيا" من ميزانية الدعم لوزارة المعارف
والثقافة تصل الى 2,903,546 مليون شاقل ( أي مليونان وتسعمئة الف شاقل تقريبا
) الا يستحق هذا الوضع تدخل نوابنا في الكنيست واقامة ضجة سياسية واعلامية
وبرلمانية ، وربما قضائية ايضا ؟
هل زيارة دمشق وعمان وبيروت والقاهرة ودول الخليج واوروبا وآسيا اهم
من هذا الموضوع الثقافي الحضاري الانساني لمجتمعنا ؟!
اقول بوضوح ان جمهور فرقة الناصرة للموسيقى الشرقية في الوسط
اليهودي نفسه هو جمهور واسع جدا ، وبرامجها في الوسط اليهودي تشهد حضورا واسعا
يتفوق حتى على حضور الجمهور العربي ، ولا يقل عن جمهور الفرق اليهودية عدديا ،
ودورها له مضامين ثقافية وانسانية في التقريب بين الفنون والثقافات وتعريف
الجمهور اليهودي على الثراء الفني والحضاري للعرب.. وكسر طابو التحريض العنصري
والأفكار السلبية المسبقة عن التراث العربي .
حقا الفرقة لا دخل لها بالسياسة ، ولكن نشاطها ينعكس ايجابيا ويفتح
القلوب لمحاولة فهم شخصية هذا الشعب الذي يناضل توأمه في المناطق المحتلة ، من
اجل حريته من الاحتلال وبناء دولته المستقله . وان صواريخ القسام ، او الحجارة
.. ليست هي الات العزف والغناء الوحيدة التي يتقنها ، وانه يستطيع ان يكون
مختلفا ومشابها لسائر الشعوب بما فيهم الشعب اليهودي .
سهيل رضوان ، مؤسس فرقة الناصرة : دعمنا الرسمي يتقلص باستمرار !!
في حديث شخصي مع الاستاذ سهيل رضوان مدير فرقة الناصرة للموسيثى
العربية ، قال ان من شروط الميزانية ايضا الدعم الذي تحصل عليه الفرق الموسيقية
من سلطاتها المحلية ( البلديات ) وان ما تقدمه البلدية من دعم تقدم الوزارة
مثيلة ايضا . واضاف ان ميزانية فرقة الناصرة للموسيقى العربية تتعرض للتقليصات
المستمرة مما يضيق الخناق على امكانية تطوير نشاط الفرقة وتوسيعه وشمل اتجاهات
أخرى .. مثلا العمل مع الناشئين لاعداد كوادر موسيقية جديدة ، او العمل على
تلحين اغان من كلمات شعراء محليين ، وان ما يجري في هذا المجال هي جهود فردية
لبعض اعضاء الفرقة ولا يسد الفراغ في خلق حركة تلحين محلية قادرة على الاستمرار
والتطور .
وعن سؤالي عن العلاقة مع بلدية الناصرة قال : ان الدعم المالي لفرقة
الناصرة للموسيقى الشرقية من بلدية الناصرة يبلغ الصفر . هناك دعم غير مالي
بتوفير قاعة للتدريب مثلا في المركز الثقافي البلدي او اعطاء القاعة لبرامج
الفرقة .
حان الوقت لطرح هذه القضية على كل المستويات الرسمية والاهلية
ومستوى السلطة وميزانياتها المجحفة بحق العرب في اسرائيل وبشكل عيني وليس
بثرثرة سياسية عامة عافتها نفوسنا . وان تتحرك السلطات المحلية نحو اقرار
ميزانيات للفرق الموسيقية والمسرحية وفرق الفنون المتنوعة الأخرى ... وآمل ان
يتحرك نوابنا في الكنيست لطرح هذه المسألة على لجان الكنيست ومع وزيرة المعارف
وكل من له علاقة بتقليص هذا الاجحاف الفاضح .
*ملاحظة:
اشعر احيانا اني الصوت الوحيد في طرح هذه القضايا ، الغائبة للأسف .. عن
اعلامنا المحلي داخل اسرائيل ، المجند منه حزبيا وغير المجند . من السهل الحديث
في السياسة ، من السهل الكلام عن القضايا الكبيرة في الهموم العربية ، ومن
السهل صياغة مقال حماسي آخر .. من الممتع الوقوف مع او ضد اعدام طاغية وايجاد
التفسيرات المتناقضة .. الصعب سادتي رؤية احياجاتنا كمجتمع بشري ، مجتمع يريد
ان يخرج من قيوده التي افتعل بعضها لنفسة . وبعضها فرضته عوامل داخلية وخارجية
مختلفة .
منذ اقامة دولة اسرائيل وتشريد الأكثرية من شعبنا الفلسطيني ، بقينا شراذم
مقطعة الاوصال .. هذه الشراذم لم يصلب عودها في فراغ ، لم تبني ذاتها بمساعدة
السلطة العنصرية المعادية لبقائنا في وطننا . لم تحافظ على لغتها وثقافتها
وتبني ذاتها الوطنية ومؤسساتها الشعبية والأهلية وتتطور علميا وتعليميا
واقتصاديا الا بالتحدي وخوض اشرس معركة صمود في سجل تاريخنا ، الذي يبدو منسيا
اليوم .. أو أمرا عاديا مفروغ منه .
لم تكن صدفة ان القيادة التاريخية للشيوعيين رأت اهمية الجانب الثقافي والتواصل
مع التراث والفن الأصيل في صيرورتنا كشعب وتنمية مناعتنا الوطنية ، وعلية شهدت
العقود الاولى بعد العام 1948 طفرة في النشاط الثقافي ، وكانت التنمية الثقافية
في جذر النشاط الشيوعي ..ونجحت الطليعة في توفير الأدوات الاعلامية التي ساهمت
، الى جانب حركة التثقيف الشعبية الواسعة ، في بناء ثقافتنا العربية في اسرائيل
.. ولا أظن اننا كنا قادرين على الوصول الىمكانتنا السياسية اليوم بدون هذا
النشاط المتشعب والبطولي .
الصورة اليوم مقلقة .. هناك نشاط هام تقوم به طليعة ممتازة من الفنانين
والمثقفين .. ولكن بغياب كامل للمؤسسات العربية من أحزاب ( التي تكاثرت وقلت
قيمتها وتاهت بفكرها وقادتها ) ومن جمعيات اهلية ومدنية ومؤسسات رسمية اصبحت
تحت ادارات وطنية ، ومن صحافة واعلام ، في دعم المسيرة الثقافية الفنية ،
معنويا وماديا .
اني ارى الخطر على تطورنا الاجتماعي ايضا من هذا الأهمال المريب .. من غياب
رؤية واضحة ومبرمجة لأهمية التنمية الثقافية والفنية ، وان نبدأ بتغيير
اولوياتنا بوضع الثقافة والفنون بمكانة متقدمة في نشاطنا السياسي والاجتماعي
والفكري .
أضيفت في30/01/2007/ خاص
القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
|